إسلام ويب

تأملات في سور القرآن - يونسللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة يونس سورة مكية، افتتحت بالتنويه بشأن القرآن، وتسفيه المشركين، وبينت أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلا ناقلاً للوحي لا يستطيع تغييره ولا تبديله، وقد تحدى الله عز وجل فيها المشركون أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن، وقد فضحت السورة المشركين وبينت تهافت عقائدهم.

    1.   

    أهم أغراض سورة يونس

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    سورة يونس مكية بإجماع المفسرين، وقد اشتملت على تسع آيات ومائة آية، وسميت بهذا الاسم؛ لأن في آخرها قول ربنا جل جلاله: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98].

    وهذه السورة المباركة قد اشتملت على ألف وأربعمائة وتسع وتسعين كلمة، في سبعة آلاف حرف وسبعة وثمانين حرفاً.

    ومن أهم أغراض هذه السورة المباركة: التنويه بشأن القرآن؛ ولذلك في افتتاح السورة قول ربنا جل جلاله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس:1]، فوصف ربنا جل جلاله القرآن بأنه حكيم، وبين سفاهة المشركين حين كانوا يسمعون القرآن فيقولون للنبي عليه الصلاة والسلام: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ[يونس:15]، ولقن ربنا جل جلاله نبيه صلى الله عليه وسلم الجواب بقوله: قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ[يونس:15]، فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس إلا ناقلاً للوحي، لا يتصرف فيه، كما قال الله عز وجل: إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ[الشورى:48]، فهو يبلغ عن الله عز وجل ما يوحي به إليه، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:192-195]، هذه مهمته عليه الصلاة والسلام.

    وكذلك في هذه السورة يتحدى الله عز وجل أولئك الكذابين الذين كانوا يزعمون أن القرآن من تأليف الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ[يونس:38]، فإذا كان القرآن مفتراً وهو من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام، فأنتم عرب أقحاح، فائتوا بسورة مثله! وهذه آخر مراحل التحدي: فالمرحلة الأولى: كانت في قول ربنا جل جلاله: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88]، أي: لا يستطيعون أن يأتوا بقرآن مثل هذا القرآن.

    والمرحلة الثانية: في سورة هود ، يقول الله عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ[هود:13]، فلما عجزوا؛ جاء في هذه السورة قول ربنا جل جلاله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس:38]، وهناك في سورة البقرة قوله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23].

    1.   

    مشابهة خاتمة سورة يونس لخاتمة سورة التوبة

    هذه السورة المباركة، سورة يونس متشابهة مع سورة التوبة في الخواتيم، مع أن سورة يونس مكية كلها، وسورة التوبة مدنية كلها، لكن في ختام سورة التوبة ذكر الرسالة والرسول: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، وهنا في آخر هذه السورة: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يونس:108-109]، وفي سورة التوبة فضح لأسرار المنافقين وهتك لأستارهم، وهاهنا فضح للمشركين وبيان تهافت عقائدهم.

    وليس بالضرورة أن تكون السورتان المتجاورتان متناسبتين في الموضوع، فقد تكون سورتان موضوعهما واحد، ولكنهما ليستا متجاورتين، فمثلاً سورة الهمزة في قصار المفصل: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، افتتحت بالدعاء وبيان ما عليه المشركون من سوء الأخلاق فهم همازون، لمازون.

    وكذلك سورة المسد افتتحت بالدعاء: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:1-2]، وهناك: الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:2-3]، فالسورتان متشابهتان، لكنهما ليستا متجاورتين، وقد تكون السورة في موضوع معين وبعدها سورة لا تشابهها في الموضوع أصلاً، قالوا: وهذا أنشط للقارئ وأدفع للملل وأدعى للتدبر والنظر، فهذا كله من أغراض القرآن، كما أن السورة الواحدة قد تحوي موضوعات شتى، تشتمل على الترغيب والترهيب والحكم والآداب، والأخلاق والأحكام، والحلال والحرام، والعقائد والقصص والأمثال، كله تجده في سورة واحدة، ينتقل الإنسان من موضوع إلى موضوع.

    1.   

    وجه قول الله عن المشركين: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) مع أنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً

    في سورة يونس موضعان، ربما يتطرق إليهما سؤال:

    الموضع الأول: يقول الله عز وجل عن المشركين: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس:18]، (هؤلاء) أي: الأصنام، (شفعاؤنا عند الله) معنى ذلك: أن المشركين يؤمنون بأن هناك قيامة تحتاج إلى شفاعة، وقد جاءت آيات أخرى تبين أن هؤلاء المشركين لا يؤمنون بالبعث أصلاً، وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [الأنعام:29]، مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الإسراء:49]، والجواب عن ذلك: بأن الشفاعة في قولهم: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس:18]، على فرض وقوع القيامة، يعني: لو صدق محمد أن هناك قيامة، كما قال الكافر الأول: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36]، وكما قال الكافر الآخر: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً[الكهف:36]، فالأمر عندهم مستبعد، لكن على فرض وقوعه، هذه الأصنام ستشفع لنا عند الله.

    1.   

    وجه قول الله: (قد أجيبت دعوتكما) مع أن الداعي هو موسى عليه السلام

    الموضع الثاني: دعاء نبي الله موسى عليه السلام، حين دعا على فرعون وقومه، فقال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88]، فالداعي هو موسى والله عز وجل قال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا[يونس:89]، قال المفسرون: الداعي موسى ، والمؤمن هارون ، يعني: هارون قال: آمين؛ ولذلك المؤمن داع، وبهذه الآية استدل من يقول: بأن قراءة الإمام قراءة للمأموم، وهاهنا أنبه على خطأ يقع فيه كثير من الناس، فإنهم إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، يشتغل بعضهم بالدعاء: رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين.. ويبدأ يدعو بدعوات؛ ظناً منه أن الناس لو قالوا: آمين، فإنما يؤمنون على دعائه.. لا، الناس يقولون: آمين على دعاء الإمام حين قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة:6-7]، ونحن نقول: آمــين، من أجل أن نشترك في دعوة الإمام الذي يصلي بنا.

    أسأل الله أن يهدينا صراطاً مستقيماً وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756289838