إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (45) - النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصه

عرض كتاب الإتقان (45) - النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصهللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مباحث علوم القرآن مبحث العام والخاص، وقد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام: العام الباقي على عمومه، والعام المراد به الخصوص، والعام المخصوص. ويدخل في العموم ما يدخل تحت صورة السبب، وتنزيل الآيات على الأحداث المعاصرة، ونحو ذلك.

    1.   

    العموم والخصوص في القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فعندنا في كتاب الإتقان لـلسيوطي رحمه الله تعالى النوع: الخامس والأربعون في عامه وخاصه، وهو الذي يسمى أيضاً بالعموم والخصوص.

    معنى العام وبيان صيغه

    ذكر السيوطي رحمه الله تعالى تعريف العام، فقال: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصرٍ، ثم ذكر ما يسمى بصيغ العموم، مثل: كل، والذي، والتي، وأولئك، والذين، واللائي، وأي، وما، ومن الشرطية أو الاستفهامية أو الموصولة، وذكر أمثلة لكل واحدٍ منها في كل هذه الصيغ.

    وفائدة معرفة هذه الصيغ هي: أنها تدل على العموم فيها، فإذا عرفنا مثلاً أن اسم الجنس المضاف أحد صيغ العموم، عند قوله سبحانه وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ[النور:63]، أنه يشمل أي أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإضافة تدل على التعميم، أو المعرف بأل في مثل قوله: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، أن (أل) دلت على العموم في أهل الإيمان، أي: قد أفلح كل من آمن.

    أقسام العام

    ومما ذكره بعد ذلك في الفصل الذي بعده قال: [ العام على ثلاثة أقسام: فذكر الأول الباقي على عمومه، وذكر قول البلقيني رحمه الله تعالى في أن مثاله عزيز قال: ما من عامٍ إلا ويُتخيل فيه التخصيص ]، وذكر أمثلة ذلك في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ[النساء:1]، قال: قد يخُص منه غير مكلف.

    فإذاً: التقوى من غير مكلف غير ممكنة، فكأنه يقول: إن هذا العموم في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[النساء:1]، يخرج منه غير المكلف.

    بعد ذلك ذكر أن الزركشي خالفه في مثل هذا وقال: إنه كثير، من حيث أن العموم كثير، وأورد منه: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:282]، وأورد كذلك: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا[يونس:44]، وكذلك: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف:49]، وكذلك: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ[الروم:40].. إلى آخر الآيات التي ذكرها الزركشي ، وأراد أن يخرج السيوطي رحمه الله تعالى قول البلقيني بقوله، قال: قلت في هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية، فالظاهر أن مراد البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية.

    ثم ذكر أنه استخرج آية بعد الفكر، أي: تكون عامة غير مخصوصة، وهي قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ[النساء:23]، فهي عامة غير مخصوصة، أي: لا خصوص فيها، فنجزم بأن للعام الذي لا خصوص فيه كما ذكر الزركشي أمثلته الكثيرة.

    أما كون العام الذي لا خصوص فيه في الأحكام عزيز، فهذا يحتاج إلى استقراء الأحكام، وكذلك إلى صحة أن يكون مخصوصاً، لأنه أحياناً لا يكفي في قضية تخيل التخصيص، وإنما أن يكون التخصيص واقعاً بالفعل.

    النوع الثاني من أنواع العموم: العام المراد به الخصوص، والنوع الثالث: العام المخصوص.

    إذاً: عندنا عام باق على عمومه، وعام أُريد به الخصوص، وعام مخصوص.

    الفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص

    فذكر الفرق بينهما أي: بين العام الذي يُراد به الخصوص والعام المخصوص، الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد، لا من جهة تناول اللفظ، ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها، والثاني: أُريد به عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ له، لا من جهة الحكم، أي أن اللفظ يشمل العموم، لكن الحكم يدل على الخصوص، وبالمثال يتبين والخلافات كثيرة في هذا، لكن هذا بالذات يوضح المعنى يتبين بالمثال.

    مثال العام المراد به الخصوص

    قال: ومن أمثلة العام المراد به الخصوص: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173]، عندنا الآن لفظ: (الناس) في الموطنين على حسب ما ورد في السيرة أن الذي قال للمسلمين بعد غزوة أحد: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173]، هو نعيم بن مسعود كما هو معروف من قصة أُحد، فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمع فلول جيشه من الصحابة رضي الله عنهم، وأراد أن يلحق بقريش تهيبت قريش من هذا، فأرسلوا نعيم لكي يخذل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بأن يقول: إن كفار مكة الذين هم قريش قد جمعوا لكم مرة أخرى لكي يخافوا، فالناس في الأولى إذا قلنا أنه نعيم بن مسعود يكون لفظ عام لكنه أريد به الخصوص، أي: عام في اللفظ خاص في الحكم، لأنه ورد في نعيم بن مسعود فقط، وهو فرد واحد، كذلك الناس في الثانية أيضاً فيمكن أن نقول: إنه عام أُريد به الخصوص أيضاً، فليس كل الناس، وإنما المراد به من كان مع أبي سفيان في تلك الحال حتى ليس كل قريش، وإنما من كان مع أبي سفيان في تلك الحال، إذاً: هذا العموم ليس مراداً به كل ما يشمله لفظ الناس، وإنما يُراد به الناس الذين كانوا مع أبي سفيان في ذلك الوقت، إذاً هذا مثال للعام الذي أُريد به الخصوص، وله أمثلة كثيرة.

    أقسام العام المخصوص ومثاله

    أما العام المخصوص فأمثلته كثيرة جداً، وذكر منها ما يكون مخصصه متصل أو منفصل، وذكر من المتصل الاستثناء، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]، فلفظ الشعراء عام، وكأننا نقول: كل شاعرٍ فإنه يتبعه كل غاوٍ لكنه بالاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[الشعراء:227]، صار تخصيصاً للعموم بالشعراء وللعموم بالمتبعين، فـ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]هذا عموم في الشعراء وفي المتبعين، فخصصه بقوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[الشعراء:227]، فإذاً الفرق بين النوع الأول الذي هو العام الذي يريد به الخصوص، والنوع الثاني الذي هو العام المخصوص أصبح واضحاً الآن.

    نرجع الآن ونقول: بحث العام الذي أُريد به الخصوص من البحوث اللطيفة التي تحتاج إلى استقراء من خلال كلام المفسرين، خصوصاً تفاسير السلف؛ لأنهم إذا حكموا بأن هذا عام أُريد به الخصوص، فهذا يدل على أن عندهم أثراً نقلياً يجعل هذا اللفظ خاصاً في الحكم، وسيأتينا إشارة إلى قوله: هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، لكن المقصد أن يكون اللفظ هكذا، فهذا مثل قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199]، فبعضهم قال: أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199]، المقصود بالناس هنا هو: إبراهيم عليه السلام، فهذا يكون عام أُريد به الخصوص، أما على قراءة سعيد بن جبير: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِ[البقرة:199]، بالياء فهذه وهي قراءة شاذة فإن المراد به آدم عليه السلام، التي هي في قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا[طه:115]، فكأنه يقول: أفيضوا من حيث أفاض آدم عليه السلام، وكأن فيه إشارة أن الحج كان من شرائع آدم عليه السلام.

    فإذاً: المقصد من ذلك إذا أخذنا بمن قال من السلف أن المراد بالناس إبراهيم عليه السلام كأنه يقول: إن هذا من العام الذي أُريد به الخصوص، وكذلك في قوله: فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي[آل عمران:39]، فالسلف فسروا أن المراد بالملائكة: جبريل، فيكون عاماً أُريد به الخصوص، وهذا مبحث له أمثلة كثيرة في تفسير السلف.

    أما القسم الثاني: وهو العام المخصوص، وأغلب كلام العلماء عليه.

    وإذا قيل: العموم والخصوص أو العام والخاص فأغلب كلامهم ينطبق على هذا النوع، أما النوع الأول والنوع الثاني فالبحث فيه أقل، والنوع الثالث الذي هو العام المخصوص هو الذي يرتبط بالأحكام ارتباطاً كثيراً، ولهذا لو تأملنا الأمثلة التي أوردها السيوطي رحمه الله تعالى فإنا سنجد أن أغلب هذه الأمثلة هي من قبيل الأحكام، وإن كان قد أورد أمثلة من قبيل الأخبار، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[الفرقان:68]، قال: إِلَّا مَنْ تَابَ[الفرقان:70]، هذا إخبار في قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[الفرقان:68]، أي: من يفعل من هذه الأفعال فإنه يلقى أثاماً إلا من تاب. أما بقية الأمثلة وأغلبها فإنها مرتبطة بالأحكام.

    مثال ذلك مما ذكره في قضية الأمثلة المنفصلة وقد ذكرنا سابقاً مثالاً للاستثناء المتصل في قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]وهذا خبر، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[الشعراء:227]، فمن الأمثلة في الأحكام التي أوردها في قوله سبحانه وتعالى: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ[البقرة:228]، ففي قوله: وَالمُطَلَّقَاتُ[البقرة:228]، عام يشمل كل مطلقة، هذا هو الأصل، لكن المطلقة الحامل تخرج بدلالة قوله سبحانه وتعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:4]، إذاً هذا العام مخصوص بقوله: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:4]، أي: إن كل مطلقة إلا أولات الأحمال، كل مطلقة إلا الصغيرة التي لم تحمل؛ لأن لها حكماً آخر. فإذاً: المقصد أن هذا النوع يكثر عند الفقهاء والأصوليين الحديث عنه؛ لأنه مرتبط بالأحكام.

    ثم عندنا أيضاً مما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى قضية ما خُص بالسنة وما خُص بالإجماع، فكل هذه الأمثلة التي أوردها أغلبها مرتبط بالأحكام، ففي مثل قوله: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[النور:2] قال: خُص منه العبد بالقياس على الأمة المنصوص عليها في قوله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ[النساء:25]، وقد أورد هذا في ما خُص بالإجماع، وذكر آية المواريث وخُص منها الرقيق، وذكر مثال عن مكي الذي هو تخصيص آية الجلد كما ذكره مكي .

    والمقصود بالمخصص المتصل أن يكون في نفس السياق، والمنفصل في آيات أخرى.

    ثم ذكر من الفروع فيما يتعلق بقضية العموم والخصوص قضايا فيما إذا سيق العام للمدح أو للذم، وأن هناك خلافاً بين العلماء هل هو باق على عمومه أو لا؟ وكذلك ذكر أنه اختلف في الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم هل يشمل الأمة أو لا؟ وكذلك ذكر الخلاف في الخطاب في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[البقرة:21]، هل يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟

    كذلك ذكر في الأصح في الأصول أن الخطاب في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[البقرة:21]، يشمل الكافر والعبد لعموم اللفظ، وكذلك ذكر في الخامس أنه اختلف: هل تتناول الأنثى أو لا؟ وذكر القول الصحيح عنده، كذلك ذكر الخطاب بيا أهل الكتاب هل يشمل المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو هو خاص باليهود والنصارى؟ كل هذه الأشياء ذكرها في المتممات، في ما يتعلق بالفروع المنثورة المتعلقة بالعموم والخصوص.

    معنى الخاص

    وكما نلاحظ أن الإمام رحمه الله تعالى لم يعرف الخاص، وإنما عرف العام فقط، فإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء الأصول فسنجد أن الخاص ضد العام، فالعام قلنا: لفظ يستغرق الصالح له من غير حصرٍ، فالخاص يتناول واحد أو أكثر على سبيل الحصر، كاثنين أو ثلاثة؛ لأن هذا كلها مخصوصة أو مرتبطة بالأعداد، فإذاً يتناول واحد أو أكثر على سبيل الحصر، فهذا يسمى الخاص.

    وللتخصيص تعريف آخر هو: قصر اللفظ العام على بعض أفراده لدليل يدل عليه، وهو النوع الثالث الذي ذكره، قصر اللفظ العام على بعض أفراده لدليل يدل عليه، سواءً كان منفصلاً أو متصل، الذي هو الدليل يكون منفصل أو متصل كما ذكر السيوطي .

    أصل العموم والخصوص من حيث النقل والعقل وعلاقته بغيره من العلوم

    من خلال النظرة السريعة لما يتعلق بالعام والخاص، هل الأصل في هذا المبحث أنه مبحث عقلي أو نقلي؟ نعم، المبحث الأصل أنه عقلي، فهل له أثر في فهم المعنى؟ نعم، الأصل أن له أثراً في فهم المعنى، وبناءً عليه فإنه من علوم التفسير، وما دام من علوم التفسير فهو أيضاً من علوم القرآن بلا ريب، إذاً: هذا العلم يكون من علوم التفسير وكذلك يكون من علوم القرآن.

    ثم هل له تعلق بالأحكام الفقهية التي في القرآن أو لا؟ الجواب: نعم له تعلق، فكما نلاحظ أن له تعلقاً ببعض الأحكام القرآنية، كما قلنا: إن أغلب أنواع التخصيص الذي هو النوع الثالث أغلبه في الأحكام، إذاً له تعلق بالأحكام الفقهية، فهذا النوع من أنواع علوم القرآن وهو أحكام القرآن يرتبط به موضوع العام والخاص، ثم هل له تعلق بعلم آخر له علاقة بالقرآن؟ نقول: نعم، وهو علم من أصول الفقه، وكذلك علم الفقه، علم الفقه الذي يبحث في الأحكام.

    ولما نأتي إلى مسألة مهمة وهي أن الناظر في هذا الباب الذي ذكرناه الآن، قد يقول: إن هذا المبحث الذي هو العام والخاص ليس من مباحث علوم القرآن، أي: مما يستدرك على السيوطي ومن كتب على شاكلته: أن هذا المبحث إنما هو من مباحث أصول الفقه، وليس من مباحث علوم القرآن، فهل هذا الاستدراك صحيح أو لا؟

    والجواب أن هذا الاستدراك غير صحيح؛ لتعلقه بفهم المعنى، وأيضاً هذا كتعليم، لكن هل نتكلم عنه كأصل، نقول الأصل اعتبار العام والخاص من أصول علم التفسير؛ لأن العام والخاص ليس مرتبط بالأحكام فقط، إذاً: هو مرتبط بالأحكام وبالأخبار، وما دام مرتبطاً بالأحكام والأخبار، ننظر الآن هل التخصيصات التي وردت على شيء من الآيات التي فيها عموم، هل يتأثر بها المعنى أو لا يتأثر؟ الجواب يتأثر بها المعنى، وبما أنه يتأثر بها المعنى إذاً: هي مرتبطة بالتفسير، لكن الشبه التي وقعت لمن يقول بهذا القول أو يستدرك بهذا الاستدراك، أن الشبه وقعت من جهة أنه نظر إلى أن من ألف في أصول الفقه قد استوعب هذه المسائل، وكان تدوينه لها قبل تدوين علماء علوم القرآن، إذاً الشبهة التي وقعت هي: أن من دون في أصول الفقه كان سابقاً لمن دون في علوم القرآن، وكان مستوعباً لمسائل هذا الموضوع، الذي هو العام والخاص، فظن أن هذا ليس من علوم القرآن، وإنما هو من أصول الفقه، فنقول: لا، ولهذا يجب أن ننتبه إلى قاعدة مهمة جداً، وسبق أن طرحتها في بداية التعليق على الإتقان.

    1.   

    أقسام علوم القرآن

    فعلوم القرآن يمكن أن نقسمها إلى قسمين أو إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: العلوم المنبثقة منه ولا توجد في غيره، مثل عد الآي، هذا علم مختص بالقرآن، أو الرسم، أو الضبط، أو قراءته، أو المكي والمدني هذه علوم مرتبطة بالقرآن لا توجد في غيره، فهي علوم قرآن خاصة.

    النوع الثاني: هو ينقسم إلى قسمين إذا أردنا أن نقسم ثنائي، أو نقول ثلاثة أقسام، النوع الثاني: العلوم المشتركة وهو على قسمين:

    الأول: بالنظر إلى القرآن باعتباره نصاً شرعياً، فإذا اعتبرناه نصاً شرعياً فسيكون معه الحديث النبوي، والمرجع لعلماء الأصول والفقه في استنباط الأحكام وتخريجها هو الكتاب والسنة، فإذاً أي علمٍ مبنيٍ على النص الشرعي كتاباً أو سنة فإنه سيكون مشتركاً مع علوم القرآن: العام والخاص، المطلق والمقيد، المجمل والمبين، الناسخ والمنسوخ، كلها في النهاية تدور في فلك استنباط أو قضايا الأحكام، سواءً كان الحكم من القرآن أو الحكم من السنة، فإذاً: هذا الذي أوقع فيه الشبهة التي قلناها سابقاً.

    القسم الثاني: باعتباره نصاً عربياً، وهنا تدخل علوم العربية، مثل: علم النحو وعلم البلاغة، وأيضاً بيان معاني الكلمات التي هي علم دلالة ألفاظ من جهة العربية، فهذه سنجدها في علوم اللغة والعلوم العربية وسنجدها أيضاً في علوم القرآن، لكن لما كان علماء العربية أسبق في التحرير والكتابة جاء علماء القرآن وأخذوا هذه التحريرات ولخصوها بما يتناسب مع ما يكتبون، وبناءً على هذا التحرير الذي قلناه يبقى عندنا أن النظر قد يقصر في تحرير المسائل المشتركة من جهة علوم القرآن، من أمثلة ذلك: العام والخاص، على سبيل المثال: لما نأتي إلى تفسير السلف، ففي تفسير الطبري تأتينا بعض التفسيرات، نقول: هذا تفسير على المثال، اللفظ عام وتفسير ابن عباس أو مجاهد أو قتادة نُقول على المثال، هذا يدخل في باب العام، وإذا نظرنا الآن من ناحية التطبيقات فسيكون التمثيل للفظ العام أكثر في التطبيقات من تخصيص اللفظ العام، وهذا يدلك على أننا لو كتبنا علوم القرآن من وجهة نظر علوم القرآن، واستفدنا من كتابات علماء الأصول أو علماء اللغة، فإنه سيثمر عندنا النظر في قضايا ومسائل لم يتطرق إليها علماء أصول الفقه؛ لأنها لا تعنيهم في قضية استنباط الأحكام.

    1.   

    ما يتعلق بقاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

    عندنا أيضاً قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، صحيح أن السيوطي وغيره سيطرقها في كلامه عن أسباب النزول، لكنها هي هنا أخص؛ لأن فيها قضية خلاف هل السبب يخصص اللفظ العام أو لا يخصص؟ فهو خلاف قديم بين العلماء، وهو أيضاً من المسائل التي تناقش في هذا الباب.

    المسألة الأولى: العموم في صورة السبب

    عندنا أيضاً قضية التعميم في صورة السبب، هل تحتمل غيره أو لا؟ وهذه من المسائل المرتبطة أيضاً بالعموم، فإذا قلنا: إن العبرة بعموم السبب، هل يمكن التعميم خارج صورة السبب أو التعميم لا يكون إلا في صورة السبب؟ مثلاً: لما نأتي إلى آيات اللعان، نقول: نزلت آيات اللعان في فلان ونذكر قصة فلان، كما حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن نعمم العموم الذي في آيات اللعان إلى مسألة أخرى، أو هي فقط من عمل بمثل هذا العمل؟ من عمل بمثل هذا العمل، أي: أن عندنا أنواعاً من الأسباب يكون التعميم في صورة السبب فقط، وهذا نحتاجه سواءً في الأحكام أو في الأخبار، بمعنى أن هذا من المسائل المهمة التي يجب أن يُنتبه إليها؛ لأننا نقول: العبرة بعموم اللفظ، لكننا لا نتخيل أن العبرة بعموم اللفظ، لكنها في صورة السبب دون غيره، لا يمكن أن نعمم إلى ما هو أعلى من الصورة.

    المسألة الثانية: العموم في غير صورة السبب

    يأتينا القسم الذي فوقه وهي قضية إمكان الخروج عن صورة السبب الخروج عن صورة السبب وتعميم اللفظ إلى غيره، مثال ذلك: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195]، فالسلف من الصحابة ذكروا أن سبب النزول هو النفقة، خصوصاً النفقة في الجهاد، أي: لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة في ترك النفقة في الجهاد، لكن هل يمكن تعميم هذا اللفظ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195]، لغير صورة السبب؟ أي: غير النفقة؟ في هذا المثال يمكن، فإذاً: يكون التعميم في الأسباب أحياناً لا يمكن إلا في صورة السبب، أي: تعميم في صورة السبب وأحياناً يكون التعميم إلى ما هو من غير صورة السبب؛ لاحتمال اللفظ له. وبناءً عليه نقول: إنه يحتاج إلى بحث ضابط تعميم اللفظ أو الجملة القرآنية، بمعنى ما هي الضوابط في قضية تعميم اللفظ؟ لاحظ مثلاً في قضية الاستشهاد لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزوجه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، قال لهما: ( ألا تصليان؟) يريد قيام الليل فعلي قال: أرواحنا أو أنفسنا بيد الله إن شاء أقامنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج وهو يضرب على فخذه ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا[الكهف:54]، فإذا نظرنا إلى الآية، فإنها لم ترد في مثل هذا الموضوع، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم استشهد بها على حال علي رضي الله عنه.

    فهذه الحال كما نلاحظ دخلت في عموم: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا[الكهف:54]، لكن من باب الاستشهاد.

    فإذاً: باب الاستشهاد واسع، ولا يمكن الاستشهاد إلا بالتعميم، فلا يمكن أن تستشهد إلا أن تدخل في باب التعميم، تقول: إن هذه السورة التي فُعلت تدخل في معنى هذه اللفظة أو هذه الجملة.

    المسألة الثالثة: العموم في الحوادث المعاصرة

    كذلك تنزيل الآيات على الحوادث المعاصرة، فهذا أيضاً نوع من التعميم، ومثال ذلك عند السلف: في قوله سبحانه وتعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ[الصف:5]، يقول أبو أمامة : هم الخوارج، اجمعوا الروايات عنه أنه قال: نزلت في الخوارج، مع أننا نعلم يقيناً أن الآية نزلت في اليهود، وسياقها من أول الآيات وهو ما قبلها وما بعدها واضح أنه في اليهود، فإذاً أبو أمامة رضي الله عنه لما قال: إنها نزلت في الخوارج، قايس بين فعل الخوارج وبين فعل هؤلاء اليهود، ثم نزل الآية على الخوارج، فهذا التنزيل هو في الحقيقة نوع من التعميم، لأن إدخال مثل الخوارج في عملٍ من أعمال اليهود هو نوع من تعميم اللفظ أو تعميم هذه الجملة، فأقول إذاً: إننا نحتاج في مثل هذا الأمر إلى معرفة الضوابط في قضية تعميم اللفظ أو الجملة القرآنية إلى أمور تدخل فيها، إما من باب الاستشهاد، وإما من باب تنزيلها على واقع معين، وإما من غيرها من هذه الأبواب.

    فإذاً: في النهاية نقول: إن موضوع العموم والخصوص، موضوع أوسع مما كتبه الأصوليون، وهو لا زال بحاجة إلى بحث علمي، وهو صالح لأن يكون رسالة دكتوراه، بل هو أوسع إذا أخذنا بمثل هذه الأفكار وغيرها مما سينتجه البحث العلمي؛ لأن هذا موضوع واسع جداً، وأقترح أنه لو أُخذ من خلال تفسير الطبري ، سواء في أقواله هو أو في تفسيرات السلف فإن فيه أمثلة كثيرة جداً جداً مما يمكن أن يُعمل عليه دراسة متكاملة في هذا الموضوع.

    هذا تقريباً باختصار بعض الأفكار المرتبطة بقضية العام والخاص.

    أما المعرف بأل، فذكره مرتين، وهو واحد في النهاية، لعلنا ننتبه لهذا قال: والمعرف بأل نحو: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، ثم قال: واسم الجنس المضاف، ثم قال: والمعرف، قال: نحو: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ[البقرة:275]، لعلنا نراجعه إن شاء الله إذا كان فيه علة معينة أو من باب التكرار.

    هو في الغالب مرتبط بقياس معين، فأنا أقول: إنه يحتاج إلى بحث هذه الضوابط، وأهم ضابط أن تكون هذه الصورة التي أدخلت في عموم اللفظ مندرجة وصادقة على عموم اللفظ، أي: أن اللفظ يدل عليها، بمعنى هل الخوارج ينطبق عليهم وصف أنهم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم؟ فما دام ينطبق عليهم فإنهم يدخلون في هذا، مع ملاحظة قضية مهمة، إننا في مثل قوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ[الصف:5] ننتبه إلى أن لا نُخرج الآية عن أصلها، يعني بمعنى إذا أردنا أن نفسر الآية لا يأتي واحد يفسر الآية بقول أبي أمامة ، ويقول هذا هو التفسير الصحيح؛ لأن هذا مخالف للسياق المقدم، فهذا يُفيدنا في أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتطعون أو يجتزؤون جملة من الآية ويطبقونها على ما يصلح لها، فهذا المثال الوحيد في أمثلة متعددة، وكذلك عن العلماء بعدهم، ولهذا أهم ضابط فيها هو صحة انطباق الوصف المذكور في الآية على الحدث المذكور.

    كذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا[الكهف:54].

    تنزيل قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) على حدث معاصر

    وإذا قلنا في قوله: وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]، فهل تدخل في الكلام السابق؟ نعم تدخل؛ لأنه اقتطاع آية، فقوله: وَقُلِ اعْمَلُوا[التوبة:105]إذا وُضعت على شهادة وغير هذا صحيح، لا يُقال: أنها نزلت في سياق المنافقين؛ لأنه ينطبق على الحدث المذكور؛ فما دام ينطبق على الحدث المذكور فإنه يصح الاستدلال به..

    طبعاً يخرج قضية النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة أخرى، لكن المقصد أنه سيرى الله عملكم نعم، والمؤمنون نعم، أخرجت الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة أخرى ما فيها إشكال.

    ولما نقول المقايسة لمن عنده قدرة على القياس، فهذا درس علمي، فنبحث أو نقرأ في كتاب علمي متخصص، وليس حديثي للعامة أن نقول لأي شخص: يمكن أن يجتهد ويقايس، وإنما الكلام لمن عنده قدرة أو أداة في الاجتهاد في مثل هذه الأمور فهو الذي يسأل.

    الفرق بين تنزيل: (فلما زاغوا) على الخوارج وبين تنزيلها على غيرهم

    أما تنزيل الآيات على واقع معين فيلزم منه ألا يلغي الأصل، فعندما يأتي مفسر ويفسر: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ[الصف:5]، فيقول: هم الخوارج ويستدل بقول أبي أمامة ، نقول له: إنه خطأ، إنما هم اليهود، والخوارج يدخلون في مثل هذا المعنى، فإذاً الأصل الباقي عندنا، وهذا أحد الضوابط التي ينتبه لها في قضية إدخال مثل هذه الأمور.

    1.   

    تنزيل الآيات على الأحداث المعاصرة

    السؤال: [ هل يجوز تنزيل الآيات على الأحداث المعاصرة؟ ]

    الجواب: تنزيل الآيات على الأحداث التي تحصل للإنسان لا شك أنه جزء من التدبر، والسلف قد عملوها في تراثهم التفسيري، فلو رجعت مثلاً إلى تفاسيرهم فستجد أن هذا واضح وضوحاً تام، فنقول: نزلت في القدرية، هم القدرية، هم الخوارج هم أهل البدع، أمثلة كثيرة جداً ينزلونها أحياناً تكون نزلت في الكفار وينزلونها على أحوال هؤلاء، لكنهم حينما ينزلونها وخاصة إذا كانت آية مرتبطة بكفار أحياناً ينزلونها؛ لأن الوصف ينطبق، وليس لأن هؤلاء كفار، فهم يأخذون هذا المقدار من الوصف، بخلاف الخوارج، لأن الخوارج عمدوا إلى آيات الكفار فنزلوها على المؤمنين وحكموا على المؤمنين بالكفر، ولهذا قال ابن عمر : أتوا على آيات الكفار فنزلوها على المؤمنين، أي: نزلوا وحكموا وعملوا بما حكموا، أما السلف وغيرهم من فقهاء المفسرين فإنهم ينزلونها على غيره من البدع، ولكنهم لا يحكمون عليهم بالكفر.

    فهذا الفرق بين عمل الخوارج وبين عمل المفسرين، ولهذا إذا قرأت في ذم التقليد عند العلماء قاطبةً لا تكاد تجد أحد منهم لا يستشهد بقوله: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ[الزخرف:22]، وفي الآية الأخرى: مُقْتَدُونَ[الزخرف:23]، بمعنى أنها نزلت في الكفار، وكاد يقول قاطبةً من يعترض على التقليد يذكر هذه الآية، وهي نازلة في مقام الكفار، وإنما هو من باب الاستشهاد؛ لأن هذا يصلح، وليس معنى هذا أن المقلد كافر.

    وكذلك تنزيل قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:2-3] على عمل الرافضة وغيرهم من أهل البدع.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756986463