إسلام ويب

تفسير سورة القصص [68 - 73]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم، فهو الذي يعلم من يكون أهلاً للرسالة والنبوة، فليس الاختيار في ذلك للبشر، فإن ألوهيته تستلزم أن يكون له الحكم والأمر. ومن دلائل ألوهيته التأمل في عظمة حكمته في خلق الليل والنهار، وما ينتج عنهما من ضياء أو سكون.

    1.   

    يخلق الله ما يشاء ويختار

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة القصص:

    وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ [القصص:68-71].

    يخبرنا الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات أنه هو وحده الذي يخلق سبحانه تبارك وتعالى، وأن هو الذي يختار وأنه له الخلق وله الأمر كما قال سبحانه: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فهو الذي يخلق، وهو الذي يأمر، وهو الذي يشرع لعباده؛ لأنه أعلم بما في نفوسهم.

    قال: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) أي: من خلقه سبحانه (ويختار) من يشاء من هؤلاء الخلق ليكونوا رسلاً وأنبياء، فأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام أولياء الله اختارهم واجتباهم واصطفاهم، وجعلهم الخيرة من خلقه، فقال: (رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ).

    وكان المشركون قد اعترضوا على كون النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً من رب العالمين، وقالوا: هلا جعل الله هذه الرسالة لرجل من القريتين عظيم، قال تعالى: وَقَالوُا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، فقال الله عز وجل رداً عليهم: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ) أي: ليس لهم الاختيار في ذلك، إنما هو من الله عز وجل يختار من يشاء، ويجتبي ويصطفي من يريد.

    سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68] أي: تنزيهاً له سبحانه عن شرك هؤلاء المشركين، وعن إراداتهم الباطلة، فهم يريدون أن يفطئوا نور الله سبحانه تبارك وتعالى، ويريدون أن يكون الدين بالتشهي والهوى، فسبحان الله وتعالى الله عما يقول هؤلاء الكافرون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وربك يعلم ما تكن صدورهم...)

    وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [القصص:69]، وأنه قد تكن صدورهم أشياء وقد يعلنون بها، وقد يعلنون بغيرها، فربك أعلم هل يتوافق ما تكن صدورهم مع ما يقولون بألسنتهم أم أنهم يضمرون شيئاً ويظهرون غيره؟

    وكم فضح الله سبحانه وتعالى الكفار والمنافقين في كتابه بأنهم يسرون أشياء ويظهرون غيرها، ويظهر الله عز وجل أن هذه الأشياء التي يظهرونها ليست هي حقيقة الأمر، فيكرهون البنات ويظهرون أمام الناس أنهم يحبون البنات؛ لكون البنت تجلب العار على أبيها، هذا كلامهم وهذا باطلهم، والله عز وجل يفضحهم سبحانه أنهم يفضلون البنين على البنات؛ لكونهم يخافون من ضيق الرزق، والله عز وجل يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31]، ويقول وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151].

    كانوا يئدون البنات، والسبب في ذلك خوف الفقر، وأن البنت لا تقاتل ولا تجلب الرزق في ظنهم، فكان أحدهم يقتلها ليتخلص منها، ويظهر أمام الناس أنه ليس خائفاً من الفقر، ولكنه يخاف أن تكبر البنت وتقع في الفحش وغيره، ففضحهم الله عز وجل فيما أضمروا في قلوبهم، وأظهر سبحانه وتعالى هذا الذي يضمرونه.

    وكذلك كانوا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: كذاب، ويقولون: ساحر، ويقولون: مجنون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن، فإذا بالله يظهر ما يبطنون، ويقول: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، أي: في حقيقة الأمر وفي قلوبهم هم يعلمون أنك صادق ولست كاذباً: وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].

    والجاحد: هو الذي يعرف الشيء ثم يكذبه، ويكذب الشيء وهو في نفسه يعلم أن هذا هو الحق، فالله عز وجل يفضح ما في قلوبهم يقول له: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33] وإن كانوا بألسنتهم يقولون ذلك، لكن الحقيقة أنهم يضمرون في قلوبهم أنك صادق، ولكن الغيرة والحسد للنبي صلى الله عليه وسلم تدفعهم إلى أن يقولوا عنه: كذاب ويقولون: مجنون، ويقولون غير ذلك، فالله عز وجل يقول: وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [القصص:69].

    أيضاً كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: سل ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً، فإن فعل ذلك آمنا به. والله يعلم أنهم لن يستجيبوا، ولم يفعل ولم يحول لهم الصفا ذهباً، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره ربه سبحانه أنهم لن يؤمنوا وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:97]، فيخبر الله عز وجل أن فرعون ومن معه طلبوا الآيات ولم يؤمنوا بها، وجاءتهم الآيات مبصرة من عند رب العالمين فكذبوا بها، وهؤلاء القوم قد أظهر الله حقيقتهم وقد فضحهم وقد كذبهم فيما يقولون، فربك أعلم بما تكن صدورهم وما يعلنون.

    وكذلك كل إنسان كافر يقول: إنه لا يعرف إلهاً، أو إن الصدفة هي التي أوجدته مثلاً، فإن الله يكذبه ويقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، سواء أظهروا ذلك بألسنتهم أم أخفوا ذلك، فهم في قلوبهم يعلمون أن الخالق الواحد هو الله تبارك وتعالى، وأنه هو الذي يخلق وهو الذي يرزق، لذلك على المؤمن أن لا يهتم بقول الكافر بأنه لا يوجد إله، فالمؤمن يعرف أنه كذاب؛ لأن الله شهد عليهم أنهم يعرفون ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد...)

    يقول الله سبحانه: وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70].

    (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) قد عبر الله بلفظ الرب وبلفظ الإله، فله الربوبية وله الإلهية، هو الرب الخالق، وهو الإله المعبود تبارك وتعالى، وهو الله المستحق للعبادة، فلا يستحق العبادة إلا من كان يخلق، والخالق سبحانه هو الرب، والرب هو من يختار ويريد ويشرع تبارك وتعالى، ولا يستحق العبادة إلا من كان يعلم السر وما هو أخفى من السر، وهو الله المعبود المستحق للعبادة.

    (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أي: فلا يستحق العبادة غيره تبارك وتعالى، ولا معبود بحق إلا هو.

    (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ)، فإن الله يُحمد في الدنيا وفي الآخرة، أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله تبارك وتعالى بمحامد عظيمة يقولها كما جاء في الحديث: (ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فالله سبحانه هو المستحق للمحامد جميعها، وقد حمد نفسه تبارك وتعالى في كتابه.

    والحمد معناه: الثناء بالصفات الجميلة التي له سبحانه وتعالى، فله الحمد قبل أن يخلق، وله الحمد بعدما خلق، وله الحمد قبل أن ينزل الكتاب، وله الحمد بعدما أنزله، وقبل كل شيء وبعده؛ له الحمد سبحانه لأنه يستحقه، فله الحمد أولاً وآخراً.

    (وَلَهُ الْحُكْمُ) بعد أن ذكر لنا في هذه الآيات ربوبيته التي مقتضاها أنه يخلق، وأنه يرزق، وأنه يصطفي ويجتبي ويختار، وأنه وحده الذي يستحق العبادة، وذكر لنا من صفاته أنه يعلم الغيوب سبحانه، ويعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وذكر لنا أن له الحكم وحده تبارك وتعالى، فهو يختص به كما اختص بالخلق ولا أحد يجادل في ذلك ويقول إن الخالق غير الله سبحانه وتعالى؛ فكذلك له الحكم وليس من حق أحد أن يشرع مع الله، ولا أن يلغي حكم الله سبحانه وتعالى، ولا يقول إن من حقه أن يحكم مع الله سبحانه، فإن الله تعالى له وحده الحكم وإليه المرجع والمصير.

    (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فالمرجع إلى الله تبارك وتعالى، وهنا يخبرنا عن صفاته لنعرف الله سبحانه، ولم يترك المعرفة لنا في أن نفكر ونؤلف ونقول: من صفاته كذا وكذا، ولكنه أخبرنا عن نفسه، وأخبرنا عن صفاته، وأخبرنا كيف نعبده سبحانه وتعالى، ولم يترك ذلك لأهوائنا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً ...)

    قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ [القصص:71].

    قوله: (أَرَأَيْتُمْ) أي: أخبروني عن هذا الأمر.

    قوله: (إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

    أي: لو كان ربنا جعل عليكم الليل سرمداً دائماً على وجه الأرض، فمعنى ذلك أن الأرض لن تدور، وستظل ثابتة في مكانها، فالأرض تدور حول نفسها خلال 24 ساعة، فيأتي عليها الليل والنهار، فالوجه المقابل للشمس يكون نهاراً، والوجه الآخر يكون ليلاً، فدوران هذه الأرض يجعلها تتعرض لشروق الشمس ولغروبها، فلذلك تقوم الحياة على الأرض، وتأتي طاقة من حرارة الشمس للأرض، فيعيش الناس.

    فتأملوا لو جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة، ماذا سيحصل إذا لم تأت الشمس إلى هذه الأرض؟ ستكون الأرض فيها الثلوج وتنخفض الحرارة، فيموت الخلق، فالله عز وجل لطيف ورءوف ورحيم بعباده سبحانه.

    يقول: تفكروا لو جعلنا عليكم الليل سرمداً، وانظروا إلى الكواكب حول هذه الشمس القريبة منها والبعيدة منها، فهي لا تصلح للحياة، ولكن جعل الله هذه الأرض صالحة للحياة، فجعلها في هذا المكان، وجعلها تدور، فليتأمل الإنسان في بديع قدرة الله سبحانه وتعالى، فإن الأرض في مدار تجري حول الشمس، وتدور حول نفسها، ولو قرب المدار قليلاً حول الشمس لاحترقت الأرض ومن عليها، وبعض الكواكب التي في المدارات القريبة من الشمس قليلاً تصل الحرارة فيها إلى خمسمائة درجة مئوية، أو أربعمائة وستين درجة مئوية، فمن يطيق ذلك؟! وكذلك لو بعدت الأرض عن الشمس لأصبحت الأرض كوكباً جليدياً لا توجد عليها حياة.

    (سَرْمَدًاً): دائماً إلى يوم القيامة.

    (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ)، أي: لو جعلها مظلمة على العباد، من إله غير الله يأتيكم بضياء، فعلى الإنسان أن يعلم أن النفس الذي يتنفسه من الأشياء الضارة، مثل ثاني أكسيد الكربون، فيجعله الله نفعاً لغيره، فيأخذه النبات بالنهار، ويخرج الأوكسجين لكي تتنفسه أنت، والذي يتسبب في ذلك هي الطاقة الشمسية وضوء الشمس مع الأوراق الخضراء التي في النبات، فلو أنه كان مظلماً، فسيتنفس النبات ما تتنفسه أنت، وكل ما على الأرض سيتنفس كما يتنفس الإنسان فتتلوث الأرض من نفس الإنسان، فمن إله غير الله يأتيكم بهذا الضياء الذي بسببه تتنفسون؟ وبسببه ينظر بعضكم إلى بعض، وتستفيدون من ضوء الشمس في كل شيء من فضل الله ومن رحمته.

    (أَفَلا تَسْمَعُونَ)، فلو كان الأمر دنيا مظلمة فليس معك إلا السمع، فلن ترى شيئاً، فاسمع لما نقول لك وافهم هذا الذي نقوله، فناسب ما ذكر من ظلمة ذكر السمع، ولم يقل: (أفلا تبصرون) وإنما قال: (أَفَلا تَسْمَعُونَ) أي: لهذا الذي نقوله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً ...)

    قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ [القصص:72].

    أي: إذا صار النهار سرمداً على الأرض جميعها، فسترتفع درجة الحرارة، وتذوب الثلوج الموجودة، فتغرق الأرض كلها.

    (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ).

    أي: من يجعل الليل سكناً تنامون فيه، ومعلوم أن الإنسان لا يستريح إلا بالنوم في الليل، فالليل جعله الله عز وجل سكناً للإنسان، ولذلك لو أنه ينام في النهار ويستيقظ بالليل تتعب أعصابه ويمرض في النهاية، ولكن جعل الله عز وجل هدوء الليل وظلمة الليل للإنسان راحة يستريح بها، فيقول الله سبحانه: (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ).

    والسكون: عكس الحركة، فلو نام الشخص في وقت الظلمة أربع ساعات لكفت أن يستريح ويقدر على العمل بعد ذلك، ثم ينام بعد ذلك بالنهار ثلاث ساعات أو ساعتين، ولكن لو أنه نام ست ساعات في النهار لا تكفيه؛ لأنه يحتاج إلى النوم في الظلمة، ويحتاج إلى النوم في الليل، فجعل الله الليل للعباد سكناً، وجعل طبيعتهم تتوافق مع ذلك، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي: أفلا تبصرون في ضوء النهار ما يجعله الله عز وجل من آيات ترونها.

    قال تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]، أي: جعل الله لكم الليل تسكنون فيه، والنهار تبتغون من فضله وتنتشرون.

    (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وكأن هنا شيئاً مضمراً أي: تشكرونه على نعمة الليل والنهار، وجعل لكم ذلك لتطلبوا رزق الله عز وجل، وتسعوا في الأرض، وتأخذوا حظوظكم ونصيبكم، وتشكروا ربكم سبحانه على ما أنعم عليكم من نعم، والمؤمن يشكر ربه سبحانه ويحمده حمداً يليق به سبحانه، وشكراً يليق بإنعامه.

    نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756368739