وبعد:
تقدم الكلام على مطلع هذه الآية بما حاصله: أن من أهل العلم من قال: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35] أي: منور السماوات والأرض، واستدل له بقوله تعالى: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:69] ، واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن) ، واستدل له بالأثر إن ثبت هذا الخبر: (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات)، ونحو ذلك.
وقدمنا أن الزجاجة التي شبه قلب المؤمن بها جمعت ثلاثة أوصاف:
الوصف الأول: الرقة، لكونها زجاجة مصباح، وزجاج المصابيح رقيق.
والوصف الثاني: البياض، إذ هي كالكوكب.
والوصف الثالث: الصلابة، إذ هي كالدرة.
فهذه ثلاثة أوصاف وصفت بها هذه الزجاجة التي يشبهها قلب المؤمن، فقلب المؤمن قلب رقيق، قلب صلب، قلب أبيض، رقيق لأهل الإيمان وللأقارب والأرحام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأهل الجنة ثلاثة: رجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومؤمن ..) ، وقال سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] ، وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، فقلب المؤمن لين رقيق لأهل الإيمان والأرحام، قلب صلب في الثبات على الحق، وصلب لمجابهة أهل الشرك والنفاق.
ومن صفات قلب المؤمن: أنه في الأصل قلب أبيض كزجاجة المصباح، فهي بيضاء كالكوكب.
إذاً: لابد وأن تذنب النفس، هذه الذنوب ترسب على القلب سواداً، كما يترسب على زجاجة المصباح السواد، فيحتاج القلب إلى غسيل كما تحتاج زجاجة المصباح إلى غسيل، حتى تشع الضوء الذي بداخلها كاملاً إلى الكوة، والكوة تشع الضوء بدورها إلى الغرفة، أما إذا كانت زجاجة المصباح سوداء معتمة فلا يخرج منها ضوء إلى المشكاة، ولا يخرج منها ضوء إلى الغرفة، كذلك الإيمان الذي في القلب، ومعرفة الله التي بداخله، يحتاج الإيمان إلى أن يخرج من القلب إلى الجسد؛ حتى يملأ الصدر والجسد نوراً، فإذا كان العبد مذنباً فالأمر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أذنب العبد ذنباً نكتت على قلبه نكتة سوداء، فإن تاب وأقلع محيت، وإن عاد وأصر نكتت نكتة أخرى حتى يغطى القلب كله، ثم تلا: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ، فقال: هذا هو الران الذي ذكر الله في كتابه) .
فالسواد على القلب يمنع الإيمان ونور الإيمان من الخروج من القلب إلى الصدر، فتجد الصدر مظلماً، كما أن المشكاة تكون مظلمة إذا كانت الزجاجة سوداء، فتجد اليد تتحرك في ظلمة، والرجل تخطو في الظلمات، والعين تنظر في الظلمات، وهكذا يتحرك كبهيمة عمياء إذا كان القلب قد اسود من المعاصي، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) ، وفي رواية: (إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ، وجاءت النصوص التي تحث على التوبة والاستغفار بكثرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا استغفر الشخص فقد غسل قلبه، فيخرج نور الإيمان منه إلى الصدر ويمتد هذا النور إلى الجوارح، فتجد الرِجْل لا تخطو إلا في طاعة الله، والعين لا تنظر إلا إلى ما يحبه الله، واليد لا تبطش إلا فيما يرضي الله، واللسان لا يتكلم إلا بما يرضي الله، وهذا النور يصاحبك في قبرك، فيأتيك عملك في صورة رجل حسن الثياب حسن الوجه، هذا النور يصاحبك عند المرور على الصراط، بحسب هذا النور وقوة الإضاءة التي معك تمر على الصراط، فمن الناس من يمر على الصراط كالريح، ومنهم أسرع كالبرق، ومنهم أقل كأجاويد الخيل، إلى آخر ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان القلب مظلماً مغطىً بسواد المعصية التي لم تغسل بالتوبة، ولم تغسل بالاستغفار، ولم تغسل برد المظالم إلى أهلها؛ ففي هذا الوقت الصدر يظلم، فاليد لا تدري ماذا تصنع؟! هل تصنع خيراً أم شراًً؟ كل الجوارح كذلك، ويأتيك عملك في القبر في صورة رجل أسود الوجه، دنس الثياب، يقول لك: أنا عملك السيئ، ينطفئ نورك منك يوم القيامة والناس أحوج ما يكونون إلى هذا النور.
وقد ذكر له الأطباء الأوائل جملة هائلة من الفوائد في التفاسير، وكذا ذكروا للتين أيضاً جملة كبيرة جداً من الفوائد، ذكرها الرازي في تفسيره عند تفسير قول الله جل ذكره: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3].
قال الله سبحانه: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ [النور:35] والبركة لها معنيان:
أحدهما: ثبوت الخير في الشيء، يقول لك قائل مثلاً: بارك الله فيك، يعني: ثبت الله الخير فيك.
ثانيهما: تطلق البركة على الازدياد والنمو، على النمو الذي هو الكثرة والازدياد، فهذان من معاني البركة، وشجرة الزيتون على هذا يرحمك الله! فيها بركة ثابتة فيها، كما قال تعالى: شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ [النور:35] والخير فيها ثابت، وقد استعمله كثير من المرضى الذين كانوا يستعملون المناظير، استعملوا زيت الزيتون وشربوه في الصباح على الريق، وأضافوا إلى ذلك بعض العسل وبعض الحبة السوداء؛ فكان سبباً في شفائهم، والله سبحانه أعلم.
قال الله سبحانه: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النور:35] أي: أنها لا تأتيها الشمس من ناحية المشرق ولا من ناحية المغرب، بل هي وسط بين ذلك، لا تتعرض مباشرة للشمس، وأهل الاختصاص يقولون: وهذا أحسن ما يكون من الزيتون، وهو الذي لا يتعرض للشمس تعرضاً مباشراً، أي: يأخذ منافع الشمس ولا تحرقه الشمس.
قال الله سبحانه: لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [النور:35] أي: من صفاء زيتها وجودة زيتها وحسن زيتها يكاد من صفائه يشتعل ويتوهج من دون أن تمسه النار، وهذا يتنزل على قلب المؤمن الذي بداخله مادة الإيمان، إذا كان القلب أبيض، وفيه الإيمان والفطرة السليمة، يكاد هذا يتوافق مع هذا، مادة الإيمان والفطرة السليمة مع قلب أبيض، يكاد هذا الرجل يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذا كان الشخص متخففاً من الذنوب، متخففاً من أثقالها، متخففاً من المعاصي ومظالم العباد، بداخله فطرة سليمة وإيمان يكاد ينطق بما يوافق الدليل قبل أن يأتيه الدليل من الكتاب والسنة.
فإذا أتى إلى زيت الزيتون وأشعله (بالكبريت) فإنه يتوهج ويعطي أحسن الإضاءة، كذلك إذا جاءت المؤمن -الذي فطرته سليمة- الأدلةُ من الكتاب والسنة ازداد نوراً على نور، فمثلاً: عمر لفطرته السليمة وإيمانه العظيم، كان يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من رسول الله، فإذا جاء الدليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم توهج هذا مع ذاك، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى يا رسول الله! فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125])، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت نساءك بالحجاب يا رسول الله! فتنزل آية الحجاب)، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل الفدية من أُسارى بدر يا رسول الله! فينزل قول الله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]) وهكذا تأتي موافقات عمر لربه سبحانه، يتكلم بمقتضى الدليل قبل أن يأتي الدليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرب العزة يقول: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [النور:35]، فإذا مسته النار فتوهج فأصبح هناك: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، كذلك القلب المتخفف من الذنوب والآثام والمعاصي، المليء بالإيمان، إذا جاءه علم الكتاب والسنة ازداد بهاءً على بهائه، وحسناً إلى حسنه، فالله يقول: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، لكن هذا النور المتفضل به في الأصل هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يهدي لنوره من يشاء، كما قال سبحانه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد:33]، وكما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس:100]، وكما قال سبحانه: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7].
فهذا النور أصله من الله سبحانه وتعالى، فهو المتفضل به على العباد، ومن ثم يقول أهل الإيمان في أُخراهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل ربه عز وجل هذا النور فيقول: (اللهم! اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، اللهم! أعظم لي نوراً) كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه عز وجل بهذا؛ لأنه يعلم تمام العلم أن المتفضل به والواهب له هو الله سبحانه وتعالى.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ذلك النور ضل)، وهنا ليست المسألة عشوائية، لم يرش النور بدون حكمة، لكن الأمر كله يجري بتدبير الله سبحانه وتعالى، هو أعلم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية، فقد مضت سنته سبحانه وتعالى على أن فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير كما قال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179] أي: خلقنا لجهنم أقواماً، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179] تجد في الطفل من الصغر علامات الشقاوة وعلامات الكفر لائحة عليه، وآخر علامات الهدى وعلامات الشفقة والرحمة من الصغر لائحة وبادية عليه، قال سبحانه: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35]، وقوله تعالى في ختام الآية: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35] لهذا الختام وجهان:
الوجه الأول: أن الله عز وجل يضرب الأمثال للناس، وهو سبحانه العليم بتأويل هذا المثل، فالله سبحانه قال بعد قوله: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35] أي: عليم بمن أول المثل تأويلاً صحيحاً، وبمن أوله تأويلاً غير صحيح، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن قوله سبحانه: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35] راجع إلى قوله: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] فالمعنى: أنه قد يتسرب إلى شخص فهم رديء ويقول: ما ذنب هذا الذي لم يهده الله لنوره حتى يعذب؟ فجاء الله بالآية الكريمة: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35] أي: عليم بمن يستحق الهداية فيهديه، وعليم بمن يستحق الغواية فيغويه سبحانه وتعالى، يهب لهذا الإيمان، وهذا تزل قدمه في الكفر والعياذ بالله! وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8] ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35] فلا تعترض إذاً إذا علمت ذلك.
وقد جاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤيد هذا المعنى، فأمر عليه الصلاة والسلام بتنظيف المساجد، وكانت امرأة على عهده عليه الصلاة والسلام تقم المسجد، وأمر بتطييب المساجد، وبتبخير المساجد، ونهى عليه الصلاة والسلام عن البزاق في المساجد، ونهى مَنْ أكل ثوماً أو بصلاً أن يأتي إلى المسجد حتى لا تتأذى منه الملائكة، جملة أمور شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لصيانة هذه المساجد، فهذا الوجه الأول لقوله تعالى: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36].
التأويل الثاني: أن معنى: تُرْفَعَ : تبنى وترفع جدرانها، الشاهد عليه من التنزيل: قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ [البقرة:127]، فيرفع إبراهيم القواعد من البيت أي: يبني البيت، فعلى هذا الوجه الثاني المراد: البنيان، وقد جاءت فيه جملة نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المتواتر: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:18] .. الآيات، على التأويلين: العمارة بالبناء، والعمارة بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن.
ترد بعض المباحث عند هذه الآية من ناحية التشييد الزائد للمساجد، ومن ناحية زخرفة المساجد، وعمل المآذن للمساجد، فمن ناحية زخرفة المساجد جاء في الخبر: (لتزخرفنها كما زخرفتها بنو إسرائيل)، وجاء أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في شأن مسجده: (عريش كعريش موسى صلى الله عليه وسلم)، وقال عمر رضي الله عنه: إياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- لما جيء إليه بخميصة لها أعلام يصلي عليها قال: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى
فالزخارف في المساجد كرهها كثير جداً من العلماء، ومن العلماء من أشار إلى نوع من الترخيص في ذلك، محتجاً بما فعله بعض أمراء بني أمية، كـعبد الملك بن مروان لما بنى مسجد دمشق، ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه أدخل زخارف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والأخبار تحتاج إلى تمحيص عن هؤلاء الأمراء، لكن الوارد مرفوعاً وكذا عن أمير المؤمنين عمر النهي عن الزخارف، وخير الهدي وأكمل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله سبحانه وتعالى: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] كلمة: أذن، تأتي في الكتاب العزيز وفي السنة بعدة معانٍ، تأتي بمعنى: الإذن أي: السماح، أذنت لك أي: سمحت لك، وأذن بمعنى: أمر، أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] أي: أمر الله أن ترفع، وأذن تأتي بمعنى استمع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به) يعني: أن الله سبحانه وتعالى ما استمع إلى شيء كما استمع إلى نبي حسن الصوت بالقرآن يقرأ قرآناً ويتغنى به، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن هنا بمعنى: أمر.
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] يعني: هذه القلوب وأصحابها تواجدهم كما سمعتم في بيوت، ليسوا في مقاهٍ، ليسوا على النادي الذي يجمع شرار الخلق ويجمع سقط الناس، وليسوا على المقاهي التي تجمع الخمارين والحشاشين واللصوص، إنما تواجدهم في بيوت أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36] فالمساجد بنيت لذكر الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بنيت المساجد لذكر الله وإقام الصلاة وتلاوة القرآن)، هذا الأصل الذي بنيت له المساجد، لم تبن المساجد كي يباع فيها أو يشترى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من وجدتموه يبيع أو يشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك).
ومعذرة إن كنا نعيد على الأسماع هذه الأحاديث المعروفة؛ لأننا نفاجأ بين الحين والآخر أن من إخواننا من يجهل البدهيات، وهاهو بالأمس القريب أحد إخواننا تزوج، وخرج يصلي في جماعة، فجاءه أحد الإخوة الذين يحضرون معنا الدروس أحياناً وقال له: لماذا تصلي في جماعة؟ معك رخصة أن تجلس أسبوعاً تصلي في بيتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان إذا تزوج البكر أقام عندها سبعاً)! من الذي أفادك أن معنى حديث: (أقام عندها) أي: لا يخرج أبداً من البيت، ولا يخرج إلى الصلاة؟! الحديث معناه: إذا تزوج البكر على الثيب فيقسم للبكر سبعاً، ويقسم للثيب ثلاثاً عليه الصلاة والسلام، فما أدراك؟! فالشاهد: أننا نعيد على الأسماع بعض الأحاديث -وإن كانت معلومة- حتى ينتفع بها المؤمنون، والذكرى تنفع المؤمنين.
وكذلك يجوز ربط الأسير في المسجد، ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد، فلا يجوز إلا ما جاء فيه الدليل، والله أعلم.
أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36] وقد جاء الحث على ذكر الله بعد الصلاة وقبل الصلاة وفي الصلاة، وقوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ [النور:36] قال أكثر العلماء: التسبيح يطلق على الصلاة؛ وذلك لقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، والمراد بها: صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنه قولهم: سبحة الضحى، وقول ابن عمر : لو كنت مسبحاً -أي: مصلياً النافلة- لأتممت الفريضة في هذا السفر.
فقوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا [النور:36] أي: يصلي له فيها، ولا يمتنع أن يدخل فيها التسبيح المعهود كذلك، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [النور:36] بالغدو أي: في الصباح، الآصال جمع أصيل وهو قُبيل الغروب على الراجح من أقوال العلماء، فمن العلماء من قال: صلاة العصر، وعلى هذا الأكثرون، ومنهم من قال: الآصال الظهر مع العصر، ومنهم من قال: الآصال العشي؛ لما في قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف:28]، وهنا: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [النور:36] (بالغدو) هو الغداة، فمن العلماء من حملها على العشي، فالعشي عندهم المغرب والعشاء.
وما قلت بالأمس للأخوات ليس على وجه التشريع أبداً، وأستغفر الله منه، بل مصلحة مرسلة، ونرجع عن كل شيء يخالف الكتاب والسنة.
قال سبحانه وتعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:37] يعني: إذا باعوا أو تاجروا لا تأخذهم التجارة ولا يأخذهم البيع والشراء ويشغلهم عن ذكر الله وإقامة الصلاة، بل هم قوم عقلاء أذكياء يعلمون أن هناك يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، فيخافون هذا اليوم، لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:37]، والمراد بإقام الصلاة: إقامتها في أوقاتها، أي: صلاتها في أوقاتها بأركانها، وبالركوع والسجود، والطمأنينة فيها، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]، أي: يوم القيامة، تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37] وما معنى هذا التقلب؟ من العلماء من قال: إن القلوب والأبصار تتقلب بين الخوف والرجاء، فتارة في موقف يوم القيامة تتقلب خائفة من هول المطلع وعظيم الموقف، وتارة تتقلب طامعة في رحمة الله سبحانه وفي فرج الله عز وجل، أحياناً تتقلب الأبصار وتدور، وأحياناً تشخص الأبصار وتركز على شيء واحد، تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37] يعني: الحامل لهم على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة خوفهم من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، وهذا يوم لا محالة آت، ولا شك في وقوعه أبداً، ولا يشك فيه إلا كافر.
فهنا قوله تعالى: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ [النور:38] أي: هم صلوا وآتوا الزكاة وذكروا الله في المساجد لتكون عاقبتهم لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [النور:38] يعني: يعطيهم الله سبحانه وتعالى على أفضل الأعمال التي عملوها.
وما المراد بقوله: أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [النور:38] ؟
من العلماء من قال: إن المراد بأحسن ما عملوا: الحسنات، فالله يجازيهم بالحسنات ويكفر عنهم السيئات.
ومن أهل العلم من قال: إن الله سبحانه وتعالى يجازيهم على خير الأعمال التي عملوها، يجازيهم أحسن الجزاء أو يزن لهم الأعمال على أعلى درجات الأعمال التي عملوها.
والقول الأول أشهر عند المفسرين، فالمعنى عند جمهور المفسرين: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [النور:38] أي: ليجزيهم الله على الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات.
والمعنى الثاني حاصله: أنهم إذا كانوا عملوا أعمال برٍ على مراتب مختلفة، يرفع الله درجات أعمالهم إلى أعلى مستوى عملوه، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النور:38] هناك جزاء على الأعمال مع التجاوز عن السيئات، وهناك زيادة من فضل الله سبحانه وتعالى، كما قال جل ذكره: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] ، فلهم مقابل إحسانهم الحسنى، ومع هذا المقابل لهم زيادة على الحسنى، ألا وهي كما قال جمهور المفسرين: النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فالعبد المؤمن يجازى على إحسانه حسنات، ويزيده الله سبحانه وتعالى من فضله زيادات، وهذه الزيادات تفضل من الله سبحانه وتعالى، وكرم منه عز وجل، يتفاوت هذا الفضل من شخص إلى آخر، فإن الله تبارك وتعالى قال: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، فالحسنة بعشر أمثالها، ولكن الله سبحانه يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف، بل إلى أكثر من ذلك.
قال سبحانه: وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:38] ، فقد يأتي رجل يوم القيامة مرتفعاً في الدرجات مع أن أعماله قليلة، فتقول: كيف وصل هذا إلى هذه الدرجة العليا؟
فهذا فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54] ، فالله يرزق من يشاء بغير حساب.
كان هذا مثلاً لأهل الإيمان ومطلعه قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ [النور:35] أي: في قلب المؤمن على ما تقدم، فهذا الصنف انتهى ما جاء فيه إلى هذه الآية: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:38]، وهم أهل الإيمان.
المثل الأول: أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39].
والمثل الثاني: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ [النور:40].
قال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39] ثم قال: أَوْ كَظُلُمَاتٍ [النور:40] فهل هذان مثلان مضروبان لصنف واحد من الكفار أو هما صنفان من الكفار لكل صنف مثَلُهُ؟
الذي عليه كثير من المفسرين: أنهما مثلان لصنفين من الكفار، هما:
الصنف الأول: الكفار الذين يعملون أعمالاً ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فهم يجتهدون في كفرهم وفي ضلالهم ويحسبون أنهم مهتدون.
والثاني: الكفار الجهلة.
فالمثل الأول ألا وهو قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39] والقيعة: هي المكان المستوي من الأرض، وقال البعض: إنها المكان المنخفض من الأرض، والقول الأول هو رأي كثير من المفسرين، ففي الظهيرة إذا سرت في مكان مستوٍ من الأرض فاشتد بك العطش أو لم يشتد بك العطش، ونظرت من بعيد حسبت أن هناك ماء، فإذا جئت إلى هذا المكان الذي ظننت أن به ماءً لم تجده ماءً، فالسراب هو الذي يراه الرائي من بعيد أنه ماءٌ وليس بماء، وهذا كثيراً ما يُرى في الأسفار، المسافر يرى من بعيد المكان كأنه ماء، فالله سبحانه وتعالى يمثله فيقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39].
فالكافر يعمل أعمالاً ويرجو لها ثواباً، أو يظن أنه يحسن صنعاً، فإذا جاء يوم القيامة لم يجد لأعماله أي ثمرة، كما قال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ [إبراهيم:18] لا يقدرون على تحصيل شيء مما كسبوا، وكما قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، فقوم اجتهدوا في طاعات وفي ظنهم أنها تقربهم من الله، ومع ذلك كان سعيهم ضالاً، وكدهم خائباً، وفعلهم طائشاً، وكما قال سبحانه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39]، ويا ليته لم يجده شيئاً فحسب، بل وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يوم القيامة كأنها السراب، فيقال لليهود: ماذا كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من ولد، فماذا تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا -أو انطلقوا- فيتساقطون في جهنم، إذ هم يحسبونها شراباً، ويقال للنصارى: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم)، فهذا مثل مضروب لليهود والنصارى الذين يجدون ويجتهدون في عبادة ربهم على ضلال، وعلى بعدٍ عن الصواب، فأعمالهم حسرات عليهم يوم القيامة، فهذا المثل مضروب لطائفة من الكفار يجتهدون في الأعمال على غير هدىً، ويظهر فضل العلم بالله سبحانه وتعالى وفضل الإيمان به في ثنايا هذه الآيات.
وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39] وإذا أردت أن تعلم سرعة الحساب يوم القيامة، فتخيل أن الأولين والآخرين يجمعون في صعيد واحد يوم القيامة، فلا يأتي وقت القيلولة إلا وأهل الجنة قد استقروا في جنتهم، كما قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24].
وقوله: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ [النور:40] فالبحر في نفسه عميق، والعمق يسبب ظلمة، والموج يسبب ظلمة أخرى، والموج الذي فوقه يسبب ظلمة ثالثة، والسحاب يسبب ظلمة هو الآخر، فهي ظلمات متراكبة، فالكافر عمله ظلمة، مدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، وقوله ظلمة، ومصيره والعياذ بالله! إلى الظلمات، كما قال كثير من أهل التفسير: اجتمعت عليه خمس ظلمات: عمله ظلمة، فكلام الكافر كلام بجهل كلام مظلم، وفعله فعل مظلم، ومدخله مدخل مظلم، ومخرجه مخرج مظلم، ومصيره إلى الظلمات، تلاحقه الظلمات في القبور، تلاحقه الظلمات عند الصراط، تلاحقه الظلمات في جهنم والعياذ بالله! فهذا حال الكافر، كافر جاهل كل أفعاله ظلمات، لا يدري أين يذهب!! ولا يدري أين يُذهب به!!
ويلتحق به المنافق، الذي يؤتى به في قبره ويُسأل: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري! سمعت الناس يقولون قولاً فقلت مثل قولهم، فرب العزة يقول في هذه الآيات: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] ( يغشاه ) أي: يعلوه موج، ( لم يكد يراها ) من شدة الظلام، أي: من لم يرد الله له الهداية فأنى تأتيه الهداية؟! وأنى يهتدي؟! وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] فانتظمت الآيات فريقين:
الفريق الأول: كفار على علم وعلى عناد، كاليهود علموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقرءوا التوراة، والنصارى قرءوا الإنجيل وكفروا بالله على علم، واجتهدوا في حرب دين الله على علم وعن عمد، ويلتحق بهم أيضاً كفار علموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجحدوها، كما قال الله فيهم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].
الفريق الثاني: كفار مقلدون جاهلون.
كثير من العلماء جنح إلى التعميم مستدلاً بقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44]، فاستدل بهذه الآية على أن الجمادات تسبح وتذكر الله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] واستدل قائل هذا القول بأدلة منها: حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (إني أعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ)، وبحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الصحيح: (وكنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، وحديث: (حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
أما الدواب فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نقيق الضفادع تسبيح)، وقد أتى الجمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه صاحبه، وأنه يجيعه، وقد جاءت الشجرة تشق طريقها حتى وقفت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، والأدلة في هذا الباب كثيرة، قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]، فاستدل بهذه الأدلة على تسبيح الجمادات لله سبحانه وتعالى.
قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ [النور:41] الرؤيا هنا المراد بها: العلم عند فريق من أهل العلم، فالمعنى: ألم تعلم أن الله يسبح له من في السماوات، وهم الملائكة.
وقوله: يسبح، ما المراد به هنا؟ من العلماء من قال: يراد بالتسبيح: التمجيد المضمن في قولنا: سبحان الله. ومن العلماء من قال: إن المراد بالتسبيح: الصلاة، ودل على التفريق قوله تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41] .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:41] والطير تسبح وهي صافات، وقد قال تعالى في شأن نبي الله داود، يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ:10] أي: رجعي التسبيح معه، فهو يسبح وهي تردد التسبيح وراءه صلى الله عليه وسلم، وهذا من فضائل نبي الله داود، يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10] فكانت الطيور إذا سبح داود تسبح معه، والجبال إذا سبح داود تسبح معه صلى الله عليه وسلم.
وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور:41] أي: صافات أجنحتها كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك:19] أي: تصفُّ أجنحتها، وتقبض الأجنحة، وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41] كل قد عرف الطريق التي يصلي بها ويسبح بها لله سبحانه وتعالى، كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [النور:41] فعلم الله سبحانه لم يقف على علم ما تصنعه أنت فقط، ولا على ما صنعه الأولون والآخرون فقط من الثقلين، وهم الإنس والجن، بل كما قال تعالى: إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16].
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [النور:42].
ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا [النور:43] يعني: أولاً يسير السحاب، ثم يجمع بينه، ثم يعلو بعضه بعضاً بإذن الله، ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [النور:43] و( الودق ) : هو المطر عند الجمهور، ومن أهل العلم من قال: إن المراد به الرعد، لكن جمهور العلماء على أن ( الودق ) هو المطر، فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [النور:43] أي: من بينه، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ [النور:43]، وأنت إذا ركبت الطائرة ونظرت إلى السحاب أسفل منك وجدته تماماً كالجبال بعضه يعلو بعض، وتحصل فيه منخفضات ومرتفعات كالجبال تماماً.
الأول: الإكثار من الاستغفار، قال الله سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]، وقال نوح لقومه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
الثاني من الأمور التي بها تصبح ثرياً كبيراً من الأثرياء: الإنفاق في وجوه البر، قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم! أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)، وقال الله في الحديث القدسي: (ابن آدم أَنفق أُنفق عليك).
الثالث: إذا أردت أن تصبح ثرياً صل الأرحام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه).
الرابع: شكر نعمة الله، قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
الخامس: تقوى الله وترك المحارم، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] فهذه أسباب سعة الرزق، والبركة في الرزق، فافعلها تصبح ثرياً من الأثرياء فهي أسباب مضمونة.
ولكن كما هو معلوم أن الشخص إذا ذهب إلى طبيب يعالجه، فوصف لك الطبيب جرعة من الدواء، زجاجة دواء، وقال: اشربها جميعها على فترات، فإذا شربت منها ملعقة وتركت لم تشف، أما الشفاء فبإذن الله ثم بشربها كاملة، كذلك في شأن هذه الأسباب، لا تستغفر مرة أو مرتين، ولا تشكر مرة أو مرتين، ولكن واصل الذكر، وواصل الشكر، وواصل صلة الأرحام، وواصل الإنفاق على الفقراء، فكل هذه المواصلة سبب أكيد ومضمون في سعة رزق الله لك، فليعقلها من أراد لنفسه الثراء، والله سبحانه خير الرازقين.
قال تعالى: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ [النور:43] قوله: (سنا) المراد به هنا: الضوء، يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ [النور:43] لشدته.
الأول: أن المراد بالعصر: الدهر كله، أي: الزمن الذي تقع فيه حركات بني آدم.
الثاني: أن المراد بالعصر: جزء من الزمن، فمنهم من قال: هو زمن محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: هو عمر الإنسان، ومنهم من قال: هو العشي، ومنهم من قال: من وقت الزوال إلى العشي، وفريق قال: إنه وقت صلاة العصر، وفريق قال: هو صلاة العصر نفسها، إلى آخر الأقوال.
الشاهد: لماذا أقسم الله بالعصر؟
قال كثير من أهل العلم: أقسم الله بالعصر؛ لأن الأحوال تتقلب فيه، هذا اليوم يكون المرءُ غنياً آمناً معافىً في بدنه، وهو بالغد القريب فقيراً فقراً مدقعاً، خائفاً خوفاً شديداً، مبتلىً في جسده، وعكس ذلك كذلك، فالله يقلب الأيام، ويقلب الأحوال سبحانه وتعالى، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [النور:44]، وليس المراد بالأبصار هنا: العيون، إنما المراد بها: البصيرة التي يبصر بها الشخص، التي هي قلبه وعقله الذي يعقل به.
كلاهما له وجهه، فالماء الذي خلق منه الإنسان ذكره الله سبحانه في قوله: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:6-7]، وقوله: (خلق من ماء دافق) أي: مدفوق، وهو المني الذي يخرج من بين الصلب والترائب، وهذا هو الأوجه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ [النور:45] ، والدابة هي التي تدب على الأرض، فخرج من ذلك الملائكة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلقت الملائكة من نور) ، خرج من ذلك أيضاً آدم صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل خلقه من طين، لكن قد يقول قائل: إن آدم خُلق من ماء، كما قال سبحانه: خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ [الصافات:11] وقوله: (من طين لازب) أي: تراب خلط بالماء فأصبح طيناً ثم تُرك حتى أنتن وتغيّر، فهذا يؤيد الوجه الثاني.
فالشاهد: أن الدابة ما يدب على الأرض، وألحق بها العلماء ما يسبح في البحر، والله أعلم.
الله جل ذكره يقول: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ [النور:45]، من الذي يمشي على بطنه: الحيات، الثعابين، وسائر الزواحف، وقد وردت أخبار موضوعة تالفة الأسانيد فيها أن الحيات كانت من أحسن الدواب خلقاً، ثم لما طرد إبليس من الجنة دخل في بطن الحية ودخل معها الجنة فمسخت إلى هذه الصورة وأصبحت من الزواحف، وهذه أخبار تالفة، لا يثبت منها شيء عن المعصوم عليه الصلاة والسلام.
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ [النور:45] كابن آدم وكالطيور، وأحسنها من يمشي على رجلين، فإن الله قال في شأن الإنسان: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] أي: معتدل القامة، أما غيره فيضرب بوجهه إلى الأرض، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [النور:45] كالأبقار والأغنام والإبل، وغيرها من الحيوانات، قال سبحانه: يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور:45].
فالإجابة عليهم: أن الله هو الذي يهدي من يشاء، وقد أسلفنا أن الله سبحانه وتعالى قال: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، ففي هذه الآية دليل على أن المهدي من هداه الله سبحانه وتعالى، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النور:46]، وقوله: (صراط) أي: طريق.
أما دليل كون أهل الإيمان يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [النور:47]، ففي أواخر سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285]، فهذا دليل على أن أهل الإيمان قالوا: سمعنا وأطعنا، وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، لكن المراد بالقائلين هنا في هذه الآية: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [النور:47] هم أهل النفاق لما أفاده ختام الآية، فختام الآية بين أن القائلين هم أهل النفاق.
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [النور:47]، أطعنا الله وأطعنا الرسول، ثُمَّ يَتَوَلَّى [النور:47] أي: يعرض، فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]، فإن المعرضين ليسوا بمؤمنين.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر