إسلام ويب

فن التعامل مع الزوجةللشيخ : إبراهيم الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الزواج كلمة يرقص لها القلب طرباً، وينشرح لها الصدر طلباً، وهي نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على عباده. وركنا هذا الزواج هما الزوج والزوجة .. جمع الله بين هذين القلبين الغريبين، وجعل بينهما مودة ورحمة، وطمأنينة وسكينة، وراحة واستقراراً، وأنساً وسعادة. والحديث هنا إلى صاحب هذه المملكة الصغيرة، نعم. فالزوج ملك لهذه الأسرة الصغيرة، فيا أيها الملك! إن أردت السعادة لهذه المملكة الصغيرة، وأردت الاستقرار والراحة النفسية؛ فلابد من تحقيق قوامتك بأركانها وشروطها وآدابها الشرعية.

    1.   

    عرض لبعض الشكاوى الزوجية وكيفية علاجها

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد: أيها الأحبة في الله!

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    لاشك أيها الأحبة! أن الزواج كلمة يرقص القلب لها طرباً، وينشرح الصدر لها طلباً، وهي نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على عباده! قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].

    وركنا هذا الزواج هما: الزوج والزوجة، جمع الله بين هذين القلبين الغريبين، وجعل بينهما مودةً ورحمةً، وطمأنينةً وسكينةً، وراحةً واستقراراً، وأنساً وسعادةً.

    وجعل القوامة بيد الرجل فقال الله عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].

    وحديثي هذه الليلة إلى صاحب هذه المملكة الصغيرة، نعم. فالزوج ملك لهذه الأسرة الصغيرة، فيا أيها الملك! إن أردت السعادة لهذه المملكة الصغيرة، وأردت الاستقرار والراحة النفسية؛ فلا بد من تحقيق هذه القوامة بأركانها وشروطها وآدابها الشرعية.

    شكاوى الأزواج

    شكا بعض الإخوة حالهم مع أزواجهم، فقائل يقول:

    - أين السعادة والراحة النفسية؛ فإني لم أشعر بشيء من ذلك؟

    - وقائل يقول: لم أعد أطيق تصرفاتها وحمقها.

    - وقائل آخر: أزعجتني بكثرة خروجها وزياراتها.

    - وقائل آخر يقول: أرهقتني بكثرة طلباتها ومصاريفها.

    - وقائل: تعبت من كثرة هجرها للفراش وتمنعها.

    - وقائل: لم أعد أرى ذلك الجمال ولا التجمل إلا في المناسبات والأفراح.

    - وقائل: لا تهتم بأولادها وتربيتهم ومتابعتهم.

    - وقائل: تعبت من إلحاحها بجلب خادمة أتعورها وأُفتن بها.

    - وقائل: لا تهتم بي، ولا ترعى خاطري.

    - وقائل: لم أسمع منها كلمةً طيبةً أو عبارةً رقيقةً.

    - وقائل: لم أعد أطيق؛ فسأطلق.

    وغير ذلك مما تسمعون وتقرءون وتشاهدون، وكأن حال لسان كل واحد من أولئك يلقي باللوم كله على الزوجة المسكينة ويبرئ نفسه!

    وأنا هنا أعرف أنني أوقعت نفسي بموقف حرج، فهل أنتصر لبني جنسي من الرجال؛ فتغضب علي النساء، أو أني أميل لجنس آخر؛ فيغضب علي الرجال؟! وبعد جهد جهيد وتفكير عميق، عرفت أنه لا نجاة لي إلا بالرجوع إلى المصدر الأصلي، إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، إلى الله عز وجل الذي خلق الرجال والنساء، وفضل كلاً منهما بفضائل ومميزات فيكمل كلٌ منهما الآخر، فخرجتُ أن سبب تلك المشاكل كلها يتحملها الرجل والمرأة بحد سواء،

    فكلٌ عليه تبعات وله مهمات.

    شكاوى الزوجات

    فإن كنت تشكو أيها الرجل فإن المرأة تشكو أيضاً.

    - فقائلة تقول: الصباح في وظيفته، والليل مع شلته، ولا نراه إلا قليلاً.

    - وقائلة: لا يسمح لي بزيارة أهلي والجلوس معهم.

    - وقائلة: لا ينظر إلى أولاده، ولا يهتم بهم ولا بمطالبهم.

    - وقائلة: يشتمني ويضربني ويسيء إلي أمام أولادي.

    - وقائلة: آذاني برائحة الدخان، وتركه للصلاة.

    - وقائلة: كثير النقد والملاحظات، والسباب واللعان.

    - وقائلة: دائماً يهددني بالطلاق والزواج من أخرى.

    - وقائلة: أتجمل وأتزين ولم أسمع منه كلمة إعجاب أو غزل.

    - وقائلة: يمنعني من الدروس والمحاضرات، ولم يحضر لي شريطاً أو كتاباً فيه خير.

    - وقائلة: كثير السهر والجلوس أمام الأفلام والمباريات.

    - وقائلة: لا يشاورني ولا يجلس معي، ويثور لأتفه الأسباب.

    - وقائلة: آذاني بكثرة جلساء السوء، تدخين وغناء وشقاء.

    - وقائلة: لا يهتم بي وبطلباتي الخاصة ولا حتى بالمنزل وطلباته.

    - وقائلة: يسافر كثيراً، وليس لنا نصيب ولو عمرة في السنة.

    مفهوم الحياة الزوجية

    وأقول: الحياة الزوجية تعاون وتآلف وحب ووئام، وإن أمثل قاعدة للسعادة والراحة أن نفهم جيداً قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، وقول أبي ذر لزوجه: [إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب].

    وقول الشاعر:

    وعين الرضا عن كل عيب كليلة     كما أن عين السخط تبدي المساويا

    لنفهم المعنى من هذه الكلمات، وعندها نعلم أن كل مشكلة سببها الزوجان وليس واحداً منهما.

    ولذلك سيكون حديثي لكل منهما إن شاء الله تعالى، أما الليلة فهو خاص بالأزواج.

    لماذا الحديث عن الرجال أولاً؟ وقد يقول الرجال: لماذا بدأت بنا؟!

    فأقول: لأمور:

    أولاً: لأن الرجال أكثر تحملاً وتعقلاً وصبراً.

    ثانياً: لقوامة الرجل على المرأة، ولأنه السيد، ولأنه الآمر الناهي فلا أحد غيره يملك حق التصرف في مملكته هذه، فهل يعقل الرجال هذا؟!

    ثالثاً: لأن الرجل لو عرف كيف يتعامل -أي مع زوجه- لعلم أن مفتاح السعادة بيده.

    ومتى كان التعامل مع الزوجة فناً؟

    أقول: نعم. إن التعامل مع الزوجة فن، ويجب علينا نحن معاشر الرجال أن نتعلم هذا الفن، فليس الزواج مجرد متعة وشهوة، وليس الزواج القيام بالبيت وتأثيثه، وليس الزواج هو إنجاب الأولاد والبنات، وليس الزواج هو مجرد إطعامهم الطعام أو إلباسهم الثياب، فإن الكثير من الرجال قادر على ذلك، والرزاق هو الله لا الزوج.

    لكن الزواج حقوق شرعية، وحسن تعامل ومسئولية، فللمرأة حقوق وواجبات جاء بها الإسلام بالأدلة القرآنية والنصوص النبوية: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].

    فلا بد أن يعرفها الرجل جيداً ولا يفض الخاتم إلا بحقه.

    وهذا الفن لا نأخذه عبر وسائل الإعلام، ولا نأخذه من المجلات الهابطة، وإنما نأخذه بالرجوع إلى سيرته صلى الله عليه وسلم وشتان بين الأمرين، لما لجأ كثير من الناس إلى مثل هذه المصادر؛ رأينا الفرقة والخصام، ورأينا كثرة الأخطار التي تهدد كيان هذه الأسرة، وغفلنا في خِضم هذه الحياة وشهواتها عن أن نرجع حقيقةً إلى سيرته صلى الله عليه وسلم، نستقي منها الدروس والعبر في كل شأن من شئون حياتنا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    ولذلك كيف كان يتعامل مع أزواجه صلى الله عليه وسلم؟!

    ولذلك أمر الله عز وجل نساء النبي أن يخبرن بكل ما يدور في بيته صلى الله عليه وسلم حتى ولو كانت هذه الأخبار أسراراً زوجية، فقال الله عز وجل، والخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34].

    أمر من الله عز وجل، فلنتخذ هذه الحياة دستوراً ومنهجاً للتعامل مع الأزواج.

    1.   

    أسباب اختيار موضوع فن التعامل مع الزوجة

    أما أسباب اختيار الموضوع فكثيرة، منها:

    بيان منهج الإسلام في حسن المعاشرة

    1/ بيان منهج الإسلام وشرعه في حسن معاشرة الزوجة وصحبتها، وبيان كثير من حقوقها مما يجهله كثير من الناس وخاصةً بعض الرجال، أو أن بعضهم يتجاهلون هذه الحقوق.

    بعض المفاهيم الخاطئة والصور السيئة

    2/ تلك الصورة السيئة والمفهوم الخاطئ عند بعض الرجال عن أن المرأة يجب الحذر منها، وأن تُشد عليها الوطأة من أول ليلة يدخل بها الرجل.

    وقد يتواصى بعض الشباب وبعض الرجال بمثل هذه الوصية، كما يقال في المثل العامي: (العود على أول ركزة). فيتناقل الناس والشباب والرجال مثل هذه الأمثال ومثل هذه الوصايا، ثم يحدث ما لا تحمد عقباه.

    ومن الخطأ أن نقول كما قال ذاك الشاعر:

    رأيت الهم في الدنيا كثيراً     وأكثره يكون من النساء

    فلا تأمن لأنثى قط يوماً     ولو قالت نزلتُ من السماء!

    ولا نقول كما قال الآخر أيضاً:

    إن النساء شياطين خلقن لنـا     نعوذ بالله من شر الشياطين

    فهن أصل البليات التي ظهرت     بين البرية في الدنيا وفي الدين

    لا نقول كما قال هذا ولا ذاك، وإنما نقول كما قال ذلك الشاعر المنصف:

    إن النساء رياحين خلقن لنـا     وكلنا يشتهي شم الرياحين

    شكوى كثير من النساء

    3/ شكوى كثير من النساء من سوء معاملة زوجها وقبح أخلاقه معها، وقد يصل الأمر في بعض الأحايين إلى ضربها وحبسها، وقد يتمنى البعض موتها،كما قال أحدهم:

    لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي     ولكن قرين السوء باق معمر

    فيا ليتها سارت إلى القبر عاجلاً     وعذبها فيه نكير ومنكر

    وكقول الآخر يخاطب زوجه:

    تنحي فاجلسي مني بعيداً     أراح الله منك العالمينا

    أغربالاً إذا استودعت سراً     وكانوناً على المتحدثينا

    حياتك ما علمت حياة سـوء     وموتك قد يسر الصالحينا

    أقول: ليس هذا هو النهج النبوي في معاملة الزوجة، وإنما هو كما سنتعرض له بعد قليل.

    الاتباع والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

    4/ الحياة الزوجية في بيته صلى الله عليه وسلم أنموذج رائع نذكر به الرجال في الاتباع والتأسي.

    هذه الأسباب الأربعة هي التي جعلتني أتحدث عن مثل هذا الموضوع.

    1.   

    سبل التعامل مع الزوجة

    التلطف والدلال

    ومن صور الملاطفة والدلال للزوجة: نداؤها بأحب الأسماء إليها، أو بتصغير اسمها للتمليح أو ترخيمه -يعني تسهيله وتليينه- وهذا أيضاً من حياته صلى الله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة : (يا عائش ! هذا جبريل يقرئكِ السلام). والحديث متفق عليه.

    وكان يقول لـعائشة أيضاً يا حميراء !

    قال ابن الأثير في النهاية : والحميراء تصغير حمراء، يراد بها البيضاء.

    وقال الذهبي : الحمراء في لسان أهل الحجاز البيضاء بشقرة، وهذا نادر فيهم.

    إذاً: لقد كان صلى الله عليه وسلم يلاطف عائشة ويناديها بتلك الأسماء مصغرةً مرخمةً.

    وأخرج مسلم من حديث عائشة في الصيام قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم، ثم تضحك رضي الله تعالى عنها) أي تعني أنه كان يقبلها.

    وأخرج النسائي في عشرة النساء أن عائشة قالت: (هوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إني صائمة، فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا صائم).

    وأيضا أنها قالت: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظل صائماً فيقبل ما شاء من وجهي).

    ومن حديث عائشة -أيضاً- أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرت كلمةً معناها (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وألطفهم بأهله).

    ومن خلال هذه الأحاديث يتبين لنا ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وحسن التعامل معها، أي: مع عائشة رضي الله عنها.

    ومن صور المداعبة والملاطفة أيضاً: إطعام الطعام، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، ثم ذكر الحديث إلى قوله: (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فيّ امرأتك) حتى اللقمة التي ترفعها بيدك إلى فم امرأتك هي صدقة، ليس فقط كسباً للقلب، وليس فقط حسن تعامل مع الزوجة بل هي صدقة تؤجر بها من الله عز وجل.

    وذكر النووي في هذا الحديث: أن وضع اللقمة في فم الزوجة يقع غالباً في حال المداعبة، ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر، ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله.

    قلت -والقائل الحافظ ابن حجر -: وجاء ما هو أصرح من ذلك وهو ما أخرجه مسلم عن أبي ذر فذكر حديثاً فيه (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟! قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في الحرام).

    إذاً: فمن صور المداعبة والملاطفة للزوجة إطعامها الطعام، وكم لذلك من أثر نفسي على الزوجة.

    وأنا أسألك أيها الرجل! ماذا يكلفك مثل هذا التعامل؟! لا شيء. إلا حسن التأسي والاقتداء، وطلب المثوبة، وحسن التعامل، وبناء النفس. فالملاطفة والدلال والملاعبة أنت مأمور بها شرعاً؛ لما تفضي إليه من جمع القلوب والتآلف، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لـجابر بن عبد الله : (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟!) إذاً: فالمضاحكة والملاعبة والملاطفة والدلال للمرأة مطلوب منك شرعاً.

    التجاوز عن الأخطاء الدنيوية

    التجاوز عن الأخطاء في الحياة الزوجية، وغض البصر عنها، خاصةً إذا كانت هذه الأخطاء في الأمور الدنيوية.

    فأقول: لا تنس يا أيها الأخ الحبيب! أنك تتعامل مع بشر: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ولا تنس أنك تتعامل مع امرأة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (خلقت من ضلع أعوج).

    لا تكن شديد الملاحظة، لا تكن مرهف الحس فتجزع عند كل ملاحظة أو خطأ، انظر لنفسك دائماً فأنت أيضاً تخطئ، لا تنس أن المرأة كثيرة الأعمال في البيت، ومع الأولاد والطعام والنظافة والملابس وغيرها، ولا شك أن كثرة الأعمال يحدث من خلالها كثير من الأخطاء.

    لا تنس أن المرأة شديدة الغيرة، سريعة التأثر، احسب لكل هذه الأمور حسابها، واسمع لهذه الأمثلة التي تدل على الحلم والإنصاف:

    عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما تُحدث أم سلمة أنها أي -أم سلمة - أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة الكساء ومعها فهر -أي: حجر ناعم صلب- ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وقال -يعني لأصحابه-: (كلوا، غارت أمكم، غارت أمكم! ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة ، وأعطى صحفة أم سلمة لـعائشة ). والحديث أخرجه البخاري والنسائي واللفظ للنسائي .

    فأقول: انظر لحسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه وحلمه، وانظر لحسن تصرفه وحله لهذا الموقف بطريقة مقنعة، معللاً لهذا الخطأ من عائشة رضي الله عنها بقوله: (غارت أمكم، غارت أمكم!)؛ فهو يقدر نفسية عائشة اعتذاراً منه صلى الله عليه وسلم لها، ولم يحمل عائشة نتيجة هذا الخطأ ونتيجة هذا العمل، ولم يذمها صلى الله عليه وسلم؛ لأن أم سلمة هي التي جاءت إلى بيت عائشة تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الطعام، ولذلك قدر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف، وتعامل معه بلطف وحكمة صلوات الله وسلامه عليه.

    وقدر ما يجري عادةً بين الضرائر من الغيرة؛ لمعرفته صلى الله عليه وسلم أنها مركبة في نفس المرأة، لم يؤدب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وبين أنها غارت مع أنها كسرت الإناء، ومع أنها أيضاً تصرفت أمام أصحابه هذا التصرف، ولكن: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    فانظر للحكمة، وانظر لحسن التعامل، وتصور لو أن هذا الموقف حصل معك، كيف سيكون حالك أيها الزوج؟!

    بل وربما لو حصل هذا الموقف بينك وبين زوجك مثلاً في المطبخ والرجال موجودون في المجلس، كيف ستكون نفسيتك؟ وكيف سيكون التصرف؟!

    إذاً: فالعفو والصفح إذا قصرت الزوجة، وشكرها والثناء عليها إن أحسنت، كل ذلك من شيم الرجال ومن محاسن الأخلاق.

    وبعض الأزواج قد يختلق المشاكل وينفخ فيها، وقد تنتهي هذه المشاكل بحقيقة مرة .. وهي الطلاق!!

    واسمع لهذا الموقف:

    روي أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ليشكو سوء خلق زوجته، فوقف على بابه ينتظر خروجه، فسمع هذا الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين، فكيف حالي؟!

    وخرج عمر فرآه مولياً عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك أيها الرجل؟! فقال: يا أمير المؤمنين! جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك؛ فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟! قال عمر : يا أخي إني أحتملها لحقوق لها علي، إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام؛ فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! وكذلك زوجتي. قال عمر : فاحتملها يا أخي! فإنما هي مدة يسيرة.

    يقول الله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

    هكذا كانت حياتهم الزوجية، ذكر للحسنات، وغض للبصر عن الأخطاء والسيئات.

    ويقال: إن بدويةً جلست تحادث زوجها، وتطرق الحديث إلى المستقبل كعادة الأزواج، فقالت: إنها ستجمع صوفاً وتغزله وتبيعه وتشتري به بكراً، فقال زوجها: إذا اشتريته فسأكون أنا الذي أركبه، قالت: لا. فألح زوجها، فرفضت، وأصر ولم ترجع هي، حتى غضب زوجها فطلقها.

    فلا توجد هناك مشكلة، القضية قضية أماني في المستقبل، تقول: لو كان عندي صوف وأغزله ثم أبيعه ثم أشتري بكراً، فتخاصما على من يركبه أولاً؛ فحصل الطلاق.

    هذا المثل يوضح حقيقة الحال في كثير من الطلاق الذي يحصل بين الرجل والمرأة لأسباب تافهة، وعندما يقف أهل الخير أو القضاة أو غيرهم على بعض أسباب الطلاق، يجدون أن أسباب الطلاق تافهة لا تذكر، وهكذا كثير من المشكلات وهمية تافهة، تنتهي بنهاية الحياة الزوجية وللأسف!

    ويروى (أن عائشة قالت مرةً للنبي صلى الله عليه وسلم وقد غضبت عليه: أنت الذي تزعم أنك نبي؟! فتبسم رسول صلى الله عليه وسلم) واحتمل ذلك حلماً وكرماً.

    وما أروع هذا التوجيه النبوي الذي يجعل البيت جنةً! فإذا غضب أحد الزوجين وجب على الآخر الحلم، فحال الغضبان كحال السكران لا يدري ما يقول وما يفعل.

    التزين والتجمل والتطيب للزوجة

    أما الجمال والزينة للرجل فبحدودها الشرعية، فلا إسبال، ولا حلق للحية، ولا وضع للأصباغ والمساحيق كما يفعل بعض شبابنا. (سئلت عائشة بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك). والحديث أخرجه مسلم .

    وذكر بعض أهل العلم فائدةً ونكتةً علميةً دقيقةً، قالوا: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك؛ ليستقبل زوجاته بالتقبيل.

    وعند البخاري أن عائشة قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته).

    وفي البخاري -أيضاً- أن عائشة قالت: (كنت أرجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم -يعني أسرح شعره- وأنا حائض).

    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس.

    وفي البخاري -أيضاً- من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، وحفوا الشوارب).

    وفي هذه الأحاديث كلها وغيرها، بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التجمل والتزين الشرعي الذي يحبه الله، بخلاف ما عليه بعض الرجال اليوم من إفراط أو تفريط في قضية الزينة والتجمل للمرأة، ومن المبالغة في التجمل.

    ومن أعجب المتناقضات التي يعيشها بعض الرجال أن تجده يحلق لحيته للتجمل والزينة كما يقول، ثم تشم منه رائحةً كريهةً عفنةً وهي رائحة التدخين!

    فأين أنت والتجمل الذي تريده يوم أن حلقت لحيتك وشربت الدخان؟!

    وآخرون وقعوا في تفريط عظيم وتقصير عجيب في قضية التجمل والزينة، تبذلٌ في اللباس، وإهمال للشعر، وترك للأظافر والشوارب والآباط، وروائح كريهة!

    والخير كل الخير في امتثال المنهج النبوي في التجمل والتزين والاهتمام بالمظهر، وهو حق شرعي للمرأة وسبب أكيد في كسب قلبها وحبها، فالنفس جبلت على حب الأفضل والأجمل والأنظف.

    حال السلف في التزين والتجمل لنسائهم

    تعال نسمع لحال السلف رضوان الله تعالى عليهم جميعاً، وكيف كانوا في هذا الباب.

    قال ابن عباس : [إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستوجب كل حقي الذي لي عليها، ولا تستوجب حقها الذي لها علي؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]].

    وقد دخل على الخليفة عمر زوج أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: لا أنا ولا هذا، فعرف كراهية المرأة لزوجها، فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه ويقلم أظافره، فلما حضر أمره أن يتقدم من زوجته، فاستغربته ونفرت منه ثم عرفته فقبلت به ورجعت عن دعواها، فقال عمر : [هكذا فاصنعوا لهن، فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم].

    وقال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي : [أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية -والغالية هي خليط أطيب الأطياب- فقلت له: ما هذا؟ قال محمد: إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن]. ذكر ذلك القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن.

    إذاً: فالمرأة تريد منك كما تريد أنت منها في التجمل والتزين.

    القناعة بالزوجة وعدم التطلع إلى غيرها

    القناعة والرضا بالزوجة وعدم الاستجابة لدعاة التبرج ودعاة الفتنة والسفور، وذلك بالنظر إلى النساء، وهذا حال بعض من الرجال من النظر إلى النساء في الأفلام، والتلفاز، والمجلات، وقد زيفتها الألوان والمكياج وغير ذلك، ونفخ الشيطان ببعض الرجال فقارن وصور زوجته العفيفة الطاهرة بتلك السافرات العاهرات، وأطلق ذلك الرجل لبصره العنان في تتبع هؤلاء النساء يقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].

    ولا شك أن ذلك شر مستطير، وسبب أكيد في تدمير كيان الأسرة، وهذا أمر ملموس ومشاهد، وعلاج ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً فأتى زينب وهي تمعس منيئةً لها -أي تدلك جلداً- فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأةً فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه). أخرجه مسلم في صحيحه.

    هذا علاج لا نبحث عنه في المجلات الطبية ولا المجلات الأسرية، إنما نبحث عنه في سنته النبوية صلى الله عليه وسلم.

    والنفس دائماً ترغب في كل جديد، خاصةً عند الرجل، وكما يقال: كل ممنوع مرغوب، ولو ملك الرجل أجمل النساء ثم سمع بامرأة أخرى لتهافتت نفسه ولزه شيطانه، ولم أجد مثل القناعة والرضا حلاً لذلك.

    ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم الرجل أن يطلب عثرات زوجته، فأخرج مسلم من حديث جابر قال: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم).

    إنما على الزوج أن يغض الطرف، وأن يقنع بما وهبه الله إياه، ولينظر إلى من هو أسفل منه؛ ليزداد قناعةً ورضا، وليشكر نعمة الله عز وجل عليه.

    ثم إني أقول لك أيضاً: إن بليت بمثل هذه الأمور، وبمثل حديث النفس هذا، فالجأ إلى الله عز وجل بالدعاء ولسان حالك يقول كما قال الحق عز وجل على لسان يوسف عليه السلام: وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33].

    إذاً: ادع الله عز وجل وألح بالدعاء وأنت موقن بالإجابة؛ لأن الله تكفل فيها ليوسف عليه السلام، فقال: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:34].

    الجلوس مع الزوجة والتحدث إليها ومشاورتها

    إن كثيراً من الأزواج كثير الترحال، كثير الخروج، كثير الارتباطات، بل سمعنا عن الكثير منهم أنه يخرج للبراري والاستراحات كل يوم وليلة، بل سمعنا عن بعض الأزواج أنه يسهر كل ليلة إلى ساعات متأخرة من الليل.

    فأي حياة هذه؟! وأين حق الزوجة وحق الأولاد والجلوس معهم؟!

    وانظر مثالاً لهذا الفن في الجلوس مع الزوجة والحديث معها، حديث أم زرع الطويل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لـعائشة تحكيه، قال ابن حجر : وفيه -أي: هذا الحديث من الفوائد- حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع. اهـ.

    استشارة الزوجة والشكاية لها يشعرها أيضاً بقيمتها وحبها، استشر المرأة ولو لم تكن أيها الأخ الحبيب بحاجة إلى مثل هذه المشورة؛ فإنك تشعر هذه الزوجة بقيمتها وحبك لها، ولن تعدم الرأي والمشورة أبداً -إن شاء الله عز وجل- فربما فتحت عليك برأي صائب كان السبب في سعادتك.

    ومثال ذلك: انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، فقد كان يستشير أزواجه، ومن ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا؛ لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة ، فدخل مهموماً حزيناً على أم سلمة بخيمتها، فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: اخرج يا رسول الله! فاحلق وانحر، فحلق ونحر؛ فإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون.

    وأيضاً انظر لاستشارته لـخديجة رضي الله عنها في أمر الوحي، ووقوفها معه وشدها من أَزره رضوان الله عليها، هكذا المرأة فإنها معينة لزوجها إذا أشعرها زوجها بقيمتها.

    ولذلك أقول: العلاقة بين الزوجين تنمو وتتأصل كلما تجددت ودارت الأحاديث بينهما، فالأحاديث وسيلة التعارف الذي يؤدي إلى التآلف، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

    - مفتاح السعادة بيدك، فالحذر من تعود الصمت الدائم بينكما؛ فتتحول الحياة إلى روتين بغيض؛ كأنها ثكنة عسكرية فيها أوامر من الزوج وطاعة من الزوجة ..خذي ..هاتي ..كلي ..اشربي ..قومي ..اقعدي ..تعالي ..اذهبي ..نامي ..استيقظي ..ماذا تريدين ..متى تخرجين!!

    أُسطوانة مكررة مكروهة تجعل الحياة الزوجية بغيضةٌ باهتةٌ باردةٌ!

    فأين الحب واللطافة؟ وأين المودة والرحمة وما بينهما؟!

    أين الأحاديث الحسان منك أيها الرجل! عن جمال عيونها، وعذوبة ألفاظها، ورقة ذوقها، وحسن اختيارها للباسها؟!

    وأين كلمات الشكر والثناء عند الطبخ والغسل والكنس؟! وأين الحديث عن تربية الأولاد وصلاحهم؟ وأين الحديث عن هموم المسلمين ومشاكلهم؟

    فيا أيها الرجل العاقل! إن من فن التعامل مع الزوجة أن تخصص وقتاً للجلوس معها تحدثها وتحدثك، وتفضي إليك بما في نفسها، بدلاً من أن تكبت ذلك الحديث الذي في نفسها، فاجعلها تفضفض بما يدور في نفسها بدلاً من ذلك الكبت والحبس الذي سيتضح جلياً على سلوكها وتصرفاتها، ثم ينعكس ذلك على أولادها وأعمالها وأشغالها، ثم ينعكس ذلك على تصرفاتها وسلوكها معك أنت كزوج.

    أرأيت أيها الأخ الحبيب! إنك تملك مفتاح هذه السعادة وهذه المملكة الصغيرة بحسن تصرفاتك وأفعالك؟!

    مداراة المرأة وعدم التضييق عليها والاعتذار إليها

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً). أخرجه البخاري ومسلم.

    لا تطلب المحال، افهم جيداً نفسية المرأة، وافهم جيداً خلقة المرأة.

    قال البيضاوي: ومعنى استوصوا أي: أوصيكم بهن خيراً، فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها.

    وفي الحديث إشارة إلى ترك المرأة على اعوجاجها في الأمور المباحة، وألا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص، كفعل المعاصي وترك الواجبات، وأيضاً في الحديث سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر عليهن وعلى عوجهن.

    وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث الآخر: (لا يفرك مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أخرجه مسلم .

    ومعنى يفرك أي: يبغض منها شيئاً يفضي به إلى تركها.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم).

    انظر للتشبيه .. انظر للصورة الجميلة: فإنهن عوان عندكم، أي: هن كأسيرات عند الرجال! فهي أشبه بالأسير، كسيرة القلب مهيضة الجناح؛ فوجب على الرجل أن يجبر قلبها، وأن يرفع من معنوياتها، ويحسن إليها ويكرمها.

    أما الاعتذار إليها عند الخطأ والاعتراف به فهو أدب جم وخلق رفيع، خاصةً عند غضبها.

    واسمع لهذه الأحاديث، وأرجعكم دائماً إلى حياته صلى الله عليه وسلم حتى نتبين -أيها الأحبة- أن حياته صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة هي قدوة ونبراس ومرجع، يجب أن نرجع إليه وأن ندرسه يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    روى النسائي في كتاب عشرة النساء عن أنس قال: (كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك يومها فأبطأت بالمسير -أي تأخرت بالمسير عنهم- فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها ويسكتها).

    الله أكبر! يمسح صلى الله عليه وسلم بيديه عينيها ويسكتها!

    فأبت إلا بكاءً؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركها، فذهبت صفية إلى عائشة فقالت: يومي هذا لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أنت أرضيته عني.

    فماذا فعلت عائشة؟!

    انظري واسمعي أيتها المرأة! وإن كان هذا الحديث سيأتيك إن شاء الله، لكن أقول: انظري إلى عقل عائشة رضي الله عنها وانظري إلى تصرفها، كيف تملكين أيتها المرأة مفتاح قلب الزوج، واعلمي أيتها الأخت! أنك ساحرة لقلب الرجل ولذلك قلت: إن موضوع الدرس القادم سيكون بعنوان: (السحر الحلال) لأن المرأة تملك فعلاً هذا السحر بما وهبها الله عز وجل من عذوبة ورقة ونعومة.

    فماذا فعلت عائشة ؟!

    عمدت عائشة إلى خمارها وكانت صبغته بورد وزعفران، فنضحته بشيء من ماء؛ حتى تخرج رائحته ثم جاءت حتى قعدت عند رأسه صلى الله عليه وسلم فقال لها: مالك؟ -يعني اليوم ليس لك- فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء! فعرف الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث، فرضي عن صفية .

    وانظر واسمع -أيضاً- لمثال آخر لحياته صلى الله عليه وسلم: فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (جاء أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول صلى الله عليه وسلم، فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر بالدخول فدخل، فقال أبو بكر وتناولها: يا بنة أم رومان ! أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها -يعني كأنه جعلها خلفه يريد أن يخلصها من أبيها رضي الله تعالى عنه- فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها -يترضاها-: ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك؟! قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها -رجعت العلاقة مرةً أخرى؛ بملاطفة النبي وحسن مداراته لزوجه بالاعتذار منه صلى الله عليه وسلم، انظر إلى قمة الأخلاق وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]- فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول، فقال أبو بكر : يا رسول الله! أشركاني في سِلْمِكُما كما أشركتماني في حربكما).

    وفي الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم والتواضع وحسن معاشرة زوجه، فلم تدفعه مكانته أو قوامته للتكبر أو المكابرة عن الاعتذار، بل كان هو البادئ بالإصلاح صلى الله عليه وسلم.

    فأقول لك أيها الرجل: عليك بكسر حاجز المعاندة والمكابرة، وإن فعلت هذا فإنك أنت بنفسك تعود زوجك على هذا العمل وهذا الأدب، فإذا أخطأت وكان الخطأ منك ذهبت إليها واعتذرت منها، فإنها تأخذ هذا التصرف فإن قصرت أو أخطأت فستذهب هي وترجع إليك بالاعتذار.

    وأُذكر هنا مرةً أخرى بقاعدة أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه مع أم الدرداء بقوله: [إذا رأيتني غضبان فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب].

    فتعامل بهذه القاعدة في بيتك.

    إظهار المحبة والمودة للزوجة بالقول وبالفعل

    أما بالقول: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أم زرع الطويل لـعائشة : (كنت لك كـأبي زرع لـأم زرع) أي في الوفاء والمحبة، فقالت عائشة -واسمع أيضاً لحكمة عائشة ، واسمع لعقل هذه المرأة رضي الله عنها وأرضاها-: (بأبي أنت وأمي! لأنت خير لي من أبي زرع لـأم زرع ).

    وأما إظهار المحبة بالفعل: فهو كثير في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الحيض عن عائشة قالت: (كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرقة وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ).

    والعرق: العظم عليه بقية اللحم. وأتعرق: أي آخذ عنه اللحم بأسناني، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فمه مكان فم عائشة رضي الله عنها في المأكل والمشرب، يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وعائشة حائض.

    وهنا نكتة أيضاً أشار إليها بعض أهل العلم فقالوا:لم يكن يفعل ذلك شهوةً صلى الله عليه وسلم، وإنما إظهاراً للمودة والمحبة؛ لأن المرأة حائض.

    ثم لا بأس أيضاً من تقديم الزوجة عليك بالشرب والأكل، كل ذلك إظهاراً للمودة والمحبة.

    ومن ذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن).

    وذكر ابن كثير في البداية والنهاية هذا الموقف الجميل للمهدي ، قال: حجت الخيزران زوجة المهدي في حياة المهدي فكتب إليها وهي بـمكة يستوحش إليها ويتشوق إليها بهذا الشعر:

    نحن في غاية السرور ولكن     ليس إلا بكم يتم السرور

    عيب ما نحن فيه يا أهـل ودي     أنكم غيب ونحن حضور

    فأجدوا بالسير بل إن قـدرتم     أن تطيروا مع الرياح فطيروا

    تصور هذه الكلمات لما يقولها الرجل لزوجه كيف ستكون الزوجة؟!

    ولذلك لما وصلت هذه الأبيات إلى الخيزران أمرت بمن يجيبه بهذه الأبيات:

    قد أتانا الذي وصفت من الشوق     فكدنا وما قدرنا نطير

    ليت أن الرياح كن يؤدين     إليكم ما قد يكن الضمير

    لم أزل صبةً فـإن كنت بعدي     في سرور فدام ذاك السرور

    هذا من المواقف التي تبين كيف كان أيضاً فن التعامل مع الزوجة، وإظهار المحبة والشوق لها.

    التعاون على العبادة

    من الفن أيضاً، بل ومن أعظم وسائل السعادة للبيت المسلم، تعاون الزوجين على العبادات والنوافل والأذكار؛ ففي ذلك مرضاة لله، وإحياء للبيت، وطرد لروتين الحياة الممل.

    فما أحلى أن ترى زوجين صالحين يتعاونا على طاعة الله! (فالدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة).

    ومثال ذلك: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم. قال النبي: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته). أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده .

    والشاهد: انظر إلى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إرشاد وتعليم زوجه، وأسألكم بالله -أيها الأحبة- من منا وقف مع زوجه ساعات أو لحظات يعلمها ويذكرها ببعض الأذكار أو النوافل أو العبادات؟!!

    وأيضاً أخرج البخاري في كتاب الوتر في صحيحه باب: إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر، عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت).

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء) أخرجه أبو داود ، وقال الألباني عنه: حسن صحيح.

    انظر! فالقضية مبادلة، إن قصرت الزوجة فإذا بالزوج يذكر ويعين، وإذا قصر الزوج فإذا بالزوجة تذكر وتعين، وكل منهما مطالب بتذكير الآخر، فنحن مطالبون بالتعاون مع الزوجات في العبادات والنوافل.

    وعن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً؛ كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات). أخرجه أبو داود في سننه ، وقال الألباني : صحيح.

    صلاة النافلة في البيت نغفل عنها كثيراً، فبعض الرجال يحرص كثيراً أن يصلي النافلة في المسجد، مع أن السنة أن تصلي النافلة والسنن الرواتب في البيت، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) لماذا؟! ليذكر الأهل ويشجعهم، بل ويربي أولاده وصغاره على هذه الأفعال.

    وما أجمل البيت يوم أن تغيب شمس ذلك اليوم وقد استعد الزوجان لجلسة الإفطار معاً! ما أحلى هذه الجلسة! وما أسعد هذين الزوجين بالتعاون على مثل هذه العبادات!

    وقل مثل ذلك في قراءة القرآن، وحضور درس أسبوعي أو محاضرة على الأقل، والقيام على الفقراء والمساكين في الحي، وغيرها من الأعمال الصالحة والخيرة التي لو تعاون الزوجان على مثل هذه الأمور؛ لكان ذلك عماد السعادة الزوجية وحلاوتها وروحها، ومن جرب هذا وجد طعم هذه الحياة.

    مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    الممازحة والمرح مع الأهل

    ومن هذا ما أخرجه النسائي في كتابه عشرة النساء من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (زارتنا سودة يوماً، فجلس الرسول صلى الله عليه وسلم بيني وبينها إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملتُ لها حريرةً أو قالت خزيرةً فقلت: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك! فأبت؛ فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فإذا عمر يقول عند الباب: يا عبد الله بن عمر ، يا عبد الله بن عمر ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوما فاغسلا وجوهكما فلا أحسب عمر إلا داخلاً).

    وأيضاً أخرج النسائي في عشرة النساء من حديث عائشة رضي الله عنها، وعند ابن ماجة أيضاً في كتاب النكاح: (أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقني فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله! وأنا على هذه الحال؟! فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة!).

    وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    وأيضاً أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه تختلف أيدينا عليه فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان).

    فالمزاح والمرح حتى أثناء الغسل من الجنابة، فينبغي للزوج أن ينمي في نفسه صفات الفكاهة والمرح في بعض الأحايين مع زوجه؛ لتقوية أواصر المحبة.

    وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يروى عنه أنه كان يمازح زوجه فدخل عليها يوماً من الأيام فوجد في فيها عوداً من أراك، فأراد أن يمازحها، فنظر إلى عود الأراك يخاطبه بهذين البيتين الجميلين فقال:

    حظيت يا عود الأراك بثغرهـا     أما خفت يا عود الأراك أراكا؟!

    لو كنت من أهل القتال قتلتك     ما فاز مني يا سواك سواكا!

    وهذا يبين حالهم التي كانوا عليها مع أزواجهم رضوان الله عليهم، فلا بأس أن ينظم الزوج أوقاتاً خاصةً للمرح واللعب مع الزوجة، فهذه سنة تضفي على الحياة الزوجية البهجة والسعادة، وتقطع الروتين البغيض فيها.

    وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن قال لـجابر -كما أسلفنا-: (ألا أخذتها بكراً تلاعبها وتلاعبك؟!).

    قضاء حوائج الزوجة ومساعدتها ببعض الأعمال

    فالزوجة بشر تتعب وتمرض، فعلى الزوج أن يراعي ذلك فيقوم بمساعدتها، وقضاء حوائجها، والقيام ببعض أعمال المنزل عنها، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم على خدمة أهله بنفسه (يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكنس الدار، حتى إذا أذَّن المؤذن كأنه لا يعرفنا)، كما تقول عائشة .

    إذاً: فالتواضع والبساطة مع شريكة العمر من أسباب السعادة، والمرأة في البيت ليست هملاً أو متاعاً، بل هي إنسان كالرجل تشاركه وتشاطره الأفراح والأتراح، فعلى الزوج أن يقف مع زوجه ويعينها.

    واسمع لهذه المرأة وهي تمدح زوجها الوفي المخلص فتقول: (زوجي لما عناني كاف، ولما أسقمني شاف، عرقه كالمسك، ولا يمل طول العهد، إذا غضبت لطف، وإذا مرضت عطف، أنيسي حين أفرد، صفوحاً حين أحقد، إذا دخل الدار دخل بساماً، وإذا خرج خرج ضحاكاً، ما غضب علي مرةً وما حقد، يأكل ما وجد، ويدرك ما قصد، ويفي بما وعد، ولا يأسَ على ما فقد، أديب أريب، حسيب نسيب، كسوب خجول، لا كسول ولا ملول، إذا طلبت منه أعطاني، وإن سكت عنه ابتداني، وإذا رأى مني خيراً ذكر ذلك ونشر، أو رأى تقصيراً ستر ذلك وغفر!).

    فهنيئاً لهذه المرأة بزوجها!

    مراعاة شعورها ونفسيتها

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم إذا كنت عني راضيةً وإذا كنت علي غضبى، قلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنت عني راضيةً فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى تقولين: لا ورب إبراهيم، قالت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) رواه البخاري ومسلم .

    وهذا الحديث يبين لنا كيف كان صلى الله عليه وسلم بدقة ملاحظته، ومراعاة شعور نفسية زوجه، حتى عرف عنها هذا الأمر.

    فإذا استقر الزوجان؛ استقر حال كل منهما، وعرف كل منهما ما يغضب الآخر وما يرضيه، وأسباب كل ذلك، فقد تمكنا بإذن الله من توطيد أسس الحياة الزوجية، والسير بها في الدروب الآمنة المفروشة بالورود والرياحين، وأمكنهما -أيضاً- تجنيب أسرتهما مسالك العسر ومواطن الزلل والنكد.

    ونلحظ في هذا الحديث دقة عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاعر عائشة رضي الله عنها حتى صار يعلم رضاها وغضبها من مجرد حلفها.

    والزوج الذكي يحرص على احترام نفسية زوجته فيغض الطرف، ولا يكثر العتاب إلا في التجاوزات الشرعية فلا بد أن يأخذ على يدها فيها، أما ما عداها فالكمال عزيز، وبعض الخصال جبلة في المرأة يصعب تغييرها؛ فاصبر واحتسب إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

    الحذر من شتمها أو ضربها والإساءة إليها

    قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] وقال الله آمراً الزوج بحسن عشرة زوجه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].

    وكلمة العشرة هنا: مشتقة من المعايشة والمخالطة، والمعروف كلمة جامعة شاملة لكل خير.

    وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أزواجاً يضربون زوجاتهم فقال: (ما أولئك من خياركم، خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) أخرجه أبو داود في سننه ، وأحمد في مسنده ، وهو صحيح كما في صحيح الجامع .

    فإن احتجت لشيء من الضرب أومن تأديب المرأة، فبحقه الشرعي: (فاهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضرباً غير مبرح) كما قال صلى الله عليه وسلم، والحديث عند الترمذي والنسائي.

    وروي عن شريح أنه قال:

    رأيت رجالاً يضربون نساءهم     فشلت يميني حين أضرب زينبا

    وزينب شمس والنساء كواكب     إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا

    التوسيع على الزوجة في المطعم والملبس والنفقة

    قال الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق:6].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله -إلى أن قال صلى الله عليه وسلم- ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) أخرجه مسلم في صحيحه .

    وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) متفق عليه.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إنك إن شاء الله لن تنفق نفقةً إلا أجرت، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) متفق عليه.

    فالتوسيع عليها في بعض المباحات أمر مطلوب، وانظر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا هويت زوجته شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه -أي: وافقها- فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال صلى الله عليه وسلم: يا حميراء! أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم. فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي على خده، قالت: ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك، فقلت: يا رسول الله! لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول الله! قالت: وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه) أخرجه النسائي في عشرة النساء ، وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح ، وتابعه أيضاً على تصحيحه الشيخ الألباني في آداب الزفاف ، وأصل الحديث في الصحيحين .

    وأخرج النسائي أيضاً في السنن الكبرى أنه قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل دينار دينار ينفقه الرجل على عياله) إلى آخر الحديث.

    وروى ابن أبي الدنيا في كتاب العيال أن ابن عائشة قال: حدثت أن أيوباً كان يقول لأصحابه كثيراً: تعاهدوا أولادكم وأهليكم بالبر والمعروف، ولا تدعوهم تطمع أبصارهم إلى أيدي الناس.

    قال: وكان له زنبيل يغدو به إلى السوق في كل يوم؛ فيشتري فيه الفواكه والحوائج لأهله وعياله.

    هكذا كانوا في التوسيع على الزوجة وأولادهم في المطعم والملبس والنفقة.

    عدم التساهل مع الزوجة فيما يغضب الله

    قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].

    وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    وقال جل وعلا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].

    وبعض الرجال -وللأسف- تنازل عن هذه القوامة، وضعف أمام إغراءات المرأة، وأمثلة ذلك: تبرج زوجته أو بناته في المناسبات والأفراح، ولبس الملابس الضيقة والمفتوحة والبنطلونات، وغير ذلك مما نسمعه ويتناقله الناس.

    وأيضاً من ذلك: خروج نسائه إلى الأسواق بدون محرم فتخاطب البائع وتجادله، وربما تكسرت بكلماتها، وقد يحدث هذا والزوج الضعيف موجود!

    وأيضاً من ذلك: إدخال الأجهزة والأفلام والمجلات وغير ذلك من وسائل الإعلام الهابطة لبيته بدون أن يحرك ساكناً أو أن يفعل تجاه ذلك شيئاً!

    وغير ذلك من المحرمات التي استهان بها كثير من الأزواج فغلبته نساؤه عليها؛ وكل ذلك مما جعل حياته جحيماً، والدليل (فمن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) فلا زوجته ولا أولاده ولا هو راض حتى عن نفسه، فهو في غم وهم.

    وانتبهوا -واسمع أيها الزوج واسمعي أيتها الزوجة- لهذه الكلمة، أقول: كل خلاف يجري بين الزوجين كبر الخلاف أم صغر؛ إنما هو بسبب معصية الله تعالى قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

    واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يتعامل مع أزواجه، ففي صحيح مسلم عن عائشة قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة؛ فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه ثم قال: إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله).

    فيا سبحان الله! كم من صورة وكم من تمثال في بيوت المسلمين اليوم! وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) كما في حديث أبي طلحة عند مسلم، والبيت إن لم تدخله الملائكة دخلته الشياطين.

    ثم نعرف بعد ذلك سبب كثرة المشاكل في كثير من البيوت فقد عشعش الشيطان في هذا البيت؛ بسبب كثرة الصور والمشاكل ووسائل الإعلام المفسدة في البيت؛ فلم يعد هناك وجود للملائكة، ولم يكن هناك تطهير لهذا البيت .. فلا شك حلت المشاكل والهم والغم بين الزوجين.

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -أيضاً-: (كلكم راع ومسئول عن رعيته .. إلى قوله: والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته).

    واسمع لهذا الحديث فإنه مخيف مرعب!

    قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة).

    أليس من الغش إدخال وسائل الإعلام، والأفلام، والمجلات الهابطة، أو حتى السماح بدخولها؟!

    والله إن لم يكن من الغش فما ندري ما هو الغش!!

    أليس من الغش عدم مراقبة الزوج للباس زوجه وبناته وأولاده عند الخروج للمناسبات والأسواق؟!

    إن لم يكن هذا من الغش فلا ندري والله ما هو الغش!!

    وأيضاً في الحديث السابق الذي ذكرناه عن صفية (أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى زينب ، فقال لها: إن صفية قد أعيا بها بعيرها فما عليك أن تعطيها بعيرك؟! قالت زينب : أتعمد إلى بعيري فتعطيه اليهودية؛ فهجرها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر فلم يقرب بيتها، وعطلت زينب نفسها، وعطلت بيتها، وعمدت إلى السرير فأسندته إلى مؤخرة البيت، وأيست أن يأتيها الرسول صلى الله عليه وسلم، فبينما هي ذات يوم إذا بوجس رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي بخياله- فدخل البيت فوضع السرير موضعه، فقالت زينب: يا رسول الله! جاريتي فلانة قد طهرت من حيضتها اليوم هي لك، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ورضي عنها).

    وفي حديث -أيضاً- أخرجه مسلم في صحيحه رواه عبد الله بن مسعود في حديث: (لعن الله الواشمة والمستوشمة، والمتنمصة، والمتفلجة ... إلى آخر الحديث، قال في آخره: فقالت امرأة: إني أرى من ذلك شيئاً على امرأتك -تقصد عبد الله بن مسعود - قال: اذهبي وانظري، فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً، فجاءت إليه فقالت:لم أر شيئاً، قال: أما لو كان ذلك لم نجامعها).

    أي: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي، بل كنا نطلقها ونفارقها.

    هكذا كانوا رضوان الله تعالى عليهم، لم يكونوا يرضون عن فعل المرأة إن كان فعلها يغضب الله عز وجل، وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه:81].

    1.   

    السعادة تكتمل بالتعاون بين الزوجين

    اعلم أيها الأخ الحبيب! وأنا أخاطب فيك الرجولة والعقل والحكمة والتروي وحسن الخلق، إن السعادة مفتاحها بيدك فلا تضيعه، وأنت القادر على أن تجعل حياتك نعيماً أو أن تجعلها جحيماً، متى؟! إذا علمت أن التعامل مع الزوجة فن.

    ويا أيتها المرأة، إني أعلم أنك سوف تحرصين على سماع هذا الموضوع وهو خاص بالرجل، وكما أسلفنا كل ممنوع مرغوب، وستعلمين كيف نخاطب الرجل بمثل هذه الكلمات، فإذا حرصت وسمعت هذه الكلمات؛ فإني أذكرك أيضاً أن لهذا الدرس بقيةً وجزءاً لا يتجزأ عنه، فكما حرصت وسمعت هذا فاحرصي واسمعي البقية حتى تتكامل سعادتك، فإن السعادة لا تتكامل للبيت إلا بالتعاون وقيام كل من الزوجين بحقوقه تجاه الآخر.

    وكما أن التعامل معكِ فن فإن التعامل مع زوجك فن آخر تسمعينه في درس بعنوان: (السحر الحلال).

    أسأل الله عز وجل أن ينفع بها كل زوجين، وأن يوفق بيوت المسلمين، وأن يحفظ بيوتهم، وأن يحفظ أحوال المسلمين مع أزواجهم.

    اللهم يا حي يا قيوم مُنَّ على بيوت المسلمين بعيشة هنية راضية ترضيك يا حي يا قيوم.

    اللهم وفق المسلمين لكل ما تحبه وترضاه، اللهم من أرادهم بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا حي يا قيوم، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    وصل اللهم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756167440