إسلام ويب

كيف تحافظ على صلاة الفجر؟للشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة الفجر من أعظم الصلوات وأفضلها، فقد انفردت عن غيرها بخصائص ومزايا كثيرة، ومن ذلك: أن بها يعرف الصادق من المنافق، فتجدها أثقل صلاة على المنافق، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة حتى لا يوصف بالنفاق، وبالمحافظة عليها تنصر الأمة على عدوها وتحفظ منه ومن سائر المصائب والآفات.

    1.   

    صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

    أما بعد:

    فما أسهل أن ينطق اللسان يا إخواني ويا أخواتي بكلمة الإسلام، ما أسهل ذلك، ولكن ما أصعب أن يترسّخ الإيمان في قلب الإنسان، انظر ماذا يقول ربنا: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، كلام اللسان: وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، مشكلة حقيقية أن يختلط الحابل بالنابل، أن يختلط الصادق بالكاذب، أن يختلط المؤمن بالمنافق مشكلة خطيرة، اختلاط المنافقين بالمؤمنين يضعف الصف: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:47]، أي: إلا اضطراباً وإلا ضعفاً، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47].

    لذلك فإن الله عز وجل من رحمته بالصف المؤمن أن ينقيه على الدوام، والتنقية تكون عن طريق اختبار صعب، لا يقوى على النجاح في هذا الاختبار إلا المؤمنون حقاً، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2]، أي: هل تعتقدون أيها المؤمنون أنكم ستقولون بلسانكم: آمنّا ثم لا يصدق هذا اللسان عملاً من الأعمال؟

    يقول سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]! تعجب كبير جداً: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3]، سنة من سنن ربنا سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].

    إذاً: ربنا سبحانه وتعالى سيجعل لنا اختبارات كثيرة جداً، منها: الجهاد فهو اختبار صعب، لكن ليس مستحيلاً، ينجح فيه المؤمن، ويسقط فيه المنافق.

    كذلك: الإنفاق، وحسن معاملة الناس وكظم الغيظ اختبار، وهكذا الحياة كلها اختبار من أول أيام التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].

    سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جداً، فليس أي شخص ممكن ينجح فيه؛ لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا الاختبار مقياساً واضحاً بين المؤمن والمنافق، فهو اختبار خطير، والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقاً بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر.

    صلاة الفجر في جماعة للرجال، وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء.

    روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما - أي: لو يعلمون ما فيهما من الأجر- لأتوهما ولو حبواً).

    تخيل نفسك أنك لا تستطيع أن تمشي أصلاً كأن تكون رجلك مكسورة وليس هناك من يعينك على المشي والذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، فتذهب حبواً كالأطفال؛ لأنك تعرف كمية الخير التي في هذه الصلاة.

    ذنب عظيم أن يتخلف مسلم مؤمن عن صلاة الفجر في جماعة، أو عن صلاة العشاء في جماعة.

    أما وقت الصبح فهو ما بين طلوع الفجر وما بين شروق الشمس، يقول لي أحد الناس: إنه سمع في برنامج من البرامج أن وقت الصبح إلى بداية وقت الظهر. قلت: سبحان الله! يعني: سيصير الوقت مفتوحاً إلى الظهر، فأين الاختبار هذا؟! نقول: الوقت يا أخي ينتهي بشروق الشمس، هذا الوقت القليل المحدود الصعب، هو فعلاً صعب ومقصود أنه يكون صعباً.

    روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)، كلام في منتهى الوضوح، والأصعب من هذا يا إخواني أن اختبار النفاق من الإيمان لا يكتفي بمجرد أن تدرك الصبح في بيتك، لا، لا بد أن تدرك الجماعة في المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنا أعرف أنه صعب ومقصود أنه يكون صعباً؛ لأنه اختبار خطير، والنتيجة خطيرة كما قلنا.

    أما بالنسبة للنساء فصلاتهن وإن كانت مسموحة بالمساجد إلا أنها في البيت أفضل وأكثر ثواباً؛ للحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) .

    1.   

    مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر

    للأسف الشديد إن ضياع صلاة الفجر مشكلة شديدة الشيوع في أوساط المسلمين رجالاً ونساءً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أتكلم عن حقائق في شرع الله عز وجل، أتكلم عن نصوص محكمة يا إخواني ليس فيها لبس، أتكلم عن أمور لا يوجد فيها اختلاف، بل أجمع العلماء عليها، قد يقول قائل: لكن أنا فعلاً لا أستطيع القيام للفجر، بالنسبة لي مستحيل، أقول له: كيف يكون في حقك مستحيلاً، ولا يكون في حق غيرك مستحيلاً؟!

    تعالوا نفكر معاً، أولاً: يقول الله عز وجل في كتابه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فهل صلاة الصبح في هذا التوقيت تكليف أم ليست تكليفاً؟ هي تكليف، وفرض أم ليست فرضاً؟ هي فرض، على كل المؤمنين أم على طائفة معينة من المؤمنين؟ على كل المؤمنين، والله عز وجل يعلم الوسع أو لا يعلمه؟ يقيناً يعلمه، ومع ذلك كلفك بصلاة الصبح في هذا التوقيت.

    إذاً: لا ينفع عقلاً ولا شرعاً لمسلم يؤمن بحكمة الله عز وجل وبعلم الله وبعدل الله أن يدعي أنه لا يستطيع تنفيذ تكليف من تكاليف الله عز وجل، هذا أول أمر.

    الأمر الثاني: عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحاً، وكنت أجد الطريق السريع مليئاً بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحاً، وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحاً إلى شغلها.

    وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوساً في البيت من الساعة السادسة صباحاً أو السابعة صباحاً إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب، لكي يجعله يستنشق هواء لطيفاً ونظيفاً.

    فالأمريكي نصرانياً كان أو يهودياً أو ملحداً يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله عز وجل، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصياً، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد، أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟!

    يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟

    أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصاً سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يومياً لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟

    1.   

    خصائص المحافظة على صلاة الفجر

    الرسول صلى الله عليه وسلم يا إخواني كان يعلم أنه يصعب علينا صلاة الصبح في موعدها، لأجل هذا كان له أسلوب تربوي رائع في تحفيز المسلمين لهذه الصلاة المحورية الخطيرة، التي تميز الصادقين من المنافقين، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم خصائص هامة فريدة لصلاة الصبح؛ لترغيب المسلمين في هذه الصلاة العظيمة الهامة من هذه الخصائص:

    عظم أجر المحافظة على صلاة الفجر في جماعة

    الخاصية الأولى: تعظيم الأجر جداً لمن صلى الصبح في جماعة في المسجد، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)، يا الله! هل تستطيع أن تصلي الليل بأكمله؟ هذه فرصة أن تأخذ بصلاة العشاء والفجر في جماعة أجر قيام الليل في صلاة.

    سألت الإخوة المصلين في ليلة السابع والعشرين من رمضان وأثناء صلاة التهجد، وكان ما شاء الله العدد كبيراً، والقيام طويلاً، سألتهم: هل يا ترى قيام ليلة القدر بكاملها أفضل وإلا صلاة الفجر في جماعة في شهر صفر أو رجب أو شوال أو أي شهر غير رمضان؟ ويا ترى أيهما أثقل في الميزان؟ وأيهما لو فاتتك تحزن أكثر؟ أيهما لو فاتتك تلام من الله أكثر؟ أجب، تستطيع أن تصلي عشرين ركعة سنة للظهر من غير ما تصلي الفرض؟ لا ينفع، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

    إذاً: أولاً الفرض ثم تأتي النوافل.

    يا ترى لو عرفت أن ليلة القدر كانت ليلة كذا، وأنت في هذه الليلة كنت نائماً ستحزن أم لا؟ ستحزن.

    إذاً: لماذا لا تحزن على صلاة الفجر التي هي أهم من ليلة القدر؟ لأن صلاة الفجر فرض وليلة القدر بكاملها سنة، وصلاة الفجر في أي يوم من أيام السنة فرض، ولكن لماذا الناس تتكالب على ليلة القدر فيمتلئ الجامع والشوارع التي حول الجامع، وبعد ذلك سبحان الله تأتي تجد الفجر في غير رمضان صفاً أو صفين لو كثروا؟ لماذا الناس لا تفهم؟ هذا غياب حقيقي للفهم يا إخوان.

    يا أخي في الله! ليلة القدر هدية من الله عز وجل لمن حافظ على صلاة الفجر وغيرها من الفروض، العبادة يا إخواني ليست مقامرة، هل يعقل أن أعبد ربنا سبحانه وتعالى يوماً أو عشرة أيام ويكون لي حسنات كالذي صار له سنة كاملة يستيقظ في عز البرد ومع التعب والشغل لكي يصلي الفجر؟!

    الخير الثاني في صلاة الفجر، تعلمون أن يوم القيامة ستكون الظلمة فيه شديدة جداً، والشمس ستكور والنجوم ستنكدر يفه فلا يوجد نور، وبالذات على الصراط، ويحتاج الناس إلى النور للجواز على الصراط، والمرور على الصراط صعب يا إخواني، إذاً: من أين يأتي المؤمنون بالنور يوم القيامة؟ هناك أشياء كثيرة جداً جداً عملوها في الدنيا وربنا سبحانه وتعالى وعدهم بالنور لقاء تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في الدنيا، من ذلك: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين)، (المشائين) يعني: الذين يمشون كثيراً جداً: (بشر المشائين في الظلم)، (الظلم) يعني: في صلاة العشاء وصلاة الفجر: (بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد) ، يعني: ليس في البيت: (بالنور التام يوم القيامة)، (النور التام) هو النور الذي لا ينزع عند الصراط، لماذا؟ لأنهم نجحوا في اختبار الدنيا، فوقاهم الله عز وجل من السقوط في النار يوم القيامة.

    كذلك تجد الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمك ذكراً خاصاً تقوله وأنت ذاهب لصلاة الفجر، وأنت تمشي في الظلمة، وأنت تذكر ظلمة يوم القيامة، الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمك وأنت ذاهب لصلاة الفجر في الظلمة أن تقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً).

    أيضاً يوجد خير آخر في صلاة الفجر: وهو وعد صريح بالجنة: (من صلى البردين دخل الجنة)، والبردان: هما الصبح، والعصر.

    وهناك أكثر من ذلك، سبحان الله! ماذا يوجد أكثر من الجنة؟ نعم، إنها رؤية الله عز وجل في الجنة، اسمع إلى هذا الحديث في البخاري ومسلم ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم)، انتبه هو يعطيك وسيلة تصل بها إلى هذه الرؤية: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) يعني: صلاة الفجر، وصلاة العصر، ولا يزال هناك أناس ينامون في صلاة الفجر، سبحان الله!

    إذاً: أول خاصية: تعظيم الثواب إلى أقصى درجة لمن حافظ على صلاة الفجر.

    عظم وزر تضييع صلاة الفجر في جماعة

    الخاصية الثانية: ضياع الفجر، وليس فقط ضياع الأجر، لا، بل ضياع الفجر عذاب شديد، يحكي الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة رؤيا، ورؤيا الأنبياء حق، يقول: (إنه أتاني الليلة آتيان)، هناك رواية تبين أنهما جبريل وميكائيل: (وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا - يصف لهم رجلاً يعذب - على رجل مضطجع -رجل نائم- وإذا آخر. -وفي رواية- ملك قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه) ، يعني: يشق رأسه ويشدخه، (فيتدهده الحجر هاهنا) أي يتدحرج إلى بعيد (فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان) يعني: يلتئم الرأس من جديد، (ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم الرسول انزعج انزعاجاً شديداً، قال: (قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق)، وبعد ذلك مر على مشاهد كثيرة، وفي آخر المطاف فسروا له الذي رآه، فما هي حكاية هذا الرجل؟ (قالا له: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه) يعني: يأخذ حكم الله عز وجل فيرفضه، (وينام عن الصلاة المكتوبة)، نعم هذا موضوعنا: (وينام عن الصلاة المكتوبة)، ما هي الصلاة التي نحن ننام عنها؟ إنها صلاة الفجر يا إخواني!

    إذاً: العملية ليست عملية ضياع أجر فقط، لا، العملية فيها عقاب وعقاب مريع يا إخواني! نسأل الله العافية.

    تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لسنة الفجر

    الخاصية الثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظم جداً جداً من قيمة سنة الصبح، هي الصلاة الوحيدة التي عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنتها إلى هذه الدرجة، حيث قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، يا الله! قفوا وقفة مع هذا الحديث وفكروا فيه، فما الذي يمنعنا من صلاة الصبح؟ إنه جزء ضئيل ضئيل ضئيل من الدنيا، إما نائم متأخر في أمر من أمور الدنيا، وإما أن تستيقظ بعد صلاة الفجر؛ لأنك مرتبط بأمر من أمور الدنيا، ومع ذلك كل الدنيا من أولها إلى آخرها بما فيها من أموال وكنوز ومناصب وأعمال ومغريات وملهيات كلها لا تصل إلى قيمة ركعتي الفجر، أي: السنة، فما بالكم بالفرض؟!

    تفرد صلاة الفجر عن بقية الصلوات بأمور خاصة بها

    الخاصية الرابعة: تفرد صلاة الصبح بأمور ليست في بقية الصلوات.

    أولاً: أن أذانها مختلف، فبعد حي على الفلاح يزيد المؤذن: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. قف يا مؤمن مع هذه العبارة، فما الذي يمنعك من النزول لصلاة الفجر؟ أليس هو لذة النوم وراحة النوم وحلاوة النوم؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك بمنتهى الوضوح: (الصلاة خير من النوم)، فهل يا ترى أنت مصدق أم غير مصدق؟ المسألة بوضوح مسألة إيمان.

    ثانياً: صلاة الصبح جعل لها أذكار خاصة بعدها غير ما يؤتى من الأذكار دبر كل صلاة، فأنت خلف كل صلاة تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وتقول: أستغفر الله، وغير ذلك لكل الصلوات، لكن صلاة الصبح انفردت بأشياء خاصة بها غير الأشياء الأخرى، من ذلك: أن تقول دبر صلاة الفجر وأنت لم تغير هيئة الصلاة تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، ومن قال هذا الكلام يحصل على ستة أمور:

    الأول: كتبت له عشر حسنات.

    الثاني: محيت عنه عشر سيئات.

    الثالث: رفعت له عشر درجات.

    الرابع: أن يكون يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه.

    الخامس: حرس من الشيطان.

    السادس: أنه لم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله. يعني: أي ذنب سيكفره الله له إلا الشرك بالله.

    كذلك النساء يأخذن هذا الأجر إذا قلن هذا الذكر بعد الصلاة في أول الوقت في بيوتهن.

    تعظيم وقت صلاة الصبح

    الخاصية الخامسة: تعظيم وقت صلاة الصبح، وقت الصبح يا إخواني وقت مشهود من الملائكة، فالملائكة تنزل إلى الأرض لتشهد هذه الصلاة الهامة، ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تفضل صلاة الجميع -يعني: صلاة الجماعة- صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر)، الله الله! التقاء كل الملائكة في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (فاقرءوا إن شئتم: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]) وفي رواية أخرى عند البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (ثم يعرج الذين باتوا فيكم -أي: ملائكة الليل- فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) أليس من الأفضل لك أن تذكرك الملائكة عند الله عز وجل بأنك من المصلين، وتشهد لك أنك كنت تصلي الصبح في جماعة؟ أليس هذا أفضل من أن تقول: يا رب أما فلان فكان نائماً أو غافلاً أو كانت عنده مشاغل أخرى أهم فلم يأت ليصلي صلاة الفجر؟ أليس هو أفضل إذاً: نراجع أنفسنا.

    حفظ الله ورعايته لمن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة

    الخاصية السادسة: أنت إذا صليت الصبح فأنت في حفظ الله ورعايته سائر اليوم، هذا شيء في منتهى الروعة، هل هناك أحسن من هذا؟ تشعر في يومك كله أنك في حماية الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله)، يعني: في حماية الله وفي عهد الله وضمانه، تشعر بثقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصلياً للصبح في جماعة، تشعر بثبات أمام المحن والمصائب وأمام الطغاة والجبابرة، كل هذا باستيقاظك لصلاة الصبح، سبحان الله! ركعتين تثبت فيهما صدق القلب وقوة الإيمان.

    تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح بوعظ الناس بعدها

    الخاصية السابعة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبب لهم صلاة الصبح بأن يجعل وراءها درساً أو توضيحاً لمفهوم معين، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيراً لرؤيا، يعني: كان يقيم لقاء علمياً روحياً إيمانياً راقياً جداً جداً، يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها العيون، ووجلت منها القلوب)، ثم بدأ يذكر الخطبة المشهورة الطويلة.

    الشاهد يا إخواني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاطف أصحابه بعد صلاة الصبح ويعلمهم ويفقههم ويشرح لهم، وكل هذه عوامل تشجع من كان في قلبه تردد أن يفوت هذه الصلاة العظيمة: صلاة الصبح.

    تحفيز الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالبقاء في المسجد بعد صلاة الفجر

    الخاصية الثامنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحفز المسلمين على البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح، يعني: أن تظل قاعداً إلى أن تشرق الشمس؛ لعظم أجر هذا الوقت، ويصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمن يومه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الغداة في جماعة -يعني: صلاة الصبح، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).

    تكفير ذنوب من أحسن الوضوء والخشوع في صلاة الفجر أو غيرها

    الخاصية التاسعة: وسيلة غير مباشرة لكن جميلة جداً، روى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) يلاحظ أن الفترة بين صلاة العشاء وبين صلاة الصبح هي أطول الفترات التي تقع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نصف اليوم، فإحسان الوضوء صلاة الفجر والخشوع والركوع كل هذه مكفرة لنصف اليوم، وبقية الصلوات مكفرة للنصف الآخر، أو قل تصبح صلاة الصبح مكفرة لنصف العمر لمن حافظ عليها، وبقية الصلوات مكفرة لنصف العمر الآخر، وذلك إذا اجتنبت الكبائر، فضل هائل وقيمة لا تقدر.

    وضع الله عز وجل البركة في أول ساعات النهار

    الخاصية العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة: أن البركة في البكور، في الساعات الأولى في الصباح بعد صلاة الصبح، فهي أبرك ساعات اليوم كله، روى الترمذي وغيره عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) ، هذه المباركة يا إخواني في كل شيء، في كل الأعمال: في التجارة، في الزراعة، في القراءة، في السفر، في الجهاد في سبيل الله، في أي شيء، وصخر رضي الله عنه الذي روى هذا الحديث استفاد من هذه النصيحة، فقد كان رجلاً تاجراً، وكان إذا بعث تجارته بعثها في أول النهار، فأثرى رضي الله عنه وكثر ماله، حتى إنه في رواية غير أحمد : (أن صخراً كثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه).

    إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك أن تستيقظ لصلاة الصبح في جماعة، وتقعد تذكر ربنا سبحانه وتعالى في الوقت الذي ما بين الصبح حتى الشروق، ثم بعد ذلك تشتغل ولا تذهب للنوم، وتأخذ بركة أول اليوم.

    فإذا كنت تريد أن يكثر مالك فاستيقظ وصل الفجر وربنا سيبارك لك في مالك إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يبعث جيشاً كان يبعثه في أول النهار، يقول النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس -يعني: أمسك عن القتال- فإذا طلعت قاتل)، يعني: كان يقاتل بعد طلوع الشمس في وقت البركة، وكان يقول: (عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم).

    إذاً: كان ينتظر بعد صلاة الصبح الوقت المبارك.

    بهذه الفضائل والخصائص وغيرها أدرك الصالحون قيمة صلاة الصبح فما ضيعوها، وما تخيلوا أصلاً أن يضيعها إنسان، روى الإمام مالك رحمه الله في موطئه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة -من كبار التابعين- رحمه الله في صلاة الصبح، فذهب عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى أمه الشفاء أم سليمان رضي الله عنها -وهي من الصحابيات- فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟! قالت: إنه بات يصلي. يعني: ظل الليل كله يصلي فغلبته عيناه، لم يكن قاعداً أمام التلفاز يا إخواني، ومع ذلك لم يعذره سيدنا عمر ، بل قال: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة بكاملها.

    كذلك بيعة عمر بن الخطاب للخلافة كانت في صلاة الصبح؛ لأن الصديق توفي مساءً ودفن مساءً، وفي صلاة الفجر من اليوم الثاني بويع عمر بن الخطاب للخلافة، يعني: كبار رجال الدولة من الأمراء والوزراء وأهل الحل والعقد ومن بيده الأمر كل هؤلاء كانوا يصلون الفجر في جماعة، يأخذوا قرارات في منتهى الخطورة، قرارات مصيرية جداً في صلاة الصبح، صلاة في منتهى الأهمية.

    يروي الإمام مالك في موطئه: أن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما دخل على عمر بن الخطاب بعدما طعن، يقول المسور : فأيقظت عمر لصلاة الصبح ، مع أن عمر بن الخطاب رأس الدولة كان مطعوناً طعنة قاتلة، والظرف صعب جداً جداً، لكن صلاة الصبح لا تؤخر يا إخواني، لا يستطيع أن يدعه يصليها بعد الشروق، ماذا قال عمر عندما أيقظه المسور بن مخرمة رحمه الله؟ قال له: نعم، نعم، أحسنت أنك أيقظتني، ثم قال: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم قام عمر رضي الله عنه وأرضاه وصلى صلاة الصبح وجرحه يثعب دماً، ومع ذلك لم يترك صلاة الصبح.

    وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه كان يبكي بكاءً مراً كلما تذكر فتح تستر، لماذا يبكي؟! وتستر مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفاً، وبعد حصار لهذه المدينة مدة سنة، ونصف سقطت في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتحاً مبيناً، فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة، فلماذا يبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عندما يتذكر موقعة تستر؟ لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن ودار قتال رهيب بين ثلاثين ألف مسلم ومائة وخمسين ألف فارسي وكان في منتهى الضراوة؛ لأن كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت وتحمل الخطر الكبير على الجيش المسلم، فهم في موقف في منتهى الصعوبة، ولكن في النهاية كتب الله النصر للمؤمنين، وانتصروا على عدوهم بفضل الله، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، وضاعت صلاة الصبح في ذلك اليوم الرهيب يوم الفتح، لم يستطع المسلمون في هذه المعركة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده، ويبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته، مع أن جيش المسلمين مشغول بذروة سنام الإسلام، مشغول بالجهاد في سبيل الله، لكن الذي ضاع شيء عظيم يا إخواني، يقول أنس : ما هي تستر هذه؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعاً بهذه الصلاة.

    كلنا نفهم يا إخواني لماذا ينصر الله هؤلاء؟ لا توجد (لوغاريتمات) في الإسلام: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فكيف ينصر الله عز وجل قوماً فرطوا في فريضة صلاة الصبح؟ هذا لا يكون، أما أن يكون الجيش على شاكلة أنس بن مالك رضي الله عنه يحاسب نفسه على الصلاة الوحيدة، فهذا ولا شك جيش منصور.

    1.   

    الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة

    نريد أن نصلي الفجر في جماعة كل يوم، وهناك وسائل تساعدنا على المحافظة على صلاة الفجر، والابتكار في هذه الوسائل يا إخواني مفتوح، فأي شخص عنده وسيلة توقظ لصلاة الفجر فلينصح بها.

    الإخلاص لله تعالى

    الوسيلة الأولى: الإخلاص التام لله عز وجل، فغير المخلص لله يصعب عليه أن يحافظ على صلاة الفجر، فصلاة الفجر اختبار لاكتشاف المخلصين.

    والإخلاص أن تكون مستعداً لأن تضحي بأي شيء في سبيل أن ترضي ربك سبحانه وتعالى، تضحي بمال، تضحي بجهد، تضحي بعلاقات، تضحي بعمل، تضحي بحياتك كلها لأجل ربك سبحانه وتعالى.

    وضياع صلاة الفجر عرض لمرض، والمرض هو أنك جعلت الله عز وجل أهون الناظرين إليك؛ لأنك لم تخلص له، ولم تأبه بشرعه وبأمره، لم تخش تحذيره، لم تتبع قانونه وشرعه، ومن ثم أضعت صلاة الفجر.

    فهذه علامة خطيرة على غياب الإخلاص.

    العزيمة الصادقة

    الوسيلة الثانية: العزيمة الصادقة، عندي قناعة شخصية أن الذي يريد فعلاً أن يستيقظ لصلاة الفجر سيستيقظ فعلاً، لو تشعر فعلاً بقيمة الفجر في جماعة، ستركز كل جهودك حتى تقوم الفجر، يقول ربنا في المنافقين: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46]، لكن هم لا يريدون، فلأجل ذلك لم يخرجوا، ولو لم توجد عندك عزيمة صادقة فعمرك لن تسمع الأذان: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23]، وحتى يا أخي والله لو سمعت الأذان وأنت ضعيف العزيمة فلن تقوم، لماذا؟ لأن ربنا هو الذي لا يريدك أن تقوم بعزيمة ضعيفة، يقول ربنا عن المنافقين: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [التوبة:46]، يعني: أنه لا يريد المتثاقلين الكسالى: فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46]، انتبه يا أخي أن تتأثر بكثرة القاعدين المتخلفين عن صلاة الفجر انتبه لا تقارن نفسك بهؤلاء، إنما قارن نفسك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قارن نفسك بـعمر ، قارن نفسك بـأنس ، قارن نفسك بـخالد بـالقعقاع بـيوسف بن تاشفين بـقطز وغير هؤلاء الكبار، أعل من همتك، وعظم قدوتك، وكبر أهدافك، وضخم طموحاتك، واعمل لنفسك ورد محاسبة خاص بصلاة الفجر فقط، كن جاداً مع نفسك، اجعل ورقة واحدة سجّل فيها أيام الشهر كلها، واليوم الذي تصلي فيه الفجر في جماعة علم أمامه علامة صح، واليوم الذي يفوتك الفجر في جماعة علم أمامه علامة غلط، وانظر آخر الشهر هل حياتك تمشي في المسار الصحيح أم في المسار الخطأ؟ عندها صحح وضعك وصحح أخطاءك.

    تجنب الذنوب وتركها

    الوسيلة الثالثة: تجنب الذنوب وتركها، وصلاة الفجر هدية من الله عز وجل، وهذه الهدية لا تعطى إلا للطائعين، أما القلب الذي أشرب حب المعاصي فكيف يستيقظ لصلاة الفجر؟ والقلب الذي غطته الذنوب كيف يتأثر بحديث يتكلم عن فضل صلاة الفجر؟! أو كيف يسمع لنداء: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم؟! ضياع الفجر مصيبة، وربنا سبحانه وتعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، ابحث في حياتك، ابحث عن ذنوب ما زلت مصراً عليها، والذنوب قد تكون في عينيك، قد تكون في لسانك، في علاقاتك بالناس، في علاقاتك بأبويك، وذنوب في القلب: كبر، عجب، حسد، غضب، رياء، ابحث ولا تستصغرن ذنباً من الذنوب، قد يكون هذا هو الذي أقعدك عن صلاة الفجر: (إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).

    وسئل الحسن البصري رحمه الله: لماذا لا نستطيع أن نقوم الليل؟ يتكلمون عن قيام الليل وليس عن صلاة الصبح، فقال: أقعدتكم ذنوبكم.

    فربنا سبحانه وتعالى يريد الذي يصلي له أن يكون نقياً طاهراً تائباً منيباً إلى الله عز وجل: يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17].

    نسأل الله عز وجل لنا ولكم المغفرة.

    الدعاء

    الوسيلة الرابعة: الدعاء، وهو وسيلة في غاية الأهمية، اجعل لنفسك ورداً يومياً تدعو الله فيه بإخلاص أن يمن عليك بالقيام لصلاة الفجر في جماعة، لا تستهين بهذه الوسيلة العظيمة، من الذي يوقظنا للفجر أو لغيره من؟ إنه ربنا سبحانه وتعالى، بل قل: من الذي يبعثك من نومك؟ والنوم هو نوع من الموت، واليقظة كالبعث، يقول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، يعني: من لا تعود نفسه مرة أخرى إليه مات، وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الزمر:42].

    إذاً: ندعو ربنا سبحانه وتعالى الذي يمسك بأرواحنا أن يرسلها للقيام لصلاة الفجر أو قبل صلاة الفجر.

    هذه الوسائل الأربع من أهم الوسائل ما ينفع للمسلم تركهن: الإخلاص، العزيمة، التوبة إلى الله عز وجل، الدعاء، هذه وسائل ينبغي الجمع بينها، ما ينفع أن تأخذ واحدة منها وتدع الباقي.

    الصحبة الصالحة

    الوسيلة الخامسة: الصحبة الصالحة، أيضاً هذه وسيلة في غاية الأهمية، قيام الإنسان بالطاعة منفرداً فيه صعوبة، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد)، هذا كلام في منتهى الوضوح، فانظر من هم أصحابك؟ هل يذكرونك بصلاة الفجر؟ هل يذكرونك بالقرآن؟ هل يذكرونك بغض البصر؟ هل يذكرونك ببر الوالدين؟ هل يذكرونك بربنا سبحانه وتعالى وإلا فليس هؤلاء بأصحابك، لو كان ليس لهم هم غير اللهو واللعب وتضييع الوقت، وعمل المعاصي والذنوب، فانقذ نفسك منهم، وقبل ذلك حاول أن تدعوهم إلى الله عز وجل، وإلا فانج بنفسك وابحث عن صحبة صالحة، وكن متذكراً قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

    النوم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم

    الوسيلة السادسة: النوم بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    أولاً: النوم مبكراً، النوم مبكراً ليس عيباً أبداً، أنا لست أعرف من الذي أدخل في أذهاننا أن الأطفال فقط هم الذين ينامون في وقت مبكر؟! ربنا سبحانه وتعالى يطفئ نور الدنيا كلها لكي ننام في الليل، ونحن نصر على أن نبقى مستيقظين: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [غافر:61]، هذه سنة ربنا في الأرض، فهؤلاء الذين يعيشون للدنيا قاموا بدراسات لكي تستغل الدنيا أفضل استغلال، فوصلت دراساتهم إلى نفس الحقائق التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن من عشرات القرون.

    أعود بكم مرة أخرى لأمريكا، لكي تستيقظ باكراً في المواعيد التي تريدها فلا بد أن تنام باكراً، فهم في أمريكا ينامون مبكرين، فنادر جداً أنك تجد أحداً يمشي في الشارع بعد الساعة التاسعة مساءً، تجدهم ينامون الساعة الثامنة، الثامنة والنصف، التاسعة بالكثير، فانعكس هذا على حياتهم، فعندهم نظام وحيوية ونشاط وإنتاج وتقدم حضاري، أنا لا أقول هذا الكلام؛ لأني مبهور بالنظام الذي عندهم، لا، أنا أقول هذا الكلام؛ لأني متحسر على كثير من المسلمين الذين لم يفهموا الكنز الذي تركه ربنا سبحانه وتعالى لنا في القرآن وفي السنة، الذي استغله الأمريكان واليابانيون والصينيون وغيرهم من أهل الأرض، هو هذا الإسلام يا إخواني! وجدت إسلاماً ولم أر مسلمين.

    وأيضاً أنت ستسهر لتشاهد التلفاز فتحصل على سيئات وذنوب وتضيع عليك صلاة الفجر، أو تسهر لتذاكر، نقول: المذاكرة بعد الفجر إلى الساعة الثامنة، وهذا أفضل وقت ممكن تذاكر فيه، هذا كلام العلماء وليس كلامي، والذي ستذاكره في الليل بساعتين ستذاكره الصبح في نصف ساعة، أو تسهر لزيارة شخص فنقول: يا أخي! لو كنت لا تريد أن تقوم لصلاة الفجر ولا تريد أن تقوم باكراً فاترك غيرك ينام مبكراً ليذهب لصلاة الفجر.

    نحن نحتاج إلى نغير نظام حياتنا كله، لا نملك وقتاً نضيعه في كلام لا طائل منه، قد نأتي اللهو المباح، لكن ينبغي أن نتذكر أننا أمة جادة، عندها شيء من اللهو المباح، ولسنا أمة لاهية عندها شيء من الجد القليل.

    إذاً: أول نصيحة بخصوص النوم أننا ننام مبكرين بقدر ما نستطيع.

    ثانياً: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ قبل أن ينام، وكان ينام على الشق الأيمن على جنبه اليمين، ويقول أذكار النوم، وأذكار النوم كثيرة جداً، وليس المجال لذكر أذكار النوم بكاملها، لكن سأذكر لك أمراً واحداً مهماً جداً جداً وهو أن تقرأ آية الكرسي قبل أن تنام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام لن يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) هذا الشيطان الذي يبعدنا عن صلاة الفجر، فربنا يحفظك من الشيطان بآية الكرسي، وأذكار النوم كثيرة وعودوا إليها في كتب الأذكار.

    أيضاً بخصوص موضوع النوم حاول أن تخبر أصحابك وأقرباءك ومعارفك أنك تنام باكراً؛ بحيث لا توجد زيارات لا هواتف بعد الساعة العاشرة مساء أو إحدى عشرة حسب ما تحدد لنفسك، ونظامك هذا يا أخي والله ليس أمراً يخجل أبداً، ما كان النظام الإسلامي مخجلاً، بل الذي يجب عليه أن يخجل هو الذي يخالف نظام الإسلام.

    إذاً: النوم مبكراً، النوم على وضوء، النوم على الجانب الأيمن، أذكار النوم، وإخبار الناس بنظامك الجديد.

    عدم الإكثار من الأكل قبل النوم

    الوسيلة السابعة: وسيلة شرعية وصحية تماماً، لا يختلف على أهميتها طبيبان: لا تأكل كثيراً قبل النوم، والأصل ألا نأكل كثيراً سائر اليوم؛ لأن هذه هي السنة النبوية، لكن نريد أن نركز جداً أنه ينبغي لنا ألا نأكل كثيراً قبل أن ننام؛ لأن كميات الأكل الكبيرة تسحب الدماء من كل الجسم، ومن العقل أيضاً تسحب الدماء إلى المعدة وإلى الأمعاء لهضم الكميات الهائلة من الأطعمة، فالعقل الذي انسحب منه الدم يصير في شبه غيبوبة، فلا يقدر الشخص أن يقوم وقت الفجر؛ لأنه أكل أكثر من طاقته، والأكل الكثير قبل النوم يأتي بالكوابيس والأحلام المزعجة ترى ناساً تجري وراءك، ووحوشاً تأكلك، مأمور ضرائب، ثعابين وسحالي وأشياء كثيرة جداً فتظل في قلق واضطراب إلى قرب الفجر، فتنام قليلاً فيفوتك الفجر؛ لذلك يقول أحد الصالحين: من أكل كثيراً، نام كثيراً، فيفوتك خير كثير. يعني: يفوتك قيام الليل، هو لم يكن يقصد صلاة الفجر؛ لأنه لا يتوقع أن واحداً ينام عن صلاة الفجر.

    إذاً: هذه هي الوسيلة السابعة المساعدة على الاستيقاظ لصلاة الفجر.

    مذكرات فضائل الفجر

    الوسيلة الثامنة هي وسيلة مبتكرة ولطيفة ومفيدة على أكثر من مستوى، وهي مفيدة لمن حافظ بالفعل على صلاة الفجر ولو سنين، هذه الوسيلة هي: مذكرات فضائل الفجر، يعني: أن تجعل عشرين أو ثلاثين ورقة كرتونية في البيت، ويا حبذا أن يكون الورق ملوناً بألوان فسفورية واضحة: أصفر، أخضر، سماوي، ألوان تكون ظاهرة وواضحة، بحيث يكون حجم كل ورقة كبيراً نسبياً، فتكتب في كل واحدة منها بخط جميل وواضح حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحض على صلاة الفجر، كأن تكتب على واحدة منهن: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)، وتكتب على أخرى: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، وهكذا في سائر العشرين أو الثلاثين الورقة، وكل أسبوع تخرج ورقتين فقط وضعهما في غرفتك في مكان ظاهر، بحيث ترى الورقة جيداً، هكذا ستضرب أكثر من عصفور بحجر.

    أولاً: ستشجع نفسك أنك تستيقظ لصلاة الفجر، فأنت كل يوم ترى هذه الأحاديث فتذكر نفسك بالأجر.

    ثانياً: قد تصلي الفجر باستمرار، لكن قد تنسى الثواب الضخم الذي في صلاة الفجر وأصبح الأمر عادة، بهذا تفرق بين أن تقوم عادة أو تقوم لأنك مشتاق إلى ثواب صلاة الفجر.

    ثالثاً: ممكن يرى غيرك هذا الحديث في غرفتك أهلك، أولادك، إخوانك، والدك، والدتك، أي أحد ممكن يرى الحديث فيتذكر صلاة الفجر، وكل هذا في ميزان حسناتك في الأخير.

    الأجراس الثلاثة المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر

    الوسيلة التاسعة: الأجراس الثلاثة، ما هي الأجراس الثلاثة؟ أول واحد هو المنبه، اضبط المنبه على أول ميعاد الفجر، اترك التفاؤل أكثر من اللازم، لكن لو قلت: إن شاء الله سأقوم هذه الليلة قبل الفجر بنصف ساعة أو بعشر دقائق فتضبط المنبه على ذلك فتستيقظ فتجد أنه لا زال هناك وقت فتقوم وتقفل المنبه، وتقول: أنا سأرتاح خمس دقائق، انتبه هذه الخمس الدقائق هي أخطر خمس دقائق في حياتك، قد تكون السبب في ضياع فرض ربنا سبحانه وتعالى، لكن كن واقعياً، فإن كنت تستيقظ إلا على الفجر فلا تفترض أنك ستستطيع أن تصلي قيام الليل، لا، خذ نفسك بتدرج، واعلم أن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق.

    أيضاً المنبه ضعه بعيداً عن يديك؛ بحيث لا تستطيع أن تقفله إلا إذا قمت ومشيت لكي تقفله، حينها لو قمت ومشيت وقفلت مع سبق الإصرار والترصد فهذا موضوع آخر، لكن إن شاء الله بهذا تضمن أنك تقوم من النوم.

    إذاً: هذا أول جرس وهو جرس مهم جداً جداً المنبه.

    الجرس الثاني: التلفون، اتفق مع أحد أصحابك الذي يستيقظ كل يوم في الفجر أن يتصل بك ويوقظك، أو الذي يستيقظ فيكم الأول يوقظ الثاني، واتفق معه أيضاً أنه لا يغلق السماعة إلا بعد أن يتأكد أنك استيقظت، يعني: يقوم معك بحوار قصير جداً فقط؛ لكي يضمن أنك لا تغلق السماعة وتعود إلى النوم مرة أخرى، وبعد ذلك ضع عليك واجباً أنك توقظ شخصاً آخر، بمجرد أن تستيقظ تعرف أن عليك إيقاظ فلان، هذه المسئولية ستدفعك إن شاء الله إلى القيام.

    إذاً: الجرس الثاني: جرس التلفون.

    الجرس الثالث: جرس الباب، فلو كنت تسكن في عمارة وهناك آخر يسكن فيها وتعرف أنه يستيقظ الفجر فاطلب منه أن يمر عليك ليوقظك، لكن لا بد أن تخبر أهل البيت؛ لكي لا يحصل إزعاج لهم بسبب جرس الباب.

    إذاً: الاستعانة بالأجراس الثلاثة ستعين إن شاء الله على الاستيقاظ لصلاة الفجر.

    دعوة الآخرين إلى صلاة الفجر

    الوسيلة العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة: أن تدعو غيرك إلى صلاة الفجر، الترس الذي يعمل لا يصدى، والإنسان الذي كل يوم يذكر غيره بالفجر لا يمكن أن ينسى الفجر، وابدأ أول ما تبدأ بأهلك بأولادك وزوجتك وإخوانك ووالديك، إذا كنت وجدت صعوبة في صلاة الفجر فليس بالضرورة أنهم يمرون بكل التجربة التي مررت بها قبل ذلك، ذكرهم دائماً بالفجر وساعدهم عليه، وهذه الدعوة في حق أهلك ليست فضلاً منك، بل فرض عليك: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وغير أهلك ادع أصحابك ومعارفك وأحبابك، واعلم أنه لا يوجد شيء يخفى على ربنا، فكل واحد سيصلي الفجر بسببك سيكون لك من الأجر مثل أجره، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

    إذاً: هذه هي الوسيلة العاشرة من الوسائل المعينة على صلاة الفجر في جماعة، ويمكن أن تضيف الوسيلة التي تراها مناسبة، وأعانك الله عز وجل وأعاننا على طاعته.

    1.   

    كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر وآثار ذلك

    كلمة أخيرة يا إخواني ويا أخواتي في الله: صلاة الفجر في جماعة للرجال، وفي أول وقتها للنساء، وهذه قضية محورية في حياة الأمة المسلمة، القضية ليست قضية صلاة ركعتين فقط، لا، القضية أكبر من ذلك بكثير، صلاة الفجر تضبط لك اليوم كله.

    صلاة الفجر تحرك الكون كل الكون كما يريد ربنا سبحانه وتعالى.

    صلاة الفجر تربط الناس بربها من أول اليوم إلى آخره.

    صلاة الفجر تجعل الأمة كل الأمة في ذمة الله وفي ضمان ورعاية وحماية الله سائر اليوم.

    في صلاة الفجر تقابلون صفوة المجتمع، انتبهوا أن تظنوا أن صفوة المجتمع هم أصحاب الجاه والسلطان والمال والشهرة لا، لا، لا، لا، صدقوني أن الصفوة الحقيقة هي التي تحافظ على صلاة الفجر في جماعة، في مجتمع كثر فيه الفساد تقابل الصالحين في صلاة الفجر، في مجتمع كثر فيه النفاق تقابل الصادقين في صلاة الفجر، في مجتمع كثرت فيه المعاصي والآثام والشرور تقابل الطائعين والتائبين في صلاة الفجر، أي فضل وأي منة من الله عز وجل؟! وأي صفوة من البشر أنت تقابل في صلاة الفجر؟!

    صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة وقيمتها، فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام، بل تستحق الاستبدال، وعلى الجانب الآخر الأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض.

    وأخ لا يحافظ على صلاة الفجر في جماعة، ثم يتحدث مساءً عن التمكين في الأرض كيف يكون ذلك؟! إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]، وأي إفساد أعظم من تضييع فرض من فروض الله عز وجل، ومن تضييع حق من حقوق الله عز وجل، والإصرار على ذلك التضييع، وأول صفات الذين يمكنون في الأرض، كما أ×بر تعالى بقوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، إذاً: أول صفات الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة ليست نقراً كنقر الغراب وفي غير موعدها، إقامة الصلاة هي إقامتها بكل شروطها في أول وقتها، وفي المكان الذي أمر الله به في المسجد، وبكل خشوع وتضرع وابتهال وانكسار، والصلاة بهذه الصورة أداة من أدوات النصر.

    كلكم تعرفون الكلمة التي قالها أحد المسئولين اليهود: من أنه لا يخاف من أمة الإسلام إلا في حالة واحدة، وهي أن يصل عدد من يصلون الفجر في جماعة كعدد الذين يصلون الجمعة في جماعة. سواءً هذه الكلمة قالها فعلاً مسئول يهودي أو لم يقلها فالجملة صحيحة، أمة الإسلام بغير صلاة الفجر في جماعة أمة غير مرهوبة، احفظوها جيداً: لا يستقيم لأمة تطلب العزة والكرامة والنصرة أن تفرط في هذه الصلاة.

    ملحوظة غريبة جداً وهامة لاحظتها في سورة الإسراء، وهي أنه لم يأت طلب النصرة إلا بعد الحديث عن الفجر، قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، والمقصود بقرآن الفجر: صلاة الفجر، وعبر عنها بالقرآن؛ لأن القراءة في الفجر تكون طويلة عادة، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وبعد ذلك الأمر الذي يليها: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، إذاً: قبل الفجر قيام الليل، وبعد قيام الليل وتأدية صلاة الفجر أمرت أن تطلب النصر: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:80-81]، آيات عجيبة والله يا إخواني، سبحان الله! لا يأتي طلب السلطان النصير من الله عز وجل، ولا يأتي مجيء الحق وإزهاق الباطل وتمكين دين الله عز وجل في الأرض، لا يأتي كل ذلك إلا بعد إقامة الصلاة وبالذات صلاة الفجر: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، وبعد قيام الليل: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79]، هذه هي أدوات النصر في الإسلام.

    صلاح الدين الأيوبي رحمه الله اهتم أول ما اهتم بصلاة الفجر، وتحفيز الناس على صلاتهم في المسجد، الجيش الذي يصلي الفجر في جماعة هو الجيش الذي ينتصر على الصليبيين أو غيرهم من أعداء الأمة، وصلاح الدين يا إخواني لم يظل قائماً في الجامع ويترك إعداد الجيوش لا، لا، بل أخذ بكل الأسباب المادية المباحة من إعداد وتدريب وسلاح وخطة، وحشد للجنود، واختيار للتوقيت، وعقد الأحلاف، وتوحيد الصفوف، أخذ بكل الأسباب المادية، لكن في الوقت نفسه كان يعرف أنه لا يمكن أن ينتصر إلا إذا كان ربنا معه، وكيف يمكن أن يكون معه وهو مضيع صلاة الفجر.

    إذاً: لا بد أن يرتبط المسلم بربه قبل أن يتوقع النصر: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40].

    والقرآن كنز، وفيه أن تغيير الله عز وجل لواقع الأرض من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الصلاح يكون دائماً في الصبح، سبحان الله، وهذا فيه إشارة إلى أن وقت الصبح وقت شريف عظيم، فهو وقت تغيير، فانتبه أن تكون نائماً فيه، فإهلاك قوم لوط كان فيه: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81]، وإهلاك عاد قوم هود: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25]، وثمود: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود:67]، إلى آخر الآيات، وهكذا مع كل الأنبياء والمرسلين، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)، هذا هو وقت التغيير، ووقت الجهاد، ووقت التمكين، وربنا سبحانه وتعالى عندما أقسم بالخيول التي تجاهد في سبيل الله قال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:1-3]، يعني: الخيول التي تغير في الصباح في وقت التغيير، سيظل هذا الكلام إلى يوم القيامة، فمن سنن الله عز وجل إلى اللحظات الأخيرة من عمر الأرض أن التغيير والإصلاح والتمكين سيكون لأولئك الذين يحافظون على صلاة الفجر في جماعة.

    كذلك نزول المسيح عليه السلام إلى الأرض واستقرار العدل في الأرض سيكون في صلاة الفجر، والجيل الذي يستحق استقبال المسيح عليه السلام جيل يحافظ على صلاة الفجر؛ ولك يصف الرسول صلى الله عليه وسلم لنا مستقبل الأرض، كما جاء في سنن ابن ماجه رحمه الله عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأرضاه قال: (إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال) ، يعني: أشد فتنة ستأتي على أهل الأرض هي فتنة الدجال : (وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم) ، يعني: لم يخرج قبل ذلك ولا يوجد نبي سيأتي بعدي، وأنتم آخر الأمم، فماذا سيحصل؟ قال صلى الله عليه وسلم: (وهو خارج فيكم لا محالة)، يا رب سلّم سلم، ثم بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عن صفات الدجال ، وعن الأحداث المصاحبة له، وعن يأجوج ومأجوج، وعن اللحظات الأخيرة جداً في الأرض، وعن طائفة المؤمنين التي سينزل عليها المسيح عليه السلام ليقيم العدل في الأرض من جديد بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: (وجلهم ببيت المقدس) ، أي: جل المؤمنين آنذاك في بيت المقدس، نسأل الله عز وجل أن يحرر فلسطين كاملة: (وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح)، انتبه الجيش الذي ينتظر نزول المسيح سينزل عليه المسيح وهم واقفون يصفون لصلاة الفجر، وبينما الإمام يتقدم ليصلي بهم (إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح)، هذا بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا الله! ليس هذا الكلام يا إخواني من قبيل المصادفة أبداً أبداً، هذه لحظات تغيير وتمكين وعزة ورفعة للمسلمين، كيف يمكن للمسلمين أن يناموا في وقت كهذا؟! كيف يمكن للواحد أن يغفل عن صلاة الفجر ويظل نائماً في هذه الوقت الشريف؟!

    ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى)، ليتقدم عيسى فيصلي بالناس، مادام وجد نبي فهو يقدمه ليصلي بالمسلمين، قال: (فيضع عيسى يده بين كتفيه فقال له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم) ، إمامهم من المسلمين، وجاء في رواية أخرى من الأحاديث: أنه المهدي المنتظر .

    أبعد هذا يوجد من ينام وصلاة الفجر تقام في المسجد؟!

    أحلم بيوم -يا إخواني- أجد فيه كل هؤلاء القاعدين يصلون الفجر في جماعة.

    أحلم بيوم أجد فيه المساجد ممتلئة بالمسلمين، أحلم بيوم أجد فيه المسلمين منتظرين أذان الفجر بشوق حقيقي، يرددون الأذان، ويسعون إلى بيوت الله بلهفة يشعرون أنهم في لقاء مع الله عز وجل.

    أحلم بيوم أجد فيه المسلم الذي تضيع منه صلاة فجر واحدة يظل سائر اليوم حزيناً ومهموماً؛ لأنه فاتته حاجة كبيرة جداً.

    أحلم بيوم أرى فيه ولاة أمور المسلمين في كل بلاد المسلمين من أقصاها إلى أقصاها يؤمون المسلمين في المساجد في صلاة الفجر وغيرها.

    أحلم بيوم أرى فيه دين ربنا هو دين الأرض، وأن العدل حل محل الظلم، وأن شرع ربنا صار هو الشرع الحاكم في كل مكان.

    أنا أعرف أن أي واقع نعيشه الآن كان حلماً قبل ذلك، وأنا أعرف أيضاً أن أحلام هذا النهار هي واقع غد إن شاء الله.

    أحلم بمستقبل أنا على يقين من حدوثه، أنا أرى غداً ولست أنجم أو أعرف الغيب، لا، أنا أرى وعد ربنا سبحانه وتعالى لهذه الأمة، والله لا يخلف الميعاد. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، فلاحظ الآية التي جاءت وراء هذه قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، إذاً: إقامة الصلاة كما أمر الله عز وجل هي طريق الاستخلاف والتمكين والأمن.

    نسأل الله عز وجل أن ييسر لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].

    وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767087925