إسلام ويب

شرح الفتوى الحموية [2]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ضل كثير من الخلف في باب الأسماء والصفات، وذلك لجهلهم بطريقة السلف أولاً، ثم بزهدهم فيها وظنهم أنها مجرد الإيمان بالألفاظ دون فهم المعاني. ثم ذهبوا يختطون طريقة أخرى وهي تحريف المعاني الظاهرة إلى معانٍ بعيدة، وعدوا طريقتهم هذه طريقة العلم والمعرفة! وقد بنوا باطلهم على مقدمتين كاذبتين بينهما الشيخ ورد عليهما.

    1.   

    سبب ضلال الخلف: جهلهم وسوء ظنهم بمنهج السلف

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    قال رحمه الله: [ فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف؛ إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78]، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.

    فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

    وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى؛ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى - وهي التي يسمونها طريقة السلف - وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف - وهي التي يسمونها طريقة الخلف - فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه.

    فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكاذبتين الكفريتين، كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله! ].

    معرفة الله بأسمائه وصفاته هو زبدة الرسالة

    تقدم حكاية قول ابن القيم رحمه الله حول زبدة الرسالة التي جاءت بها الرسل جميعاً، فقد تكلم عن هذا بكلام طيب في مدارج السالكين، فهذا هو الموضع الذي تكلم به رحمه الله فقال: (والرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أرسلوا بالدعوة إلى الله وبيان الطريق الموصل إليه، وبيان حال المدعوين بعد وصولهم إليه، فهذه القواعد الثلاث ضرورية في كل ملة على لسان كل رسول، فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفاً مفصلا، حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه، يكلم ملائكته، ويدبر أمر مملكته، ويسمع أصوات خلقه، ويرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم، يأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويحب ويسخط، ويضحك، ويجيب دعوة مضطرهم، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، ويجبر كسيرهم، ويغني فقيرهم، ويميت ويحيي، ويمنع ويعطي، يؤتي الحكمة من يشاء، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويفك عانياً، وينصر مظلوماً، ويقصم ظالماً، ويرحم مسكيناً، ويغيث ملهوفاً، ويسوق الأقدار إلى مواقيتها، ويجريها على نظامها، ويقدم ما يشاء تقديمه ويؤخر ما يشاء تأخيره، فأزمة الأمور كلها بيديه، ومدار تدبير الممالك كلها عليه، وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة). انتهى كلامه رحمه الله.

    وهو كلام بديع يزيد في الإيمان، ويبين عظم ووجوب الاهتمام بما ذكر الله سبحانه وتعالى عن نفسه في كتابه، وستجد أن الشيخ رحمه الله وافق شيخ الإسلام في هذه العبارة حيث قال: (وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة)، أي: ما تقدم من التعريف بالله جل وعلا، وبيان أوصافه وأفعاله وما يجب له، وهذا هو زبدة الرسالة ومقصود الدعوة التي جاءت بها الرسل، ولذلك قال الشيخ رحمه الله في الكلام السابق: (فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة، يكون البحث عن هذا الباب) يعني: باب أسماء الله عز وجل وصفاته (والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه، أكبر مقاصده وأعظم مطالبه)، ثم ذكر بعد ذلك أن هذا هو الذي يعد زبدة الرسالة ومقصودها.

    فهذا يبين وجوب الاهتمام بهذا الباب، وأن الاهتمام بباب الأسماء والصفات ليس لمجرد الرد على قول المبتدعين والمخالفين من المتكلمين وغيرهم، بل الاهتمام بباب الأسماء والصفات؛ ليزداد الإيمان ولتتم معرفة العبد بربه جل وعلا ليحصل له كمال العبودية، ولذلك لما كان أكثر الخلق علماً بالله عز وجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أعبد الخلق لربه، ولذلك قال: (والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له)، فالعبادة والخشية وسائر المقامات هي فرع عن تمام العلم به سبحانه وتعالى.

    تنفيذ كلام الخلف في عدولهم عن طريقة السلف

    أما كلام الشيخ رحمه الله -المتقدم- فهو في تفنيد العبارة التي يذكرها المتكلمون في بيان اعتذارهم عن مخالفة طريق السلف الصالحين، وسلوكهم طريق المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم في باب أسماء الله وصفاته، فبدأ في الرد عليهم ببيان سبب هذا الضلال الذي وقعوا فيه فقال: (فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم، على طريق السلف إنما أتوا) يعني: إنما وقعوا فيما وقعوا فيه؛ (لأنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك)، فهذا هو السبب الأول الذي أوقع المتكلمين في الضلال في باب الأسماء والصفات: حيث ظنوا أن السلف رحمهم الله لم يفقهوا آيات الصفات ولم يعلموا ما فيها، وأن غاية ما عندهم هو المعرفة لألفاظها دون الوقوف على حقائقها ومعانيها، ولا شك أن ما ظنوه من طريقة السلف خطأ وضلال وجهل، فإن السلف هم أعلم الناس بالله عز وجل؛ لأنهم تلقوا ذلك عمن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ولكن السلف لم يدخلوا في باب الأسماء والصفات، وفي باب ما يتعلق بالله عز وجل بآرائهم وخيالاتهم وعقولهم، بل قبلوا ما جاء عن الله وعن رسوله على ما تقتضيه اللغة، دون الدخول في تكييف ذلك والبحث عن كنهه وحقيقته؛ لأن الباب قد أغلق بقوله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    فالسبب الأول والركيزة الأولى التي بنى عليها المتكلمون مخالفتهم لطريق أهل السنة والجماعة: أنهم ظنوا أن عقيدة السلف التفويض، ولذلك فهم يرون أن التفويض هي عقيدة القرون المفضلة، وأنهم يؤمنون بالألفاظ ويقفون عن المعاني فلا يقولون فيها شيئاً، بل يقولون: أمروها كما جاءت!

    والسلف لاشك أنهم يقولون: أمروها كما جاءت، ولكن هذا اللفظ المنقول عنهم لا يدل على أنهم لم يقفوا على معاني هذه الأسماء والصفات، فإنهم وقفوا على معانيها وأجروها على ظاهرها، ولم يدخلوا فيها بالرأي والخيال والقول على الله بغير علم، ولا شك أن القول بنسبة السلف رحمهم الله إلى التفويض من أسوأ النِسب ومن أردئها ومن سوء الظن بهم رضي الله عنهم؛ لأن مقتضى التفويض التجهيل، ولذلك سيشير الشيخ رحمه الله إلى رداءة هذا القول وإلى بيان ضلاله وأن السلف لم يكونوا على هذه الطريقة.

    ثم قال: (بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم) أي: فهؤلاء قد جعلوا السلف بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78]، والأميون : جمع أمي، وهو من انتسب إلى أمه لعدم قراءته وكتابته.

    وقد اختلف المفسرون في معنى الأميين في هذه الآية على قولين:

    القول الأول: أن الأميين في هذه الآية هم من لا يقرأ ولا يكتب. فيكون معنى الآية وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ [البقرة:78] أي: لا يقرءون ولا يكتبون لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] يعني: إلا بالخرص والكذب واختلاق القول على الله عز وجل.

    والقول الثاني: أن معنى الأميين: من يقرءون الكتاب لفظاً دون فهم معناه، وهذا القول أشار إليه ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة، وهو ظاهر مراد الشيخ رحمه الله؛ لأن المتكلمين يقرون أن السلف كانوا يقرءون الكتاب، لكنهم يقولون: إنهم يقرءونه دون فهم لمعانيه.

    حقيقة ما يقول المتكلمون نبذ الإسلام

    ثم قال: (وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقيقتها بأنواع المجازات وغرائب اللغات):

    أي: فلما فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف ظنوا أن طريقة الخلف هي الوقوف على المعاني، ولكن الحقيقة أن وقوفهم على المعاني ليس على ما تقتضيه الألفاظ من المعاني الظاهرة المتبادرة إلى الأذهان، وإنما هـو صرف لهـذه المعاني عن حـقائقها والمتبادر منها، وسلكوا في هذا الصرف طريقين:

    الأول: أن يحملوا الآيات على المجاز، وعلى غرائب اللغة. وستمر معنا نماذج لتأويلاتهم الباطلة وشبههم المنحرفة التي حرفوا فيها الكلم عن مواضعه، وحملوا ظواهر النصوص على معان غريبة ومجازات بعيدة.

    قال: (فهذا الظن الفاسد) أي: ظنهم أن السلف لم يقفوا على المعاني إنما وقفوا وأجروا الألفاظ دون النظر إلى معانيها، (أوجـب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء والظهر)، لأن حقيقة الأمر أن يكون الإسلام له ظاهر وباطن، فعلى هذا يكون له ظاهر يلغى، وباطن يختلف الناس في الوقوف عليه وفي بيان حقيقته، ومقتضاه أيضاً أن الله سبحانه وتعالى خاطب الخلق وخاطب الناس بما لا يعقلون، أو خاطبهم بألفاظ مجردة عن معانيها، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله في مواطن كثيرة عن سوء بدعة التفويض وأنها من شر البدع؛ لأن فيها التهمة لله جل وعلا التهمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم البيان (وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا في تصويبهم طريقة الخلف) فجمعوا بين سوءتين: الكذب والضلال؛ الكذب على السلف بأن طريقهم لم يكن فيه الوقوف على المعاني، والضلال في تصويب طريقة الخلف على طريقة السلف (فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف بالكذب عليهم، وبين الجهل والضلال في تصويب طريقة الخلف).

    1.   

    اعتقاد الخلف أن الله لا يوصف في نفس الأمر بما وصفته الآيات

    (وسبب ذلك) يعني: سبب هذا القول، وهذا ثاني ما بنى عليه المتكلمون طريقتهم وتصويبهم لطريقة الخلف: أنهم قالوا :(إنه ليس في نفس الأمر صفة) يعني: أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة، فلما اعتقدوا أن الصفات ممتنعة على الله جل وعلا وأنه لا يوصف بصفة، احتاروا في النصوص التي أُثبتت فيها الصفات، فذهبوا إلى تأويلها وصرفها عن ظاهرها، فاجتمع عندنا أمران سبّبا الضلال عند المتكلمين:

    الأمر الأول: طعنهم وجهلهم بطريقة السلف.

    السبب الثاني:اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة؛ لأن الصفة تقتضي التجدد والحدوث والله سبحانه وتعالى لا تحل فيه الحوادث. وسنتعرض لهذه الشبه في تفصيل ما يثبت من الأجوبة على أعيان المسائل التي سأل عنها السائل في سؤاله للشيخ.

    قال: (وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين) أي: الذين عطلوا الله سبحانه وتعالى عن أوصافه فقالوا: لا يوصف بصفة.

    قوله: (فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى، بقوا مترددين)، أي:

    بين أن يسيروا على طريقة السلف؛ فيجروا الألفاظ دون الوقوف على معانيها -كما زعموا- وبين أن يدخلوا في هـذه الألفاظ التي وردت بها النصوص بآرائهم فيؤولـولها ويصرفوها عن ظاهرها.

    قوله: (مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض هذا المعنى) وهذا بزعمهم طريقة السلف، كما قال: (و هي التي يسمونها طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع التكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف، فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع).

    وهذا (من فساد العقل)؛ لأنهم قالوا: إنه لا يوصف بصفة أي: إن الله لا يتصف بصفة، ومن (الكفر بالسمع): إذ إنهم اعتقدوا أن ظاهر الألفاظ كفر؛ لأنها تثبت الصفات فاجتمع عندهم باطلان: فساد العقل، حيث ظنوا أن الله لا يوصف بصفة، والكفر بالسمع، حيث قالوا: إن ظاهر القرآن وظاهر النصوص كفر؛ لأنها تثبت الصفات التي يحيلها العقل.

    1.   

    اعتماد الخلف في نفي الصفات على شبهات ظنوها بينات

    قال: (فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه. فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين: كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم) أي: فاستبلهوا السلف واستجهلوهم بناء على أن السلف لم يقفوا على المعاني وإنما أجروا الألفاظ على ظاهرها، وظنوا أن طريقتهم هي الطريقة الصواب، فلما أصبحوا في مفترق الطرق: إما أن يسيروا على طريق السلف وهي طريق الجهال والبلهاء -في نظرهم- أو طريق الخلف التي هي طريق العلماء والحكماء؛ فسلكوا طريق الخلف وذموا طريق السلف، وقالوا: إن طريق السلف أسلم؛ لأن حقيقتها الإيمان الخالي عن المعاني، وطريقة الخلف أحكم وأعلم؛ لأنها تؤدي إلى الإيمان المبني على العلم والحكمة، وكذبوا في ذلك وضلوا.

    قوله: (واعتقاد أنهم كانوا قوماً أميين بمنزلة الصالحين من العامة؛ لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا على قصب السبق في هذا كله).

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756354260