إسلام ويب

تفسير سورة القصص [7 - 13]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أبرز ما يشد الانتباه في قصة موسى: هو كيف أن الله سهل وهيأ سبل الحفظ والرعاية والكلاءة لموسى عليه السلام، وكيف أنه عز وجل لا يخلف الميعاد، فحين وعد أم موسى أنه سيرد عليها ابنها أوفى بذلك عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى ... وجاعلوه من المرسلين)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة القصص:

    وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:7-10].

    في آية واحدة من هذه الآيات من سورة القصص يخبرنا ربنا تبارك وتعالى بخبرين وبأمرين وبنهيين وبشارتين قالها الله تبارك وتعالى لـأم موسى، فقال مخبراً: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7]، فهذا الوحي من الله سبحانه تبارك وتعالى والإخبار منه هو: أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7]، وهذا أمره لـأم موسى بإرضاع الغلام وهو موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ [القصص:7]، وهذا أمر آخر منه سبحانه وتعالى.

    ثم قال لها: وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7] نهاها سبحانه أن تخاف وأن تحزن، ثم بشرها سبحانه تبارك وتعالى ببشارتين، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، فأخبر سبحانه وأمر ونهى وبشر في آية واحدة، وهذا من بلاغة القرآن العظيم، والإيجاز في الألفاظ مع إعطاء المعاني العظيمة الكثيرة.

    وأوحى الله عز وجل إلى أم موسى وهي لم تكن نبية ولكن الوحي هنا هو: الإلهام، فألهمها وألقى ذلك في قلبها، بحيث تثبتت واستيقنت من ذلك، فنفذت ما قاله الله عز وجل لها.

    قال: أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7]، فإذاً: لما ولد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يمكث مع أمه إلا فترة قليلة قيل: مكث معها أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر ترضعه فيها وتخاف عليه من فرعون وجنوده، فأوحى الله عز وجل إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ [القصص:7]، أي: إذا حدث شيء فألقيه في اليم، فأرضعته خلال الثلاثة الأشهر إلى أن تنبه إليه من تنبه وجاءوا إليه ليذبحوه فقال لها الله عز وجل موحياً إليها: فإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7].

    قالوا: إن فرعون كان يرسل القوابل لتوليد نساء بني إسرائيل في السنة التي يذبح فيها الغلمان، فإذا ولدت امرأة استقبل القوابل هذا الغلام ثم ذبحنه، ويأتي الرجال فيأخذونه ويلقونه أو يدفنونه، فكانت العادة جارية بذلك، فلما ولدت أم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فكأن القابلة التي تولده جاءت لتأخذه وتذبحه، ولكن ألقى الله عز وجل محبة موسى في قلبها، فإذا بها تحبه وتقول لأمه: أخفيه، وأنا لن أخبر به، فلما انتبهوا له عليه الصلاة والسلام جاءوا ليأخذوه فألقته في اليم.

    قال الله عز وجل: فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، فكأنها صنعت له تابوتاً، وكانت كلما خافت عليه وضعته في التابوت ووضعته في النهر وربطته حتى لا يذهب، فكل ليلة كأنه كان يحدث منها ذلك حين تخاف أن يأتي من يشك في أمرها، وفي مرة من المرات خافت خوفاً شديداً فوضعته في اليم وغطته وكأنها نست أن تربط هذا التابوت في مكانه، فانطلق التابوت بموسى كالسفينة يحمله من ضفة النهر التي هي فيها إلى مكان وجود فرعون.

    وسبحان الله الذي يرينا آياته، فقد كان من الممكن أن الله يربي سبحانه وتعالى موسى في بيت أمه ويخفيه سنين طويلة، ولكنه يرينا قوته وقدرته وإعجازه، فينشأ موسى كما أراد الله في بيت فرعون الذي علا في الأرض، فينشأ في قصره وفرعون هو الذي يربيه، ثم يمن عليه في يوم من الأيام يقول: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [الشعراء:18].

    ذهب النهر بموسى إلى مكان فرعون، قال الله عز وجل لهذه المرأة: وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، فالخوف عادة ما يكون على المستقبل، إن إنساناً خائفاً لابد أن يحصل منه الحزن فقال: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، فطمأنها وثبتها سبحانه أنه لن يقدر عليه فرعون فإننا معه، (ولا تحزني) أن فارقته وأن تركته في اليم فهذه مشيئة الله وتقديره سبحانه تبارك وتعالى، فإنه في يوم من الأيام سيرجع إليك، وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، وهذا تبشير من الله أن موسى عليه الصلاة والسلام سيكون رسولاً يوماً من الأيام.

    قال تعالى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ [القصص:7]، والتعبير هنا بنون العظمة، أي: إنا فاعلون ذلك؛ لأن الأمر عظيم ولا يفعله إلا العظيم سبحانه وتعالى، ولم يقل: أنا راده وإنما قال: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].

    والرد إليها يكون بتسهيل الأسباب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون ... كانوا خاطئين)

    قال سبحانه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8].

    لما وضعته في اليم سار به التابوت ولم ينقلب التابوت في النهر فالله عز وجل الذي حفظه برعايته سبحانه وبحفظه سبحانه، تابوت صغير فيه طفل صغير، ما المانع أن ينقلب التابوت الذي يطفو على الماء وهو شيء صغير؟! فالعادة الذي يثبت على الماء يكون كبيراً، أما لو وضعت قطعة من الخشب على الماء فإنك تجدها فجأة مقلوبة، فما هو الذي منع هذا التابوت من ذلك؟! إنه الله سبحانه وتعالى، ليريه أنه وحده الذي حفظه وحافظ عليه.

    قال سبحانه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ [القصص:8]، وليس فرعون نفسه، ولكن الجواري من آل فرعون وخادمات زوجة فرعون آسيا ، فكن ينظرن إلى النهر فوجدن هذا التابوت فأخذنه، وكأن التابوت كان مغلقاً على موسى عليه الصلاة والسلام، فذهبن بالتابوت إلى زوجة فرعون.

    قال الله سبحانه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8]، لاحظ أنه لن يكون قلقاً، فاللام ليست لام التعليل ولكنها لام العاقبة، أي: لتكون العاقبة في يوم من الأيام أنه يكون لفرعون ولجنوده عدواً وحزناً، وكلمة (حزناً) بمعنى الحزن، وفي الآية قراءتان: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8]، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ حمزة والكسائي وخلف : ( ليكون لهم عدواً وحُزنا ) أي: لتكون العاقبة في يوم من الأيام أن يُحزن موسى فرعون ويكون فرعون نادماً أن فعل به ذلك، فتكون العاقبة لهذا الجبار المتكبر أن يحزنه الله وأن يذله في يوم من الأيام.

    قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ [القصص:8]، وكأنه يقول هنا: لأن فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8]، وهناك فرق بين الخاطئ والمخطئ، فهم ما كانوا مخطئين حين أخذوه، ولكن (خاطئ) مأخوذ من الخطيئة، فهم أهل خطيئة، وأهل كبائر، فقد كفر فرعون ونصب نفسه إلهاً بل رباً بزعمه، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، فكان خاطئاً، ففرق بين أن نقول: فلان خاطئ، وفلان مخطئ، فلان مخطئ أي: جانب الصواب، ويريد أن يعمل عملاً صحيحاً فلم يوفق إليه، فهذا مخطئ.

    ولكن فلان خاطئ أي: أتى بالخطيئة عمداً لأنه يريد أن يفعلها، ففرعون لم يكن مخطئاً وإنما كان صاحب خطيئة.

    وَهَامَانَ [القصص:8]، وهو وزير فرعون، وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8]، أي: أصحاب كبائر، وكانوا كفرة بالله سبحانه وتعالى، وكانوا يعبدون فرعون الذي كان يزعم لقومه أنه ابن الشمس وليس ابن البشر، ويزعم أنه إله فيعبدون الشمس من دون الله، ويعبدون فرعون من دون الله سبحانه، فكأن القوم قد ذهبت عقولهم، كما قال الله سبحانه: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، يعني: كانت عقولهم خفيفة لا تفقه ولا تفهم فعبدوه من دون الله وأطاعوه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك ... وهم لا يشعرون)

    كان موسى من رآه أحبه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلما حملت امرأة فرعون التابوت نظرت إليه فأحبته حباً شديداً، ولذلك قالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [القصص:9]، فذهبت به إلى فرعون كأنها تتوسل إليه: إياك أن تقتله، لا تقتله، فهذا قرة عين لي ولك، (قرة عين) العين القريرة كأنها من القُر أيك السكون، وإنما تسكن العين حين يستريح الإنسان إلى خبر سار فتقر عينه وتسكن.

    الإنسان الخائف من شيء لا تقر عينه فيظل ينظر شمالاً ويميناً.

    و(قرة) مأخوذة من القر وهو البرد، وعين الإنسان الفرح قارة، أو يقال: هو قرير العين، أي: من شدة فرحه تدمع عينه، ودمع السرور يكون بارداً، بخلاف دمع الحزن فإنه ينزل حاراً، فتقر عين الإنسان المستبشر الفرحان.

    فهنا يقول الله عز وجل: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [القصص:9]، أي: أني في غاية الفرح بهذا الطفل وأنا أريده كي تقر عيني به؛ لأنها لم يكن لها ولد.

    وقالت: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا [القصص:9]، يوماً من الأيام أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:9]، ولكن لا أحد يقرأ الغيب ولا أحد ينظر في المستقبل.

    وهذه القصة -كما يقول العلماء- فيها من الفوائد: أن يظهر الله سبحانه تبارك وتعالى علمه وقضاءه وقدره وما سيكون في يوم من الأيام والناس لا يدرون منه شيئاً، يقول سبحانه وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5] فأرانا كيف منّ عليهم في يوم من الأيام؛ فمهما يستضعف الضعيف ولكن الله عز وجل إذا شاء أن يمكن له سبَّب الأسباب ومكن له يوماً من الأيام.

    ويقول العلماء: في هذه الآيات إظهار أن العلو لله وحده لا شريك له، فمهما علا الإنسان واستكبر فإن الله يمكر به، فيتركه يعلو ويعلو، حتى إذا جاء انتقام الله عز وجل منه، وجد الجميع أن هذا هو الحكم العدل، وأن هذا الإنسان يستحق ذلك بكفره وبمعصيته ومثاله: فرعون.

    وفي هذه الآيات بيان أنه مهما علا الإنسان الكافر فإن الله يزيله يوماً من الأيام.

    وكذلك السورة مكية، والنبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية ذاق من الكفار ما ذاق، من تعنتهم ومن كفرهم ومن تعذيبهم لأصحابه صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل عندما يقول له: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً [القصص:5] فهذا فيه تخفيف من معاناة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه بشارة للمؤمنين.

    وفي هذه القصة إشارة إلى قوله تعالى: َعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216] .

    فالمؤمنون يبتليهم الله سبحانه كما ابتلى موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وابتلى بني إسرائيل، فكان الابتلاء شراً في نظرهم، وإذا به ينجيهم عز وجل ويعكس الأمر، فكانوا يكرهون شيئاً والخير فيه، ولذلك كان موسى يقول لقومه: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون, ففعل الله سبحانه ومكن للمؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ... لتكون من المؤمنين)

    يقول الله تبارك وتعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:10].

    فلما أخذ آل فرعون موسى وأم موسى تأكدت أن التابوت سار به وذهب به في النهر، كادت تنسى ما قاله لها ربها سبحانه وتعالى، لولا أن ثبتها الله سبحانه.

    َأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا [القصص:10]، فالمصيبة عظيمة جداً، فأصبح القلب فارغاً من كل الدنيا إلا من موسى، وكذا الإنسان صاحب البلية والمصيبة ينسى كل شيء كأن قلبه لم يتفرغ إلا لهذه المصيبة فقط.

    قال تعالى: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ [القصص:10]، أي: كادت تبدي بمصيبتها وأنه ابنها لما علمت أنه عند آل فرعون، فكادت تصرخ وتقول: إنه ابني، فالإنسان في المصيبة يتكلم وهو لا يشعر بما يقوله.

    قال تعالى: لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا [القصص:10]، فالإنسان لا يملك لنفسه شيئاً ويكاد أن يفضح نفسه لولا أن يثبته الله سبحانه تبارك وتعالى، قال: لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:10] أي: بأمر الله سبحانه وبقضائه وبقدره وأنه بشرها أنه سيكون مرسلاً يوماً من الأيام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقالت لأخته قصيه .. وهم لا يشعرون)

    قوله: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [القصص:11] أي: أذهبي وابحثي ما الذي حصل له، يقال: قص الأثر أي: تتبع الأثر.

    فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:11] أي: مشت وراء التابوت وعلمت أنه وصل إلى آل فرعون فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ [القصص:11]، عن جنب أي: عن بعد من مكان بعيد، كأنها تتظاهر أنها مجانبة له وكأنها ذهبت مراراً تنظر ماذا حصل فوجدتهم يبحثون عمن يرضعه، فموسى كان يبكي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهم لا يعرفون كيف يصنعون معه، فكلما جاءت مرضعة لا يلتقم ثديها ولا يريدها، وظلوا يبحثون عن مرضعات.

    قال تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ [القصص:12]، إنه التحريم القدري وليس الشرعي، فقالت أخته بعد أن أظهرت نفسها كأنها عابرة سبيل: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، أي: أن من عادتهم النصح في كفالة الأطفال ويؤملون منكم أن تعطوهم مالاً مقابل هذا الشيء.

    قَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، وما قالت هل أدلكم على امرأة، وكأن تدبير ربنا سبحانه وتعالى أن يرجع موسى للبيت الذي كان فيه، لترضعه أمه ويكون في حضانتها.

    قوله: أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ [القصص:12]، أي: يقومون بأمره فيكفلونه لأجلكم وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، أي: ينصحون ويربون، وهم ناصحون لفرعون، فعلى ذلك تأمنون شرهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فرددناه إلى أمه ...)

    قال سبحانه: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [القصص:13]، لتتحول دموع الحزن إلى دموع الفرح، أي: أرجعه مرة ثانيه إلى أمه ليكون لأمه قرة عين فضلاً عن أنها تأخذ مالاً أيضاً، فترضعه وتأخذ أجرة من فرعون على أن ترضعه فيشب في حضن أمه عليه الصلاة والسلام، وتؤجر على ذلك، يعطيها فرعون وتأخذ الأجر من الله على صبرها على ذلك.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756174354