إسلام ويب

كتاب الطهارة [22]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للحائض والجنب في الشريعة أحكام خاصة، من ذلك ما يتعلق بمرور الحائض والجنب في المسجد، وللعلماء في هذه المسألة عدة أقوال تدور بين الجواز والمنع والتفريق بين المرور والمكث. ومما اختلفوا في تجويزه ومنعه للجنب والحائض: مس المصحف وقراءة القرآن. وكذا اختلفوا في أقل الحيض وأكثره وكذا الطهر.

    1.   

    دخول المسجد للجنب والحائض

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثالث في أحكام هذين الحدثين، أعني: الجنابة والحيض.

    أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة ففيه ثلاث مسائل:

    المسألة الأولى: ] دخول المسجد، حكم دخول المسجد:

    أقوال العلماء في دخول المسجد للجنب

    قال رحمه الله: [ اختلف العلماء في دخول المسجد للجنب على ثلاثة أقوال:

    فقوم منعوا ذلك بالإطلاق وهو مذهب مالك وأصحابه]، أي: قالوا: لا يجوز له أن يدخل المسجد ولا أن يمر.

    [وقوم منعوا ذلك إلا لعابر فيه لا مقيم] يعني: لا يجوز للذي يجلس، وأما لو كان للمسجد بابان فدخل من أحدهما وخرج من الآخر فلا مانع، [ ومنهم الشافعي ] و أحمد .

    [ وقوم أباحوا ذلك للجميع ]، أي أباحوا له المرور والجلوس والنوم، [ ومنهم داود وأصحابه، فيما أحسبه ].

    سبب اختلاف العلماء في دخول المسجد للجنب

    [ وسبب اختلاف الشافعي وأهل الظاهر ]، يعني: أن الشافعي و أحمد : يحرم المكث ويجوز المرور، وهؤلاء قالوا: يجوز المكث والمرور، فاختلفوا هل في الآية مجاز أو حقيقة؟

    فالشافعي و أحمد يقولون: إن في الآية مجازاً بالحذف.

    كقوله تعالى: وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ[يوسف:82]، أي: أهل القرية، فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى[النساء:43]، فيه مجاز بالحذف، أي: لا تقربوا مواضع الصلاة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو أسلوب عربي.

    فقالوا: إن الآية فيها دليل على أنه لا يجوز للجنب أن يجلس في المسجد ويجوز له المرور.

    وأما داود الظاهري وأصحابه فقالوا: ليس في الآية مجاز وإنما هي على الحقيقة ولا حذف فيها، ومعنى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ[النساء:43]، أي لا تصلوا، وَأَنْتُمْ سُكَارَى[النساء:43]، وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ[النساء:43] أي: إلا رجل مسافر أجنب ولم يجد الماء فيغتسل.

    ففي هذه الآية دليل على المنع من الصلاة، وليس فيها دليل على المنع من المكث والمرور.

    وأما مالك فقد منع على الإطلاق، واستدل على ذلك بالحديث: ( لا أحل المسجد لجنب ولا حائض )، والحديث الذي استدل به رواه أبو داود وهو حديث ضعيف.

    ولكن حسنه الشوكاني في النيل (1/250). ولكن ضعفه الألباني في المشكاة (1/113).

    الراجح في مكث الجنب في المسجد

    أقول: والراجح: أن الجنب يجوز له المكث في المسجد لعدم ثبوت ما يقتضي منعه.

    دخول المسجد للحائض

    وأما الحائض فيجوز لها الدخول في المسجد للحاجة دون المكث، ويدل على ذلك حديث عائشة عند مسلم ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت.. ).

    و(الخمرة) شيء يوضع لأجل أن يسجد عليه وهي مثل السجادة.

    ( إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك ).

    فـعائشة لم تقل هذا القول إلا لأنها قد عرفت عنه صلى الله عليه وسلم المنع من المكث في المسجد للحائض، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الدخول لحاجة لا يتناوله المنع.

    1.   

    مس الجنب للمصحف

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: مس الجنب المصحف:

    ذهب قوم إلى إجازته وذهب الجمهور إلى منعه] يعني: جمهور الأئمة [وهم الذين منعوا أن يمسه غير متوضئ].

    سبب اختلاف العلماء في مس الجنب المصحف

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم هو سبب اختلافهم في منع غير المتوضئ أن يمسه أعني لقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، وقد ذكرنا سبب الاختلاف في الآية فيما تقدم، وهو بعينه سبب اختلافهم في منع الحائض مسه.

    1.   

    قراءة القرآن للجنب والحائض

    أقوال العلماء في قراءة القرآن للجنب

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثالثة: قراءة القرآن للجنب:

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى المنع من ذلك] أي: أنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن، [وذهب قوم إلى إباحته] وهو مذهب الظاهرية.

    سبب اختلاف العلماء في قراءة القرآن للجنب

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في ذلك الاحتمال المتطرق إلى حديث علي ].

    وكأن المصنف سلم أنه حديث صحيح، ولكن الحديث ضعيف.

    ثم قال: ولكن الحديث مسلم به، لكن هل هو ظن من علي بن أبي طالب ظنه فلا يعمل به، أو هذا الظن مبني على أنه سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم فيعمل به، فقال أهل الظاهر: هذا ظن قاله علي ولا يعمل به؛ لأنه لم يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فله حكم الوقف عندهم ولعله من اجتهاداته.

    وقال الجمهور: لا يتصور أن يقوله علي إلا بنص عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يدل على التحريم، وهذا القول على اعتبار أن الحديث صحيح.

    ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة )، هذا الحديث كأن الشيخ يقول: إنه صحيح.

    وسبب اختلافهم: هو مدى صحة حديث علي.

    فقال الظاهرية: إن قوله: (لا يمنعه شيء إلا الجنابة)، هذا ظن قاله من عنده، ولعله مبني على اجتهاده، ولا يلزمنا العمل باجتهادات الصحابة وإنما نرجع إلى الأدلة.

    وقال الجمهور: قوله هذا لا يقال: إنه من جهة الرأي وإنما تلقاه من الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب علينا العمل به.

    قراءة القرآن للحائض

    أما الحائض فخرج من الجمهور مالك ، وقال: للحائض أن تقرأ القرآن قليلاً أو بعضاً من القرآن في بعض أيامها للحاجة، وذلك أن أيام الحيض تطول وتتكرر، والمرأة تحتاج إلى أن تعاود كتاب الله وإلى أن تتعلمه فيجوز لها القراءة.

    الراجح في قراءة الحائض القرآن

    ورأينا أنه يكره قراءة القرآن للحائض والجنب؛ وذلك لحديث آخر وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( امتنع من رد السلام، وقال: إني أكره أن أذكر الله إلا على طهارة )، فإذا كان السلام الذي هو ذكر يكره فالقرآن من باب أولى.

    فنقول: الراجح: القول بالكراهة؛ لأن حديث علي ضعيف فلا ينهض إلى القول بالتحريم، والأصل عدم ذلك، وقد دل على الكراهة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن المهاجر بن قنفذ :

    ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أذكر الله إلا على طهر )، أو قال: ( على طهارة ).

    والحديث ذكره شيخنا ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (834)، قال: ولما كان السلام اسماً من أسماء الله تعالى كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكره إلا على طهر فدل ذلك على أن تلاوة القرآن بغير طهارة مكروه من باب أولى، فلا ينبغي إطلاق القول بجواز قراءته للمحدث، كما يفعل بعض إخواننا من أهل الحديث. انتهى.

    فعندما نفتي بالجواز ليس معناه أنا نترك الأفضل؛ فالإنسان عندما يفتي الناس لا يفتيهم إلا بالأفضل.

    فمثلاً: أنت تريد أن تتقدم شافعاً بين يدي الله لهذه الجنازة، فينبغي لك أن تكون على طهارة كاملة، فالتقرير العلمي غير الدعوة والإفتاء.

    وكما جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه قال: (وقع على جاريته فدخلت امرأته ورأته فقال لها: ما وقع! فقالت له: اقرأ القرآن ثم بعد ذلك: قال لها شعراً، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام) فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم دليل على إقراره.

    ونحن نقول كما قال الشيخ: يدل على الكراهة فالشيخ يبلغ بالأمر إلى الكراهة لا التحريم، ولاسيما أن بعضهم لا يحرم الأشياء التي ما فيها أدلة واضحة، فالدليل صحيح لكن قد يكون فيه عدم وضوح فقط.

    كتاب الحيض صعب جداً وهو أحوج ما يحتاجه النساء، وتجد آراء العلماء فيه كثيرة ولكن ليس لها قواعد ترجعها إليه ولا أصول ولا أدلة.

    والسبب في ذلك أن منهم من كان بالعراق، ومنهم من كان بمصر، ومنهم من كان بالمدينة.

    وكذلك اختلاف البيئات لها تأثير على الحيض فلا يمكن تحديده بوقت معين.

    ولا طريق لمعرفة ذلك إلا بالاستقراء وسؤال النساء في ذلك؛ ثم تجمع غالب إجابات النساء ويبنون عليها الأحكام، ولهذا يقال غالبه من الاستقراء.

    والاستقراء هو التتبع والسؤال، فوقع في الباب اختلافات كثيرة، ولكنهم مع ذلك عقدوه كثيراً.

    قال الشوكاني : ألا إن فطاحل الرجال، وأهل العقول الكبار لن يستطيعوا أن يعرفوا معرفة الفقهاء في باب الحيض.

    1.   

    أحكام الدماء الخارجة من الرحم

    قال: [ وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم: فالكلام المحيط بأصولها ينحصر في ثلاثة أبواب: أولا: معرفة أنواع الدماء الخارجة من الرحم ] وهي ثلاثة: دم الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس.

    [والثاني: معرفة العلامات التي تدل على انتقال الطهر إلى الحيض، والحيض إلى الطهر أو الاستحاضة، والاستحاضة أيضاً إلى الطهر.

    والثالث: معرفة أحكام الحيض والاستحاضة أعني: موانعهما وموجباتهما ] أي امتناعها عن الصلاة والصوم وأن يأتيها زوجها.. إلى غير ذلك.

    [ ونحن نذكر في كل باب من هذه الأبواب الثلاثة من المسائل ما يجري مجرى القواعد والأصول لجميع ما في هذا الباب على ما قصدنا إليه مما اتفقوا عليه واختلفوا فيه ].

    1.   

    أنواع الدماء الخارجة من الرحم

    [الباب الأول: أنواع الدماء الخارجة من الرحم:

    اتفق العلماء على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة:

    دم الحيض: وهو الخارج على جهة الصحة ]، أي: الخارج من قعر الرحم على جهة الصحة.

    قال: [ ودم استحاضة: وهو الخارج على جهة المرض وأنه غير دم الحيض لقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ) ]، يعني أنه لا يخرج من أقصى الرحم وإنما يخرج من عرق يسمى: العاذل، وهو مرض.

    [ ودم النفاس: وهو الخارج مع الولد ].

    1.   

    علامات الطهر والحيض والنفاس والاستحاضة

    قال المصنف رحمه الله: [ باب: علامات الطهر والحيض والاستحاضة ].

    أي هناك علامات، فالعلامات تنبني على معرفة كم أقل الحيض وكم أكثره، وكم أقل الطهر وكم أكثره، وهل له حد.

    كل هذا نعرفه في المرأة التي ليست عندها استحاضة.

    1.   

    مدة الحيض والطهر

    أقوال العلماء في أقل أيام الحيض

    فالأئمة الشافعي و أحمد يقولون: إن أقل الحيض يوم وليلة، فإذا جاء أقل من يوم وليلة فليس بحيض.

    والإمام مالك يقول: أقله دفعة واحدة.

    وأما أبو حنيفة فيقول: أقل الحيض ثلاثة أيام.

    أقوال العلماء في أكثر أيام الحيض

    وأما أكثر الحيض.. فالشافعي و أحمد و مالك على أنه خمسة عشر يوماً.

    وهي الرواية التي ذهب إليها أصحاب مالك .

    وقال أبو حنيفة : أكثره عشرة أيام.

    أقوال العلماء في أقل أيام الطهر

    وأما أقل الطهر فقال الشافعي و مالك : خمسة عشر يوماً.

    وقال أبو حنيفة في رواية: خمسة عشر يوماً وفي رواية أخرى قال: سبعة عشر يوماً.

    وأما أكثر الطهر فلم يحددوه، فقد تكون المرأة طاهرة دائماً لا تحيض.

    وقال أحمد : أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756617852