إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [15]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب علينا التسليم بكل ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه من صفاته، ومن ذلك أنه معنا رقيب ومطلع علينا، لا تخفى عليه خافية، فله سبحانه المعية العامة لجميع خلقه، وله المعية الخاصة لعباده المؤمنين، ولا تنافي بين ذلك وبين علوه واستوائه على عرشه جل وعلا، فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو على كل شيء قدير.

    1.   

    وجوب الإيمان بالاستواء والمعية دون تنافٍ بينهما

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [وليس معنى قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4]، أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.

    وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع إليهم... إلى غير ذلك من معاني ربوبيته ].

    هذا فيه الرد على الذين قالوا بأن الله سبحانه وتعالى له معية يخالط بها خلقه، فمنهم من أثبت ذلك وهم الحلولية، ومنهم من أنف عن هذا فألغى المعية، فيبين المؤلف رحمه الله أن قوله سبحانه وتعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4]، لا يلزم عليه هذه اللوازم الباطلة، والاعتقادات الفاسدة في رب العالمين، فقال: (وليس معنى قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4] أنه مختلط بالخلق) بين عدم دلالة هذا اللفظ على هذا المعنى بعدة أوجه:

    الوجه الأول: إن هذا لا توجبه اللغة، هذا أول الأوجه في إبطال أن معنى المعية المخالطة. لماذا لا توجب اللغة هذا المعنى؟

    لأن ( ما ) في كلام العرب تفيد مطلق المقارنة والمصاحبة، ولا يلزم من ذلك المخالطة والممازجة والمماسة، هذا هو الوجه الأول لإبطال قول من قال: إن من لازم قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4] أن يكون مختلطاً بخلقه، فيقال: هذا المعنى لا توجبه اللغة؛ لأن ( ما ) في جميع استعمالاتها في اللغة ليس مما تفيده أن ثبوت المعية يقتضي المخالطة والممازجة والمماسة، هذا أمر.

    الوجه الثاني: قوله: (وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة) فسلف الأمة يعتقدون اعتقاداً راسخاً ثابتاً بأن الله سبحانه وتعالى فوق عرشه، بائن من خلقه، وهو معهم جل وعلا أينما كانوا، فلم يفهم سلف الأمة من إثبات المعية أنه مخالط للخلق، أو أنه ممازج للخلق، أو أنه حال فيهم، أو أنه متحد بهم، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً! وهذا خلاف ظن الذين قالوا: إنه معنا بذاته في كل مكان، فالذين يقولون: إن الله في كل مكان، يلزم منه أن يكون سبحانه وتعالى في المطابخ والحشوش وأماكن مستقذرة، وكان الجهمية في البداية يقولون: إن الله في كل مكان، فلما أورد عليهم: كيف لا تنزهون الرب عن أن يستوي على أعظم مخلوقاته وهو العرش وتجعلونه في كل مكان، في الأواني والصحون والحشوش؟!

    فقال متأخروهم: إنه ليس فوق العالم، ولا داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ووصفوه بالعدم، هذا قول متأخري الجهمية؛ وسبب ذلك هو ما أورد عليهم من إشكالات لما قالوا: إنه سبحانه وتعالى في كل مكان.

    فسلف الأمة مجمعون على أن المعية لا تقتضي المخالطة، فمن الجمل والعقائد التي شحنت بها كتب أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه -بائن أي: منفصل عن خلقه- ليس فيه شيء من خلقه، ولا هو في شيء من خلقه سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً!!

    وقد أنكر القرآن ما يعتقده النصارى من أن الله عز وجل حل في المسيح، وأن فيه من الرب ما جعله إلهاً في مواضع كثيرة.

    الوجه الثالث في إبطال هذا المعنى: (وخلاف ما فطر الله عليه الخلق)، فالخلق مفطورون على أن الرب سبحانه وتعالى في العلو، فلا أحد يطلب ربه يمنة ولا يسرة ولا تحت، كل من طلب ربه طلبه في جهة العلو سبحانه وتعالى، وهؤلاء يقولون: إن توجه الداعي إلى السماء في دعائه؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل السماء قبلة الدعاء كما جعل الكعبة قبلة المصلين، سبحان الله! وكيف نجيب عليهم؟

    نجيب عليهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بربه، فإنه لما استشهد الله على أمته أشار إلى جهة العلو، وهل كان يدعو؟

    لا. لم يكن داعياً، فبطل قولهم: إن السماء قبلة الدعاء.

    فنقول: السماء تتوجه إليها القلوب وتفزع إليها فطرةً قبل أن يعلم العالم بأن رب السماوات والأرض عليها، وأنه في جهة العلو سبحانه وتعالى، وهذا معنى قوله: (وخلاف ما فطر الله عليه الخلق) وهذا استدلال بالفطر، فالآن عندنا استدلال:

    باللغة.

    وبالإجماع.

    وبالفطرة.

    الدليل العقلي في إثبات معية الله العامة لخلقه دون الاختلاط بهم

    ثم أتى بالدليل العقلي في قوله: (بل القمر...) ويمكن أن نقول: إنه دليل عقلي ودليل حسي في نفس الوقت؛ لأنه دليل محسوس.

    قال: (بل القمر آية من آيات الله، من أصغر مخلوقاته -أي: السماوية- وهو موضوع في السماء) يعني: في العلو، وإلا فإنه دون السماء الدنيا، فإن هذه الكواكب السيارة دون السماء الدنيا فيما يظهر، أما القمر فيقين أنه دون السماء الدنيا.

    فقوله رحمه الله: (وهو موضوع في السماء) أي: في العلو، ثم قال في بيان وجه التنظير بين علو الله عز وجل وعلو القمر: (وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان)، فهل كون القمر مع المسافر وغير المسافر اقتضى أن يكون مخالطاً للمسافرين، ومخالطاً للناس؟

    الجواب: لا. فإذا كان كذلك وأدركته عقولنا، وقبلته أذهاننا فيما يتعلق بمخلوق من أصغر مخلوقات الله السماوية، فكيف به جل وعلا وهو الكبير المتعال؟! فلا يلزم من إثبات معيته مخالطته لخلقه، وهذا برهان واضح، ودليل ساطع، يقطع حجة أولئك الذين قالوا: يلزم من إثبات معية الله لخلقه أن يكون مخالطاً لهم، وهل في هذا التنظير محذور شرعي؟

    الجواب: لا. ليس فيه محذور شرعي، وذلك أن التنظير في المعنى لا في كل ما يلزم من المثال، إنما التنظير من بعض الوجوه، وإلا فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وقد جاء في بعض روايات حديث: (ما منكم من أحد إلا وسيكمله ربه ليس بينه وبينه ترجمان، أن أبا رزين العقيلي قال: يا رسول الله! كيف وهو واحد ونحن الجميع؟ فقال: سأذكر لك مثل ذلك بآية من آيات الله وهي القمر، فكلكم يراه مخلياً به -يعني: ليس بينه وبينه أحد-) فهذا تمثيل وتنظير نبوي وقياس عقلي في إثبات هذا المعنى الذي جاء به النص.

    المهم أن الدليل واضح وساطع، وهو آخر ما ذكره المؤلف رحمه الله من الأدلة على عدم لزوم المعية لمخالطة الله عز وجل لعباده، وهناك دليل لم يذكره المؤلف رحمه الله، وقد ذكره في غير موضع من كلامه في الفتاوى وفي كتب عديدة وهو: أن المعية في كلام الله عز وجل جاءت على نوعين:

    معية عامة.

    ومعية خاصة.

    المعية العامة في مثل قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، هذه المعية العامة.

    والمعية الخاصة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر: (لا تحزن إن الله معنا)، وأيهما أكثر وروداً في كتاب الله، الإخبار بالمعية العامة أو المعية الخاصة؟

    الإخبار بالمعية الخاصة، ومن لازم إثبات المعية الخاصة أن يكون فيها من المعنى ما ليس في المعية العامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لـأبي بكر : (لا تحزن إن الله معنا)، هل هذه المعية التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثابتة لخصومهم الذين كانوا يلاحقونهما؟

    الجواب: لا. فلما ثبتت المعية الخاصة دل ذلك على أن المعية العامة لا تقتضي المخالطة؛ لأنها لو كانت تقتضي المخالطة لانتفى التخصيص، وهذا دليل واضح بين يدل على أن المعية العامة الثابتة في كلام الله عز وجل لا تقتضي المخالطة ولا الممازجة، بل هو جل وعلا بائن من خلقه، ليس فيه شيء من خلقه ولا هو في شيء من خلقه سبحانه وتعالى، هذا خامس الأدلة التي ذكرها الشيخ رحمه الله في إبطال هذا المعنى الذي توهمه المبطلون في هذه الصفة التي أخبر بها سبحانه وتعالى عن نفسه.

    ثم قال رحمه الله: (وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان) وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل) هذا فيه إثبات المعية الخاصة أم العامة؟

    المعية العامة؛ لأنه مصاحب للمسافر، ومصاحب لمن خلفه؛ ولذا قال: (أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل)، والأهل هل هم معه أو خلف ظهره؟

    خلف ظهره، وهذا من الأدلة الدالة على ثبوت المعية العامة، وإن كان فيها نوع تخصيص؛ لأن قوله: (وأنت الخليفة في الأهل) كأنه يقول: احفظهم، (وأنت الصاحب في السفر) كأنه يقول: احفظني، أو أعني على سفري، لكن مفاد الأمرين هو: ثبوت المعية العامة له سبحانه وتعالى، فلا يعارض كونه مع المسافر أن يكون مع غيره؛ لأن معيته لا تقتضي الممازجة والمخالطة.

    ثم قال رحمه الله: (وهو سبحانه فوق العرش) من أين هذا؟

    من الآيات التي مرت معنا في إثبات علوه سبحانه وتعالى، وهو صريح حديث الأوعال الذي قال فيه: (والله فوق العرش).

    من مقتضيات المعية

    ثم قال: (رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى) ذكر ثلاثة لوازم ومقتضيات من مقتضيات المعية:

    الاطلاع.

    الرقابة.

    الهيمنة.

    وهذا تفسير للمعية باللازم، وهذا ما فيه إشكال، فتفسير المعية بهذه الأمور هو تفسير لها باللازم، لكن لماذا فسر أهل السنة والجماعة المعية بلازمها؟ هل لأنهم لا يثبتون مدلول اللفظ؟

    الجواب: لا. إنما فسروها بذلك لإبطال قول من قال: بأن المعية تقتضي المخالطة والممازجة، وإلا فتفسيرها باللازم لا ينفي أنهم يثبتون مدلول المعنى، فثبوت لازم اللفظ يلزم منه إثبات الملزوم وهو ما دل عليه اللفظ، وهذه مسألة مهمة، وهي أن ما فسره السلف بلازمه لا يعني أنهم لا يثبتون مدلول اللفظ، بل هم يثبتون مدلول اللفظ على حقيقته اللائقة بالرب جل وعلا، وإنما احتاجوا إلى هذا لينفوا اعتقاد المبطلين الذين جعلوا المعية تقتضي المخالطة.

    وقد ورد تفسير المعية بهذا في كلام السلف، فنقل تفسير المعية بالعلم عن ابن عباس وعن الإمام أحمد وعن غيرهما من أئمة السلف من الصحابة ومن بعدهم.

    فقوله رحمه الله: (إلى غير ذلك من معاني ربوبيته) هذا فيه الإشارة إلى أن إثبات المعية هو إثبات لها، وإثبات للوازمها وما يلزم على ثبوت هذه الصفة، فهو سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه واطلاعه وهيمنته وقدرته وسلطانه، كل ذلك ثابت له، وهو مندرج في معاني ربوبيته سبحانه وتعالى؛ لأنها لا تتحقق الربوبية إلا بتمام الاطلاع والقدرة والعلم بحال المخلوق؛ ولذلك قال: (إلى غير ذلك من معاني الربوبية) ليشمل كل ما ورد عن السلف من تفسير للمعية، وأشهر ما ورد عنهم تفسيرها بالعلم.

    1.   

    وجوب صون الله سبحانه وتعالى عن الظنون الكاذبة

    قال رحمه الله: (وكل هذا الكلام الذي ذكره الله -من أنه فوق العرش وأنه معنا- حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن ظاهر قوله (في السماء) أن السماء تقله أو تظله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25]).

    يقول رحمه الله: (وكل هذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه -من أنه فوق العرش) وهذا علوه الخاص (وأنه معنا)- وهذا فيه إثبات معيته العامة (حق على حقيقته) أي: ثابت على حقيقته (لا يحتاج إلى تحريف) يعني: لا نحتاج إلى أن ندخل فيه متأولين بآرائنا، بل يجب إجراء ما أخبر الله به عن نفسه كما أخبر، فلا حاجة إلى التحريف الذي يسمونه تأويلاً، لكن ما الذي يحتاجه المؤمن في هذا المقام؟

    الذي يحتاجه هو ما أشار إليه في قوله: (ولكن يصان عن الظنون الكاذبة)، وهذا فيه فائدتان:

    الفائدة الأولى: بيان سبب تحريف من حرف في هذه الصفة، وهو أنه اعتقد معنىً باطلاً فيما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه فاضطر إلى تأويله وتحريفه . هذه فائدة.

    الفائدة الثانية: أنه يجب على المؤمن أن يجري هذا الأمر في كل ما أخبر الله به عن نفسه، وهو: أن يصون قلبه وفكره عن كل ظن سوء بربه؛ لأن من ظن بالله ظن السوء أوقعه ذلك في المهاوي والمهالك؛ ولذلك مثل رحمه الله بأمثلة فيما يتعلق بهذه الصفة وهي ثبوت العلو مع ثبوت المعية، فقال: (مثل أن يظن..) إلى آخر ما قال.

    واعلم -يا أخي الكريم- أن الظن الفاسد فيما أخبر الله به عن نفسه يترتب عليه مفسدتان عظيمتان:

    المفسدة الأولى: الجناية على النصوص بالتحريف، فمن فهم من كلام الله وكلام رسوله معنىً باطلاً ضرب كل طريق، وسلك كل سبيل لإبطال هذا المعنى الباطل الذي توهمه.

    إذاً: المفسدة الأولى من مفاسد الظنون الكاذبة في كلام الله وكلام رسوله: الجناية على النصوص بالتحريف.

    المفسدة الثانية: ظن السوء بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ظن أن الله تكلم وأخبر عن نفسه بمعانٍ باطلة فاسدة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن ربه بما لا يليق أن يخبر به مطلقاً، بل كان الواجب عليه أن يقيد ويبين، وهذا فيه ظن سوء بالله عز وجل، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، ولو صان المؤمن قلبه وعقله وفكره عن هذه الظنون الكاذبة لسلم.

    من أمثلة الظنون الكاذبة

    مثل رحمه الله بالظنون الكاذبة في هاتين الصفتين فقال: (مثل أن يظن أن ظاهر قوله (في السماء) أن السماء تقله أو تظله) تقله يعني: تحمله، أو تظله يعني: يكون تحتها، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

    يقول: (وهذا الظن الفاسد باطل بإجماع أهل العلم والإيمان) أهل العلم هم أهل البصيرة بكتاب الله وسنة رسوله، وأهل الإيمان يشمل كل أهل الإسلام؛ ولذلك لا ينقدح في نفس عموم المسلمين الذين لم يتلوثوا بهذه اللوثات البدعية أن معنى قوله تعالى: فِي السَّمَاءِ [البقرة:144] أن السماء تظله أو تقله، لا يرد هذا على خاطر أو بال عوام المسلمين، إنما يفهمون من هذا اللفظ تعظيم الله جل وعلا، وأنه على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

    ولو قلت لأحد من المسلمين: هل تفهم من قوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أن السماء تحمل الرب جل وعلا؟لاقشعر بدنه.

    ولو قلت له: هل تفهم من هذا أن السماء تظله؟

    لأنكر ذلك؛ وذلك لأن هذا لا يأتي إلا من الظنون الكاذبة التي أشار إليها الشيخ ونبه عليها في أول الكلام، فلو أن المؤمن صان هذا لسلم من هذه الإيرادات الفاسدة.

    ثم قال: (فإن الله قد وسع) هذا تقرير لبطلان هذا الظن الكاذب، (فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض) والكرسي: هو خلق من خلق الله، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، فإذا كان هذا خلقه فكيف به جل وعلا؟

    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]، لو قدروا الله حق قدره ما دارت هذه الخواطر في قلوبهم، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41]، فكيف تحمله وكيف تظله؟ ومعنى (أن تزولا) أي: أن تتحول من مكانها أو أن تعدم، فالزوال يطلق على الأمرين:

    يطلق على العدم.

    ويطلق على تحول الشيء من حال إلى حال.

    فتقول: زالت الشمس، أي: تحولت من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وتقول: زال الشيء، يعني: انعدم واضمحل، وكلاهما ثابت لله عز وجل، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، أن تتحول وتختل ويفسد نظامها، وأيضاً هو الذي يمسكها عن أن تعدم جل وعلا.

    وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65]، والسماء هنا: المراد بها كل ما هو عال، فيدخل فيه إمساكه جل وعلا للشمس والقمر والنجوم والكواكب، لو شاء الله لتساقطت هذه الأجرام العظيمة على الأرض، لكنه يمسكها سبحانه وتعالى، ولا تقع إلا بإذنه جل وعلا، أي: بإذنه الكوني وتقديره سبحانه وتعالى، ولو أن الله سبحانه وتعالى لم يقم عليها لاختل نظامها وسيرها، ولذلك قال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25]، تقوم أي: تسير سيراً مستقيماً بما فيها من الكواكب وبما فيها من الخلق الذي لا يعلمه إلا هو جل وعلا.

    (بِأَمْرِهِ)، أي: بأمره الكوني.

    والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755945009