إسلام ويب

تفسير سورة الملك (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الذين يعرضون عن الله ويستمرون في إعراضهم وتكذيبهم يحذرهم الله من مغبة إعراضهم، فهو سبحانه قادر على أن يخسف بهم الأرض من تحتهم، أو يرسل عليهم عذاباً من فوقهم من ريح صرصر، أو حجارة مسومة، أو غيرها من صور العذاب التي حلت بمن كانوا قبلهم، فهو سبحانه قادر فوق عباده قاهر لهم، محيط بما يسرون وما يعلنون من أمرهم، لا يخفى عليه منهم شيء وهو اللطيف الخبير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور)

    الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه, ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: ما زلنا مع سورة الملك المكية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك:16-19].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زالت الآيات الكريمة في تقرير نبوة رسول الله بعد تقرير ألوهية الله وربوبيته، وما زال المشركون مصرون على تكذيب رسول الله، وأبوا أن يؤمنوا أنه رسول الله، مع المعجزات والآيات الدالة على ذلك، بل كانوا يتبجحون ويقولون: إنه ساحر أو مجنون، ويقولون فيما يقول من الهدى والحق والنور: أساطير الأولين. فخاطبهم تعالى هنا وقال لهم مؤنباً معنفاً: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك:16] أيها الكافرون! وأيها المشركون! في العالم بأسره اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم؟ فهذا الخطاب لكل الكافرين، بيضاً كانوا أو صفراً، عرباً أو عجماً، في الأولين أو في الآخرين. فهو يقول لهم: كيف أمنتم عذاب الله أن يعذبكم به؟ ولِمَ تكفرون به, وتصرون على تكذيب رسوله؟ ولِمَ لا تقبلون على الله وتطلبون هداه؟ والحامل لهم على هذا الجهل والعناد, والعياذ بالله.

    فهو تعالى يقول لهم: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]؟ والذي هو في السماء الله جل جلاله وعظم سلطانه، فهل أمنتم عذاب من هو في السماء؟ والسماء: العلو. فكل ما علاك فأظلك فهو السماء. وهو فوق عرشه فوق السماوات السبع, بائن من خلقه.

    فهو يقول لهم هنا: من أمنكم أن الله لا يعذبكم؟ أو أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16], حتى تنتهوا إلى أعماق الأرض. وقد أصاب أقواماً بهذا. فخافوا الله وخافوا عذابه, ولا ترغبوا في الكفر والعناد والمكابرة. هكذا يوبخهم ويؤدبهم ويؤنبهم, فيقول لهم: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]؟ وهو الله. فهل أمنتم عذابه؟ كما قال عبد الله بن عباس .

    وقوله: أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16], أي: تضطرب وتدور, حتى ما يبقى أحد على وجه الأرض. وهم لم يؤمنهم أحد. إذاً: فما عليهم إلا أن يطيعوا الله ورسوله بعد الإيمان بهما؛ لننجوا من مثل هذا العذاب؛ حتى لا يسلط علينا وينزل بنا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير)

    قال تعالى: أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك:17]؟ فهل أمنتم عذاب الله الذي هو فوق سماواته وفوق عرشه؟ وهل أمنتم أن يرسل عليكم ريحاً فيها الحجارة تدمركم, كما فعل مع قوم لوط، فقد أرسل عليهم ريحاً عاصفة تحمل حجارة من العذاب, فلم يبق أحد منهم, وإنما هلكوا كلهم. والله على كل شيء قدير. فلا تصروا على الكفر والعناد, وليس هناك مانع أن تقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله, إذ والله أنه لا إله إلا الله، والله إن محمداً لرسول الله. وهذا ظاهر في الأدلة والبراهين, والآيات الكونية والآيات القرآنية، بل وفي النفس. فانظر إلى نفسك واسأل نفسك من وهبك حياتك, ومن أعطاك سمعك بصرك, وجعلك تنطق وجعل لك الرجلين واليدين, ومن خلق لك هذا الكون وهذه الفواكه والنعم. ولابد لهذا من جواب, والجواب: إنه الله.

    فإذاً: آمن به وأطعه عندما يأمرك وينهاك, ووالله إنه ما يأمرك إلا بما يسعدك ويكرمك ويفضلك، ولا ينهاك إلا عما يشقيك ويؤذيك ويخسرك. وأوامر الله ونواهيه والله لا يوجد منها أمر إلا من أجل إسعاد البشرية، ولا نهي إلا من أجل إسعادهم وإبعادهم عن شقائهم.

    وقوله: أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك:17], الحصبة والحصاب والحاصب: الحجارة تنزل مع الريح. وقد فعل هذا مع قوم لوط, كما قال تعالى: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:33-34]. وفعل هذا مع أصحاب الفيل في مكة، فقال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5].

    وما زال الله قادراً على هذا، وإنما من تدبير الله وحكمه وحكمته أنه واعد رسوله أنه لا يهلك أمته كما أهلك الأمم السابقة بالخسف أو الدمار؛ لأنه رسول الرحمة، فقد قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. والبشرية كلها أمة محمد صلى الله عليه وسلم كافرهم ومؤمنهم، فمن استجاب فهو ناج، ومن لم يستجب فهو هالك, والعياذ بالله. ولولا هذه الرحمة لأنزل بهذه الأمم الدمار والخراب لما يصرون عن الكفر.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم وعده ربه وعد الصدق أنه لا يدمر أمته بالهلاك العام, كما أهلك عاداً وثمود, وقوم نوح وقوم صالح, والمؤتفكات وقوم لوط، ولكن يعذبهم بالجوع .. بالمرض .. بالحرب .. بالفتن بينهم، ويعذبهم في الدار الآخرة بعد الموت بجهنم.

    وقوله: فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:17]؟ أي: كيف إنذار من أنذركم, وهو رسولي محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا أرسل البلاء عرفوا وعلموا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير)

    قال تعالى مسلياً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الملك:18] من قوم نوح وقوم عاد, وقوم ثمود والمؤتفكات، وقوم لوط وقوم إبراهيم، فكلهم كذبوا، وليست أمة محمد فقط كذبت، بل هناك أمم كذبوا رسلهم, وإنذار الله لهم وتخويفهم، ولكن الله أنزل بهم عذابه، فقوم نوح كان عذابهم أن أغرقهم إغراقاً كامل، ووالله ما نجا إلا أهل السفينة وعددهم نيف وثمانيين رجلاً وامرأة، وباقي الأمة كلها غرقت. وهكذا قوم عاد أرسل عليهم ريحاً سبع ليالٍ وثمانية أيام, فما بقي موجود منهم أبداً، بل هلكوا كلهم، والمؤمنون نجوا وخرجوا.

    وكذلك ثمود قوم صالح, وكانوا في شمال المدينة ما نجا منهم أحد، وقد أمهلوا ثلاثة أيام, ففي اليوم الأول جثموا على الأرض ووجوههم مصفرة، وفي اليوم الثاني أسودت، وفي اليوم الثالث أخذت أرواحهم، وكذلك قوم لوط ما نجا منهم إلا لوط وامرأتان معه, أو امرأة وولد، وهكذا. ولكن الله من إكرامه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أعلمه أنه لا يهلك الأمة بالهلاك العام، وأما الهلاك الخاص -كما قدمنا- مثل المرض .. الوباء .. الحرب .. الفتن .. الفقر، فهذا موجود، ويستحقونه إذا فسقوا وفجروا, وخرجوا عن طاعة الله ورسوله.

    وأما الأولين فقال تعالى عنهم: وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الملك:18]؟ فهو ما كان إلا دماراً وخراباً, وأهلكهم نهائياً، ولم يبق منهم أحد، لا قوم نوح ولا عاد، ولا ثمود ولا المؤتفكات، ولا قوم إبراهيم ولا قوم لوط. فقد كان جزاؤهم دماراً وتدميراً وهلاكاً لهم. فليتعظ بهذا الناس, ويرجعون إلى الحق, ويتوبون إلى الله, وينيبون إليه, ويسلمون قلوبهم ووجوههم له بعد الإيمان به وحبه، فيكملون ويسعدون في الدارين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن)

    قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ [الملك:19]. وقد كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60]؟ هكذا قال مشركوا مكة, والعياذ بالله تعالى. إذاً: تعالوا شاهدوا آيات الرحمن, فهو الذي خلق هذه الطيور, وليس آباؤكم ولا أجدادكم. وخلق الطير ليس هيناً, والله هو الذي جعل له عينين يبصر بهما, وجناحين يطير بهما, ورجلين يمشي عليهما, ومنقاراً ينقر به الحب. وانظر إلى الطائر في السماء, فهو أحياناً يضم جناحيه إليه, ويبقى كتلة ما يسقط، وأحياناً يبسط جناحيه, ولا يسقط أبداً، وأحياناً يحركهما وينجو بالحركة, ويخبط بهما ولا يسقط. وإذا لم يحرك جناحيه وضمهما فلن يبقى طائراً في الهواء, بل إنه يسقط، ولا يمنعه من السقوط إلا إذا كان يبسطهما فقط ويحركهما. والطير لم يخلقه اللات ولا العزى، ولا عيسى ولا أمه.

    فيا أيها المشركون الكافرون! انظروا إلى آيات الله وتأملوها, فإنها تنتهي بكم إلى حقيقة, وهي أنه والله لا إله إلا الله، وأنه لا يستحق أن يعبد إلا الله؛ لأنه الخالق الرازق، ولأن المصير إليه, والعودة إليه، إذاً: فليعبد. ولكن الشياطين تزين لهم الكفر والشرك, وتحملهم على الفسق والفجور؛ ليعيشوا كالحيوانات وكالبهائم, والعياذ بالله تعالى.

    وافتح عينيك من أمريكا إلى اليابان والصين, فستجد الكفار كالحيوانات وكالبهائم, فهم لا يعرفون الله ولا يذكرونه، ولا يعرفون اسمه ولا يخافونه، ولا يطمعون فيما عنده، ولم يؤمنوا بالدار الآخرة. بل هم كالبهائم ينكحون ويأكلون ويشربون. وسبب ذلك: ظلمة قلوبهم. فهم ما فتحوا قلوبهم بلا إله إلا الله، وما عرفوا أن الله أرسل رسوله محمداً إلى البشرية كافة؛ ليبين لها الطريق؛ لتكمل وتسعد، بل كفروا بالقرآن, مع أنهم يسمعون به. والآن قامت الحجة عليهم, ففي إسرائيل وفي أمريكا وفي اليابان هناك إذاعات يقرأ فيها القرآن ويسمعونه، ولكنهم لا يتساءلون عمن أنزل هذا القرآن, ولا كلام من؛ حتى يعرفوا من يعلم الجواب عن هذا, فيرحلون بالطائرة ليسألوه, فيعلمهم أنه كلام الله, أوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب أبداً.

    وهذا القرآن حاوٍ لأعظم شريعة في الأرض، وحاوٍ للبيانات والهدايات. فالعجب من هذا القرآن, فهو قرآن عجب. فليؤمنوا بأن الله أنزله على محمد، فإذاً: محمد رسول الله، ووالله لن يكون إلا رسول الله، ولكنهم ما يريدون هذا.

    فقال تعالى في هذه الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ [الملك:19]. وليس عيسى ولا أمه، ولا اللات ولا العزى، ولا إبراهيم ولا غيره, ولا يمسك الطير في السماء أيدينا, وما يمسكها والله إلا الله، ذو الرحمة التي عمت كل شيء حتى الحيوانات، فرحمة الله وسعت كل شيء. وها هو رحم الطيور حتى لا تسقط.

    ثم ختم الآية بقوله: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك:19]. فالسابح في الماء كالسارح في الغبراء .. كالطائر في السماء .. كالمستكين في الأحشاء كل ذلك يعلمه الله، فما في الأحشاء يعلمه الله, وكذلك ما في بطون النساء والحيوانات. فهو يعلم من طار في السماء ومن سبح في الماء, وكل شيء هو بين يدي الله؛ إذ هو خالقه. فليعلموا من الذي خلق, فهو الخالق كل شيء من الذرة إلى المجرة، فهو خالق كل شيء, وهو على كل شيء قدير. فمن عرفه وامتلأ قلبه بنور الإيمان كمل وسعد في الدنيا والآخرة، ومن تكبر أو تجبر أو تجاهل أو أعرض وأبى أن يسأل عن الله وعبد الشيطان واتخذ الباطل والملك هواه والدنيا فيا ويله! فالساعة آتية لا ريب فيها، وإننا لعلى مقربة منها. واليوم اثنتا عشر ساعة، والآن نحن كأننا في آخر ساعة من اليوم والله ومع المساء. والله تعالى أسأل أن يتوب على المذنبين، وأن يردهم إلى الطريق المستقيم، وأن يحفظنا ويحفظ علينا ديننا، إنه ربنا ورب العالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: تحذير المعرضين عن الله، وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم، فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض، أو يرسل عليهم حاصباً من السماء، وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال, إلا إيمانهم وإسلامهم لله عز وجل ] ففي هذه الآيات: تحذير البشرية من الكفر والشرك -والعياذ بالله- ومن الاستمرار على الباطل والفساد والشر؛ حتى لا ينزل بهم عذاب في الدنيا. ولن ينجيهم أحد منه إلا الله، فما عليهم إلا أن يتوبوا إليه ويرجعوا إليه، ويؤمنوا أنه لا إله إلا هو, ولا رب سواه، ويؤمنون برسوله وما جاء به، ويعملوا بالكتاب الذي أوحاه إلى رسوله، فيكملون ويسعدون في الدنيا والآخرة، وأما مع إعراضهم فوالله إنها تنتظرهم البلايا والرزايا, والمحن والشقاء في الدنيا، وأما في الآخرة فما إن تخرج هذه الروح إلا وهي في عالم الشقاء إلى الأبد. والعياذ بالله.

    قال: [ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه؟ يريد أنه يصيبكم به إن أصررتم على تكذيبه وتكذيب رسوله. هكذا عقيدة السلف في إثبات صفة العلو لله تعالى.

    وأما الخلف فيقولون: أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:17]؟ ] أي: [ قدرته وسلطانه, وعرشه وملائكته؛ هروباً إلى التأويل؛ حتى لا يصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه من العلو الذاتي. فما أضل القوم! والاستفهام إنكاري، أي: ينكر عليهم أمنهم من الخسوف بهم وهم قائمون على معاصٍ توجب لهم ذلك ] وهذه المسألة مسألة علمية، ما ينبغي أن تذكر هنا بين العوام، وهي: أن السلف الصالح أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه وأولادهم وأحفادهم قبل أن توجد الفتن كانوا يؤمنون بما أخبر الله به, وأخبر به رسوله. وكان الداعي يرفع يديه هكذا إلى ربه فوقه، فآمنوا صدقوا أن الله فوق سمواته فوق عرشه، بائن من خلقه بذاته المقدسة. ثم بعد ذلك لما بدأت الفتن والجهل وجد من يقول في قوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]؟ أي: أأمنتم قدرته؟ ولا يقول: الله فوق السماء. ويقول: إذا قلنا: فوق السماء فقد جعلناه ذاتاً كذواتهم، وهذا كفر, وذات الله مقدسة، وليست كذات مخلوقاته, بل هذا مستحيل. فذات المخلوق ليست كذات الخالق, ولا سمعه وبصره كسمع وبصر الخالق, بل هذا مستحيل عقلاً. فالله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]. والموحدون المؤمنون يؤمنون إلى اليوم وإلى يوم القيامة أن الله فوق عرشه, بائن من خلقه، له سمعه وبصره ويده, ولكنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]. إذ الأشياء كلها مخلوقة له, وهو خالقها، ومستحيل أن تكون مثله، وينزهون الله عز وجل.

    [ ثانياً ] من هداية هذه الآيات: [ في الهالكين الأولين عبر وعظات لمن له قلب حي, وعقل يعقل به ] حتى نؤمن بربنا, لا بالدنيا ولا بالهوى, ولا بالشهوة ولا بالشياطين, بل نؤمن بخالقنا ورازقنا, ومنزل الوحي وكتابه على رسولنا, فنحن عبيده المؤمنون به، ومع الأسف فالدنيا كافرة به، وعدد المؤمنين نسبة قليلة بالنسبة للكافرين.

    [ ثالثاً: ] آخر هذه الهدايات: [ من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده: طيران الطير في السماء، وهو يبسط جناحيه ويقبضهما ولا يسقط، إذ المفروض أن يبقى دائماً يخفق بجناحيه يدفع نفسه, فيطير بمساعدة الهواء، أما إن قبض أو بسط المفروض أن يسقط، ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756002272