إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - باب فيمن أحب لقاء الله للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عندما يموت الإنسان وفي لحظات نزع روحه قد تأتيه الملائكة بالبشارة برضا الله والخير والنعيم، ففي تلك اللحظة يحب الإنسان لقاء الله فيحب الله لقاءه، والعكس لمن بُشر بسخط الله وعذابه، فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.

    1.   

    فيمن أحب لقاء الله

    شرح حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيمن أحب لقاء الله

    أخبرنا هناد عن أبي زبيد وهو عبثر بن القاسم عن مطرف عن عامر عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال شريح: فأتيت عائشة رضي الله تعالى عنها فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا، قالت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، ولكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، قالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالذي تذهب إليه؛ ولكن إذا طمح البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].

    فقول النسائي رحمه الله: باب فيمن أحب لقاء الله، أي: في بيان فضل ذلك وثوابه عند الله عز وجل، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)]، قال شريح بن هانئ الراوي عن عائشة رضي الله عنها: فذهبت إلى عائشة وقلت لها: يا أم المؤمنين! حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا قد هلكنا، يعني: لأنه فهم أن الكراهية كراهية الموت، [(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)] ففهم أن ذلك فيه كراهية الموت، وكلنا نكره الموت؛ فقد جبل الناس على كراهية الموت وعدم محبته، فقالت: ليس ذلك؛ قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المقالة ولكن ليس المقصود هو كراهية الموت، وإنما المقصود: أن المسلم إذا كان في النزع وحصلت الحشرجة في الصدر عند خروج الروح، فإنه يبشر بما أكرمه الله عز وجل به وبما أعده له، فيحب لقاء الله لما بشر به فيحب الله لقاءه، وهذا يكون للمؤمن.

    وأما الكافر فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه، يعني: إذا بشر بما يسوؤه وأخبر بالعذاب الذي أمامه، فإنه يكره خروج روحه، ويكره الانتهاء من هذه الدنيا؛ لأنه سينتقل إلى عذاب، وهو الذي أخبر به، فيكره لقاء الله عز وجل، ويكره أن يموت وأن تخرج روحه، فينتقل إلى عذاب شديد، وهذا مثل ما تقدم في الحديث الذي يتعلق بخروج الروح، وأن المؤمن إذا كان عند خروج روحه يأتيه ملائكة معهم حرير أبيض من الجنة فيقولون: (يا أيتها النفس! اخرجي راضية مرضياً عنك، اخرجي إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان)، فيبشر فيحب لقاء الله عز وجل، ويفرح فيحب الله لقاءه.

    وأما الكافر فإنه إذا قيل له: اخرجي أيتها النفس الخبيثة ساخطة مسخوطاً عليك، فعند ذلك لا تريد الخروج؛ لأنه ليس أمامها إلا النار، فيكره الكافر لقاء الله لما يجده أمامه من العذاب، والله تعالى يكره لقاءه، وهذا مثل ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)؛ لأن المؤمن إذا بشر بما هو خير أمامه أحب لقاء الله، وأما الكافر فإن الدنيا جنته؛ فهو إذا بشر بما يسوؤه، وأخبر بما يسوؤه أمامه فإنه يكره أن يخرج من هذه الدنيا؛ لأنه يخرج من جنته ونعيمه، فليس عنده من النعيم والتلذذ إلا ما حصل في الدنيا، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهو أول حديث في كتاب الزهد من صحيح مسلم: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر) فهو يسوؤه أن يخرج من هذه الحياة الدنيا؛ لأنه يترك النعيم الذي كان فيه، ولا نصيب له في النعيم إلا هذا النعيم، ويبشر بالعذاب، فيكره الخروج من هذه الدنيا، وأما المؤمن إذا بشر فإنه يفرح بالخروج من هذه الدنيا؛ لأنه بشر بما يسره، وهو قادم على ما يسره، وعلى النعيم الذي أعده الله عز وجل له.

    فـعائشة رضي الله تعالى عنها بينت أن الأمر ليس كما فهم، صحيح أن الله تعالى طبع الناس وجبل الناس على كراهية الموت فلا يحب الإنسان الموت، ولكن القضية ليست قضية الموت، وكراهية الموت، وإنما هي عند التبشير بالخير أو التبشير بالشر؛ فهذا يبشر بنعيم، وهذا يبشر بعذاب أليم.

    والشاعر يقول مبيناً أن الشيء يكون محبوباً مبغوضاً في آن واحد وفي وقت واحد كالشيب، فيقول:

    الشيب كره وكره أن نفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

    الشيب كره، إذا قيس الشيب بالشباب صار الشيب غير مرغوب فيه؛ لأن الشباب أحب منه وأرغب منه، لكن إذا نظر إلى ما بعده وهو الموت صار مرغوباً، ولهذا قال:

    الشيب كره وكره أن نفارقه

    يعني: يكره أن يموت، وكره أن نفارقه.. فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

    مع أنه محبوب فهو مبغوض؛ محبوب لأجل ما وراءه، ومبغوض من أجل ما كان قبله وهو الشباب، ولهذا جاء في حديث البراء بن عازب في خروج الروح: (إن المؤمن إذا قيل لروحه: اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كما تسيل القطرة من في السقاء)، أي: تخرج بسهولة، كما تسيل القطرة من فم القربة.

    وإذا كان بخلاف ذلك قيل له: اخرجي إلى عذاب وإلى رب غضبان، وإلى آخره، هي لا تريد أن تخرج، فيستخرجونها أي: الملائكة، أو يستخرجها ملك الموت كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، والسفود هو: الحديدة التي فيها حدائد من جهات مختلفة، فإنها إذا دخلت بصوف ثم أريد إخراجها: فإنها لا تخرج إلا بعد أن يتمزق الصوف الذي أمامها والشعر الذي أمامها، فيكون خروجها كخروج السفود من الصوف المبلول لأنها لا تريد الخروج؛ لأنها بشرت بالعذاب، فتلك تخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وهذه تخرج كما يخرج السفود من الصوف المبلول، وهذا هو الذي عناه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (من أحب الله لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).

    وهذا فيه دليل على أن الله تعالى يحب ويكره، وإثبات صفة الحب والكره لله عز وجل، وأن الله تعالى متصف بهذه الصفات، وصفاته كما تليق به؛ فكل ما يضاف إلى الله عز وجل في الكتاب والسنة يجب إثباته لله عز وجل وهو على ما يليق به سبحانه وتعالى، لا تشبه صفاته صفات المخلوقين، بل صفات الباري كما يليق بجلاله وعظمته، وصفات المخلوقين كما يليق بضعفهم وافتقارهم، والأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، يعني: سمعه لا كالأسماع، وبصره لا كالأبصار، وحبه لا كالحب، وكراهيته لا كالكراهية.. وهكذا، فالصفات كلها من باب واحد يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، لا يفرق بينها، بل كلها على وتيرة واحدة، وهي أنها تثبت كما يليق بالله عز وجل، ولا يتصور أن ما يضاف إلى الله عز وجل يشبه ما يضاف إلى المخلوقين، بل ما يضاف إلى الله عز وجل يليق بكماله وجلاله، وما يضاف للمخلوقين يليق بضعفهم وافتقارهم، والأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فهو يحب ويكره ولكن لا يشبهه شيء، ليس كمثله شيء في جميع الصفات، فهو سبحانه وتعالى صفاته جميعها تثبت على ما يليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم، ولا تشبه صفة الخالق صفات المخلوق.

    [قال شريح: (لقيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا قالت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، ولكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت)].

    وهذا فيه أن الأمور قد تخفى، وأن فهم بعض الأحاديث قد يخفى على بعض الصحابة وعلى التابعين، فيبينه الصحابة أو يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، يأتي بيانه من الرسول عليه الصلاة والسلام أو من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا من جنس لما نزل قول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: المراد بذلك: الشرك الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] يعني: الشرك، ثم ذكر الآية: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ففهموا أن المراد بذلك هو: ظلم، قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ فبين لهم أن المراد به: الشرك.

    وهنا فهم شريح أن المراد به: الموت، فقالت عائشة: لا، ليس المراد هو الموت، وإنما المراد ما يبشر به عند الموت إما نعيم، وإما عذاب، فهذا يفرح لأنه سيقدم على ما بشر به، وهذا يستاء ويكره؛ لأنه سيقدم على ما بشر به من العذاب والعياذ بالله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...)

    قوله: [أخبرنا هناد].

    هو ابن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي زبيد].

    هو عبثر بن القاسم الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبثر هذا هو الذي مر بنا في المصطلح بين عبثر وعنبر، وأنهما من قبيل المؤتلف والمختلف يعني: يتفقان في الرسم ويختلفان في النطق عبثر وعنبر، فـعبثر بن القاسم هو بالعين والباء والثاء والراء، وعنبر الذي هو جد محمد بن سواء هو بالعين والنون والباء والراء، فمتفقان في الرسم ولكنهما مختلفان في النطق والنقط، واتفقا في شكل الحروف والحركات، يعني: عبثر وعنبر شكل واحد، الفتحة، والسكون، والكسر، والفتح وما إلى ذلك كله سواء، ولكن الفرق إنما هو بالنقط والنطق، يعني: كونه منقوطاً وكون النطق يختلف في هذا وفي هذا.

    وعبثر بن القاسم أبو زبيد الزبيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن مطرف].

    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ومطرف بن طريف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عامر].

    هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المشهورة في بيان ما كان عليه الرافضة من السوء، وهو قوله رحمة الله عليه: (إن اليهود والنصارى خالفوا الرافضة بخصلة، وهي أنه لو قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، ولو قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد)، يعني: شر أمة محمد هم أصحاب محمد، هكذا يقول الرافضة، هذا قاله عامر الشعبي من قديم الزمان، ثم قاله رافضي في قصيدة له طويلة، معروفة، مشهورة اسمها الأزرية أو الأرزية وهي مليئة بالخبث والنتن والقبح، والكلام الذي لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه قال في بيت من أبياتها نفس الكلمة التي قالها الشعبي، يقول في بيت من أبياته:

    أهم خير أمة أخرجت للناس.. (أهم) استفهام إنكار.

    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها

    هذا يقوله رافضي في قصيدة طويلة مطبوعة بعضها، ولا أدري، هل هي مطبوعة كلها، لكن رأيت أبياتاً منها مطبوعة، وعليها تعليقات، وتعقبات من بعض أهل السنة.

    فالرافضة يقولون عن أصحاب محمد: إنهم شر هذه الأمة، عكس اليهود والنصارى؛ فاليهود يقولون: خير الأمة أصحاب موسى، والنصارى يقولون: خير الأمة أصحاب عيسى، والرافضة يقولون: شر هذه الملة أصحاب محمد.

    ويقول في بيت من أبياتها، فيما معناه: أن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة كسائر سور القرآن؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر، مع أن الله ذكره بأحسن الذكر، وسماه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا المجرم الخبيث يقول: إن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر، فنقول له: بأي شيء ذكر أبو بكر؟ ذكر بالثناء، وتسميته صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام بنص القرآن إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40] أي: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر، والله تعالى قال عن أبي بكر أنه صاحب رسول الله وسماه صاحب رسول الله، ولما قرب المشركون الذين تفرقوا يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه وجاءوا على باب الغار، وأقدامهم يراها الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وأولئك واقفون في الغار، فقال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما) الاثنان من هما؟ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله ثالثهما بنصره، وتأييده، وحفظه، وكلأته.

    فهذا ثناء حصل لـأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لكن كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17] يعني: هذا الثناء وهذا الذكر الحسن كونه يقال له: صاحب رسول الله بنص القرآن، مع ذلك يأتي رافضي خبيث يقول: إن سورة براءة لم تبدأ بالبسملة لأنه ذكر فيها أبو بكر.

    [عن شريح بن هانئ].

    ثقة، مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.

    [عن أبي هريرة].

    رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثرهم أبو هريرة، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، ستة رجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك ح وأخبرنا قتيبة حدثنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه)].

    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو حديث قدسي، والحديث القدسي هو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول يسنده إلى ربه عز وجل، يعني: يقول فيه: قال الله عز وجل، ثم تأتي ضمائر في التكلم ترجع إلى الله عز وجل، مثل قوله: [(إذا أحب عبدي لقائي)] ضمير المتكلم يرجع إلى الله عز وجل، [(أحببت لقاءه)] أحببت ضمير تكلم يرجع إلى الله عز وجل.

    قوله: [(ومن كره لقائي كرهت لقاءه)] حديث قدسي أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه، وأنه من كلام ربه تكلم به، فالقرآن معلوم أنه كلام الله لفظه ومعناه، والله تكلم به بلفظه ومعناه، لكن الحديث القدسي هل هو كلام الله لفظاً ومعنى أو هو معنى فقط؟

    من المعلوم أن الأحاديث القدسية هي كلام الله معنى، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي تكلم بها، ولهذا فإن السنة كلها وحي من الله عز وجل أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، القرآن والسنة وحيان جاءا من الله عز وجل إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، ومعجز، والحديث الذي هو السنة متعبد بالعمل به ولم يتعبد بتلاوته، وليس معجزاً، وما تحدي به، فهذا من الفروق بين القرآن وبين السنة.

    ومن المعلوم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو عن الله، يقول الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. أوحاه الله عز وجل إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي حديث الدين الذي فيه يغفر للشهيد يعني: كل ذنب، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) فاستثني الدين الذي هو من حقوق الناس فقال: (سارني به جبريل آنفاً)؛ يعني: نزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فالقرآن والسنة كلها كلام الله عز وجل، يعني: كونها من الله عز وجل، فالقرآن كلام الله لفظاً ومعنى، أما الحديث القدسي فالمتكلم به هو الله عز وجل، والذي قال: (من أحب لقائي) هو الله، فالضمائر ترجع إلى الله عز وجل، ما أحد يقول: من أحب لقائي، وهو غير الله عز وجل، لكن هل هو لفظ ومعنى؟

    من المعلوم أن الأحاديث القدسية تدخلها الرواية بالمعنى، والحديث إذا دخلته الرواية بالمعنى لا يقال أن اللفظ هو لفظ الله، ولا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الراوي عندما يبلغه الحديث قد يضبط لفظه ومعناه فيؤدي اللفظ كما سمعه، لكن قد يتقن المعنى وينسى اللفظ، أو ما يضبط اللفظ لكن المعنى مضبوطاً عنده، فهذا ماذا يصنع؟ هل يحدث بالحديث الذي ضبط معناه ونسي لفظه، أو يعبر عنه بعبارته ويرويه بالمعنى؟ أو يقال: لا تتكلم ما دمت ما ضبطت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظه؟ لا، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] إذا لم يتمكن من أداء اللفظ، وتمكن من أداء المعنى فليعبر عنه، وليبين ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى.

    الأحاديث القدسية نجد أن بعضها يأتي بروايات عديدة وبألفاظ مختلفة، وهذا نتيجة الرواية بالمعنى، فيقال في الأحاديث القدسية: إن المتكلم بها هو الله، والضمائر ترجع إلى الله، لكن هل الألفاظ كلها التي جاءت في الأحاديث القدسية هي كلام الله عز وجل لفظاً ومعنى، أو أنها مروية بالمعنى؟ لو عرفنا أن هذا اللفظ هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وما دخلته الرواية بالمعنى يمكن أن نقول أن هذا كلام الله لفظاً ومعنى، كما أنه معنى هو أيضاً لفظ، لكن ما دامت الأحاديث القدسية تدخلها الرواية بالمعنى كالأحاديث غير القدسية لا يجزم أو لا يستطاع أن يجزم مع ذلك بأن اللفظ بجميعه هو كلام الله عز وجل لفظاً.

    إذاً: قوله: [(من أحب لقائي أحببت لقاءه ومن كره لقائي كرهت لقاءه)] وبهذا تعرف ما يتعلق بالحديث القدسي من حيث تعريفه، ومن حيث هل هو كلام الله لفظاً ومعنى، والفرق بينه، وبين القرآن.

    والباقي مثل ما كان قبله، يعني: كونه يحب لقاء الله، إذا بشر بما أعد له من نعيم، ويستبشر، ويفرح، ويحب لقاء الله، والعكس من يبشر بالعذاب الأليم، فيكره الخروج من هذه الحياة الدنيا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه].

    هو المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [عن ابن القاسم].

    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

    [عن مالك].

    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [(ح) وأخبرنا قتيبة].

    (ح) هذه للتحول من إسناد إلى إسناد، وقتيبة شيخ آخر للنسائي، الشيخ الأول: الحارث بن مسكين، والشيخ الثاني في هذا الإسناد: قتيبة، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا المغيرة].

    هو المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي الزناد].

    هو عبد الله بن ذكوان المدني، لقبه أبو الزناد وهو بلفظ الكنية وليست كنية، وكنيته غير ذلك؛ فكنيته: أبو عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن الأعرج].

    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني لقبه الأعرج وهو مشهور بلقبه، ومشهور باسمه أيضاً عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي هريرة].

    وقد مر ذكره.

    حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنساً رضي الله تعالى عنه يحدث عن عبادة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].

    أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مثل حديث أبي هريرة، يعني: بلفظه ومعناه، وقد مر بيان المعنى.

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].

    هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن، وكنيته: أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [عن محمد].

    هو ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة ويروي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار فالمراد به: غندر، أي: محمد بن جعفر الملقب غندر، يأتي ذكره غير منسوب يعني: محمد.

    [عن شعبة].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [سمعت أنساً].

    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنين، وهو من صغار الصحابة، وقد عمّر، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكرهم آنفاً عند أبي هريرة، وهذا الإسناد كلهم بصريون: محمد بن المثنى، ومحمد بن جعفر، وشعبة، وقتادة، وأنس، هؤلاء كلهم بصريون، فهو مسلسل بالرواة البصريين، وهو أيضاً مسلسل بكون الرجال كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبادة].

    هو عبادة بن الصامت رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    وهو من رواية الصحابة عن الصحابة؛ رواية صحابي عن صحابي، صحابي صغير عن صحابي كبير.

    حديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث حدثنا المعتمر: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)].

    أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وهو مثل الطريقة السابقة، يعني: من حيث المتن.

    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].

    هو أحمد بن المقدام العجلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.

    [حدثنا المعتمر].

    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [سمعت أبي].

    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويقال له التيمي وليس من التيميين، ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، وحديثه -أي: سليمان بن طرخان- عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة عن أنس عن عبادة].

    وقد مر ذكرهم بالإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (من أحب لقاء الله) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد (ح) وأخبرنا حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث حدثنا سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، زاد عمرو في حديثه فقيل: يا رسول الله! كراهية لقاء الله كراهية الموت كلنا نكره الموت، قال: ذاك عند موته إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه)].

    وهذا حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو بمعنى ما تقدم، وفيه: أن هذا البيان والتفسير، وهذا الاستشكال أورد على الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي الطريقة السابقة أورد شريح الإشكال على عائشة، وهنا في حديث عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك، وأنه مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول قيل له: كلنا نكره الموت، فبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمن إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه.

    قوله: [(وإذا بشر)] أي: الذي يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه، فهذه الرواية تبين أن هذا التفسير إنما هو من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن هذا الاستشكال قد عرض على الرسول عليه الصلاة والسلام، فأجاب بما يوضح، وأن المقصود ليس كراهية الموت؛ لأن هذا شيء طبع عليه الناس، وإنما المقصود: المحبة عندما يبشر بالمغفرة والرحمة، وذاك عندما يبشر بالعذاب، فإنه هذا يسر وهذا يساء، وهذا يحب لقاء الله، وهذا يكره لقاء الله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أحب لقاء الله) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [حدثنا عبد الأعلى].

    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا سعيد].

    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة ،كثير التدليس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ح وأخبرنا حميد بن مسعدة].

    وكلمة (ح) هذه معناه تحويل وانتقال إلى إسناد آخر، وحميد بن مسعدة البصري صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن خالد بن الحارث].

    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا سعيد عن قتادة].

    التقى الإسنادان عند سعيد عن قتادة وقد مر ذكرهما.

    [عن زرارة].

    هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي سبق أن مر بنا أنه مات فجأة في الصلاة؛ فكان يصلي بالناس الفجر، ويقرأ بهم سورة المدثر، فلما جاء عند قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] شهق وسقط مغشياً عليه ومات، وقد ذكر ذلك ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وكذلك ذكره غيره، وقالوا: مات فجأة في الصلاة.

    [عن سعد بن هشام].

    هو سعد بن هشام بن عامر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    وقد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755940704