إسلام ويب

التعريف بكتب التفسير [6]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الكتب التي ألفت في القرن الخامس كتاب الكشف والبيان للثعلبي، وهو كتاب يستفيد منه المتخصصون، فإنه ذكر في مقدمته معلومات فريدة تتعلق بتاريخ التفسير، وكتب التفسير، وبعض الكتب المفقودة من كتب اللغويين، وصنف المؤلفين في التفسير إلى أقسام. وقيمة الكتاب تكمن في غزارة مصادره، والنقولات المنسوبة لعلماء فقدت كتبهم، فالكتاب يستفيد منه المتخصصون لا القراء.

    1.   

    نموذج من إيراد المفسر لما فيه مناسبة في تفسير الآية وما ليس فيه مناسبة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله قوله تعالى: [ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ [ص:71]، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص:72].

    أخبرنا يحيى بن حبيب بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى، فقال: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل عملته كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض، قال: فحج آدم موسى )].

    فأورده لأنه ورد في الآية: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29]، وفي الحديث: ( ونفخ فيك من روحه )، ففيهما موافقة بين لفظ الحديث والآية.

    [ سورة الزمر.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ، بسنده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ في كل ليلة ببني إسرائيل والزمر)].

    وهذا أيضًا من الآثار التي لا علاقة لها بالتفسير، لكنه يوردها لمناسبة سورة الزمر.

    [ قوله تعالى: وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً [الزمر:8].

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بسنده عن الأعمش قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: ( ليس أحد أصبر على أذىً يسمعه من الله يدعون له ندًا، ثم هو يرزقهم ويعافيهم )، قال الأعمش : فقلت له: ممن سمعته يا أبا عبد الله ؟ قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

    واضح هذه المناسبة، وَجَعَلُوا للهِ أَندَادًا [إبراهيم:30]، ثم أورد هذا الحديث؛ لأن بينهما مناسبة.

    [ قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]

    أخبرنا هناد بن السري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تبارك وتعالى: من أذهبت كريمتيه فاحتسب وصبر لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة ) ].

    وفيه مناسبة بين قوله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، نعم.

    [ قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31].

    أخبرنا محمد بن عامر بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية، وما نعلم في أي شيء نزلت: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ، قلنا: من نخاصم؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة، حتى وقعت الفتنة، قال ابن عمر : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42].

    أخبرنا محمد بن كامل بسنده عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في سفر ذات ليلة، قلنا: يا رسول الله: لو عرست بنا، قال: إني أخاف أن تناموا، فمن يوقظنا للصلاة؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله، فعرس القوم فاضطجعوا، وأسند بلال إلى راحلته فغلبته عيناه، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: يا رسول الله! والذي بعثك على الحق ما ألقيت عليّ نومة مثلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها حين شاء، ثم أمرهم فانتشروا لحاجتهم فتوضئوا ) ].

    واضح مناسبتها لقوله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، ومعنى (التعريس) هنا: (لو عرست بنا)؟ أي: النزول على جانب الطريق للراحة، نعم.

    1.   

    كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج

    معاني القرآن وإعرابه للزجاج المتوفى سنة (311هـ)، هذه من الكتب المشاركة في التفسير في القرن الرابع فنحن قسمنا القرون ثم قسمنا الكتب إلى هذه الثلاث الموضوعات: كتب التفسير، ثم كتب السنة المتضمنة للتفسير، ثم كتب المشاركة، والأصل لو كنا مرتبين على الوفيات يكون الزجاج متقدم، فيكون بعدها ابن جرير الطبري الحديث عنه.

    و أبو إسحاق الزجاج أملى هذا الكتاب في سنة (285هـ)، وأتمه في سنة (301هـ) وهو يملي هذا الكتاب، و الزجاج كان نحويًا لغويًا أصوله بصرية، وقد ذكر في كتابه أنه سيكتب هذا الكتاب مختصرًا في معاني القرآن وإعرابه، ولكن غلب جانب الإعراب على جانب المعاني، وإن كان أيضًا ما يتعلق بمعاني القرآن وتفسير القرآن أكثر ممن سبقه، فلو جعلت مثلاً موازنة بينه وبين الفراء ، وبين الأخفش من جهة المعاني والتفسير، فستجد أن المعاني والتفسير في كتاب الزجاج أكثر.

    وسبب ذلك أنه اعتمد على تفسير الإمام أحمد ، وقد نص عليه في استفادته من تفسير الإمام أحمد ، فهو يروي تفسير الإمام أحمد عن ابنه عبد الله .

    منهج الزجاج في كتابه معاني القرآن

    فحرص الزجاج على بيان المعاني اللغوية، وأيضًا بيان اشتقاقها، مثل قوله: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، قال أبو عبيدة : معناها: لأهلككم، قال: وحقيقته، يعني: أصله في الاشتقاق، لو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم لتعنتون، وأصل العنت في اللغة من قولهم: عنت البعير إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها. ويقال: أكمة عنوت إذا كان لا يمكنه أن يجازيها إلا بمشقة عنيفة، وأيضاً هو كغيره من اللغويين من جهة الاستشهاد بالشعر، في كثرة الشواهد الشعرية، لكن أغلبها جاء في الجانب النحوي.

    وكذلك كان كغيره من اللغويين بالاعتناء بالقراءات، وتوجيه هذه القراءات، وأيضًا كثير منها مرتبط بجانب النحو.

    فهذه إشارة سريعة إلى تفسير أو إلى كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج .

    أنموذج من معاني القرآن للزجاج

    قال المؤلف رحمه الله: [ روي: أن الله جل ثناؤه جعل لكل امرئٍ بيتًا في الجنة وبيتًا في النار، فمن عملَ عمل أهل النار ورث بيته من الجنة من عمل عمل أهل الجنة، ومن عمل عمل أهل الجنة ورث بيته من النار من عمل عمل أهل النار.

    والفِرْدَوْس: أصله رُومي أعرب وهو البسْتَان، كذلك جاء في التفسير.

    وقد قيل: إنَّ الفِرْدَوْس يعرفه العَرَب، وسُمِّى الموضِع الذي فيه كرم فردوساً.

    قال أبو إسحاق : روينا عَنْ أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه " كتاب التفسير"، وهو ما أجازه لي عبد الله ابنه عنه أن اللَّه عزَّ وجلَّ].

    هذا النص واضح هنا أنه استفاد من كتاب التفسير للإمام أحمد وبعض العلماء مثل الذهبي رحمه الله تعالى، وهو من هو في اطلاعه على تواريخ علماء الأمة، شك في وجود هذا التفسير، وكان يقول: ما في الكتب عنه نقل، مع ما للإمام أحمد من جلالة، ومع ذلك فهذا الكتاب نقل عنه بالنص بالإسناد.

    [قال أبو إسحاق : روينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه كتاب التفسير، وهو ما أجازه لي عبد الله ابنه عنه أن الله عز وجل، بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل جبالها المسك الأدفر.

    وروينا عن غيره أن الله جل ثناؤه كنس جنة الفردوس بيده، وبناها لبنة من ذهب مصفى، ولبنة من مسك مذرى، وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان].

    فهذه آثار ورد فيها ما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى، فالأصل فيها التوقف حتى يصح فيها السند، لاسيما عبارة: (كنس جنة الفردوس بيده) فهذه تحتاج إلى أثر صحيح تدل عليه، ولهذا لا تقال مثل هذه العبارة إلا بالسند الصحيح.

    [ قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12].

    سلالة: فعالة. فخلق الله آدم عليه السلام من طين.

    وقوله عز وجل: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13]، على هذا القول يعني: ولد آدم، وقيل: من سلالة من طين، من مني آدم، صلى الله عليه وسلم، وسلالة: القليل فيما ينسلّ، وكل مبنى على فُعالة، يراد به القليل.

    فمن ذلك الفُضالة والنُّخالة والقلامة. فعلى هذا قياسه] والكتاب على هذا الأسلوب.

    1.   

    كتاب أحكام القرآن للطحاوي

    كتاب أحكام القرآن، للطحاوي مطبوع وما وجد منه في مجلدين.

    و الطحاوي رحمه الله تعالى توفي سنة (ثلاثمائة وإحدى وعشرين) وهو صاحب العقيدة الطحاوية الحنفي، وصاحب شرح معاني الآثار ومشكل الآثار.

    مميزات كتاب أحكام القرآن للطحاوي

    وهذا الكتاب مرتب على الأبواب الفقهية، (باب الصلاة، باب الزكاة.. إلخ)، واعتمد فيه مذهب أبي حنيفة ، واعتنى بذكر أقوال صاحبيه، وعمد إلى موازنة مذهبه الحنفي بأقوال العلماء الآخرين، ثم قام بترجيح المذهب الحنفي، فهو كتاب قائم على الاحتجاج للمذهب الحنفي، يعني: أحكام القرآن من وجهة المذهب الحنفي.

    وهو يورد آثار السلف بالإسناد، كما هي عادته في كتبه، فهو مليء بآثار السلف، كما أن الكتاب مليء بالقواعد العلمية وطرق الاحتجاج، وهذا الذي تميز به الطحاوي رحمه الله تعالى في عامة كتبه التي يذكر فيها الاختلاف فمن يرجع إلى كتاب مشكل الآثار، يجد فيه طرائق كثيرة جدًا للترجيح والاحتجاج، فهذا ملخص عن الكتاب الطحاوي .

    أنموذج من كتاب أحكام القرآن للطحاوي

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43].

    قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فلم يبين لنا عز وجل ما المراد بالصلاة المذكورة في هذه الآية! هل هي الصلاة بعينها، أو موضوع الصلاة الذي يصلى فيه من المسجد والمصلى ].

    هنا نلاحظ أنه يورد الآية ثم يورد الإشكالية العلمية التي يناقشها.

    يقول: [فنظرنا في ذلك فإذا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قد حدثنا قال: بسنده عن الضحاك في قوله عز وجل: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، قال: النوم، وهذا القول فلم نعلمه هو عن غير الضحاك في هذا التأويل، أن النهي الذي في هذه الآية وقع على الصلاة في عينها.

    وقد روي في تأويلها وجه غير هذا وهو: أن عبد الله حدثنا بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال: دعا رجل من الأنصار عليًا و عبد الرحمن بن عوف فأصابوا من الخمر، فقدموا عليًا في صلاة المغرب فقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، فخلط فيها فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فهذا الحديث على السكر من الشراب، وذلك قبل تحريم الخمر، والنهي الذي في هذا الحديث إنما وقع على الصلاة في عينها.

    وقد روي في تأويل هذه الآية أيضًا ما حدثنا الربيع المرادي بسنده عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت الآية التي في البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ [البقرة:219]، فدعا عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بينا لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت الآية التي في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، وكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة، نادى: لا يقربن الصلاة سكران، فدعا عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعا عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر رضي الله عنه: انتهينا .. انتهينا.

    ففي هذا الحديث أيضًا مثل ما في الحديث الذي قبله، وأن السكر المراد في هذه الآية هو السكر من الخمر، وأن النهي الذي فيها وقع على الصلاة في عينها، وكان خبر عمر لاتصاله أولى ممن رويناه عن الضحاك ، وفي تحريم الخمر نسخ لهذا المعنى في خبر عمر الذي رويناه، وفي هذا ما يدل على أنه ينبغي للمصلي ألا يقرب صلاة مع شاغل له عنها لتكون الصلاة إذا دخل فيها همه، لا هم له غيرها، ولا شاغل له عنها].

    فهذه أحد لطائف هذا الكتاب، وفي غيرها تجده يورد قول الأحناف، لكن هذه القضية ما لها علاقة بقضية الأحناف إذ ليس فيها خلاف، هل: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، نزلت بسكر الخمر وإلا بسكر النوم، هنا أورد الرواية عن الضحاك ، وما ذكره الضحاك يدخل في ترجيحه الأخير، لكن الآية نزلت بشأن السكر من الخمر، لكن المعنى الذي قاله الضحاك معنًى صحيح معتبر، فالخلاف مع الضحاك في كون الآية نزلت بسبب هذا أو لا، وذكر جملة من الفوائد كما تلاحظون، والإمام الطحاوي من الأئمة الأعلام الذين يحسن القراءة لهم، ومعرفة مناهجهم في الترجيح والتعليم؛ لأن فيه فوائد كثيرة جدًا في هذه المنهجية.

    وقد أشار أحد من قدم لتفسير الطحاوي قبل أن يخرج إلى أنه يضارع تفسير ابن جرير الطبري ، ولكن الحقيقة أنه لما طبع الكتاب وجدنا فيه مباينة كبيرة جدًا، نعم يتشابهون في طريقة العرض، وقضية الأقوال والترجيح، لكن في الطبري يبدو أنه فريد في هذا الباب.

    1.   

    كتاب معاني القرآن للنحاس

    كتاب معاني القرآن لـأبي جعفر أحمد بن حمد النحاس ، المتوفى سنة ثلاثمائة وثمان وثلاثين.

    ما يتميز به معاني القرآن للنحاس

    وهذا الكتاب يعد من أنفس كتب معاني القرآن، وأقربها إلى علم التفسير، وقد ظهر في هذا الكتاب كثرة النقل عن السلف، فمثلًا: ورد المنقول عن ابن عباس قرابة ستمائة قولاً، والمنقول عن مجاهد قرابة خمسمائة قول، والمنقول عن قتادة قرابة ستمائة وواحد وثمانين قولاً، والمنقول عن الحسن قرابة ثلاثمائة وواحد وثلاثين قولاً.

    وعن عكرمة قرابة مائة وأربعة وسبعين، وعن الضحاك قرابة مائتين وثلاثة وثلاثين، فهو مكثر جدًا من النقل عن السلف وعن غيرهم بلا إسناد.

    وقاعدة الكتاب أن يعلق الكلام إلى صاحبه، فيقول: قال فلان، قال فلان، كما نقل أيضًا عن كثير من اللغويين، مثل الكسائي و قطرب و أبي حاتم السجستاني و ابن المبرد و ثعلب و ابن كيسان ، ولكن إذا وازنا من حيث العدد بين ما نقله من مرويات السلف، وما نقله عن اللغويين فإننا نجد أن ما نقله عن السلف أكثر وأغزر في المادة، مما نقله عن اللغويين، ولهذا كما ذكرت أن كتابه من أقرب كتب المعاني للتفسير.

    وهذا الكتاب من الكتب المنظمة والمرتبة، وهذا مما يتميز به الإمام أبو جعفر النحاس .

    كما أن في هذا الكتاب نفائس كثيرة جدًا متعلقة بالغريب والمعاني، وأيضًا له تعليقات نفيسة على بعض التفاسير.

    كما أنه يذكر القراءات وتوجيهها، وكذلك يرجح بين الأقاويل، وهذا أيضًا كثير في كتابه كتاب المعاني، وقد كان صاحب رأي مستقل، سواء في هذا الكتاب أو في كتاب إعراب القرآن، أو في كتابه الناسخ والمنسوخ، أو في كتابه القطع الائتناف في علم الوقف والابتداء، فهذه كتبه مليئة جدًا بآرائه الخاصة، وكل هذه الكتب تتميز بما ذكرت من كثرة المنقول، وكذلك من التنظيم.

    ومما رجح فيه بين الأقوال في قوله سبحانه وتعالى: وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ [الرعد:6]، يقول: قال مجاهد : يعني الأمثال، وقال قتادة يعني: العقوبات، وقال أبو جعفر : وهذا القول أولى؛ لأنه معروف في اللغة، أن يقال للعقوبة الشديدة: مِثْلة ومَثُلة.

    كذلك يلاحظ أنه استفاد كثيرًا من ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، سواء في مروياته، وأيضًا استفادته منه في الترجيحات والتعليلات، والأمثلة كثيرة جدًا في كتابه، فمثلًا من مروياته وهو ينص على ابن جرير أيضًا، يقول: وذكر محمد بن جرير : أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي الحصين عن سعيد بن جبير : أن الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.

    قال محمد بن جرير : قال لنا سفيان عن وكيع : هي الشطرنج.

    ومن ترجيحاته ما ذكره في قوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، فذكر ثلاثة أقاويل في الآية، .. وهي قول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لينزلن ابن مريم حكمًا عدلًا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب فتكون السجدة الواحدة لله رب العالمين )، ثم قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، قال أبو هريرة : قبل موت عيسى.

    وعن قتادة : قبل موت عيسى، وعن ابن عباس : قبل موت الذي من أهل الكتاب، قال: وقال بهذا القول الحسن و عكرمة ، وهذا القول رواه عن ابن عباس : عكرمة ، قال: وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن معنى قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، قبل موت عيسى عليه السلام، قال، قال غير هؤلاء: المعنى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد قبل موته.

    فعندنا ثلاثة أقوال، ثم قال: [ وهذه الأقوال غير متناقضة؛ لأنه يتبين عند موته الحق، فيؤمن حين لا ينفعه الإيمان.

    قال محمد بن جرير : أولى هذه الأقوال بالصواب والصحة قول من قال تأويل ذلك: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وأن ذلك فيه خاصة من أهل الكتاب، ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى، وإما ذلك عند نزوله، ولم يجرِ لـمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكرٌ، فيجوز صرف الهاء التي في لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ [النساء:159] إلى أنها من ذكره، وإنما: لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ [النساء:159] في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود. انتهى كلامه.

    فنجد الآن أنه ذكر ترجيح الطبري ، واختار أيضًا ترجيحًا غير ما ذكره، فهو إذاً اعتمد كثيرًا على الطبري .

    وأيضًا يورد المشكلات التفسيرية ويناقشها، والأمثلة أيضًا في كتابه مليء، وعلى العموم فهذا الكتاب من الكتب المفيدة جدًا، وهو وإن كان مرجعًا إلا أنه صالح للقراءة والاستفادة منه.

    أنموذج من معاني القرآن للنحاس

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم أما بعد:

    قال المؤلف رحمه الله، [ثم قال تعالى: حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا [يوسف:85]، قال ابن جريج عن مجاهد: أي: دون الموت، وقال الضحاك : أي: باليًا مبراً، والقولان متقاربان، يقال: أحرضه المرض فحرض ويحرض إذا دام سقمه وبلي.

    قال الفراء : الحارض: الفاسد الجسم والعقل، وكذلك الحرض، وقال أبو عبيدة : الحرض الذي قد أذابه الحزن، وقال غيره: منه حرضت فلانًا أي أفسدت قلبه.

    ثم قال تعالى: أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ [يوسف:85]، وقال الضحاك : أي من الميتين.

    وقوله عز وجل: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ [يوسف:86]،

    والبث: أشد من الحزن، قال قتادة : ولا تيأسوا من روح الله، أي: من رحمته.

    وقوله جل وعز: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ [يوسف:88]، وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: أي: ورق رديئة لا تجوز إلا بوضيعة، وقال مجاهد أي: قليلة، وقال قتادة : أي يسيرة، وقال عبد الله بن الحارث : كان معهم متاع الأعراب من سمن وصوف وما أشبههما، وهذه الأقوال متقاربة، وأصله من التزجية وهي الدفع والسوق، يقال: فلان يزجي العيس، أي: يدفع، والمعنى: أنها بضاعة تدفع، ولا يقبلها كل أحد، واحتج مالك بقوله تعالى: فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ [يوسف:88] في أن أجرة الكيال والوزان على البائع.

    وقوله جل وعز: قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92] التثريب: التعيير واللوم وإفساد الأمر، ومنه: ثربت أمره أي أفسدته، ومنه الحديث: ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب)، أي: ولا يعيرها بالزنا].

    والكتاب سائر على المنهج، من حسن الترتيب، وأنه يذكر الأقاويل على هذه الصورة، وكما قلت: كتاب مفيد جدًا، وهو أيضًا صالح للقراءة، وإن كان ليس فيه المنهجية المتكاملة للتفسير.

    1.   

    ياقوتة الصراط في غريب القرآن

    ياقوتة الصراط في غريب القرآن أيضًا طبع مؤخرًا، وهو لـأبي عمرو محمد بن عبد الواحد المعروف بـغلام ثعلب المتوفى سنة: (345هـ).

    مميزات كتاب ياقوتة الصراط

    وهذا الكتاب مرتب على السور وهو مختصر جدًا، وقد نقل بعض التفسيرات عن ابن الأعرابي وعن شيخ ثعلب ، وكذلك عن شيخ المبرد ، وهذه ميزة تعتبر في الكتاب، نقولاته هذه عن هؤلاء الأعلام اللغويين.

    من ذلك قال: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ [التوبة:111].

    قال ابن الأعرابي : يقال: ليس في الكرام أكرم ممن يشتري من عبده ما وهبه له، والله عز وجل أكرم الأكرمين، اشترى من عبيده أنفسهم، وأنفسهم ملكه دونهم، واشترى منهم أموالهم، وهي منه نعم عليهم، فهذه صفة من الكرم لا يقدر عليها أحد غيره جل وعز. انتهى.

    كذلك يروي الاختلافات الواردة في تفسير بعض الآيات القرآنية، لكنها قليلة، مثل ما أورد في: قسورة)، حيث قال: قوله: مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:51] قال ثعلب : اختلف الناس فيه، فقالت طائفة: القسورة هاهنا: الأسد، وقالت طائفة: الرماة، وقالت طائفة: سواد أول الليل، ولا يقال لسواد آخر الليل: قسورة. انتهى.

    مع أن الكتاب في غريب القرآن إلا أن الملاحظ أن الشواهد الشعرية قليلة جدًا، والمتوقع أن اللغوي يعتني بشواهد الشعر، حتى أنها بلغت في جميع الكتاب ستة شواهد، في كل الكتاب فقط ستة شواهد.

    أنموذج من ياقوتة الصراط لغلام ثعلب

    قال المؤلف [ تَغِيضُ الأَرْحَامُ [الرعد:8]، أي: تنقص من دم الحيض، وما تزداد: أي: من دم الحيض. يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ [الرعد:11]، قال أبو عبد الله : يحفظهم له من أمر الله، كأنه أمرهم بأن يحفظوا العبد، وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ [الرعد:13]، قال: والمحال: المكر، والمكر من الله جل وعز واجل التدبير بالحق.

    إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاءِ [الرعد:14]، قال: معناه: أن يأتي إلى بئر فيها ماء لا ينال إلا بحبل ودلو، فيمد هو يده إلى الماء، فلا يقدر عليه، فضربه الله مثلاً للكفار.

    وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22] أي: يدفعون بالتوبة والطاعة..].

    وعلى هذا سار هذا الكتاب، وكما يلاحظ أنه قائم على بيان المفردات، وعلى هذا الإيجاز السريع جدًا.

    والكتاب كتاب ياقوتة الصراط في مجلد واحد، وقد اعتنى المحقق بإخراجه وحرفه أيضًا في الإخراج كبير.

    1.   

    كتاب إعراب القراءات السبع وعللها

    آخر كتاب: إعراب القراءات السبع، وعللها.

    وهذا اخترته من بين كتب علل القراءات، ومنها: كتاب الحجة لـأبي علي الفارسي ، وهنا أيضًا كتاب تلميذه ابن جني في شواهد القراءات الذي هو المحتسب، لكن هذا الكتاب من أنفع كتب علل القراءات، ومن أكثرها فوائد، فوائده متعددة سواء في القراءة أو في التجويد، أو في علم الصوتيات أو في الإعراب، أو كذلك في المعاني، ويخصنا هنا ما يتعلق بالمعاني، يعني: بالمعنى التفسيري.

    طريقة كتاب إعراب القراءات السبع وعللها

    فذكر في مقدمة هذا الكتاب ما سيعمله في كتابه هذا، فذكر أنه شرح لإعراب قراءات أهل الأمصار، التي هي مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام.

    وذكر أنه لن يعدو إلى ما يتصل بالإعراب من مشكل أو تفسير وغريب، ولكن إذا كانت الحروف بالقراءة الشاذة فإنه ذكر له كتاباً مستقلاً في القراءات الشاذة، لكن أيضًا لا يخلو كتابه من إيراد بعضها والتعليق عليها، لكنها ليست مقصودة أولية، والمقصد الأولي: هو إعراب القراءات السبع.

    فذكر في مقدمة كتابه: القراء وطريقة أدائهم، وكذلك ذكر الأسانيد إليهم، ثم ذكر الأئمة الذين أخذ عنهم السبعة، وقد اعتمد على سبعة ابن مجاهد ، و ابن مجاهد شيخه مباشرة فهو يروي عنه قضايا قرائية في الكتاب، كما ذكر جملًا مما يتعلق بالاختلاف في القراءة، وذكر أيضًا فصلًا نافعًا فيه الحث على تعلم العربية، ثم سرد بعد ذلك الأحرف المختلف في قراءتها مبتدئًا بسورة الفاتحة وخاتمًا بسورة الناس.

    والكتاب يعتبر كتاب توجيه قراءات، سواء ما يرتبط بالمعنى والتفسير، أو ما يرتبط بالأداء والتصريف، أو ما يرتبط باللغة والنحو فهو توجيه للقراءات.

    وأيضًا تجد في الكتاب أنه مليء بالشواهد الشعرية، وهذه الشواهد الشعرية متنوعة الاستشهاد، فأحيانًا استشهاد على معنى لغوي، وأحيانًا على قضية قراءة، وأحيانًا على قضية نحوية، فهو على العموم من جهة الشاهد كثير.

    وأيضًا يظهر فيه منهج الاحتجاج للقراءة، يعني: تعليل القراءات وترجيح بعضها على بعض وحجة هذه القراءة، وحجة هذه القراءة، وهو مليء جدًا، وهذا من الموضوعات التي تحتاج إلى عناية وهي قضية الاحتجاج للقراءة، وهذا الكتابة فيه قليلة.

    نذكر مثالاً لما يتعلق باختلاف المعنى بسبب القراءة، يقول: [ وقوله تعالى: (عرف بعضه)، قرأ الكسائي وحده و(عرف)، واحتج بأن أبا عبد الرحمن السلمي ، كان إذا سمع رجلًا: قرأ (عرّف بعضه) بالتشديد حصبه. أي: رماه بالحصبة ].

    ومن الطرائف أن أحد المحققين حقق كتاب لـأبي ذر الهروي في نقل ذم علم الكلام: ورد رواية عن أحد السلف: أنه كان في المسجد فحصبه، فعلق المحقق، قال (حصبه) الحصباء نوع من المرض كالجدري يصيب الإنسان!

    وهذا المحقق لا علم له بروايات السلف، لأنه تخصص في الفلسفة.

    يقول: ومعنى (عرف) غضب من ذلك وجاز عليه حين طلق حفصة تطليقة، وهذا كما تقول للرجل: يسوء إليك، أما والله لأعرفن ذلك. يعني: من باب التوعد، وقرأ الباقون: (عرّف) بالتشديد، ومعناه: عرف حفصة بعض الحديث، وأعرض عن بعض.

    قال أبو عبيد : لو كان (عرَف) بالتخفيف، لكان عرف بعضه وأنكر بعضه]. انتهى.

    وفيه كثير من قضايا الاحتجاج، وطرائق العلماء في الاحتجاج، و أبو عبد الرحمن السلمي من التابعين، نرجع لقضية الطبري رحمه الله تعالى، وينكر على من يقرأ (( عرفَ بعضه )) مع أن هذه القراءة من جهة السبعة ما قرأ بها إلا الكسائي . يقول: قرأ الكسائي وحده: (عرَف) فـأبي عبد الرحمن متقدم على الكسائي ، من التابعين، المقصود هنا فقط: أن ننتبه أن قضية الاعتراض على بعض القراءات قضية قديمة.

    1.   

    كتب القرن الخامس في علوم القرآن

    نأتي إلى القرن الخامس من (أربعمائة وواحد إلى خمسمائة).

    1.   

    كتاب الكشف والبيان للثعلبي

    ونأخذ أول كتاب في هذا القرن، وهو من كتب التفسير، كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن.

    وهذا الكتاب صدر عام ألف وأربعمائة واثنتين وعشرين، لكن ما وصل إلا قريباً، وهو كتاب مشهور في التفسير، وقد نقل منه العلماء واستفادوا منه، لكن مع الأسف هذا الكتاب حققه جمع من الرافضة، والسبب في ذلك يبدو لي والله أعلم؛ لأنه مكثر من ذكر فضائل علي بن أبي طالب وقد اعتمد الحلي في كتابه منهاج القرآن على مثل تفسير الثعلبي في نقل بعض الفضائل المزعومة لـعلي ، وإلا فـعلي رضي الله عنه له فضائل معروفة مشهورة، ولا نحتاج فيها إلى مثل هذه النقول المتهافتة، فحقق الكتاب في دار إحياء التراث العربي، ولكن للأسف أن هذا تحقيق رافضي، ليس لهم خبرة بأسانيد الكتاب، ولا خبرة بأعلام أهل السنة، حتى إن المؤرج، بالجيم، وجدت في كل ما وقعت عليه في الكتاب (المؤرخ) بالخاء، فأنا عدلت أول مرة، عدلت ثاني مرة، ثم رأيت أن الكتاب كله على الخاء وهو (المؤرج)، فإذا كان المؤرج من علماء اللغة المشهورين، صار المؤرخ، من باب أولى أن يقع في كتابه تحريفات أخرى، فضلًا أيضًا عن بعض التعليقات أيضًا التي تنمّ عن رافضية هؤلاء، وخاصة فيما يتعلق بالفضائل المزعومة لـعلي حيث حشوا الكتاب في بعض هذه القضايا، وحشوه أيضًا ببعض مصادرهم التي لا يعرفها إلا من كان له خبرة بكتب هؤلاء القوم.

    وعلى العموم فالكتاب مطبوع، وسيكون متداولًا؛ ولهذا يحسن الحديث عنه بما أنه دخل في عالم المطبوعات، هذا من جهة التحقيق، فالتحقيق لا يعتمد عليه ولا ينصح بقراءة تفسير الثعلبي ، فـالثعلبي يعتبر مصدرًا ومرجعًا وليس صالحًا أيضًا للقراءة.

    هذا الكتاب لـأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري ، المتوفى سنة (1427هـ).

    نبذة عن كتاب الكشف والبيان

    بدأه بمقدمة حافلة، والحقيقة أن مقدمته نافعة جدًا، ومفيدة للمتخصصين، ففيها معلومات فريدة، تتعلق بتاريخ التفسير وبكتب التفسير، وكذلك ببعض الكتب المفقودة من كتب اللغويين الذين شاركوا في علم التفسير.

    حيث ذكر أصناف الذين ألفوا في التفسير، وقسم أصناف الذين ألفوا في التفسير قبله، فقال: جملة من أهل الأهواء الذين صنفوا في التفسير، وذكر منهم البلخي و الجبائي و الأصبهاني و الرماني ، وهؤلاء جمهور المعتزلة.

    ثم ذكر أيضًا أن فرقة خلطوا أباطيل المبتدعين بأقاويل سلف الصالحين، ولم يسلم هو من هذ الإشكالية، فجمعوا كما قال: بين الدرة والبعرة، مثل أبي بكر القفال وهذا أيضًا من المعتزلة و أبي حامد المقري ، قال: وهو ما بين الفقهاء الكبار والعلماء الخيار، لكن لما يكون التفسير حرفتهم، ولا علم التأويل صنعتهم، ولكن لكل علم رجال، ولكل مقام مقال.

    ثم ذكر فرقة ثالثة: اقتصروا على الرواية والنقل دون الدراية والنقد، ذكر مثالاً فقال: مثل الشيخين: أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، الذي هو ابن راهويه ، و أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأنماطي ، هذا القسم الثالث.

    وذكر فرقة حرموا الإسناد الذي هو الركن والعماد، فنقلوا من الصحف والدفاتر، وجهدوا على ما هو بين الخواطر، وذكروا الغث والسمين، والواهي والمتين، وليسوا في عداد العلماء، فصنت الكتاب عن ذكرهم.

    مع أنه رحمه الله تعالى موصوف بهذا الشيء، حيث أنه نقل الغث والسمين، لكن يبقى أن للثعلبي رحمه الله تعالى علمه وجلالته في هذا، لكنه كما سيأتي بعد قليل مجرد ناقل، لم يسلم من ما اعترض به على من سبقه.

    وفرقة أخرى يقول: حازوا قصب السبق في عمدة التصنيف والحذق غير أنهم طولوا كتبهم بالمعادات- يعني: الشيء المعاد- وكثرة الروايات، وحشوها بما ليس منه بد، فقطعوها عن طمع المسترشد، مثل الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، وشيخنا أبي محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني . وازدحام العلوم مضلّة للفهوم].

    هذه من العبارات الجميلة للثعلبي ، هو هنا اعترض على الطبري ، من كثرة ما يعيد في الأسانيد. فقال: ازدحام العلوم مضلة الفهوم.

    [وفرقة جرّدوا التفسير دون الأحكام، وبيان الحلال من الحرام، والحل عن الغوامض والمشكلات، والرد على أهل الزيغ والشبهات كمشايخ السلف الصالحين، والعلماء القدماء من التابعين وأتباعهم مثل مجاهد و مقاتل ، و الكلبي و السدي ] انتهى.

    يعني: أن كتابهم تفسير صرف، فهو الآن ذكر هذه الأصناف، وكأنه أراد أن يقول: كل هذه الأشياء التي عابها على هؤلاء سيحاول أن يبتعد عنها، مع أنه رحمه الله وقع في بعض ما كان قد لاحظه على هؤلاء الأعلام.

    وسبب تأليف هذا الكتاب كما يقول: إنه لم يجد كتابًا جامعًا مهذبًا في علم القرآن.

    السبب الثاني: رغبة الناس في هذا العلم، مع قصورهم في النظر في الكتب المبسوطة، وهو كتابه مبسوط رحمه الله، فإذا كانت هؤلاء تقصر هممهم بالنظر في الكتب المبسوطة فكتابه يعتبر من الكتب المبسوطة جدًا.

    كذلك قال: سؤال قوم الفقهاء المبرزين، والعلماء المحصلين.

    يعني: بعض العلماء والفقهاء سألوه أن يؤلف في التفسير، فكتب هذا التفسير.

    واستخرج كتابه هذا من زهاء مائة كتاب من مسموعاته، وما التقطه من التعليقات والأجزاء المتفرقات، وما تلقاه من أفواه المشايخ الأكفاء، وهو قريب من ثلاثمائة شيخ، وهذه تعتبر أحد مزايا الكتاب، وهي كثرة المصادر.

    ومما ذكر في مقدمته جملة من علوم القرآن التي سيذكرها في الكتاب، وهي: المسانيد، والمقدّمات، والعدد، والترتيلات، والقصص، والروايات، والوجوه والقراءات، والعلل والاحتجاجات، والعربية واللغات، والإعراب والموازنات، والتفسير والتأويلات، والمعاني والجهات، والغوامض والمشكلات، والأحكام والفقهيات، والحكم والإشارات، والفضائل والكرامات، والأخبار والمتعلقات ..

    فهذا قرابة عشرة علوم التي ذكرها، ويريد أن يجعلها في كتابه، ثم بعد أن ذكر أسانيده إلى كتب السلف، مثلًا: تفسير ابن عباس من طريق الوالبي و العوفي و الضحاك و عكرمة و الكلبي ، فهذه خمس طرق لـابن عباس ذكر كل واحد منها بإسنادها.

    كذلك تفسير مجاهد من طريق ابن أبي نجيح و ابن جريج ، وكذلك تفسير الضحاك من طريق جويبر و علي بن الحكم و عبيد بن سليمان و أبي روق عطية بن الحارث .

    ففي مقدمة الكتاب ذكر الأسانيد، الإسناد لكل مروي من مرويات السلف، ثم بعد ذلك جرد الأسانيد ولم يذكرها في وسط الكتاب؛ لكي لا يقع ما وقع فيه الطبري كما يرى هو، لكن تقع إشكالية لما يقول: عن ابن عباس ، ونحن نعرف الروايات الواردة عن ابن عباس ؛ فإن كانت من رواية الكلبي عن ابن عباس فإنها غير مقبولة، فلا نستطيع أن نميز رواية الكلبي عن ابن عباس إلا إذا قال: الكلبي عن ابن عباس ، لكنه في كثير من الأحيان لا يشير إلى هذا، إنما يذكر عن ابن عباس .

    ومن الكتب التي نقل منها تفسير أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ، وهذا الكتاب ليس فيه كل أقوال الأشج ، إنما يشمل جزءاً من مرويات الأشج ، ولذا فيه رواية عن ابن عباس ، ورواية عن مجاهد ، ورواية عن عكرمة ورواية عن الضحاك ، فهو كتاب جامع.

    فالمقصود أن هذه المصادر التي رجع إليها، مصادر غزيرة في مرويات السلف.

    كما أنه رجع إلى بعض التفاسير المعاصر له، كتفسير عبد الله بن حامد ، وتفسير أبي عمرو الفراتي ، ثم ذكر بعض الأبواب القصار في موضوعات تتعلق بفضل القرآن، باب فضل القرآن وأهله وتلاوته، وباب فضل علم القرآن وأهله، ومعنى التفسير والتأويل، ثم بدأ بالفاتحة حتى ختم بالناس، فهذه المقدمة لو أخرجت منفردة وعلق عليها ففيها فوائد جيدة فيما يتعلق بكتب التفسير وبتاريخ التفسير.

    قيمة كتاب الكشف والبيان للثعلبي

    وقيمة هذا الكتاب تكمن في الآتي:

    القيمة الأولى: كثرة المصادر وتنوعها، فهي قيمة وإن كان فيها ملحظ آخر لكثرة التفسير المأثور عن السلف، لكن يقع فيه الإشكال من جهة الإسناد، وأيضًا نجد نقله عن كتب مفقودة بالنسبة لنا، فمثلًا نجد أنه نقل عن بعض اللغويين وكتبهم غير موجودة، مثل: المؤرج، فإذا أردنا أن نعرف أقوال المؤرج في كتابه في غريب القرآن فنأخذها من هذا الكتاب، وقيمة ذلك أن المؤرج هو المفسر نفسه، فنعرف منهج المؤرج، وفي النهاية هو كتاب في غريب القرآن، لا يبعد أن يكون كله قد ضمن في هذا الكتاب.

    أيضًا من القيمة العلمية للكتاب، أن فيه نقولات منسوبة لعلماء كتبهم بالنسبة لنا مفقودة، يمكن أن نستفيد مما نقله الثعلبي عنهم، لكن يبقى أن هذا الكتاب كما ذكر عن شيخ الإسلام أن مؤلفه كان حاطب ليل، لا يعرف ما يأخذ، يجمع كل شيء أمامه، وهذا ما حصل منه رحمه الله، فهو جمع الغث والسمين الذي كان يلحظه على بعض المفسرين.

    فهو لا يميز الصحيح من الضعيف.

    يقول شيخ الإسلام : إنه حاطب ليل. ولهذا تجد أنه روى كثيراً من الأباطيل والموضوعات، خصوصًا ما يتعلق بما يروى من فضائل السور عن أبي بن كعب ، سورة سورة، فنقل فضائل السور في الحديث المروي عن أبي بن كعب ، وهو كذب باتفاق المحدثين، الذي فيه ذكر فضائل كل سورة لوحدها.

    يقول عنه شيخ الإسلام وهو يعترض على الحلي الذي في منهاج الكرامة على تفسير الثعلبي : فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي في فضل تلك السور وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون: هو كحاطب ليل، ثم قال: وهكذا الواحدي وتلميذه وأمثالهما من المفسرين ينقلون الصحيح والضعيف، ولهذا لما كان البغوي عالمًا بالحديث أعلم به من الثعلبي و الواحدي ، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئًا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي ، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الحديث، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال.

    والخلاصة أن الثعلبي يروي الموضوعات والأباطيل، وأنه لا يميز بين الصحيح والضعيف، ومع ذلك كان كما يقول شيخ الإسلام : فيه خير ودين، وهذه من إنزال الناس منازلهم. وأنا لما أتكلم عن الكتاب لا يعني ذلك أني أذم ذات الشخص.

    فيه إشكالية نقل كثير من الأباطيل في التفسير وفي المرويات الحديثية المخصصة في فضائل السور، وكذلك نقل عن بعض أهل البدع، وخصوصًا عن الصوفية؛ لأنه نقل من كتاب حقائق التفسير لـأبي عبد الرحمن السلمي ، فهذه إشارة سريعة جدًا إلى الكتاب.

    والكتاب لا يستفيد منه إلا الباحثون فقط، ولا يصلح للقراءة، لا في القراءة الابتدائية ولا غيرها؛ لأنه كتاب أشبه بأن يكون مرجعاً، فهو يقع في عشرة مجلدات، وإخراجه جميل لا بأس به، لكن تبقى الإشكالية أنه لا أستبعد أن يكون فيه تحريفات كثيرة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756696697