في لقائنا في هذا اليوم سنتناول إن شاء الله الحديث عن الإلحاد في أسماء الله وصفاته وأنواع الإلحاد أيضاً، ونأمل من فضيلة الشيخ محمد أن يحدثنا عن الإلحاد ما هو؟ أي: الإلحاد بأسماء الله وصفاته؟
الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه قوله تعالى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103]، ومنه اللحد في القبر، فإنه سمي لحداً لميله إلى جانبٍ منه، ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة؛ لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء، فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته أن يجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل من غير تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما مر علينا في القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد.
فالنوع الأول: أن ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات، مثل: أن ينكر اسم الرحمن من أسماء الله كما فعل أهل الجاهلية، أو يثبت الأسماء ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات، كما يقول بعض المبتدعة: إن الله تعالى رحيم بلا رحمة، وسميعٌ بلا سمع، وبصير بلا بصر.. وهكذا.
النوع الثاني: أن نسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه، ووجه كونه إلحاداً: أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى باسمٍ لم يسم به نفسه؛ لأن هذا من القول على الله بلا علم، ومن العدوان على الله عز وجل أيضاً، ومن العدوان في حق الله عز وجل، وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما صنع النصارى فسموا الله تعالى باسم العبد ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن نعتقد أن هذه الأسماء دالةً على أوصافٍ تماثل أوصاف المخلوقين، فيجعلها دالة على التمثيل، ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد بأن أسماء الله سبحانه وتعالى دالةً على تمثيل الله بخلقه فقد جعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الكفر؛ لأن تمثيل الله بخلقه كفر؛ لكونه تكذيباً لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ولقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] ، قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمهما الله: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما سمى الله ووصف به نفسه تشبيه.
النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماءً للأصنام، كاشتقاق اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان، ووجه كونه إلحاداً: أن أسماء الله عز وجل خاصة به، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحدٍ من المخلوقين ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله عز وجل.
هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى.
الشيخ: سبق لنا فيما تقدم من مجالس أن التوحيد يتضمن إثباتاً ونفياً، وأن الاقتصار فيه على النفي تعطيل، والاقتصار فيه على الإثبات لا يمنع المشاركة؛ فلهذا لا بد في التوحيد من نفيٍ وإثبات، فمن لم يثبت الحق لله عز وجل على هذا الوجه فقد أشرك به.
والشرك نوعان: شرك أكبر مخرجٌ عن الملة، وشركٌ دون ذلك.
وكذلك من الشرك الأكبر: أن يدعو غير الله عز وجل، مثل: أن يدعو صاحب القبر، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم.
ومن أنوع الشرك الأصغر: الرياء اليسير، مثل: أن يقوم الإنسان يصلي لله عز وجل ولكنه يزين صلاته؛ لأنه يعلم أن أحداً من الناس يراه، فيزين صلاته من أجل أرادة الناس، فهذا مشركٌ شرك أكبر؛ لأنه فعل العبادة لله، لكن أدخل عليها هذا التزيين مرآءة للخلق، وكذلك لو أنفق ماله في شيءٍ يتقرب به إلى الله لكنه أراد أن يمدحه الناس بذلك، فإن هذا مشرك شركاً أصغر، وأنواع الشرك الأصغر أيضاً كثيرة معلومة في كتب أهل العلم.
الشيخ: ذكرنا أن الشرك الأصغر: كل ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك أو وصف الشرك ولكنه لا يخرج من الملة، وأن الشرك الأكبر: كل ما أطلق الشارع عليه اسم الشرك أو وصف الشرك وهو مخرج من الملة.
الشيخ: نعم، هو شركٌ من حيث المعنى العام؛ لأن ترك الصلاة تهاوناً إنما تركها لهواه، فقدم هواه على طاعة الله عز وجل، فكان مشركاً بهذا الاعتبار، كما قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] إلى آخره، فكل من اتبع هواه مقدماً له على طاعة الله عز وجل فإن فعله هذا نوعٌ من الشرك، وإن كان الشرك بالمعنى الأخص لا يشمل الترك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر