أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وهناد بن السري عن حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟، قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الإمامة، ثم قال: ذكر الإمامة، والجماعة، ثم قال: إمامة أهل العلم، والفضل.
الجماعة، والإمامة متلازمتان، فإنه لا إمامة إلا مع وجود جماعة، ومع وجود الجماعة لابد من الإمامة، فإذا كان الإنسان وحده فليس هناك إمامة، وليس هناك جماعة؛ لأن الإمامة والجماعة تكون إذا وجد أكثر من واحد.
والجماعة أقلها اثنان؛ إمام، ومأموم، فإذا وجدت الجماعة فإن كانوا اثنين أو أكثر تقدم واحد منهم، وصار إماماً، وإذا لم يبلغوا العدد اثنين فإنه لا جماعة، ولا إمامة.
وأورد النسائي هنا هذه الترجمة وهي: ذكر إمامة أهل العلم، والفضل، وتقديمهم في الإمامة على غيرهم، وأورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة، والسلام لما قبض، واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وذهب إليهم جماعة من المهاجرين فيهم أبو بكر، وعمر، فقالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فقال عمر: ألستم تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر أن يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم عليه؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم عليه.
فمحل الشاهد أن عمر رضي الله عنه قال: (ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتعوذوا بالله من ذلك)؛ أن يتقدموا على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الاجتماع لما رأى أبو بكر أن يبايع عمر، قال عمر رضي الله عنه: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا، فبايعه وبايعه الناس.
الحاصل: أن الترجمة معقودة لإمامة أهل العلم والفضل، وأبو بكر رضي الله عنه قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المقدم في العلم والفضل، وسيأتي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة).
وقد يبدو تعارض بين تقديم أبي بكر رضي الله عنه في الصلاة، وفي الصحابة أبي الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقرؤكم
فكون هذا حصل في مرض موته، وقبل وفاته بخمس ليال، فيه إشارة إلى أفضليته، وإلى أولويته في الخلافة، وكذلك تقديمه إياه في الصلاة، قال بعض العلماء: إن الأولى بالإمامة هو الأقرأ، والنبي عليه الصلاة والسلام، إنما قدم أبا بكر في هذه المناسبة -أي: في مرض موته- إشارة إلى أنه الأولى، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينيبه قبل مرض موته في الصلاة، ويأمره بأن يصلي بالناس قبل تلك المناسبة، كما سيأتي في بعض الأحاديث التي فيها أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمره بأن يصلي بالناس إذا تأخر في الوصول إليهم كما سيأتي.
ومن العلماء من قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أرشد إلى تقديم أبي بكر؛ لأنه أعلمهم؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا يجمعون بين العلم والعمل، وبين معرفة القرآن ومعرفة السنن، العلم بالكتاب والسنة، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، جمعوا بين العلم بكتاب الله، والعلم بسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
إذاً: فـأبو بكر رضي الله عنه كان عنده العلم بكتاب الله، وعنده العلم بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو معني بالقرآن، كما أن غيره معني بالقرآن، رضي الله تعالى عن الجميع.
وعلى هذا فيكون كون أبي أقرأهم، يعني: لتميزه في ذلك، ولكن كونهم قراء، وعلماء، وجمعوا بين العلم بالكتاب والسنة هذا هو شأنهم، وهذه طريقتهم، كما بين ذلك عبد الله بن مسعود في الأثر الذي ذكرته: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن، لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً.
وتقديم العالم بكتاب الله معروفٌ بين سلف هذه الأمة، كما حصل من أحد أمراء عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مكة، أو جاء إلى عمر فلقيه، فقال: من أنبت مكانك؟ فقال: أنبت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى لنا، قال جعلت عليهم مولى؟ فقال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، فقال عمر رضي الله عنه: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين)، والحديث رواه مسلم في صحيحه، يرفع الله بالقرآن من يرفع، ويضع به من يضع، فكان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم، وسلف هذه الأمة يعنون بالكتاب والسنة، وجمعوا بين العلم بالكتاب، والعلم بالسنة، فيقرءون القرآن، ويحفظونه، ويتعلمون ما فيه من الأحكام والحكم، وكذلك يعرفون السنة، ويحرصون على العلم بها، ويستنبطون ما تدل عليه من أحكام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
ثم إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ليس هذا هو الدال عليها، بل دل عليها أدلة كثيرة تدل على أنه الأولى من بعده، ولكن ليس فيه تصريح بأن الخليفة بعدي فلان بن فلان، فإنه لم يأت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال: الخليفة بعدي فلان بن فلان، ولكن جاءت نصوص تدل على أنه الأحق بالأمر من بعده، مثل هذا الحديث الذي هو تقديمه في الصلاة، وقوله قبل أن يموت: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
وكذلك ما جاء من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اقتدوا باللذين من بعدي:
إسحاق هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
وأما هناد بن السري فهو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه.
وفائدة معرفتها: حتى لا يظن أن فيه تصحيفاً فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه، فإن من لا يعرف يظن أن فيه تصحيفاً، يعني: مثل: هناد بن السري لو جاء في الإسناد هناد أبو السري، فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري، يظن (أبو) مصحفة من (ابن)، وهذا غير صواب، فإذا جاء هناد بن السري فهو أبو السري، وإن جاء هناد أبو السري فهو ابن السري، فكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث الذي هو مصطلح الحديث.
[عن حسين بن علي].
وهو الجعفي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زائدة].
وهو ابن قدامة أبو الصلت الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن عاصم].
وهو ابن بهدلة وبهدلة كنيته أبو النجود، أي: مشهور بـعاصم بن أبي النجود، واسم أبي النجود : بهدلة، فهو عاصم بن بهدلة، وكنية أبيه أبو النجود، وهو المقرئ المشهور، أحد القراء المشهورين، وهو صدوق له أوهام، وهو حجة في القراءة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ولكن حديثه في الصحيحين مقرون بغيره.
[عن زر].
وهو ابن حبيش بن حباشة الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم.
[عن عبد الله].
وهو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء العلماء في الصحابة رضي الله تعالى عنه، وليس هو من العبادلة الأربعة الذين اشتهروا بهذا اللقب؛ لأن العبادلة الأربعة يراد بهم صغار الصحابة الأربعة الذين هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، الذين عاشوا بعد ابن مسعود مدة طويلة، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، واستفاد الناس من علمهم وحديثهم.
وأما ابن مسعود رضي الله عنه فهو متقدم الوفاة؛ لأن وفاته سنة: (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عن الجميع، وحديث عبد الله بن مسعود عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب عن أبي العالية البراء قال: (أخر
هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة مع أئمة الجور، أي: أنه يصلى وراءهم، ومن المعلوم أن هذا هو مذهب أهل السنة، والجماعة؛ أنه يصلى وراء الأئمة، وإن كانوا جائرين، والحرص على الجماعة، وعلى عدم الفرقة، فهذا أمر مطلوب، ومع ذلك فإن منهم من كان يؤخر الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرشد إلى التخلف عنهم، وترك متابعتهم، والصلاة وراءهم، وإنما أمر بأن يصلي الإنسان الصلاة لوقتها، ثم بعد ذلك إذا صلوا يأتي، ويصلي معهم، وتكون له نافلة ـ أي: الثانية ـ والصلاة الأولى هي الفريضة، فالنبي عليه الصلاة والسلام، أرشد إلى متابعتهم، وإلى الصلاة معهم، وعلى عدم الابتعاد عنهم في الصلاة، بل الإنسان يصلي لنفسه في الوقت، وأيضاً يصلي معهم، ولا يقول: إنه صلى فلا يحتاج إلى أن يصلي، وإنما يصلي معهم، فيوافقهم في الظاهر، مع أنه قد صلى قبل ذلك، ولا يظهر بأنه قد صلى، وأنه لا يريد أن يصلي؛ لأنه قد صلى؛ لما في ذلك من الفتنة، ولما في ذلك من الفرقة، وهذا يدلنا على عناية الشريعة بمتابعة الأئمة، وعلى الصلاة معهم، وإن أخروها، ولكن الإنسان يصليها لوقتها، ولهذا لما قام الذين قاموا على عثمان رضي الله عنه، وحاصروه في داره، وصار محصوراً في داره، ويصلي بالناس واحد من هؤلاء أصحاب الفتنة جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ قال: الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم، وهذا الأثر في صحيح البخاري، أورده في باب: إمامة المفتون، والمبتدع، وأورد تحته هذا الأثر، وأنه يصلى وراء من كان كذلك، وذلك كما بين عثمان رضي الله عنه في قوله: الصلاة من خير ما يفعل الناس. فعلى الإنسان أن يصلي الصلاة لوقتها، ويصلي معهم إذا صلوا، ولا يفارقهم، ولا يظهر الفرقة، وتكون هذه الصلاة الثانية التي صلاها معهم نافلة.
وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث: أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، لما سئل عن الصلاة وراء الأئمة الذين يؤخرون الصلاة، فقال: (صل الصلاة لوقتها، فإذا أدركت الصلاة معهم فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي)، أي: سبق أن صليت فلا أحتاج إلى أن أصلي، أو لست بحاجة إلى أن أصلي؛ لأني قد صليت، بل الإنسان يصلي معهم، وتكون تلك الصلاة الثانية التي صلاها معهم نافلة.
وعندما روى أبو ذر الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ذكر أنه ضرب فخذه، ثم إن أبا ذر لما حدث عبد الله بن الصامت بهذا الحديث ضرب فخذه كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه، وعض على شفتيه منكراً لهذا العمل، أو كارهاً لهذا العمل الذي هو تأخير الصلاة عن وقتها، ولما حدث عبد الله بن الصامت أبا العالية عمل كما عمل معه أبو ذر؛ عض على شفتيه، وضرب فخذه كما ضرب أبو ذر فخذه عندما حدث عبد الله بن الصامت بهذا الحديث.
إذاً: فالضرب على الفخذ حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحصل من أبي ذر، وحصل من عبد الله بن الصامت ، وهذا يدل على الضبط، والإتقان، في ذكر الحالة التي تكون عند التحديث، تدل على ضبط الراوي ما رواه؛ لأنه يتذكر اللفظ الذي رواه، ويتذكر الهيئة التي حصلت عند التحديث بالحديث، فهذا مما يدل على ضبط الراوي، وإتقانه؛ لأنه عرف مع الحديث، ومع لفظ الحديث الهيئة التي حصلت من المحدث عند التحديث بالحديث، وهذا من جنس قول ابن عمر رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب)، فإنه كما ذكر الحديث ذكر الهيئة التي صنعها رسول الله عليه الصلاة والسلام معه عندما حدثه بهذا الحديث، وهذا يدل على الضبط، والإتقان لما يرويه الراوي.
ثم أيضاً هذا يسمونه المسلسل، ولكن هذا ليس مسلسلاً في الإسناد، وإنما هو في بعض الإسناد، وهو كون كل واحد يضرب فخذ من يحدثه عندما يحدث بالحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب فخذ أبي ذر، وأبو ذر ضرب فخذ عبد الله بن الصامت، وعبد الله بن الصامت ضرب فخذ أبي العالية عندما حدث كل واحد منهم بهذا الحديث.
وزياد الذي أشار إليه أبو العالية، وذكره لـعبد الله بن الصامت هو المعروف بـزياد بن أبيه الذي كان أميراً على البصرة.
وهو زياد بن أيوب البغدادي، وهو ثقة، حافظ، ولقبه، دلويه، وكان أحمد يلقبه بـشعبة الصغير، يعني: لحفظه، وإتقانه.
وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي .
[حدثنا إسماعيل بن علية].
وهو ابن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
وهو ابن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العالية البراء].
واسمه زياد بن فيروز، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي .
[فأتاني ابن الصامت].
وهو عبد الله بن الصامت، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[سألت أبا ذر].
وهو جندب بن جنادة على أصح الأقوال في تسميته، وتسمية أبيه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أبي ذر، وعن الصحابة أجمعين، وهو من مشاهير الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وفي الإسناد أن أبا العالية لما جاء إليه عبد الله بن الصامت، وضع له كرسياً فجلس عليه، وهذا فيه إكرام الزائر، وإجلاسه في المكان المناسب؛ لأنه قدم له كرسياً ليجلس عليه عندما أتى إليه، أي: أتى عبد الله بن الصامت إلى أبي العالية.
وهنا أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لعلكم ستدركون أقواماً يؤخرون الصلاة عن وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، وصلوا معهم، واجعلوها سبحة)، أي: نافلة؛ لأن السبحة هي النافلة، والتسبيح هو التنفل، ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه: (لو كنت مسبحاً لأتممت)، أي: لو كنت متنفلاً، مع أنه يقصر في السفر، وكذلك أيضاً في قصة الجمع بمزدلفة: (ولم يسبح بينهما)، أي: لم يتنفل، فالمقصود بالتسبيح هو التنفل، ويقال للنافلة: سبحة، أي: المراد بها نافلة، أي: تكون الثانية سبحة، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، وهو أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها، ويحضر للصلاة معهم، فتكون تلك الصلاة التي يصليها معهم له نافلة.
وهو السرخسي اليشكري، وهو ثقة، مأمون، سني، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، فهو مثل أبي العالية ؛ لأن أبا العالية خرج له البخاري، ومسلم، والنسائي .
[حدثنا أبو بكر بن عياش].
هو ثقة، عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه الصحيح، وحديثه أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، أي: لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم في الصحيح، وإنما خرج له في مقدمة الصحيح.
وإذا كان نص عليه في تهذيب الكمال فهو المعتبر؛ لأنه ينص على الأسماء، وأما التقريب فإنه بالرموز، وأحياناً الرموز يكون فيها تحريف، وأحياناً يكون فيها سقط، ولكن المزي في تهذيب الكمال ينص على من خرج للراوي بالأسماء، فيقول: روى له فلان، وفلان، وفلان، بدون رمز.
أخبرنا قتيبة حدثنا فضيل بن عياض عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سناً، ولا تؤم الرجل في سلطانه، ولا تقعد على تكرمته إلا أن يأذن لك)].
هنا أورد النسائي: (من أحق بالإمامة؟)، أي: إذا وجد جماعة، وأرادوا أن يصلوا، فمن الذي يقدم في الإمامة منهم، ومن أحق بالإمامة منهم.
وأورد النسائي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة)، فهنا قال: (فأقدمهم هجرة، وإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سناً، ولا تؤم الرجل في سلطانه، ولا تقعد في بيته على تكرمته إلا أن يأذن لك)، والحديث رواه مسلم في صحيحه، ولكن قدم الأعلم بالسنة على الأقدم هجرة، ولا شك أن هذا هو الواضح، أي: الذي بعد القراءة العلم بالسنة، وإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فالأعلم بالسنة أولى ممن هو أقدم هجرة؛ لأنه قد يكون أقدم هجرة وهو عامياً، ولكن إذا تساووا في القراءة فإنه يقدم الأعلم بالسنة؛ لأنه أولى ممن يكون أقدم هجرة، ثم بعد ذلك من يكون أكبر سناً، فإذا تساووا في هذه الأمور الثلاثة المتقدمة: القراءة، والسنة، والهجرة يقدم من يكون أكبر سناً، وأقدم سناً.
والحديث هو الذي أشرت إليه في أول الدرس إلى أن التوفيق بينه وبين ما جاء في تقديم أبي بكر في الصلاة على غيره، مع أنه قال: [(يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)]، قال: [(أقرأكم
قوله: [(يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)]، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون أقدمهم هجرة، ثم يكون أكبرهم سناً.
قوله: [(ولا يؤم الرجل في سلطانه)]، أي: أن الأمير والوالي هو الأحق، وله حق التقدم على غيره، وإذا أذن لغيره فله أن يتقدم، والحق له؛ لأنه هو الأمير الذي له الولاية، فيكون له حق الإمامة إذا حضر، وإذا قدم غيره فإنه يتقدم تحقيقاً لأمره، وتنفيذاً لأمره.
وقوله: [(ولا يجلس على تكرمته إلا أن يأذن له)]، يعني: إذا جاء الإنسان في بيته فإنه لا يختار المكان الأنسب، والمكان المتميز، وإنما المكان الذي هو متميز، والذي هو له ميزة على غيره يكون لمن يأذن له صاحب البيت، فلا يأتي ويجلس في مكان، مع أن صاحب البيت يريد أن يجلس فيه شخص آخر أولى منه، فمن الأدب أن الإنسان يجلس حيث يؤذن له في الجلوس، وإذا كان هناك مكان متميز في البيت فلا يأتي أي واحد من الناس ويجلس فيه، وإنما إذا قيل له: اجلس جلس، وإلا فإنه يجلس في أي مكان من الأماكن التي لا تميز فيها.
وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة، الثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا فضيل بن عياض].
وهو فضيل بن عياض، وهو المشهور بالزهد، وهو ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو مثل إسحاق بن راهويه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن الأعمش].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقبه.
[عن إسماعيل بن رجاء].
وهو إسماعيل بن رجاء، وهو ثقة، خرج له مسلم، والأربعة.
[عن أوس بن ضمعج].
وهو أوس بن ضمعج، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة أيضاً، وهو مثل الذي قبله، أي: مثل تلميذه.
[عن أبي مسعود].
وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، صحابي جليل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشهور بكنيته، وأحياناً تتصحف كنيته مع ابن مسعود فيقال ابن مسعود؛ لأن كلمة ابن وكلمة أبي مسعود متقاربان، وأبو مسعود غير ابن مسعود، أبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري، وأما ابن مسعود فهو عبد الله بن مسعود الهذلي المهاجري رضي الله تعالى عنه، وقد تصحفت في كثير من نسخ بلوغ المرام؛ لأنه في كثير من النسخ عن ابن مسعود، وهو ليس ابن مسعود، وإنما هو أبو مسعود.
وحديث عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الجواب: لا أعلم هذا الاشتراط، ولكن الذي يدل على تمييزهم لذكر المقدمة، والتخريج فيها، وذكر الرجال على أن هناك فرقاً بين المقدمة وبين الصحيح، فهم يرمزون لـمسلم في المقدمة بميم وقاف، ولـمسلم في الصحيح بميم، أي: للرجال، وكذلك عندما يأتي الحديث يقولون: في مقدمة صحيحه، مما يشعر بأن هناك فرقاً بين المقدمة وبين الصحيح.
الجواب: نعم؛ لأن الصلاة إذا أعيدت يصلي الإنسان ولو في وقت النهي؛ لأن صلاة النافلة وراء من هو مفترض جاءت بها السنة في قصة الرجلين اللذين جاءا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله! إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر