إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [200]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    ما يلزم المأمومين وإمامهم إن صلى بهم على غير طهارة ناسياً

    السؤال: إذا كنت أصلي بجماعة إماماً لهم، وبعد أن فرغنا من الصلاة تذكرت أنني لم أكن على طهارة، فما العمل؟ وهل علي إثم في ذلك؟ وهل يلزم إعادة الصلاة على الجميع، أم أنا فقط أعيدها؟ وماذا لو اكتشفت ذلك في أثناء الصلاة؟

    الجواب: إذا صليت في جماعة ثم تبين لك بعد الفراغ من الصلاة أنك لست على وضوء، فإنه لا إثم عليك؛ لقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ، وفعلك هذا تضمن أمرين؛ الأمر الأول: الصلاة وأنت محدث، وهذا وقع منك نسياناً فلا إثم عليك؛ لأنه من باب فعل المحرم، وفعل المحرم حال الجهل والنسيان لا إثم فيه؛ لما ذكرناه من الآية الكريمة، والأمر الثاني: أنك صليت بغير وضوء، وهذا من باب ترك المأمور، ولا يعذر الإنسان فيه بالنسيان، بل إذا نسي أتى بالواجب عليه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، فلم يسقطها بالنسيان، وهكذا جميع أوامر الله ورسوله لا تسقط بالنسيان إذا كان الطلب بها باقياً، وعلى هذا فنقول: عليك أن تعيد الصلاة، لأنك صليت بغير وضوء.

    أما بالنسبة للمأمومين الذين أتموا بك فلا إعادة عليهم؛ لأنهم صلوا بطهارة خلف إمام لا يعلمون عن حاله، فهم أتوا بما أمروا به، فليس عليهم في ذلك شيء.

    أما إذا ذكرت ذلك في أثناء الصلاة، فإن الواجب عليك الانصراف؛ لأنه لا يجوز لك الاستمرار في صلاة وأنت على غير وضوء، بل يجب عليك أن تنصرف من صلاتك، وحينئذٍ تأمر أحداً من ورائك أن يتم الصلاة بالجماعة الذين خلفك، فإذا كنت قد صليت ركعتين أتم بهم الركعتين الباقيتين، إذا كانت الصلاة رباعية، وإن لم تفعل فإن لهم أن يقدموا واحداً منهم يتم بهم الصلاة، فإن لم يتيسر ذلك فإنهم يتمون صلاتهم كل واحد وحده، ولا تبطل صلاتهم بذلك؛ لأنهم كما قلت: قد أتوا بما يجب عليهم، وفعلوا ما أمروا به من الإتمام بهذا الرجل الذين لا يدرون عن حاله، فإذا تبين له أنه غير متوضئ، فإن الخلل تبين في صلاته وحده، أما صلاتهم هم فلم يتبين فيها خلل، هذا حكم صلاة هؤلاء فيما إذا علمت في أثناء الصلاة، وفيما إذا لم تعلم إلا بعد الصلاة، فالحكم سواء.

    وأما من فرق من أهل العلم بين كونه علم بعد الصلاة أو علم في أثناء الصلاة وقال: إذا لم يعلم إلا بعد فراغه من الصلاة، فصلاة المأمومين صحيحة، وإذا علم في أثنائها بطلت صلاتهم، فإن هذا لا وجه له؛ لأن العلة واحدة، ولأن هؤلاء المأمومين معذورون حيث ائتموا بمن ظاهر صلاته الصحة، وهم لا يعلمون عن الأمور الباطنة، فإذا ذكر في أثناء الصلاة فما الذي يبطل ما مضى من صلاتهم، وهم قد قاموا فيه بما يجب عليهم، وحينئذٍ يستمرون في صلاتهم، وكما قلت: الأفضل له أن يعين واحداً منهم يتم بهم الصلاة، حتى لا يرتبكوا في بقية صلاتهم.

    مداخلة: سواء كان الحدث أكبر أو أصغر؟

    الشيخ: سواء كان الحدث أصغر أو أكبر، أما إذا كان نجاسة، يعنى ذكر أن على ثوبه نجاسة في أثناء الصلاة مثلاً، أو حين فرغ من الصلاة، فإذا ذكر حين فرغ من الصلاة فصلاته هو صحيحة، وصلاتهم هم صحيحة أيضاً، إذا كانت نجاسة على بدنه أو ثوبه، ونسي أن يغسلها، أو ما علم بها إلا بعد فراغه من الصلاة، فإن صلاته صحيحة، وصلاتهم صحيحة أيضاً؛ لأن هذا من باب اجتناب المحظور، وإما إذا ذكر في إثناء الصلاة أنه لم يغسل هذه النجاسة، أو لم يعلم بها إلا في أثناء الصلاة، يعني وهو يصلي رأى بقعة نجسة في ثوبه، فإنه إن تمكن من إزالة هذا الثوب في أثناء الصلاة فعل، كما لو كان عليه ثوبان فأكثر، ورأى النجاسة في الثوب الأعلى وخلعه فليستمر في صلاته، أو رأى النجاسة في مشلحه مثلاً، فخلعها يستمر في صلاته، أما إذا لم يتمكن مثل ألا يكون عليه إلا ثوب واحد، وإذا خلعه تعرى، فإنه حينئذ ينصرف ويتم المأمومون صلاتهم على ما ذكرنا من قبل، ولهذا خلع النبي عليه الصلاة والسلام نعليه ذات يوم وهو يصلي بالناس، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف سألهم: لماذا خلعوا نعالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى فخلعتهما)، واستمر الرسول عليه الصلاة والسلام في صلاته ولم يستأنفها، وهذا دليل على أن الإنسان إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة، أن عليه نجاسة على ثوبه، فإنه يزيل هذا الثوب النجس إذا أمكن ويستمر في صلاته.

    مداخلة: بالمناسبة لو شاهد هذا الشخص أثناء صلاته شيئاً من ماء الرجل مثلاً، من مائه الذي ينزل منه في ثوبه؟

    الشيخ: المني طاهر، المني طاهر وليس بنجس، وعلى هذا فلو شاهد الإنسان على ثوبه وهو يصلي أثراً من مني فإنه يستمر في صلاته ولا حرج عليه، لكن لو شاهده وعلم أنه من احتلام لم يغتسل منه، فإنه يجب عليه أن ينصرف من صلاته ويغتسل، وأما المأمومون فكما قلنا في أول الجواب.

    1.   

    حق الزوج في استرداد كافة ما غرمه إذا أرادت الزوجة الفراق قبل دخوله بها

    السؤال: أنا شاب عقدت قراني على فتاة من أسرة كريمة، وبعد مضي شهر من حدوث العقد علمت أن الفتاة رجعت في كلامها ورفضت أن تزف إلي بحجة أنها لا تريدني فقط، وقد حاولت جهدي أن أعرف السبب دون جدوى، وأهلها يقولون: لا نستطيع إرغامها على الزواج منك، وهي لا ترغب في ذلك، ويقولون: سنعيد لك المبلغ الذي دفعته، والذي هو مسجل في العقد، علماً أنني قد خسرت أضعافه، فهل يحق لها الرفض بعد إتمام العقد عليها؟ وإن أصرت على الرفض فهل يلزمون بدفع كل ما خسرت عليها أم يتقيدون بما في العقد فقط؟

    الجواب: نقول: إنك حين عقدت عليها ملكتها، وصارت زوجة لك، والطلاق الآن بيدك، إن شئت فطلق، وإن شئت فلا تطلق، ولكن مشورتي عليك ونصيحتي لك أنه ما دام الأمر على الوصف الذي ذكرت أن تطلب منهم ما أعطيتهم وتطلقها؛ لأن في ذلك إرفاقاً بها وبأهلها، وإرفاقاً بك أنت أيضاً، فإن دخولك على امرأة لا تريدك من أول الأمر يترتب عليه والله أعلم أن تسوء العشرة بينكما في المستقبل، وحينئذ تتنكد الحياة، ويكون العيش مراً معها، فالذي أشير عليك به وأنصحك أن تدع هذه المرأة، ولك الحق في أن تطلب منهم جميع ما أعطيتهم، فإن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت لرسول الله: ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، يعني أنها لا تريده، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتردين عليه حديقته)؟ قالت: نعم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، فهذا ما أراه لك يا أخي، والنساء سواها كثير، ولا تندم على ما جرى، فإنك لا تدري ما تكون العاقبة، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] .

    مداخلة: لكن كونهم يرفضون إعطاءه إلا ما سجل في العقد، رغم أنه يقول: قد خسرت أضعافه؟

    الشيخ: وعلى كل حال كل ما أعطاهم إذا طلبه فهو حق له، وإن طلب أكثر فهو حق له أيضاً عند أكثر أهل العلم، فإن أكثر أهل العلم يقولون: إنه يجوز أن يخلعها بأكثر مما أعطاها؛ لعموم قوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] ، فإن (ما) من صيغ العموم، لأنها اسم موصول فتكون عامة، ولكن الأفضل له أن يقتصر على ما أعطاها فقط، ويطلب الخلف من الله سبحانه وتعالى على ما بذل، وهو إذا ترك ذلك لله عز وجل، فإن الله تعالى يعوضه خيراً منها.

    1.   

    حكم سؤال غير الله من أولياء وغيرهم وحكم الصلاة خلف من يفعله

    السؤال: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود، تبدو عليه علامات الصلاح، فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يوماً ويفطر يوماً، إلا أنه دائماً يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل يرددون فيها بعض الأذكار، ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر ، وما شابه ذلك من الأذكار، فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية؟

    الجواب: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جداً، فإن هذا الإمام الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن ظاهر حاله الاستقامة، قد لعب به الشيطان، وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله عز وجل شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول عليه الصلاة والسلام أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً، وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل، فإذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً، فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر ، والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً، قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا [الجن:21] ، وقال آمراً له: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50] ، وقال تعالى آمراً له: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188] ، بل قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:22] ، فإذا كان الرسول صلى الله وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله، فكيف بغيره؟! فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله عز وجل؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ، وصاحبه في النار؛ لقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] .

    ونصيحتي لهذا الإمام أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الأمر المحبط للعمل، فإن الشرك يحبط العمل، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ، فليتب إلى الله من هذا، وليتعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع من أذكار وعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه البدع، بل إلى هذه الأمور الشركية، وليتفكر دائماً في قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

    مداخلة: يقول أيضاً: إن هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله، ويزعم أن الله يوحي إليه، فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقاً أنه ولي؟

    الشيخ: علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] ، فهذه هي علامات الولاية وشروطها، الإيمان بالله، وتقوى الله عز وجل، فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، أما من أشرك به فليس بولي لله، بل هو عدو لله، كما قال الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] ، فأي رجل أو امرأة يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية.

    مداخلة: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟

    الشيخ: إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنها لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى، ما دام يشرك بالله سبحانه وتعالى، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة ما مضى من صلاتهم.

    1.   

    أخذ الوكيل على أموال الزكاة شيئاً منها لنفسه إذا كان فقيراً

    السؤال: رجل فقير وله صديق غني موسر، وحينما يريد صديقه الغني دفع الزكاة يقول له هذا الفقير: أعطني جزءاً من المال أنفقه لك على بعض الأسر المحتاجة، وهو يعني نفسه، ولكنه يستحي أن يصرح له بحاجته، فيعطيه المال على أن يوزعه على المحتاجين, فيأخذه هو، وهو محتاج فعلاً، فهل يجوز أخذ الزكاة بهذه الطريقة؟

    الجواب: هذا محرم عليه ولا يجوز، وهو خلاف الأمانة؛ لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم بأن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكل فيه لنفسه؛ وعلى هذا فإن الواجب عليه الآن أن يبين لصاحبه بأن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه إلى نفسه، فإن أجازه فذاك، وإن لم يجزه فإن عليه الضمان، أي: على هذا الذي تصرف هذا التصرف، عليه أن يضمن ما أخذه لنفسه ليؤدي الزكاة عن صاحبه.

    وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة يفعلها بعض الناس الجهال، وهو أنه يكون فقيراً فيأخذ صدقة زكاتهم، ثم يغنيه الله، فيعطيه الناس على العادة، على أنه لم يزل فقيراً، ثم يأخذها، فمن الناس من يأخذها ويأكلها ويقول: أنا ما سألت، وهذا رزق ساقه الله إلي، وهذا محرم ولا يجوز؛ لأن من أغناه الله تعالى حرم الله عليه أن يأكل شيئاً من الزكاة، ومن الناس من يأخذها ثم يعطيها غيره بدون أن يوكله صاحب الزكاة، وهذا أيضاً محرم، ولا يحل له أن يتصرف هذا التصرف، وإن كان دون الأول، لكنه محرم عليه أن يفعل هذا، ويجب عليه ضمان الزكاة لصاحبها إذا لم يأذن له، ويجز تصرفه، وإذا كان هذا صادقاً فإنه يقول لصاحب الزكاة الذي أعطاه: أنا قد أغناني الله، ولكني سأعطيها من أراه أهلاً، فإن أذن له، وإلا فليردها إليه.

    1.   

    حكم إبقاء الرجل من تزوجها ثم علم أنها أخته من الرضاع

    السؤال: هناك رجل تزوج من امرأة، وبعد أن مكث عمراً طويلاً، ورزق بالبنين والبنات تبين أنها أخته من الرضاعة، ولكنه مع ذلك لم يفارقها، ورفض قائلاً: أبعد هذا العمر الطويل، وهذه العشرة الطويلة أتركها؟ لا يمكن ذلك أبداً، فما الحكم فيه وفي زوجته التي هي أخته من الرضاعة؟

    الجواب: بعد أن تبين أنها أخته من الرضاعة تبين أن النكاح باطل، وأن المرأة لا تحل له بأي وجه من الوجوه، أما أولاده الذين ولدوا في هذه الحال فإنهم أولاد شرعيون ينسبون إليه شرعاً؛ لأنهم أتوا من وطء شبهه، حيث لم يعلموا بأنها أخته من الرضاعة.

    وأما إمساكه إياها على أنها زوجة فهذا لا شك أنه محرم، وإن اعتقد حله وهو يعلم أن الرضاع يحرم به ما يحرم بالنسب فإنه يكون كافراً لإنكاره هذا الحكم الشرعي الذي أجمع المسلمون عليه، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] ، ثم يستتاب، فإن تاب وأقر بأنها حرام عليه وإلا قتل، وفي هذه الحال إذا أراد أن يبقيها عنده لكن على أنها أخته من الرضاعة لا على أنها زوجته، وتبقى عنده في البيت وعند أولادها فلا حرج، ليس في هذا شيء، لكن إبقاءها على أنها زوجة يتمتع بها تمتع الزوج بزوجته، فهذا محرم بإجماع المسلمين، ولا يحل له أن يفعل ذلك، بل هو محرم بالنص والإجماع، ويجب على ولاة الأمور أن يفرقوا بينه وبينها في هذه الحال.

    مداخلة: لكن طبعاً يجب التأكد من صحة الرضاع ومن عدده ووقته؟

    الشيخ: إي نعم، هو لا بد أن يكون الرضاع محرماً، أما الرضاع الذي لا يحرم فلا أثر له، كما لو لم تكن رضعت من أمه، أو هو رضع من أمها إلا مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً؛ لأن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر، وكان في الحولين.

    1.   

    ما يلزم الزوجة تجاه الزوج مدمن الخمر التارك لشعائر الإسلام والذي يطالبها بالسجود له

    السؤال: تقول: إنها امرأة متزوجة ولها خمسة أطفال، إلا أنها تشتكي زوجها الذي وصفته بأنه تارك للصلاة والصيام مدمن على شرب المسكرات والعياذ بالله، مع أنه حج بيت الله، وقد كان يؤدي الصلاة، إلا أنه عاد وتركها، واستمر على تركها والكفر بها، فتقول: إنها سمعت أن عليها مسؤولية كبيرة نحو زوجها هذا وتصرفه، وأن عليها أن تصلح شأنه، فكيف ذلك وهو الذي له السلطة والقوة في بيته؟ ثم تسأل عن حكم بقائها معه بهذا الوضع، هل تأثم أم لا؟ كما تقول أيضاً: إن زوجها يأمرها بالسجود له في حالة دخوله المنزل وخروجها؛ عملاً بالحديث الذي يزعم أنه روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أوجب السجود على المرأة لزوجها، فهل هو محق في ذلك أم لا؟ وهل هذا الحديث صحيح أم لا؟

    الجواب: أما تركه للصلاة فإنه يقتضي أن يكون كافراً خارجاً من الإسلام، ولا يجوز لك البقاء معه ما دام مصراً على ذلك، فإن أمكن نصيحته وإرشاده ورده إلى الإسلام فهذا هو الواجب، وإذا لم يمكن فإنه يجب عليك مفارقته، والخروج من بيته، ولا يجوز لك البقاء معه؛ لأنه نكاحك قد انفسخ منه بردته عن الإسلام، وليس له ولاية على أولاده ما دام على هذه الحال.

    وأما أمره إياك بالسجود له فلا سمع له ولا طاعة في ذلك، وهو أمر بالكفر والشرك، وأما قوله: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن تسجد المرأة لزوجها فقد كذب في هذا، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من حقها عليه)، وهو كاذب فيما قاله، وفيما نسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنسأل الله له الهداية، وأنت انظري، إن هداه الله وإلا فاخرجي من بيته ولا تبقي عنده.

    مداخلة: وما هي حدود مسئولية المرأة على زوجها؟

    الشيخ: حدود مسئولية المرأة أن تنصحه وترشده، وتبين له الحق وتدعوه إليه، فإن رجع عن كفره وغيه فهي زوجته، وإن لم يرجع فإنه يجب عليها أن تفارقه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756017620