فقبل أن أدخل في هذا الموضوع وهو الحديث عن الشباب ورسالته في الحياة، والعقبات التي تعترض سبيله، أحب أن أقف قليلاً عند قول الله تبارك وتعالى: لَوْ أَنـزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] نعم، لو أُنـزل القرآن على جبل لتصدع من خشية الله تبارك وتعالى وهذا كلام الله تبارك وتعالى، ولكن هذه القلوب البشرية يتنـزل عليها القرآن فتنقسم إلى قسمين:
ثم يذكر الله عز وجل لمن عرضت هذه النار ولمن أعدت؟ فيقول: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] أي: للكفار.
أليس للكفار آذان يسمعون بها؟! أليس لهم أعين يبصرون بها؟! بلى. لهم آذان يسمعون بها، ولهم أعين يبصرون بها، ولهم قلوب يعقلون بها أمور دنياهم، ولكن المنفي عنهم هو السماع الذي يؤثر في الاتعاظ، والعمل، والاعتبار، ومشكلتنا -أيها المسلمون- دائماً ليست في أننا لا نعلم، بل نحن نعلم كثيراً من الأشياء ولكننا لا نعمل، ولا نتعظ بها، فيكون حكمنا في ذلك حكم من لا يعلم بها أصلاً.
كيف نقول عنهم أنهم كافرون به؟ وهم يرون أبناءهم وأقاربهم يموتون! لسنا نحن الذين نقول عنهم ذلك، ولكن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يؤمن بالله؛ ويؤمن بي، وأن الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر} فالإيمان بالموت من شروط الإيمان، بل من أركان الإيمان، فما معنى الإيمان بالموت؟
ليس معنى ذلك أن يعرف الإنسان أنه سوف يموت، فهذا يشترك فيه المسلم والكافر، إنما معنى ذلك:
- أن تدرك أنه بقضاء الله وقدره.
- وأن تدرك أن لك أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر.
- وأن تدرك أن بعد الموت إما النعيم أو العذاب.
- وأن يصبح هذا الأمر يقيناً في قلبك؛ بحيث إنك إذا هممت بعمل خير فدعتك نفسك للقعود فتذكرت الموت نشطت له وتحركت له نفسك، وكلما هممت بعمل سوء فتذكرت الموت كففت عنه وأقلعت، فهذا معنى الإيمان بالموت.
فلهذا يقول الله عز وجل عن الكافرين: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] فهم يسمعون هذه الآيات، ولكنهم يتأذون بسماعها، ويضيقون بها، ومن ثم لا يعتبرون بها.
وفي الصحيح [[ أن
هذه وقفة عند قوله تعالى: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] .
فهؤلاء كفار قطعاً؛ لأن الله عز وجل عقب على ذلك بقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105].
ولكن يوجد في المسلم -أحياناً- شعبة من هذا، فيعمل عملاً يظن أنه على خير ويكون ممن يظن أنه يحسن صنعا، وليس كذلك، ولذلك ختم الله تعالى هذا الآيات بقوله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].
فلابد في العمل من شرطين:
أولاً: أن يكون صالحاً، وهذا يعني المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ألا يشرك بعبادة ربه أحداً، فلا يكون العمل من أجل الرياء، ولا من أجل السمعة، ولكن لوجه الله، وابتغاء ثواب الله، ورجاء لقائه، فلنؤمن بأن الله عز وجل قد أقام علينا الحجة بالقرآن وليس لأحد عذر؛ فقد أنـزل الله عز وجل القرآن، وأقام الحجة على كل إنسان.
إما إنسان كان شاباً فيما مضى من عمره.
أو إنسان هو شاب الآن فنحن جميعاً بحاجة إلى هذا الكلام.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان سوف يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء منها: {عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟} والشباب جزء من العمر تُسأل عنه أيها الإنسان مرتين أمام الله تبارك وتعالى.
الأولى: باعتباره جزء من العمر.
والثانية: سؤالاً خاصاً عن هذا الشباب خاصة، فعلام يدل هذا الأمر؟
هذا يدل على أمرين:
الأول: أهمية العمر بالنسبة للإنسان.
والثاني: أنه كل رأس ماله؛ ولذلك إذا عُرض الكفار يوم القيامة أيضاً ورأوا النار، بل ووضعوا فيها فذاقوا من حرها وسمومها وعذابها، قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] ماذا يطلبون؟ يطلبون هذه الأيام، ولا يتمنون إلا هذه الأيام التي نعيش فيها نحن الآن، ولكن هيهات! لقد انقضت الدنيا بأيامها، ولذلك يأتيهم الجواب الذي لا رجعة عنه، بقول الله تعالى لهم سؤال "توبيخ وتقريع": أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37] من عمره الله عز وجل حتى بلغ سن التكليف وعرف الله والرسول صلى الله عليه وسلم وعرف الإسلام؛ فقد قامت عليه الحجة، وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر.
فلا يلزم أن يكون العمر ستين أو سبعين سنة، وإن كان الإنسان كلما عمر كلما زادت الحجة عليه؛ ولذلك في الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة} يعني زاد العذر واكتمل، وإلا فالإنسان الذي بلغ سن التكليف، وعقل الإسلام، وعرف الله وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة، إن مات مسلماً دخل الجنة، وإن مات كافراً فإلى النار.
فالأمر خطير جد خطر! كما قال تعالى:أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] أي لا أمل في الرجوع إلى هذه الدنيا، فهم يطلبون هذه الأيام والليالي التي نعيشها نحن الآن، فيا سبحان الله! كيف سيطرت الغفلة على قلوبنا؟ وكيف سيطر الركض وراء الدنيا علينا حتى أصبحنا في شبه حلم؟ سبحان الله! هذا العمر من أعجب آيات الله، لو نظرت إلى نفسك من الذي جاء بك إلى هذه الدنيا؟ ومن الذي منحك هذا النفس الذي يتردد؟ ومن الذي أعطاك هذا القلب وهذا العقل؟ إنه الله -سبحانه تعالى- وإنه لم يعطك إياه إلا للابتلاء والامتحان، وبقدر ما يستفيد الإنسان من هذه النعم في الدنيا في معرفة الله، ودينه والعمل بذلك، يسعد في الدنيا والآخرة، وبقدر ما يضيع من ذلك يجلب لنفسه الشقاء في الدارين.
الأمر الأول: أن فترة الشباب هي فترة القوة، والحيوية، والقدرة على العمل، ولذلك نجد أن الشاب إذا اقتنع بأمر بذل الغالي والرخيص في سبيله، حتى يبذل نفسه في ذات الله عز وجل.
الأمر الثاني: أن فترة الشباب هي أيضاً الفترة المعرضة لكثير من الشواغل، والنـزعات التي تجذب الإنسان إلى الشر وتبعده عن الخير، وهذا أمر مترتب على المسألة الأولى، فلأن فترة الشباب هي فترة القوة والحيوية والنشاط، يكون العقل فيها متحركاً، والجسد، والقلب كذلك؛ فإن لم يتحرك إلى الخير تحرك إلى الشر.
الانحراف الأول: وهو ما يتعلق بحركة عقل الشباب، فالشيطان يوحي للإنسان بعض الشبهات التي يزينها له ليصده عن سبيل الله عز وجل، ولذلك تجد كثيراً من الشباب قد يعاني من بعض الوساوس والشبهات، وهذا مرض إذا لم يعالجه الإنسان بالعلم، والمعرفة، وسؤال العلماء، فهذا خطر قد يودي بإيمان المرء.
الانحراف الثاني الذي يهدد الإنسان في مرحلة الشباب بسبب حركة جسمه، وحيويته: هو مرض الشهوات، ولذلك تجد الشاب معرضاً للافتتان والانحراف، وتتحرك الغريزة في نفسه بشكل كبير، فإذا لم يحصن نفسه ضد ذلك بالحصون القوية فهو على خطر عظيم.
الانحراف الثالث: هو من جهة حركة القلب، وأعني بها أن الشاب قد يصلح ويهتدي فيعبد الله، فيبالغ في هذه العبادة حتى يصل إلى درجة الغلو، والغلو دائماً ضرر كالنقص.
أما فيما يتعلق بالشبهات التي تواجه الإنسان فإن علاجها يكون بأمور:
الأمر الأول: هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فقد يكون الأمر الذي يعرض لك ليس شبهة حقيقية، وإنما هو من نوع الوسواس، فإذا أكثر الإنسان من الاستعاذة بالله انصرف الشيطان عنه وابتعد.
الأمر الثاني: هو العلم النافع، فيحرص الإنسان على معرفة القرآن والسنة، وعلى مجالسة العلماء، وعلى علاج هذه الشبهات التي انقدحت في قلبه بحسب نوع الشبهة.
أما فيما يتعلق بمرض الشهوة: فإنه مرض في منتهى الخطورة لأسباب:
الأمر الأول: شدة ثوران الغريزة عند الشباب.
الأمر الثاني: كثرة المهيجات التي تثير هذه الغريزة عند الإنسان، فقد يكون الإنسان صالحاً في نفسه، لكن إذا التفت يمنة ويسرة فوجد من الصور الخليعة ما يثيره ويحركه؛ فإنه عندئذ يحتاج إلى جهد كبير ليتخلص من ذلك؛ ولأن هذا ليس هو موضوع الحديث الأصلي فإنني لن أطيل في علاج هذه الشهوات ولكني أقدم نصيحة ثمينة هي التي أوصى الله تبارك وتعالى بها المؤمنين: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] فغض البصر هو الدواء الناجع، فأنت إذا أطلقت بصرك رأيت من المناظر ما يؤثر في قلبك، وإذا تأثر القلب فإن الأمر خطير، ومرض القلب سواء أكان مرضاً حسياً أم معنوياً ليس كأمراض الجوارح، والقلب كالإناء والجوارح تصب فيه، فما تراه بعينك، وما تسمعه بأذنك، وما تلمسه بيدك، وما تمشي إليه برجلك أثره في قلبك، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإذا ذكرت الله بلسانك تأثر قلبك وخشع، وإذا تكلمت بكلام الفحش تأثر قلبك سوءاً وقسوة، وإذا نظرت بعينك في آيات الله وتأثرت بها وجدت إيماناً بالله.
لكن والعياذ بالله إذا نظرت إلى المحرم فإنه يورث قلبك حسرة دائمة فقديماً قيل:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر |
فهذه النظرة العابرة التي يخدعك بها الشيطان بطريقة أو بأخرى -أحياناً-، يقول لك: نظرة سريعة ولا تتوقف، انظر واصرف بصرك، هذه النظرة البسيطة هي كالشرارة التي قد تحرق مدينة بأكملها ومعظم النار من مستصغر الشرر.
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر |
نعم والله، إن النظرات سهام مسمومة مهما صغرت، وإن الإنسان الذي يستطيع أن يكف بصره عن الحرام سيجد في قلبه من الرَوح واللذة ما لا عهد له به، وفي الحديث {النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه خشية لله أورثه الله عز وجل إيماناً يجد لذته في قلبه} سبحان الله! هذه لذة الطاعة، إذا أنت صرفت بصرك ثم أيقنت أنك لم تصرفه إلا لوجه الله، نشط الإيمان في قلبك، ولكن إذا عاودت النظر ثم صرفت بصرك -وأنت بحمد الله مؤمن- بدأت نفسك توبخك على هذا العمل، وبدأ ضميرك يعاتبك عليه، فيكون الإنسان في عذاب دنيوي، وكذلك إذا لم تتداركه رحمة الله تبارك وتعالى فهو في عذاب أخروي.
فأعظم وصية يوصى بها الشاب وغير الشاب هي أن يصرف بصره، بل أن يغض بصره عما حرم الله؛ لأن غض البصر يقطع الداء من أصله، لكن لو أطلق الإنسان بصره فنظر فوقعت هذه الصورة في قلبه، فيصبح والعياذ بالله في حال قد يصعب عليه علاجها، وكم نعرف في تاريخ هذه الأمة من الناس الذين أطلقوا العنان لأعينهم؛ فرأوا هذه المشاهد والمناظر المؤثرة فمرضت قلوبهم وأجسادهم والعياذ بالله، وخسروا دنياهم وربما خسروا أخراهم -أيضاً- بسبب نظرة واحدة، فالحذر من أن نستعمل هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وهي نعمة البصر فيما حرم الله علينا.
وهي التي تواجه الإنسان من خارجه، ومن أهم هذه العقبات: أن يكون الوسط المحيط بالإنسان لا يساعده على الاستقامة والصلاح، كأن يكون الإنسان في بيئة منحرفة، أو فيها بعض الانحراف، فيصبح حين يذهب أو يعود يجد المنكرات والمعاصي، والأشياء التي تصده عن طريق الصلاح وتدعوه إلى طريق الرذيلة والانحراف، فيواجه الإنسان صعوبة في الاستقامة على هذا الطريق، وقد يكون الأمر أخطر من ذلك، وذلك كما لو كان الوسط القريب، وبيئة الإنسان وبيته لا يعينه على الطاعة، فهنا يواجه الإنسان صعوبة كبيرة ولا شك، وهذا الأمر ليس بغريب، فلقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجهون من أهليهم الأمرّين، ولو نظرنا إلى أنموذج من حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأينا من ذلك العجب العجاب.
فهذا مصعب بن عمير -رضي الله تعالى عنه- كان هذا الفتى أعطر شاب في مكة، وكان يعيش في بيت من بيوت الترف والبذخ والثراء، حتى كانت أمة تلبسه أحسن الثياب، وتطعمه أحسن الطعام، وتشتري له أنواع الطيب، حتى إذا أوى إلى فراشه وضعت أمه شيئاً من الطعام عند رأسه ليأكله، فلما أعلن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، وتلا القرآن، وتفتحت القلوب لهذه الدعوة، وصلت أنباؤها إلى هذا الشاب المنعم والمدلل مصعب بن عمير، وكان شاباً سليم الفطرة، وصافي القلب، فسمع آيات القرآن فتأثر بها، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يقيم في دارالأرقم بن أبي الأرقم، وأمره أن يتلو عليه شيئاً من القرآن فبكى وشهد شهادة الحق، ثم ذهب إلى بيته، وكتم خبر إسلامه عن أمه، وصار يصلي ويقرأ القرآن ويدعو سراً، ولكن شعرت أم مصعب بأن في نفس فتاها أمر يشغله عنها؛ ولأنها امرأة جاهلية، ظنت بأنه تعلق بأمر من أمور الدنيا، إما بفتاة أحبها، أو بغير ذلك، فحاولت أن تعرف ماذا في نفس فتاها، فسمعت أخيراً بأن فتاها قد أسلم واتبع هذا الدين وتابع محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه، فغضبت أشد الغضب، وأقسمت عليه أن يترك هذا الدين، أو لتفعلن به ولتفعلن، فلم يلن له عزم، ولم تنثن عريكته لذلك.
فمنعت أمه عنه المال والطعام والشراب الذي كانت تعطيه له فلم يؤثر فيه ذلك، حتى اضطر هذا الشاب المنعم الذي لم يتعود حياة الشظف، أن يهاجر مع المسلمين إلى الحبشة، وهناك وجد من متاعب الطريق، ولأواء الغربة ما لم يكن له به عهد، ولكنه تحمل كل ذلك في ذات الله عز وجل.
ثم رجع المسلمون الذين هاجروا من الحبشة إلى مكة بعد ما سمعوا بإسلام قريش، فكان هذا الشاب يمشي في مكة وعليه ثياب لا تكاد تستره، حتى أقبل يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه تأثر وبكى، وقال: {والله لقد رأيت هذا الشاب في مكة وما فيها شاب أعظم عند أبويه نعيماً منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير وفي حب الله ورسوله}.
وهاجر هجرته الثانية إلى المدينة وظل يعاني من الفقر، والغربة -وإن لم يكن غريباً فهو مع إخوانه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى قتل شهيداً رضي الله عنه، انظروا كيف فانظروا الله عز وجل لهذا الشاب الأجر العظيم، فلما قتل كما يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه فيما رواه البخاري في صحيحه يقول: {خرجنا نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم
والمقصود أن كون الإنسان يواجه في سبيل الله ما يواجه، ليس من الغريب، بل الغريب أن لا يقع ذلك، ويحق لكل إنسان منا؛ لا يجد أذى في سبيل الله أن يراجع إيمانه، فقد يكون في إيمانه ضعف؛ لأن الله عز وجل وضع لنا قاعدة في القرآن الكريم أن المؤمن لابد أن يفتن ويبتلى، ويمتحن، كما في قوله تعالى آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3] فالإيمان يمكن أن يدعيه كل إنسان، ولكن المحك الذي يصدق عليه إيمان العبد أو يكذب، هو الامتحان في ذات الله، فإن صبر فذلك علامة إيمانه، وإن ضعف أو وهن أو تردد، فهذا علامة ضعف إيمانه.
ليس من الغريب أن يهتدي الشيخ؛ لأنه قد كبر وشاب وعرف قرب الأجل، فهو يستعد لآخرته، ويستعد للموت وما بعد الموت، ولكن صلاح الشاب أمر محبوب إلى الله عز وجل أشد من صلاح غيره، ولذلك يعجب الله عز وجل منه ويحبه، فمن واجبنا أن نحب من يحبه الله، وأن نحرص عليه، وأن ندرك أن من واجبنا أن نشجع كل شاب رأينا فيه ولو بعض الصلاح، وإننا نرى والحمد لله في مشارق الأرض ومغاربها توجهاً إلى الله تعالى، ففي كل بلد من بلاد المسلمين، ترى عدداً كبيراً من الشباب وقد صلحوا، واستقاموا واهتدوا وابتعدوا عن الرذيلة، وهذه من البشارات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الحديث الصحيح المتواتر الذي روي عن أكثر من واحد وعشرين صحابياً، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} وفى لفظ {لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلا ما يصيبهم من اللأوى} أي: لا يضرهم خلاف المخالفين، ولا عناد المعاندين، ولا خذلان الخاذلين، وإن كانت اللأوى تصيبهم كما تصيب الأنبياء وأتباع الأنبياء، ولكن هذه بشارة نبوية أن هذه الأرض لا يمكن أن تخلو من قوم صالحين يقيمون هذا الدين، ويرفعون هذه الملة، ويكونون حجة لله على عباده كما في الحديث:{لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين} إنهم ليسوا قله، وليسوا أفراداً مشتـتين، لا، بل هم قوم ظاهرون، لهم تأثير، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله {لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك}.
وهؤلاء هم الذين وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فقد قال في الحديث الصحيح الآخر: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}.
ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء بأن يظهر الله تعالى الدين على أيديهم، فقال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} قال العلماء: إن (مَنْ) في هذا الحديث لا تعني فرداً واحداً بالضرورة، بل قد يكون المجدد فرداًن وقد يكونون أفراداً كثيرين في كل مكان، منتشرين في أنحاء الأرض، منهم من يجدد أمر هذه الأمة بالعلم، ومنهم من يجدده بالعمل، ومنهم من يجدده بالجهاد، ومنهم من يجدده بغير ذلك من الأمور التي يحتاج إليها المسلمون.
فمن واجبنا أن ندرك مقتضى وعد الله، ومقتضى وعد رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نشجع هذه البذرات التي تـتجه إلى الله عز وجل وندعو الله لها بالتثبيت والسداد والتوفيق، وأن نكون ممن استجاب لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
كما أن من واجب الشاب ألا يكون سلبياً تجاه المنكرات التي يجدها، فكثيراً ما تسمع من الناس من يقول: إن المنكرات قد شاعت واتسعت وعمت، ولا أستطيع أن أغير منها شيئاً، فأقول: إن كل إنسان حتى لو كان لا يستطيع الكلام؛ فإنه يستطيع أن يغير بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وأول أثر للتغيير هو على نفس الإنسان المغير؛ لأنك إذا رأيت المنكر ولم تحاول تغييره مرة، ثم مرة، ثم مرة، استسلمت له نفسك، واستساغه قلبك، حتى لا يعود منكراً عندك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: { ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبه خردل} أي من رأى المنكر ولم يغيره ولم ينكره قلبه فليس في قلبه إيمان ولا مقدار حبة خردل.
فالمؤمن لا بد أن يغير المنكر ولو بالقلب، ولكن هذا التغيير الموجود بالقلب يمكن للإنسان أن يلقيه بالأسلوب المناسب، فإذا رأيت بإنسان معصية وإن كانت مما شاع وذاع في المجتمع-فألقِ الكلمة الطيبة بالأسلوب الطيب ثم اتركها، ستقول: إنه لن يستجيب لي، فأقول:
سوف يأتي من الغد إنسان آخر فيقول مثل هذه الكلمة، ويأتي بعد شهر إنسان آخر فيقول مثل هذه الكلمة، حتى يستيقظ قلب هذا الإنسان، فيقول كل الناس أمروني بالخير، أنا محاسب مثلهم، ومسئول مثلهم، وهنا يستيقظ قلبه ويقلع بإذن الله عن المنكر، ولو افترض أن هذا لم يقع فنقول: أنت أيها المنكر قد برئت ذمتك، وتعودت على أن تكون إيجابياً في الخير، وعودت نفسك على الخير وعلى الإنكار، وهذا بحد ذاته كافٍ، والله سبحانه لا يسألك عن النتائج، ولكن يسألك عن الأعمال.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يهدي شباب المسلمين، وأن يأخذ بأيدينا وأيديهم إلى ما يحب ويرضى، وأن يكتب على أيديهم الخير في مشارق هذه الأمة ومغاربها، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، وأن يصلح أحوالنا. وأصلي وأسلم على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وأصحابه أجمعين.
الجواب: سبقت الإشارة إلى إجابة هذا السؤال خلال الكلمة التي تقدمت بها، وهي الحث على غض البصر، وأنا أقول مرة أخرى: إننى لم أجد علاجاً لهذا الموضوع عند كثير من الناس أفضل من غض البصر؛ لأنه يقطع الداء من أصله، ويجعل الإنسان يوطن نفسه على عدم النظر، أما إذا أطلق الإنسان نظره -وإن كان متزوجاً أو كبيراً- فإنه والله على خطر عظيم، هذه نقطة.
النقطة الثانية فيما يتعلق بموضوع الزواج، أقول: إن هذا الموضوع من المشكلات الخطيرة التي تواجه الشباب -فعلاً- ولقد رأيت كتابة لبعض الشباب الذين يواجهون هذه المشكلة، وقد كتب إلى أحد الشيوخ يشكوا إليه ما يعاني، ليس هو فقط، بل وجموع كثيرة من الشباب، فيشير إلى أن كثيراً من الشباب - هدانا الله وإياهم- يواجهون هذه الشهوة الفطرية، ويجدون صعوبة في توفير متطلبات الزواج، من المهر إلى البيت إلى غير ذلك، فإذا حصّل الإنسان منهم مبلغاً قليلاً من المال فإنه يستغله في الإجازات وفي السفر إلى البلاد الأخرى، التي يرتع فيها الإنسان ويسرح ويمرح كما يحلو له، إننا نجد اليوم أن الكفار الذين لا يؤمنون بالإسلام؛ أصبحوا يدقون ناقوس الخطر ويشيرون إلى أن أممهم وحضاراتهم في خطر عظيم، ولا شك أنكم سمعتم بالأمراض التي انتشرت نتيجة العلاقات المحرمة التي نتجت بين الشباب والشابات في البلاد الكافرة، مما يسمى بالهربس، والإيدز، وغيرها، وهى عقوبة إلهية، ولم يعرف لها علاج، ونهايتها الوفاة، وسببها كما قالوا العلاقة الجنسية غير المشروعة، ولا يزال العلماء هناك عاجزين عن معرفة كنه هذا المرض وعلاجه. ونقول: إنها عقوبة إلهية على هذا العمل.
وبكل أسف، فإن هذا الأمر بدأ يتسرب إلى بلاد المسلمين، وإلى شباب المسلمين، لسبب أو لآخر، ويقول هذا الشاب الذي أشرت إليه: إن أولئك الشباب الذين يغادرون بلادهم إلى تلك البلاد الإباحية، ليستمتعوا بهذه الشهوات المحرمة يكونون على حال لو رآها آباؤهم، أو أقاربهم، أو إخوانهم، لسكبوا الدماء بعد الدموع على هذا الوضع المزري الذي صار إليه حالهم.
إنهم يجلسون إلى الساعات الأخيرة من الليل، بل إلى الشمس بين الخمور والنساء، ويوزعون أموالهم بلا عد ولا ثمن، بل ويستدعي الأمر أحياناً إلى أن يتخلى الواحد منهم عن دينه بالكلية والعياذ بالله؛ لأنه يكون في بلد كافر، إما بلادٍ بوذية يعبدون بوذا، أو بلاد نصرانية، أو غير ذلك، فإذا عاش مع هؤلاء النسوة صار يحرص على مشابهتهن في كل شيء، فقد يعلق في عنقه الصليب أو غير ذلك، وقد يقسم والعياذ بالله بغير الله، وقد يفعل من الأعمال الكثير والكثير مما يتنافى مع العقيدة الإسلامية.
وهذا الخطر العظيم حَلُّهُ بعد توفيق الله في أيديكم يا أولياء الأمور، أن تتقوا الله سبحانه وتعالى وأن تدركوا أن المسئولية عليكم عظيمة وجسيمة، وأن من واجبكم العمل على تيسير هذا الأمر لشبابكم وفتياتكم، ومحاولة تقليل تكاليف الزواج بقدر الإمكان، وإذا رأى الإنسان شاباً صالحاً فليحرص على تزويجه بأقل كلفة، وهذا يقع على عاتقكم.
والله -أيها المسلمون- إن الخطر عظيم، وإنه قادم، وإن لم ندرك نحن الأمر؛ فسيحدث ما لا تحمد عقباه، وكل من رأى هذه الجموع الغفيرة من الشباب والنساء في الطرق والأسواق، أدرك أننا جميعاً على خطر، وأن من واجبنا أن نتدارك الأمر قبل ألا يمكن تداركه، والله المستعان.
الجواب: إن من الغريب أن نواجه في البلاد التي أهلها متمسكون بالإسلام والحمد لله مثل هذه الحالات، وما ذلك إلا دليل على ضعف الإيمان في هذه الأزمان، ونجاح الأعداء في غزوهم لهذه الأمة، حيث أصبحت بعض البيوت -فعلاً- يُستغرب أن يوجد فيها إنسان مستقيم أو صالح، ونسمع بين الحين والآخر مثل هذه الأسئلة والتي أصبحت أشبه ما تكون بالظاهرة في عدد من الأماكن، والنصيحة التي أتوجه بها إلى هذا الشاب هي أن يتذكر قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8] فالآية تعرض لنا أباً مشركاً يجاهد ابنه على الشرك، فيريد من ابنه أن يكون مشركاً أيضاً، فلم يقل له الله عز وجل أسئ الأدب معه، أو ابتعد عنه، أو احذر منه، بل قال: "فلا تطعهما"؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع ذلك قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] فينبغي للشاب أن يكون ليناً لطيفاً مع والديه مطيعاً لهما فيما لا معصية فيه، وأن يحرص على قضاء حوائجهما الدنيوية، والتحبب إليهما، ولو كان ذلك على حساب بعض الأمور التي يحتاج إليها هو، وألا يواجه هذه المواقف التي فيها سخرية أو استهزاء بالانفعال أو بالرد عليهما، فيزداد الأمر سوءاً، بل عليه أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يكون حريصاً على كسب هؤلاء إلى صفه، وليجرب الشاب هذه الطريقة، فكثير من هذه الحالات تزول بهذه الطريقة، وهذه النصيحة أوجهها إلى الشاب.
ثم إن هناك نصيحة إلى الآباء أن يكونوا عوناً لأبنائهم على الاستقامة، ويحمدوا الله عز وجل أن منحهم أبناء صالحين، يكونون عوناً لهم على الأمور الدنيوية، ويكونون ذكراً لهم بعد موتهم، ونفعاً لهم في الآخرة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقه جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}. أما في الآخرة فإن الله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] فالإنسان إذا كان صالحاً؛ فإن الله يجمع بينه وبين أبويه في الجنة، بل إن أبويه قد يرتفعان في الجنة درجه بسبب ابنهما، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى، فلنحرص على توجيه أبنائنا توجيهاً إسلامياً، ولنحرص على أن يسلكوا الطريق المستقيم.
الجواب: أقول: لا شك أننا نعلم جميعاً فضل قيام الليل، وما ورد فيه من الآيات والأحاديث، ووجود مثل هذا الشاب الذي يعزم مثل هذه العزيمة من نعمة الله تعالى على هذه الأمة، وأنها فيها الخير حتى يأتي أمر الله. أما الطريقة التي تعين الإنسان على قيام الليل، فإنني أقول:
أولاً: إن الإنسان إذا عرف من نفسه أنه لا يستطيع القيام في آخر الليل فالحزم أن يوتر من أول الليل، وليطل في هذا الوتر قدر ما يستطيع، فيصلي ما شاء الله له، ثم يختم بالوتر قبل أن ينام، فهذا كما صح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: {أوصاني خليلي بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام} فمن كان يعلم أنه لا يستطيع القيام آخر الليل إلا نادراً، فالحزم له أن يوتر من أول الليل بعد أن يصلي ما كتب الله له، وفي بعض الأحيان قد يستغل الشيطان هذه الرغبة عند الإنسان ليصرفه عن الوتر في أول الليل، فيقول له الوتر آخر الليل أفضل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينـزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فلا يزال يغري الإنسان بأن يؤخر الوتر إلى آخر الليل مع أن الإنسان قد يكون متعباً لا يستطيع أن يقوم، ففي مثل هذه الحالة على الإنسان أن ينتبه لهذا الأمر، وأنه قد يكون خداعاً من خداع النفس أو الشيطان؛ فيصلي أول الليل.
أما كيف يستطيع الإنسان أن يقوم آخر الليل، فإن من أعظم الوسائل المعينة على ذلك هي أن ينام الإنسان مبكراً، فإذا نام مبكراً استطاع أن يقوم آخر الليل، كما أن عدم إكثار الإنسان من الأكل يخففه ويعينه على القيام، والله سبحانه تعالى إذا علم من العبد صدق النية، فليـبشر هذا العبد بالخير أولاً: أن الله سوف يعينه على القيام ولكن عليه ألا يـيأس.
الأمر الآخر: إنني أعتقد أن هذا الإنسان الذي نام على هذه النية أنه في صلاة حتى ولو لم يستيقظ، خاصة إذا كان ممن إذا استيقظ فتعار من الليل قال: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} وورد في تفسير قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:6] أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن العبد إذا مرض أو سافر كتب له ما كان يعمله مقيماً صحيحاً} فكذلك إذا حالت بعض الحوائل دون قيام الإنسان وكانت عزيمته متوفرة على ذلك، فليبشر من الله بخير، والله عند حسن ظن عبده به.
البخاري
ومسلم
في صحيحيهما<جريج
، فذهبوا إليه وأنـزلوه من صومعته، وهدموها، وضربوه، وقالوا: زنيت، وهذا الولد منك، فقال: أين الغلام؟ فقالوا: هذا هو، فقال: من أبوك؟ فأنطقه الله فقال: أبي الراعي، فتأثر الناس، وعجبوا وزادت ثقتهم بهذا العابد، وقالوا له نبني لك صومعة من ذهب فقال: لا أعيدوها كما كانت من طينعائشة
-رضي الله تعالى عنها-: {عائشة
ثلاث تمرات، فأعطت الأم هذه البنت تمرة وهذه تمرة وأخذت الثالثة لتأكلها، فأكلت كل من البنتين التمرة التي معها ومدت يدها لأمها، فأخذت الأم هذه التمرة من فمها وقسمتها لهذه نصف ولهذه نصف، فلما رأتعائشة
هذا المنظر عجبت منه، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: من ابتلي من هذه البنات بشيء فصبر كنت أنا وهو في الجنةالجواب: نعم هناك خيط رفيع بين فالتفقه بالنفس والعجب، الثقة بالنفس هي: أن يحرص الإنسان أن يمارس ويؤدي الواجبات المنوطة به، ويعمل ما يستطيع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الواجبات، والقيام بالأعمال التي هي داخلة في ضمن العبادة من حيث الجملة.
أما العجب فأن يفعل الإنسان هذه الأعمال فيقول في قرارة نفسه: أنا استطعت أن أفعل هذا العمل، إذاً أنا أفضل من غيري، والناس ينظرون إليَّ، فيظن أنه أفضل من غيره، وأنه يملك ما لا يملك غيره، فهنا يقع الإنسان في العجب، والعجب محبط للعمل والعياذ بالله كما أن الرياء محبط للعمل.
والفرق بين العجب والرياء -والله أعلم: أن الرياء يكون في أثناء العمل، فأنت تصلي، أو تتكلم، أو تقرأ، فترى غيرك ينظر إليك فيصيبك الرياء، لذلك تحسن وتكثر من صلاتك أو من عملك ليمدحك الناس بذلك، فهذا هو الرياء، أما العجب فأن يكون الإنسان بعد أن يعمل العمل مزهواً بنفسه، ومختالاً، وأقول: إن العلاج الناجع لهذه الأشياء هو في الحقيقة بسيط جداً ويسير على من يسره الله عليه.
أَلاَ تعرف أن كل نعمة صغرت أو كبرت فهي من الله، وليس لك يد فيها، إن كان العجب من الإنسان بماله فماله من عند الله، وإن كان بجماله فهو من عند الله، وإن كان بذكائه فهو من عند الله، وإن كان بنسبه فهو من عند الله، فأنت أيها الإنسان ماذا عندك؟ هل يختار الإنسان أن يولد -مثلاً- طويلاً أو قصيراً، غنياً أو فقيراً، ذكياً أو غبياً، لا يختار قال تعالى:وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] فالله عز وجل هو الذي خلق الخلق، واختار منهم من شاء لما شاء، فوالله لو خلقنا الله عز وجل جميعاً على غير هذا الحال لما كان لنا في الأمر شيء، فإذا عرفت أن الأمر محض امتنان من عند الله فكيف تتكبر؟! أهذا شكر نعمه الله عليك؟!.
كذلك إذا كان الإنسان يعمل الخير أو يعمل العمل الصالح، فكيف يتكبر بهذا العمل أو يعجب به؟! ألا تدري أن الذي وجه قلبك إلى هذا العمل هو الله؟! وفى ذلك يقول الشاعر:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر |
فكيف أقوم الدهر في بعض حقه وإن طالت الأيام واتصل العمر |
يعني إذا شكرت نعمه الله عليك بالعبادة والعمل الصالح، فالعبادة والعمل الصالح نعمة أخرى تحتاج إلى شكر بمضاعفة العمل، فإذا شكرت وضاعفت العمل؛ فهذه المضاعفة نعمة جديدة تحتاج إلى شكر، والشكر يحتاج إلى شكر، فلا تزال بحاجة إلى الزيادة والمضاعفة حتى تلقى الله سبحانه وتعالى، ولو تسرب إلى قلب الإنسان شيء ولو يسير من الكبر فهو على خطر عظيم، ولذلك يحكى عن الإمام أحمد أنه وهو في مرض الموت كان يقول: بعد بعد -وكأنه كان في غيبوبة- فلما أفاق قالوا له: يا إمام! ماذا عرض لك كنت تقول: بعد بعد، فقال: إن الشيطان عرض لي فكان يقول: نجوت يا أحيمد نجوت يا أحيمد فأقول له: بعد بعد، يعني: ما نجوت، وما دام النفس يتردد في الإنسان ما نجا، فلا يوجد مسوغ يجعل الإنسان يعجب بعمله.
الجواب: لا. لا تتم استقامة المسلم بغير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرته لكم سابقاً أن من لا ينكر على الإطلاق، ليس في قلبه من الإيمان حبة خردل، وهذا حديث صحيح في صحيح مسلم، {وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل إيمان} وفى رواية {وذلك أضعف الإيمان} والأضعف ليس بعده أضعف منه، فالإنسان الذي لا يأمر ولا ينهى مطلقاً ليس بمؤمنٍ بمطلقاً، بل الدين كله هو الأمر والنهي:
أولا: تأمر نفسك، فهذا أمرٌ ونهي.
ثانياً: تأمر من كان تحتك، ومن ولاك الله أمرهم، فهذا أمر ونهي.
ثالثاً: تأمر جيرانك، وزملاءك في العمل، وغير ذلك، فهذا أمر ونهي، أما أن يصبح المعروف والمنكر على حد سواء لا يفرح لهذا ولا يتغير لهذا، فهذا دليل على أن أضعف الإيمان قد فقد من قلبه، ومع الأسف الشديد أن الإنسان يرى تكاسل المسلمين في هذا الزمان عن الأمر والنهي، حتى إن الأمور التي كان الناس في السابق يشمئزون منها من قبل ويتحدثون عنها في المجالس؛ أصبحت شائعة ذائعة لا ينكرها منكر، وإن أعظم الأسباب في ذلك هو تهاون الناس، وأن بعضهم يزين لبعض هذا، والمثل يقول: (إذا كثر الإمساس قل الإحساس) فأول ما يرى الإنسان -مثلاً- المجلة السيئة تباع في مكتبة أو في دكان، يتأثر لذلك ويغضب، ويقوم على صاحب الدكان فيقول له: لا يجوز لك وأنت مسلم، كيف تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ لكن عندما يراها مرة أخرى ومرات يصبح هذا الأمر عنده عادياً، فمن واجبنا أن نأمر وننهى، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة.
الجواب: أقول: ليس لي مع كلام فضيلة الشيخ "عبد العزيز بن باز" حفظه الله كلمة، فكل إنسان منا هو باحث عن الحق، وليس نهي والديك لك عن ذلك إلا من باب التماس الخير، والحرص عليك، ولكن لا يلزم أن يكون كل إنسان مجتهدٍ مصيباً للحق في كل مسألة، ولا شك أن هذا من حرص الآباء على أبنائهم، وربما أن بعض الآباء لم يعرفوا هذه الأشرطة، إلا من الأشرطة التي ينشر فيها الأغاني التي لا يجوز استماعها، فأما إذا عرف الوالد أن هذه الأشرطة أشرطة -كما تقدم السائل- إسلامية، وفيها علم، أو قرآن، أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنه لن يجد في ذلك إن شاء الله حرجاً.
الجواب: أفضل طريق في نظري هو المصاحبة، فالجليس يؤثر على جليسه، (والقرين بالمقارن يقتدي) ولما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أول من آمن به أبو بكر الصديق، وكان صاحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضل طريقة هي الصحبة التي تؤثر في الإنسان، بحيث يرى من خلقك وعملك، وصلاحك، ما يدعوه إلى الخير ويرغبه فيه، ثم إعطاء هذا الشاب بعض الكتب والأشرطة المفيدة، وبالذات الأشياء التي يجد الإنسان الرغبة في سماعها وقراءتها، -فمثلاً- كتب القصص الإسلامية الطيبة، التي تحكي حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وحياة المؤمنين من قبلهم، هذه الكتب القصصية يجد الشاب الرغبة في اقتنائها وقراءتها، وهى أيضاً مؤثرة جداً أكثر من تأثير الكلام المجرد، وأكثر من تأثير الكتب الفكرية التي تتحدث عن موضوعات مختلفة، ويحرص كذلك على ربط هذا الشاب بالقرناء الطيبين الصالحين؛ ليحيطوا به ويملأوا وقت فراغه؛ لأن الفراغ هو أخطر مشكلة تهدد الشاب؛ لأنه إذا عاش في فراغ سيجد من الأشرار من شياطين الإنس والجن ومن الوسائل المتاحة ما يصده عن سبيل الله، فملء فراغ هذا الشاب بالزيارات المتبادلة والكتب والأصدقاء الطيبين وغيرها هي من الوسائل الناجعة المجربة في هذا السبيل.
الجواب: الأخ الفاضل أشار إلى أنه يعمل في المستشفى، حيث يوجد أعداد كبيرة من النساء الكاشفات لوجوههن، ولشعورهن في كثير من الأحيان، وأشار إلى أنه لا ينظر إلا بقدر الضرورة والحاجة من جهة، ومن جهة أخرى أنه بحكم دراسته لا يستطيع أن يعمل إلا في هذا المجال، فأنا أقول: إذا تحققت هذه الشروط التي ذكرها السائل في سؤاله، فلا يظهر لي في ذلك بأس -إن شاء الله-؛ إذا استطاع الإنسان أن يغض بصره، ولا ينظر إلا بقدر الحاجة، وعرف أن نفسه لا تتأثر بهذا الأمر تأثراً قد يودي به إلى الانحراف والعياذ بالله، ورأى أنه لا يمكن أن يعمل إلا في هذا المجال بحكم شهادته؛ فإنني أقول: إن المسلمين -بلا شك- بحاجة إلى مثل هذا الإنسان في مثل هذه المجالات، فلا أرى بأساً في هذا إذا تحققت الشروط التي ذكرها في سؤاله.
الجواب: كل مستوى له كتب تناسبه، فمن الكتب التي تناسب الإنسان المبتدئ في القراءة، ما أشرت إليه من القصص والكتب الإسلامية التاريخية، التي تطلع الشاب على أمجاد آبائه وأجداده المسلمين، ومن أحسن هذه الكتب: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والكتاب الذي أرى أنه مناسب في هذا المجال هو مختصر تهذيب سيرة ابن هشام " لـعبد السلام هارون" أو مختصر السيرة للإمام محمد بن عبد الوهاب أو غيرها من كتب السيرة النبوية المختصرة.
ثم سير الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ومن الكتب التي أشير إليها كتاب صور من حياة الصحابة، ثم صور من حياة التابعين كلاهما للباشا، وكذلك كتاب شهداء الإسلام في عهد النبوة للنشار، فهو كتاب طيب، ومن الكتب المفيدة جداً والتي أنصح الشاب بقراءتها وتكرارها، بل وأنصحه أن يقرأها على أهله كتاب رياض الصالحين للإمام النووي، وهذا كتاب مفيد نافع، جمع فيه مؤلفه -جزاه الله خيراً- عمدة الأحاديث النبوية في أمور الدنيا كلها، وهناك كتب أخرى في التربية والتحذير من كيد الشيطان ووسوسته، منها كتاب تلبيس إبليس لـابن الجوزي، ومنها كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للشيخ الإمام ابن قيم الجوزية، وهناك كتب أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر