إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [42]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله الطواف بالبيت وجعله عبادة يتقرب بها إليه كالصلاة، حتى يشترط له ما يشترط للصلاة، وهو آخر ما يكون من الحاج إذا غادر الأماكن المقدسة، ومن مناسك الحج المبيت بمنى ليالي التشريق وما يتبع ذلك من الأعمال.

    1.   

    شرح حديث: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ... فحاضت صفية ..)

    قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

    [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله! إنها حائض. قال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله! إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: اخرجوا)، وفي لفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى، أطافت يوم النحر؟ قيل: نعم. قال: فانفرى).

    وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).

    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.).

    وعنه قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما)].

    هذه أحاديث تتعلق ببعض أحكام الحج.

    فالحديث الأول حديث عائشة، ذكرت أنهم حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، ولم تذكر في هذا الحديث تفاصيله؛ لأنها ذكرته في حديث آخر.

    ولما كان يوم النحر -وكانت قد طهرت من حيضها يوم عرفة وتطهرت- أفاضوا يوم النحر إلى مكة للطواف، أي: طواف الإفاضة، وكل أزواجه صلى الله عليه وسلم كن معه وهن تسع، كلهن طفن في ذلك اليوم، ولما كان في يوم المحصب وهو اليوم الرابع عشر الذي عزم فيه على السفر، ففي تلك الليلة أمرهم بأن يوادعوا، وكان من جملتهم صفية إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم، فأراد منها ما يريد الرجل من أهله، أن يقضي وطره أو يطأها، ولكن ذكروا له أنها حائض، ولم تكن طافت طواف الوداع، ولم يكونوا قد طافوا طواف الوداع، فخاف أن تحبسهم، فينتظرونها إلى أن تطهر مدة ستة أيام أو سبعة، ولكن لما أخبروه بأنها قد أفاضت -أي: طافت طواف الإفاضة- سمح لها ولهم بالخروج وأسقط عنها طواف الوداع.

    1.   

    شرح حديث: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت...)

    وكذلك الحديث الذي بعده حديث ابن عباس، يقول: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) ، ففي هذين الحديثين شرعية طواف الوداع.

    حكم طواف الوداع

    ذهب جمهور العلماء إلى أنه واجب من الواجبات، وأنه يجب على كل حاج أن لا يخرج من البيت -من مكة- حتى يكون آخر عهده بالبيت بأن يطوف سبعة أشواط، ثم يرحل بعده، وسمي وداعاً لأنه يودع به مكة، ويودع مشاعر الحرم، يودع به تلك الشعائر وتلك الأماكن، وذلك لأن مكة إنما شرفت بالبيت، وإنما كانت لها ميزة بهذا البيت أنه موجود فيها وواقع فيها.

    والعبادة التي يتعبد بها في البيت هي الطواف الذي هو عبادة من العبادات ولا يتم الحج إلا به، لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فالطواف به عبادة خاصة لا تصح الأنساك إلا به، ولا يصح الحج والعمرة إلا بالطواف، ولا يطاف بشيء إلا بهذا البيت العتيق، فهذا الطواف هو عبادة الله تعالى بالاستدارة حول هذا البيت، هو أول ما يبدأ به وهو آخر ما يعمله فأول ما يبدأ به طواف القدوم، ويسمى تحية مكة أو تحية البيت، فحينما يقدم يكون أول شيء يعمله أن يطوف بهذا البيت، فإن كان متمتعاً فطوافه للعمرة، وإن كان مفرداً أو قارناً فللقدوم، فأول شيء يبدأ به هذا البيت أن يطوف، وآخر شيء يعمله أن يطوف، أن يودع مكة بطواف.

    ولما كان الحاج يغيب عن مكة مدة طويلة كان الطواف بالبيت أفضل الأعمال التي يتقرب بها، أي: أنه جاء إلى مكة بعد غيبة سنوات، وربما لا يرجع إليها، أو لا يأتي إليها إلا مرة واحدة في عمره بالنسبة لمن كان في السنوات الماضية أو القرون الماضية، وكذلك بالنسبة لأهل البلاد البعيدة الذين لا يتيسر لأحدهم أن يأتي إلا مرة واحدة، فلأجل ذلك كانت همتهم أن يكثروا من الطواف إذا تيسر لهم، وذلك لأن الطواف عبادة من العبادات وقربة من القربات، ولا يتيسر لهم في كل حين، فإذا قدموا إلى مكة اهتموا به وكان عليهم أن يستكثروا منه وأن يكرروا الطواف ليلاً ونهاراً، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحجبة بأن لا يردوا عنه أحداً، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)، فمنعهم أن يغلقوا أبواب الحرم وأن يمنعوا الناس من الطواف في أية ساعة ولو نصف الليل أو آخر الليل أو نصف النهار أو ما أشبهه، ولما كان هذا الطواف قربة من القربات ابتدئ به في أول النسك وختم به في آخر النسك.

    يقولون: إنه يكون آخر أعمال الحاج (أمر الناس -يعني الحجاج- أن يكون آخر عهدهم بالبيت) يعني: أن يطوفوا بالبيت، فلا يعملوا عملاً بعده، بل يجعلوه آخر الأعمال.

    يقول العلماء: إذا أقام بعده إقامة طويلة أعاده أو اتجر بعده فاشترى شيئاً للتجارة، أو باع واشترى لأجل الربح فإن عمله يعتبر إقامة، فيعيد طواف الوداع ليكون آخر عمله هو طواف الوداع.

    والإقامة التي يعيد الطواف لأجلها حددت بأنه إذا أقام يوماً أو أغلب اليوم، فلو طاف للوداع مثلاً في آخر الليل ولم يخرج إلا في أول الليل أمر بأن يعيد، ولو طاف للوداع أول الليل بعد غروب الشمس ولم يخرج إلا بعدما أصبح أمر بأن يعيد، أن يوادع مرة ثانية، أما إذا أخره بعضاً من نهار لشغل أو لاجتماع أو ما أشبه ذلك فإنه لا يعيده، فلو طاف -مثلاً- في الصباح بعدما طلعت الشمس، ولكن لم يتيسر له الخروج إلا في آخر النهار فإنه لا تلزمه الإعادة، وذلك لأنه عمله في ذلك الوقت ولم يعمل عملاً بعده، وكذلك لو طاف أول الليل وخرج آخر الليل لم يلزمه أن يعيده، أما إذا عمل عملاً بعده من أعمال المناسك فلابد أن يعيده، ونسمع أن كثيراً من الحجاج يتعجلون في اليوم الثاني عشر، فيذهب في الضحى في الساعة العاشرة أو الحادية عشر ويوادع، ثم يرجع ويرمي الجمرات في الساعة الثانية عشر أو الواحدة، ثم يسافر.

    نقول: هذا ما كان آخر عهده بالبيت، بل كان آخر عهده بالجمرات، فلا يجزئه هذا الطواف، فإذا خرج -والحال هذه- فقد ترك نسكاً وهو طواف الوداع الذي يكون آخر العهد، فيكون عليه دم جبران، نقول له -والحال هذه-: عليك أن ترمي الجمرات بعد الزوال، وبعد ذلك تذهب إلى مكة وتطوف وتسافر، ولو كان هناك ازدحام فعليك أن تصبر على الزحام، أو تنتظر إلى أن يخف الزحام ولا يفوتك شيء. فكونهم يتعجلون ويودعون قبل أن يرموا الجمار ويجعلون الجمرات آخر العهد هذا مخالفة للسنة، وهذا بالنسبة إلى الحج.

    حكم طواف الوداع للمعتمر

    أما بالنسبة للعمرة فهل لها طواف وداع؟

    قد اختلف العلماء في ذلك، فعند كثير منهم كالمالكية ونحوهم أنه يودع للعمرة كما يودع للحج، وذلك لأنها أحد النسكين، ولأن المعتمر جاء وافداً من بلاد بعيدة، جاء وافداً إلى مكة ثم رجع، فأول ما يقدم يبدأ بطواف العمرة ويكفيه عن طواف القدوم، ثم يقيم يوماً أو أياماً أو نحو ذلك، فيكون -والحال هذه- كالذي يذهب ويترك مكة، فيكون عليه وداع كما على الحاج وداع، فالحاج بدأ بالطواف وختم به، فكذلك المعتمر بدأ بالطواف فيختم به، فهذا هو الأحوط، أنه يودع للعمرة كما يودع للحج، وهذا إذا أقام في مكة أكثر من يوم، أما إذا قدم مكة في الضحى -مثلاً- وطاف في ضحاه ثم خرج في ذلك اليوم كفاه طوافه للعمرة عن طوافه للوداع، وذلك لأنه لم يقم إقامة طويلة.

    وهناك قول آخر أن العمرة لا يلزم لها وداع، وهذا الذي ذكر في كتب الفقهاء -فقهاء الحنابلة ونحوهم- أن العمرة لا يلزم لها طواف وداع، ولم يذكروه في شروطها، وقالوا: إنه صلى الله عليه وسلم ما أمر بطواف الوداع إلا في الحج، ولم يأمر به في العمرة، فقد اعتمروا عمرة القضية ولم يأمرهم بهذا الطواف. ولكن على كل حال حتى ولو كان هذا القول معمولاً به نقول: الأحوط للمسلم أن لا يخرج وهو يقدر إلا بعدما يطوف، فإن شق عليه أو زُحم أو انشغل وخرج بدون وداع لم نلزمه بأن يفدي كما يفدي لطواف الوداع في الحج.

    ثم طواف الوداع لمن يريد أن يخرج، أما من لا يريد الخروج -كأهل مكة- فلا وداع عليهم، وذلك لأنهم لم يخرجوا، وكذلك لو خرج إنسان إلى جدة ثم رجع ووادع فلا حرج عليه، فلا يلزمه أن يوادع إذا أراد أن يخرج إلى جدة أو الطائف، ثم يرجع من يومه، وذلك لقصر المدة يوماً أو نصف يوم أو ما أشبه ذلك.

    العودة إلى مكة لأداء طواف الوداع بعد السفر

    كذلك في أيام الموسم، فلو أن أهل جدة شق عليهم الزحام في اليوم الثاني عشر والثالث عشر وذهبوا إلى جدة وأقاموا عند أهلهم يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام ولم يودعوا، ثم رجعوا وودعوا كفاهم ذلك، وذلك لأنهم حصل منهم طواف الوداع، والفقهاء قالوا: لا يرجع الذي ذهب مسافة قصر، وذلك لمشقة الرجوع في ذلك الوقت؛ لأن مسافة القصر مسيرة يومين، يقولون: لو أنه سار مسيرة يومين، ثم تذكر أنه يلزمه الوداع مع المشقة حين يرجع يومين أيضاً، فيفوته الركب فيسبقه الركبان فلأجل ذلك لا حاجة إلى أن يرجع، ولكن يلتزم دم جبران.

    وعلى كل حال إذا لم يكن عليه مشقة في الرجوع يرجع، حتى ولو من الرياض، وفي هذه الأزمنة ليس عليه مشقة في تيسر الوصول ولقرب المسافات ولتيسر المواصلات السريعة، فلا مشقة عليه، ولو رجع من الرياض وطاف للوداع سقط عنه دم الجبران.

    1.   

    شرح حديث: (استأذن العباس أن يبيت بمكة...)

    هذا الحديث يتعلق بترك المبيت بمنى أيام منى للعذر، ومن الأعذار سقاية الحاج، في هذا الحديث أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.

    وسقاية الحاج كان يقوم بها العباس رضي الله عنه هو وخدم معه ومماليك له، كانوا يسقون من زمزم، يجتذبون الماء ويصبونه في حياض حتى يشرب الحجاج الذين يأتون إلى مكة للطواف؛ لأنه لا يخلو البيت من طائفين، فبعض الحجاج يأتون -مثلاً- بعد المغرب، وبعضهم يأتون بعد العشاء ثم يرجعون، وبعضهم يأتون نصف الليل، وبعضهم يأتون في آخر الليل، وبعضهم يأتون في صلاة الفجر، وبعضهم بعد طلوع الشمس، وبعضهم في الضحى فلا يخلو المكان من أناس يأتون إلى مكة ليطوفوا، وإذا جاؤوا احتاجوا إلى شراب، والشراب في ذلك الوقت هو من زمزم، وزمزم عميقة بعيدة القعر، ولا يحصل إخراج الماء إلا بالدلاء، ولابد من اجتذابه بالدلاء ويصب في حياض، وعندهم كيزان يشربون بها ويسقون بها الحجاج، فاحتاج العباس إلى أن يكون معهم ولو ترك المبيت، فرخص له ولخدمه ولأولاده الذين يساعدونه أن يبيتوا بمكة وسقط عنهم المبيت بمنى، والمبيت بمنى في ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر واجب من الواجبات لا يسقط إلا لأهل الأعذار كأهل السقاية وأهل الرعاية، فرخص لأهل السقاية أن يتركوا المبيت بمنى، ورخص للرعاة أن يتركوا المبيت، حيث إنهم يذهبون مع الإبل، أي: الركائب التي هي رواحل الحجاج، كانوا في ذلك الوقت يأتون على الإبل الرواحل ويحتاجون إلى من يرعاها، ولا يجدون لها علفاً فيما قرب من مكة، فتحتاج إلى من يذهب بها إلى أماكن الرعي، فيذهب بكل عشر من الإبل أو عشرين أو أربعين راع، وعند الأربعين أو الخمسين الأخرى راع آخر، فهؤلاء الرعاة يشق عليهم أن يأتوا كل يوم للمبيت، فلأجل ذلك رخص لهم في ترك المبيت بمنى، ورخص لهم أيضاً في تأخير الرمي -رمي الجمار-، فكانوا لا يرمون اليوم الأول الذي هو يوم العيد، ثم يؤخرون رمي الحادي عشر، وإذا جاء صباح اليوم الثاني عشر جاؤوا وإذا زالت الشمس رموا عن اليوم الحادي، ثم رموا عن اليوم الثاني عشر، ثم ارتحلوا إذا كانوا يريدون التعجل، فهؤلاء هم الذين يسقط عنهم المبيت: السقاة والرعاة، وأما غيرهم فلابد أن يبيتوا بمنى أو ما اتصل بمنى، ولا يسقط عنهم هذا المبيت، وذلك لأنه نسك من الأنساك، أي: إقامة الحاج بمنى في أيام منى يوم العيد ويومان بعده أو ثلاثة، فهو نسك من الأنساك، فلابد أن يقيموا فيها ويعملوا فيها الأعمال التي أمروا بها، فمن كان له عذر كعذر السقاة والرعاة وكالمريض الذي يرقد في أحد المستشفيات الداخلية يسقط عنه المبيت لأجل العذر، وكذلك من له شغل شاغل أو ضروري، كالمرافق للمريض ونحوه فإنه يسقط عنه، فأما من تركه بدون عذر فإنه يجبره بدم.

    خطأ يرتكبه كثير من الحجاج في هذه الأزمنة

    وكثير من الحجاج في هذه الأزمنة سواء من أهل مكة أو من غيرهم ينزلون في داخل مكة، يستأجر أحدهم شقة أو بيتاً ويقيم فيه، ويأتي إلى منى أول الليل فيقيم فيها، أو آخر الليل فيقيم أو ينام -مثلاً- على الرصيف ثلاث ساعات أو ساعتين، ثم بعد ذلك يرجع إلى مكانه ويقيم فيه ليله كله ونهاره كله، ويترفه بما يترفه به المقيمون، فمثل هؤلاء أخطئوا، وذلك لأنهم تركوا الشيء الذي فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهو ملازمة منى؛ فإن تلك الأيام تسمى أيام منى، ولابد للحجاج أن يبقوا فيها ولا يتحولوا عنها إلا لعذر، فكونك -مثلاً- تنزل في داخل مكة في العزيزية أو في الششة أو في الروضة أو في غيرها، ولا تأتي إلا ساعتين من الليل أو ثلاث ساعات ثم ترجع فما أعطيت منى حقها.

    1.   

    شرح حديث: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع...)

    هذا الحديث يتعلق بالجمع بين الصلاتين في ليلة جمع، وليلة جمع هي ليلة مزدلفة، فمزدلفة تسمى (جمعاً)، فإذا قيل: أفاضوا إلى جمع. باتوا في جمع. ليلة جمع فالمراد بجمع (المزدلفة)، فالنبي صلى الله عليه سلم لما انصرف من عرفة بعدما غربت الشمس توجه إلى مزدلفة، وكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نصَّ، وكان يمسك زمام دابته، فإذا أتى حبلاً من الحبال الرملية أرخى لها حتى تصعد، وكان يقول لأصحابه: السكينة السكينة. أي: أن يسيروا تؤدة.

    والطريق بين الموقف الذي هو جبل الرحمة وبين المشعر الحرام يستغرق فيه أكثر من ساعتين، فلم يصلوا إلا بعد ساعتين ونصف مع أنهم أيضاً يسرعون، ولما وصلوا بادروا بإقامة الصلاة، فأول شيء بدؤوا به صلاة المغرب والعشاء؛ لأنهم أخروا المغرب ولم يصلوه حتى وصلوا إلى مزدلفة، فبدؤوا بإقامة الصلاة قبل حط الرحال.

    فبدؤوا بالصلاة، صلوا المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، جمعوا بين الصلاتين جمع تأخير وقصروا العشاء الرباعية، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته بينهما نافلة، ولم يتنفل بعدهما، وإنما اقتصر على الفريضة، وذلك لأنه مسافر، والسفر مظنة المشقة، وقد شق عليهم، وذلك لأنهم من نصف النهار من حين صلوا الظهر وهم وقوف على رواحلهم، أي: أكثر من ثمان ساعات، ففي هذه الأزمنة من نحو الساعة السادسة بالتوقيت العربي أو الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الثامنة ليلاً أو نحو ذلك، فهذه المدة التي هي ثمان ساعات لابد أنهم فيها قد تعبوا وسئموا.

    ثم بعد ذلك اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم واضطجعوا وناموا إلى آخر الليل، ثم بعد ذلك صلوا الفجر مبكرين، ثم ذكروا الله، ثم توجهوا إلى منى، هذه هي السنة، أن المسافر يؤخر الصلاة إلى أن يصل إلى جمع، أي: إلى مزدلفة.

    والناس في هذه الأزمنة يتفاوتون، فبعضهم يكون الطريق بالنسبة له من عرفة إلى مزدلفة في أربع دقائق، فيصلونها في وقت مبكر فلا يعوقهم عائق، فيقطعون الطريق في أربع دقائق وخمس دقائق وعشر دقائق وربع ساعة، فنقول: ساعة وصولكم صلوا.

    وبعضهم يعوقهم السير ويتعثرون ولا يسيرون إلا ببطء، ولا يصلون إلا نصف الليل أو آخر الليل، نقول: تؤخرون الصلاة ولو لم تصلوا إلا الساعة الثانية أو الثالثة في آخر الليل، أخروا الصلاة مادمتم تأملون أنكم تصلون، أما الذين يخشون أن يطلع الفجر قبل أن يصلوا فإنهم لا يؤخرون الصلاة، فإذا خشوا فوات الوقت وطلوع الصبح صلوها في آخر الليل، صلوها قبل الفجر بساعة أو ساعتين، وصلوها ولو في الطريق، فيقال لهم: اجتنبوا عن الطريق قليلاً ثم قفوا وصلوا، ولا تؤخروها حتى يخرج وقتها.

    أما السنة والنافلة بعدها فالأمر في ذلك مباح في هذه الأزمنة لوجود الراحة وعدم المشقة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756157930