إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [27]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يؤمن أهل السنة والجماعة بما تواترت به نصوص الكتاب والسنة، ودلت عليه الوقائع قديماً وحديثاً من وقوع كرامات لأولياء الله تعالى المتبعين لهدي نبيهم، وهم مع ذلك يفرقون بين الآية والمعجزة للنبي، والكرامة للولي، والسحر والشعوذة للسحرة وأتباع الشياطين.

    1.   

    إيمان أهل السنة بكرامات الأولياء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله: [ ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر فرق الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ].

    انتقل المؤلف رحمه الله إلى هذا الفصل الذي فيه بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الكرامات.

    قال: (ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء) التصديق ضده: التكذيب، فأهل السنة والجماعة يصدقون بكرامات الأولياء، والكرامات: جمع كرامة، وهي: خرق العادة على يد ولي صالح؛ لكن لابد من قيد مهم حتى تخرج عن غيرها من خوارق العادات، وهذا القيد: هو أن تكون على يد ولي صالح، ولذلك قيدها المؤلف هنا بالإضافة فقال: (بكرامات الأولياء) والأولياء هم: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، وهذا يفيد: أن الكرامات ليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم، بل هي فيهم وفي غيرهم.

    والملاحظ لأخبار الكرامات يجد أنها في غير الصحابة أكثر منها فيهم رضي الله عنهم؛ والسبب: أن الكرامة يحصل بها تثبيت الإيمان عند الحاجة، وكلما عظم إيمان الشخص قلت حاجته، والصحابة أعظم الناس إيماناً، فما كان من الكرامات في وقتهم لم تكن في الغالب لزيادة إيمانهم إنما هي لنصرتهم على خصومهم، ولذلك كثرت الكرامات فيمن بعدهم؛ لحاجتهم إلى ذلك.

    واعلم أنه يشارك الكرامة في خرق العادة شيئان: الآية وهي للنبي، وفعل السحرة والشعوذة وهي للدجالين، لكن اعلم أن الآية التي يسميها كثير من الناس المعجزة أعظم بكثير من الكرامة، ويكون فيها عموم وسلطان وحجة باهرة، بخلاف الكرامة فإنها دون ذلك بكثير. وأما ما يكون على أيدي السحرة فإنه من جنس الخفة في الحركة، أو من عون الشياطين، أو فتنة من رب العالمين، ومثال الأخير: ما يكون مع الدجال من الآيات التي تبهر ضعاف الإيمان، نسأل الله السلامة والعافية، ولكن الفارق بين خوارق العادات: مرجعها إلى من تجري على يديه، فإن كانت قد جرت على يد صالح ولي فهي كرامة، وإن جرت على يد نبي فهي آية، وإن جرت على يد دجال كذاب فهي شعوذة وسحر وبهتان. هذا من حيث من تجري على يديه.

    أيضاً تختلف هذه الأمور من حيث المقصود بها: فإن ما يجري على يد الساحر مقصوده به: عز نفسه، أو إبطال حق، أو إحقاق باطل، وأما ما يجري على يد الأنبياء والأولياء فإن مقصوده: زيادة الإيمان، وتثبيت الحق وإظهاره، فهو أيضاً مما يحصل به التفريق بين هذه الأمور الثلاثة.

    قال رحمه الله: (التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات)، ثم بين ما الذي تكون فيه خوارق العادات، قال: (في العلم والمكاشفات).

    الجنس الأول من الكرامات العلم: ويكون ذلك بأن يكشف للإنسان من العلم ما لا يكشف لغيره، سواء كان ذلك في علم الشريعة أو في العلوم الطبيعية والعادية.

    فمن جنس العلوم العادية: ما كشف لعمر رضي الله عنه وهو على المنبر في قصة قوله: يا سارية الجبل، فإنه كشف له الأمر، وقال هذا القول وهو على المنبر، وهذه الكرامة من جنس الكرامة التي تكون في العلم والكشف.

    الجنس الثاني من أجناس الكرامات: أنواع القدرة والتأثيرات، وهذا بأن يجري الله عليه ما يعجز عنه البشر في العادة، أو ما لا يمكن وقوعه في العادة، مثل ما جرى للعلاء بن الحضرمي لما مشى على الماء، وهذا في القدرة والتأثير.

    الجنس الثالث من أجناس الكرامات: أن يمكن الإنسان ما لا يمكن منه عادة، نظير ذلك: الاستغناء عن الطعام والشراب أياماً. وهذا مندرج تحت الجنس الثاني، لكن بعض أهل العلم فصله في قسم مستقل، وهو راجع إلى قول المؤلف رحمه الله: [ وأنواع القدرة والتأثيرات ].

    ثم أراد الاستدلال على هذا الأصل، وهو إثبات الكرامات والإيمان بها. فقال: [ كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها ]، قصة أصحاب الكهف فيها من الآيات ما الله به عليم، ومن أبرز ما يكون: مكثهم هذه المدة الطويلة نياماً، ثم استيقاظهم، والآيات فيها كثيرة، وغالبها من نوع القدرة والتأثير.

    ومن أمثلة ذلك أيضاً: قصص سورة البقرة، وقصة مريم لما كان يدخل عليها زكريا عليها السلام: وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً [آل عمران:37]، والآيات والكرامات كثيرة في كتاب الله عز وجل.

    قال: [ وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة ].

    [ وسائر فرق الأمة ] هكذا في النسخة التي بين أيدينا، وفي نسخة أخرى: (وسائر قرون الأمة) وهو أصح؛ لأن مراد المؤلف أن الكرامة لم تقتصر فقط على الصحابة والتابعين بل هي موجودة في سائر قرون الأمة؛ فليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم.

    قال: [ وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ].

    الكرامات موجودة في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وإنما تكثر وتوجد عند الحاجة، لكن هل الكرامة تطلب أو يَمنُّ بها الله بدون طلب؟ الغالب أنه يَمنُّ بها بدون طلب، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يتعرض لطلبها وسؤالها بل: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، والله أعلم بمواضع الفضل وبمستحقه.

    1.   

    اتباع أهل السنة لآثار السلف

    قال رحمه الله: [ فصل: ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة).

    ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة، وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين.

    والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين.

    وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.

    والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة ].

    هذا الفصل في ختام هذه الرسالة المباركة عقده المؤلف رحمه الله لبيان السمات العامة في السلوك والعمل لأهل السنة والجماعة؛ فإنه ذكر الأصول التي طوى عليها أهل السنة والجماعة قلوبهم في الفصول السابقة، وبين ذلك بياناً شافياً واضحاً، ثم هذا الفصل والذي بعده فيه بيان لمجمل ما يتسم به منهج أهل السنة والجماعة.

    قال رحمه الله: [ ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً ].

    الآثار المقصود بها سنته صلى الله عليه وسلم، فاتباع الآثار، أي: اتباع ما أثر عنه في القول والفعل.

    وقوله رحمه الله: [ باطناً وظاهراً ] بيان لعناية أهل السنة والجماعة للمسلك القلبي والمسلك العملي؛ فهم لا يقتصرون في اتباع الآثار على ما تقع عليه الأبصار إنما يتبعون الآثار في باطن الأمر وظاهره، وقدم الباطن؛ لأنه الأصل في الثواب والجزاء؛ ولأنه الباعث للاتباع الظاهر، فتقديمه للباطن ليهتم الإنسان بذلك، ولبيان منزلة الاتباع الباطني.

    قال: [ واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ].

    وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الصحابة تلقوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدوا التنزيل، ومَنَّ الله عليهم بفهم وعمق في النظر لم يحصل لغيرهم؛ فسبيلهم هو السبيل القويم، وفهمهم هو الفهم المستقيم الذي يجب على أهل السنة والجماعة ويجب على الأمة الاستمساك به والرجوع إليه.

    قال: [ واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي) ] والمقصود بالسنة هنا الطريقة لا السنة الاصطلاحية التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، إنما المقصود بالسنة هنا الطريقة والشريعة والسبيل والمنهج، (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً) فالخلافة المهدية الراشدة هي خلافة الأربعة، وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وهذا تخصيص بعد تعميم؛ فالعموم الذي يستمسك به أهل السنة والجماعة هو منهج السلف الصالح من الصحابة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وأخص أولئك بالاتباع والاستمساك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بسنتهم، وهم الخلفاء الأربعة الراشدون المهديون، وأخص هؤلاء أبو بكر وعمر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا بالذين من بعدي، أبي بكر وعمر)، وقال في الغزوة التي تقدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا)، فلهما من الخاصية والميزة في الاتباع والاقتداء بأفعالهم العامة والخاصة ما ليس لبقية الخلفاء الراشدين المهديين الأربعة؛ فهذا تخصيص بعد تخصيص: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، ثم بين ما الذي يجب في هذه السنة، فإن قوله: (عليكم) هذا حزم وفرض للسنة بطريقته وطريقة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

    قال: (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، تمسكوا بها، أي: استمسكوا بها، واعملوا وخذوا بها، وأمر بشدة الاستمساك والاعتصام بالسنة فقال: (وعضوا عليها بالنواجذ)، والنواجذ هي: أقصى الأسنان التي يستمسك بها على الشيء حتى لا يكاد يفلت.

    قال: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، في الرواية التي عندنا: (فإن كل بدعة ضلالة)، وليس فيها: (فإن كل محدثة بدعة) وهي في رواية أخرى، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات، وقوله: (محدثات الأمور) المقصود: الأمور التي يتعبد بها، يعني: من أمر الشريعة والدين، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا - يعني: أمر الشريعة والدين - ما ليس منه فهو رد)، (فإن كل بدعة ضلالة) وهذا عموم لا مخصص له، ومن رام تخصيص ذلك فعليه الدليل ولا دليل، وهذا من العمومات القوية المحفوظة من التخصيص.

    قال رحمه الله: [ ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله ]، كما قال الله جل وعلا: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].

    [ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ]، فهو أكمل الهدي وأتمه، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، والخلق: هو الهدي والدين، وليس المقصود بالخلق فقط ما يستحسن في المعاملة، بل هو أعم من ذلك؛ فيشمل الهدي والدين.

    [ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس]؛ لأن كلام الله حجة قاطعة، وكلام الله برهان ساطع لا يقوم مقامه غيره، ولذلك يؤثرونه على غيره من الكلام.

    [ ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد ]، من رام نجاة نفسه فهذا هو سبيل النجاة، وقد نهى الله جل وعلا عن التقدم بين يدي الله ورسوله بشيء، وتقديم كلام غير كلام الله وغير كلام رسوله من التقدم بين يدي الله ورسول؛ فالواجب على المؤمن الاستمساك بهذا الغرز، وهذا المنهج والسبيل.

    ثم قال: [ ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة ]، أهل الكتاب؛ لاعتصامهم بالكتاب، وأهل السنة؛ لاعتصامهم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    [ وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة ].

    فأهل السنة والجماعة أهل اجتماع وائتلاف؛ عملاً بالنصوص المتواترة الكثيرة في كتاب الله وفي سنة رسوله التي تدعوا إلى الاجتماع، وتنبذ الفرقة والاختلاف، فإن النصوص التي تأمر بالاجتماع وتنبذ الفرقة والاختلاف كثيرة جداً في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة الجماعة يؤثرون الاجتماع ويقدمونه على كل شيء وينهون عن التفرق والاختلاف، ويذمون ذلك.

    قال: [وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين].

    وهذا فيه بيان الاستعمال العرفي للجماعة، وأنه ليس المراد بوصف أهل السنة والجماعة بهذا الوصف لكونهم مجتمعين، ولكن لأنهم يأمرون بالاجتماع وينبذون الافتراق، يعني: كل أهل بدعة جماعة، وكل أناس اجتمعوا على قول أو رأي فهم جماعة، لكن هل هذا هو الوصف الذي يراد بقولنا: أهل السنة والجماعة؟

    لا؛ لأن هذا الوصف ليس مميزاً لهم عن غيرهم، إنما الذي يميزهم عن غيرهم هو اجتماعهم على الحق، وذمهم للفرقة والاختلاف، فتنبه لهذا الفرق؛ فقوله: [وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين] هذا بيان: أن المعنى العرفي للجماعة ليس هو الذي يوصف به أهل السنة والجماعة، إنما الذي يوصف به أهل السنة والجماعة هو الاجتماع، ونبذ الفرقة والاختلاف.

    1.   

    أصول منهج أهل السنة والجماعة

    قال: [ والإجماع هو الأصل الثالث ].

    أيضاً هم سموا بهذا الاسم لاعتمادهم الإجماع. فهذا ثاني ما سمي أهل السنة من أجله بالجماعة، سموا بأهل الجماعة أولاً: لكونهم مجتمعين يذمون الفرقة والاختلاف، ولكونهم يعدون الإجماع أصلاً من أصول الدين التي يستندون إليها في إثبات العقائد والأحكام، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، والعلم المقصود به ما يعلم من أمور الغيب وما يعلم من أمور الاعتقاد، والدين المقصود به العمل، والمراد أنهم يثبتون به ما يتعلق بالعقائد والأعمال.

    قال: [ وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين بهذه الأصول الثلاثة، وهي: الكتاب والسنة والإجماع ].

    يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من الأقوال والأعمال والعقائد؛ فما وافقها قبل، وما خالفها رد على من قاله كائناً من كان، وهذه الأصول هل هي أصول معصومة؟ نعم معصومة جميعها؛ لأن أول أصل الكتاب وهو معصوم لا إشكال في ذلك، والأصل الثاني السنة الثابتة الصحيحة وهي معصومة، والأصل الثالث الإجماع وهو معصوم؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة.

    واعلم أن الإجماع لا يمكن أن يثبت إلا وله مستند من الكتاب أو السنة، فإذا علمت أن أهل العلم أجمعوا على مسألة فاعلم أن لهذه المسألة دليلاً من كتاب الله وسنة رسوله، وبه نعلم أن أهل السنة والجماعة لا يزنون الناس بآرائهم ولا بأذواقهم ولا بأهوائهم، إنما يزنون الناس أقوالاً وأعمالاً وعقائد بهذه الموازين الدقيقة، والمعايير الثابتة البينة، وهي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة.

    قال: [والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح].

    هذا فيه بيان الإجماع الذي يحتج به، وأنه ليس مجرد قول لبعض العلماء اتفقوا عليه أو أجمعوا عليه، الإجماع الذي يستند ويعتمد عليه ويصدر عنه هو ما كان عليه السلف الصالح. وهذا أجود ضابط في الإجماع المعتبر الذي لا يعذر المرء في مخالفته، ما السبب في ذلك؟

    قال: [ وبعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة ].

    أولاً: لكونهم خير القرون بشهادة النبي صلى الله عيه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم).. هذا وجه ترجيح إجماعهم.. بالنظر إلى المجمعين. أما قوله رحمه الله: [ وبعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة ]. هذا ترجيح لإجماعهم على غيرهم بالنظر إلى إمكان الإجماع وحصول الاجتماع؛ فإن الصحابة عددهم محصور، وليس المراد كل صحابي ولو لم يكن من أهل العلم، إنما المراد به من يعتبر إجماعهم، من الصحابة العلماء الذين يرجع الناس إليهم، ويصدر عن أقوالهم؛ فإن حصر هؤلاء ومعرفة آرائهم وأقوالهم ممكن وسهل بخلاف العلماء بعد عصر الصحابة؛ فإن الأمة قد كثرت وانتشرت، والخلاف أيضاً كثر وانتشر؛ فيتعذر التحقق من الإجماع؛ ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، ما يدريه لعلهم اختلفوا؟! وهذا صحيح، أما في عهد الصحابة رضي الله عنهم فإن حصر ذلك والتحقق منه ممكن ميسور.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756441413