وبعــد:
فأحييكم -إخواني- بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونقول في مطلع هذا الدرس: الحمد لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة، هذا الزواج الذي هو نعمة من الله سبحانه وتعالى أنعم بها على عباده يحصل من ورائها منافع عظيمة ومصالح جمة، ولولاه لوقع الناس في حرج عظيم، بل لربما هلك الجنس البشري بدون هذا الزواج، والله الذي خلق الرجل وخلق المرأة وهو أعلم بهما سبحانه وتعالى شرع هذا الزواج وأمر به وحث عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وعلم الأمة أحكام الزواج وآدابه.
سبق لنا -أيها الإخوة- أن تكلمنا في محاضرة سابقة بعنوان: رسالة عاجلة في المشكلات الزوجية عن نصف هذا الموضوع أو عن جزء منه، ونحن نريد أن نكمل -إن شاء الله- هذا الموضوع في هذا الدرس؛ ولأن الموضوع يتكلم عن المشكلات وعما يحدث بين الزوج وزوجته من الأمور التي تعكر صفو الحياة الزوجية ويحدث بسببها شقاء عظيم قلنا:
مهلاً أيها الزوجان! ليقف كل واحد منهما متأملاً متدبراً حياته وعيشته مع الطرف الآخر، ويقف وقفة تصحيح وتأمل في وضعه مع زوجته، وتقف الزوجة موضع تصحيح وتأمل لوضعها مع زوجها، ولعل كل واحد إذا سمع عن شيء من المشكلات في هذا الدرس ليست عنده ولا يعاني منها فليحمد الله على العافية، ويسأل الله المزيد من فضله.
فإنكم ربما تسمعون -أيها الإخوة- من غرائب الأحداث والأخبار التي تحصل في المجتمع والتي نريد أن نذكرها ونقف عندها ونلقي مزيداً من الضوء عليها؛ لأن المشكلات موجودة بالفعل ولأن هذه المشكلات من الخطورة بحيث تهدد كيان هذا المجتمع.
وكثرة حوادث الطلاق وتفشي الأخبار السيئة عن هذا الموضوع هو الذي يجعل لزاماً تكرار الكلام فيه وبسط الكلام والتوسع من أجل لمس الأوتار الحساسة في هذه القضية.
فقد تكلمنا في المحاضرة الماضية الجزء الأول عن أمور منها:
الموقف من الزوج الكافر المستهزئ بدين الله التارك لفرائض الله الذي يرتكب الفواحش، ومسألة الخيانات، والزوج الذي يقاوم الخير، والزوجة الفاسقة الفاجرة في المقابل، وتكلمنا عن المراحل التي تمر بها العلاقة الزوجية وعن بعض المشكلات مثل: معايرة الزوجة والسب والشتم وقضية العناد والزوج البخيل والمرأة الجبانة وهكذا من المشكلات إنما كان هذا تلخيصاً لبعض النقاط التي أوردناها في المرة الماضية.
ونقول إجابة على سؤال طرح في المحاضرة الماضية ما هو الموقف من الزوج الفاجر؟
أما الزوج الكافر فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تبقى معه أبداً، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].
وأما الزوج الفاجر الذي يرتكب الكبائر وتسبب هذه الكبائر مشكلات كثيرة للزوجة وشقاءً ونكداً وتعاسة، فإن المرأة تضطر للموازنة بين الأمور ومعرفة المصالح والمفاسد للتقرير في استمرارها مع هذا الرجل الفاجر من عدم الاستمرار، فقد تضطر المرأة لاحتمال أدنى الضررين من أجل درء مفسدة أكبر، هب أن امرأة -مثلاً- اكتشفت أن زوجها له علاقة بالهاتف -مثلاً- ببعض النسوة وعندها منه أولاد، وهذا الرجل بفجوره ينغص حياة زوجته، ولكن هذه المرأة قد توازن فترى أن تركها لزوجها قد يوقعه في فواحش وأن معصيته الآن قد وصلت إلى درجة معينة وقد تزداد سوءاً لو فارقته، وأن الأولاد من جهة أخرى قد يضيعون، ومهما حاولت فيه لم تر تحسناً فماذا تفعل؟
فنقول: ربما كان صبرها عليه ودعائها له مع البلية التي فيه هو أخف الضررين، ومع الألم النفسي الذي يعتري المرأة من سماع أحاديثه وفسقه وفجوره، وهو يواعد هذه ويتكلم مع هذه ويطلب من هذه أن تخرج معه، إن هذا الوضع يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على المرأة ولكن ماذا تفعل؟ وقد يكون السبب أنها انتقلت من بيت دين وخير إلى رجل لم يسألوا عنه ولم يتحروا، فاكتشفت بعد سنوات من الزواج وبعد أن أنجبت أولاداً وبناتاً أن له علاقات معينة، وقد يظلمها ويضربها ولا تطيقه.
وهذه امرأة تشتكي من وجع يدها من الضرب ثلاثة أشهر وهي تتحسر ولكن ماذا تملك أن تفعل والمرأة ضعيفة في الغالب، فهذا جواب سريع على السؤال الذي طرح في المرة الماضية عن الموقف من الرجل الفاجر.
وأما المشكلات التي سنتكلم عنها في هذه الليلة فإن النظر في أنواع المشكلات يرجعها إلى أسباب عدة:
فمن الأسباب ما يكون في الزوج والزوجة داخلياً مثل:
أولاً: الإهمال وعدم الإحساس بالمسئولية.
ثانياً: التسلط.
ثالثاً: التدخل فيما لا يعني.
رابعاً: سوء الظن.
خامساً: عدم التوافق النفسي.
سادساً: اعتقادات فاسدة.
سابعاً: وسوسة.
ثامناً: فارق التعليم.
تاسعاً: فارق الطبقة الاجتماعية.
عاشراً: عدم القناعة بالأمور المادية.
الحادي عشر: الغيرة المذمومة.
الثاني عشر: الرتابة في الحياة.
الثالث عشر: عدم الصراحة والصدق.
الرابع عشر: فارق السن.
وهناك عوامل خارجية تسبب المشكلات، مثل:
أولاً: تدخل الأقارب.
ثانياً: تأثير الجيران.
ثالثاً: الأفلام والمجلات.
رابعاً: الجلسات المختلطة المحرمة.
فهذه بعض العوامل الأخرى التي تسبب المشكلات الزوجية.
وسنضرب لكل واحدٍ من هذه العوامل بأمثلة، ونضيف إليها أيضاً من العوامل:
الأول: عدم معرفة الشخص الصحيح الذي يلجأ إليه عند حصول الإشكالات، فيتم الذهاب إلى العرافين والدجالين والسحرة الذين يسرقون أموال الناس وينهبونها، ويغفل عن دور المصلحين والدعاة وأئمة المساجد وغيرهم من طلبة العلم في دورهم في فض مثل هذه المنازعات.
تقول امرأة: زوجي يعمل أعمالاً حرة ولا يرجع أحياناً إلا في الساعة الثالثة أو الرابعة ليلاً، ولا يأتي على وجبة الغداء ولا نراه إلا نادراً، ونصحته، فقال: هذا شغلي، فإذا أردتني هكذا وإلا مع السلامة، وهي تقول له: انتبه لأهلك ولأولادك أنا امرأة شابة، إذا مرض الولد ماذا أفعل هل آخذه بسيارة الأجرة لوحدي؟ وهو مع ذلك مهمل في البيت، وتقول: إن بإمكاني أن أطلب الطلاق ولكن ماذا يفعل أطفالي؟ كم إجازة تأتي وتذهب ولم أر أهلي، وإذا ذهبت إلى أهلي فترة لا يسأل عني ولا يأتي لأخذي، وأقول له وأنصحه: نظم وقتك وانتبه لنا ولا أقول لك لا تعمل ولكن بالحدود؛ ولا فائدة.
فنقول: هذه المشكلة واضح فيها جانب الإهمال وإن على هذا الزوج أن يتقي الله سبحانه وتعالى في زوجته وأن يعلم بأن هذه المشاغل الدنيوية لن تنفعه عند الله يوم القيامة ما دام على هذا التفريط في حق زوجته، وأنه ينبغي لمثل هؤلاء الأشخاص هزة قوية توقظهم من غفلتهم وسباتهم.
وهذه حالة مشابهة: امرأة تقول: لا يهتم بي ولا بابنتي لا يسأل عنا، كل يوم مع أصحابه من الشباب، وربما يحضر حلقات علم -يعني: فيه خير- ويقرأ ويطلع، ولكن معاملته مع الناس غير معاملته معي، بعد زواجنا ذهبنا للعمرة فأخذت عمرة لإحدى قريباتي ولا زال يعيرني بها إلى الآن، هو متدين في نفسه ولكن معاملته شيء آخر، يسجل كل أخطائي ولا ينسى منها شيئاً، أقول له في الإجازة: خذنا مكاناً للترويح أو للعمرة فيرفض، ضربني ثلاث مرات وهو يعلم أنني حامل في الشهر الثاني، وسوء معاملته تزداد ويأخذني إلى أهلي يوماً كاملاً يرميني عندهم، وبعد يومين يرجع لأخذي، وكلما أرجعني أبي إليه أعادني وتركني عند أهلي، ولا يسأل عن ابنته بالأيام إذا صارت عند أهلي، ويترك الناس يصرفون على العائلة، وربما فضحني وتكلم عني ونقل الكلام لأهله، ولا يريد بيتاً ولا يتحمل مسئولية، ويعيش مع أهله الآن تاركاً لي عند أهلي ولا يسأل عن بنته.
وربما تهدد أبي وقال: لولا أن المحاكم مقفلة في العطلة لكان لي معكم شأن آخر، وربما نصحه أهله ولكنه لا يستجيب -وهي حامل الآن- وتقول: هل يجوز لي الإجهاض مع هذه الحالة التي أنا فيها.
مرة أخرى نقول: إن بعض الناس يظنون أن التدين في جوانب معينة، كأن يكون محافظاً على الصلوات، ملتزماً بالسنن، له أصحاب طيبون وربما يمارس الدعوة إلى الله ويطلب العلم، ولكن الدين -أيها الإخوة- لا بد أن يشمل الجوانب الأخرى الحساسة في الحياة، لابد أن يدخل الدين بنوره وهداه وأحكامه إلى البيت وإلى العلاقة بين الزوجين، وإلى تربية الأولاد وإلى الاهتمام بالأسرة، أما أن يكون مظهراً التدين خارج البيت فإذا رجع انقلب وحشاً كاسراً، أو رجلاً مهملاً شريراً، فهذا ليس من الدين في شيء.
فنقص التصور عن الدين ونقص التصور عن وجوب دخول الدين والإسلام في كل صغيرة وكبيرة هو الذي يُبرز لنا هذه المشكلات، ومثل هؤلاء يحتاجون إلى تذكير بالله، وتبيان بأن هذا ظلم والله لا يحب الظلم ولا يرضى به، وربما محقت سيئات عمله هذا كثيراً من أعماله الحسنة التي يعملها خارج البيت.
ونذكِّر هنا باعتنائه صلى الله عليه وسلم بأهله، وكيف كان وضعه عليه الصلاة والسلام داخل البيت، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وزوجته كما جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه تختلف أيدينا عليه، فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان) فكان يداعب زوجته صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل معها في أعمق مكان في البيت وفي أخص شيء، ولا زالت العلاقة موجودة بهذه اللطافة وهذا الحسن في المعاشرة، ضرب لنا مثلاً صلى الله عليه وسلم بحياته، فهلا تأسينا به!
ومن أسباب المشكلات كذلك:
إهمال الزوج الإصلاحات داخل البيت، فيترتب على ذلك أمور كثيرة من نقص الأشياء المهمة والحاجية وحصول ضيق في العيش بسبب عدم إقدام الرجل على تفقد ما ينقص البيت، وربما جلست ورقة الأغراض في جيبه أياماً ولا يحرك ساكناً، وربما تعطلت أشياء تحتاج إلى إصلاح وهو لا يأتي بمن يصلحها.
وهذا لا شك أنه يسبب ضيقاً للزوجة التي تعمل في البيت وتتعطل عندها الأشياء، فكيف إذا كانت الأشياء تسبب روائح كريهة ونحو ذلك من الأمور التي لا تطاق، والزوج خارج البيت يتنقل والزوجة تعاني من هذه المشكلات.
وفي المقابل يوجد زوجات ذوات طلبات كثيرة مرهقة للزوج ومزعجة، مرهقة مالياً وجسدياً، فنقول لهؤلاء النساء: اتقين الله سبحانه وتعالى في أزواجكن، ولا تكلف امرأة منكن زوجها مالا يطيق، وإن هذا من الأمور التي تخالف واجب المرأة نحو زوجها، ولنأخذ مثالاً:
رجل يعود إلى البيت بعد العمل منهكاً متعباً يريد الراحة ويصعد الدرجات، فإذا بزوجته تقول له: انزل ينقصنا حزمة من الشيء الفلاني، مع أن حسن التصرف يقتضي أن تعد المرأة ما يحتاج إليه البيت وما يحتاج إليه الطعام حتى يأتي بها الرجل في أثناء عودته، أو تتصل به لتخبره بدلاً من أن تنـزله أكثر من مرة أحياناً ليشتري الأشياء وقد جاء في حينه من العمل، وهذه من الأمور التي تسبب التضايق، نعم. قد يحدث ذلك أحياناً، ولكن إذا تكرر دائماً بحيث ينزل الرجل ويشتري الأغراض وهو في مثل هذه الحال فهذا يكون شيئاً مزعجاً.
وهذا مثل واقعي آخر لما ينتجه الإهمال، إنها مخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فهل يكون هذا الزوج متقياً لله سبحانه تعالى وعنده خير لزوجته وهو يتعامل مثل هذا التعامل؟ وماذا يكون الوضع؟
من الأشياء التي تسببها المشكلات الزوجية وسوء المعاملة من قبل الزوج: إعطاء فكرة سيئة عن أهل الدين إذا كان هو ممن ينتسب إلى التدين، فماذا يقول أهل زوجته عندما يرونه -مثلاً- يرميها عندهم ويأخذ نقودها إذا كانت موظفة وربما يتهمها في عرضها وهذا أمر خطير جداً وقذف وأنتم تعلمون حد القذف في الشريعة، وإذا جاءته للتفاهم قال: اذهبي أنا لا أتفاهم معك أنا أتفاهم مع أبيك، وإذا جاء أبوها قال للأب: هذا شيء خصني ما دخلك أنت بيني وبين زوجتي، فلا هو يتفاهم معها ولا هو يتفاهم مع أبيها، وتبقى المسكينة معلقة.
فأقول: إن مثل هذه الحالة تسبب ولا شك أخذاً سيئاً لفكرة لا تليق أبداً على المتمسك بدينه، ويحق للناس أن يتكلموا عند ذلك في أشياء، وربما كان هذا الرجل من الذين يصدون عن سبيل الله.
وبعض الزوجات قد تريد أن تضحك في وجه زوجها أو تلاطفه ولكن سوء المعاملة لا يساعدها على ذلك، وربما اضطرت أن تستخدم حاجيات أختها لعدم توفير الحاجات لها.
والجفاف والغلظة في المعاملة الزوجية لا ترضاه الشريعة أبداً، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بـأن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، والجفاءُ والغلظةُ ينافيان الرفق، وكون الرجل يغلظ تشبهاً بأبيه أحيانا، فبعض الرجال يغلظ مع زوجته، يقول: هكذا يفعل أبي في البيت، فيفعل مثله، فهل كون أبيه قاسياً مع أمه يتعامل معها بغلاظة، هل يكون مبرراً لأن يقلده الولد في المعاملة مع زوجته؟
هذا لعمر الله من التقليد الأعمى المضر: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] وهذا سبب آخر من الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات الزوجية.
كون الرجل ليس عنده اهتمام بالأطفال فلا يأخذهم في نزهة ولا في ترويح مباح مما يضايق الزوجة ويضايق الأطفال.
ومن المشكلات الأخرى أن يكون الرجل قد نُزعت منه الرحمة تجاه زوجته وأولاده، فقد يهينها أمام الناس، بل في السوق والشارع، وقد يضربها وهي حامل، وهذا رجل وقع بينه وبين زوجته خلاف فطردها من البيت الساعة الثانية عشرة ليلا، توسلت إليه وقبلت رجله دون فائدة، مع أنها قد أحسنت إليه وساعدته في شراء أثاث للبيت وسيارة له، وربما باعت ذهبها من أجله ولكنه لا يقدر ذلك.
وتوفير الأشياء ينبغي أن يكون باقتصاد، فإن الاقتصاد من النبوة، بعض النساء -مثلاً- تهتم بالتموين في البيت وقبل أن تنفذ الأغراض بقليل تطلب أشياء، وهذه حكمة فإنه ليس من الصحيح أن تنتظر دائماً حتى ينتهي كل شيء ثم تطلب، ويتأخر هو في الطلب ثم يعاني البيت من نقص أشياء، فلا ينبغي للزوج عند ذلك أن يقول لها مثلاً: الشيء موجود عندك، صحيح عندها ولكن الذي عندها لا يكفيها إلا فترة قليلة، فينبغي أن يراعي ذلك، وفي المقابل لا تكون هي من النوع الذي يكثر الطلبات وربما تفسد الأشياء في البيت وهي لا تحسن حفظها ولا طهيها ولا تخزينها، وعدم اكتراث الرجل بالأشياء التي يحتاج إليها بيته كأن يقول: نسيت، لا تكلميني الآن، لا شك أن هذه الأمور منافية للمعروف الذي أمر الله به في المعاشرة فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وبعض الزوجات قد تضطر إلى الذهاب إلى الجيران لاستلاف الأشياء وهذا أمر سيئ، وماذا يقول الجيران عن صاحب البيت الآخر، وبعض الجيران من مضايقتهم لجيرانهم يستلفون منهم كل شيء (يعني: ابتداءً من.. إلى) تدق الباب عندكم طماط؟ نعم. دق الباب: عندكم خبز؟ نعم. عندكم كذا؟ عندكم كذا؟ ما هو السبب؟
قد يكون السبب سوء إتيان الرجل بأغراضه إلى البيت، وقد يكون السبب طبعاً سيئاً في هؤلاء الناس أنهم يريدون الاعتماد على الآخرين، الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه أنه لو سقط سوط أحدهم من يده ألا يقول للآخر ناولني إياه، كلما كان الرجل في استغناء عن الناس كلما كان في عز، وفي مكانة محفوظة ومحترمة أكثر.
فأن يكون لك علاقة خاصة مع صديق أو أخ في الله فهذا لا يعني أن تسرب الأسرار الخاصة إليه وتخبره وتبوح له بكل شيء، لكن قد يضطر الرجل أن يسأل عالماً أو طالب علم عن شيء من هذه الأشياء الخاصة في مشكلة لا بد لها من حل، هذا لا بأس به، ولكن أن تأخذنا العلاقات الأخوية الفضفاضة بحيث أنها تستوعب كل شيء حتى القضايا الخاصة والمعلومات الدقيقة والأشياء الحساسة التي من المفترض أن تكون أسراراً، فهذا لا يجوز.
نفرض أن مجموعة من الناس اتفقوا على أن يقوموا بأمر معين من الأمور المتعلقة بطلب العلم على سبيل المثال، أو نشاط من نشاطات الدعوة إلى الله، اتفقوا على دعوة شخص أو على القيام بأمر من الأمور في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ليس من المناسب أن تعرف الزوجة كل تفصيل يتعلق بهذا الأمر، فيأتي واحد ويتوسع ويخبر زوجته بكل شيء يفعله، فهذه الزوجة تخبر صديقاتها، فتذهب صديقتها إلى زوجها فتقول: ما شاء الله! أنت تفعل كذا وكذا ونحن لا ندري، لماذا تخفي عنا؟ ولماذا تفعل كذا؟ وهذا الرجل من باب الإخلاص والرياء كتم المسألة ما أحب أن يقول لزوجته: والله أنا سأدعو فلاناً وفلاناً، وأنا أحفظ كذا وكذا، وأنا أقوم بكذا وكذا، من باب الإخلاص كتم الأمر، وصاحبه سرب القضية، فذهبت امرأته فأخبرت المرأة الأخرى فجاءت المرأة الأخرى لزوجها معاتبة.
مثلاً: هل كل ما فعل الزوج في الصدقات يرجع ويقول لزوجته: اليوم والله رأيت واحداً وتصدقت عليه، واليوم أنا فعلت كذا وكذا، لا. في بعض العبادات تخفى حتى على الزوجات، وهناك بعض الأشياء ليس من المناسب إخفاؤها عن الزوجة أبدا، وما الذي يحدد ذلك؟ الحكمة التي ينبغي أن يتمتع بها الزوج وتتمتع بها الزوجة، وحتى الزوجة ليس من المناسب أن تخبر زوجها عن مشكلات عائلية موجودة عندها هي، فتخبر زوجها دائماً عن المشكلات التي تحدث بين أبيها وأمها، ليس من المناسب ذلك.
فإذاً يسأل العبد الله أن يرزقه الحكمة في مثل هذه الأمور، وبعض الزوجات تظن أنه بما أن زوجها لا بد أن يعلم أين تذهب هي ومع من تجلس، فهي كذلك لا بد أن تعلم أين يذهب هو بالضبط ومع من يجلس، وهذا قياس مع الفارق، فإن الزوج مسئوليته عن زوجته أكبر من مسئولية الزوجة عن زوجها، والزوج يحق له أن يعرف أشياء عن زوجته في ذهابها ومجيئها ليس بنفس الدرجة التي يحق لها هي أن تعرف عن زوجها؛ إلى أين ذهب وماذا يفعل بالضبط، فالرجل هو المسئول في البيت: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] الرجل هو القوام: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34] فلا يصح للمرأة أن تخلط وتقول: لماذا أنا أخبرك بما أفعل؟ وأنت يجب أن تخبرني بماذا تفعل، لماذا يجب أن أستأذنك في الخروج من البيت؟ وأنت استأذني في الخروج من البيت، هذه مهزلة، فهناك فارق بين الرجل والمرأة يجب أن يراعى، فالتي تعاند ولا تبلغ زوجها بهذه الحجة امرأة مخطئة، ينبغي أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن تخبره بما تريد أن تفعل.
ومن الأشياء التي تسبب مشكلات أيضاً: عدم مراعاة الأزواج مسألة إتيان الزوجة، فبعضهم إذا تزوج يريد أن يدخل بزوجته من أول يوم ليثبت أنه رجل، أو أن أهله يريدون هذا، وهذه المسكينة ما عمرها تعرفت برجل ولا جلست مع أجنبي، فيكون من الصعوبة بمكان فعل هذا الأمر، وعدم الحكمة فيه يؤدي إلى مشاكل، وربما إلى كره من أول يوم، يستمر الكره طيلة العمر ربما بسبب موقف حصل في أول يوم.
وإنني أذكر بهذه المناسبة أنني سألت قبل فترة بسيطة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله عن هذه المسألة: رجل ذهب إلى المسجد لصلاة الفجر وبعد الصلاة قعد يذكر الله يريد أن ينتظر طلوع الشمس ليصلي ركعتين ويرجع بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة كما هو الحديث الحسن في هذا الموضوع، فتذكر وهو جالس في المسجد أنه لم يوقظ زوجته لصلاة الفجر وأنها لم تستيقظ، فكان السؤال: هل يأثم الرجل لو جلس وأكمل إلى ارتفاع الشمس وصلى ركعتين للأجر العظيم يأثم لو جلس؟ فقال الشيخ: نعم. يأثم كيف لا وهو يضيع واجباً من أجل سنة؟
بعض النساء -المرأة بما جعل الله فيها من العطف والحنان- قد تقدم إرضاع الولد وتنظيفه إلى آخره على وقت الصلاة ولا تحس أحيانا.
كذلك بعض النساء تأخذها الرحمة بزوجها تقول: دعه.. جاء من العمل، جاء وقت صلاة العصر لابد أن يستيقظ ويصلي العصر ويذهب إلى المسجد، تقول: لا. دعه ينام، مسكين.. مسيكين.. دعه ينام ولا يذهب إلى الصلاة، ولا يستيقظ إلى الصلاة وهذا خطأ، فإن الرحمة أن تأمره بالصلاة وليست الرحمة به أن تتركه ينام عن الصلاة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتد عليه أن يرى منه الريح، أي: كان من أشد الأشياء عليه أن تشم منه الرائحة القذرة أو الوسخة أو الكريهة، كما ورد في الحديث الصحيح: (يشتد عليه أن يرى منه أثر الريح) أثر الريح يعني: الرائحة الكريهة، في العرق أو في الملابس والجسد ونحو ذلك.
هذا رجل إذا حصل خلاف بينه وبين زوجته يقول: اذهبي إلى غرفة نوم الأولاد بسرعة ولا أرى وجهك في الغرفة هنا، وتجلس يوماً .. يومين .. ثلاثة .. أسبوعاً .. أسبوعين وربما شهراً في غرفة الأولاد، هذا عنده عقاب، وإذا جاءت تسترضيه قال: ما الفائدة أنت دائماً تخطئين وتعتذرين، روحي مع السلامة، سبحان الله! أنت تريدها أن تشعر بالخطأ، فها قد شعرت بالخطأ الآن وجاءت تعتذر إليك وتسترضيك ثم تقول: ما الفائدة واذهبي؟ إذاً: متى ستقبل لها عذراً؟ ومتى ستنتهي هذه العقوبة؟ والله عز وجل لما قال للزوج: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] ماذا قال في آخر الآية؟: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] فإذا جاءت المرأة إليك طائعة وقالت لك: ماذا تريد، ونفذت كلامك، فهل بقي لك عذر أمام الله لكي تبغي عليها وتستمر في العقوبة معها بعد أن فعلت ما تريده لك؟
ومسألة التعسف والعنف: أريد أن أربيك، أريد أن أعلمكِ، والمرأة قد تكون في وضع من الحمل أو النفاس لا تطيق ذلك، إن هذا مخالف لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وبعض الأزواج قد يصل به السوء أو سلبيته في العقوبة أن يعاقب زوجته بمنعها من طاعات.
فأقول: أيها الزوج! إياك أن تعاقب زوجتك المستقيمة على خلاف بينكما بحرمانها من طاعات مثل جلسات العلم أو مركز تحفيظ القرآن، أو القراءة في كتب، أو سماع أشرطة، فهذه ليست عقوبات شرعية على الإطلاق، عاقبها كما أمر الله سبحانه وتعالى، لكن أن تحرمها من طاعات، لا. إلا إذا كان قيامها بأمر من الطاعة يسبب تفويت طاعة أعلى من ذلك، فلنفرض أن زوجة -مثلاً- عندها حلقات علم بلا عدد، حلقة في الصباح وحلقة في المغرب وتحفيظ القرآن وهنا تدريس وعند جاراتها وعند كذا، وترتب على هذا في النهاية عدم القيام بحق الزوج وتضييع الأولاد، البيت غير مرتب .. الطعام غير جاهز .. الملابس غير نظيفة، ففي هذه الحالة لا بد أن الزوج يحد من نشاط زوجته ولو كان نشاطاً دعوياً؛ لأنه يترتب عليه من المفاسد تضييع أشياء أهم، والله عز وجل ما كلف المرأة أن تذهب داعية خارج البيت وتدور على بيوت الناس وتأمر وتنهى لا، وإنما عندها أولويات لا بد أن تقوم بها، فمن أولوياتها:
القيام بحقوق الزوج .. الأولاد .. البيت، قد تطلب العلم في البيت، لا يلزم أن تحضر هنا وهنا وهنا وتذهب في هذه المحاضرات وهذه المراكز وهذه المناسبات وتلك الجلسات في البيوت، ليس مفروضاً عليها هذا، إن حصل فالحمد لله هذا شيء طيب بالحدود المعقولة، ولكن أنها تحضر كل مناسبة ويترتب على ذلك تضييع لحقوق الزوج فليس هذا من قيامها بالحق الذي هو عليها بالإطلاق.
ولا بد أن يكون عند الزوج مراعاة لمشاعر زوجته، وأن يكون عنده إحساس مرهف تجاه هذه الأشياء، وإليكم هذا الحديث العظيم! هذا حديث ينبغي أن نتوقف عنده لنتبين كيف كان صلى الله عليه وسلم دقيقاً في مراعاة شعور زوجته، وإننا عندما نسمع هذا الحديث نقف بإجلال واحترام لشخصية هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله هموم الدولة والغزو والجهاد وتجهيز الجيوش، ونشر الدعوة في العالم، وإرسال الرسائل إلى كسرى وقيصر، ومتابعة الأمور العظيمة لم تشغله عن مراعاة مشاعر أو شعور زوجته بشيء دقيق جداً واسمع معي هذا الحديث.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ عليَّ غضبي، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد -يعني: إذا أتيت لتقسمي قلت: لا ورب محمد- وإذا كنت قلت: لا ورب إبراهيم قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) فقط الاسم وإلا المكانة في قلبي ما زالت كما هي فقط الاسم.
فهذه الملاحظة الدقيقة تبين ذلك، ومَنْ مثل الرسول صلى الله عليه وسلم في مشاغله ومهماته وواجباته التي عليه؟ لا أحد، لكنه مع ذلك كان يقوم بهذا الدور مع زوجاته رضي الله عنهن.
وهذا حديث آخر يبين هذا الأمر، عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين
فهذا يبين أن الإخوة في الله يتعاهدون بينهم في التنبيه على النقص الذي يكون عند بعضهم، وأن مبيت الرجل عند أخيه قد يكشف له شيئاً من العيوب التي تحتاج إلى علاج.
وبالمناسبة: الطلاق المعلق على شرط أسوأ، يعني: في بعض الأحيان هو شيء في حسمه لا يمكن علاجه، لأنه إذا قال: إن خرجت من البيت فأنت طالق، فإذا خرجت تطلق سواءً كانت طاهراً حائضاً حاملاً أتاها ما أتاها في جميع الحالات، بخلاف الطلاق السني الذي لا يقع إلا في طهر لم يجامعها فيه، وكذلك الطلاق المعلق بشرط إن قال: إذا خرجت فأنت طالق لا يمكن أن يسحب كلامه، فإذا واحد قال لزوجته: إن خرجت فأنت طالق، ثم ندم وقال: أنا أسامحها وأسحب الكلمة فقال: سامحتك، ولو سامحها فلو خرجت فهي طالق شرعا، كلمة: إن خرجت فأنت طالق، لا ينفع فيها الرجوع ولا المسامحة، انتهت المسألة وخرجت الكلمة فلا حل، فننبه هؤلاء الأزواج الذين يقولون هذا الكلام إلى أن يترووا ويتقوا الله سبحانه وتعالى في عدم الإقدام على مثل هذه الأشياء ويخربون بيوتهم بأيديهم.
ومن المشكلات كذلك: سوء الظن وشك كل من الزوجين في الآخر، وهذا سيتسبب عنه ولا شك هدم الحياة الزوجية، وينبغي أن تكون العلاقة قائمة على حسن الظن، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].
وهناك فرق بين الشيء عندما يكون له قرائن وعندما لا يكون له قرائن على الإطلاق، ويُساء الظن، فهذا -والعياذ بالله- من سوء النفس أن يصل إلى هذه الدرجة.
ومن المشكلات كذلك: أن بعض الناس من تسلطهم يرغم زوجته أن تتناقش معه في موضوع يريده، لا بد أن تتناقشي معي ولو كانت لا تحسن النقاش، فهذا رجل تشاجر مع زوجته بسبب نقاش يتعلق في قضية من القضايا السياسية ثم بعد ذلك ضربها في نهاية النقاش، فأين السياسة إذاً في معاملة الزوجة؟ يزعم أنها لا بد أن تكمل النقاش معه، وهذا هو الاستبداد بعينه.
ونسينا أن نذكر نقطة تتعلق بالنقطة التي قبل هذه، وهي قضية أن نضرب مثالاً على سوء الظن، نقول: هذه امرأة تضع يدها في جيب زوجها وتتفقد ما عنده من النقود، فإن كانت النقود التي في جيبه قليلة أخذت من نقودها وأضافت إلى نقود زوجها، في يوم من الأيام دخل البيت فوجد يد زوجته في جيبه، الله أكبر! هنا وقعت الواقعة كيف؟ أخذها واتهمها بالسرقة وأنها سبب نقص النقود في الأيام الماضية، مع أن المسكينة هي قصدها الخير، فنقول هنا: عدم التروي والتفكير في الأمور يوقع في هذه المشكلات، وفي المقابل هناك زوجات عندهن حب استطلاع مذموم، فهي تريد أن تعرف ماذا في جيب زوجها وماذا يوجد في أوراقه الخاصة، وهذا خطأ، فنقول للزوجة: ليس من شأنك أن تعرفي كم أموال الزوج، ليس من حقك أن تعرفي هذا، إذا أخبرك فالحمد لله، وإن لم يقل لك؛ فليس من الضرورة أن تعرفي كم عنده من أموال، وكم يوجد في جيبه، وماذا يوجد في أوراقه الخاصة، وأن تقرئي في مفكرة الهاتف، ليس من شأن الزوجة أن تفعل هذا.
فلتتق الله الزوجة في حب الاستطلاع الذي يكون قاتلاً في أحيان كثيرة.
وبعض الناس يقصرون في تعليم زوجاتهم، وربما قال عند الناس: عفواً زوجتي أمية أو جاهلة ونحو ذلك، طيب علمها، قال الراوي قاسم بن محمد : (إن
يعني: شقت الصورة حتى لم تعد صورة بعد ذلك بهذا الشق، فهذا كان تعليمه صلى الله عليه وسلم.
ومن تعليمه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: يا
ومن تكليف ما لا يطاق: أن يطالب الرجل زوجته بزيارة زوجة صاحبه وقد لا ترتاح لها، فبحكم صداقته هو مع ذلك الرجل فلا بد أن يرغم زوجته على زيارة زوجة الآخر، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، والمرأة طبعاً لا بد أنها تحسن إلى زوجة صديق زوجها قدر الإمكان، ولكن على الزوج ألا يكلفها بزيارة أناس لا ترتاح لهم، والتوسط أمر مهم.
ومن المشكلات أيضاً أن بعض العلاقات الاجتماعية بين الزوجة وزوجة صديق تتسبب أن تطلع إحداهما الأخرى على أسرار زوجية، أو تُري كل واحدة صورة زوجها للأخرى فتقع فتنة، أو يقول الرجل لصاحبه إن زوجتي مطيعة وفيها وفيها صفات فيقع في السامع شيئاً تجاه زوجته هو، يقول: يا خسارة على أن زوجتي ليس فيها مثل هذه الصفات! فهذا الحسد الذي يثار من قبل بعض الناس -يدرون أو لا يدرون- ينبغي أن يمتنعوا عنه.
فكون البنت كانت عند أهلها مدللة وأن أباها كان يشتري لها كل يوم (آيسكريم) وأنه وأنه لا يعني أنها الآن إذا انتقلت إلى بيت زوجها ترهقه شططا، وفي المقابل ينبغي على الزوج أن يقدر أن المرأة كانت في بيت نعمة، فكل ما يستطيع أن يأتي به إليها من الأشياء المباحة شرعاً فليوفره لها.
ومن الأمور التي تسيء العشرة: أن بعض الرجال يقول لزوجته: يا ليت عندي زوجة شعرها كذا، يا ليت عندي زوجة لونها كذا، وهذا لا شك من المنكر، فإنه بهذه الطريقة يستثير حفيظة زوجته عليه، ويشعرها بأنه غير مقتنع بها ونحو ذلك.
ولنتوقف هنا ونأخذ قصة واقعية عن رجل وقع بينه وبين زوجته خصومة وفراق، فسألت هذا الرجل ما هي سلبياتك أنت في نظرك؟ يعني: بعض الناس الآن يقول: أنا صار بيني وبين زوجتي مشكلة وخلافات وهي فعلت كذا وكذا، والمرأة ستقول نفس الشيء عن زوجها فعل كذا وكذا ولا يمكن أن نعيش مع بعض، طيب السؤال للزوج: ما هي سلبياتك في نظرك؟ فسينتقل ذهنه بهذا السؤال من التفكير في عيوبها هي إلى التفكير في عيوبه هو، وعندما يقال لها نفس الكلام: ما هي سلبياتك أنتِ في نظرك؟ فتنتقل من التفكير بعيوبه هو إلى التفكير بعيوبها هي، وهذه أحدى طرق الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين.
فقد يقول لك: والله -يا أخي- أنا عندي حدة، أنا إنسان عصبي، أنا إنسان غير مستقر، أرد عليها مباشرة، لا أشاورها على الإطلاق، قلت لها: فقدت ثقتي فيك مرة مثلاً، لا أهتم بنظافتي الشخصية وهكذا، فهذا يسبب أن الرجل يفكر بواقعية أكثر، أن المشكلة إن لم تكن كلها مني فقد يكون نصفها مني، فتعود الواقعية إلى الحياة مرة أخرى.
ومن بعض عادات الناس مثلاً: أن الرجل لا يأكل مع زوجته، ويرى أنه عيب حتى لو كان لوحده وعليها أن تأكل المخلفات بعده وهو ليس بصحيح، وأحياناً يعيش مع أهله وإخوانه وأبيه في بيت واحد ويكون المطبخ مشتركاً، هذا سيسبب مشكلة لأن المرأة لن تطبخ كما تريد، الشيء الذي في البيت لا بد أن تأكل منه، فليحرص الرجل أن يوفر في هذه الحالة إذا استطاع على الأقل ولو وقت أن تدخل زوجته المطبخ لتطبخ فيه ما تريد، فأقول: من بعض العادات أن بعض الناس يرون أن اجتماعهم عزة، وأن ذبيحتهم واحدة وأنه لا يسمح للأولاد بالاستقلال عن الأسرة، ولا يكون له شيء مستقل حتى المطبخ لا بد أن يكون مشتركاً، وهذا يسبب ضيقاً، الاجتماع طيب وأن يكون أولاد الرجل تحت نظره وأحفاده موجودون، نعم. ولكن لا يمنع أن يكون هناك جزء من البيت مستقل، على الأقل المرأة مستقلة فيه مع زوجها تأخذ راحتها في البيت، بدلاً من أن تقول: لا أستطيع أن أطلع إلا بالحجاب، ولا أستطيع أن أتنقل في البيت لأن إخوان زوجي موجودون دائماً في الصالة وفي المجلس وأنا محبوسة دائماً، صحيح أن ضيق يد الرجل أحياناً يكون سبباً في عدم الاستقلال ببيت، لكن ينبغي للمرأة أن تصبر حتى يفتح الله على زوجها، ولكن إذا كان الزوج يستطيع أن يوفر شيئاً في هذا فليفعل.
وكثرة خروجه وغيابه عن البيت من الأمور التي تسبب المشكلات، فبعضهم دائماً في عزائم وولائم ويترك أهله في البيت دون طعام، وأحياناً يأخذ زوجته ويضعها عند أهلها إلى ساعة متأخرة من الليل، وينسى حتى يرجع إلى البيت يريد أن ينام فإذا وضع رأسه تذكر: أين المرأة؟ وهو وضعها في بيت أبيها، نقول: عند بيت أبيها تهون، لكن إذا وضعها عند أناس آخرين قال: لا أتأخر عليك، فتأتي الساعة العاشرة والحادية عشرة ... إلى الساعة الواحدة ليلاً وهو ما أتى والمرأة متضايقة في بيت أولئك الناس، والناس أيضاً يتضايقون لأنهم يريدون أن يناموا وهو غير مكترث.
ومن المسألة التي نفعلها نحن كثيراً ونقر بها ونقع فيها: أننا أحياناً نترك أزواجنا وأولادنا في السيارة ونقف نتكلم مع شخص من الأصدقاء مدة طويلة، والأطفال متضايقون في السيارة ونحن نتكلم ونتكلم، وقد يكون الجو حاراً وغير مناسب، فينبغي أن ننتبه إلى مثل هذه المسائل.
والله إننا إذا تأملنا في حاله عليه الصلاة والسلام مع زوجته لندهش فعلاً من حال هذا النبي الكريم في مشاغله الكثيرة، ثم بعد ذلك يراعي حاجة الزوجة في الترفيه، ويفعل هذا الأمر الذي بعضنا الآن لو ذهب إلى منطقة بر لا يرى أحداً أبداً يقول: لا. كيف أفعل هذه، يا أخي! رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فهل أنت أفضل أم رسول الله؟
مكان الفتنة لا يجوز -أصلاً- أن تذهب بزوجتك إليه فضلاً عن أن تسابقها فيه أو تضاحكها فيه، وهذا صلى الله عليه وسلم أيضاً من ملاطفته لزوجته تقول عائشة : (كنت أشرب وأنا حائض -أي: من إناء النبي- فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب وأتعرق العرقة من اللحم آكل وأنا حائض، ثم أناوله النبي فيضع فاه على موضع فيَّ) رواه مسلم في صحيحه . بعض الناس يقول: هذه حائض نجسة لا أحد يأكل معها.
وهذه عائشة تقول: (كان أناس من الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد، فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر إليهم، سترها بجسده وقال: تريدين أن تنظري؟ قلت: نعم. فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، حتى شبعت بل وقالت: ما بي نظر ولكن ليرى نساءه قدري عنده).
قالت عائشة في الحديث الذي رواه البخاري: [فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن] تعني: المرأة تحتاج إلى نوع من الترفيه.
وأظن أننا سنتوقف هنا ولم يكتمل الموضوع بعد من أجل الصلاة وبعد الصلاة إن شاء الله بقي موضوع ربما عشر دقائق سنكمله، وإذا توفر وقت سنجيب عن بعض الأسئلة والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ونكمل أيها الإخوة! في آخر ما يتعلق بأسباب المشكلات الزوجية ومن ذلك ما يقع بين الزوج وأهل الزوجة، وما يقع بين الزوجة وأهل الزوج.
وأعرف أباً من حكمته أنه إذا جاءته ابنته إلى البيت سأل عن السبب، فإذا عرف بأن المسألة من الأخطاء المحتملة العادية قال: لا تدخلي بيتي أبداً ترجعين إلى بيت زوجك في الحال، أما أن يكون موقفه فيه من السلبية كما حصل مع بعض الآباء مرة، فإن زوجاً قد تأخر خارج البيت ولم يذهب إلى البيت إلا الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، فلما طرق الباب رفضت الزوجة أن تفتح له الباب، لماذا؟ لأنه تأخر، لماذا تأتي الساعة الحادية عشرة والنصف ارجع، -سبحان الله! هذا بيته لكن هذا من السفه الذي يكون أحيانا عند بعض الزوجات- وهو يحاول استرضاءها وتهدئة الأمور ومع ذلك ترفع جميع المناشدات، فذهب المسكين إلى أهلها في هذه الساعة المتأخرة وطرق الباب على أبيها، وقال له: الموضوع كذا وكذا فذهب الأب معه إلى البيت فطرق الباب فرفضت البنت أن تفتح الباب وقالت: السبب أنه رجع متأخراً ولماذا يرجع متأخراً؟ فهنا التفت الأب إلى الزوج وقال: نعم. معها حق، لماذا ترجع متأخراً؟ فطبعاً في هذه الحالة يكون الموقف سلبياً لا يؤدي أبداً إلى انفراج في الأوضاع.
وأحياناً بعض أهل الزوجة يعبئون الزوجة تعبئة نفسية ضد زوجها، كأن يقول -مثلاً- أخوها: أنت مثل الدجاجة تسمعي كل كلام زوجك حرفياً، لا تسمعي كلامه وخالفيه، وإذا عمل لك شيئاً فنحن بجانبك، فهذا من جنس هاروت وماروت، الذين يريدون أن يفرقوا بين الرجل وزوجته، وبلغ من السوء بامرأة تريد أن تفصل بين أخيها وزوجته أن عرفته بمومسة ليقع في حبالها وتفسد علاقته بزوجته.
وهنا قد يسأل البعض سؤالاً فيقول: هل يجوز لي شرعاً أن أمنع زوجتي من الذهاب إلى أهلها إذا كان يحصل من هذه المشكلات، وقد أجاب عن هذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فقال: الأصل أنه لا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من أهلها وصلة رحمها، ولكن إذا لاحظ الزوج أن زوجته كلما رجعت إلى أهلها رجعت منقلبة عليه فله أن يمنعها عند ذلك، الآن المفسدة واضحة.
وبعض الناس الزوجة أحياناً قد لا يكون عندهم ذوق في التعامل، فيأتون إلى بيت ابنتهم ويأخذون من البيت متاعاً وأكلاً ونقوداً وملابس تضايق الزوج في النهاية؛ فلأنهم يأخذون أغراض بيته ثم يوقعون ابنتهم في مشاكل مع زوجها ويقولون: لا نرضى عنك حتى تعطينا كل ما نطلب، وهي تحت ضغط أمها أو نحو ذلك تعطيها فتعطيهم، فالمرأة تكرم أهلها، نعم. ولكن هي راعية في بيت زوجها ومسئولة عن ماله وعن ممتلكاته، فلا يجوز أن تفرط فيها.
وبعض الأحيان يكون من أسباب المشكلات: أن الزوج يهتم بضيوفه ولا يهتم بضيوف زوجته، ومن الأسباب: أن بعض الناس يحتسبون الأجر في إكرام ضيوفهم الرجال، ولا يحتسبون الأجر في إكرام ضيوف نسائهم، مع أن الأمر ربما في إكرام ضيوف زوجتك يكون أقرب إلى الإخلاص من إكرام ضيوفك؛ لأنك لا تظهر في الصورة، فكما أنك تريد إكرام ضيوفك فأكرم ضيوف زوجتك.
ومن المشاكل المشهورة: المشكلات بين الزوج وأم زوجته، ودائماً تقع هذه القضايا كثيراً إلا من عصم الله سبحانه وتعالى، فهذه تشتكي من زوج ابنتها، وتغيرت على ابنتها، وتكلم الناس الخارجين عن ابنتها وسيلة للضغط على ابنتها لتخاصم زوجها، وهي تراعي أمها ولا فائدة، والزوج يراعي أم زوجته ولا فائدة، وما حرم زوجته من أمها رغم المشكلات ولا فائدة، ويقبل رأس أم زوجته ولا فائدة، السبب: قد تكون أم الزوجة ليست راضية عن هذا الزوج في مبدأ الأمر، ولكن الأب زوّجه بالبنت وبقي السخط مستمراً إلى آخر الحياة، وهذا حرام لا يجوز.
وبعض الزوجات قد يخطئن في تدخيل أمها أو أبيها في كل شيء، فترجع إلى أمها في الأشياء المصيرية والقرارات وتجعل أمها وصية عليها وعلى حياتها وتسرب أسرار البيت ونحو ذلك، فهذا يسبب للزوج تضايقاً كثيراً، وبعض الأزواج سيئو التعامل مع أمهات زوجاتهم، فيتهم عمته بأنها استغلالية وأن الواحد إذا أرخى لها الحبل ركبته، وأن أهلك أيتها المرأة غير ملتزمين، ويقع فيهم في أشياء من الغيبة كثيرا.
وفي المقابل هناك مشكلات بين الزوجة وأهل الزوج، فمن المشكلات -مثلاً- أن الإنسان عندما سمى ولده باسم أبيه تبرأت الزوجة من الاهتمام بالولد، كيف تسمي ابني على اسم أبيك أنا لا أقبل، والآن هو يطعمه ويفكه ويغسله ويلبسه ثم جاء الولد الثاني فاهتمت بالولد الثاني، وهذا من الفجور من هذه المرأة.
وبعض النساء قد تكون سيئة الخلق مع أهل زوجها، فإذا جاءوا إلى البيت تتركهم وتذهب، أو تطالب بزيارتهم، فإذا قيل لها: هيا لزيارتهم رفضت سبحان الله! أنت التي اقترحت الذهاب، أو تحرض زوجة أخي زوجها وتقول: ما جاءنا من عندكم إلا خراب البيوت ونحو ذلك، وأحياناً تقول الزوجة: أم زوجي تهينني وتريدني أن أخدمها فقد تكون محقة قد تكون أم الزوج المخطئة، وأغسل الملابس وأكنس البيت وأطبخ لضيوفها هي، وأنا عندي ثلاثة أولاد والرابع في بطني وأنا ضعيفة، والمشكلة أن الزوج يقول: أمي فوق كل شيء، وهذا صحيح ولكن بحدود، فلا يعني هذا أن ترهق أمك زوجتك؛ لأن أمك فوق كل شيء، وليست الزوجة شرعاً مكلفة بخدمة أمك، فإذا كانت أم الزوج سيئة تطرد البنت وتلعنها أو تقول: أنت بنت شارع، أنت بنت زنا ونحو ذلك , وهذا شيء موجود في المجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأحياناً قد يكون الاسم سبب مشكلة كما ذكرنا.
وتأمل هذه المشكلة: ولد أم الزوج تريد أن تسميه -مثلاً- زيداً، وأم الولد تريد أن تسميه محمداً، والآن الولد له اسمان في البيت، إذا جاءت جدته التي هي أم أبيه قالت: يا فلان! تعال، وأمه تقول: يا فلان! تعال، له اسمان في البيت، وأحياناً يكون النـزاع بين الزوجة وأهل زوجها بسبب مشكلات مادية، كبيت ونحوه، وهذه أم زوجة سكنت في بيت زوجها مع أن زوجها له بيتان، فقالت الزوجة: لا أسكن معك حتى تطلع أمك من البيت الثاني، وتركت وهجرت وسافرت، وبقي الأولاد في بلد بعيد عند جدتهم والزوج يعمل في بلد آخر والأم في بلد ثالثة، ويتصل الأب على أولاده يقول: ماذا أحضر لكم معي إذا قدمت؟ يقولون: هات لنا معك دواء القمل لا أحد يعتني، لا الأب موجود ولا الأم موجودة.
وهذا غيض من فيض، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا وإياكم شرور أنفسنا، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
اللهم اجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة، وأصلح ذرارينا وأهلينا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر