إسلام ويب

شرح العقيدة الطحاوية [6]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خص الله سبحانه وتعالى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الخصائص والمميزات عن غيرها من دعوات الأنبياء، من أهمها: أنها خاتمة الرسالات، وأنها عامة للجن والإنس، ومن أعظم ما خص الله تعالى به دعوة النبي عليه الصلاة والسلام: القرآن العظيم، وهو كلام الله رب العالمين.

    1.   

    خصائص دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

    دعوة النبي خاتمة الدعوات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:

    [ وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء ].

    قال المؤلف رحمه الله في تكملة ما يتعلق بتقرير رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وكل دعوى النبوة)، أي: وكل ادعاء للنبوة بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغي وهوى، فوصفها المؤلف رحمه الله بوصفين: (غي وهوى)، والغي: هو الجهل عن اعتقاد فاسد، فادعاء النبوة بعد نبوة النبي صلى الله عليه وسلم جهل ناشئ عن اعتقاد فاسد، وهو أنه تجوز النبوة بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وقول المؤلف: (وهوى) أي: واتباع للهوى وهو ما تشتهيه النفس وتميل إليه، فالهوى: مأخوذ من هوى يهوى إذا مال إلى الشيء والتذ به وانجذب إليه، فكل من ادعى النبوة بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعواه لا تخرج عن هذين:

    - عن كونها جهلاً ناشئاً عن اعتقاد فاسد، أو اتباعاً للهوى.

    دعوة النبي عامة للإنس والجن

    لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مبعوث إلى الناس كافة؛ وهذا يوجب على كل أحد يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتبعه وينقاد له، ويشهد له بالرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومما يدل على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله أمره بمخاطبة اليهود والنصارى، وهم بقية من الأمم السابقة الذين معهم كتب، وخاطبهم صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالاستجابة إليه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].

    فكل من لم يأت بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الإقرار له بالرسالة فهو كافر بالله العظيم، وما يدعيه أهل الكتاب من أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب أو بالأميين فهو كذب وضلال، وهذا في الحقيقة طعن وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأهل الكتاب الذين يقولون: نحن نؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لكنه خاص بالعرب، هؤلاء كاذبون مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر -وهو لا ينطق عن الهوى- بعموم رسالته، وإنما نحتاج إلى تقرير هذا حتى نرد على الذين يقولون في هذه الأزمان المتأخرة: اليهود على حق والنصارى على حق، ويسوون بين أهل الإسلام وغيرهم من أهل الكتاب ولا سواء؛ فهؤلاء يؤمنون بالله الواحد القهار الذي لا إله غيره، ويصدقون النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وبما جاء به، وأولئك يكذبونه في الأصلين، فهم يشركون بالله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، ويكذبون النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إنه إنما بعث للعرب خاصة وليس لعموم الناس.

    وأما عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للجن، فذلك مستفاد من سورة الجن، فإن سورة الجن الدلالة فيها ظاهرة في مواضع عديدة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهم، ويدل على ذلك أيضاً ما ذكره الله جل وعلا في سورة الأحقاف حيث قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ [الأحقاف:29]، أي: قضيت قراءة القرآن وقضي سماعه وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29]، منذرين بأي شيء؟ بما سمعوه وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا لما ولوا إلى قومهم منذرين وبينوا وجه الإنذار : قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف:30]، وهذا يدل على أنهم كانوا متعبدين لله، أو أن منهم من كان يعبد الله بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ [الأحقاف:30-31]، فهذا فيه وجوب اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووجوب الانقياد لما سمعوه من القرآن العظيم.

    ولا ريب أن الجن مخاطبون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ولا خلاف بينهم في أن الجن مخاطبون بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وصف ما جاء به النبي من الوحي

    فرغ المؤلف رحمه الله من تقرير هذا الأصل، ثم انتقل إلى تقرير ما يتعلق بالقرآن، لكن المؤلف رحمه الله ذكر قبل ذلك شيئاً من أوصاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [بالحق والهدى، وبالنور والضياء]، وهذا وصف مطابق لفظاً ومعنى لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالهدى ودين الحق، وبالنور والضياء، الحق في القول والعمل، والهدى في العلم والاعتقاد، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [الفتح:28]، الهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح، فبعث الله عز وجل رسوله بالحق في الأقوال والأعمال، وبالهدى في العلم والاعتقاد، وقد أثبت الله جل وعلا هذا الوصف فقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، فجعل الله النبي صلى الله عليه وسلم هادياً إلى صراط أثبت له الثبات والاستقرار والاستعلاء والتمكن من الصراط المستقيم، فقال: إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:43]، وانظر كيف أتى بحرف (على) الذي يفيد الاستعلاء والتمكن والاستقرار، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت قدمه على الصراط المستقيم ثباتاً متمكناً عالياً لا زوال له، وكل من سار على طريقه وأخذ بهديه واتبع سنته فإنه موافق له، وله نصيب من هذا الوصف المذكور (إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

    ثم قال: [ وبالنور والضياء ]، أي: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم نور وضياء، ولا ريب أن ما جاء به نور وضياء: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:122]، من أهم وأخص ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: إخراج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور، فالله عز وجل أخرج أهل الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من الهدى والنور.. أخرجهم من ظلمات الجهالات والتعاسات والشقاء في الدنيا إلى نور السعادة والعلم والعبادة في الدنيا قبل الآخرة.

    أما الآخرة فإنها نور ولا إشكال فيه؛ لأن أهل الإيمان يأتون تضيء لهم أعمالهم على قدر استمساكهم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فبقدر ما مع الإنسان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عقداً وعملاً بقدر ما يكون له من النور يوم القيامة.

    وما الفرق بين النور والضياء؟

    أما من حيث دلالة المعنى فالمعنى متقارب، لكن الفرق بين النور والضياء: أن النور: نور لا حرارة فيه، وأما الضياء: فإنه نور مع حرارة، قال الله جل وعلا: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [يونس:5]، هل بينهما فرق؟ نعم بينهما فرق؛ الشمس إضاءة ونور مع حرارة، والقمر نور لا حرارة فيه، وهكذا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمنه ما هو نور لا حرارة فيه، ومنه ما فيه حرارة، لكنها حرارة تعقب سعادة ولذة وطمأنينة.

    1.   

    تقرير أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق

    قال المؤلف بعد هذا في تقرير ما جاء عن أهل السنة والجماعة في مسائل القرآن:

    [ وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية؛ فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر؛ حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]؛ علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر ].

    صفة الكلام من دلائل ألوهيته سبحانه وتعالى

    هذا الكلام من أنفس ما في هذه العقيدة من تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه الصفة العظيمة.. صفة الكلام لله رب العالمين، والكلام صفة ذاتية للرب جل وعلا يثبتها أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل، ولما كانت صفة دل عليها العقل، أثبتها مثبتة الصفات، وإذا رأيتم في كلام العلماء: (مثبتة الصفات)؛ فالمراد بهم: من يثبتون بعض الصفات وينكرون بعضها كالأشاعرة والكلابية والماتريدية وأشباههم، فهؤلاء يثبتون شيئاً من الصفات وينكرون شيئاً.

    فمثبتة الصفات يثبتون لله عز وجل صفة الكلام؛ لأنها صفة كمال لله دل عليها العقل، والكلام صفة ذاتية؛ فلم يزل ولا يزال الله جل وعلا يتكلم أزلاً وأبداً كيف شاء جل وعلا: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف:109]، فهو سبحانه وتعالى متكلم، ومن عطل الله جل وعلا عن هذه الصفة وقال: إنه لا يتكلم. فقد افترى إثماً عظيماً على الرب جل وعلا، وأثبت له نقصاً كبيراً، فإن من دلائل ألوهية الله عز وجل واستحقاقه العبادة: أنه سبحانه وتعالى متكلم.

    ولذلك لما احتج إبراهيم عليه السلام على قومه في تأليههم من عبد غير الله.. احتج عليهم بأنهم لا يتكلمون، وذلك في قوله: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63] كذلك موسى عليه السلام احتج على إبطال عبادة العجل من قبل قومه بأنه لا يرجع قولاً، فكل من وصف الله عز وجل بأنه لا يتكلم فقد عطل الله جل وعلا عن صفة من الصفات الموجبة لإفراده بالعبادة سبحانه وتعالى.

    أثر تعطيل الله عن الكلام على الإيمان

    اعلم أن مسألة تعطيل الله جل وعلا عن صفة الكلام لها اتصال بالإيمان بالله، واتصال بالإيمان بالكتب، واتصال بالإيمان بالرسل، ولذلك كان الإخلال بهذه الصفة إخلال في جميع أنواع هذا التوحيد وهذه الأصول؛ الإيمان بالله، وبالكتب، وبالرسل، فإن الكتب كلام الله، والرسل أخبروا عن قول الله، والله جل وعلا متصف بالكلام، فمن قال: إنه لا يتكلم. فقد كذب الرسل فيما أخبروا به عن رب العالمين ولم يحقق الإيمان بالكتب؛ لأن الكتب كلام الله، وهو يعتقد أن الله جل وعلا لا كلام له.

    ثم هو قدح في الإيمان بالله، ونقص في الإيمان به، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: (ومن الإيمان بالله وكتبه ورسله؛ الإيمان بأن القرآن كلام الله؛ منه بدا وإليه يعود)؛ لأن القرآن كلام الله، ومن تمام الإيمان بالكتب وبالرسول الإيمان بأنه يتكلم، ولذلك كان التعطيل لهذه الصفة تعطيل لأنواع من التوحيد، وإخلال بعدة أصول من أصول الإيمان بالله، وبالكتب، وبالرسل.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وإن القرآن كلام الله ]، فلم يناقش المؤلف رحمه الله قولهم في صفة الكلام إنما ناقش قولهم في القرآن؛ فقرر ما يعتقده أهل السنة والجماعة في القرآن؛ لأن القرآن أشرف كلام الله عز وجل؛ فالقرآن أعظم ما تكلم به الله سبحانه وتعالى؛ فجعل الكلام منصباً ومتوجهاً إلى هذا الأصل العظيم؛ فإذا ثبت فغيره تابع له.

    أقسام كلام الله تعالى

    كلام الله جل وعلا ينقسم إلى قسمين:

    - كلام خلقي قدري كوني.

    - وكلام شرعي ديني أمري.

    والكلام الخلقي القدري الكوني: هو الذي يصدر عنه كل شيء في هذا الكون، ولا حَدَّ له ولا حصر، وهذا الكلام هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في تعوذه: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر)، فإن كلمات الله التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر هي الكلمات الكونية؛ لأنه لا خروج لأحد عن قدر الله، وكل ما يقع في الكون من خير أو شر فهو بكلمات الله الكونية التي لا يتجاوزها ولا يخرج عنها بر ولا فاجر.

    أما الكلام الشرعي الديني الأمري: فهو كلام الله عز وجل الذي كلم به رسله، وأنزل به كتبه كالتوراة والإنجيل والقرآن والزبور وغير ذلك من الكتب، وأشرفها القرآن ثم يليه التوراة، ولذلك تجد أن القرآن العظيم يذكر التوراة والقرآن كثيراً، فأشرف الكتب التي أنزلها الله وأشرف كلام الرب جل وعلا هو ما كان في القرآن العظيم وما كان في التوراة، وأشرف ذلك كله ما كان في القرآن: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23]، والآية تشير إلى ما أنزله الله عز جل على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا الكلام مما يتعبد به الله سبحانه وتعالى.

    أما الكلام القدري الكوني فإنه لازم لكل أحد، ولا يتعبد لله جل وعلا به، يعني بالتزامه وفعله؛ لأنه لا خروج لأحد عليه.

    وكلام الله الكوني يقال له أيضاً: الخلقي؛ لأنه الذي يحصل منه الخلق، ويوصف بهذا باعتبار أن الخلق صادر عنه، لا أنه مخلوق، فيسمى بالكلام الكوني القدري الخلقي، فهو مثل القضاء، والحكم، والإرادة الكونية فهي توصف بالخلقية لا لأنها مخلوقة ولكن لأنها تصدر عنها المخلوقات. هذه مقدمة موجزة فيما يتعلق بصفة الكلام لله عز وجل، ويأتي إن شاء الله تعالى بقية البحث فيما يتعلق بالقرآن في الدرس القادم.

    1.   

    الأسئلة

    سبب كثرة ذكر بني إسرائيل في القرآن

    السؤال: أمة بني إسرائيل كثيراً ما ذكرت في القرآن، لماذا؟

    الجواب: لأنها أعظم الأمم بعد أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى لله عليه وسلم كما في حديث المعراج ذكر بأن الأمم عرضت عليه بأنبيائها؛ فلما رأى بني إسرائيل ظن أنهم أمته لكثرتهم.

    ما جاء به النبي من وحي فيه نور وضياء

    السؤال: هل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي نور بلا حرارة في الترغيب، والضياء بالحرارة في الترهيب والوعيد؟

    الجواب: يمكن أن يقال هذا، ويمكن أن يقال: إن الضياء باعتبار ما في العبادات من مشقة كالصيام في أيام الحر فإنه ضياء لما فيه من مشقة وهي حرارة، وقد جاء الحديث بذلك؛ فوصف الصوم بأنه ضياء والصبر أيضاً؛ لأن فيه حرارة ومشقة.

    مسئولية الأمة في تبليغ دين الله

    السؤال: يقول الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]؛ فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الناس فمن يبلغ هؤلاء الناس بدينه الذي بعثه الله به؟ وهل الأمة مسئولة عن إبلاغ دينه كل في ثغرٍ يدعو بما يعلم؟

    الجواب: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا إشكال أنها لجميع الناس، والواجب على جميع الأمة أن تبلغ دين الله عز وجل كل حسب طاقته وحسب استطاعته، كما قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].

    والصحيح أن كل من لم تبلغه الحجة ولم تبلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كانت هذه حاله فإن الله يمتحنه يوم القيامة، مثلهم مثل المجانين والصغار الذين ماتوا من أطفال أهل الشرك، فهؤلاء يمتحنهم الله عز وجل؛ فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن امتنعوا دخلوا النار، واعلم أن الله حكم عدل لا يدخل النار إلا من استحقها: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس:44].

    صفة الكلام صفة ذاتية فعلية

    السؤال: هل صفة الكلام ذاتية فعلية؟

    الجواب: نعم هي صفة ذاتية فعلية، لكن الأصل فيها أنها صفة ذاتية، وهي فعلية باعتبار الأفراد وسيأتي إن شاء الله مزيد تقرير لهذا.

    نفي التقارب المدعى بين اليهود والنصارى والمسلمين

    السؤال: ما صحة دعوى التقريب بين الأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام؟

    الجواب: هؤلاء غلطوا غلطاً عظيماً، كيف يتقارب من يقول: إن معنى: لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، ومن يقول: عزير ابن الله والمسيح ابن الله؟ كيف ويتقارب من يقول: بأن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى عامة الجنِّ وكافة الورى، ومن يقول: إنه ما بعث فقط إلا للأميين العرب ولم يبعث لغيرهم؟ لا يمكن التقارب بين هؤلاء، تقريبهم إلينا بأن ندعوهم إلى الإسلام، وهذا لا بأس به وهو مأمور به، أما أن نتقرب نحن أو نقرب منهم. فهذا لا إشكال فيه أنه من أعظم الفتن.

    ثم الأمر واضح في خطاب بني إسرائيل وأهل الكتاب: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ [آل عمران:64]، يعني: مستوية بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64]، فنحن لا نجادلهم ولا نحاورهم ولا نناقشهم إلا على هذا الأصل الأول. أما الدخول معهم في مناقشات أخرى قبل تقرير هذا الأصل ويدعى أن هذا هو التقارب؛ فهذا غلط.

    والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755982628