إسلام ويب

متى نصر اللهللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإسلام هو العدو الأكبر لجميع ملل الكفر، ولذا فهم حريصون على حربه وحرب أتباعه، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون، والإسلام قادم من جديد، فعلى المسلمين أن يهيئوا أنفسهم حتى يكونوا أهلاً لنصر الله، فيعملوا بأسباب النصر، ومن أعظمها: تحقيق الإيمان والتقوى، وإعداد ما يستطاع من قوة.

    1.   

    الإسلام هو العدو الأكبر لجميع الكفار

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة التي يطول -والله- شوقي دائماً إليها، وزكى الله هذه الأنفس الكريمة التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله، وشرح الله هذه الصدور العامرة التي جمعنا وإياها كتاب الله، طبتم جميعاً -أيها الأخيار- وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! (متى نصر الله؟) هذا هو عنوان محاضرتنا هذه، في وقت تجمعت فيه كل جاهليات الأرض مرة أخرى للقضاء على الإسلام، واستئصال شأفة المسلمين، وتجمعت الأحزاب للكيد للإسلام، وللقضاء على المسلمين، وتفنن أعداء هذا الدين في عقد المؤامرات المنظورة بمسميات لا تنفق إلا على الغوغاء والرعاع، فآثرت أن يكون لقاؤنا هذا بعنوان: (متى نصر الله؟). وسوف ينتظم حديثي في العناصر التالية: أولاً: مقدمة لابد منها. ثانياً:ولمنهج الله حكم. ثالثاً: بالرغم من كل هذا فإن الإسلام قادم. وأخيراً: فلنكن على مستوى هذا الدين. فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا اللقاء في هذه الظروف الحرجة من الأهمية بمكان. أولاً: مقدمة لابد منها: أيها الأحبة الكرام! يجب أن نعلم يقيناً أن الإسلام هو الخطر الماثل أمام الشرق الملحد والغرب الكافر، وما زال هذا الإسلام منذ أن بزغ فجره، وأشرق نوره على أرجاء الدنيا؛ مستهدفاً من قبل أعدائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ مصداقاً لقول ربنا: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]. وحتى لا أستطرد طويلاً مع كل عنصر من عناصر هذا اللقاء يكفي أن نقف بتأنٍ وتدبر وتفكر أمام هذه الكلمات الخطيرة للمنصر الصليبي الحقود لورنسد ورد إذا يقول هذا المنصر الصليبي الحقود: لقد كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة، ثم تبين لنا بعد الانتظار والتجربة أنه لا داعي لهذه المخاوف، كانوا يخوفوننا بالشعب اليهودي، ويخوفوننا بالشعب الشيوعي، ثم تبين لنا بعد ذلك أن اليهود هم أصدقاؤنا، وأن الشيوعيين هم حلفاؤنا، وتبين لنا أن عدونا الأوحد هو الإسلام! ولذلك كانت أنشودتهم التي يتغنون بها طيلة السنوات الماضية في حربهم للإسلام والمسلمين تقول كلماتها: أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة! هذا ما يردده الجندي المشرك الكافر الذي يرضع من لبن أمه هذه العقيدة، وهذه المعاني، وتلك الأصول، ينطلق في حربه للإسلام والمسلمين وهو يتغنى بهذه الأنشودة الوقحة ويقول: أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة، ولأحارب الديانة الإسلامية، ولأمحو القرآن بكل قوتي! هذه هي أنشودتهم. أيها المسلمون! أيها الشباب! لازالت هذه المعاني الوقحة الخطيرة هي التي تحرك أعداء ديننا في حروبهم مع المسلمين، وفي ذبحهم للمسلمين ذبح الخراف في كل بقاع الدنيا، وما أحداث البوسنة منا ببعيد، وستعلمون أن هذه المعاني هي التي يتغنى بها الصربيون الكفرة الفجرة على مرأى ومسمع من الدنيا كلها في عالم يسمونه بالعالم المتحضر، أو المتنور، أو المتطور! لازال الجندي الصربي يتغنى بأنشودته التي رددت معانيها آنفاً، وإن اختلفت في كلماتها، يردد الصرب أنشودتهم التي تُسمى بإكليل الجبل، وتقول كلمات هذه الأنشودة: سلك المسلمون طريق الشيطان، دنسوا الأرض ملؤها رجساً، فلتعد للأرض خصوبتها، ولنطهرها من تلك الأوزار، ولنبصق على القرآن، ولنقطع رأس كل من يؤمن بدين الكلاب، ويتبع محمداً، وليذهب غير مأسوف عليه!

    1.   

    حرب الإسلام بأيدي منافقين يتظاهرون بالإسلام

    بالرغم من ضراوة هذه الحرب المعلنة التي لن تنته إلى قيام الساعة كما قال عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، بالرغم من ضراوة هذه الحرب الخطيرة المعلنة من أعدائنا الظاهرين الحقيقيين الواضحين فإنني أقول: إن مكمن الخطر يتمثل في أن تعلن الحرب على الإسلام والمسلمين على أيدي الكثيرين من أبنائه ممن يتكلمون بألسنتنا، ويتزيون بزينا، إن مكمن الخطر -بالرغم من ضراوة هذه الحرب المعلنة- يكمن في أن تعلن الحرب في كل زمان ومكان على أيدي الكثيرين من أبناء هذا الدين، ممن يتسمون بالمسلمين من بني جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، وقد حذرنا الله شرهم، وحذرنا النبي شرهم، ووصفهم لنا وصفاً دقيقاً محكماً، ولكن يبدو أن الأمة تنسى أو تتناسى، ويبدو أن الأمة تغفل، ولا تجيد أن تفرق بين أعدائها الحقيقيين الذين يلبسون عباءة الإسلام في كل زمان وحين وبين الدعاة الصادقين والهداة المخلصين الذين تحترق قلوبهم كمداً وحزناً على أحوال الأمة، فينطلقون وهم يحملون أنفاسهم ونفوسهم على أكفهم، ويصرخون بالأمة أن ترجع إلى أصل علمها، ونبع شرفها، وأن تعلن الحرب، وأن تنابذ كل هذه المؤتمرات المشبوهة، وكل هذه المؤامرات الحاقدة، وأن تستيقظ الأمة لنفسها، وأن تحرص الأمة على دينها، وأن تعض الأمة بالنواجذ على دعوة الحبيب نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

    صفات المنافقين

    أصبحت الأمة لا تفرق بين هذا وبين ذاك، مع أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف لنا هذا الصنف الخبيث وصفاً دقيقاً محكماً في حديث رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه، واسمع أيها الموحد لله إلى هذا الحديث، وأصغ لي سمعك، وأحضر لي قلبك، يقول حذيفة : (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -أي: بهذا الإسلام العظيم، وبهذا الدين الكريم- فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال الحبيب: نعم، فقال حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ فقال الحبيب: نعم، وفيه دخن -خير سيأتي بعد هذا الشر لكن فيه دخن- فقال حذيفة : وما دخنه يا رسول الله؟! فقال الحبيب: قوم يهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقال حذيفة : فهل بعد هذا الخير -أي: الذي شابه هذا الدخن- من شر يا رسول الله؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقال حذيفة : صفهم لنا -يا رسول الله- لنتقي شرهم) أي: لنتقي خطرهم، ولنعرف خبثهم، ولنعرف صفتهم؛ لأنهم قد يزينون لنا الكلام؛ فهم من ألطف الناس بياناً، ومن أفصح الناس كلاماً، ومن أعظم الناس أجساماً، ومن أحسن الناس بياناً، ومن أحسن الناس جمالاً، قال عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:204-205]، ولا يؤلمه إلا أن يتكاثر نسل المسلمين، لا يسعده أن يتكاثر نسل الضعفاء من الدول النامية على حد تعبيرهم وزعمهم، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ [البقرة:205-206] اتق الله! واعلم بأن الرزاق هو الله، اتق الله! واعلم بأن الملك كله لله. اتق الله! ولا تخش معونة أمريكية، ولا تخش معونة شرقية، واعلم بأن الذي يرزق الكلاب هو الله ، أفيرزق الله الكلاب وينسى الموحدين؟!! اتق الله واعلم بأن الرزق والأمر بيد الله، واعلم بأن الملك كله لله، واعلم بأن الضر والنفع بيد الله، واعلم بأن الخافض الرافع هو الله، واعلم بأن القابض الباسط هو الله، واعلم بأن الكون كله لله، قال عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ [الأعراف:96]، فقال هذا الصنف: لا نصدق الله، بل نكذب الله، ونكذب رسول الله، ونصدق الشرق الملحد، ونصدق الغرب الكافر!! وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا [الأعراف:96] أي: لو كانوا أهل إيمان بالله وتقوى لله، لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، من الذي يفتح؟ هل الشرق الملحد أم الغرب الكافر؟! لا ورب الكعبة! فنريد إيماناً يملأ القلوب، ونريد يقيناً في كلام علام الغيوب. والله! إن القلب ليتقطع، وما من يوم يمر علي إلا وأجلس لأتابع وثيقة هذا المؤتمر، فيكاد قلبي أن ينخلع، يشرعون للدعارة، ويشرعون لسوء الأخلاق، ويريدون أن يحطموا الأسرة، ويريدون أن يلقوا الإسلام، ثم بعد ذلك يعلنون الحرب على الإرهاب والتطرف، وعلى كل من يحذر اليوم من مؤتمر السكان! هل هذا هو الحوار؟! وهل هذه هي الديمقراطية؟! وهل هذه الحرية؟! فليقرأ كل مسلم غيور هذه الوثيقة المشبوهة الداعرة؛ ليتعرف على خطورة الأمر، وعلى أن الأمر جلل، وعلى أن الأمر عظيم، وعلى أن الكارثة -والله- لا تبقي على الأخضر ولا على اليابس. فلابد أن نعي هذه الحقائق، لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ألا يكتموه وأن يبينوه، ورب الكعبة! ما تعودت أن أثير العواطف، ولا أن أهيج المشاعر، ولكن سامحوني واعذروني؛ فإني كأي مسلم يخشى على دين الله، ويتحرق قلبه لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتألم لأحوال أمته ولأحوال أهل ملته التي أسأل الله في عليائه وسمائه أن يحميها، وأن يحرسها، وأن يحفظ عليها توحيدها، وأن يحفظ عليها دينها، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير. أيها الأحبة الكرام! لابد أن تستقر هذه الحقائق في قلوبنا وعقولنا، فإن مكمن الخطر الحقيقي يكمن في أن تعلن الحرب على الإسلام من هذه العصبة التي تعلن الإسلام بلسانها، وتخفي العداء لهذا الدين بقلبها، قال عز وجل : وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206]. قال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله! أي: حتى نحذر ونتقي شرهم، فقال الحبيب: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)وفي لفظ مسلم : (قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، فقال حذيفة : فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟! قال: أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: أن تعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). هذا الصنف الخبيث الخطير جلس على أبواب جهنم يدعو الناس إليها بأقواله وأفعاله وتقاريره وتشريعاته من دون الله عز وجل، ومع هذا لبسوا ثياب أهل الإيمان وقلوبهم قلوب أهل الزيغ والخسران، فالظواهر ظواهر الأنصار، والبواطن قد تحيزت إلى المنافقين والفجار، وليس هذا حكماً منا على بواطن الناس؛ فإن الأمر لله جل وعلا، ولكننا نقول هذا من منطلق قول الله سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]. إذاً: أيها الأحبة الكرام! لابد أن نعي أن مكمن الخطر يتمثل في جيش فكري أمين يناصر أعداء هذا الدين، ولا يفتأ أفراد هذا الجيش أن يعلنوا الحرب الهوجاء على الإسلام والمسلمين من آنٍ لآخر؛ فاحذروا هذا الصنف، واعلموا خطره، واسمعوا بآذانكم وقلوبكم إلى الدعاة الصادقين والهداة المخلصين الذين يدعون الناس إلى الجنة بأقوالهم وأفعالهم. أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا منهم، بمنه وكرمه؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

    1.   

    منهج الله فيه حكم كل شيء

    ثانياً: ولمنهج الله حكم. أيها المسلمون! لابد أن تعلموا جميعاً أنه ما من شاردة ولا واردة في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل القديمة أو الحديثة إلا ولمنهج الله فيها حكم، ولمنهج الله عليها تصور، فقضية تحديد النسل لها حكم في منهج الله. وقضية الإجهاض لها حكم في منهج الله . وقضية العلاقات الزوجية لها حكم في منهج الله. وقضية العلاقات الشاذة بين الرجل والرجل باللواط وبين المرأة والمرأة بالسحاق، لها حكم واضح في منهج الله . وكذا قضية تعدد أشكال الأسرة، وما معنى تعدد أشكال الأسرة؟ يعني: شكل يكون بين زوج وزوجة، وشكل آخر يكون بين رجل ورجل، وشكل ثالث امرأة مع امرأة، فتعدد أشكال الأسرة، وتوفير الثقافة الجنسية للمراهقين من الشباب لحمايتهم من الوقوع في مرض نقص المناعة المعروف بالإيدز، كل هذا له حكم في منهج الله، ولمنهج الله تصور واضح لكل هذه القضايا. وعلاقة العبد بخالقه لها حكم في منهج الله. وعلاقة العبد بالناس لها حكم في منهج الله. وعلاقة الإنسان بأعدائه لها حكم في منهج الله. والمعاملات الاقتصادية لها حكم في منهج الله. والمعاملات السياسية لها حكم في منهج الله. والمعاملات السياسية في الحرب والسلم لها حكم في منهج الله. وما من قضية من القضايا أو مسألة من المسائل إلا ولها حكم في منهج الله، فهل يجوز لمسلم يؤمن بالله أن يقدم شرع البشر على شرع الله؟ الجواب: لا، بل يجب أن يعرض تشريع المؤتمرات على تشريع رب الأرض والسماوات. وما هو الذي يجب علينا أن نقدمه، وأن نعرض كل مؤتمرات الدنيا وكل تشريعات البشر عليه؟ الجواب: إنه تشريعنا وديننا، إنه قول ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو الأصل، وذلكم هو الميزان الحساس الدقيق، وأهلاً ومرحباً بأي قانون يضعه الغرب شريطة أن يعرض هذا القانون على كتاب ربنا وعلى سنة نبينا، فإن أقر القرآن والسنة هذا القانون قبلناه، وإن اعترض القرآن والسنة عليه ورفضا هذا القانون رفضناه، وضربنا به عرض الحائض، ولو شرع هذا القانون البيت الأبيض أو الأحمر أو الأسود! وهذه قضية خطيرة، فنحن أمام حد الإسلام وشرط الإيمان، فيا مسلمون! هذه قضية خطيرة كبيرة، وأنتم أمام شرط الإسلام وحد الإيمان، بمعنى: إما إسلام بالإذعان لشرع الله، وإما كفر بالاعتراض على شرع الله، إما إيمان بالانقياد لحكم الله ورسوله وإما كفر بالاعتراض على حكم الله ورسوله، هذه قضية يقررها الله بنفسه، ويقسم عليها بذاته، فقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] وليس هذا فقط، بل يجب أن تحكم الله ورسوله، وأن تكون في غاية الحب والرضا عن الله وعن رسول الله وعن حكم الله وعن حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويؤلم القلب المؤمن أن الفاتيكان ترفض كثيراً من بنود هذا المؤتمر، وترفض كثيراً من توصيات هذا المؤتمر، وترفض أن يشارك في المؤتمر الشاذون جنسياً، ويوجد خمسمائة شاذ يشاركون في المؤتمر! فهل نأخذ توصياتنا عن الشواذ؟! وهل نأخذ تشريعنا من الشواذ؟! وهل نأخذ قانوننا من الشواذ؟! وهل هذا يرضي الله أو يرضي رسول الله؟! ثم بعد ذلك تعلن الحرب الهوجاء على كل من حذر الأمة من هذا الخطر الدامغ والماحق لهذه الأمة، ويوصف بالإرهاب والتطرف! لا ورب الكعبة! بل إن الإرهاب والتطرف بعينه هو أن نأتي للأمة بهذا الخطر الماحق، وبهذا الخطر الدامس الدامغ، ثم بعد ذلك نقول: لا يجوز لأحد أن يحذر أو أن ينذر أو أن يذكر. فلا نريد شعارات، وإنما نريد عملاً وسلوكاً، ونريد واقعاً، لقد صرخت الأمة طيلة السنوات بالشعارات فماذا فعلت؟! وماذا صنعت؟! إن العالم كله الآن يتحرك برجولة، ويتحرك بجدية وبقوة، ولا زال المسلمون يتغنون؛ ولا يجيدون إلا لغة الشعارات والشجب والاستنكار، وتخرج علينا المجلات والصحف أمام كل كارثة، وأمام كل مصيبة بالخطوط العريضة: نشجب ونستنكر!! ما شاء الله! هذه هي لغتنا، أما العمل، وأما السلوك، وأما أن نقدم لدين الله شيئاً، فلا! إنا نريد أن نثبت للعالم كله أن الإسلام وأن محمداً -كما يقول اليهود- لم يخلف بنات، بل ترك رجالاً أطهاراً يعلمون حقيقة هذه الدنيا وحقيقة هذا الدين؛ فتتحرق قلوبهم كمداً وغيضاً، وتتحرك جوارحهم للعمل لهذا الدين، ويشهدون شهادة عملية لهذا الدين العظيم، ولهذا الإسلام الكريم. أقول أيها المسلمون الأحبة: ما من قضية إلا ولمنهج الله فيها حكم، نريد أن نعي هذه الحقيقة وهذه القضية الكبيرة ألا وهي: أنه لا يجوز لأحد إن كان مسلماً أن يقدم شرع المهازيل من البشر على شرع رب البشر وسيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، ومرفوض أي تشريع يصدر عن مؤتمرات أو برلمانات أو مجالس شعبية أو برلمانية أو هيئات أو منظمات أو بيوت بيضاء أو سوداء أو حمراء إن كان يخالف تشريع ربنا، ولا يجوز لمسلم على ظهر هذه الأرض أن يقبله، نقول ذلك بملء أفواهنا: لا يجوز لمسلم أن يفعل ذلك إلا إذا كان قد ترك إسلامه، وقد تخلى عن دينه، فله أن يفعل ذلك حينئذٍ، أما وهو يعلن أنه مسلم فلا يجوز له ألبتة أن يقدم تشريع المهازيل من البشر على تشريع رب البشر جل وعلا، قال عز وجل: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52]. إذاً: أيها الحبيب الكريم! منهج الله لابد أن يقدم، وتشريع الله لابد أن يقدم، يقول صاحب (الظلال): إن هذه الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم إليها من يد الله، فرحم الله السيد قطب؛ فإنه يلخص المسألة في هذه الفقرات: إن الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم لها من يد الله، قال عز وجل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127]. وهذا هو أخطر عنصر من عناصر المحاضرة، ولا أريد أن أطيل فيه أكثر من هذا، ولكني أقول: منهج الله له حكم لكل مسألة، وله حكم لكل قضية، فيجب أن نعرض القضايا والمسائل على منهج الله ابتداءً، فإن أقرها منهج الله أقررناها وقبلناها، وإن رفضها منهج الله رفضناها وضربنا بها عرض الحائط، حتى ولو قالها أعلم أهل الأرض، ولو لم نخرج من هذه المحاضرة إلا بهذا العنصر لكفى. فتحديد النسل، والإجهاض -الإجهاض الآمن أو غير الآمن- والعلاقات الأسرية، والعلاقات الزوجية، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الاقتصادية، والعلاقات السياسية، والعلاقات الحربية، والإعلام والتعليم، وكل صغيرة وكبيرة؛ منهج الله له حكم وله تصور لكل هذه القضايا، ولكل تلك المسائل، فيجب علينا -نحن المسلمين- أن نحكم منهج الله وشرعه في كل قضية وفي كل مسألة، بل وفي كل جزئية، يقول الله عز وجل: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3]، يقول السيد قطب رحمه الله تعالى: يا محمد! ما أنزل الله عليك هذا القرآن لتشقى بأوامره، أو لتشقى بنواهيه، أو لتشقى بتكاليفه، أو لتشقى به أمتك من بعدك، بل ما أنزل الله عليك هذا القرآن إلا لتقيم به أمة، وإلا لتنشئ به دولة، وإلا لتربي به العقول والقلوب والضمائر والأخلاق، وواجب على الأمة أن تعود إلى هذا القرآن، يقول: والعودة إلى القرآن ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، إنما الإيمان أو لا إيمان، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    1.   

    الإسلام قادم

    الثالث: من عناصر المحاضرة: الإسلام قادم، بالرغم من كل هذا أيها الأحبة! فإني بكل ثقة وبكل يقين أزف إليكم البشرى بأن الإسلام قادم، فهل تصدقون الله؟ وهل تصدقون رسول الله؟ اسمع إلى الله واسمع إلى رسوله لتعلم يقيناً حتى لا تهب عليك ذرة ريح من رياح القنوط واليأس؛ لتعلم أن الإسلام وإن طال ليله فهو قادم كقدوم الليل والنهار، وأن أهل الأرض ولو اجتمعوا ومهما وضعوا في طريق الإسلام من الحديد والنيران فإن الإسلام دين الله الذي تكفل بنصرته، وهو الذي يقول للشيء: كن فيكون. فلا تخشوا على الإسلام أبداً، ولا تخافوا على الإسلام أبداً، فإن الإسلام دين الله، وهل تستطيع قوة على ظهر هذه الأرض أن تعلن الحرب على الله؟! الجواب: أبداً والله! فاسمع إلى الله عز وجل لتستبشر، وليمتلأ قلبك يقيناً بأن الإسلام قادم، فأمة الإسلام قد تمرض، وقد تعتريها فترات من الركود، وربما الركود الطويل، ولكنها بفضل الله لا تموت، ولن تموت بإذن الله جل وعلا، وإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم بإذن الله عز وجل. وإن الذي يفصل في الأمر في نهاية المطاف ليس ضخامة الباطل، وإنما الذي يفصل في الأمر في نهاية المطاف هو قوة الحق، ولا شك على الإطلاق أن معنا الحق الذي من أجله خلقت السماء، وخلقت الجنة والنار، وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، معنا رصيد فطرة الكون، ومعنا رصيد فطرة الإنسان، وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك معنا الله، ويا لها والله! من معية كريمة مباركة! يقول الله عز وجل: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]. فاسمع إلى الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:39-40]. واسمع إلى الله جل وعلا وهو يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] . واسمع إلى الله جل وعلا وهو يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]. فهم ينفقون على مؤتمرات، وعلى مؤامرات، ويعملون دعايات، ولكن: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، نعم يغلبون، ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]، لتتم هنالك حسرتهم الكبرى في جهنم والعياذ بالله! أيها المسلم! كم أنفق من مليارات لتنصير المسلمين؟! وكم أنفق من مليارات لتحطيم صرح الأسرة وهدم كيانها بالمسلسلات الفاجرة والأفلام الداعرة والقصص الخليعة الماجنة؟! وكم أنفق من مليارات على أندية الأنترنت العالمية؟! وكم أنفق من مليارات على أندية الماسونية العالمية؟! وكم أنفق من مليارات للقضاء على طلائع الجهاد الأبية؟! وكم أنفق من مليارات لإخراج المسلمين عن دينهم بالجملة؟! ولكن ما هي النتيجة؟!! ينبئك عنها اللطيف الخبير: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً [الأنفال:36]، وورب الكعبة! إنهم الآن يتحسرون، فبعد كل هذه السنوات من الغزو الفكري من غسيل المخ ومن المؤامرات والضربات والهجمات يرون هذه النبتة الطيبة، ويرون هذه الصحوة العملاقة التي جعلتهم في ذهول، وجعلتهم الآن يرقصون رقصة الموت.

    يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم

    أيها المسلمون! اعلموا أن الذي يغرس لهذا الدين إنما هو الله، واسمع إلى هذه البشارة القرآنية لأختم بها، اسمع إلى الله جل وعلا وهو يقول في سورة الصف: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف:8]، يريدون ليطفئوا نور الله بمؤتمراتهم، فهم يريدون ليطفئوا نور الله بإعلامهم، يريدون ليطفئوا نور الله بمجلاتهم، يريدون ليطفئوا نور الله بكلامهم، ولكن كلا! قال عز وجل: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9] فالقائل هو الله رب العالمين، فهل تستطيع جميع الأفواه ولو اجتمعت أن تطفئ نور الله؟! وهل يستطيع ذلكم الدخان الكثيف الأسود المتصاعد تباعاً من أوعية الذل والحقد والحسد في صدور أعدائنا أن يحجب نور الله عز وجل؟! وهل يضر السماء نبح الكلاب؟! وهل تستطيع جميع الطحالب الحقيرة الفقيرة ولو اجتمعت على سطح الماء أن توقف سير البواخر الكبيرة العملاقة؟! الجواب: كلا! قال عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:28].

    بشائر نبوية بالنصر والتمكين

    اسمعوا هذه البشائر النبوية: روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك، وصحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين، وتعقبه الإمام الألباني فقال: بل هو صحيح على شرط مسلم ، من حديث تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر). وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده، وصححه الحافظ العراقي من حديث حذيفة من اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً -وها نحن الآن نعيش هذه المرحلة- فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، اللهم عجل بها يا رب العالمين! وأقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم آمين. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد أيضاً في مسنده، والحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة في مصنفه، وصحح الحديث الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (كنا نكتب حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأله سائل وقال: يا رسول الله! أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أم روما؟ فقال الحبيب الصادق المصدوق: مدينة هرقل تفتح أولاً) ومدينة هرقل هي القسطنطينية، وقد فتحت بعد البشارة النبوية بثمانية قرون، وليس بثمان سنين، فتحت على يد البطل الشاب محمد الفاتح ، أسأل الله أن يفتح على الأمة بفاتح، فتحت على يد هذا البطل بعد ثمانية قرون تقريباً من بشارة رسول الله، ويبقى الشطر الآخر في البشارة، وعد لا يكذب إن شاء الله، اللهم عجِّل به، آمين يا رب العالمين! وأختم البشائر النبوية بهذه البشارة الكريمة: في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون) هذا كلام الصادق ونحن نعتقده تماماً، (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فينطق الله الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله!) وليس كما قال واحد مخرف ومحرف: الحجر يقول: يا عربي! وليس معنى هذا أنني أنكر العروبة، كلا! وإنما أقول: ينبغي أن تكون الآصرة هي آصرة الإسلام، وأن تكون الوشيجة هي وشيجة الإيمان، كما قال الشاعر: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم (ينطق الله الحجر والشجر ويقول: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود). وستعجبون إذا علمتم أن اليهود يقومون بحملة واسعة لزراعة شجر الغرقد؛ لأنهم يصدقون رسولكم صلى الله عليه وآله وسلم، بل أعجب من ذلك أيها المسلم! إذا علمت أن رسولك قد حدد أرض المعركة، فالصادق صلى الله عليه وسلم حدد أرض المعركة قبل غزوه بدر، والحديث في صحيح البخاري، أخذ النبي عليه الصلاة والسلام عصاه وقال: (هنا مصرع فلان بن فلان، وهنا مصرع فلان بن فلان، وهنا مصرع فلان بن فلان، يقول عبد الله بن مسعود: فوالذي نفسي بيده ما أخطئوا الأماكن التي حددها رسول الله) فالمكان هو المكان؛ لأن الذي يبلغ هو سيد ولد عدنان عن الرحيم الرحمن، قال عز وجل: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5]، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. حدد النبي أرض المعركة كما في رواية البزار ورجالها رجال الصحيح قال الحبيب: (أنتم - يا مسلمون! شرقي الأردن وهم غربيه) ولم تكن هناك يومها دولة تعرف بالأردن على الإطلاق، لم تكن دولة اسمها الأردن، وإنما كان اسمها بلاد الشام، والنبي سمى الدولة بالضبط: (أنتم شرقي الأردن، وهم غربيه) فهذا وعد الله، وهذا وعد الصادق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    1.   

    وجوب التمسك بالدين لنكون أهلاً لنصر الله

    وأختم في عجالة وأقول: وأخيراً فلنكن على مستوى هذا الدين، لأجيب على سؤال عنوان المحاضرة: متى نصر الله؟ وأقول كما قال عز وجل: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، بشرط أن نكون على مستوى هذا الدين، وأن ننبذ هذا الخلاف، وهذه العصبية والفرقة؛ كفاية فرقة، ألا يوجد مصيبة تجمعنا أبداً؟ كل هذا يحصل على الأمة وما زلنا متفرقين! ولا زال كل طرف يتغنى بجماعته! فنريد أن نلتقي على قلب رجل واحد، ونريد أن ننبذ هذه الفرقة وهذا الخلاف، وليقترب كل أخ من أخيه، وليصحح له الخطأ بحب ورحمة وحكمة وتواضع. إلى متى سنظل على هذه الفرقة يا إخواني؟! إلى متى سنظل على هذا الخلاف؟ وإلى متى سنظل على هذه الأواصر وعلى هذه الموالاة وعلى هذه المعاداة؟ إن لم تكن في جماعتي فأعاديك وإلا أواليك! هذا لا يرضي الله عز وجل ولا يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلتلتقي القلوب على قلب رجل واحد، وليصحح كل أخ لأخيه خطأه بالحكمة والرحمة والمحبة والتواضع. فقد اتفق الشرق والغرب على القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، ولا زال خير الأمة من العلماء والدعاة وطلبة العلم متفرقين! هذا لا يرضي رب العالمين، ولا سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. فلنكن على مستوى هذا الدين، فلننبذ العصبية والفرقة والخلاف، ولتمتلئ قلوبنا بالحب في الله لإخواننا وأحبابنا، وليقترب كل أخ من أخيه؛ فإن رأيت أخاك على خطأ عقدي -وما ظنك إذا كان أخوك على خطأ حركي- فاقترب منه، وذب معه في بوتقة الحب في الله، وقل له: يا حبيبي في الله! هذا خطأ، وليرى أخوك منك الرحمة والحب والحكمة والتواضع، وأنا أعي يقيناً أنه إن رأى منك ذلك فسيذلل الله قلبه للحق الذي أجراه الله على لسانك. فلننبذ الفرقة والسلبية، ولنكن إيجابيين، وليبذل كل واحد منا عملاً لدين الله؛ فلا نريد كلاماً، بل نريد عملاً، ففكر كيف تخدم الدين؟ ولا نريدكم -يا إخواني- كلكم أن تكونوا دعاة على المنابر، ولا نريد أن تتحول الأمة كلها دعاة على المنابر، كلا! وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها دعاة إلى دين الله من موقع الإنتاج، ومواطن العطاء، وأنا أحزن جداً لما يجيء إلي أخ فيه الخير ويقول لي: أنا أريد أن أترك كلية الطب، أو كلية الهندسة! فأقول له: لماذا؟ فيقول: أريد أن أتفرغ للعلم الشرعي! وأقول: يا إخواني! نريد أن نعد الكوادر الإسلامية المتخصصة في كل مناحي الحياة، وكل شئون الدنيا؛ لتسيير نظام الحياة من خلال منظور الإسلام، فمن الذي سيسير دفة الحياة من منظور إسلامي إلا مسلم متخصص في تخصصه، ويعرف دين ربه وسنة نبيه. وانظر معي -أيها الشاب- نظرة سريعة حتى تطمئن لكلامي، انظر نظرة سريعة إلى الدعاة المؤثرين الآن في الساحة؛ لتعلم يقيناً أن دراستهم التي وفقوا فيها ووصلوا بها إلى أرقى الدرجات لم تكن أبداً دراسة شرعية، وستجد أن هذا خريج طب، وهذا خريج هندسة، وهذا خريج إعلام، وهذا خريج كذا، وهذا خريج كذا، وسبحان الله! أحدهم لم تمنعه دراسته من أن يصرف وقتاً ليحصل فيه العلم الشرعي، وليتحرك لدين الله، ولدعوة الله عز وجل. يا أيها الحبيب! أخلص في عملك، واجتهد في تخصصك، وفكر كيف تخدم دينك من هذا الموقع؛ فنحن نريد الطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والفلكي المسلم، والطيار المسلم، والوزير المسلم، والدبلوماسي المسلم، والجيولوجي المسلم، والمدرس المسلم، والتاجر المسلم، ونريد الكوادر المسلمة الواعية الفاهمة لدين الله، التي تقف في مواقع إنتاجها ومواطن عطائها لتقول بسلوكها وفعلها وعملها: هذا هو الإسلام؛ لأننا الآن نعيش عصراً أصبح يُحكَم فيه على الإسلام من خلال واقع المسلمين المر الأليم. وأخيراً: فلنتحرك جميعاً لدعوة الله، ولدين الله، بكل جهد وبكل طاقة، وبسلاح من الخلق العلي، والحكمة البالغة، والكلمة الطيبة، لا نريد إلا هذا، ولنتذكر دائماً قول الله لنبيه: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن مصر الوباء، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصر واحة للرخاء والاستقرار، اللهم ارفع عن مصر الغلاء، اللهم ارفع عن مصر الوباء، اللهم ارفع عن مصر البلاء، اللهم احفظ على مصر توحيدها، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين. اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني أنا ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756315542