إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف [29 - 31]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأوثان والأنداد، فلم يستجيبوا له، بل آذوه وحاربوه، فلما يئس منهم خرج إلى الطائف؛ لعله يجد من يؤمن به وينصره ويؤويه، ولكنهم قابلوه بنفس الصنع أو أشد، فسلاه رب العباد وطمأن قلبه بمن آمن به من الجن، حيث استمعوا له منصتين ببطن نخلة، ثم رجعوا إلى قومهم منذرين، فهذه هداية الله يعطيها من يشاء من عباده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:

    يقول الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأحقاف:29-32].

    يقول تعالى مخبراً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ هذه السورة سورة مكية، وقد نزلت لما كان صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو إلى الله.

    خروج الرسول إلى الطائف للدعوة إلى الله

    يقول ابن عباس رضي الله عنه: لما مات أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة، ويدعوهم إلى الله عز وجل لعلهم يستجيبون له بعد إعراض أهل مكة عنه وأذيتهم له، فلم يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف مهاجراً وإنما داعياً إلى الله عز وجل بإذنه، فلما وصل إلى الطائف قصد أناساًمن كبارهم وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب ، ثلاثة إخوة أبناء عمرو بن عمير وعندهم امرأة من قريش فدعاهم إلى الإيمان وسألهم أن ينصروه على قومه.

    والأصل أن الذي يدعوك إلى أمر فإما أن تستجيب وأما أن تنصرف عنه، لكن هؤلاء استهزءوا به صلى الله عليه وسلم، فقد دعاهم إلى الله عز وجل الذي خلقهم ورزقهم، والذي هو أحق بالعبادة من غيره، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، والمعنى: أنه مستحيل أن الله عز وجل يكون قد أرسلك.

    وقال السافل الثاني: أما وجد الله أحداً غيرك يرسله؟ وهذا سوء أدب منهم وخفه، فلم ينظروا إلى الرسالة وإنما نظروا إلى الرسول، وهذا فعل اليهود، فقد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان السفير بينك وبين الله هو جبريل فلن نؤمن بما جئت به، فلم ينظروا إلى مضمون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نظروا إلى جبريل، فما دام وأنه هو الذي ينزل بالوحي فلن يؤمنوا، ومع ذلك كان النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه يحلم عنهم.

    وقال الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لا أكلمك كلمة أبداً، فإذا كنت رسولاً فأنت أعظم من أن أكلمك، وإذا لم تكن رسولاً وأنت كذاب، فأنت أحقر من أن أكلمك.

    فلم يستجيبوا له صلى الله عليه وسلم، بل أغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون عليه صلى الله عليه وسلم، حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وعتبة وشيبة أبنا ربيعة من مكة، ولكن لهم حائط في ذلك المكان.

    فظل هؤلاء وراء النبي صلى الله عليه وسلم يرجموه بالحجارة ويسبونه ويشتمونه، وهو ينصرف عنهم صلوات الله وسلامه عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له مكانته العظيمة عند الله، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلم الخلق الحلم والأدب والصبر والعفو، وعدم الانتقام، وعدم الدفع إلا بالتي هي أحسن.

    فلما وصل إلى ذلك البستان إذا بـالجمحية وهي امرأة من بني جمح القرشية، وكانت زوجة لواحد من هؤلاء، وصعب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تقدر أن تعمل له شيئاً، فكأنها كلمت النبي صلى الله عليه وسلم تواسيه، فقال لها: (ماذا لقينا من أحمائك)، أي: انظري إلى فعلهم بنا، صلوات الله وسلامه عليه.

    شكوى الرسول الكريم إلى ربه

    لما لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حيلة مع أهل تلك البلدة شكا إلى ربه سبحانه وقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس) وذلك لأن هؤلاء لم يستجيبوا له، وفي مكة كذلك استجاب له عدد قليل قد لا يصل إلى مائة، ومع ذلك كانوا مستخفين إلى أن دخل عمر وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وبدأ المسلمون يظهرون، وإلى هذا الوقت والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: (أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي)، وهذا كلام عظيم منه صلى الله عليه وسلم فلم يعترض على ربه، وأهم شيء لديه هو أن يرضى عنه ولا يغضب عليه، فالله عز وجل حين يوجه إلى العبد مصائب الدنيا فإما أنه يستحق تلك المصائب بسبب الذنوب التي فعلها، وإما أن يكون له درجات عند الله لا يبلغها إلا بذلك.

    فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لله عز وجل إني راضٍ بما يحدث لي، ولا أبالي به إذا لم تكن غضباناً علي، ثم قال: (ولكن عافيتك هي أوسع لي) وهذا استدراك منه صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أني مع ذلك غير قادر على هذا البلاء، فرحمتك وعافيتك أوسع، فإنها تسع كل خلقك، ثم قال: (أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى) أي: إلى أن ترضى، فسوف استمر في الدعوة إليك وأصبر على البلاء حتى ترضى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا حول ولا قوة إلا بك).

    حلمه صلى الله عليه وسلم وعفوه عمن آذاه

    لقد أرانا الله عز وجل حكم وكرم النبي صلى الله عليه وسلم بأن نزل عليه جبريل، وأتى إليه ملك الجبال، فقال له جبريل: إن ملك الجبال يقول: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، وهما جبلان عظيمان يحيطان بهؤلاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكن أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) أي: لعل من ذريتهم من يؤمن بالله، فكان من أمر الله عز وجل أن أخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيء.

    تصديق عداس بالرسول الكريم

    كأن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما ذاهبان إلى حائطهم في الطائف سمعا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فصعب عليهما ما حل به رغم أنهمها كافران لم يؤمنا به، وقد قاتلاه في يوم بدر، فقالا لغلام لهما نصراني اسمه عداس : خذ قطفاً من العنب وضعه في هذا الطبق، ثم ضعه بين يدي هذا الرجل، ولم يذهبا إليه؛ هروباً من دعوته إياهما إلى الإسلام، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي قطفاً من العنب ليأكله وقال: (بسم الله، فلما سمعه الغلام العبد النصراني نظر إلى وجه صلى الله عليه وسلم ثم قال: والله! إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، -لأنه كان له معرفة ببعض الأديان- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أي البلاد أنت يا عداس ؟! وما دينك؟) قال: أنا نصراني من أهل نينوى، من شمال العراق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟)، وكان الكفار لا يعرفون الأنبياء إلا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكانوا يسمعون عن موسى وعن المسيح عيسى، ولكن لا يعرفون التفاصيل، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان في مكة لا يعرف ذلك إلا أن الله سبحانه وتعالى علمه.

    فقال الغلام لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك: وما يدريك ما يونس بن متى؟ -لأنه لا يوجد من العرب من يعرف يونـس بن متى عليه الصلاة والسلام، -فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي)، فانكب عداس حتى قبل رأس النبي صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه، فلما رأى شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة ذلك منه قالا له:لم فعلت هذا يا عداس ؟! فقال: ما في الأرض خير من هذا، أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.

    وكان المفترض على هؤلاء لما عرفوا أنه نبي صلى الله عليه وسلم أن يتبعوه ولا يحاربوه، ولكن الرئاسة قد تمنع الإنسان من اتباع الحق، وهؤلاء كانوا سادة في أقوامهم، فكيف يستجيبون لهذا الرجل ويكونون أتباعاً له؟! فالإنسان قد يرفض الحق بعد معرفته بسبب ما هو فيه من أمر الدنيا، ففضل الدنيا على الآخرة.

    وصول الرسول إلى وادي نخلة وسماع الجن للقرآن

    قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان ببطن نخلة -وكان بينها وبين مكة ثلاثة عشر كيلو متراً، وقد مشاها صلوات الله وسلامه عليه على قدميه- قام يصلي من الليل صلى الله عليه وسلم.

    فمن فضل الله سبحانه أن بعث له من يستجيب لدعوته بعد أن رفضها أهل الطائف، فأرسل إليه نفراً من الجن من أهل نصيبين -مكان في اليمن- وكان ذلك سبباً لهدايتهم، فقد كانوا يسترقون السمع من السماء وينزلون إلى الأرض، فيأخذون الكلمة ويزيدون عليها ويكذبون بها على الخلق، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا بالجن التي تسترق السمع تلقى عليها الشهب الثاقبة من السماء فتحرقها.

    فقالوا: هناك أمر قد حدث في الأرض منعنا من استراق السمع، فبعث إبليس سرية من أشرف الجن فداروا في الأرض حتى وصلوا إلى تهامة، فلما بلغوا بطن نخلة سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ويتلوا القرآن، فاستمعوا له وقال بعضهم لبعض: أنصتوا، قال الله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19]، فكأن الجن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون له وازدحموا عليه حتى صاروا لبداً، أي: صار بعضهم فوق بعض.

    فقال الله له ممتناً عليه: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [الأحقاف:29]، فعندما لم يؤمن الإنس جاء الجن فأمنوا بك، وهذا فيه تثبيت له صلى الله عليه وسلم.

    وفي هذه الحادثة كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده؛ لأن ابن مسعود : رضي الله عنه عندما سأله أحدهم: هل شهد منكم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال ابن مسعود : لا، فكأنه يقصد في هذه المرة، وفي المرة الأخرى ذكرنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد الترمذي والدارمي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود : أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم.

    وإن كان يحتمل أنه لم يسمع ولم يحفظ كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الجن، فقد خط له النبي صلى الله عليه وسلم خطاً ونهاه أن يخرج من هذا الخط إلى أن يرجع إليه، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الجن، ثم رجع إلى ابن مسعود كما قدمنا في الحديث السابق.

    الجن يعلنون إسلامهم ويدعون قومهم إلى الإسلام

    يقول الله عز وجل وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا والنفر: هو المجموعة من الجن، وقد جاءوا للنبي صلوات الله وسلامه عليه، يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فبعد أن كان يذهب إلى الإنس يسمعهم القرآن جاء إليه الجن ليستمعوا له، فقالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1] أي: هذا كلام عظيم جميل، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:2].

    يقول هنا ربنا سبحانه فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا أي: أمر بعضهم بعضاً بسماع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فجلسوا ساكتين يستمعون القرآن، وهذا من أدبهم، وكان مما تلى عليهم صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن، وهي تلقب بعروس القرآن، وقد تلاها النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فسكتوا لما سمعوها، فقال: (لقد كانت الجن أحسن رداً منكم)؛ لأنهم سمعوا واستوعبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان كلما تلا عليهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] يقولون: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، فتليت عليهم إحدى وثلاثين مرة، وهم يرددون: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.

    قال الله تعالى: فَلَمَّا قُضِيَ ، أي: لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة القرآن على هؤلاء وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي: ينذرون قومهم ويخوفونهم ويقولون لهم: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ، ففي هذه المرة دعا النبي صلى الله عليه وسلم الجن فرجعوا إلى قومهم منذرين، وجاءوا إليه أيضاً مرة أخرى، ففي صحيح مسلم عن معن يذكر عن أبيه عن مسروق أنه سأل: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ أي: من أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجن يسمعون منه القرآن؟ فقال: حدثني ابن مسعود رضي الله عنه أنه آذنته بهم شجرة.

    وهذه معجزة من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في أن الجن جاءوا ليستمعوا منه القرآن، وحتى لا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم من الجن آذنته شجرة، فجاء الجن وسمعوا منه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى ...)

    فلما رجعوا إلى قومهم منذرين قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف:30] وهذا كعادة القرآن في ذكر كتاب موسى وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم، لأن كتاب موسى كان كتاب شريعة، وأما الإنجيل كتاب عيسى عليه الصلاة والسلام فلم يكن كتاب شريعة، وإنما كان كتاب حكم ومواعظ، وبشارة لمجيء النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما يقال: العهد الجديد والعهد القديم فإن القديم هو التوراة التي فيها الشريعة.

    فإذا قيل الكتاب الذي قبل القرآن فهو كتاب موسى عليه الصلاة والسلام الذي فيه التشريع من الله سبحانه وتعالى، فكأن الجن قالوا: هذا كتاب تشريع كما كان كتاب موسى كتاب تشريع.

    وقوله تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أي: مصدقاً للكتب السابقة وما جاء فيها من التشريعات والعقائد، من قصص الأنبياء.

    وقوله: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي: يهدي إلى أمر الله عز وجل، وإلى الطريق المستقيم، وهو الطريق الموصل إلى جنة الله ورضوانه.

    قال الله تعالى: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فالجن يطلبون من أقوامهم أن يستجيبوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمنوا به، فإن فعلتم ذلك فالله يغفر لكم من ذنوبكم بفضله وكرمه، وبسبب استجابتكم، ولأن الإسلام يجب ما قبله كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .

    نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يجيرنا من عذابه سبحانه.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755953007