إسلام ويب

بشائر ومبشراتللشيخ : إبراهيم الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في مثل هذا الوقت العصيب، وفي مثل هذه الظروف تذكر البشائر والمبشرات؛ لترسم أشعة الفجر الجديد، ولتملأ النفوس المسلمة بالثقة واليقين، ولتشعر القلوب المؤمنة الحية بالعزة والتمكين، وليشْرَقَ بها أعداء الدين، وليغص بها المنافقون المبطلون. إن ميلاد الأمة قريب، ولابد للميلاد من مخاض، ولابد للمخاض من آلام، ومن رحم الظلام يخرج النور.

    1.   

    الشعور بالعزة والتمكين في وقت الضعف عند المسلمين

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    هذه ليلة الإثنين الموافق للتاسع عشر من الشهر العاشر للعام (1415هـ) وفي هذا الجامع المبارك بمدينة عيون الجوى يتجدد اللقاء مع هذه الوجوه الطيبة المباركة، وموضوع هذا اللقاء هو بعنوان (بشائر ومبشرات).

    وفي وقت تكالبت فيه المصائب والمحن على المسلمين، والجراح تنزف في كل جزء من جسد هذه الأمة، وتحشرجت فيه النفوس، وضاقت فيه القلوب، حتى أصاب كثيراً من الناس اليأس والقنوط، فما إن تذكر الأمة الإسلامية حتى تسمع الزفرات والآهات والحوقلة والاسترجاع وكأن الأسباب تقطعت، والآمال تدثرت.

    أيها الأحبة: في هذا الوقت العصيب، وفي مثل هذه الظروف أزف إليكم هذه البشائر وهذه المبشرات.

    أزفها إليكم لترسم أشعة الفجر الجديد، ولتملأ النفوس المسلمة بالثقة واليقين، وأزفها إليكم لتشعر القلوب الحية بالعزة والتمكين، وليشْرَق بها أعداء الدين، وليغُصَ بها المنافقون والمبطلون.

    أسوق إليكم هذه البشائر والمبشرات، وأزفها إليكم تذكيراً للغافل، وتنشيطاً للذاكر .. أزف إليكم هذه لتحيا بها النفوس الأبيّات.

    بشراكم أيها الأحبة! إن ميلاد الأمة قريب، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام، ومن رحم الظلام يخرج النور.

    والليل إن تشتد ظلمته     فإن الفجر لاح

    أبشر فهذا الفجر لاح     ها نحن جئنا يا صلاح

    قد أدبر الليل العميل     وجاء للدنيا صباح

    ما دام عرقي نابضاً     لن تعرف النفس ارتياح

    حتى أرى شعبي وليس له     عن الأقصى براح

    إن العالم الإسلامي بأسره يعيش لحظات عصيبة، وساعات حرجة يخطها القلم، ويسجلها التاريخ، وما عليك فقط إلا أن تقرأ إن كنت ممن يقرأ صحيفة، أو تنظر في مجلة، أو تسمع لنشرة أخبار لتقف بنفسك على حال المسلمين في كل مكان، وما لم يذكر ويغفل فهو أكثر.

    ففي البوسنة والهرسك ملايين القتلى والمشردين .. الأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، والمساجد مهدمة، والدماء تسيل، أكثر من خمسين ألف مسلمة ينتهك عرضها في البوسنة والهرسك فقط، فما بالك بـكشمير والفلبين وطاجكستان والشيشان والصومال وأفغانستان وأراكان وألبانيا وكوسوفو ، بل في كل بقعة يذكر فيها اسم الله تعالى.

    1.   

    أسباب اليأس والقنوط عند كثير من المسلمين

    أيها الأحبة! إنه التحدي السافر لهذه الأمة في عقيدتها، وفي تاريخها، وفي إسلامها، ومستقبلها.

    أمر مفزع مروع هذا الواقع الذي جعل الكثير من المسلمين عرضة لليأس والقنوط، ومن ثم للخمول والقعود.

    وأقول: إن اليأس في قلوب أمثال هؤلاء ناتج عن الأسباب التالية وباختصار شديد:

    أولاً: ما يرونه من جهود الأعداء في محاربة الإسلام، ومواجهة أهله مستخدماً -أي هذا العدو- كل طاقاته من تقدم تكنولوجي في العدة والعتاد، وكل وسيلة من وسائل الاستعمار الفكري.

    ثانياً: بُعد الناس عن دين الله، وموت الإحساس لدى الكثير منهم، فهو لا يعلم عما يجري لإخوانه، وإن علم فكأن الأمر لا يعنيه، المهم نفسه وماله، وهذا هو الهوان الذي أشار إليه الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت).

    ثالثاً: من أسباب اليأس والقنوط عند بعض الناس: يقظة الأعداء ومواجهتهم لأي جهد يبذله المسلمون مما حدى بكثير من المسلمين والمسلمات إلى الاستسلام، والخمول والتثبيط عند بذل أي جهد، فالخوف والرعب يأكل قلوبهم يحسبون كل صيحة عليهم.

    رابعاً: ومما سبق من هذه الأسباب فإنها تقودنا إلى سبب رابع من أسباب اليأس، وهو سبب مهم جداً غفل أو تغافل عنه كثير من الناس، ألا وهو الجهل بالغاية التي خلق من أجلها الإنسان، إن كثيراً من الناس لا يعلم لماذا خلق؟ وإن علم فإنه يتغافل عن الهدف الحقيقي الذي من أجله خلق.

    فيا أيها الإنسان! أنت خلقت لهدف، ولغاية عظيمة نبيلة، وهي عبادة الله عز وجل بمفهومها الحقيقي الذي عرفه أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. هذا هو تعريف العبادة، هذه هي العبادة الحقيقية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من عباده، لا كما يرسم الأعداء العبادة على أنها تلك العبادات الكبيرة: الصلاة والصيام والحج والزكاة؛ فما هكذا يريد الله أيها الأحبة! إن العبادة التي يريدها الله بمفهومها الحقيقي هي ذلك المعنى العام الذي يشمل كل نواحي الحياة.

    فاسأل نفسك: لماذا خلقت؟ أمن أجل أن تأكل وتشرب وتنام وتقوم؟! أم من أجل الملذات والشهوات؟! هذا والله هو شأن الحيوان، بل إن ذلك الإنسان أضل من الحيوان، اسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] غفلوا عن الهدف والحقيقة التي من أجلها خلقوا، فعاشوا أضل من الأنعام -عياذاً بالله- لمجرد اللذات والشهوات والبيع والشراء .. لمجرد أن يحيا الإنسان ويذهب في هذه الدنيا .. بئست الحياة إن كانت هي هذه الحياة التي يعيشها المسلم.

    إنك خلقت لهدف أسمى، إنك خلقت لرضى الإله، أيها الأخ الحبيب! فكر بنفسك وارجع لنفسك واسألها بصدق: هل أنت راضٍ عن نفسك؟ الآن هل أنت راضٍ لهذا العمر الطويل الذي أمد الله عز وجل به إلى يومك هذا؟! ماذا قدمت لله؟! ماذا قدمت لدينك؟! ماذا قدمت لنفسك يوم أن تقدم على الله عز وجل؟! عندها تقول بملء فيك لا. وألف لا لعبادة العباد, لا وألف لا لعبادة الشهوات والملذات (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) هذه هي عبادة الدنيا كما تبعها كثيرٌ من الناس.

    خامساً: الجهل بطبيعة هذا الدين.

    هذه الأمور وهذه الأسباب الخمسة وغيرها جعلت كثيراً من الناس يصيبه اليأس، وتداخله الشكوك لنصرة هذا الدين، وتمكينه في هذه الأرض، وحتى نقطع الطريق على هؤلاء المخدرين اليائسين الخائفين، فإني أقول وبكل قوة وبكل ثقة ويقين: أبشروا أيها الأحبة! أبشروا بنصر الله، فإن البشائر والمبشرات كثيرة -ولله الحمد- المهم أن نتفاءل، ولنملأ أنفسنا بالتفاؤل.

    1.   

    أسباب التفاؤل بنصر الله

    وقد يقول قائل: لماذا وكيف نتفاءل وواقع المسلمين كما ذكرت وكما نرى ونسمع؟

    فأقول: يجب أن نتفاءل لأسباب كثيرة منها ومن أهمها:

    أن القرآن الكريم حرم اليأس، وندد باليائسين

    وهذه من أولى البشارات، ومن أول البشائر: أن القرآن حرم اليأس وندد باليائسين، فعالج هذا المرض الخطير بالتحريم القاطع لينقطع دابره من النفوس، فلا يجوز للمسلم أن ييأس أبداً فاليأس قرين للكفر، واسمع لقول الحق عز وجل: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] فاليأس صفة للكافرين واليأس قرين الضلال، قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ [الحجر:56].

    حذر الله عز وجل من اليأس والقنوط، إذاً نقول لليائسين المخذلين: إن اليأس في دين الله لا يجوز، فحذر من اليأس، واحذر من التيئيس! فإنها أول علامة للهزيمة، والفتور، والخور النفسي، إن أول علامة للهزيمة النفسية التي أصابت كثيراً من المسلمين اليوم هي في قضية اليأس والقنوط عياذاً بالله.

    بشائر القرآن بالنصر والتمكين لمن أقام الدين

    ولو لم يكن سوى هذه البشائر لكفى فهي نصوص ووعود مِن مَن؟ ممن بيده ملكوت السموات والأرض، وبيده الأمر كله، فلماذا إذاً الضعف والهوان؟! ولماذا الخوف والخور والله سبحانه وتعالى معك مؤيداً وناصراً؟ أين الثقة بالله أيها الأحبة؟! أين اليقين بقدرة الله وقوته؟

    اسمع! لهذه الآيات وتدبرها عندما قال الحق عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] إظهار دين الله أمر تكفل به الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55].

    إذاً: فهذا هو عهد الله، واسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:40-41] هذا هو الهدف، هذا هو الذي يريد الله عز وجل من عباده الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] وقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

    في هذه الآيات أخبر سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه أن ينصر عباده المؤمنين لكن متى؟ إذا قاموا بنصرة دينه، إذا قاموا بما كلفوا به، إذا قاموا بواجب الدعوة إلى الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فقد وعد الله المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم، وأي أمل للمسلم فوق وعد الله عز وجل، وأي رجاء بعد ذلك للمؤمن الصادق يوم أن وعده الحق سبحانه وتعالى، هذه بعض نصوص القرآن.

    بشائر السنة باستخلاف المسلمين

    تعال واسمع! لبعض نصوص السنة النبوية، فقد روى الإمام أحمد والبزار والطيالسي وقال الهيثمي عن الحديث: ورجاله رجال الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أول دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ماشاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم يكون ملكاً جبرياً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته).

    وروى الدارمي وأحمد وابن أبي شيبة عن أبي قبين قال: (كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أم روميةالقسطنطينية هي الآن عاصمة تركيا اسطنبول وقد فتحت، أما رومية فهي عاصمة إيطاليا الآن والتي فيها مقر الصليبية ، والتي فيها دولة الفاتيكان التي تقود الأمة النصرانية في مثل هذا الوقت- فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال: فأخرج كتاباً فقال: عبد الله بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً؟ فقال: مدينة هرقل -يعني القسطنطينية -) والحديث حسنه المقدسي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه.

    وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى، وذلك عام ثلاثة وخمسين وأربعمائة وألف للميلاد، أي: بعد تقريباً ثمانمائة سنة من وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن ننتظر الآن صدق الوعد الآخر، وهو سقوط رومية أو روما بفضل من الله وبمشيئة منه تعالى، وهذا وعد منه صلى الله عليه وسلم لابد صائر بمشيئة الله.

    وأيضاً روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله زوى لي الأرض -أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وفي الحديث الذي رواه ابن حبان : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) .

    وأيضاً هذان الحديثان يؤكدان: حتمية رجوع الإسلام إلى مركز الريادة، وموضع القيادة، ومقام السيادة من شرق الدنيا إلى غربها، لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها للأمة الإسلامية منذ الأزل.

    وروى الشيخان -والأحاديث كثيرة ولكني أختصرها- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان، ثم يتسلط عليهم المسلمون، وهذا هو الواقع الكائن، والدلائل تشير إلى هذا، فإن اليهود يجمعون أعوانهم وأهلهم من كل مكان في فلسطين.

    وأيضاً لا ننس أحاديث الطائفة المنصورة، وقد وردت عن عدد من الصحابة منها: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه عند مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).

    وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره) والحديث رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي : حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب) .والحديث رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي على ذلك، وقال الألباني في أحكام الجنائز: إن إسناد عبد الله صحيح على شرط البخاري .

    من هذه النصوص من القرآن والسنة يتبين لنا أن هذه النصوص كلها بشائر لنصرة الإسلام وتمكينه، ألا فليثق الدعاة إلى الله عز وجل بهذه المبشرات مهما كان في الطريق من عثرات أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ولو لم يكن من البشائر والمبشرات سوى هذه النصوص لكفت، فكيف والتاريخ يشهد لذلك؟ وكيف والواقع يتفجر عن ينابيع الإسلام؟

    بشائر الصراع القائم بين الحق والباطل

    أيها الأحبة! الواقع الآن يتفجر عن ينابيع الإسلام، وعن قدومه في كل يوم، ففي كل يوم نسمع عن حرب للإسلام والمسلمين قادمة من بقاع لم نكن نعرفها ولم نسمع بها وإليك تفصيل ذلك.

    فصولات الباطل وانتفاش أهله الآن، دليل على قوة الحق وقدومه وتململه، فقبل سنوات قليلة لم يكن للمسلمين صوت لا في البوسنة ولا في طاجكستان ولا في الفلبين ولا في الشيشان ولا في غيرها من بلاد المسلمين.

    أما الآن فإننا نسمع تلك الأمور وتلك الصولات والجولات للمسلمين في كل مكان، وفي كل صقع من أنحاء المعمورة، هذه الأمور إننا نعتبرها أيها الأحبة! ينابيع للإسلام تتفجر عن قدومه وبقوة، فماذا قدمنا؟! وما هو دورنا؟! فالإسلام ماضٍ في طريقه للعزة والتمكين سواء بنا أو بغيرنا.

    فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة! سجل لنفسك موقفاً يشهد لك عند الله عز وجل، كن ممن شارك في نصرة هذا الدين ولو بكلمات صادقة ناصحة من قلب يحترق ويتألم، كن مِن مَن شارك لنصرة هذا الدين، ولو بشريط أو كتاب يفتح الله به قلوباً عمياً أو آذاناً صماً، كن مِن مَن شارك في نصرة هذا الدين، ولو بريالات قليلة تعين بها ملهوفاً، وتنصر بها مظلوماً.

    المهم أن تعمل، وتشعر أنك تقدم، فكر وابحث وقلب الأمور، وستجد أن بيدك الخير الكثير الكثير، فلا يقل قائل: ماذا أقدم؟ ماذا أعمل؟ فإننا تعدينا مرحلة هذا السؤال، والوقوف عنده بكثير.

    خوف أعداء الإسلام من وحدة المسلمين

    أيها الأحبة! ومن البشائر أيضاً: ذلك الخوف الرهيب والرعب الشديد من الإسلام، فلماذا يتعرض الإسلام في هذه الأيام لهجمات مسعورة؟!

    ولماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما ظهرت صحوة إسلامية في بلد ما؟!

    لماذا يتفق أصحاب الشعارات والمبادئ المتناقضة على عدائهم للإسلام وأهله؟!

    لماذا تثار الشبهات حول الإسلام ومبادئه ومناهجه وعقائده وأحكامه؟!

    لماذا تثار الحملات الشعواء التي تشنها صحافة الغرب والشرق على الإسلام وأهله؟!

    لماذا تغزى بلاد الإسلام بوسائل الشهوات والمخدرات، ووسائل الخلاعة والمجون المحطمة لقوى الشباب والمستنزفة لطاقاتهم وأفكارهم وعقولهم؟!

    الإجابة واحدة: إنهم يخافون الإسلام .. إنهم يخافون من رجعة قوية للإسلام والمسلمين .. إنهم يخافون من وحدة المسلمين، لقد درس أعداؤنا من الكافرين وأذنابهم الإسلام وعقيدته، فعرفوا أنه يربي الرجال والنساء على تقديم كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل الله، حتى ولو كان المقدم هو الروح فهي رخيصة من أجل الإسلام وفي ذات الله، علموا هذه الحقيقة، رأوها واقعاً في ساحات الجهاد، فلذلك خافوا وهلعوا وأصابهم الرعب الشديد من الإسلام.

    ولتعلم حقيقة هذا الرعب وهذا الفزع الشديد الذي أصابهم اسمع لبعض أقوالهم:

    فالحق ما شهدت به الأعداء

    كما يقال وإني أسوق إليك نزراً يسيراً قليلاً مما قالوه عن الإسلام، والصور والمقالات التي تترجم عن خوفهم ورعبهم الشديد من هذا الدين:

    هذا قولٌ لـمور بيجر في كتابه العالم العربي المعاصر ، يقول: ( إنّ الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية، ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل لسبب الإسلام يجب محاربة الإسلام بالحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوتهم؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره).

    ونحن نسمع مثل هذه المقالة نقول: أين شبابنا ليعلموا أن تمزيق وحدة الصف المسلم، وبث الفرقة والنزاع، وتقسيم المسلمين إلى جماعات وأحزاب إنما هو هدف خَلَّفه من خَلَّفه، ألا فليتق الله ذلك المسلم الذي قد يكون وسيلة لتنفيذ مخططات الأعداء وهو لا يشعر، باسم الغيرة على الدين، وتأصيل العقيدة، فافهم العقيدة جيداً، وطبقها على الواقع كما يريد الله عز وجل ذلك فإنها صالحة لكل زمان ومكان، وإياك إياك أن تكون وسيلة بأيدي أعداء الدين لبث الفرقة والنزاع، وتمزيق صف وحدة المسلمين .

    وها هو فيليب ونداسي يصرح في كتابه المسمى (الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء) يقول: ( إن من الضروري لـفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسةً عدائيةً للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره ).

    ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه ( باثلوجيا الإسلام ) يقول: ( وأعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع محمد وجثته في متحف اللوفر ).

    ويقول المرمرشادور يقول: ( إن هذا المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: هأنذا لم أمت، إنني أعود إلى الحياة لا لأكون أداة طيّعة أو ثقلاً من البشر تسيره العواصم الكبرى، ويقول -أيضاً معقباً هو نفسه-: ومن يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، ثم يقول: لست أدعي النبوءة ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، لا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها ) انتهى كلامه هنا .

    ثم تعال واسمع إلى تلك الرسالة السريّة التي أرسلها رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر حين أرسلها إلى الوزير البريطاني للشؤون الخارجية يخبره بأنهم لن يوافقوا أبداً على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم عليه مهما كانت الظروف. وهذه الرسالة نشرتها مجلة الرابطة عدد محرم وصفر وربيع الأول من عام (1414هـ) من السنة الماضية، والرسالة نشرتها المجلة باللغتين العربية والإنجليزية .

    وإليك النص الأصلي واعذرني ألا أقرأ عليك النص كاملاً لطول الرسالة إنما وأقرأ عليك مقاطع من هذه الرسالة، يقول في بداية الرسالة: مكتب رئيس وزراء، ثم يقول: السيد دوجلاس هوك مكتب الشئون الخارجية والمملكة المتحدة لندن، وتاريخ الرسالة (11/ 11/ 1413هـ) يقول: السيد دوجلاس المحترم: (أشكرك على التقرير المفصل حول الأوضاع الماضية والحالية في جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت جزءاً من يوغسلافيا السابقة، ثم يقول: كما تعرف جيداً من خلال الأحاديث السابقة في المكتب والمناسبات الأخرى فإن حكومة جلالة الملكة لم تغير موقفها تجاه حل القضايا السياسية التالية:

    1- لا نوافق كما أننا لن نوافق في المستقبل على تزويد مسلمي البوسنة والهرسك بالسلاح أو تدريبهم على استخدامه، إننا سنواصل دعمنا الحازم لإبقاء حظر بيع السلاح المفروض من قبل الأمم المتحدة على دول هذه المنطقة رغم معلوماتنا الموثقة الواردة عن دعم دول اليونان وروسيا وبلغاريا للجيش الصربي وقيامها بتدريبه، والمعلومات أيضاً عن قيام ألمانيا والنمسا واستوفينيا وحتى الفاتيكان بالدور المماثل لدعم كرواتيا والقوات الكرواتيه في البوسنة والهرسك ، ومن المهم جداً أننا نعلم يقيناً أن جميع الجهود المماثلة المبذولة من قبل الدول والمنظمات الإسلامية لدعم المسلمين قد باءت بالفشل التام، ثم يقول: إنه يتعين علينا اتباع هذه السياسة حتى لحظة الوصول إلى الهدف النهائي -وما هو الهدف؟- وهو تقسيم جمهورية البوسنة والهرسك ومنع قيام دولة إسلامية في أوروبا ، وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً، وإنه من غير المسموح أن نرتكب مرة أخرى في البوسنة والهرسك أو في أي مكان في العالم الخطأ الذي ارتكبناه بتسليح، وتدريب المقاتلين الأفغانيين أثناء قتالهم مع الاتحاد السوفيتي.

    وأترك كثيراً من كلامه في الرسالة إلى أن يقول:

    2- من نقاط الرسالة: يجب أن نؤكد ضرورة إخفاء حقيقة التحركات السياسية الغربية وبأي ثمن عن كل الدول التي يمكن أن نسميها بالإسلامية، وبالذات عن تركيا فيما يتعلق في هذه المنطقة إلى أن تهدأ الأمور في يوغسلافيا السابقة، ومن أجل هذا السبب نفسه يتعين علينا الاستمرار بالخدعة التي سميناها ( بوانس أوين ) لإحلال السلام بهدف عرقلة كل التحركات إلى أن نقضي على دولة البوسنة والهرسك ، ويتم تهجير المسلمين منها إلى مختلف دول العالم، ثم يقول: قد يظهر للبعض أن هذه السياسة قاسية، إلا أنه من واجبي أن أطالب بها كل العاملين في مكتب الخارجية لشئون المجموعة الأوروبية، الذين لهم صلة مباشرة، بصنع القرارت السياسية والعاملين في الأجهزة العسكرية، ولكني متأكد أن هذه السياسة في حقيقة الأمر السياسة الوحيدة الناجحة من أجل المصلحة العليا، وهي مستقبل الأمن الأوربي ) … إلى آخر كلامه في رسالته.

    واقع الحضارات المادية الغربية الآيلة للانهيار

    ومن هذا انهيار الشيوعية ، فإن انهيار المذهب الشيوعي في ذاته لابد أن يوضع من المبشرات، فقد كانت الشيوعية فتنة لكثير من الشباب في العالم العربي، ومن كان يصدق أن تنهار الامبراطورية الروسية ثم ها هي تلتمس الأعطيات والمساعدات من بقية الدول الأخرى، فأين من يعقل ويتدبر؟

    روسيا القوة الثانية في العالم التي كانت تنافس الرأسمالية أصبحت اليوم تتلمس المساعدات والأعطيات؟!

    وأما الرأسمالية التي تمثلها اليوم أمريكا ، فإن واقع المجتمع الأمريكي في كل مجالاته الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، واقع مفزع مخيف بالنسبة لهم.

    ليس أنا من يقول هذا الكلام، ولكي أختصر عليك الوقت، وأوثق المعلومات لك فإني أطالبك بالرجوع إلى كتاب بعنوان

    (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) ارجع لهذا الكتاب واقرأ فيه، وانظر الأرقام والإحصاءات فيه، وهذا الكتاب تأليف جيمس بتروسون وبيتر كيم ، وترجمه باللغة العربية الدكتور/ محمد بن سعود البشر ، صدر الكتاب بالإنجليزية عام (1991م) يقع في (270 صفحة) من القطع المتوسط.

    وهذا الكتاب هو دراسة قامت على إحصاءات واستبانة وأرقام من واقع المجتمع الأمريكي، ونتائج هذا الكتاب نتائج مفزعة مخيفة بالنسبة للأمريكيين، واسمعوا ماذا يقول الأمريكيون أنفسهم عن هذا الكتاب؟ يقول إلكس هيلي مؤلف كتاب (الجذور) عن هذا الكتاب كتاب يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة يقول: كتاب مفزع عندما أنهيت قراءته لم أعرف ماذا أفعل؟! هل أصدع بالحقائق -أي: التي فيه- أم أركض للتلال وأختبئ؟! إنه يعرض لنا حقائق عن أنفسنا لم أشاهدها في أي دراسة، أو في أي استطلاعات للرأي، ولا حتى في الأحاديث الشخصية .

    تقول صحيفة نيويورك ديني نيوز عن الكتاب كلمة واحدة قالت عن الكتاب: نتائج مفزعة.

    وأيضاً يقول سيبني جيمز نائب الرئيس التنفيذي لشركة كولومبيا للإنتاج السينمائي يقول: كتاب باترسون وكيم -أي المؤلفان-: قد يكون نقطة الالتقاء حتى تجنب الولايات المتحدة نفسها من كارثة محققة الحقائق المفزعة التي يقدمانها في هذا الكتاب تلح على هذا الأمر الآن، وإلا فلا جدوى.

    هذا ما قالوه عن هذا الكتاب الذي يُعلن عن التصدع الكبير في بنية مجتمعهم، وانظر إن شئت كتاباً آخر بعنوان ( السقوط من الداخل ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي ) للدكتور/ محمد بن سعود البشر -أيضاً- وهو عبارة عن مناقشات للقضايا والمشكلات الراهنة التي يعاني منها المجتمع الأمريكي في جميع النواحي.

    أقول: إن الحضارة المادية الغربية تتهالك اليوم وتسقط، سقطت الشيوعية والنذر قادمة لسقوط الرأسمالية.

    أيها الأحبة! العالم اليوم بجميع أحواله يشكو من إفلاس الأنظمة البشرية، ويتجرع ويلات ومرارة هذه النظم التي دمرت حياتهم، فما أكثر الانتحارات، وما أكثر اللجوء للخمر، والضياع، والفساد، والشهوات في تلك المجتمعات، وقضت هذه النذر على كل جوانب الخير في ذلك الإنسان، وها هو ذلك الإنسان يتطلع اليوم إلى المنقذ الذي يخلصه من ذلك، وليس المنقذ أبداً إلا الإسلام، فهو الذي يتوافق مع الفطرة، ويحقق للناس مصالحهم في الدنيا والآخرة، ويكفي الأنظمة البشرية قصوراً وفشلاً أنها من صنع البشر، وأن دين الإسلام من صنع خالق البشر سبحانه وتعالى.

    الصحوة الإسلامية وأثرها الملاحظ في واقع الأمة

    ومن البشائر: واقع الأمة الإسلامية، هذا الواقع الذي بدأت تصحو الأمة فيه على نداءات المخلصين، إن ما نشاهده اليوم في أنحاء العالم الإسلامي من صحوة مباركة، ومن رجوع صادق إلى دين الله يزداد ولله الحمد والمنة يوماً بعد يوم مما يدل دلالة صادقة على إقبال هذه الشعوب عن بكرة أبيها على الالتزام بحقيقة دينها، والنهوض بأمتها، ناهيك عن إقبال غير المسلمين على الدخول في دين الله عز وجل، اقرءوا الصحف والمجلات، وانظروا في اليوم الواحد كم يسلم من المشركين والكفار! كم أعداد أولئك الذين يدخلون في الإسلام سواء من الرجال أو النساء؟ هذا ما يذكر في الصحف والمجلات، وما لم يذكر فهو أكثر.

    فأقول: هذا كله رغم قلة الإمكانات، وقلة الجهود المبذولة للدعوة، فكيف لو تحرك المسلمون الصادقون؟ كيف لو تألمت القلوب، وعرفت الهدف الذي من أجله تعيش، فتتحرك للدعوة إلى الله عز وجل؟ كيف لو عاشرنا أولئك العمالة من الكفار والمشركين الذين يعيشون معنا في تجاراتنا ومؤسساتنا؟ كيف لو عاشرناهم بخلق حسن؟ وكيف لو دللناهم على دين الله عز وجل بحق؟ كيف لو وجهنا هذه الأمة؟ كيف لو نصحنا وأمرنا بمعروف ونهينا عن منكر بكلمة طيبة لينة؟ لوجدنا أثر ذلك أيها الأحبة! هذه النتائج نراها رغم قلة العاملين.

    فالله الله أن تكون ممن سلك نصرة هذا الدين، فإن الدين منصور بك أو بغيرك أيها الأخ الحبيب!

    شهادة التاريخ للمسلمين بالانتصارات

    ومن البشائر: التاريخ الذي برهن على انتصارات الأمم المغلوبة على أعدائها، ونحن لسنا أمة مقطوعة إن لنا تاريخاً نستلهم منه الدروس والعبر، وما أكثر تلك اللحظات الحرجة، وأوقات الفتن والمحن التي مرت بالأمة الإسلامية، فقط ما عليك إلا أن تقلب صفحات التاريخ لتقف على تلك اللحظات، ففي التاريخ عجائب الأمور، وفيه تقلبات الزمن، وتصاريف القدر، وفيه سنة الصراع بين الإيمان والجاهلية.

    اقرأ التاريخ لتربط هذه الأحداث اليوم بتاريخنا العريق يوم أن يبين لنا الدروس والعبر، فيه ما يصيب الدعاة من المحن والبلاء، وعاقبة الصبر على الطريق.

    1.   

    لحظات حرجة في يوم الأحزاب

    لحظات رهيبة وعصيبة من حياة المسلمين:

    تعال أيها المسلم! لأُقلب وإياك صفحات ثلاث فقط من تاريخنا، كانت هذه الصفحات لحظات رهيبة وحرجة عصيبة على المسلمين، فكيف تعامل معها المسلمون، وكيف نجَّى الله سبحانه وتعالى الصادقين، ولماذا ينتصر أعداء الدين على المسلمين، ويحصل لهم التمكين في بعض الأحايين؟

    الصفحة الأولى: إنها تلك اللحظات الحرجة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في غزوة الأحزاب، ذلك الرعب الذي روّع أهل المدينة وأفزعهم، خلاصة حالة المسلمين في هذه اللحظات، أعددها لكم بالنقاط التالية:

    أولاً: تجمع الأحزاب من كل مكان: قريش، غطفان، وبنو أسد، وبنو سليم، وبنو مرة، وقبيلة أشجع، وفزارة، ومن اليهود أيضاً بنو قريظة، وبنو النضير؛ تجمعت هذه الأعداد وضرب حصار محكم منها على المدينة ، وهذا يذكرنا بتجمع أعداء الدين اليوم كلهم على هذا الدين وعلى الأمة الإسلامية.

    ثانياً: غدر اليهود وخيانتهم ونقضهم للعهد في المدينة: وهذا هو ديدنهم الذي أخبر الله عز وجل عنهم في الكتاب، وستظل هذه الصفات إلى يوم القيامة لأنها إخبار من الله عز وجل في القرآن، وإخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم في السنة.

    ثالثاً: مكائد المنافقين وتسللهم لواذاً متعللين بالأكاذيب، وتثبيطهم للنفوس، وبثهم للرعب والفزع في القلوب المريضة فقط: وقد قال منافق منهم ويدعى معاتب بن قشير قال في هذه اللحظات: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. كلمات تثبيط وتخذيل، كما يفعله الكثير اليوم من المنافقين.

    رابعاً: الجوع المقعد، وفقدان الزاد: حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من شدة الجوع، وكما جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه عند البخاري قال: (يؤتون بملء كف من الشعير فيصنع لهم في الإهاله -والإهاله هي ودك يتحلب من دسم اللحم -وشحمه سنخة- أي: متغيرة فاسدة الطعم- توضع بين يدي القوم، والقوم جياع وهي بشعة في الحلق، ولها ريح منتنة، ثم قال في الحديث: وقد لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً ولا نطعم شيئاً ولا نقدر عليه) .

    خامساً: نقطة من وصف حال المسلمين في تلك اللحظات: حفر الخندق والأحوال الجوية: فالبرد شديد ونقلهم التراب على أكتافهم وظهورهم، كما في حديث البراء قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبرّ بطنه) . وفي لفظ: (حتى وارى عني التراب جلدة بطنه صلى الله عليه وسلم) .

    سادساً: الخوف على النساء والعجزة والأطفال، وهم من وراء المجاهدين في آطام المدينة والسعي لحمايتهم بعد غدر اليهود من ورائهم.

    سابعاً: قلة المسلمين وقلة السلاح والعتاد أمام تجمع الأحزاب، وقوتهم وكثرة عتادهم.

    كل هذه الظروف تجمعت على المسلمين في تلك اللحظات، وفي تلك الساعات الحرجة العصيبة، وتعال واسمع لوصف الحق عز وجل اسمع لوصف الله سبحانه تعالى وهو يصف حال المؤمنين في هذه اللحظات الحرجة يقول سبحانه وتعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11] هذا وصف الله سبحانه وتعالى للموقف: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11] ثم يقول سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب:12-13] انظر التثبيط والتخذيل، وقد يقع في ذلك كثير من ضعاف المسلمين اليوم: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً [الأحزاب:13] إنها صورة الهول الذي روَّع المدينة ، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها، وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة، من كل جانب من أعلاها ومن أسفلها .

    قال محمد بن مسلمة وغيره: [كان ليلنا ونهارنا بالخندق، وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً، ويغدو خالد بن الوليد -يوم كان مشركاً- يوماً، ويغدو عمرو بن العاص -يوم كان مشركاً- يوماً، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوماً، ويغدو ضرار بن الخطاب يوماً حتى عظم البلاء، وخاف الناس خوفاً شديداً] وتقول أم سلمة رضي الله عنها: [شهدت -أي مع النبي صلى الله عليه وسلم- معه مشاهد فيها قتال وخوف المريسيع وخيبر، وكنا بـالحديبية وفي الفتح وحنين، لم يكن من ذلك أتعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخوف عندنا من الخندق، وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري فـالمدينة تحرس حتى الصباح، نسمع فيها تكبير المسلمين، حتى يصبحوا خوفاً، حتى ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً].

    كيف تعامل المسلمون مع هذه اللحظات الحرجة، ومع هذا الموقف؟ وكيف كان حالهم في وقت الفتن والشدة؟ ماذا فعلوا في هذه الساعات العصيبة؟ لم يترددوا لحظة في نصرة الله عز وجل ولا نصرة دينه، بل كانت هذه الشدائد والفتن والمحن مادة للطمأنينة والثقة والاستبشار واليقين.

    لقد كانوا رضوان الله تعالى عليهم ناساً من البشر يفزعون، ويضعفون، ويضيقون بالشدة، لكنهم كانوا مرتبطين بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله عز وجل وتمنعهم من السقوط، وتجدد فيهم الأمل وتحرسهم من اليأس والقنوط، ولذلك اسمع لموقفهم كما يصفه الله تعالى، اسمع لموقف المؤمنين الصادقين في الفتن ومواقف الشدة يوم أن تمسكوا بالعروة الوثقى، يوم أن تمسكوا بلا إله إلا الله فعرفوا أنه ما قادر على شيء في هذا الكون إلا الله، وبعد إذن الله سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] الفتنة والشدة ليس فيها تراجع، بل هذه دلائل وهذه بشائر ومبشرات على أن هذه نصرة للإسلام، ولذلك وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:22] لما رأوا الأحزاب تجمعت عليهم من كل ناحية وتكالبت عليهم الظروف التي ذكرناها قالوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22].

    هذه صورة الإيمان الواثق المطمئن، هذه صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين الصادقين وهم في مواجهة المحن والشدائد، ولا عجب فهم تلامذة المدرسة المحمدية، ففي هذه اللحظات الحرجة وفي هذه الشدائد والمصائب التي تجمعت على المسلمين فإذا به صلى الله عليه وآله وسلم يبشرهم بسقوط حكم كسرى وقيصر، في هذه اللحظات العصيبة فإذا به صلى الله عليه وسلم يقول: عندما يضرب الحجر يقول: (الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة -سبحان الله- ثم يضرب الثانية ويقول: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور المدائن ، ثم يضرب الثالثة فيقول: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء بمكاني هذه الساعة) والحديث أخرجه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب وإسناده حسن، وأصل الحديث عند البخاري في صحيحه في كتاب المغازي .

    والأعجب من هذا أنه لما وصله صلى الله عليه وسلم غدر اليهود من بني قريظة ونقضهم للعهد، وهي مصيبة أخرى على تلك المصائب التي تجمعت عليه وعلى أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومع ذلك كله اسمع لليقين قال صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر! أبشروا بنصر الله وعونه، إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق، وآخذ المفتاح، وليهلكن كسرى وقيصر ولتنفقن أموالهما في سبيل الله) هذا في اللحظات التي يأتيه الخبر أن اليهود قد غدروا .

    قال صاحب الظلال رحمه الله: وحين نرانا ضعفنا مرة أو زلزلنا مرة أو فزعنا مرة أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق فعلينا ألا نيأس من أنفسنا، وألا نهلع ونحسب أننا هلكنا أو أننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبداً، ولكن علينا في الوقت ذاته أن لا نقف إلى جوار ضعفنا؛ لأنه من فطرتنا البشرية، ونصر عليه لأنه يقع لمن هم خير منا هنالك العروة الوثقى عروة السماء، وعلينا أن نستمسك بها لننهض من الكبوة، ونسترد الثقة والطمأنينة، ونتخذ من الزلزال بشيراً بالنصر، فنثبت ونستقر ونقوى ونطمئن ونسير في الطريق، وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر

    الإسلام.

    فأقول: ما أحوجنا لمثل هذا التوازن في هذا الزمن .

    1.   

    الصليبيون وتسلطهم على المسلمين قبل معركة حطين

    الصفحة الثانية: لما استولى الصليبيون على كثير من البلاد الإسلامية، والمسجد الأقصى ما يقارب قرناً من الزمن؛ حتى ظن الكثير من المسلمين وغيرهم أنه لا أمل في انتصار المسلمين على الصليبيين، وأنه لا رجاء في رد أرض فلسطين مع المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين، ولاسيما بعد أن فتكوا في الأنفس، وذبحوا من المسلمين في يوم واحد فقط أكثر من ستين ألفاً حتى إن الدماء سالت أنهاراً في شوارع القدس وقد بلغت حد الركب . واسمع لـابن كثير وهو يقول في البداية والنهاية : لما كان ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة ثنتين وتسعين وأربعمائة أخذت الفرنج -لعنهم الله- بيت المقدس -شرفه الله- وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل، وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألفاً من المسلمين، وجاسوا خلال الديار، وتبروا ما علو تتبيراً .

    قال ابن الجوزي : وأخذوا من حول الصخرة اثنين وأربعين قنديلاً من فضة زنة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنوراً من فضة زنة أربعون رطلاً بالشامي، وثلاثة وعشرين قنديلاً من ذهب، وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة، والسلطان منهم القاضي أبو سعد الهروي ، فلما سمع الناس بـبغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك، وتباكوا وقد نظم أبو سعد الهروي كلاماً قرئ في الديوان، وعلى المنابر فارتفع بكاء الناس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء، فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئاً .. إذا ماتت قلوب الناس وأصابها الخوف والهلع والعياذ بالله ماتت ،فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    حتى إنَّ أرياط أمير الكرك، ولم يكن في الفرنج أشد منه عداوة للمسلمين سطا على قافلة ذاهبة من مصر إلى الشام فأخذ أموالهم وضرب رقابهم وهو يقول: أين محمدكم! دعوه ينصركم!!

    من كان يظن أن هذه البلاد ستحرر في يومٍ من الأيام على يد البطل صلاح الدين في معركة حطين الحاسمة، ويصبح للمسلمين من الكيان والقوة والعزة والسيادة ما شرف التاريخ.

    قال ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثاني عشر: فتواجه الفريقان، وتقابل الجيشان، وأسفر وجه الإيمان، واغبر وأقتم وجه الكفر والطغيان، ودارت دائرة السوء على عبدة الصلبان، وذلك عشية الجمعة، فبات الناس على مصافهم، وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوماً عسيراً على أهل الأحد، وذلك لخمس بقين من ربيع الآخر فطلعت الشمس على وجوه الفرنج، واشتد الحرب وقوي بهم العطش، وكان تحت أقدام خيولهم حشيشٌ قد صار هشيماً، وكان ذلك عليهم مشئوماً، فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط فرموه فتأجّج -أي: ذلك الحشيش- ناراً تحت سنابك خيولهم، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال، وتبارز الشجعان، ثم أمر السلطان بالتكبير والحملة الصادقة، فحملوا وكان النصر من الله عز وجل فمنحهم الله أكتافهم، فقتل منهم ثلاثون ألفاً في ذلك اليوم، وأسر ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم، وكان في جملة من أُسر جميع ملوكهم سوى قومس قرابلس فإنه انهزم في أول المعركة، واستلبهم السلطان صليبهم الأعظم، وهو الذي يزعم أنه صلب عليه المصلوب، وقد غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة، ولم يسمع لمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله ودمغ الباطل وأهله حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج، وقد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيراً بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، فلله الحمد دائماً كثيراً طيباً مباركاً انتهى كلامه رحمه الله.

    من كان يظن أنها ستحدث مثل هذه الأحداث، وستحرر هذه البلاد بعد هذه الأمور التي سمعتموها من تسلط الصليبيين ومن أذاهم للمسلمين.

    1.   

    التتار والعالم الإسلامي

    صفحة ثالثة وأخيرة من صفحات التاريخ التي تبرهن على أنه مهما كان حال المسلمين إلا أن العزة والتمكين سيكون نصر للمؤمنين.

    وهذه الصفحة هي لما خرب المغول والتتار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ونهبوا الأموال، وداسوا القيم، وفتكوا في الأنفس والأعراض فتكاً ذريعاً حتى قيل: إن جبالاً شامخة وأهرامات عالية أقامها هولاكو من جماجم المسلمين.

    واسمع لـابن الأثير وهو يروي لنا الخطب والحدث في كتابه الكامل في الجزء التاسع يقول: ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة، ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام، لقد بقيت عدة سنين -هذا كلام ابن الأثير- معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجْلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟! ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟! فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفعل يتضمن الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.

    إلى أن وصف هذا الحدث، وهذا الخطب، بصفات عجيبة غريبة، من أراد أن يرجع إليها فليرجع إليها هناك، إلى أن قال:

    وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة -كأنه يسوق لنا ما يدور الآن في العالم الإسلامي- فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! لهذه الحادثة التي استطار شرها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح، فإن قوماً خرجوا من أطراف الصين وقصدوا بلاد تركستان مثل كاشور وبلد سوغون، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند وبخارى وغيرهما، فيملكونها ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكاً وتخريباً وقتلاً ونهباً، ثم يتجاوزونها إلى الري وهمذان وبلد الجبل، وما فيه من البلاد إلى حد العراق ثم بلاد أذربيجان وأرانية، ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها، ولم ينج إلا الشريد النادر، كل هذا في أقل من سنة، هذا ما لم يسمع بمثله.

    إلى أن قال أيضاً: ففعلوا فيها -أي في بلاد الهند وسجستان وكرمان وغيرها، ففعلوا فيها مثل ما فعل هؤلاء أو أشد ما لم يطرق الأسماع مثله، فإن الإسكندر الذي اتفق المؤرخون أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، إنما ملكها في نحو عشرين سنة، ولم يقتل أحداً إنما رضي من الناس بالطاعة، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمورة في الأرض وأحسنه وأكثره عمارة وأهلاً وأعدل أهل الأرض أخلاقاً وسيرة في نحو سنة -شاهد إذا سلط الله عز وجل الأعداء والعياذ بالله- ولم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم، ويترقب وصولهم إليه، ثم إنهم لا يحتاجون إلى ميرة ومدد يأتيهم، فإنهم معهم الأغنام والبقر والخيل وغير ذلك.

    إلى أن قال: ولقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم منها.

    ثم قال في آخر الأمر: فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله أن ييسر للإسلام والمسلمين نصراً من عنده، فإن الناصر والمعين والذاب عن الإسلام معدوم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال.

    أقول: نحن نسمع هذا الوصف من ابن الأثير رحمه الله تعالى نتعجب ونفرغ أفواهنا اندهاشاً ونحن نسمع مثل هذه الكلمات، فنقول: من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة بعد هذه الأحداث التي وصفها ابن الأثير رحمه الله تعالى!! كل هذه الصفحات والتاريخ مليء بمثل ذلك وغيرها من مواقف الشدة والمحن التي أصابت المسلمين.

    أقول: كل هذه بشارات وبشائر تدل على أن ما يحدث للمسلمين اليوم من ضيق وشدة ومحن أن بعدها فرج، وأن بعدها نصر، لكن المهم أن ننصر نحن دين الله، أن نقوم بواجبنا كما سأبين بعد قليل.

    أقول: مفهوم خاطئ يجب ألا يفهم: من كان يظن أننا نقصد بالتفاؤل إذا طلبنا التفاؤل مجرد الفرح والاطمئنان، وبالتالي الركون ودنو الهمة ووهن العزائم والانشغال في الدنيا والتغني بهذا التفاؤل ليل نهار، وذكر مثل هذه البشائر، وأعداء الإسلام يخططون ويعملون ويكيدون فهو مخطئ، أو من كان يظن أننا نقصد بذلك مجرد السرور والاطمئنان المؤدي للثقة المفرطة، والحماس المؤدي بدوره إلى التهور والانفعال اللذان يؤديان إلى عاقبة غير مرضية، ونتائج محرجة فهو مخطئ أيضاً، إنما نقصد بالتفاؤل: الثقة بنصر الله والفوز والنجاح، وعدم تأثر المسلمين جميعاً بما يوضع لهم من عراقيل، بل إن ذلك يزيدهم طموحاً وتفاؤلاً لأنهم واثقون بنصر الله، الثقة واليقين بنصر الله هذا هو ما نقصده بالتفاؤل، والأمل بنصر الله وتأييده لجنده، هو سبيل الراشدين والفائزين بالنصر وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:173] فالمؤمنون وحدهم هم المتفائلون، وغيرهم هم اليائسون.

    فاسلك أخي المسلم رعاك الله طريق المؤمنين العاملين المتفائلين، فالفوز حليفك إن شاء الله، وتذكر قول الحق عز وجل: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22].

    1.   

    حكمة جعل الأيام دولاً بين المسلمين وبين أعدائهم

    سؤال قد يرد على الخاطر يسأله كثير من الناس اليوم في مجالسهم ومنتدياتهم، لماذا يمكِّن الله الكافرين من المسلمين؟! ولماذا ينصرهم عليهم؟! ولماذا ينتصر أعداء الله عز وجل على المسلمين؟! هذا سؤال قد يرد على خاطر كثير من الناس .

    أقول: الإجابة أسوقها إليك من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان الجزء الثاني صفحة (273)، وانتبه لهذا الكلام فإنه كلام نفيس جميل جداً، الأصل أن نتناقله وأن نردده على مسامعنا وعلى الناس حتى يتبين لنا لماذا يبتلينا الله عز وجل بمثل هذه المصائب؟

    يقول: الأصل الثامن: أن ابتلاء الله بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحياناً فيه حكمة عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل، فمنها:

    استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمين منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا، ولو كانوا دائماً مقهورين مغلوبين منصوراً عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة، ولا كان للحق دولة، فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين، أن صرفهم بين غلبهم تارة، وكونهم مغلوبين تارة، فإذا غُلِبوا تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه وخضعوا له وانكسروا له وتابوا إليه، وإذا غَلَبوا أقاموا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عدوه، ونصروا أولياءه.

    ومنها -أي من الحكم- أنهم لو كانوا دائماً منصورين غالبين قاهرين لدخل معهم من ليس قصده الدين، ومتابعة الرسول، فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة والعزة، ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائماً لم يدخل معهم أحد فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارة وعليهم تارة، فيتميز بذلك بين من يريد الله ورسوله، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه.

    إذاً: التمييز بين الصادق من غيره، من حكم ابتلاء الله المؤمنين، تمييز الخبيث من الطيب مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ [آل عمران:179] هذا هو الأصل حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ كيف نكتشف إسلام هذا الإنسان إلا بالابتلاءات والفتن والشدائد، هنا يتضح المؤمنون الصادقون، ويتضح المنافقون الذين أصابوا قلوبهم بالخوف، والهلع عند الشدائد والمحن.

    يقول ابن القيم: ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في تلك الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال، لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم قلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش، والتعب والنصب وأضدادها تلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجوه الملزوم بدون لازمه ممتنع.

    يقول: ومنها أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم، يمحصهم ويخلصهم ويهذبهم، كما قال تعالى في حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد قال: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:139-140] إذاً من الحكمة وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:140-141] يخلصهم من ذنوبهم، من غفلتهم، مما تراكم عليهم من الغفلة والذنوب، فإن في هذه الابتلاءات تمحيص وتخليص وتهذيب لهم من الله عز وجل، وأيضاً اتخاذ للشهداء منهم في مثل هذه الأمور، ثم يقول سبحانه وتعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:142-144].

    يقول ابن القيم: فذكر سبحانه أنواعاً من الحكم التي لأجلها أديل عليهم الكفار بعد أن ثبتهم، وقواهم وبشرهم بأنهم الأعلون بما أعطوا من الإيمان، وسلاهم بأنهم وإن مسهم القرح بطاعته وطاعة رسوله، فقد مس أعداءهم القرح في عداوته وعداوة رسوله.

    يا أخي الحبيب! أنت على حق وعلى مذهب صادق، وعلى عقيدة واضحة وعلى مبدأ لا إله إلا الله، إن مت فبالجنة، وإن حييت ففي عزة وكرامة، أما أعداء الله عز وجل فهم على أي حال خسروا الدنيا والآخرة، فكر بمثل هذا حتى تقوم، حتى تعمل، حتى تتحرك لنصرة هذا الدين بما تستطيع.

    ثم يقول ابن القيم رحمه الله: ثم أخبرهم أنه سبحانه بحكمته يجعل الأيام دولاً بين الناس، فيصيب كل منه نصيبه منها كالأرزاق والآجال.

    ثم أخبرهم أنه فعل ذلك ليعلم المؤمنين منهم، وهو سبحانه بكل شيء عليم قبل كونه، وبعد كونه، ولكنه أراد أن يعلمهم موجودين ومشاهدين، فيعلم إيمانهم واقعاً، ثم أخبر أنه يحب أن يتخذ منهم شهداء، فإن الشهادة درجة عالية عنده، ومنزلة رفيعة لا تنال إلا بالقتل في سبيله، فلولا إدالة العدو لم تحصل درجة الشهادة التي هي من أحب الأشياء إليه وأنفعها للعبد، ثم أخبر سبحانه أنه يريد تمحيص المؤمنين، وأن تخليصهم من ذنوبهم بالتوبة والرجوع إليه واستغفارهم من الذنوب التي أُديل بها عليهم العدو، وأنه مع ذلك يريد أن يمحق الكافرين ببغيهم وطغيانهم وعدوانهم إذا انتصروا، ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم دخول الجنة بغير جهاد ولا صبر، وأن حكمته تأبى ذلك فلا يدخلونها إلا بالجهاد والصبر، ولو كانوا دائماً منصورين غالبين لما جاهدهم أحد، ولما ابتلوا بما يصبرون عليه من أذى أعدائهم، فهذه بعض حكمه في نصرة عدوهم عليهم وإدالته في بعض الأحيان ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

    وهذا الكلام كما ذكرت كلام جميل يجب أن نرجع إليه وننظر فيه، ونتناقله بين المجالس ونبينه للناس حتى يعلم الناس حقيقة هذه الابتلاءات التي تحصل للمسلمين .

    1.   

    وصايا ونتائج

    ولكي تتم الفرحة بهذه البشائر، ولكي تلحق بالركب، ولتنال شرف نصرة هذا الدين فإليك هذه الوصايا التي لا يتم الموضوع إلا بها .

    أولاً: يتعجب بعض الناس من هيمنة الغرب ودوره القيادي، فأقول: لا تعجب أيها الحبيب! فإن من سنة الله عز وجل في خلقه أن من عمل وسعى وبذل جهده، وطاقته في تحصيل مقصد أو هدف وصل إليه ما لم تقم بعض الموانع والأسباب الحائلة دون ذلك، فالمسلمون حين يستجمعون قوتهم، وحين يستجمعون أسباب التوفيق والتمكين المادية والمعنوية فإنهم يصلون إلى ما وصل إليه الغرب وأكثر -أقصد في القيادة والريادة- فهم مع ذلك -أي: المسلمون- يملكون العون من الله والتوفيق لأنهم حملة دينه، وحماة شريعته.

    إذاً: فالغرب وصل إلى ما وصل إليه الآن بالجد والعمل والمثابرة، ولو عمل المسلمون بهذه الأسباب لنالوا ذلك لأننا نتفوق على الغرب بالعقيدة -بلا إله إلا الله- فإن تخلينا عن لا إله إلا الله، وتخلينا عن هذا الدين انخفضنا وارتقى الغرب علينا، وأصبحت القيادة والريادة بيده كما هو حال الناس اليوم .

    ثانياً: متى يكون هذا النصر للإسلام؟! اليوم أو غداً أم بعد سنوات هذا السؤال ربما خطر على بعض الناس، فأقول: المهم أن تثق بنصرة هذا الدين، وقد لا تشهد أنت هذه النصرة، ولكن اسأل هل أنت ممن صنع هذه النصرة؟ هل أنت ممن شارك في هذه النصرة؟ ما هو رصيدك من العمل والدعوة والعبادة؟ ما هو رصيدك من البذل والتضحية والصبر في سبيل الله ومن أجل هذا الدين؟ إن النصر لا ينزل كما ينزل المطر، وإن الإسلام لا ينتشر كما تنتشر أشعة الشمس من حين تشرق، ألم تقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110] بعد الشدة وبعد وصول الأمر منتهاه جاء الفرج وجاء النصر، ألم تقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [البقرة:214] بلغ الأمر منتهاه مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

    إذاً: فالأمر يتطلب منا أن نبذل ما نستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية لنشر الخير، ابذل يا أخي الحبيب! ما تستطيع من أي جهد مالي أو فكري أو بدني لنشر الخير، فالصور كثيرة وأبواب الخير كثيرة جداً، والدعوة في هذا المجتمع، وإصلاح ما نراه فيه من خلل مهما بذل الإنسان من جهد فإنه قليل في ذات الله عز وجل .

    ثالثاً: الاستمرار بالدعاء والإلحاح فيه وعدم الانقطاع، خاصة عند حدوث الفتن ونزول المصائب، وهذا الأمر مطلب شرعي تركه والغفلة عنه سبب للعذاب، اسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43] نعوذ بالله من قسوة القلب.

    رابعاً: موتانا في الجنة وموتاهم في النار، الدنيا لهم والآخرة لنا، حقيقة نسيها المسلمون حتى أصبحت الدنيا لكثير من المسلمين غاية وهدفاً، فأصابهم الهوان والذل، وهذا هو واقع كثيراً من المسلمين، والله يقول وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] والهوان قد يكون للالتفات للدنيا وملذاتها وشهواتها .

    خامساً: لا ننس ضعف كيد الكافرين مهما كان عملهم، ومهما كانت قوتهم، فإن سعيهم في ضلال مهما كان هذا الكيد، ومهما كان هذا الجهد لحرب الإسلام والمسلمين، ومهما اتبعوا من وسائل فإن الله يقول عز وجل يقول:

    الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ النساء:76] انظر المبادئ انظر العقيدة!!

    الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ويكفي هذا فخراً ونصرة وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].

    الله عز وجل يخبرنا أن كيد الشيطان وأولياؤه كان ضعيفاً، لكن هذا الكيد المهم أنه كيد مادام أنه وجد ضعفاً من المسلمين فسيكون الأعلى مع ضعفه وهوانه وحقارته ما دام وجد من المسلمين هواناً وضعفاً فإن هذا الكيد الضعيف ما دام كيداً وعملاً يرتقي ويصبح عالياً على المسلمين، وإلا فكيد الشيطان وأولياء الشيطان كيد ضعيف، وقال عز وجل: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال:18] المهم اعمل تحرَّك فكِّر ابذل لهذا الدين، ادع لله عز وجل كيفما استطعت، سجل في موازين أعمالك وفي حسناتك أعمالاً صالحة، سجل فيها أناساً اهتدوا وصلحوا على يديك، وستجد أثر ذلك، تحرك إلى الله عز وجل، ابذل ما تستطيع، حَرِّك الأمة معك، فكر بحال الأمة، احمل همّ الدنيا وهمّ هذه الأمة، ستجد بعد ذلك نصرة الله عز وجل وستجد التوفيق من الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل أخبرنا أنه موهن كيد الكافرين، مهما كان هذا الكيد ومهما بلغ، وقال عز وجل: وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ [غافر:25] وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

    هذه هي الحقيقة بعد ذلك توكل على الله عز وجل، وقم يا أخي الحبيب! ولا يصيبك الهوان ولا يصيبك الخمول ما دمت واثقاً بنصرة هذا الدين، وواثقاً بهذه البشائر وبهذه المبشرات.

    اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ربَّ كل شيء ومليكه، اللهم إنا نسألك للإسلام نصراً مؤزراً في كل مكان، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم انصر عبادك المخلصين في كل مكان، اللهم أعلِ مكانتهم، اللهم احفظهم بحفظك يا حي يا قيوم، اللهم إنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فأشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده كيداً عليه، اللهم اجعل كيده تدبيراً تدميراً عليه، اللهم من كاد للإسلام بأمر سوء فكده يا حي يا قيوم، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم اجعلنا من جندك المخلصين، اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين، اللهم انفع بنا، اللهم انفعنا وانفع بنا، اللهم أقر أعيننا بعزة الإسلام والمسلمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960953