إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الجنايات [3]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من العدل في الشريعة القصاص فيما دون النفس من الأعضاء كالأيدي والأرجل، ولكن ذلك لا يتم إلا بشروط لابد من تحققها لتتحقق المساواة والمماثلة.

    1.   

    القصاص فيما دون النفس

    القصاص في الأطراف والجروح كالقصاص في النفس

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: شروط القصاص فيما دون النفس ]:

    يعني: من الأطراف والجروح.

    قال: [ من أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها ]؛ لأن ما دون النفس فرع عن النفس، وعلى ذلك فكما أن الوالد لا يؤخذ بولده في النفس فلا يؤخذ به في الطرف، ولا في الجرح، فلا يقاد لا في النفس ولا فيما دون النفس من والد لولده، وكما أن المسلم لا يقتل بالكافر فكذلك لا يؤخذ طرفه ولا يجرح بطرف الكافر وجرحه، وكما أن الأنثى تقتل بالذكر، والذكر يقتل بالأنثى، فكذلك في القود فيما دون النفس، وكما أن العبد يؤخذ بالحر في النفس، فكذلك يؤخذ به في الطرف والجراح وهكذا.

    إذاً: مسألة الطرف والجرح فرع عن مسألة النفس، ولذا قال: من أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها، قال الله جل وعلا: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45].

    حكم القصاص في اللطمة والعصا والمال المتلف

    أهل العلم في المشهور وهو قول جمهورهم لا يرون القصاص في اللطمة والعصا والمال، فمن لطم فإن من لطمه يعزر، ومن ضرب بالعصا، فإن من ضربه بالعصا يعزر، ومن أتلف مال غيره فليس لغيره أن يتلف ماله، بل يعزره الحاكم بما يراه.

    وقال ابن المنذر وجماعة من أهل الحديث، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية قالوا: بل القصاص في ذلك، فمن لطم فله أن يقتص بلطم من لطمه، ومن ضرب بالعصا فله أن يقتص ممن ضربه بالعصا بأن يضربه بعصا مثلها، ومن أحرق متاعه فله أن يقتص بإحراق متاعه، فمثلاً لو أحرق سيارته فله أن يقتص بإحراق سيارته التي تساويها في القيمة وهكذا.

    واستدلوا بقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]، وفي البخاري : أن عمر رضي الله عنه أقاد من الدرة، وعلي رضي الله عنه أقاد من ثلاثة أسواط.

    الجمع بين النهي عن إضاعة المال وجواز القصاص في المال

    قال: [ فإن قيل: إن الشارع قد نهى عن إضاعة المال فكيف يؤذن لهذا المجني على ماله أن يقتص من المعتدي بمثل ذلك؟ فالجواب: إذا ثبت القصاص في الجرح وفي الطرف وفيه إتلاف لشيء من أعضاء الآدمي، فأولى من ذلك أن يقتص بإتلاف ماله، ولأن التشفي مقصود للشارع ]، يعني: أن يزول ما في القلب من الغيظ، ولا يزول ذلك إلا بأخذه حقه بمثل ما فعل به، وهذا كذلك يقال في اللطمة ويقال في العصا.

    ولأن المماثلة والعدل في ذلك أقرب من التعزير؛ لأن التعزير قد يكون بالحبس، وقد يكون بسياطٍ كثيرة، وهذا أقرب إلى المماثلة، فإذا أذنا له -أي: للمجني عليه- بأن يلطم الجاني الذي لطمه فهذا أقرب للمماثلة من أن نعزره بالحبس مثلاً، وإذا أذنا له بأن يضربه بالدرة أو أن يضربه بالعصا بعدد ما ضربه بعصاً يماثله؛ فإن المماثلة أقرب، نعم قد يكون هذا أشد، لكن المماثلة أقرب من تعزيره بحبس أو نحو ذلك، وهذا القول هو الراجح.

    وأما المشهور عند الفقهاء فإنهم لا يرون القصاص إلا في النفس وفي الطرف وفي الجرح، وأما ما سوى ذلك فلا قصاص.

    قال: [ ومن لا فلا ]، فمن أخذ بغيره في النفس أخذ به في ما دونها، فكما أن الرجل يقتل بالأنثى فإن طرف الرجل يؤخذ بطرف الأنثى، وجرح الرجل يؤخذ بجرح الأنثى، وما لا فلا، فكما أن الذمي لا يؤخذ به المسلم في النفس فلا يقتل المسلم بالذمي، فكذلك لا يؤخذ طرف المسلم بطرف الذمي، ولا يجرح مسلم جرح ذمياً، بل في ذلك الدية كما سيأتي شرحه إن شاء الله.

    1.   

    شروط القصاص فيما دون النفس

    من شروط القصاص العدوان

    قال: [ وشروطه أربعة، أحدها: العمد (العدوان) ]، فلا قصاص في غيره؛ لأن النفس كما تقدم لا قود فيها في الخطأ، ولا في شبه العمد، وإنما القصاص في النفس يكون في العمد العدوان، فكذلك فيما يتعلق في الطرف وفي الجرح، مثل الحوادث مثلاً في السيارات لو حصل حادث فانقطعت يد الذي حصل الخطأ عليه، فهل نقوم بقطع طرف الآخر؟ لا. إنما في ذلك الدية كما سيأتي إن شاء الله.

    من شروط القصاص إمكان الاستيفاء بلا حيف

    قال: [ الثاني: إمكان الاستيفاء بلا حيف ]، يعني: بلا ظلم ولا جور، فلا بد من إمكان الاستيفاء، فإذا لم يمكن الاستيفاء إلا بحيف فلا؛ لأنه تعذر الاستيفاء مع العدل، فالاستيفاء هنا فيه جور، والجور والظلم حرام، وعلى ذلك فلا استيفاء مع حيف، ولذا قال هنا: [ إمكان الاستيفاء بلا حيف؛ بأن يكون القطع من مفصل ]، أما إذا كان القطع ليس من مفصل فإن الواجب في ذلك الدية، هذا هو المشهور في المذهب، فلو قطعت يده مثلاً من نصف الذراع هنا، أو من نصف العضد، أو قطعت رجله من نصف الساق، فهنا يتعذر الاستيفاء، وذلك لأن الحيف هنا محتمل، فيمكن أن تسري الجناية فتتلف قدمه كله، بل قد تأتي على نفسه.

    أما إذا كان من مفصل مثل الرسغ أو المرفق ونحو ذلك، أو الركبة، أو كذلك الكعبين، فلا بأس به، وعلى ذلك فالاستيفاء ممكن وغير متعذر مع العدل.

    حكم طلب المجني عليه الاستيفاء من موضع دون موضع الجناية

    فإن قيل: هل يجوز للمجني عليه أن يستوفي من موضع دون هذا الموضع، ويكون من مفصل؟ مثلاً إذا قال المجني عليه: أنا لا أقبل الدية، أنا أريد أن تأخذوا لي منه من المفصل الذي دون هذا الجرح، فإذا كان مثلاً بتر قدمه من الساق، فيقول: خذوا لي منه من الكعبين، فهل له ذلك؟ فيه قولان لأهل العلم:

    فقال الجمهور وهو المشهور في المذهب: إنه لا يستوفى له من هذا الموضع، يعني: من هذا المفصل الذي دون الموضع الذي كانت فيه الجناية؛ لعدم المماثلة.

    والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعي وقول في مذهب أحمد : أن له ذلك، وهذا هو الراجح؛ وذلك لأنه طلب دون حقه.

    ثم ما زاد هل له أن يطلب عليه أرشاً وجهان، والراجح أن له ذلك، يعني: له أن يطلب الأرش على القدر الزائد؛ وذلك لأنه حيث تعذر الاستيفاء ثبت الأرش، وعلى ذلك فلو قطع يده من هنا من نصف الذراع مثلاً فاقتص من الرسغ وطلب أرشاً على القدر الزائد يقدره أهل الخبرة فله ذلك، هذا هو الراجح في هذه المسألة.

    قال: [ بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد كمارن للأنف، وهو ما لان منه ]، مارن الأنف هو ما لان من الأنف؛ فإذا حصل قطع المارن، ووصل القطع إلى قصبة الأنف، فهل يمكن الاستيفاء بلا حيف؟ يمكن الاستيفاء بلا حيف، وعلى ذلك فيثبت القود، ولا ننتقل إلى الدية لإمكان الاستيفاء بلا حيف.

    حكم القصاص في الجائفة وقطع القصبة وقطع بعض الساعد

    قال: [ فلا قصاص في جائفة، والجائفة: هي الجرح الذي لا ينتهي إلى عظم بل يكون إلى الباطن، كالجرح في البطن لا ينتهي إلى عظم ]، فالجرح الذي لا ينتهي إلى عظم لا قصاص فيه؛ لأنه لا يؤمن الحيف.

    [ ولا في قطع القصبة، أي: قصبة الأنف ]، كذلك إذا قطع قصبة الأنف فلا نأمن الحيف عند الاستيفاء.

    قال: [ أو قطع بعض ساعد، أو ساق، أو عضد، أو ورك ]، وتقدم أن له أن يأخذ ما دون ذلك من المفصل، وما زاد فله الأرش ، تقدم أن ذلك هو الراجح.

    حكم من اقتص في الجائفة بقدر حقه ولم تسر جناية

    قال: [ فإن خالف فاقتص بقدر حقه، ولم يسر ]، يعني: لو أن المجني عليه أخذ سيفاً وقطع الجاني من نفس الموضع الذي جني عليه فيه، ولم تسر الجناية، أي: لم يلحق الجاني ظلم ولا حيف، [ وقع الموقع أجزأ ذلك ]، ولم يلزمه شيء؛ لأنه حقه، إنما منعناه من ذلك خشية الحيف، وحيث لم يحصل حيفٌ فإنه لا يؤاخذ على ذلك، ولم يلزمه شيء، يعني: لم يلزمه الضمان.

    يعني: لو أن رجلاً اعتدى على آخر فقطع قدمه من نصف الساق، ثم إنه هو قطع قدم هذا من نصف الساق، ولم تسر الجناية؛ فإنا لا نؤاخذه ووقعت موقعها؛ لأنا كنا نخشى الحيف، فلما لم تسر الجناية أمنا الحيف فلم نؤاخذه.

    لابد من المساواة في الاسم في القصاص

    قال: [ الثالث: المساواة في الاسم ]، هذا هو الشرط الثالث، فالعين بالعين، فلا تؤخذ العين بالأنف، ولا تؤخذ الرجل باليد، بل لا بد من المساواة في الاسم، ولذا قال الله جل وعلا: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] نعم.

    فإذا كان الاسم غير متحد فلا قصاص، ولذا قال: [ فلا تقطع اليد بالرجل وعكسه ]؛ لعدم المساواة، [ وكذلك في الموضع ]، فلا تقطع اليمين بالشمال، وعكسه، أي: لا تقطع كذلك الشمال باليمين.

    ولو أن رجلاً قطع اليد اليمنى من آخر وأثناء القصاص أخرج الجاني يده اليسرى فقطعت، فلا دية ولا قود، وهذا هو المشهور في المذهب، وذلك لأن القصاص قد حصل، والاختلاف يسير، ولكن يعزره الحاكم بما يراه.

    من شروط القصاص في الأعضاء مراعاة الصحة والكمال

    قال: [ الرابع: مراعاة الصحة والكمال، فلا تؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها ]، فإذا كان الجاني قد قطع اليد اليمنى وهي ناقصة فيها مثلاً أربع أصابع، ويده كاملة فلا نأخذها بتلك الناقصة؛ لعدم المماثلة، كذلك في الأظافر، فإذا كان فيها عيب في الأظافر فهي ناقصة؛ فلا تؤخذ بها الكاملة، وذلك لعدم استوائهما في الكمال، فلا تؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها، [ ولا عين صحيحة بقائمة ]، لا تؤخذ العين الصحيحة بالعين القائمة، والعين القائمة هي التي يكون فيها بياض وسواد، ويكون بياضها وسوادها صافيين، لكن هذه العين لا ترى، من رآها ظن أنها ترى؛ لأن السواد في موضعه والبياض في موضعه، ولكن لا رؤية؛ فإذا لطمها شخص فأتلفها، لا تؤخذ بها عينه الصحيحة؛ لعدم الاستواء.

    قال: [ ولا صحيح بأشل ]، فإذا قطع صحيح يد أشل، فلا نأخذ يده الصحيحة؛ لعدم الاستواء.

    قال: [ ولا صحيح بأشل من يد ورجل وأصبع وذكر ]، فإذا كان الذكر الذي قطع أشل فلا نأخذ به ذكراً صحيحاً. يعني: إذا كان الجاني ذكره صحيحاً والآخر ذكره أشل فلا يؤخذ هذا بهذا، وإنما في ذلك الدية.

    قال: [ ولا ذكر فحلٍ بذكر خصي ]، إذا كان هذا ذكره فحل، وهذا ذكره خصي، فلا يؤخذ هذا بهذا؛ وذلك لعدم المماثلة، أو كان هذا ذكره صحيحاً وفحلاً، والآخر عنيناً لا يطأ، فلا يؤخذ هذا بهذا، أي: لا نأخذ الصحيح السليم بغير الصحيح.

    قال: [ ويؤخذ مارن صحيح بمارن أشل ]، المارن يعني به: مارن الأنف، فيؤخذ الصحيح بالأشل؛ قالوا: لأن الرائحة في الدماغ وليست في الموضع من العضو. فلو أن رجلاً لا يشم جنى عليه جانٍ فأخذ مارن أنفه بسكين، وهذا يشم -أي: الجاني- فهل نأخذ مارنه؟ نأخذه؛ لأن الرائحة-يعني: الشم- ليست في المارن، وإنما هي في الدماغ.

    قال: [ كذلك وأذن صحيحة بأذن شلاء ]، فالأذن الصحيحة السمع ليس فيها، وإنما هو في الدماغ، فلو أن رجلاً لا يسمع قطع أذنه شخص يسمع هل نأخذ أذن هذا بأذن هذا؟ نعم. وذلك لما تقدم؛ لأن السمع في الدماغ، لكن العكس هل يؤخذ؟ العكس يؤخذ، فلو أن رجلاً أشل قطع يداً صحيحة، فللآخر أن يأخذ يده وإن كانت شلاء، ولو أن رجلاً يده مقطوعة الأصابع قطع يداً صحيحة فللآخر أن يأخذ اليد؛ لأنها أنقص، وهذا كقتل العبد بالحر.

    وعلى ذلك فالعكس فيه القصاص، يعني: إذا كان عضو الجاني أنقص أخذ، وإذا كان عضوه أكمل لم يؤخذ. يعني: إذا كان الجاني عضوه أكمل من عضو المجني عليه بأن كان عضوه صحيحاً كاملاً؛ فإنا لا نأخذه، وإذا كان عضو الجاني أنقص من عضو المجني عليه فإنا نأخذه؛ وذلك لأن هذا من جنس قتل العبد بالحر، وقد تقدم لكم أن المكافأة شرط في القصاص، فلا يقتل الحر بالعبد، لكن العبد يقتل بالحر، وإن كان كما تقدم الراجح أن الجميع يقتلون، فيقتل الحر بالعبد، ويقتل العبد بالحر، وقد تقدم الكلام على هذا، لكن هذا على ما قرره الجمهور، ولأنه لا ظلم في ذلك، وأما إذا أخذنا اليد الكاملة باليد الناقصة فهذا ظلم، لكن إذا أخذنا اليد الناقصة باليد الكاملة لم يكن في ذلك ظلم.

    يشترط في جواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم

    قال: [ ويشترط لجواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم ]، هذا في الجروح، يقول: يشترط أن تنتهي إلى عظم؛ لأنها إذا لم تنته إلى عظم لم نأمن الحيف.

    قال: [ كجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ]، هذه كلها تنتهي إلى عظم، فنقيس المساحة في الموضع الذي حصل فيه الجرح طولاً وعرضاً، ثم نأخذ بقدره، ولا عبرة بكثافة اللحم، وإنما نرجع إلى السطح، ننظر إلى السطح فنقيسه طولاً وعرضاً حتى نصل إلى العظم.

    قال: [ وكالموضحة، الموضحة: هي الجرح في الرأس أو الوجه التي تصل إلى العظم ]، هذه تسمى بالموضحة، وهي الجرح الذي يكون في الوجه أو في الرأس فقط، ويصل هذا الجرح إلى العظم، وهذا فيه القصاص؛ لأنه ينتهي إلى عظم.

    وجوب القصاص في الهاشمة والمنقلة والمأمومة

    [ لا كالهاشمة والمنقلة والمأمومة، فهذه لا يجب فيها القصاص ] الهاشمة: هي الجرح الذي يهشم العظم في الرأس وفي الوجه، أي: أنها زادت على الموضحة، فالموضحة أوضحت العظم ووصلت إلى العظم، وأما الهاشمة فإنها تهشم العظم، والمنقلة تنقل العظم من موضعه، وأما المأمومة فهي التي تصل إلى جلد الدماغ، يعني: لا تخترق الدماغ وإنما تصل إلى جلد الدماغ.

    فالهاشمة لا قصاص فيها، وكذلك المنقلة، وكذلك المأمومة، ولكن يكون القصاص في الموضحة، فإذا كانت هاشمة فله أن يأخذ بجرحه إلى العظم فقط، ويأخذ أرشاً على ما زاد، والموضحة فيها خمس من الإبل، والهاشمة فيها عشر من الإبل، فإذا جرحه هاشمة فله أن يأخذ موضحة يعني: حتى يصل إلى العظم، ويأخذ خمس من الإبل، وهو الفرق.

    إذاً: فالهاشمة والمنقلة والمأمومة هذه لا قصاص فيها على هيئتها، وإنما القصاص يكون فيما دونها وهي الموضحة، ويأخذ الفرق، ففي الهاشمة يأخذ خمساً من الإبل، وفي المنقلة يأخذ عشراً من الإبل، يعني: يأخذ الموضحة ويأخذ عشراً من الإبل، وفي المأمومة يأخذ ثمانية وعشرين من الإبل وثلثاً من بعير، ويأتي الكلام على هذا في الديات إن شاء الله.

    إذاً: له أن يأخذ الموضحة والفرق، فننظر الفرق بين الموضحة وبين المأمومة، والفرق بين الموضحة وبين المنقلة، والفرق بين الموضحة وبين الهاشمة في الدية فيأخذه، وهذا هو العدل، وهو المشهور في المذهب.

    حكم سراية القصاص

    قال: [ وسراية القصاص هدر ] أي: مهدورة؛ [ وذلك لأن هذا الفعل مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فيه فليس بمضمون ]، فإذا قطع رجل يده من المرفق فقطع هو هذه اليد من المرفق، وكان ذلك بحضور السلطان كما تقدم أو نائبه، فهذا فعل مأذون فيه، فلو سرت حتى أتلفت نفسه، أو أتلفت ما بقي من يده فلا ضمان؛ لأن هذا فعل مأذون فيه، وما ترتب على الفعل المأذون فيه فليس بمضمون، لكن إذا كان القصاص غير مأذون فيه كأن يكون القصاص في حال مرض الجاني، فلا يؤمن الحيف، فهذا فعل غير مأذون فيه، ففيه الضمان.

    حكم سراية الجناية

    قال: [ وسراية الجناية مضمونة ]، إذا قطع يده من المرفق ثم سرت الجناية حتى أتلفت نفسه، ففي ذلك الضمان؛ وذلك لأن الجاني فعله غير مأذون فيه، وعلى ذلك فالسراية تتبع هذه الجناية، فتكون مضمونة؛ لأن هذا الفعل غير مأذون فيه، وما دام أن هذا الفعل غير مأذون فيه فهو مضمون، ما لم يقتص ربها قبل برئه وإلا فهدر أيضاً، فإذا اقتص قبل أن يبرأ فهدر، مثلاً رجل قطع يداً من المرفق، والجرح لم يبرأ بعد، فطالب هذا المجني عليه بالقصاص واستعجل قبل أن يبرأ فأخذ بالقود واقتص من الجاني، وقطعت يده من المرفق، ثم إن الجرح سرى حتى أتلف يده كلها، أو أتلف نفسه، فلا ضمان.

    وقد جاء في مسند أحمد والحديث حسن: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ)، ولأن هذا قد استعجل هذا الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه، وعلى ذلك فنقول له: انتظر حتى يبرأ، فإن أبى وطالب بالقصاص فنقول: ما بعد القصاص هدر، فما دام أنك أخذت بالقصاص فما يحصل من سراية بعد ذلك فهي هدر.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم القصاص من الجاني إذا كان به مرض يمنع برء القصاص

    السؤال: هل يقتص من الجاني إذا كان به مرض يمنع برءه بعد القصاص كمرض السكري مثلاً؟

    الجواب: قبل أن يكون القصاص من الجاني يجب أن يراجع الطبيب حتى يعرف، فإذا قال الطبيب: لا يؤمن الحيف؛ لأن هذا مريض كما ذكرت بالسكري أو غيره، وقد لا يندمل جرحه، فلا قصاص.

    تفسير القود والعاقلة

    السؤال: ما هو القود؟ ومن هي العاقلة؟

    الجواب: القود هي القصاص، والعاقلة هي العصبة، وسيأتي إن شاء الله شرح العاقلة، والعصبة هم الذين يتحملون الدية، فعندما يأتي إنسان ويقتل خطأً لا يتحمل هو الدية لوحده، وإنما تتحمل الدية معه عاقلته وعصبته، وسيأتي إن شاء الله.

    لا قصاص في الجناية المأذون فيها من المجني عليه

    السؤال: في بعض الألعاب الفائز يقوم بضرب المهزوم بالسياط، فإذا جنى عليه هل في ذلك القصاص؟

    الجواب: هذا ما يجوز، يعني: أنهم مثلاً يلعبون لعبة ثم إن الفائز يضرب الآخر بالسياط، هذا لا يجوز، لكن هذا الذي جني عليه أذن لذلك، فنقول: لا قصاص، وقد تقدم لكم لو أن شخصاً أذن لآخر أن يتلف شيئاً من أعضائه فلا قصاص، لكن فيه إثم، كذلك هذا الذي يأذن لأحد أن يضربه بعد اللعب، فهذا لا يجوز، لكن لا قصاص فيه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756940118