الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدـ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأول أحاديث هذا اليوم: هو حديث أبي مالك عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فجعل الرجال قدام الغلمان, وجعل النساء خلف الصبيان ) .
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث شيبان ، و ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث حديث منكر، وهو معلول بعدة علل:
أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد به شهر بن حوشب عن أبي مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و شهر بن حوشب ممن يضعفه بعض الحفاظ في روايته, وإن كان من أهل الثقة في الديانة، وهو رجل صالح في ذاته ثقة في دينه من أهل العلم بالقراءة إلا أنه في أبواب الرواية لا يحتج به على الصحيح، وقد تكلم فيه غير واحد من الحفاظ، وتركه يحيى بن سعيد القطان وغيره.
وثمة مسألة تتعلق بأبواب الكلام على الرواة, وقد أشرنا إليها في عدة مواضع: وهي أن العلماء رحمهم الله ربما يتكلمون في راوٍ من الرواة ولا يريدون بذلك حفظه وإنما يريدون بذلك ديانته، أو ربما يريدون بذلك باباً من أبواب أحواله مما يخرج عن باب الرواية؛ ولهذا ذكرنا أنه ينبغي لطالب العمل أن يضبط حال الراوي من جهة تعدد أحواله، ومعلوم أن الراوي تتعدد أحواله في ذاته إلا صور منها: أن يكون عالماً فقيهاً، فعلمه وفقهه لا يعني أنه حافظ من أهل الرواية.
وكذلك فإنه ينبغي أن تقسم أحواله وأن تعدد أنواعه في ذاته فينظر إلى تخصصه فإذا كان مثلاً من أهل الزهد والورع يلتفت إلى ذلك فربما أسقط بعض ألفاظ الجرح والتعديل على عمله الذي يقع فيه، كأن يكون إماماً، أو فقيهاً، أو قاضياً، أو مقرئاً أو غير ذلك؛ فلهذا إذا وجدنا خلافاً عند العلماء على راوٍ من الرواة فينبغي أن نعدد أحواله، ولا يكاد يختلف العلماء في راوٍ من الرواة وتجد أحواله منتفية إلا حالاً واحدة، بمعنى: أن هذا الرجل لم يذكره العلماء أو أهل التاريخ بالفقه، ولا كذلك أيضاً بالإمامة في أي فن من الفنون في السير والمغازي أو الإقراء أو غير ذلك، ولكن يذكرونه بالرواية، وهذا في الغالب تجد العلماء يتفقون عليه، وإن اختلفوا في صيغ التوثيق أو في صيغ الجرح.
شهر بن حوشب هو من أئمة الإقراء في زمنه، ولكنه في باب الرواية ضعيف، قد يكون الرجل فقيهاً ولكنه في الحفظ ضعيف، إذاً: ألفاظ الجرح والتعديل غالبها تنصب على الحفظ وهو الضبط ضبط الراوي؛ ولهذا العلماء يجعلون العدالة منفصلة عن باب الضبط فيقولون في أبواب العدل ويذكرون منه أن يكون الرجل مسلماً سالماً من الفسق وخوارم المروءة وغير ذلك.
وأما ضبط الإنسان في ذاته فهو ملكة يؤتاها الإنسان؛ لهذا ينبغي أن ننظر إلى حال الراوي في ذاته، فــــــشهر بن حوشب إذا أردنا أن ننظر في ترجمته في كلام العلماء فيه فنجد أن كثيراً من العلماء يتكلمون عليه بالتعديل، وفي أبواب الاحتجاج نجد أن العلماء لا يحتجون بحديثه ويميلون إلى ترك مرويه مما يتفرد به.
وهذا أمارة على أنهم إنما أرادوا بألفاظ التعديل ما اشتهر عنه من أمور الخير؛ لهذا إذا أردنا أن ننظر في ترجمة راوٍ من الرواة أن ننظر إلى اسمه، وأن ننظر إلى حرفته، وما اختص به من أعمال بر من علم وقضاء، وكذلك أيضاً زهد، وورع، أو إمامة الناس في الصلاة، أو الأذان أو غير ذلك؛ لهذا شهر بن حوشب رحمه الله من هذا النوع الذي تعددت أحواله فكان مقرئاً ووقع الناس فيه لقربه من السلطان، فكان مقرئاً منعزلاً فلما دنا من السلطان وقع الناس فيه، ووقعوا في دينه في ذاته، فكثير من العلماء أرادوا تزكية له وأنما تتكلمون فيه منتفٍ.
ومعلوم أن العامة لا تنقل أقوالهم؛ ولهذا لم يكد يحفظ الأئمة مما يقوله الناس عن شهر شيئاً، وبقي تعديله، ولكن يحفظ شيء مما يقال فيه يقال:
باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر !
وكان يأخذ شيئاً من المكافئات من السلطان على بعض إقرائه، ولكن العلماء بينوا أن هذا لا يقدح في دينه وباقٍ على عدالته.
وما نتكلم فيه نحن جانب الملكة، جانب الحفظ والضبط، والحفظ والضبط يعرفه طالب العلم من وجوه منها:
أن ينظر في مرويات ذلك الراوي ويحصي الغلط عليه بالنسبة لكثرة المروي أو قلته، فيجعل نسبة تناسب فإذا كان لديه مثلاً: عشرون أو ثلاثون حديثاً فينظر إلى مواضع الأخطاء, والأخطاء تعرف بمقارنتها بغيرها، بمعنى: أن طالب العلم إذا أراد أن يعرف رواية راوٍ هل هو مما يوافق الثقات أو يخطئ فعليه أن يقارن مرويه بالأحاديث الواردة في الباب، هل انفرد بأحاديث لم يأت بها غيره أم لا؟
إذا كثر تفرده فهذا من علامات النكارة، وكلما أتى قليل الرواية بشيء من الأحاديث الأصول ويتفرد بها عن غيره كان أشد إنكاراً؛ ولهذا لا بد من المقارنة بغيره، وهذا يسهل على الإنسان في الراوي قليل الرواية ويشق عليه في كثير الرواية، ولكن في كثير الرواية عليه أن ينتقي من حديثه مثلاً: إذا كان الراوي لديه مائتان أو ثلاثمائة حديث يشق على الإنسان أن ينظر في هذه الثلاثمائة فعليه أن ينتقي منها عشرين أو ثلاثين ثم يقوم بسبرها والنظر فيها ومقارنتها بأحاديث الثقات.
والحالة الثانية: هي أن ينظر في كلام الأئمة الأوائل، الأئمة الأوائل عليهم رحمة الله في كلامهم على الراوي يتكلمون على خلاصة ما عرفوه عنه إما بملاقاته مباشرة، أو بسبر حديثه الموجود في هذه الكتب فيطرحون ربما حديثاً يطرحه هو في ذاته لم يصل إلينا فكان حكماً عليه، فما كل حديث من الأحاديث التي يرويها الراوي وتطرحه موجود لدينا، فربما كان مما يطرح ما هو واهٍ شديد الضعف فيدعه الأئمة ولا يتحدثون به لأنهم يدخلونه في باب الوضع، ثم يقولون: هذا الراوي متروك الحديث، فتلتمس في أحاديثه فلا تجد شيئاً يستحق هذا، ولكن تجد أحاديث ضعيفة قد يوافقها بعض الثقات، وهذا ما ينبغي أن ينتبه له.
ولهذا طالب العلم في باب السبر له أن يحكم في أبواب الإعلال، وله أن يحكم في أبواب التوثيق ما لم يخالف غيره، إذا خالف غيره من الأئمة أصحاب السبر الأول عليه أن يتوقف في أبواب التعديل، أما في أبواب الجرح فله ذلك؛ لأنه لا يكاد يجرح راوٍ بالسبر على وجه دقيق ويخالف الأئمة الأوائل إلا وقد جرحوه قبله، أما بالنسبة للتعديل فإن تعديله لراوٍ من الرواة قام الأئمة بجرحه لأن له عشرة أحاديث يجدها مستقيمة، فلا يحسن هذا؛ لأنه ربما له حديث كثير مطروح ما ذكره العلماء؛ لأن المطروح لا يدونونه، وتارة يذكرون بعض حديثه، وتارة لا يذكرون؛ لهذا تجد بعض الرواة مما يحكم عليه الأئمة بالترك وتسبر حديثه تجد أن هذا الحديث مع قلته مما يتابع عليه، فليس لأحد أن يقول: إنه مستقيم الحديث؛ لأن الأئمة إنما حكموا على مرويات ليست موجودة لدينا، وكثير من المسانيد التي كانت عند الأئمة محفوظة إما في الصدور أو في الصحف لم تكن موجودة.
الإمام أحمد لديه أضعاف ما في المسند في كتابه المسند ويحكم على الرواة لا على الأحاديث التي في مسنده وإنما على الأحاديث التي لديه، فالحكم الذي يحكمه عليه رحمة الله هو بسبر أوسع مما يستطيعه الإنسان؛ ولهذا نقول: ينبغي للإنسان في أبواب التعارض في كلام الأئمة أن ينظر في الجمع بينها على ما تقدم، كذلك ألا يعارض جرحه جرح الأئمة الأوائل، أو تعديله تعديل الأئمة الأوائل. شهر بن حوشب في هذا الحديث تفرد به عن أبي مالك عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العلة الثانية في هذا: أن هذا الحديث منكر متناً، فإن فيه جعل الصبيان في صف منفرد، وهذا قدر زائد عن الثابت، الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبيد بن البراء عن أبيه أنه قال: ( كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه )، وقال النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: ( ليليني منكم أولي الأحلام والنهى )، فهذا يعني: القرب منه، ولا يعني أن الغلمان يجمعون في صف منفرد عن الرجال, ولا يجعلون في صف منفرد عن الرجال, وإنما يكونون معهم ولكن في أطراف الصف، ولو وجد واحد منهم في الصف وتخلل فهذا لا حرج عليه، ولماذا نقول بنكارة المتن مع أن الأحاديث التي جاءت أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( ليلني منكم أولي الأحلام والنهى ) ؟
نقول: إن الموالاة المذكورة في هذا الحديث هو القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ليرى، وليس المراد بذلك هو ترتيب الصفوف، فترتيب الصفوف هو قدر زائد عن ذلك.
ومن وجوه النكارة في هذا المتن: أن هذا لا يحفظ عن الصحابة عليهم رضوان الله، ولو كان عملاً معروفاً فلا تخلو المساجد من كبار وصغار، ولا يعرف هذا التقسيم عنه، ولكن المعروف عنهم أنهم يجعلون ما قرب من الإمام هو للكبار كما جاء ذلك في غير ما حديث من المرفوع والموقوف وتقدم الكلام عليه.
لهذا نقول: إن هذا الحديث من مفاريد شهر بن حوشب عن أبي مالك وهي مما تدل على ضعف روايته إذا تفرد، وقد يقول قائل: ماذا نفعل في كلام الأئمة في أبواب تعديله, فإننا إذا نظرنا في كتب التراجم نجد أن شهر بن حوشب أكثر الأئمة على تعديله؟
نقول: إن ألفاظ الأئمة عليهم رحمة الله ينبغي أن تنزل على مواضعها على ما تقدم، فالأصل في كلام العلماء أنهم يريدون بذلك في كلامهم على الراوي الجرح أو تعديله من جهة الرواية، هذا هو الأصل، ولكن في بعض الأحيان ينزل القول على غيره، وذلك أن يكون الراوي من أهل الأعمال الأخرى: الفقه، الجهاد، الورع، التجارة والإنفاق في سبيل الله في نفع الناس، إمامة الناس في الصلاة، الأذان، القضاء، بعض الاختصاصات في علوم الشريعة كأن يكون عالماً بالسير والمغازي أو الفرائض أو غير ذلك، فينظر إلى حاله.
لهذا نقول: إن طالب العلم إذا وجد الأئمة اتفقوا على راوٍ من الرواة ولا يختلفون على إمامته عليه ألا يبحث عن تفصيله؛ لأن الأئمة لم يختلفوا عليه، ولكن إذا وجد خلافاً في كلام الأئمة عليه أن يبحث عن اختلاف حاله وتعددها.
والأصل في ذلك الرواية ثم يبحث عن التعدد في أحواله، ثم بعد ذلك يأتي بالنظر إلى سبر رواية الراوي، من هذا السبر تعرف تفردات الراوي، فتقف مثلاً على رواية شهر بن حوشب في تفرده عن هذا، فتعرف أن مثل هذا الحديث ينبغي ألا يتفرد به واحد؛ لأن هذا أمر عامة، ولا يناسب أن يتفرد به شهر بن حوشب بل ولا من فوقه من الرواة في تقسيم صفوف المسلمين خاصة إذا كان هذا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من الأمور الموقوفة.
الحديث الثاني: هو حديث أبي مسعود عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام في مكان مرتفع والناس خلفه أسفل منه ) .
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند، وأخرجه كذلك أبو داود في سننه وغيرهم من حديث زياد بن عبد الله بن الفضل عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن أبي مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث تفرد برفعه زياد بن عبد الله ويسمى بـــــالبكائي ، وقد تكلم فيه بعض العلماء بالتضعيف، ضعفه علي بن المديني ، و يحيى بن معين ، و النسائي وغيرهم، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الإمام أحمد : لا بأس به، وبنحو كلام أحمد قال ابن عدي رحمه الله في كتابه الكامل، ولكن كلام العلماء فيه أمارة على ضعف في حفظه وقد خولف في هذا الحديث، فقد روي هذا الحديث موقوفاً على أبي مسعود لا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو مسعود هنا يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء الحديث عن أبي مسعود من وجه آخر أخرجه أبو داود في كتابه السنن وكذلك ابن حبان من حديث يعلى ، ورواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن أبي مسعود أنه قال: كانوا ينهون، ولم يقل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا نقول: إن هذا الحديث مما يؤخذ على زياد بن عبد الله ، فهو مع ضعف حفظه خالفه من هو أوثق منه، ومن هو أوثق منه يعلى و أبو معاوية رويا هذا الحديث وقالا: عن أبي مسعود كانوا ينهون، والصواب في ذلك الوقف.
الحديث الثالث: هو حديث عمار بن ياسر عليه رضوان أنه قال: قال حذيفة بن اليمان : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام على مكان مرتفع والناس خلفه أسفل منه ) .
هذا الحديث رواه أبو داود ، وكذا الإمام أحمد في كتابه السنن من حديث حجاج عن ابن جريج عن أبي خالد عن عدي بن عدي قال: أخبرني شيخ عن عمار عليه رضوان الله فذكره، وهذا الحديث معلول أيضاً بعدة علل:
أول هذه العلل: الجهالة في إسناده، والجهالة الواقعة في إسناد هذا الحديث هي في الرواية بين عدي بن عدي وعمار في إخبار ذلك الرجل الذي كان مع عمار عن عمار ، وهذه جهالة تقدح في الحديث.
العلة الثانية أيضاً في هذا: أن هذا الحديث في إسناده أبو خالد الذي يرويه عن عدي بن عدي, ولا تعرف حاله أيضاً، ويقال: إنه أبو خالد الدلالي ، ويحتمل هذا وإن لم يكن فهو مجهول.
والعلة أيضاً: أن هذا الحديث معلول بالحديث السابق، فإن هذا الحديث فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: كانوا يكرهون، جعله أبو مسعود حينما جذب حذيفة بن اليمان وكان إماماً على مكان مرتفع فجذبه وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام... الخبر، جاء في هذا الحديث مقلوباً فجعله مرفوعاً وجعل الواقعة ليست بين أبي مسعود و حذيفة وإنما بين عمار و حذيفة بن اليمان ، وهذا دليل وهم واضطراب في الخبر.
والحديث الأول أضبط وأدق فإنه جاء من حديث يعلى و أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن أبي مسعود ، وهذا إسناد صحيح يدل على أن الواقعة إنما وقعت بين أبي مسعود و حذيفة لا بين عمار و حذيفة بن اليمان.
إذاً: فالحديث السابق الموقوف هو يعل التالي المرفوع ويدل على وهم راويه، وأن الجهالة فيه بان فيها الوهم.
وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً إن النهي في هذا الحديث ولو كان موقوفاً عن أبي مسعود في قوله: كانوا ينهون، أن العلماء يقولون: إن الصحابي إذا قال: كان ينهى، فإذا كان من غير الخلفاء الراشدين فيحتمل أنه قصد الأئمة الفقهاء من الخلفاء وغيرهم، ولا يعني ذلك الرفع، وأما إذا كان من العلية أو نسبها زمناً إلى رسول الله قال: كان ينهى زمن رسول الله، فهذا من أمارات الرفع، وهذا تجرد منه ونسبه صراحة. وأما في حديث أبي مسعود فقال: كانوا ينهون، ولعله أراد بذلك زمن الخلفاء.
وإنما أعللنا المرفوع مع ثبوت الموقوف، ومع قولنا أيضاً بكراهة قيام الإمام في موضع أرفع من المأموم لأن هذا الحديث يستدل به البعض على بطلان صلاة الإمام، بل وبعضهم في بطلان صلاة المأموم إذا كان في موضع مرتفع، ولهذا نقول: إن البطلان لا يثبت لأن الدليل فيه لا يصح، والذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح منه هو حديث سهل بن سعد الساعدي عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر والناس في المسجد يرونه، فيصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ركع قام ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما فعلت ذلك لتقتدوا بي ) . والمراد من ذلك: هو التعليم، ولو كان ذلك مما تبطل به الصلاة لما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن هذه عبادة ولو كان على سبيل التعليم.
وفيها دليل أيضاً: أن الإنسان يجوز له أن يصلي الصلاة المفروضة بنية قضاء الفرض والتعليم أيضاً، وهذا كما يكون مثلاً في المدارس ونحو ذلك خاصة الابتدائية يقومون بتعليم الصبيان يصلي صلاة الظهر لا حرج عليه، أو يصلي سنة الضحى ويريد بذلك عبادة ويريد من ذلك تعليماً ولو كان في موضع مرتفع، وهذا إذا كان في الصلاة يكون كذلك فيما دونه من الشروط كالوضوء مثلاً يتوضأ الإنسان بنية التعليم وبنية رفع الحدث، فيكون حينئذٍ تحقق منه هذا وهذا.
وعلى هذا نقول: إن حديث سهل بن سعد الساعدي عن النبي عليه الصلاة والسلام يدفع البطلان، ويثبت أن الارتفاع إنما يجوز استثناء للتعليم وأن غيره خلاف السنة، ولو كان كذلك لأكثر من فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وقرينة ذلك أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان الوفود يأتونه كثيراً وما كان كل مرة يصعد على المنبر ثم يصلي ليراه الناس، ولم يذكر هذا عنه عليه الصلاة والسلام، وإنما كان يرشد الناس بلسانه عليه الصلاة والسلام وتوجيهه، وأما بروزه عليه الصلاة والسلام فكان نادراً.
ولهذا نقول: إن ارتفاع المأموم عن الإمام مكروه لغير حاجة ويشرع للتعليم فقط، ويستثنى من ذلك أيضاً في مسألة إذا كان الإنسان لا يجد مكاناً، ومعلوم أن الإمام إذا لم يكن مثلاً في موضع فيه محراب فإنه يأخذ موضع صف كامل ويخشى أن يشق على الناس نقول: لا حرج عليه إذا لم يقف الناس عن يمينه وشماله أو كأن الناس فيهم جهل أن يصلي في موضع مرتفع حتى يدع ما خلفه أو موضعه للمأمومين خاصة في حال ضيق المكان ونحو ذلك فهذا مما لا بأس به.
الحديث الرابع: هو حديث وابصة بن معبد عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف منفرداً فأمره أن يعيد الصلاة ) .
هذا الحديث رواه الإمام أحمد ، و أبو داود ، و الترمذي ، و ابن حبان ، و الدارقطني ، و البيهقي ، وغيرهم من حديث شعبة بن الحجاج عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث جاء من طرق متعددة، وأجودها: هو طريق شعبة هذا، وهو حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نص على ذلك ابن رجب رحمه الله في الفتح قال: روي من طرق وهذا أجودها يعني: طريق شعبة بن الحجاج .
توبع شعبة بن الحجاج عليه تابعه زيد بن أبي أنيسة و أبو خالد كلاهما عن عمرو بن مرة به، ولكن قد وقع في هذا الحديث اختلاف، فجاء هذا الحديث من حديث حصين عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد فأسقط فيه عمرو بن راشد ، عمرو بن راشد الذي جاء في حديث شعبة بن الحجاج هو قليل الرواية، حتى حكم عليه بعضهم بالجهالة، لكن الإمام أحمد رحمه الله يقول: معروف، وهذا الحديث فيما جاء في الطرق يرويه حصين عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد أسقط فيه عمرو بن راشد .
إذاً: عمرو بن مرة و حصين اختلفوا في هذا الحديث، عمرو بن مرة يرويه عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة ، حصين يرويه عن هلال بن يساف عن وابصة بلا عمرو بن راشد ، إذاً: أسقط ذلك الراوي المجهول.
وجاء هذا الحديث من وجه آخر رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن أبيه عن يزيد بن أبي الجعد عن وابصة ، وقد رواه أيضاً سالم بن أبي الجعد كما رواه الطبراني ورواه عن سالم جماعة، رواه محمد بن سالم ، و عبيد بن أبي الجعد وغيرهم عن سالم بن أبي الجعد عن وابصة . وجاء هذا الحديث أيضاً من وجه آخر وفيه إرسال يأتي الكلام عليه بإذن الله.
هذا الحديث وقع عند العلماء فيه اختلاف في ترجيح هذه الأوجه خاصة الوجه الأول والثاني بين طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة ، أو ترجيح طريق حصين عن هلال بن يساف عن وابصة بلا ذكر عمرو بن راشد ، مال الإمام أحمد رحمه الله إلى تقوية حديث شعبة عن عمرو بن مرة نقله عنه الأثرم ، ومال بعضهم إلى تقوية حديث حصين عن هلال بن يساف ، مال إليه الدارمي ، و الترمذي ، و أبو القاسم البغوي وغيرهم.
ومال بعضهم إلى تصحيح الوجهين, وذهب إلى هذا ابن حبان رحمه الله، وقول رابع توقفوا لاضطراب هذا الحديث.
وممن توقف في هذا البزار ، و ابن عبد البر ، وقبلهم الإمام الشافعي رحمه الله كما في الجديد توقف في العمل في هذا الحديث إلى ثبوت صحته للاضطراب فيه، الإمام أحمد رحمه الله ينكر على من توقف ويقطع بصحته، والإمام أحمد رحمه الله مال إلى تقوية هذا الحديث فيما يظهر لعدة قرائن:
أول هذه القرائن: أن راويه شعبة بن الحجاج هو يرويه عن عمرو بن مرة ، و شعبة بن الحجاج مع ضبطه في ذاته ضابط أيضاً لحديث عمرو بن مرة ، وحينما روى شعبة بن الحجاج حديث عمرو بن مرة يعني: أنه لم يمل إلى حديث حصين ، ولما لم يمل الإمام أحمد إلى حديث حصين أيضاً دل على ترجيحه لحديث شعبة .
الأمر الثاني: أن الإمام أحمد رحمه الله، وهذا من وجوه الترجيح، يقول: لا أعلم لحديث وابصة مخالفاً، وهذه قرينة من وجوه تقوية الأحاديث, وهي أن الحديث إذا وجد له مخالف في بابه في المرفوع أو في الموقوف المشهور المستفيض فإن هذا مما يعل الحديث، والإمام أحمد رحمه الله بصير بالمسند وبصير بالموقوف، لما نظر الإمام أحمد رحمه الله في هذين ولم يجد مخالفاً مال إلى تقوية الحديث والعمل به.
لهذا الإمام أحمد رحمه الله يرى بطلان صلاة المنفرد خلف الصف على خلاف الجمهور، وذهب مالك و الشافعي ورواية عن أبي حنيفة رحمه الله إلى القول بعدم البطلان.
وأما ما جاء في حديث أبي بكرة في ركوعه خلف الصف ثم مشى حتى دخل في الصف، فالإمام أحمد رحمه الله يقول: هو مشى حتى دخل في الصف وما ثبت مستقراً، فهو لم يصل منفرداً وإنما كبر ودخل في الصف، فالإمام أحمد رحمه الله يفرق بين هذا الأمر، ووافقه على قوله جماعة كـإسحاق بن راهويه و ابن أبي ليلى وغيرهم.
وبعض الفقهاء من أهل الكوفة يميلون إلى قول الإمام أحمد ممن سبقه كـإبراهيم النخعي ، إبراهيم النخعي جاء عنه روايتان: رواية يعيدها، ورواية يعتد بها، قال بعض العلماء: إن كلمة يعتد بها مصحفة عن يعيدها، وليست يعتد بها، قالوا: ومن قرائن ذلك: أن أهل الكوفة يميلون إلى قول أحمد أو الإمام أحمد يميل إلى قول أهل الكوفة في هذا كـابن أبي ليلى وغيره. والغالب أن إبراهيم النخعي يوافق أهل البلد، وأهل بلده أيضاً يأخذون عنه، وهذا محتمل بالنسبة لتصحيف ما جاء عن إبراهيم النخعي عليه رحمة الله.
وأما حديث وابصة في ذاته في الأمر بالإعادة فهذا الإمام أحمد رحمه الله يخرج منه الأحاديث الواردة في السجود قبل الصف، كما جاء عن أبي بكرة ، وجاء موقوفاً عن ابن مسعود ، و زيد بن ثابت ، و ابن الزبير ، بل كان ابن الزبير يعلم بعض الناس كيف يسجد قبل الصف راكعاً ثم يدخل في الصف، وجاء هذا عن عمر بن الخطاب وإسناده منقطع، وأعل تعليم ابن الزبير أحمد رحمه الله، ولكنه قد جاء عن بعض الصحابة.
وأما ما جاء في حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله في صلاته مع رسول الله في الليل فأخذه بأذنه ففتلها ثم أقامه عن يمينه وكان عن شماله، الإمام أحمد رحمه الله يقول: إن هذه ليست صلاة منفرد, وإنما هي كحال حديث أبي بكرة هذا, وتغير من حال إلى حال، وليس استقراراً وثبوتاً؛ وذلك للحاجة، كحال الإنسان يمشي في الصلاة لحاجة يجوز له، كما مشى النبي عليه الصلاة والسلام حينما أراد أن يعلم الناس رجع القهقرى ثم سجد ثم رفع لما قضى سجوده ثم ارتفع عليه الصلاة والسلام على المنبر؛ لأن المنبر ليس فيه مكان للسجود، وإنما هو موضع يسير للجلوس لا يستطيع معه أن يسجد, والسجود واجب لمن استطاع.
فالنبي عليه الصلاة والسلام رجع القهقرى ثم سجد فلما قضى السجدتين رجع وثبت قائماً وأرى الناس كيف يركع، وكيف يرفع، وكيف يضع يديه، ثم ينزل عليه الصلاة والسلام ليسجد، وهذا دليل على جواز مشي الإنسان، وأن هذا الإنسان لو استدام عليه ماشياً فلا يصح منه ذلك، ويدل على أن الاستثناء في ذلك جائز كحال مشي الإنسان قبل الصف.
ولهذا الإمام أحمد رحمه الله في قوله: لا أعلم لحديث وابصة مخالفاً لا يلزم بالأحاديث الأخرى، فهو يعلم بحديث عبد الله بن عباس ويعلم بحديث أبي بكرة وغيرها، إذاً: فهي لا تلزمه على قوله، فيكون قصده في ذلك هو الثبات وأن يأتي الإنسان بالصلاة أو بركعة تامة. فحديث وابصة جاء معناه من وجوه أخرى.
الحديث الخامس: رواه الإمام أحمد رحمه الله من حديث عبد الرحمن بن علي اليمامي عن أبيه أنه قال: ( وفدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فقام رجل فصلى منفرداً خلف الصف فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى قضى صلاته ثم أمره أن يعيد الصلاة ) .
هذا الحديث رواه أبو داود من حديث ملازم عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي عن أبيه، وهذا أول حديث نجدي يمر علينا، وإسناده يمامي، تفرد فيه أهل اليمامة، وجاء متأخراً، فما عندهم إلا هذا الحديث، فجاء هذا الحديث بهذا الإسناد وهو من مفاريد اليمامة، يقول الإمام أحمد رحمه الله: تفرد به أهل اليمامة وحسنه، جوده الإمام أحمد رحمه الله ولا أعلم أحداً من النقاد أعله، وهذا يعضد حديث وابصة ، وهل هو فرد حتى يعل؟ لو تفرد أهل اليمامة بهذا الحديث عن حديث وابصة ولم يرد إلا هو لقلنا بنكارته، ولكن نقول: إن هذا الحديث ليس بفرد، ثم أيضاً أيها الشاميون! تستكثرون على أهل نجد حديثاً أو حديثين وتفردتم بأحاديث كثيرة جداً فاقبلوا منا هذا التفرد.
جاء أمر الإعادة في صلاة المنفرد خلف الصف عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث أيضاً ولكنها معلولة، من هذه الأحاديث: حديث عبد الله بن عباس بمعنى حديث وابصة ، أخرجه الطبراني من حديث الحجاج بن حسان عن عكرمة عن عبد الله بن عباس ، و حجاج بن حسان ضعيف الحديث جداً.
ثم أيضاً إنه قد اضطرب فيه فرواه حجاج بن حسان عن عكرمة عن عبد الله بن عباس ورواه عن مقاتل بن حيان مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو في كلا الطريقين تفرد به وهو منكر، ودليل على وهمه وعدم حفظه أنه اضطرب فيه مرسلاً وموصلاً ويدل على نكارته أنه أرسله بوجه غير الموصول، فجعله موصولاً من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس ، وجعله مرسلاً عن مقاتل ، وهذا من علامات النكارة أيضاً.
وأما مسألة جذب واحد من الصف أن يكون خلفه فقد جاء هذا الحديث في بعض طرق حديث وابصة ، أخرجه الطبراني في كتابه المعجم من حديث السدي بن إسماعيل، والسدي بن إسماعيل متروك الحديث وقد تفرد بهذا الحديث وقال: إن استطاع أن يجذب إليه رجلاً فليجذبه، أخرجه أبو نعيم أيضاً من وجه آخر من حديث إسماعيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن وابصة ، وجاء أيضاً من وجه آخر من حديث زيد بن وهب عن وابصة .
هذا الحديث تفرد به في الطريق الأولى ابن إسماعيل وهو متروك، وفي الثانية تفرد فيه قيس بن الربيع يرويه عند أبي نعيم في أخبار أصفهان، وعند ابن الأعرابي في كتابه المعجم، وعلى هذا نقول: إنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أن يجذب الرجل المنفرد خلف الصف أحداً؛ ولهذا نقول: إن نكارته شديدة إسنادية ومتنية.
ولكن قد يستشكل البعض إشكالاً وهو أن المنفرد خلف الصف ماذا يصنع؟ إذا جاء الإنسان منفرداً خلف الصف وهذا قول لـأحمد هل ينتظر ويرى الناس تصلي, أم يتقدم بجوار الإمام؟ وإذا لم يتمكن من مجاورة الإمام كأن يكون الصف مكتظاً بالناس، كأن يكون مثلاً عشرة صفوف أو خمسة وصعب أنه يشق الصفوف إلى الإمام، هل ينتظر الإمام أم يصلي؟
نتكلم على مسألة البطلان، نقول: إنه يصلي وإذا ركع الإمام قبل أن يأتي معه أحد أن يأتي بركعة وتكون تلك الركعة باطلة، لكن ليس له أن ينتظر، وأن يجلس ويرى الناس يصلون ربما صلوا ركعة أو ركعتين، فمن جهة الإجزاء لا تجزئه تلك الركعة على هذا القول، ولكن أجره وقع على الله.
وهذا نظير إذا أتيت الإمام وهو ساجد أو رفع من الركوع ودخلت معه هل دخولك معه هذه السجدات ليست محسوبة لك باستغفارها بانحنائك فيها، بسجودك على أعظامك السبعة، وكذلك أيضاً من الدعاء، أم تؤجر عليها؟ تؤجر عليها ولكن لا تحتسب لك ركعة، فنحملها على هذا القول وهذا هو الأقرب، أما أن الإنسان ينتظر والناس يصلون ولا يدري متى يأتيه أحد وربما انقضت الصلاة وهو قائم فهذا لا أعلم من قال به من السلف.
وإذا ما جاء أحد بقي في الصلاة مثلاً صلى ركعة ثم ركعتين ثم سلم الإمام على هذا القول إنه يقضي الركعتين وأجره إن شاء الله موجود.
ولا يكون منفرداً, فهو صلى مع الجماعة وأجره وصل، وأجر الجماعة وصل؛ لأن بعض العلماء يرى أن أجر الجماعة يكون بإدراك شيء من الصلاة ولو في التشهد كما جاء عن أبي هريرة وغيره.
ولو اعتقد أنه في الركوع وهو في الركعة الرابعة، مثلاً: لو ما صلى لوحده تفوته الصلاة كلها الأربع الركعات، وهو معتقد أنه مدرك بالركوع وليس مع الإمام، يعني: لو رفع من الركعة فقد انتهت الجماعة، فهل ينتظر أو يصلي؟
فنقول: لا، عليه أن يدخل معهم مباشرة، فالمباشرة بالدخول مع الإمام لا نقاش فيها، لكن يوجد أيضاً من الإشكالات أن الصف إذا لم يكتمل وجاء اثنان هل يصليان خلف الصف أم يذهب واحد يصلي يكمل الصف ثم يصلي الآخر منفرداً, فأيهما آكد؟
الجواب: يصليان خلف الصف؛ لأن إتمام الصف سنة، يعني: لو صلى أناس في مسجد والمسجد متسع ثم صلوا عشرة وعشرة وعشرة نقول: سنة، تركت السنة، لكن أن يصلي الناس ويذهب اثنان واحد يتم الصف ثم يأتي بعده آخر ويصلي خلفهم منفرداً والآخر يتم الصف نقول: خلاف الأولى، ويصلي معه خلف الصف إلا إذا كان يريد أن يبطل صلاة صاحبه ويذهب ويصلي.
وإذا صلى عن يسار الإمام هل هي كذلك تكون في حكمه إذا كان منفرداً خلفه؟ ثبت عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله أنه صلى ومعه اثنان واحد عن يمينه وواحد عن شماله، وهل هذا الحكم من جهة النهي وبطلان الصلاة واحد؟ بعض العلماء يقول: هذا أولى، والذي يظهر والله أعلم أن هذا خلاف السنة، ولكن بطلان الصلاة يفتقر إلى دليل.
وبالنسبة لمن سد فرجة في الصف فقد عمل بحديث: ( من وصل صفاً وصله الله، ومن قطعه قطعه الله ).
ولا نقول: إن سد الفرج سنة، فسد الفرج واجب في الصف، وأما من ترك فرجة في صف لجماعة ليكمل صفه هو، فهذا غير صحيح.
وأما إذا جاء متأخراً على الركعة الرابعة، فأيهما أولى أن ينتظر أو يدخل؟
فالجواب: يدخل، وقد جاء في هذه المسألة حديثان: جاء في حديث أبي هريرة ، وجاء في هذا حديث علي بن أبي طالب وهي في السنن، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام )، وجاء في حديث أبي هريرة قال: ( إذا جاء أحدكم والإمام راكع فليركع، وإذا جاء أحدكم والإمام ساجد فليسجد )، وينبغي له أن يبادر بحال الإمام، ثم أيضاً مقتضى ما جاء في الصحيح في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فينبغي أن يبادر بالامتثال.
والشرع ما أمرك بالدخول بالجماعة حتى تحسب لك الركعة، بل أمرك بالدخول بالجماعة على أي حال كان.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر