إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [2]

شرح رياض الصالحين - تحريم الظلم والأمر برد المظالم [2]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله سبحانه دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا بد للداعي أن يمتثل ذلك، وأن يكون مهيئاً بمعرفة ما لابد منه للداعية، كالتدرج في تعليم الناس. وينبغي للداعية الحذر من الظلم ورد المظالم، فدعوة المظلوم مستجابة، لا ترد وإن كان المظلوم كافراً.

    1.   

    شرح حديث إرسال معاذ إلى أهل اليمن ليدعوهم إلى الإسلام

    ضرورة الاستعداد وتهيئة النفس عند دعوة قوم من الأقوام

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، قال الله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18].

    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، متفق عليه.

    هذا الحديث من ضمن مجموعة من الأحاديث التي ذكرها الإمام النووي في هذا الباب، وهو من رياض الصالحين باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم.

    وذكرنا أن الله تبارك وتعالى قال في الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

    وهنا في حديث معاذ بن جبل الشاهد منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

    الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى.

    وأهل اليمن كانوا من أهل الكتاب، إذ كان أكثرهم يهوداً، فأرسله إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل وبين له أنه في البداية لا يدعو هؤلاء إلا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ومعاذ بن جبل رجل أنصاري ومن أعلم الناس بالحلال والحرام رضي الله تبارك وتعالى عنه، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وكان صغير السن يصل إلى سن العشرين وفوقها، ولما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن يدعوهم، قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب)، أي: استعد إنك ستدعو أناساً ليسوا من أهل المدينة.

    فالمشركون هم أهل جهل وضلال لا يعرفون شيئاً، ولكن أهل الكتاب عندهم آثار من علم وبقية من كتاب، فمن الممكن أن يجادلوك فلابد أن نستعد لذلك، ففي هذا الحديث أن الإنسان حين يدعو إنساناً ينظر من الذي يدعوه ويهيئ نفسه ويستعد لذلك وأنه لا نأخذ الأمر ببساطة وسهولة فليس الناس مثل بعضهم بعضاً.

    وإذا كان إنسان يناظر إنساناً فليعرف خصمه أولاً وما مدى قوة علمه، وإلا فلا يعرض نفسه لما لا يعرفه، ولذلك في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (إنك تأتي)، أي: احذر فأنت ذاهب إلى قوم هم أهل كتاب، واعرف ماذا تقول لهم، واعرف كيف تدعو هؤلاء إلى دين الله سبحانه وتعالى.

    دعوة الناس إلى التوحيد أولاً

    فعلمه صلى الله عليه وسلم كيف يدعوهم قال: (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، وفي رواية: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله).

    فالدعوة تكون أولاً إلى التوحيد فهو أهم شيء قبل أن تقول لهم: صلوا، وقبل أن تقول لهم: صوموا، وقبل أن تدعوهم إلى مكارم الأخلاق، فأول شيء توحيد الله، فحق الله على العباد أن يقولوا: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، وكان من اليهود أناس يعبدون الله سبحانه ويشركون به، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30].

    وليس كل اليهود يقولون ذلك، وإنما بعض اليهود يقولون ذلك، ولذلك فإن اليهود يؤلبون النصارى على أن يقولوا: المسيح ابن الله، وليس كل النصارى يقولون ذلك، فمنهم من يقول: المسيح ابن الله ومنهم من يقول: المسيح هو الله، إذاً: فلابد للداعي أن يعرف ماذا يقول لأهل الكتاب، فلو قلت لهم: يا يهود أنتم تقولون: عزير ابن الله وأنتم كذابون، فيقولون لك: نحن لا نقول ذلك، وأكثر اليهود الآن لا يقولون: عزير ابن الله، بل يقولون: عزير عبد من العباد وليس ابن الله.

    إذاً: قبل أن تذهب للمناظرة لابد أن تدرس الموضوع جيداً قبل أن تتكلم مع هؤلاء، واعرف بماذا سيردون عليك؛ حتى تكون محضراً نفسك، فلا تعرض نفسك للذي لا تعرفه.

    انظروا إلى ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمه: عدي بن حاتم وهو نصراني وعرفتم الحديث الذي صارحهم فيه بنفسه أنه نصراني ومعلق للصليب الكبير، ويكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا على دين النصرانية.

    فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنا أعلم منك بدينك وبذلك هزه النبي صلى الله عليه وسلم وفضحه، فهنا وقف من هو أعلم منه ويقول له: ألست من الراكوسية؟ أي: أنت من فريق اسمه الراكوسية، هذا هو أصلك وفرعك، والنصرانية الراكوسية عندكم تحرم أن تعشر الناس وتأخذ عليهم ضرائب.

    وأنت لا تأخذ العشر، بل من الممكن أن تأخذ الربع من الناس، ألست تأكل الحرام وهذا لا يحل لك في دينك، فصار عدي حنيفاً مسلماً وأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فالذي يكون لديه مناظرة مع إنسان ويريد أن يدعو إلى الله لابد أن ينظر إلى هذا الذي يدعوه وما حدود علمه؟

    فإن كان من الذين يتكلمون كثيراً ويجادلون فلتستعد له بطريقة معينة، وإن كان هذا الإنسان خالياً لا يحمل فكرة قط فلتستعد له بطريقة أخرى، ولا تغتر بنفسك ولا بعلمك ولا بمعلوماتك، فكونك ملتزماً ليس معناه أنك تعرف كل شيء في الدين.

    فلا أعرض نفسي إذا سألني أحد سؤالاً فأجيب وكأنني شيخ الإسلام، فانظروا إلى تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ أن يأخذ استعداده وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيقول: (أقرؤكم أبي ، وأرحم أمتي بأمتي أبو بكر الصديق ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وأفرضكم زيد بن ثابت ).

    فـمعاذ أعلمهم بالحلال والحرام فهو أولى الناس أن يذهب لمناظرة هؤلاء.

    من أساليب الدعوة إلى الله التدرج في تعليم الناس

    وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ دعوتهم بالتوحيد، أي: يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هم أطاعوا لذلك تأتي الخطوة الثانية، قال: (فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).

    أي: لابد أن تتدرج معهم، فلا تأتي بكل شيء مرة واحدة حتى يمل الذي يسمع منك، ولكن ابدأ مع هؤلاء بالتوحيد، وعلمهم أن معنى الإسلام: الاستسلام لله سبحانه، ثم تنتقل معهم إلى الشرائع فتبدأ بالصلاة التي هي ركن الإسلام العظيم وتعلمهم الصلاة، (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).

    فإذا أخذت منهم صدقة فأعلمهم أنك تردها على فقرائهم، فقد كان من عادة العرب إذا أخذوا شيئاً أن يأخذوه لأنفسهم ولا يعطوه لغيرهم.

    فلابد أن تعلمهم أن الإسلام دين الحق والعدل العظيم من الله سبحانه، نأخذ صدقات من الأغنياء ونردها على الفقراء فيما بينكم، نأخذها منكم ونردها إليكم، ولذلك لما كان في عهد عمر رضي الله عنه وبعث معاذاً والياً، فرجع إليه وليس معه شيء من المال، فقال: أين المال؟ قال: أخذناه من حيث كنا نأخذه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه.

    فهناك فقراء، فأخذنا الزكاة من الأغنياء وأعطيناها للفقراء، فهذا هو دين العدل، نأخذ زكاة المال من أغنياء البلد ونردها على فقراء البلد نفسه، فإن زادت عن حاجتهم نأخذها إلى البلد الأخرى.

    تجنب كرائم الأموال في أخذ الزكاة

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم) أي: إنهم سينفذون لك الذي تريد ويطيعونك، لكن ليس معنى ذلك أن تطمع في أموالهم فأنت لك حدود معينة؛ ولذلك ستجد أن كرائم الأموال عند العرب هو الإبل، فهو خير المال عندهم، فحين يكون الجمل ابن خمس سنين أو ست سنين أو سبع سنين أو ثمان سنين، فهذه كرائم أموال العرب.

    إن زكاة بهيمة الأنعام لا تكون في هذه الكرائم أبداً، فليس فيها زكاة أصلاً، بل كل زكاة بهيمة الأنعام في السن الصغيرة وليس في السن الكبيرة، كأن تكون الزكاة بنت مخاض أو بنت لبون، وبنت مخاض أي: لها سنة كاملة وقد دخلت في الثانية، وبنت لبون أكبر منها بسنة.

    أما كرائم الأموال وهي الإبل التي تجاوزت سبعة أعوام وثمانية وتسعة وعشرة؛ كل هذه لا تأخذ منها شيئاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معاذاً أن يحذر، ولا يطمع.

    تحريم الإسلام للظلم والأمر برد المظالم

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واتق دعوة المظلوم).

    أي: أن هؤلاء القوم قد يؤمنون وقد لا يؤمنون، وفي كلا الحالتين لا تظلم مسلماً ولا كتابياً، فالكتابي ستأخذ منه الجزية بالحق وبالعدل الذي فرضه الله سبحانه، والمسلم ستأخذ منه زكاة المال بالحق والعدل الذي فرضه الله سبحانه.

    (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، الدعوة من المظلوم تبلغ السماء كما جاء في الحديث الآخر: (اتقوا دعوة المظلوم ولو كان فاجراً)، وفي حديث: (ولو كان كافراً)، (ليس بينها وبين الله حجاب) وفي رواية: (تصعد إلى السماء كالشرر).

    انظر الشرارة حين تطير، فكذلك دعوة المظلوم ليس ثمة حجاب يمنعها ويحجزها، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل مع الخلق، وكذلك تعليم القرآن، حين قال سبحانه في سورة المائدة: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    فكونك تكره إنساناً ليس معناه أن تظلم هذا الإنسان، فرق بين أن تكره فلاناً؛ لأن دمه ثقيل على قلبك ولا تحبه، وبين متخاصم مع فلان يقول لك: احكم بيننا، فتجعلها في الانتقام منه، فلا يحل لك هذا الشيء، اتق دعوة المظلوم.

    إذاً: احكم بما أنزل الله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة:8] ولا يجري بك في الظلم والتمادي أنك تكره إنساناً فتحكم عليه لكونك تبغضه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

    ويحرم ظلم غير المسلمين طالما أنهم تحت حكم الله عز وجل وحكم الإسلام، كما ورد في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً)، الذي يظلم معاهداً كالذمي يهودياً كان أو نصرانياً يعيش تحت ظل الإسلام وتحت حكم الله عز وجل ويؤدي ما عليه.

    فلو جاء إنسان ظلمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه، فأنا حجيجه يوم القيامة).

    أي: أنا خصمه يوم القيامة؛ لأنه جاء بالعدل صلى الله عليه وسلم وجاء بالحق، والله أمره أن يحكم بين الناس بالعدل فإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل الذي أمر الله عز وجل به، فلابد للإنسان أن يحذر من الظلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الظلم ظلمات يوم القيامة).

    جاء في الحديث أن عمر بن الخطاب سمع من النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق دعوة المظلوم)، فكان سيدنا عمر يخاف جداً من دعوة الإنسان المظلوم.

    موافقة عمر في التحذير من الظلم ودعوة المظلوم

    روى الإمام البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه استعمل مولىً له اسمه هني على الحمى أي: أن عمر كان في عهده حمى لفقراء المسلمين وللخيل الذي يستخدم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وكلمة (حمى) تعني: أن تؤخذ أرض كبيرة وتجعل هذه الأرض للكلأ أي: العشب من أجل أن يرعى فيها أغنام وأنعام وخيول جيش المسلمين.

    هذا الحمى يمنع الناس من الرعي فيه، وكانت نصيحة عمر لـهني الذي هو العامل التابع له أن قال له: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين.

    أي: كف يدك عن ظلم المسلمين.

    واتق دعوة المظلوم، أي: أنت حارس لهذا الحمى، فانتبه واحذر أن تظلم أحداً من المسلمين، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع.

    فهذا فيه غاية العدل والرحمة على المسلمين ومعرفة الحق لصاحبه، فالحمى: أخذ أرض من أراضي المسلمين التي لا يملكها أحد، من الأرض الواسعة وفيها عشب كثير لعلها تكون مرعى للزكاة التي هي بهيمة الأنعام، فترعى فيها الخيل التابعة للمسلمين، وأيضاً لفقراء المسلمين، فلا مانع للفقير أن يرعى فيه.

    فإذا قال قائل: أليست الأرض أرض الله وهذا مرعى، فلماذا تحجر هذه الأرض عن الغني؟ فهنا يبين كلامه لهذا الرجل فيقول له: أدخل رب الصريمة ورب الغنيمة أي: أن الذي عنده ماشية قليلة لا مانع أن يدخل فيرعى فيها.

    قال: (وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان)، إن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكذلك عثمان بن عفان أحد العشرة المبشرين بالجنة، والاثنان كانوا من مياسير الصحابة، وكانوا أغنياء جداً، ليسا محتاجين للمرعى الذي يرعى فيه المسلمون.

    وليس المعنى أنه بما أنهما غنيان فلا يسمح لهما بالرعي ملطقاً، وإنما المقصود لو كان من الضروري الاختيار بين رعي أغنامهما وبين رعي غنم سائر المسلمين الفقراء فيقدم الفقراء في ذلك؛ لأن عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان إن تهلك ماشيتهما من عدم الرعي فهما يملكان نقوداً كثيرة، لكن الفقير إذا ماتت الغنيمات التابعة له فسيأتي إلى عمر ويقول: يا عمر أعطني.

    وليس في بيت المال أموال ولا ذهب ولا فضة كي نعطي هؤلاء، إذاً: إذا ضاق المرعى فالفقراء يقدمون في المرعى، وليس فيه نظر لحسب ولا لنسب ولا أن هؤلاء من أهل الجنة ولا أن هؤلاء بينهم وبينه قرابة.

    فالنظرة هنا أن نقف بجانب الفقير، أما الغني فسيجد، فلذلك يحذر عمر ويقول: اتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة.

    ثم يقول عمر رضي الله عنه: وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم وإنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام.

    فلابد من معرفة الحق، فعندما أكون أنا أمير المسلمين ليس معناه أنني آخذ الأرض كلها بأمري ونهيي، فإنني لا أتحكم بالأرض التابعة لهم، فهم الذين قاتلوا على هذه الأرض وهم الذين فتحوها، حيث فتح الله عز وجل على أيديهم.

    فعلى ذلك أنا أعدل فقط، حتى أجعل الغني يعيش والفقير يعيش بجواره، فلذلك أقول لهم معترفاً: الأرض أرضكم وليست أرضي أنا؛ لأني أحمي شيئاً لأجل المصلحة، والمقصود هنا: قول عمر رضي الله عنه بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

    1.   

    تحريم أخذ عامل الزكاة الهدية عند جمع الزكاة

    ومن الأحاديث التي وردت حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم رجلاًً من الأزد اسمه ابن اللتبية على الصدقة، وهو رجل مسلم استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ليجمع الصدقات من الناس، فلما قدم الرجل وكان رجلاً صادقاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هذا لكم وهذا أهدي إلي).

    وهذا الرجل أول مرة يجمع الصدقات كلها، حيث إنه لا يعرف الحكم، ومن الناس من يأخذ منه الصدقة فيقول له: خذ هذا الخروف زكاةً وخذ هذا هدية لك.

    فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر سيتفشى إلى غيره، ومن الممكن أن هذا وغيره يطمع، إذاً: لابد من حكم عام للناس.

    فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس وقام يخطب فقال بعدما حمد الله وأثنى عليه: (أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي).

    إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي استعمله، فكيف يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ فنحن نلاحظ أن العامل على الزكاة فرض الله عز وجل له حقاً في كتابه، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] فالعامل عليها له الأجرة من ضمن الزكاة، فطالما ستأخذ أجرة فلا تأخذ فوقها هدية.

    ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً).

    وهذه كلمة شديدة، والمعنى: أنك لو قعدت في بيت أبيك وأمك واشترطوا عليك ذلك فلا أحد من الناس سيعطيك، فنقول: نحن استعملناك في أموال المسلمين، فلولا هذا الاستعمال لما أعطاك هذا الشيء، ولكنه أعطاك؛ لأنه يريد أن لا تظلمه، فيعطيك لتكف عنه شرك.

    فعلى ذلك لا ينبغي للعامل على الشيء أن يأخذ مالاً ولا رشوة تحت أي صورة من الصور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول)، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة).

    وفي حديثه الذي ذكرنا: أن الذي يظلم قيد شبر من الأرض يأتي حاملاً له يوم القيامة في عنقه، وهنا قال صلى الله عليه وسلم: (فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء)، يعني: يحذرهم.

    وهذه فضيحة كبيرة جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى أحداً منهم كان في الدنيا عاملاً أميناً ويجده يوم القيامة خائناً، فهو يقول: (لا أعرفن)، أي: لا تفضحوا أنفسكم وتفضحوا دينكم وتفضحوا نبيكم صلوات الله وسلامه عليه يوم القيامة.

    لذلك كانوا رضي الله عنهم يحاولون أن يستمروا على نفس الأخلاق ونفس الأعمال، فإذا كبر أحد منهم في السن، ويحاول أن يواظب على ما كان عليه يقولون له: أن لا يشق على نفسه، فيقول: لقد كنت من النبي صلى الله عليه وسلم على شيء أخاف أن ألقاه بغيره.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء)، الرغاء: صوت البعير: (أو بقرة لها خوار)، صوت البقرة: (أو شاة تيعر)، أي: كأن الفضيحة كبيرة يوم القيامة؛ لأن الإنسان لا يحمل جملاً ساكتاً، وإنما هذا الجمل يرفع صوته وله رغاء، فيفضح صاحبه أمام الناس ويعرفون أنه كان خائناً في الدنيا.

    (أو بقرة لها خوار)، فالبقرة تخور وتصرخ من أجل أن تفضحه يوم القيامة، وأي فضيحة أشد من هذه الفضيحة والعياذ بالله، لذلك فالإنسان قبل أن يقول: فلان يعطيني هدية ويمد يده ليأخذها يذكر هذا الحديث، وأنها إذا كانت هدية أو رشوة سيأتي يوم القيامة وهو يحملها ويفضح بها.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755973770