أيها الإخوة! الموضوع الذي سنتدارسه في هذه الجلسة هو: عوامل تقوية الإيمان، والملاحظ أن هناك تساؤلات كثيراً ما تطرح من الشاب، سواء في دواخل نفوسهم أو يبوحون بها لغيرهم، هذه التساؤلات منها تساؤل حول شكوى كثير من الشباب، عن تردي مستوى إيمانهم، وأن الواحد منهم يشعر على رغم قدم عهده في طريق الهداية، وأنه فتح عينيه في بيئة إسلامية، وتلقى الإسلام منذ نعومة أظفاره، وقد يكون عاش في وسط شباب صالحين، ومضى على هذا سنين عديدة قد تزيد على العشر أو العشرين، ثم يلحظ هذا الشاب أن إيمانه ما زال على ما كان إن لم يكن يتناقص، ويشعر الشاب حينئذٍ بالخوف من هذا الضعف الذي يحس به في مستوى إيمانه.
وقد يبرز التساؤل في صورة أخرى، وهي أن بعض الشباب قد يكون قضى ردحاً من عمره في فترة ضياع وانحراف، ثم هداه الله إلى الطريق المستقيم، فيريد هذا الشاب فيما بقي من عمره أن يستدرك ما مضى، وأن يعوض عما فات، وهو قد يشعر في فترة بنوع من الإقبال في بداية طريقه، ثم قد يشعر بقدر غير قليل من تحول شعوره الإيماني إلى شعور عادي في غالب الأحوال، ويحس بشيء من الفتور بعاطفته الإسلامية.
وأحياناً يبرز التساؤل في صورة شعور كثير -إن لم أقل: كل المؤمنين- بأن إيمانهم في حالة تذبذب بين ارتفاع وانخفاض، ويشعر المؤمن بأن إيمانه ليس في تصاعد مستمر، بل هو أحياناً ينتعش ويشرق ويسمو، وأحياناً أخرى يشعر بشيء من الضعف والفتور! إلى تساؤلات كثيرة يطرحها الشباب حول هذا الموضوع.
ولعل في هذه الإشارات العابرة في هذا الموضوع لفتاً لبعض الإخوة إلى الوسائل المعينة على تقوية الإيمان، وإن كان موضوع تقوية الإيمان موضوعاً عملياً، وليس موضوعاً نظرياً، فالإنسان الذي يملك الإرادة القوية، والصدق في رفع مستوى إيمانه، لا يعجزه أن يعرف الوسيلة التي يتوصل بها إلى هذا المطلوب.
لكننا كثيراً ما نحب التحدث في بعض الموضوعات حين نشعر بضعفنا فيها، وكأن هذا الحديث نوع من العلاج النفسي لهذا الشعور، دون أن يكون عند الإنسان صدقٌ في التوجه نحو تحقيق إيمانه ورفع مستواه.
إذاً: فهذه الحقيقة هي منطلق الحديث، وهي أن الإيمان يزيد وينقص.
إما أن تكون زيادة في كيفية الإيمان، يعني في قوته أو ضعفه، وهذا ثابت، فأنت -مثلاً- لو سمعت ببعض البلدان لأول مرة، أو دولة من الدول، فإنك حين تسمعها لأول مرة، وكان من سمعتها منه رجلاً موثوقاً خبيراً تقبلت خبره وصدقته، لكن هذا التصديق قابل للنقض، فلو جاءك آخر وشكك فيه لداخلك الشك، فإذا جاء ثاني، وثالث، ورابع، وحدثوك عن هذا البلد نفسه، وسكانه، ومنتجاته وتفاصيله وغير ذلك، بدأ إيمانك بوجود هذا البلد واقتناعك يزداد يوماً بعد يوم، حتى يصبح في يوم من الأيام غير قابل للنقض، ولو جاء واحد بيننا الآن يشككنا بوجود دولة من الدول التي نسمع بها صباح مساء، لسخرنا منه جميعاً، مع أننا ربما لم نـزر هذه الدول أو معظمها، لكن قناعتنا فيها صارت قناعة مطلقة غير قابلة للشك، فإذا حدث أن سافر هذا الإنسان وزار هذه الدولة، وتجول في ربوعها، فإن هذا الإيمان ينتقل حينئذٍ إلى مرتبة المشاهدة، واليقين المطلق.
إذاً التصديق بالقلب يتفاوت، هذا مع أن للقلب أعمالاً أخرى تتفاوت أيضاً، فمن المعلوم أنه يترتب على تصديق القلب أعمال أخرى، من الحب لله عز وجل، ورجائه، والتوكل عليه، والرغبة فيما عنده، وهذه الأعمال القلبية يتفاوت الناس فيها تفاوتاً أبعد مما بين المشرق والمغرب، هذا من حيث قوة الإيمان وضعفه.
ولكن أيضاً هناك زيادة ونقص في مقدار وكمية الشيء الذي يؤمن به الإنسان، فالإنسان حين يسمع آية من كتاب الله يؤمن بها، فإذا سمع آية أخرى يؤمن بها، وهكذا كلما سمع آية جديدة، أو حديثاً، أو حكماً يسمعه لأول مرة فآمن به وصدق ازداد عدد الأشياء من الآيات، والأحاديث، والأحكام التي يؤمن بها، ولذلك قال الله عز وجل في الآية السابقة: وَإِذَا مَا أُنـزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً [التوبة:124] وقال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً [التوبة:124] لأنها سورة جديدة أنـزلت فآمنوا بها فزاد إيمانهم.
إذاً الإيمان يزيد وينقص كماً وكيفاً، وأهله يتفاوتون فيه قوة وضعفاً، ولذلك روى الحاكم في مستدركه، وصححه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله تعالى أنه كان يقول: [[إن
فقال عليه الصلاة والسلام: نعم. إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء
} رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة بسند على شرط مسلم وفي هذا الحديث دلالة صريحة على أن كل إنسان وإن كان مؤمناً الآن فهو معرض أن يسلب منه هذا الإيمان، والسلب قد لا يأتي بالكلية وبصفة مفاجئة، بل قد يكون تدريجياً، فيضعف هذا الإيمان حتى يموت في قلب الإنسان.إذاً: فالإنسان مطالب بتثبيت الإيمان، ومن أجل تثبيت الإيمان هو أيضاً مطالب بتقوية الإيمان.
فالإنسان حين يتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء، يصل إلى الإيمان بالله تعالى ولذلك جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه في قصة مبيته عند خالته ميمونة: {أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استيقظ من النوم خرج ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] -وفي صحيح مسلم- أنه قرأها ثلاث مرات كل ذلك يقرؤها ثم يصلي ما شاء الله له ثم ينام، ثم يقوم فيقرؤها ثم يصلي ما شاء الله له ثم ينام، ثم يقوم ثم يقرؤها، ثم يصلي ما شاء الله له، ثم ينام } فقراءته لها ثلاث مرات، وهو ينظر في السماء صلى الله عليه وسلم إشعار بأهمية التفكر في ملكوت السماوات والأرض، ولذلك أيضاً روى بعض الأئمة كـعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن عساكر، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم عن عطاء أنه قال: {قلت لـ قالت رضي الله عنها: وأي أمره لم يكن عجباً صلى الله عليه وسلم، إنني رأيته وقد جاء إلى فراشي فنام قليلاً ثم استيقظ وبكى، وقال: يا
ومن عجيب أمر الناس، أن الناس يرون هذه الآيات العظام تمر بهم صباح مساء، ولا يلتفتون إليها! فهم ينظرون إلى هذه الأرض وعظمتها وما فيها، وإلى السماء، والشمس، والكواكب، وخلق الإنسان، وإلى غير ذلك من بديع صنع الله في البر والبحر، فلا يلفت ذلك أنظارهم! نظراً لأنهم ألفوه واعتادوه، لكنهم حين يرون أمراً بسيطاً مخالفاً لما ألفوه تجد أنهم يلتفتون إليه وقد مُلئت قلوبهم بالعجب.
قد يرى الناس هذه الأشجار المخضرة في كل مكان، فيمرون عليها وهم عنها معرضون! فإذا رأوا شجرة في الخريف قد اخضرت وأورقت، تجمعوا حولها، وهم يقولون: سبحان الله! انظر إلى قدرة الله، فلم يروا قدرة الله التي جعلت هذه الشجرة تورق في الخريف أنها هي التي جعلت هذه الأشجار الضخمة تورق وتخضر في أوقات أخرى في كل مكان؟
فلماذا نغفل عن بديع صنع الله، وبديع آثار هذه القدرة في أنفسنا وفيما حولنا؟!
وليس التفكر مقصوراً في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء، بل إن الإنسان حين يتفكر في أي أمر من الأمور، يكون قد وضع قدمه على الطريق الصحيح للوصول إلى النتيجة الصحيحة، أرأيتم لو تفكر الإنسان المنحرف في واقعه، وما هو مقبل عليه، ألا يكون هذا الوقت القصير الذي بذله في التفكر أثمن، وأكثر ثمرة، من عشرات الكتب التي قرأها، وعشرات المحاضرات التي سمعها؟!
ولو استطعت أن تقنع شخصاً منحرفاً بأن يفرغ خمس دقائق ليراجع نفسه، ويتفكر في حقيقة ما هو فيه، ويعيد الحساب، لكانت ثمرة هذه الدقائق الخمس أثمن من عشرات الكتب والمحاضرات والمواعظ التي سمعها، لكن كيف لك أن تقنعه أن يفكر ولو لمدة خمس دقائق؟
هو لا يفكر، لأنه كما قال الله عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] قد أقفل قلبه دون التفكر في هذه الأشياء ورضي بما هو فيه.
وكذلك يكون التفكر في آيات الله الشرعية، كالقرآن الكريم، بحيث يكون ذلك موصلاً إلى قوة إيمان العبد وفهمه عن الله عز وجل، وأمره ونهيه، وحلاله وحرامه.
فالتفكر من أقوى الوسائل في تقوية الإيمان.
1- القرآن أفضل الذكر على الإطلاق:
وأفضل الذكر على الإطلاق هو القرآن، ولذلك روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة طول القنوت} والقنوت هو طول الوقوف كما فسره النووي وغيره، وإنما كان طول الوقوف في الصلاة فاضلاً لأنه محل قراءة القرآن، فكان أفضل ما في الصلاة طول القنوت، ولذلك ينبغي للعبد المسلم أن يحرص على أن يكون له ورد من القرآن، لا يخلفه حفظاً ونظراً.
وفيما يتعلق بالحفظ أثنى الله عز وجل على حفاظ القرآن، ووصفهم بأنهم هم الذين أوتوا العلم، قال سبحانه: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] وكفى بهذا ثناءً على الحفاظ، ولهذا فجدير بكل شاب مسلم أن يحرص على أن يجعل من هدفه ودأبه حفظ القرآن الكريم، فيحفظ في كل يوم قدراً ولو قل، وإن أمكن أن يكون ذلك بعد ضبطه نظراً، حتى يكون الحفظ على أصوله فهو الأولى، أما ما يتعلق بقراءة النظر، فينبغي للإنسان أن يقرأ على الأقل جزءً في كل يوم، حتى يختم القرآن في شهر.
ومما يحسن أن يجعل الإنسان محل هذا بعد صلاة الفجر، لأن هذا الوقت وقت ضائع بالنسبة لأكثرنا، فإن أكثر الناس يقضون هذا الوقت المهم المثمر في النوم، ويضيعون على أنفسهم بذلك فضلاً عظيماً، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة} فأنت حين تترك هذه الفضيلة، تفرط يومياً بأجر حجة وعمرة!.
ثم روى مسلم في صحيحه أيضاً: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يجلسون في المسجد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حسناء، فيتحدثون في أمورهم، ويذكرون الله، وربما ذكروا أمر الجاهلية فيضحكون، ويتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم}.
فينبغي للإنسان أن يجعل له علاقة بهذا القرآن، لا يسمح بالتفريط فيه، فإن شغله عن ذلك شاغل عوضه فيما بعد، وكان عكرمة بن أبي جهل يضع القرآن على صدره ثم يبكي! ويقول: [[قرآن ربي كلام ربي]] وذلك لما وجد في قلبه من اللذة بمناجاة الله تعالى بقراءة القرآن كما قيل:
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه كأنما خاطب الرحمن بالكلم |
2- من أعظم الذكر الدعاء:
ومن الذكر أيضاً الدعاء، بل هو من أعظم الذكر، ومن أعظم أبواب العبادة، وإذا كانت العبادة مأخوذة في اللغة العربية من التعبد، يقال: هذا طريق معبد يعني بكثرة السير عليه، فإن الدعاء من أعظم العبادات التي تتجلى فيها العبودية لله تعالى، لأن فيه شدة الانكسار بين يديه، فالعبد وهو يصلي ربما يداخله أحياناً نوع من العجب بعمله، ولكن العبد في حال الدعاء، إذا صدق فيه، فإنه يتحقق فيه كمال الانكسار والتذلل والخضوع لله عز وجل، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الترمذي وغيره أنه قال: {الدعاء هو العبادة} وكما في قول الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
3- العمل الصالح من أهم عوامل تقوية الإيمان:
والعمل بصفة عامة من أهم عوامل تقوية الإيمان، بل هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، سواء في ذلك عمل اللسان، أو عمل الجوارح، كالصيام والصدقة والزكاة والعمرة والحج، وزيارة الأقارب والزيارة في الله، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فهي من أهم وسائل تقوية الإيمان، ونقيضها الأعمال السيئة التي هي من أهم وسائل تضعيف الإيمان، والقضاء عليه، ولذلك جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن} وزاد مسلم في صحيحه {فإياكم وإياكم} يعني: احذروا هذه الأعمال فإنها جديرة في سلب الإيمان من صاحبها، ولذلك كان ابن عباس يقول لعبيده: [[اسمعوا، من أراد منكم الباءة زوجناه، فإن العبد إذا زنى نـزع الإيمان من قلبه حتى يكون فوق رأسه كالظلة كما أنـزع قميصي هذا وقد يعود إليه وقد لا يعود]] فإذا خرج الإيمان من قلب الإنسان فالإنسان لا يضمن أن يعود الإيمان إلى قلبه، وهذا فيه وعيد شديد لكثير من أصحاب المعاصي.
أرأيت ما يقع فيه كثير من شبابنا من خروجهم في الإجازات وغيرها إلى كثير من البلاد، ومعاقرتهم الخمور، ومواقعتهم النساء بالحرام والعياذ بالله، وما يترتب على ذلك من انسلاخهم من الإيمان عند حال مواقعتهم لهذه المعاصي، هل يأمن الواحد منهم أن ينسلخ الإيمان من قلبه، ويسلب هذه النعمة فلا تعود إليه مرة أخرى؟!
ألم يسمع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب -في رؤياه الطويلة- في صحيح البخاري: {أنه رأى قوماً في تنور وهم يعذبون، ولهم ارتفاع وانحدار، فإذا ارتفعوا ضوضوا وصوّتوا فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني
فعلى الشاب أن يتعرف على الله من خلال القرآن والسنة، ثم يحرص على معرفة الله، وأسمائه، وصفاته، والعقائد الصحيحة، من خلال كتب أهل السنة والجماعة، لكن هاهنا أمر يجب التنبه له، ألا وهو: أن المعرفة التي تورث قوة الإيمان ليست هي المعرفة العقلية المجردة، فكثير منا الآن يمكن أن يسرد مثلاً مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة، والرد على الطوائف المنحرفة، كـالمعتزلة، والجهمية، والأشاعرة، والجبرية، والقدرية وغيرهم، في أبواب الأسماء والصفات، وأبواب الإيمان والقدر، والنبوات، وفي سواها، لكن هذا العلم لم يصل بعد إلى قلبه، فعليه أن يدرك أن من معه هذا العلم فإن الحجة عليه قائمة، فعليه أن ينقل هذا العلم من كونه علماً في الورق، أو في لسانه، أو عقله فقط، إلى كونه علماً يصل إلى قلبه، فيحدث عنده حب الله، وخوفه، ورجاءه، والإقبال على العبادة، والدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
والنوع الثاني من العلم الذي يزيد الإيمان أيضاً هو: العلم بتفاصيل أمور الشريعة، كمعرفة الحلال والحرام، وهذا أيضاً يزيد الإيمان، ويزيد الإيمان من حيث أن الإنسان كلما علم حكماً جديداً، فآمن به وسلم له؛ زادت كمية الأحكام التي يؤمن بها من جهة، ومن جهة ثانية فهو سيعمل بهذا الحكم، ويدعو إليه، ويؤيد من عمله، وبذلك يقوى إيمانه ويزداد.
فالاجتماع على الخير من أسباب الإقبال على العبادة، والنشاط فيها، ومن ثم زيادة الإيمان، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقول بعضهم لبعض: [[تعال بنا نؤمن ساعة]] قالها عمر ومعاذ بن جبل وعبد الله بن رواحة وقالها غيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وأخذها عنهم التابعون كـعلقمة وغيره، فكانوا يقولون: هلموا بنا نؤمن ساعة، وربما جلسوا فقرأ أحدهم على الآخر سورة (العصر) ثم انصرف، مع أنهم مؤمنون أصلاً، لكن المعنى أن نقوي إيماننا.
فعلى الإنسان أن يحرص أن يجد في المؤمنين من يحبه في الله عز وجل، ثم يحاول أن يحقق ثمرات هذه المحبة بالاجتماع على الخير، والتزاور، والتباذل والتناصح في ذات الله تعالى، وهذه الأشياء من أهم الوسائل في تثبيت قلب الإنسان.
مثلاً: لو افترضنا أن شخصاً من جمهور المسلمين عاش في وسط قوم غير مسلمين، ما أسهل أن ينتكس عن دينه، لأنه لا يجد من يعينه، بل كثير من العوام هذا شأنه، لكن لما يجتمع بعضهم مع بعض، ويجدون من يقوي إيمانهم، ويجدون من يقتدون به، حينئذٍ يستمسكون بدينهم، ويثقون بما هم عليه، فتسلم لهم عقيدتهم.
فالإنسان حين يوجد في جو طيب، ويجد من يعينه على الخير، فإن هذا من أقوى الوسائل لتثبيت إيمانه، وعدم ارتداده عنه، ثم هو من وسائل تقوية هذا الإيمان.
فعلى الإنسان أن يدرك أنه حين يدعو إلى الله عز وجل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويعلم الناس، فإن أول مستفيد من هذا الجهد هو نفسه، ثم الناس بعد ذلك، أما الإنسان الذي يزعم أنه مؤمن ثم يبقى هذا الإيمان كامناً في قلبه لا يؤثر، فهذا إيمانه لا شك أنه ضعيف، ثم هو على خطر أن يتضاءل هذا الإيمان حتى ينتهي.
وقد يسعى في تحصيل العلم، فيجلس في حلقة من حلقات المشايخ الموجودة في طول هذه البلاد وعرضها، أو يقرأ شيئاً من الكتب، يبدأ في ذلك، وربما يبدأ بداية جادة، ولديه برنامج عريض طويل، وينتقل من حلقة إلى حلقة، ومن قراءة إلى سماع، وغير ذلك، لكن إذا لم يكن متحلياً بالصبر فسرعان ما يدب إليه الملل والضجر والضيق، ويترك هذه الأشياء جملة، وربما صار كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وكذلك الدعوة إلى الله، قد يدعو إلى الله عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكن بمجرد ما يواجه معارضة أو عدم قبول، فإنه يترك هذا الأمر إذا لم يكن لديه صبر، وقد يجتمع مع بعض الطيبين والصالحين ويجالسهم، لكن إذا لم يكن لديه إمكانية الصبر على أذاهم، فسرعان ما يفارقهم، لأن الناس ما منهم إلا مؤذٍ ومُؤْذَى، يعني أن الإنسان مؤذٍ ومؤذى في نفس الوقت، فإذا لم يكن لديه صبر على تحمل ما يلقاه من عنت الناس فسرعان ما يفارقهم، بل إذا لم يكن لديه صبر على الصبر، فإنه قد يصبر مرة أو مرتين، ثم يترك هذه الأشياء.
ومن العجيب أن أحد الشباب الصغار جاءني بالأمس وهو يقول: أنا أجد صعوبة، وأعاني من الشهوة والغريزة في نفسي، وأريد أن أترك هذا الأمر بالكلية، لكن أين أذهب؟!
يعني هو يتصور أن هناك حلاً نهائياً وأنه سيقال له: اذهب إلى مكان كذا، وسيذهب ما بك! وهذا من السذاجة، أو صغر السن، فهو يتصور أن يقال له: اذهب إلى مكان كذا، أو اذهب إلى فلان، أو استعمل كذا وحينئذٍ سوف يقطع دابر هذا الأمر من جذوره، حتى لا يشعر به يوماً من الأيام! وهذا وإن كان شعوراً عند هذا الشاب الصغير، فإنه بصورة أو بأخرى موجود عند معظم الشباب، فهم يجدون نوعاً من الصعوبة في المجاهدة، وليس هناك حل لمثل هذه المشكلات التي يعانيها الشاب أياً كانت إلا المجاهدة التي تنطلق من ذات الإنسان، ويتدرع ويتسلح الإنسان فيها بالصبر، والتقوى، والاعتصام بالله عز وجل، ومعرفة أن هذه الدار التي يعيش فيها هي دار ابتلاء وامتحان، ولابد فيها من تعب ونكد، لكن يفضل أن يتعب الإنسان في مرضاة الله وطاعته، وفيما يكون سبباً لسعادته في الدنيا والآخرة، خير من أن يتعب في غير ذلك، فعلى الشاب أنه يدرك أنه لا علاج لهذه المشكلات التي يعاني منها والأسئلة التي يطرحها إلا أن ينطلق في حركة مجاهدة، صادقة، مستمرة، صابرة حتى يقبضه الله تعالى وهو في هذا الجهاد، فهو جهاد يبدأ من فترة التكليف، أو التمييز، وينتهي بالموت، لا نهاية له قبل ذلك.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: هذه الوسائل: الاجتماع على الخير، والدعوة إلى الله، بلا شك من وسائل تقوية الإيمان، وتركها هو من وسائل ضعف الإيمان، هذا هو الأمر الظاهر، لكن قد يكون الأمر مختلفاً في حال بعض الأفراد بأعيانهم، لأن لهم ظروفهم الخاصة، بحيث يكون -مثلاً- انعزال الواحد منهم خيراً له من الخلطة، لأنه إذا اختلط بالناس أفسد أكثر مما يصلح، فهو لا يتحمل أخطاء الناس، بل يقسو عليهم، ويغير المنكر بطريقة تضاعف منه، ويقلق وربما يصيبه أحياناً شيءٌ من التصخب، والجزع، والتبرم بهذه الأشياء فيؤثر نوعاً من العزلة، وليست عزلة مطلقة، ولكن قد يكون في حق أشخاص لهم مثل هذه الظروف، لكن مما لا شك فيه أن الوضع الطبيعي أن الاجتماع على الخير يقوي الإيمان، ولذلك كان الخطاب في القرآن الكريم لمجموعة (يا أيها الذين آمنوا) في مواضع كثيرة جداً.
والله عز وجل أمر بالتواصي بالحق وبالصبر، والتعاون على البر والتقوى، وغير ذلك من الأشياء التي لا تتم ولا تحصل إلا بالاجتماع، أرأيت إن لم تجتمع بأهل الخير والصلاح، فكيف تكون متعاوناً على البر والتقوى متواصياً بالصبر، متواصياً بالحق؟! وكيف تحقق الأخلاق الإسلامية المطلوبة، من الحلم، والصبر، والأناة، والإحسان، والإفضال على الناس... إلخ! لا شك أن هذه الأشياء فعلها طاعة وإيمان، وتركها نقص في الإيمان -كما هو معروف- وهذه الأفعال والأعمال كلها طاعات وإيمان، ولذلك البخاري رحمه الله بوب، باب الصلاة من الإيمان، باب الزكاة من الإيمان، باب صيام رمضان من الإيمان، باب قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً من الإيمان... إلخ، وهكذا قال الإمام الشافعي: الصلاة إيمان، والزكاة إيمان، وسائر الأعمال هي إيمان، وكما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس.
وما علاج العجب؟
وبالنسبة للحديث الذي ذكرت: {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن..... الحديث} فقد سمعنا حديثاً مشابهاً لهذا، وهو فيما معناه {قيل: هل يسرق المؤمن؟ قال: نعم، قيل: هل يزني؟ قال: نعم. قيل: هل يكذب؟ قال: لا.
الجواب: أما الحديث الذي ذكره السائل فهو ضعيف، ويقوم مقامه الحديث الصحيح: {يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب} وأيضاً يقوم مقامه حديث أبي ذر في الصحيح: {ما من عبد يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه إلا دخل الجنة قال
أما أول السؤال وهو كيف يسلب الإيمان؟
وما علاج العجب؟
لعل بين هذين السؤالين ترابط كبير، فإنني أعتقد أن أهم سبب لسلب الإيمان من صاحبه، هو وقوع الكبر في قلبه، ولذلك صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر} لأن الإنسان إذا كان متكبراً مختالاً معجباً بنفسه فإن هذه الشهوة تكبر في قلبه، حتى يصبح عنده نوع من عدم الرضا بقضاء الله وقدره، والشعور بأن الأقدار قد ظلمته! وأنه لم يصل إلى ما يستحقه من المنـزلة والمكانة! ولسان حاله يقول:
تقدمتني أناس كان شوطهم وراء خطوي إذا أمشي على مهل |
فهو يعتقد أنه أفضل من غيره، وأنه يستحق أكثر مما أعطاه الله، وهذا يترتب عليه أمر ثالث، وهو أن يشك في حكمة الله تعالى وقدره، فتتحول الشهوة في قلبه إلى شبهة، فيقع في الردة، والعياذ بالله.
ولو نظرت في تاريخ المرتدين، لوجدت أن هذا الأمر ظاهر، وقد سبق أنني ذكرت مرات عديدة قصة القصيمي الذي كان يجالس العلماء، وطلاب العلم، وكتب كتابات كثيرة كـالصراع بين الإسلام والوثنية والبروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية وأسباب تأخر المسلمين وغيرها ثم ارتد عن الإسلام، وكفر بالله، لو نظرت في هذا الرجل كنموذج للذين سلبوا الإيمان والعياذ بالله سلباً كلياً، ارجع إلى ما كتب قبل ذلك، يوم كان مسلماً في ظاهر أمره، وفيما يبدو للناس، تجد أن الجرثومة هذه -جرثومة العجب- موجودة بشكل ظاهر، حتى إن بعض مترجميه يقول أنه كان يقول في شعره:
ولو أن ما عندي من العلم والفضلِ يوزع في الآفاق أغنى عن الرسلِ |
وله في ذلك قصائد طويلة، فهذه الجرثومة الموجودة أصلاً في قلبه، وهي جرثومة الكبرياء، حتى أنه عبر في قصائده بأنه متكبر، وقال أن في نفسه من الفضل والمواهب فوق ما أرى أنا، ولذلك يحق لي أن أتكبر، هذا معنى ما يقول، فآل به الأمر إلى ما آل!
فلذلك على الإنسان أن يحرص على التواضع، ولذلك ذكرت موضوع الدعاء خلال المحاضرة، وأنه من أعظم العبادات؛ لأنه يتحقق فيه الانكسار والذل بين يدي الله عز وجل، وعلى الإنسان أن يبصر دائماً نعمة الله، وخطأه وتقصيره، ويعلم أنه لو قضى حياته كلها ساجداً لله عز وجل لما أدى شكر نعمة من نعم الله، ولكن الله ذو فضل على العالمين.
الجواب: هذا من عجيب ما ينسب، والحقيقة أن هذا ليس بصحيح، ولا أصل له، بل إن جميع ما في البخاري من الأحاديث الموصولة فهو صحيح، والشيء الذي أراه بهذه المناسبة أنه يجدر بطلاب العلم والمشتغلين بالسنة النبوية والحديث النبوي، ألا يزعزعوا ثقة الناس بـالصحيحين، بل يعملوا على زرع الثقة ودعمها بهذين الكتابين الجليلين، الذين صنفهما إمامان مجتهدان ووافقهما على تصحيح ما فيهما غيرهما من الأئمة في عصرهما، فمثلاً الإمام مسلم ذكر أنه عرض صحيحه على أبي زرعة فوافقه على ما فيه، وبناءً عليه ندرك أنه ولو وجد من ضعَّف أحاديث في مسلم؛ يقابله أئمة آخرون صححوها.
أما من أين جاءت هذه الكلمة التي نسبها الأخ فلا أعلم لها أصلاً، إلا شيئاً واحداً، لعلكم تعلمون جميعاً أن في البخاري أحاديث معلقة، وهذه الأحاديث المعلقة والآثار أيضاً هي ما يرويه البخاري في تراجم الأبواب، من أقوال غير موصولة، وغير مسندة، أحياناً يقول: باب، ثم يقول قال فلان كذا، مثلاً -باب العلم الصالح قبل القتال، وقال أبو الدرداء: [[إنما تقاتلون بأعمالكم]] وهذا فيه ليس أربعين، بل فيه مئات الأحاديث، والآثار المعلقة في صحيح البخاري، هذه الآثار المعلقة لا يصلح أن تقول في واحد منها: رواه البخاري وتسكت، فهذا خطأ علمي، بل لا بد أن تقول: رواه البخاري تعليقاً، لأن البخاري لم يسقه مسنداً محتجاً به، إنما ذكره بغير إسناد، وقد يذكره أحياناً بصيغة التمريض، فيقول: روي، وحكي، كما قال: ويذكر عن جرهد الأسلمي {الفخذ عورة} وهذه صيغة تمريض تعني ضعف الحديث عند البخاري، ومع ذلك ذكره بهذه الصيغة، ومع هذا لا يقال: رواه البخاري، ولا يقال: إنه في صحيح البخاري، إلا بشرط أنه معلق.
فهذه المعلقات فيها الصحيح على شرط البخاري، وفيها صحيح يتقاعد عن شرط البخاري، وفيها الحسن لذاته ولغيره، وفيها الضعيف الذي وجد ما يجبره من جهة أخرى، وفيها الضعيف الذي لم يوجد ما يجبره، وقد قسم هذه الأقسام تقسيماً لا مزيد عليه الحافظ ابن حجر في كتابه النكت على علوم الحديث لابن الصلاح، فليراجعه من شاء.
الجواب: هذه الأمور -أيها الإخوة- ليس بينها تعارض ولا تضارب، أي لا ينبغي أن نضرب أمور الشرع وأعمال الدين بعضها ببعض، أو نـزيد ببعضها على حساب البعض الآخر، بل ينبغي للإنسان أن يكون متوازناً، وكما أن التوازن مطلوب في العقيدة، بين الحب، والخوف، والرجاء، فكذلك هو مطلوب في الأعمال والسلوك، بين العلم والدعوة، والعبادة، وغيرها من المشاق، والتوازن عزيز في الناس اليوم، فأنت تجد منهم من يقصر في شئون البيت بحجة الانشغال بالدعوة، ومنهم من يقصر في طلب العلم بحجة الانشغال بالدعوة، ومنهم من يقصر في العبادة بحجة الانشغال بالدعوة، ومنهم من يقصر في الدعوة بحجة الانشغال بهذه الأشياء.
ونقول: إن الذي فرض هذه الأمور وشرعها هو الله عز وجل، والمكلف بها هو كل مسلم، فيعمل منها بالمستطاع، ويوفق بينها، والتوفيق بين هذه الأمور ليس متعذراً لمن أوتي الحكمة، قال تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] لكن على الشاب أن يحذر من ردود الفعل، وهذه كلمة سبق أن حذرت منها، وأشرت إليها، وهي الحذر من ردود الفعل، لا يحملك التقصير السابق في جانب معين على أن تحاول أن تعوض على حساب جانب آخر، فإن كنت مقصراً -مثلاً- في الدعوة إلى الله مشتغلاً بالعلم، فليس العلاج هو أن تترك العلم جانباً وتتفرغ للدعوة، بل استمر على ما أنت عليه من طلب العلم وفي نفس الوقت حاول أن تبذل ما تستطيع من جهود في مجال الدعوة إلى الله، وهكذا في بقية الأعمال الأخرى.
الجواب: الإيمان يطلق بعدة اعتبارات، فإذا أريد به الإيمان بالله، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، فإنه لا يستثنى فيه، فلا يقول: أنا مؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر والقدر، إن شاء الله، بل يجزم بذلك.
أما إن قصد بالإيمان: قوة الإيمان، التي هي مرتبة فوق الإسلام كما في حديث جبريل وغيره، فإنه إن قال ذلك علقه بالمشيئة، وبهذا تجتمع الأقوال الواردة عن السلف في هذا، وإن كان الإنسان ينبغي ألا يزكي نفسه في ما يتعلق بموضوع دعوى الإيمان، فمن قوة إيمان العبد ألا يدعي أنه مؤمن، بمعنى أنه قوي الإيمان.
الجواب: الذي يظهر من الرواية أنه كان ينظر في السماء ويقرأ هذه الآيات، لما فيها من الأمر بالتفكر، والذكر، وما يترتب عليه، لأن فيها قوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً [آل عمران:191] إلى آخر الآيات التي فيها التفكر في ملكوت السماوات والأرض، والنظر فيها.
الجواب: المسألة ليست مقيدة بخمس عشرة سنة، فبلوغ الإنسان -كما هو معروف- يكون بعدة أشياء منها: إنبات الشعر فوق العانة، ومنها الإنـزال، ومنها الحيض بالنسبة للمرأة، ومنها بلوغ خمس عشرة سنة، وهي السن التي يكلف فيها الإنسان، لكن إذا عمل الإنسان شيئاً من الذنوب وهو مميز، دون أن يبلغ، فهل يأثم بذلك، وهو يعرف أن هذا إثم لا يرضي الله، أم لا يأثم؟
الله أعلم لست أدري.
الجواب: الناس يتفاوتون في درجة الخشوع، في سرعته أو بطئه، ولكن على كل حال، الخشوع ورقة القلب وذكر الله من علامات الخير عند العبد، وعلى الأخ السائل أن يستمر على ما هو من الحال، والأثر لا يبين بين يوم وليلة، ثم عليه ألا يعتبر أن وجود هذا الخشوع، يعني أن إيمانه قوي، بحيث يؤثر في حياته تأثيراً كاملاً، وربما أوجد عنده نوعاً من الارتياح لما هو فيه، وعدم المجاهدة في طلب الزيادة، بل يجب أن يعرف أن الإيمان يكون بقوة اليقين في القلب، وقوة الثقة بالله، وقوة التوكل عليه، وشدة الإيمان بالدار الآخرة وما فيها، وهذه الأشياء إذا وجد إيمان قوي بها في القلب لا بد أن تؤثر، أي أن الإنسان الذي ينظر للآخرة كأنه يراها رأي العين، لابد أن ينـزجر عن المعاصي، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان: {أن تعبد الله كأنك تراه} وقال الصحابي الجليل حنظلة بن الربيع: {إننا إذا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا نراها رأي عين} يعني كأننا نراها بأعيننا، فهذه من أعظم الأدلة على مدى إيمان الإنسان، ومدى استحضاره لمعاني الإيمان في قلبه، ومدى خوفه من الله ورجائه فيه، ومحبته له، وعمله للدار الآخرة، والخشوع أثر من هذه الأشياء.
الجواب: مسألة الشهوة في نفوس الشباب هي من أهم الأخطار التي تواجههم، وهي ابتلاء وضعها الله في نفس كل إنسان، فالله قادر على أن يجعل الإنسان ملكاً، والله عنده ملائكة في السماء، لا يوجد في السماء موضع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم لله عز وجل، وهؤلاء الملائكة لا تجيش في نفوسهم الشهوات، قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] لكنه سبحانه لحكمته خلق الإنسان في هذه الدنيا، وكلفه بهذه المهمة وهي عبادته، وخلقه بصفة معينة، فيه خير وشر، وقابل للخير والشر، وللهدى والضلال قال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وقال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] وقال: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] وهذا هو سر الابتلاء في هذه الحياة، ولو ذهب هذا الأمر لذهب معنى الابتلاء، فلو جبل الله الناس كلهم على أن يكونوا صالحين، ما كان هناك فرق بين الطيب والخبيث، والمهتدي والضال، فعلى الشاب أن يدرك أن هذا نوع من الابتلاء الذي ابتلاه الله تعالى به، وعليه أن يقاومه بالصورة الصحيحة أولاً، وأخيراً بالمجاهدة التي ذكرتها في نهاية الكلمة.
وكل ما يمكن أن يقال لك -أيها الشاب- هو: أنه ليس أمامك إلا المجاهدة، لكن يمكن أن توجد وسائل أو عوامل، تعينك على هذه المجاهدة.
فمثلاً: يمكن أن يقال للشاب المبتلى بمثل هذا الداء، أو بالشهوة بصفة عامة، أن على الشاب أن يتقي المواقع التي فيها إثارة للشهوة، مثل الخروج للأسواق والأماكن التي يكون فيها أشياء تثير، فيتقي تلك الوسائل، ويتقي سماع الغناء المحرم، ويتقي النظر إلى الصور المحرمة التي فيها الإثارة، وكل أمر يثير الشهوة يجب أن يتقيه، وهذا من شأنه أن يهدئ شهوة الإنسان، أما أن يؤجج الإنسان شهوته ويثيرها ولا يتقي هذه الأشياء، ثم يأتي ويقول: كيف أخرج؟! وأنقذوني! فهذا لا يكون، والأمر في هذا كما قيل:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء |
فأول خطوة في العلاج هي الوقاية، وأن يكون لهذا الشاب قوة في الإرادة، بحيث يحجز نفسه عن كل وسيلة تثير غريزته وشهوته، فهذه وسيلة.
والوسيلة الثانية: هي أن يحرص الشاب على أن يشغل نفسه بأمور حميدة، أو مباحة على أقل تقدير، فيشغل نفسه بالطاعات، وبمجالسة الطيبين، وبالرياضة المباحة، وبالاشتغال بالأنشطة: كالمراكز، والنشاطات المدرسية، وسواها، بحيث يصرف هذه الطاقة المركوزة فيه في مصرفها الصحيح.
ثم على الشاب أن يحرص على كثرة الدعاء، لأن الله عز وجل لما ذكر مقولة الشيطان ذكر أنه قال: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17] وما ذكر أنه سيأتي من فوقهم، لأنه علم أن الله فوقهم، فباب الله مفتوح لمن طرقه بجد وصدق وإلحاح، فعلى الشاب الذي يعاني من هذا أن ينطرح بين يدي الله بصدق، ويكثر من الدعاء، والرجاء، والله لا يخيب من دعاه.
وأخيراً فإن على الشاب أن يحرص على استعمال العلاجات الشرعية التي منها:
أولاً: الزواج كما في الحديث: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج} ولماذا يضع كثير من الشباب عقبات طويلة عريضة أمام الزواج! عقبات مالية، وعقبات في البيت، وعقبات في المرأة، وعقبات في إكمال الدراسة، والسن وغيره، فيجب أن نعمل على تذليل مثل هذه العقبات أو ما أمكن منها أو غيرها، فإذا كان الزواج متعذراً فالبديل: {فمن لم يستطع فعليه بالصوم} فيكثر الشاب من الصيام، لما في الصيام من تضييق مجاري الدم وهي العروق التي يجري فيها الشيطان من ابن آدم، فيقل بذلك وسوسة الشيطان، وتأثيره على الإنسان، وأنصح هذا الشاب وغيره بأنه إذا وقع في المعصية فعليه أن يسارع في التوبة، وأقول: التوبة، لأنني علمت من الشباب أن هذا الأمر من الأمور التي لا يتوبون منها، لماذا؟
لأن الواحد منهم يقول: تبت ثم وقعت مرة ثانية، ثم تبت، ثم وقعت، فصرت لا أتوب، لأنني أقول: لا فائدة أن أتوب، أنا أعرف أني سأقع! أقول: لا. بل يجب أن يتوب، والتوبة واجبة من كل ذنب، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وأنتم تعرفون قصة الإسرائيلي التي رواها مسلم في صحيحه :{ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أذنب ثم استغفر قال: ربِّ! أذنبت فاغفر لي فغفر الله له، ثم أذنب مرة أخرى، فاستغفر، قال: ربِّ! إني أذنبت فاغفر لي، فغفر له، ثم أذنب ثالثة، فاستغفر، قال: ربِّ! إني أذنبت فاغفر لي، فغفر الله له وقال: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، افعل ما شئت فقد غفرت لك} فهذا دليل على أن الإنسان ولو تكرر منه الذنب يحب أن يتوب.
وحين تتوب لا تتوب وفي نيتك أن ترجع، بل تب وأنت في نيتك أن تبذل جهدك ألا ترجع، وقد لا تمكن أصلاً من فعل هذا الذنب بحيث تنتهي أيامك في هذه الدنيا، قبل أن تفعل هذا الذنب، فتكون مت على توبة، فينبغي ألا يخدعك الشيطان بترك التوبة.
ونصيحة أخرى -أيضاً- مهمة في هذا المجال، وهو أنه ينبغي لك ألا تقبل وسوسة الشيطان التي تقول لك: أنت الآن رجل مدنس ملوث، وعندك هذه القاذورات، وأنت تجلس بين قوم صالحين، ويظنون بك الظنون الحسنة، فخير لك أن تتجنبهم، وتظهر على حقيقتك! والشيطان يقول لك هذا الوسواس حتى ينفرد بك، ثم يذهب بك كل مذهب، بل اجلس مع الناس الطيبين والصالحين، وجالسهم، واعمل ما تستطيع من النشاطات، وشارك في الأعمال الخيرة، وإلقاء الكلمات -مثلاً- وفي أي عمل، واحرص على أن تتجاوز هذا الأمر، وألا يؤثر ذلك في حياتك الدعوية، ولا مانع إذا كان هذا الأمر وصل بك إلى حد مرضي أن تعرض حالتك على طبيب مختص، فقد يفيدك في هذا المجال.
الجواب: الإعجاز العلمي ينبغي التفصيل فيه، فالأشياء التي أصبحت حقائق علمية من جهة، والدلالة عليها من القرآن ظاهرة بلا تعسر، من المناسب أن نتحدث عنها، لأنها من الأشياء التي تزيد في إيمان الناس، وقد تسبب إيمان غير المؤمنين، وأقصد بذلك القضايا العلمية الثابتة، مثل بعض القضايا في علم الأجنة الثابتة علمياً وطبياً، والتي توجد عليها أدلة ظاهرة من القرآن الكريم بلا تكلف أو تعسف، أما إذا كانت الأشياء العلمية هي ظنون ونظريات، فلا ينبغي أن يشتغل بالبحث لها عن أدلة من القرآن الكريم، لأن النظريات قابلة للنقض.
وكذلك إذا كانت الحقيقة العلمية حقيقة، لكن الدلالة عليها من القرآن ليست ظاهرة، بل هي إشارات خفية وقد تكون بتكلف وتعسف، فلا ينبغي أن نحمل القرآن ما لا يحتمل.
الجواب: مدارج السالكين كتاب قيم وطيب بلا شك، شرح فيه الإمام ابن القيم كتاب منازل السائرين لشيخ الإسلام الهروي، لكن الكتاب الأصل الذي هو منازل السائرين فيه صوفيات؛ لأن شيخ الإسلام الهروي رحمه الله كان فيه تصوف، فالشيخ ابن القيم رحمه الله شرح هذه الأشياء، وربما حاول أن يلتمس مخرجاً صحيحاً لهذا الرجل في بعض ما قال، فالكتاب مفيد، ولكن فيه بعض الأشياء التي ينتبه لها، وقد قام بتهذيبه عدد من العلماء، فأولاً علق عليه محمد حامد الفقي وفي مواضع له تعليقات غالبها جيد، ثم هذبه عبد الله السبت في مختصر، وكذلك هذبه عبد المنعم صالح العلي في مختصر آخر، وكل هذه الكتب مفيدة، وأنصح طالب العلم بقراءة مدارج السالكين، والانتفاع بما فيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر