فيا إخواني الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أيها الإخوة: إن الصراع بين الإسلام وخصومه صراع قديم، يبدأ منذ الخصومة الأولى بين آدم -عليه السلام- وبين إبليس، ولن ينتهي إلا بنهاية وجود الإسلام على ظهر الأرض، وذلك في آخر الزمان وقُبيل قيام الساعة، ولقد كان أعداء الإسلام يواجهون الإسلام في ميادين المعارك، فوجدوا أن هذه المعارك الطاحنة معارك خاسرة، قضت على شبابهم، وأفنت الأخضر واليابس منهم، فبدءوا بكيد الإسلام على الحيلة، كما يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله.
من أبرز مظاهر هذا الكيد، تلك النافذة الإعلامية المتمثلة في المسلسلات والأفلام سواء أكانت أفلاماً تُعرض بواسطة أجهزة التلفزة في العالم الإسلامي، أم كانت بواسطة ما يُسمى بالفيديو.
فنحن نلاحظ مثلاً: أن اهتمام المُخرِجِين واهتمام الدُور التي تقبع وراء هذه الأعداد الهائلة من الأفلام والمسلسلات بأفلام الفيديو يزيد على اهتمامها بالتلفاز، وذلك من حيث الجاذبية وشد نظر المُشاهد، واستخدام وسائل التشويق والتلوين، وغير ذلك.
ثم إننا نجد أن الفيديو يكون على رغبة المُشاهد، فهو يشاهد ما يشاء من الأفلام، يختار من هذه البضائع الكاسدة ما يوافق مزاجه وذوقه دون أن يتدخل أحد في تحديد ما يمكن أن يشاهده هذا الإنسان، وكذلك هو يشاهد هذه الأفلام في أي وقت يشاء، دون أن يتدخل أحد في تحديد الوقت الذي يشاهد من خلاله هذه المسلسلات، وهو يستمر على مشاهدة هذا الفيلم حتى ينتهي، بخلاف ما يحدث في أجهزة التلفاز فإن وقت هذه المسلسلات محدود وهي تُعرض على فترات في كل يوم أو أسبوع بحسب طبيعة المسلسل أو الفيلم، يُعرض جزء من هذا الفيلم، قد يستغرق عشر دقائق أو أكثر أو أقل، ثم ينقطع إلى الفترة اللاحقة، وبذلك يضعف ارتباط المشاهد نسبياً بما يشاهده بالتلفاز، وربما لا يتمكن من متابعة جميع الحلقات الماضية، وربما تكون ظروفه النفسية مختلفة حين يشاهد الحلقة الثانية والثالثة من هذه المسلسلات مثلاً، إضافة إلى أن الرقابة على الفيديو أصعب منها على التلفاز، وإذا كان من الممكن أن يوجد رقابة قوية على جهاز التلفاز تتحكم في المادة المعروضة، سواءً أكانت هذه المادة تمثيليات ومسرحيات، أم كانت مادة ثقافية أم كانت أي مادة أخرى فإن الأمر أصعب بالنسبة للفيديو.
فإن الرقابة على هذه الأعداد الهائلة من الأفلام التي تُمطر الساحة بها تلك الدور، أمرٌ يحتاج إلى جهود جادة ومستمرة، وفي هذا من الصعوبة ما فيه بالقياس إلى الواقع الذي نعيشه، لا بالقياس إلى الواجب الذي يجب أن يكون، إضافة إلى سهولة تداول الأشرطة والأفلام في المدارس ومن خلال اللقاءات، وغير ذلك، لهذا نجد أن كثيراً من الناس قد أصبحوا يسمرون أعينهم أمام الفيديو على هذه الأفلام، وربما يسهرون إلى ساعات متأخرة من الليل، في حين أن كثيراً منهم قد اصبحوا لا يشاهدون التلفاز إلا قليلاً أو في مجالات محددة، لقد أخذ الفيديو كثيراً من مشاهدي التلفاز.
هذا الأمر ربما يجعل الفيديو هو الآخر قد رُكن، ولم يعد له الدور الذي يؤديه الآن، وأقبل الناس على التلفاز من جديد، لكن لا لمشاهدة برامج التليفزيون في البلاد الإسلامية والعربية، ولا لسماع البرامج الثقافية المفيدة إذا وُجدت، ولا لسماع الأخبار -مثلاً- أو البرامج الدينية، وإنما لالتقاط هذا البث الذي يبث من أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا أو غيرها، وهذا خطر داهم، لا شك أنه يحتاج إلى تظافر الجهود في سبيل معالجته ووقاية المجتمعات الإسلامية من شر هذا الخطر، الذي سمته مجلة اليمامة في أحد أعدادها بالاختراق!
إخوتي الكرام: قد يقول قائل أو يستغرب من خوض طلاب العلم في الحديث عن مثل هذه الأمور! نحن بعيدون عن مثل هذه القضايا وهذا هو الواقع! فالمتحدث إليكم، كأي واحد منكم ربما يَندُر أن يشاهد في حياته شيئاً من هذه الأشياء، لذلك فنحن لا نعيش هذا الهمَّ كما هو في الواقع. مع أننا لو ألقينا نظرة على المجتمع الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، لوجدنا أن هذه الأفلام ذات تأثير بليغ في صياغة أخلاقيات الشباب، وعقولهم وحياتهم وسلوكهم، ولوجدنا أن كثيراً من المظاهر والظواهر والسلبيات التي نُعاني منها في المجتمع لم تنشأ من فراغ.
ومن الصعب جداً أن نتجاهل مثل هذا الأمر الخطير المؤثر في واقعنا ومجتمعاتنا وشبابنا؛ لأن طلاب العلم والناس الصالحين بعيدون عن مثل هذه الأمور.
وهذه الأفلام البناءة أفلام معدودة على الأصابع؛ إما أن تكون أفلاماً علمية بحتة، وإما أن تكون أفلاماً تتحدث عن أوضاع معينة، وتربط المسلمين بعضهم ببعض، وإما أن تكون أشياء إرشادية ووعظية، أو ما أشبه ذلك، ويبقى السيل الذي يكتسح الساحة الفنية في هذا المجال، هو سيل تلك الأفلام الهابطة، لكن لا بد من هذا الاحتراز، حتى لا يقول قائل إن في كلامي شيئاً من التعميم.
وكما يقول الحبر ابن عباس رضي الله عنه وقد سئل عن الكبائر أسبع هي؟ فقال: [[ هي إلى السبعين أو السبعمائة أقرب]] لكن ما سأذكره هو غيضُُ من فيض، وقليلٌ من كثير.
إخوتي الكرام: سوف أَعُدُّ هذه الأضرار واحداً بعد آخر؛ رغبةً في أن يكون الموضوع متكاملاً إلى حد ما، وأرجو أن تتحملوا الحديث عن مثل هذا الموضوع.
فمن أضرار مشاهدة هذه الأفلام والعكوف عليها وعندها:
فيبدأ يفكر هل فعلاً هذه القيم والأخلاق حقيقية، وتستحق أن يضحي من أجلها بشهواته وغرائزه وعواطفه؟ وهذا قد يقود الشاب إلى مهاوي الشكوك والوساوس والتردد.
وبذلك قد توجد لنا مثل هذه المشاهدات أنواعاً من الشباب، فقد تُوجد لنا شاباً ملحداً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر! وما أسهل أن تفترس الشيوعية مثل هذا الشاب..! لذلك نجد فعلاً أن الشيوعيين يستخدمون الإثارة والفساد الخلقي كمصيدة يقتنصون من خلالها الشباب في كثير من البلاد، وذلك أن الشاب إذا وقع في مهاوي الرذيلة سهُل اقتناصه، فإن لم يصل الشاب إلى أن يكون شيوعياً ملحداً، فقد يتحول إلى إنسان متردد في دينه، إن فعل ما يفعل من الأوامر الدينية، فصلى أو صام أو حج، فإنه يفعل ذلك بنفسية المتردد الذي يقول كما كان أبو العلاء المعري يقول:
قال المنجمُ والطبيبُ كِلاهُما لا يُبعثُ الثقلان، قُلتُ: إليكُمَا |
إن صَحَّ قولُكما فلستُ بخاسرٍ أو صَحَّ قولي فالخسار عليكُما |
فربُما يفعل ما يفعل، لا بروح المؤمن الذي ينتظر الجزاء من الله عز وجل لكن بروح الإنسان الذي نشأ على أشياء، وتربى عليها، وصعُب عليه أن يتخلص منها، وهو يقول: يمكن أن يكون الأمر صحيحاً! وبناءً على ذلك قد يُمارس بعض هذه الأشياء أو يؤديها بهذه الروح الخاوية.
وعلى كل حال فهو سيواجه الدين والشريعة بتبلد إحساس وموت ضمير، وكأنه رأى الناس يفعلون شيئاً ففعل مثل فعلهم.
هذه سلبيةٌُ كبيرة، وقد يترتب على هذه السلبية سلبية أخرى، وهي أن الإنسان يفقد الغَيرة على الدين، الغيرة على العرض، الغيرة على الأخلاق، لكثرة مشاهدة ما يخالف ذلك وينافيه، وكيف لا يحدث ذلك؟! والشاب يعيش مُعظم وقته مُسمَّر العينين في مثل هذه المشاهد المنحرفة، التي تُخاطب الإنسان بأحط ما فيه؟ تخاطب غرائزه في الأعم الأغلب منها، وكيف لا يحصُل ذلك ومعظم هذه الأفلام قد جاءتنا من بلاد العالم الآخر، العالم الإباحي، من هوليود وغيرها من مراكز صناعة وتوزيع ونشر هذه الأفلام، التي يُعشش فيها اليهود ويبيضون هناك ويفرخون، وبناءً عليه لا نستغرب حين نسمع قول القائل: اليهود وراء كل جريمة!، وإن كان في هذا القول من المبالغة ما فيه.
كيف لا يفقد الشاب الغيرة على الدين، والغيرة على العرض، والغيرة على الخلق، وقد أصبح يعيش مُعظم وقته مع أولئك الإفرنج الذين عُرفوا منذ القرون القديمة، بأنهم شعوبٌ إباحية؟!
ولعلكم تسمعون كثيراً من الأمهات في مجتمعاتنا، إذا دعت على طفلها، خاصةً إذا حدث منه عدم التزام بما يعودونه عليه من الأمور التي يريدونه أن يعتادها فيما يتعلق بالتبول، فكثيراً ما تدعو الأم على طفلها بالإفرنج! وما الإفرنج إلا مرض الزُهري، الذي ينتشر عند الإفرنج بسبب الإباحية الجنسية المتفشية عندهم منذ زمنٍ بعيد.
وقد أصبح هذا الأمر خبراً، بعد أن تروع العالم على واقع الأخبار والإحصائيات التي تتحدث عن غول العصر! وهو "الهربس" و"الإيدز" مرض فقدان المناعة، الذي أصبحت ضحاياه تُعد بالملايين في كثير من تلك البلاد، وأصبح خطراً داهماً يهدد تلك المجتمعات.
أقول: كيف لا يفقد الشاب غيرته على دينه وعرضه وأخلاقه، وهو يقضي معظم وقته في مشاهدة أفلامٍ ومسلسلات صادرة عن تلك المجتمعات....؟!
إنَّ تَعلُّم لغة أولئك القوم بغير غرض، بل بقصد تقليدهم، يخفي نفسية مهزومة، تُخفي نفسية الإنسان الذي يعتقد أن كل ما عند الأعداء حسن وجيد وجميل، وأن كل ما عنده هو رديء ومتأخر ومتخلف، لذلك عقد الإمام العلامة ابن خلدون في مقدمته فصلاً في اقتداء المغلوب بالغالب.
إن الإنسان الذي يُكثر من مشاهدة هؤلاء القوم يستملح حركاتهم ويستعذبها حتى تصبح جميلة في عينه...!
وبناءً على ذلك يفقد الثقة بِأخلاق المسلمين وعاداتهم ولغتهم، ويصبح مربوطاً شعورياً وعاطفياً بأولئك الأقوام.
لماذا...؟!
لأنه غُرس في قلبه، وزرع في قلبه قيم جديدة، ومفاهيم جديدة، وبطبيعة الحال هذا الإنسان الذي تربى على هذه المفاهيم، هو فرد في المجتمع، وهو في الغد مدرس أو موظف أو مُقنن يسن التنظيمات والتشريعات، وهو أب، ومسئول، ومن خلال ممارسته لهذه الأعمال الكثيرة في المجتمع سوف يبدأ يُطبق وينفذ تلك القيم والأخلاقيات التي اقتنع بها وآمن بها من خلال مشاهداته الكثيرة، وفي هذا من الخطورة ما فيه...
ولأضرب لذلك مثلاً: حين يكون المجتمع مجتمعاً محافظاً ملتزماً بالإسلام، فتخرج امرأة واحدة سافرة الوجه في الشارع وهي من أهل البلد، تجد أن الناس يسلخونها ويزلقونها بأبصارهم، وكل إنسان ينظر إليها، فالإنسان المتدين ينظر إليها شزراً واحتقاراً واستنكاراً، لظهورها بهذا المظهر المخالف لتعاليم المجتمع ولما يُمليه الإسلام، والإنسان المنحرف ينظر إليها بأية نفسية، قد ينظر إليها بنفسية المُعجب، وقد ينظر إليها بنفسية الإنسان الذي يشاهد شيئاً غريباً في المجتمع، فَيَنْشَدُّ إليه، المهم أن الأبصار تزلقها، فسرعان ما تُحس هذه المرأة بأنها بحاجة إلى أن تختفي عن الأنظار وتنـزوي، ولا تعود إلى ما فعلت مرة أخرى، لكن حين تكثر هذه الظاهرة، وتخرج امرأة واثنتان وثلاث وأربع وعشر، فتصبح هذه الظاهرة عاديَّة، حينئذٍ سوف يشعر كثير من أفراد المجتمع بأنهم أمام ظاهرة يصعب مقاومتها، ويصبح هذا الوضع لا يسترعي الانتباه، ولا يشدُ نظر أحد، بل هو طوفان مكتسح، يعتقد الكثيرون أنه لا مرد له، وما الذي يحدث بعد ذلك؟
الذي يحدث هو أن يشعر الجميع أنهم -وهنا مكمن الخطر أيها الإخوة- بحاجة إلى سن أنظمة وقوانين وتشريعات جديدة تتلاءم مع هذا الواقع الجديد، وهكذا يتطور الأمر، من كونه خطأ يشعر الجميع بأنه خطأ إلى كونه أمراً واقعاً وبدأنا نلتمس المسوغات والمبررات لوجوده وعدم مقاومته.
ولا تستغربوا -أيها الإخوة- هذا الأمر، فإن النفوس قد تألف ما هو أشد وأعنف من ذلك.
أيها الإخوة.. أرأيتم لو حدثتكم أن في بلاد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، في كثير من البلاد المجاورة حانات يُباع فيها الخمر علناً، وتُحمى بقوة القانون والسلطة، وموقف الكثيرين ممن لا يعرفون هذا الأمر لا شك سيكون موقفهم موقف الاستغراب والاندهاش!! كيف..؟! أمة مسلمة تحمي أم الخبائث بقوة القانون!!
ويزداد اندهاش الإنسان إذا حُدث أن في تلك البلاد الإسلامية، التي تُعلن أن دينها الإسلام؛ ودستورها القرآن، وغالبية أهلها -إن لم يكن كلهم- من المسلمين، مواخير وبيوتاً للدعارة والبغاء، توضع عليها اللافتات، وتخضع للرقابة الصحية، وتنظمها الجهات المسئولة...! لا شك أن الجميع سيقولون: إن هذا ضربٌ من الخيال، وإنه لا يوجد حتى في بلاد الكفر! فكيف يوجد في بلاد الإسلام..؟!
نعم؛ لأن هذا الأمر غريب ولم يوجد؛ أصبحت النفوس تتقزز منه، وتشمئز حين تسمعه.
لكن أسألكم مرةً أخرى: ما موقفنا حين نسمع أن في بلاد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بيوتاً تحارب الله عز وجل، وتتعامل بالمعاملات الربوية المحرمة التي هي أشد من الزنا، وأشد من شرب الخمر..؟؟
وكيف لا تكون أشد، والله عز وجل يقول: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] لكن هذا الأمر، لم يعد يلفت نظر أحد...! لماذا؟!
لأنه أصبح أمراً واقعاً، بل تحولت القضية إلى مسار آخر، تحولت القضية إلى أن أصبحنا نبحث عن فتاوى ومسوغات، وكلام لبعض أهل العلم، أو كلام لبعض أهل الجهل أيضاً، فالمهم شيء يبيح لنا أن نتعامل بهذه المعاملات الربوية.
ولذلك أصبح يوجد بين المسلمين اليوم من يكتبون النشرات، ويلقون المحاضرات، ويأخذون كلام أهل العلم، ككلام ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي، وفلان وفلان.. ويحاولون أن يجيروه ويوظفوه، للهدف الذي يسعون إليه، وهو محاولة إباحة الفوائد الربوية، مع أن خلاصة الكلام في مسألة هذه الفوائد، أنها محرمة بإجماع الفقهاء، وقد ورد فيها عشرات الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها، فليس فيها مجال للكلام والأخذ والرد، وفارق كبير بين إنسان يأخذ الربا ويقول: أستغفر الله، وبين إنسان يأخذ الربا ويقول: هذا حلال، أحل من الماء البارد...!
فرقٌ وأيُّ فرق بين هذين..!!
ولذلك قال الله عز وجل فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]
قال أهل العلم من عاد يعني: إلى استباحة الربا وإلى القول بأن البيع مثل الربا، فأولئك أصحاب النارِ هم فيها خالدون.
لكن لماذا بدأنا نبحث عن المسوغات؟؟
لأن الربا أصبح أمراً واقعاً في حياة الأمة الإسلامية؛ لأسباب كثيرة جداً ليس هذا مجال بسطها، فتحول كثير من المهزومين فكرياً إلى البحث عن مسوغات.
وهكذا الشأن فيما يتعلق بموضوع هذه الأخلاقيات والقيم الجديدة التي بثتها هذه الأفلام، تتحول من كونها أخطاءً نستغفر الله منها إلى كونها واقعاً نلتمس له المسوغات والمبررات، ولذلك ستجد من يُنادي (باسم الإسلام!) بإباحية الاختلاط، وستجد من ينادي (باسم الإسلام!) بإباحية السفور والتبرج، بل ستجد من ينادي باسم الإسلام! ويقول: إن قضية اللباس قضية عُرفية تخضع لعادات المجتمعات، فإذا تعارفت المجتمعات على لباس مُعين، وأصبح مألوفاً، فلا شيء فيه، وإذا قال إنسان مثل هذا القول، حتى ولو كان أُمياً، لا يفك الحرف -كما يقولون-، فإن كثيراً ممن يصطادون في الماء العكر، يَفرحون بهذه الفتوى، ويحولون هذا الإنسان إلى عالم جليل، حر الفكر، مجدد!! يضفون عليه من الهالات ما يجعل الناس يتقبلون كلامه، ولذلك تكون مثل هذه الفتاوى أيضاً فرصة لمن يحبون الظهور بأقرب وسيلة وبأقرب طريقة.
يكفيك أن تصدر كلاماً أو مقالاً حول قضية من هذه القضايا المقررة في المجتمع فتنكرها، وتقرر شيئاً مخالفاً للأصول فيها، حتى يفرح بذلك الكثير من المهزومين، ويصفقوا لك وينشروا اسمك بكل وسيلة.
والذين يشاهدون مثل هذه المشاهد عبر الشاشة يتلقون تمهيداً قوياً لتقبل مثل هذه الأشياء والخضوع لها؛ ولذلك تجد تأثيراتها على مُشاهديها في أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم.
بطبيعة الحال إذا كان إنساناً عنده دين وورع وخوف من الله عز وجل، فسيعود إلى الله تعالى، ويحاول أن يُشبع غريزته بالطريقة الحلال، لكن الغالب أن الإشباع يتم بإحدى الطريقتين:-
الأولى: إما بأن يبحث الإنسان عن الإشباع المحرم من خلال البيئة التي يعيشها، وبذلك تكون هذه الأفلام صنعت منه إنساناً مجرماً يبحث عن الجريمة حيث كانت، وقد يُكلفه البحث عن الإشباع المحرم الكثير!! وبذلك يكون انضم إلى قافلة الشباب المنحرفين المجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
الثانية: وسيلة الإشباع عن طريق السفر إلى البلاد الإباحية والتمتع باللذات المحرمة هناك حيث الجنس والمخدرات والإيدز والضياع، بل وحيث عشش الجواسيس الذين يصطادون الشباب المسلم، ويجندونه لخدمة أعداء الإسلام.
وقد لوحظ أن هناك فئة ليست بالقليلة في الخليج -كما ذكرت بعض الإحصائيات والدراسات- تقوم بتقليد المغني المسمى "بوب مارلي" أو "مايكل جاكسون" أو غيرهم، في حركاتهم وأقوالهم وغير ذلك.
وما أكثر ما تشيع بين الفتيات مثلاً تسريحة معينة، أو زي معين، بسبب أن المغنية الفلانية أو الممثلة الفلانية ظهرت بهذا الزي، أو بهذه التسريحة! وهذا يجعل المجتمعات الإسلامية سوقاً حرة مفتوحة الأبواب على مصاريعها، لكل ما يأتي من تلك البلاد من عادات وتقاليد وتسريحات وتقليعات، وأزياء وأخلاقيات وغيرها، وكأن هذا المجتمع بلا أخلاق، بلا دين، بَلْ وَبِلا عادات..!
أيها الإخوة: أية مقاومة تلك المقاومة التي يمكن أن توجد في نفسية الشاب أو الفتاة حين يثور الصراع بين أمرين: -وأرجو أن ننتبه لذلك- الصراع بين تعليمات وتوجيهات إسلامية، تلقاها بصورة عادية من خلال المدرسة، أو من خلال البيت، بدون عناية، وبدون تشويق، وبدون استخدام للوسائل الجذابة المثيرة، وبصورة هي تقليدية في كثير من الأحيان، بل وبصورة ضعيفة؛ لأن الذي يوجهه هو الآخر يحتاج إلى من يوجهه...
إذ يثور الصراع بين هذه الموروثات والآثار الإسلامية من جهة، وبين هذا التيار الهائل من الأخلاق والعادات والتقاليد التي اكتسحته من خلال الأفلام المثيرة الموجهة والمؤثرة والمغرية من جهة أخرى...؟!
لاشك أن الحرب بهذه الصورة تنتهي غالباً بانتصار هذه التقاليد التي أتت من الغرب، لكن لا شك أن الإيمان يثور في النفوس، والدعوة باقية وقائمة، ولست بهذا أقول إن الشر يتغلب على الخير، كلاَّ! لكنني أعرض الصورة الواقعة، التي يمكن أن يتصورها كل واحد منا.
وبذلك تُصبح هذه الأفلام نهراً يصُبُّ في بحرٍ كبير، ويلتقي مع روافد كثيرة سخرت لمسخ اهتمامات الشباب وتحويلهم إلى شباب هامشيين، لا هم لهم إلا اللعب، واللهو، والمشاهدات الرديئة، والمجالس الضائعة، والكرة! وبصفة عامة لا هم لهم إلا الاشتغال بسفاسف الأمور...!
وأضرب لذلك مثلاً: لو أنك أعطيت هذا الشاب قصة غرامية، أو قصة بوليسية، من هذه الروايات التي تُغرق المكتبات، بل الدكاكين في كثير من الأحيان! قصةً ليس فيها إلا الإثارة والمتعة، وربما الجنس...!
فإن هذا الشاب سيجد نفسه ليس بحاجة إلى قراءة هذه القصة؛ لأن قراءة القصة يكلفه النظر لهذه القصة، ويكلفه حملها باليد، وأن يكون على جِلسة معينة، وهو ليس على استعداد لذلك كله، لسببٍ هو: أنه سيجد هذه القصة وما هو أكثر منها إثارة وجاذبية ومتعة معروضة أمامه في الشاشة، بصوت وصورة وتلوين! فيشاهد القصة نفسها على الشاشة، وهو متكئ على كنب، وإن كان يدخن فسيدخن بدون أية كلفة أو تعب، فأي شيء إذن يدعوه لقراءة هذه القصة مع ما فيها من المتعة والجاذبية والإغراء؛ "أعني الإغراء المنحرف".
إذاً كيف سيقرأ هذا الشاب كتاباً شرعياً؟! كيف سيقرأ كتاباً علمياً جافاً جاداً ليس فيه من الجاذبية إنما فيه من العلم الذي يخاطب الاستطلاع عند الإنسان؟! لاشك.. أن الشاب سيجد نفسه مصروفاً عن ذلك كله.
يقول عبد الله بن خميس وهو يتحدث عن الحرية في الشعر:
حُريةً زعموها واسْمُها لغةً فوضى وسِيَّانَ جاءوا الحقَ أم جَاروا |
فهي في الحقيقة فوضى وليست حرية، لكن هكذا يتصور كثير من الشباب المخدوعين بمثل تلك المجتمعات.
وهناك عدة وسائل لتضليل المشاهدين وإغرائهم بالمخدرات، من هذه الوسائل: أن يعرض الفيلم تعاطي المخدرات على أنه وسيلة للإثارة الغريزية، فكثيراً ما ينخدع الناس بدعوى أن تعاطي المخدرات يقوي وينشط الإنسان ويحرك الغريزة لديه، فيتعاطاها الإنسان لهذا الغرض بسبب التضليل الإعلامي، وقد يكون التضليل عن طريق أن تُعرض هذه المخدرات بصورة توحي للمشاهد بأنها مقبولة اجتماعياً، وليس هناك ما يدعو إلى الحذر منها.
وفي إحصائية في مصر تبين أن أكثر من (60%) من مدمني الحشيش يعتقدون أنه ليس بمحرم ولا مكروه أيضاً!! وهذه نسبة كبيرة جداً، ولا شك أن هؤلاء ضحايا لوسائل كثيرة: إحداها وسائل الإعلام التي قد تُصور لهم الحشاشين على أنهم مقبولون اجتماعياً، وأنهم لم يفعلوا ما يُخالف القيم والأخلاقيات التي يقوم عليها المجتمع.
ومن الوسائل التي تغري مشاهد الأفلام بتعاطي المخدرات: أن التحذير من المخدرات قد يُعرض بصورة مغرية، فقد يُعرض فيلم -مثلاً- لتحذير الشباب من تعاطي المخدرات، لكن هذا الفيلم يعرض من خلاله كيفية صناعة هذه المخدرات! كيفية تهريبها! فمن باب الفضول وحب الاستطلاع وحب المغامرة التي توجد عند بعض الشباب، قد يجرب الشاب نفسه في هذا الميدان، فيقع ضحية المخدرات، وضحية الأفلام قبل ذلك.
إن أفلام المغامرات شجعت الكثيرين على الاستمرار في تهريب الحشيش، وإن (32%) من أفراد أُجريت عليهم دراسة، يؤكدون أنهم يقلدون بعض المشاهد التي يشاهدونها في الأفلام في تعاطيهم المخدرات!! أي: قرابة الثلث من مجرمي المخدرات هم ضحايا الأفلام!! وبذلك نعلم أن الحرب على المخدرات يجب أن يصاحبها حرب على الأفلام المنحطة الفاسدة التي تُغري الشباب بالانحراف.
وفي دراسة لأحدهم في لبنان، وافق واحد وأربعون بالمائة (41%) على أن التلفزيون يؤدي إلى انتشار الجريمة!! وفي القاهرة تم ضبط أفراد من إحدى البلاد العربية، وبحوزتهم مخدرات يريدون أن يروجوها، وبالتحقيق معهم تبين أنهم قد شاهدوا فيلماً مشهوراً وهو فيلم "الباطنية" وأن لقطات هذا الفيلم جذبتهم، ودعتهم إلى تقليدها في تهريب المخدرات وترويجها.
ولا غرابة فهي تصور مجتمعات قد يكون واقعها قريباً من ذلك، ومثل ذلك ما يقع من تشويه مسألة تعدد الزوجات من خلال الأفلام والمسلسلات، فقد حدثني أفراد يتابعون هذه المسلسلات، أنه لا يكاد يعرض فيلم فيه قضية تعدد الزوجات، إلا وينتهي الفيلم بالفشل الذريع، والتهكم بهذا الإنسان الذي عدد، ومآل زواجه إلى الفشل ومشاكل اجتماعية واقتصادية، وهروب.. وإلى آخره..! لماذا...؟
لأنه تزوج اثنتين، لكن بالمقابل كل هذه الأفلام لا تُمانع في أن يقيم هذا الإنسان عشرات أو مئات العلاقات مع الحبيبات والعشيقات والخليلات، وهذا من الانتكاس الخطير، وهو يذكرني بطرفة رواها الشيخ عبدالحليم محمود -رحمه الله- شيخ الأزهر السابق، يقول: إنه في إحدى البلاد الإسلامية التي يمنع فيها تعدد الزوجات، تزوج رجل بامرأتين، ووضع كل واحدة منهما في منـزل، فثارت خصومة بينه وبين أحد أصدقائه، فتوعده هذا الصديق بأنه سوف يرفع أمره إلى الجهات القضائية، وإلى الجهات المختصة، ويكشف هذه الجريمة "أقولها جريمة في نظرهم" التي ارتكبها هذا الإنسان، وهو أنه تزوج اثنتين، وفعلاً نفذ هذا الصديق القديم ما هدد به، وبلغ الجهات المختصة أن فلاناً عنده زوجتان، فثارت ثائرة هذه الجهات، وأجلبت بخيلها ورجلها، وصارت ترصد حركات هذا الإنسان وأنفاسه بصورة دقيقة، حتى قبض عليه فعلاً متلبساً بجرم مشهود، حيث كان يتردد على هذا البيت وذاك البيت، وأحضر وأجريت التحقيقات معه، ولكن كان الرجل ذكياً، فلما حققوا معه قال لهم: أنتم تعجلتم وأخذتموني بما لم أفعل، المرأة الأخرى ليست زوجة لي، وإنما هي عشيقة وصديقة، أتردد عليها لمجرد الصداقة! فقالوا له: فعلاً نحن أخطأنا وتعجلنا، وكان يجب أن نتأكد قبل أن نستدعيك، وقدموا له اعتذراً عما فعلو وأطلقوا سراحه...!!!!
أما الأضرار غير المباشرة، فهي التي تتم عن طريق المتعة الحرام، عن طريق السفر إلى بلاد الإباحية وما قد يقع للإنسان من أمراض جنسية، عن طريق الوقوع في المخدرات وأضرارها الصحية المعروفة.
هذا غيض من فيض، من الأضرار العقائدية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والفردية والاجتماعية.
وبناءً على هذه الأضرار، أدعو كل واحد منكم إلى أن يفكر فيها جدياً، وينظر في مدى تحقق هذه الأشياء ووقوعها، فإذا اقتنع بذلك، فإن علينا أن ننتقل إلى خطوة أخرى، وهي أن يكون كل فرد منا حرباً على هذه الأفلام بكل وسيلة.
الجواب: أعتقد أنني أشرت إلى هذا إشارة عابرة في نهاية الكلمة إلى أهم الوسائل في ذلك.
الجواب: لا شك أن الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما أننا نعلم جميعاً مثلاً أن بيع الخمر حرام لأنها حرام، فكذلك يجب أن نعلم أن بيع كل شيءٍ حرمه الله عز وجل، فهو لا يجوز، فبيع هذه الأفلام لا يجوز، والكِسب الذي يكسبه صاحب المحل من وراء هذا الكسب يأكله سحتاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أيما جسدٍ نبت على سحتٍ فالنار أولى به}.
ولذلك فإنني أنادي الإخوة المصلين الذين يترددون على المساجد، وهم في الوقت نفسه يروجون في أوساط المسلمين مجلات خليعة أو أفلاماً خليعة، أو يبيعون الدخان، أو غيره من الأشياء المحرمة إلى أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم فلا يأكلوا شيئاً حراماً، وفي أزواجهم وأولادهم فلا يطعموهم شيئاً حراماً، وهذا المال يَمْحَقُهُ الله عز وجل، ويُبارك في المال الحلال الطيب ولو كان قليلاً.
الجواب: الرد هنا أن نسأل الأخ: ما المقياس الذي يجعلك تفعل شيئاً أو تتركه؟ إن كنت تعبد الله عز وجل، فهذا شيء، وإن كنت تعبد الدينار والدرهم والهوى؛ فهذا شيء آخر، فمن كان يعبد الله عز وجل فلابد أن ينصاع لأوامر الله، ولو كلفه ذلك الكثير، ولو ضحى في سبيل الله بالكثير، أليس المسلم يخرج الزكاة؟ الزكاة شيء أنت تعبت في تحصيله ومع ذلك تخرجه، وتعطيه لإنسان لم يسع في تحصيله؟! أليس المسلم يجلس وقتاً يصلي، وهذا الوقت لو استخدمه في تجارة أو غيرها لربما استفاد من خلاله مالاً؟! أليس المسلم يذهب للحج، ويتعرض لأخطار في الطريق ويبذل وقتاً قد يستفيد منه في مجال آخر؟! لماذا يفعل هذا؟! لأنه مسلم، وهذا مقياس الإسلام، فنقول كذلك، ولو فرض أن ما تقوله صحيح في أن مثل هذه الأشياء تجذب الزبائن؛ فإن هذا لا يعني أنها حلال، بل هي محرمة بكل حال.
ثم هناك أمرٌ آخر: وهو أن الزبائن الذين تجذبهم إليك هذه الأشياء، هم في الغالب أُناس أموالهم ليست طيبة، وربما يكون في أموالهم رِبَا، ولذلك تجد كثيراً ممن يتعاطون مثل هذه الأمور في خسارة، وقد سمعت أن كثيراً من أصحاب محلات الفيديو يشكون الخسارة المادية، وهذا يدُل على أن هذا المال مالُُ محقه الله عز وجل، فلا يستفيدون من ورائه شيئاً.
الجواب: لعل الأخ سمع وقرأ في الصحف والمجلات ما يهدد البلاد الإسلامية من خطر القنوات الغربية التي تبث عبر الأقمار الصناعية، والتي تبث خصيصاً للعالم الإسلامي -وهي موجهة إلى شباب الأمة الإسلامية- وبناء عليه فإنني أسأل كل واحد يقتني هذا الجهاز قد تقول أنت الآن: إنني أتحكم في هذا الجهاز، والذي يعرض فيه هو مواد فيها فائدة، فيها برامج مفيدة، فيها برامج دينية، فيها كذا فيها كذا، لكن ما هو جوابك حين يصبح هذا الجهاز يستقبل مواداً مختلفة، تبثها لك دول العالم الفاجرة؟ ما موقفك حينئذٍ؟ لا شك أنك مكتوف الأيدي، وهذا يؤكد أن على كل إنسان أن يحرص على إخراج هذا الجهاز من بيته، أما مسألة حكم التلفاز، فالحقيقة أنني أعتقد أن السؤال يحتاج إلى إعادة صياغة؛ لأنه هل السؤال عن الآلة نفسها، أم هل هو على المادة المعروضة؟
الحقيقة أن الكلام في المادة المعروضة، فالمادة المعروضة تختلف، فإذا شاهد الإنسان مادة مباحة، مثل: أن يشاهد الأخبار، أو يشاهد برامج مفيدة، أو مواد ثقافية نافعة، فهذا لا شيء فيه وهو جائز، أما مشاهدة الأمور المحرمة وصور النساء أو سماع الأغاني أو ما أشبه ذلك، فهذا محرم بكل حال، لكن نظراً لأنه لا يمكن فصل هذا عن ذاك، فإن الرأي السليم هو أن يبتعد الإنسان عن هذا الجهاز بالكلية، ويبذل جهده جاهداً لإخراجه من منـزله.
الجواب: لعله سبقت الإجابة على هذا السؤال ضمن السؤال الذي قبله نقول: فحتى المسلسلات الإسلامية، حكمها حكم غيرها، فالمادة إذا كانت مباحة فهذا أمرٌ جائز، وإذا كانت المادة محرمة فهذا محرم.
الجواب: هذا معلوم بالضرورة، الطريق الحلال هو أحد الطريقين:
الطريق الأول: هو الزواج.
الطريق الثاني: في ملك اليمين: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6] صحيح لا يوجد الآن ملك اليمين ولكن ما المانع أن يوجد فيما بعد، فنحن نعلم أن الإسلام له جولة قادمة منتصرة بَشَّرَ بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبر بها، وإذا قامت حرب إسلامية بين الإسلام وخصومه، فمن طبيعة هذه الحرب أن يكون لها أسرى يسترقون بسبب الكفر الذي هم فيه، وبذلك يعود الرق بصورة طبيعية، فإذا وجد هذا في أي عصر أو في أي مكان سواء كان في الماضي أم في المستقبل فهو طريق مشروع، أما ما سواهما فكما قال الله عز وجل: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7].
السؤال: هل العادة السرية من ذلك؟
الجواب: ليست من الطريق الحلال؛ لأن الله عز وجل قال في الآية السابقة: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] ومعنى الآية ظاهر، أن الله عز وجل جعل وسائل الإشباع ثلاث:
الأولى: الزواج، وهو مباح.
الثانية: ملك اليمين، وهو مباح أيضاً.
الثالثة: من ابتغى وراء ذلك وهو محرم، ومن فعله: فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] فما وراء ذلك، يدخل فيه كل طريقة لإشباع الغريزة من غير ما أحل الله عز وجل، الزنا مثلاً، والعياذ بالله العادة السرية، اللواط، وكل شيء حرمه الإسلام يدخل تحت قوله تعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المؤمنون:7].
الجواب: ليس صحيحاً أنها مطلقاً تدعو إلى الشيوعية؛ لأن الأفلام العلمية تختلف، منها أفلام علمية بحتة، ومنها أفلام قد تكون علمية موجهة، وربما هذه التي كان يقصدها الأخ السائل.
أي أن أعداء الإسلام قد يستغلون ما يعرضونه من قضايا علمية في سبيل نشر شيء معين، لكن يبدو أننا -أحياناً- قد نبالغ في تصور مثل هذه الأمور، ومن الممكن الاستفادة من بعض هذه الأشياء بشيء من الحذر، وأما الأفلام التي يثبت فعلاً أنها أفلام موجهة وصاحبة فكرة معينة، فهذه لا شك أنه يجب الحذر منها من باب أولى.
الجواب: المدرس يقف على رأس القائمة في المسئولين من أفراد المجتمع لمقاومة هذا الخطر، إذا كنا نتحدث عن دور كل فردٍ منا؛ دورك في المنـزل، دورك في الحي، دورك في المدرسة، دورك في المجتمع، دورك من خلال الوسائل الإعلامية الممكنة.
فالحقيقة أن كل فرد منا يجب أن يؤدي دوره، أرأيتم -مثلاً- كون الواحد منا ربما لا يدري ماذا يجري في البيت، قد يشتري جهاز تلفاز وفيديو، ويخيل إليه أن أولاده وبناته قوم صالحون، فيترك لهم الحبل على الغارب، وربما لو قام بحملة تفتيشية مفاجئة، لوجد في غُرفهم وحقائبهم ومقتنياتهم مجلات وأفلاماً خلاف ما كان يتوقع! فلماذا يكون الأب آخر من يعلم -كما يقولون-؟
يجب أن يكون للإنسان شخصية في المنـزل، وليست الشخصية في المنـزل مجرد المراقب "شرطي"، لا! شخصية التربية قبل ذلك، شخصية الإعداد والبناء؛ لأن الإنسان إذا تربى تربية جيدة، فهو حينئذٍ بناء قوي مسلح لا يمكن اختراقه ولا اقتحامه، إنما يقتحم الشيطان وجنوده هذه المباني الهشة الواهنة الواهية، التي ربما كانت ستسقط لو لم يخترقوها، فدورنا دور التربية، ودور الرقابة أيضاً، في المنـزل، في المدرسة، في الحي، في المجتمع كله، وكذلك المشاركة في الوسائل الأخرى التي تقاوم مثل هذه الأفلام.
قد يوجد من بيننا -مثلاً- من يستطيع أن يشارك مشاركة فعالة في هذا المجال، عنده موهبة خاصة، عنده إمكانية أن يكتب نصوصاً مفيدة ليقدمها للناس، فهذا ينبغي أن يشارك في هذا المجال، فالقضية في الواقع ليست مشكلة فرد، وإنما هي مشكلة أمة، تحدي أمة وهذا هو الخطر، قد يوجد فرد يحس بالمشكلة، لكنه يصفق ويقلب كفيه ولا يستطيع أن يصنع شيئاً، فالأزمة أزمة أمة بِأكملها، وليست أزمة فرد فقط.
الجواب: لا ينبغي أن يقال له ذلك؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، وبناءً على ذلك فليس صحيحاً أنه ليس له صلاة، ولن تقبل صلاته، لكن ينبغي أن نقول له: إن الصلاة التي تؤديها هي صورة وليست حقيقة، وإن عليك أن تُعيد النظر في صلاتك، فتحاول أن تصلي صلاة شرعية بخشوعها وخضوعها وركوعها وسجودها، وذكرها وحضور قلبك فيها، وطهارتك لها وتقدمك، حتى تؤدي هذه الصلاة أثرها في قلبك وفي حياتك، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فليس من المنطق السليم أن نخرجه من المسجد لنقول له: "لا صلاة لك لأنك تشاهد هذه الأفلام"، لا! بل الأمر السليم أن نحاول أن ندعم هذا الجانب الإيجابي، وهو محافظته على الصلاة، حتى يتغلب على الجانب السلبي في حياته ووقوعه في مثل هذا الانحراف.
الجواب: في الحقيقة -يا إخوة- الشاب حين يشعر بأن قضية الزواج قضية حيوية ضرورية له، وأنها أساسية في حياته في مرحلة معينة، فإنه حينئذٍ يجب أن يتغلب على جميع العقبات التي تواجهه، عقبات اقتصادية، مشكلة البيت، مشكلة الوالدين، مشكلة البحث عن الزوجة، إلى آخر قائمة المشكلات التي يفترضها الكثيرون، الله عز وجل يقول: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].
جميل جداً أن الشاب يفكر في الزواج، وهو في مثل هذا السن، أو قبل ذلك بقليل، أو بعده بقليل، ويبحث عن ذات الدين التي تُسبب عفافه وبعده عما حرم الله عز وجل وغض بصره عن المناظر المؤذية التي تواجهه في كل مكان، وإذا اقتنع الإنسان بهذا الأمر، فإن الرجل الجاد يستطيع أن يتغلب على المشكلات عن طريق التفكير فيها، وبإمكان الإنسان أن يُقنع والديه بكل وسيلة؛ فإن لم يستطع فيمكن أن يسلط عليهما من أهل العلم أو من الأقارب أو من الزملاء من يقنعهم بضرورة هذا الأمر، وأعرف كثيراً من الشباب واجهوا هذه المشكلة، وكان الأب يخيل إليه أن هذا الابن لا يزال صغيراً؛ لأنه يعرفه منذ الطفولة، فلا يُحس أنه كبر وأصبح رجلاً، فيخيل إليه أنه لا يزال صغيراً، ولذلك لا يقتنع بفكرة الزواج، لكن إذا رأى أنها ضرورة وأن الشاب ألح بها غَيّرَ رأيه.
أعرف كثيراً من الشباب واجهوا هذه المشكلة من والديهم، ثم خضع الوالدان لرغبة هذا الابن.
الجواب: نعم، أقول: كلمة مبالغ فيها، وهذا مبني على رأي أو تصور أن المسلمين اليوم ضحايا تضليل إعلامي من جوانب عديدة، ومن التضليل الإعلامي أننا أصبحنا نضخم دور اليهود، حتى كأنهم إلهٌ على كل الأمور قدير، وهذا خطأ، أو كأنهم اخطبوط يتغلغل في كل مكان، أحياناً نتصورهم بصورة خيالية، أضرب لكم مثلاً: وهذا المثل كلنا ننساق وراءه، يقولون: إن تيودور هيرتزل المسمى بـنبي الصهيونية، لما عقد المؤتمر اليهودي الأول في بازل بـسويسرا، خرج من المؤتمر، فقال له الصحفيون: ماذا صنعتم في هذا المؤتمر؟
قال: صنعنا في هذا المؤتمر الكثير، ولكنني أُلخص أعمال المؤتمر في كلمة واحدة، في هذا المؤتمر قامت دولة إسرائيل، سوف تشاهدونها بعد خمس سنوات أو بعد خمسين سنة، لكنها ستقوم.. وفعلاً بعد خمسين سنة من المؤتمر قامت دولة إسرائيل!!
إذاً هيرتزل كان يقرأ في الغيب، حين ادعى هذه الدعوة العريضة، كلا! القضية ببساطة في نظري أن اليهود أنفسهم، بعد ما قامت دولة إسرائيل، اختلقوا هذه الحكاية، حتى يُظهروا زعمائهم وعظمائهم بمظهر بطولي خارق، ويجعل الأمم الأخرى ومن يسمونهم بالأمميين مكبلين؛ لأنك حين تشعر أن عدوك قوي ومتمكن ومتغلغل وأنت ضعيف، وليس بيدك أي إمكانية تستسلم له، وهكذا وقع ذاك.. فتجد المسلمين يتصورون أن اليهود وراء الإعلام العالمي كله، وأن الاقتصاد العالمي كله بيد اليهود، وأن سياسة العالم كلها يديرها اليهود، وأن التعليم في العالم كله في يد اليهود، وهكذا أن العالم كله أصبح يهودياً، وهذا التصور -أقول- مبالغ فيه، فاليهود نجحوا في كثير من المجالات، فقد نجحوا في مجال الاقتصاد، وفي مجال الإعلام، ولعل من نجاح اليهود في مجال الإعلام، أن أغرقوا الساحة بكتب كثيرة، عشرات الكتب، تتحدث عن اليهود ودور اليهود، وقد قرأت بعض هذه الكتب في مقتبل عهدي بالقراءة، فأذكر أنها كانت تعرض صورة هي خيالية أذكر مثلاً كتاب حكومة العالم الخفية، أحجار على رقعة الشطرنج لـوليام غاي كار، اليهود خلف كل جريمة، المفسدون في الأرض، فعشرات بل مئات الكتب، تبين لك أن اليهود هم خلايا سرية متغلغلة في العالم كله.
وكتاب أحجار على رقعة الشطرنج يقول: إن هناك جمعية داخل الماسونية، اسم هذه الجمعية النورانيون، وهم جمعية سرية داخل جمعية الماسونية ومتغلغلون وفيهم وفيهم إلى آخره، ويصور أن الذين يتخذون القرارات في العالم في أمريكا وروسيا وفرنسا وأنحاء العالم هم اليهود، وأن هناك أربعة أفراد أو أربعين يديرون العالم من اليهود!! وأن التوراة صنعها اليهود!! والأنظمة صنعها اليهود! والمنظمات صنعها اليهود! والعقائد الأرضية أو المذاهب الأرضية صنعها اليهود! هذا التصور مبالغ فيه، من نجاح اليهود في مجال الإعلام، أنهم بثوا حول برتوكولاتهم ومخططاتهم التي تحدثوا عنها، والبروتوكولات المشهورة قد يكون لها أصل، لكن ليس هناك أدلة عملية قطعية على أن البروتوكولات هذه، -فعلاً- من وضع حكماء اليهود، وأنهم يحاربونها ويحرقونها ويتعقبون كل من وراءها، فاليهود وصفهم الله عز وجل في القرآن الكريم، بِأنهم قوم ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، وأنهم لا قيام لهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس، قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:112] فينبغي أن نضعهم في إطارهم الصحيح، صحيح هم الآن أقلية مسيطرة وذات نفوذ في العالم، لها نفوذ اقتصادي، لها نفوذ إعلامي، لها دولة تتحدى الدول المجاورة في تقدمها العلمي والحضاري، أو ما يسمونه بديمقراطيتها وغير ذلك، لكن مع ذلك هم أمة آيلة إلى الزوال، وسيطرتهم إلى الفناء والانهيار، ولا ينبغي أن نتعدى بهم طورهم وقدرهم.
وتعجبني في هذا المجال كلمة جميلة قالها أحد علماء المسلمين. قال: اليهود لا يصنعون الأحداث لكنهم يستغلونها، وهذه كلمة فعلاً تُحلل لكم كثيراً من المواقع، استغلوا مثلاً الثورة الفرنسية، استغلوا أحداثاً كثيرة، لكن لا يعني أنهم هم صنعوا الثورة بأنفسهم، والكلام في النقطة هذه يطول ولعله يكون له فرصة أخرى، إن شاء الله.
الجواب: أولاً: قد يكون استرجاعه لهذه الأشياء بسبب طول عهده معها، وكثرة مشاهدته لها، وهذا يوضح لنا عواقب الإدمان على مشاهدة هذه الأفلام، من خلال صورة عملية لإنسان كان ضحية لها، ثم تاب الله عليه، فأعتقد أن الوقت -بإذن الله- كفيل بإضعاف استرجاعه لهذه المشاهد إذا استمر وتشبث وتمسك بتوبته إلى الله عز وجل.
الوسيلة الثانية: أن من الضروري أن يحرص هذا الإنسان على الإكثار من الأعمال الصالحة، فإن الله عز وجل يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
الجواب: أما كيفية الخلاص منها والبديل فإنه يوجب علينا عدة أشياء:
أولاً: نرجع إلى دور الأب، والأخ الأكبر في المنـزل مع الأطفال الصغار، كثير منا يهملون الصغار عند فترة الطفولة، وهي فترة مهمة جداً في فترات العمر، وكلنا يذكر أن ما حفظناه وتلقيناه في الصغر لا يزال يعيش معنا، وكما يقال: العلم في الصغر كالنقش في الحجر؛ لذلك لا بد من العناية بالأطفال الصغار، لا بد من سرد القصص لهم لتربيتهم... مسابقات، رحلات...
ثانياً: يحصل الاستفادة من بعض الأشرطة التي توجه إلى الأطفال الصغار، فإن هناك أشرطة في الساحة، وأعني أشرطة تسجيل كاسيت -كما يقولون- موجهة للأطفال وفيها قصص وحكايات، وأناشيد وأشياء قد تكون نافعة لبعض الأطفال، ثم هناك قصص صغيرة -أيضاً- للأطفال الذين هم أكبر من ذلك بقليل في سن المدرسة الابتدائية، ممن يستطيعون القراءة، وهناك قصص كثيرة جداً في المكتبة الإسلامية للأطفال منها كتب محمد موفق سليمة وغيره يمكن الانتفاع بها.
الجواب: أولاً.. لا شك أن هذه بادرة طيبة من الأخ أن يشعر بالخطر على دينه فيعمل على التخلص من هذه الفتنة بكل وسيلة، ثم أقول: إن كان الأخ يعمل عملاً يتعلق بحماية المجتمع من الانحراف الأخلاقي، وهو يستطيع أن يُجاهد نفسه في هذا السبيل، ويتقي شر هذه الفتن، فأنصحه بالبقاء فيما هو فيه، ومقاومة هذه المفاسد والمغريات، كما لو كان يعمل -مثلاً- في محاربة الاعتداء أو التعرض للنساء أو ما أشبه ذلك، فإن وجوده وهو ذو خلق ودين وغَيرة أفضل من وجود غيره ممن لا يمتلك الأمر نفسه.
أما إن كان الأمر غير ذلك؛ فإن عليه أن يعمل ما وسعه على التخلص من هذا الأمر، فإذا وصل الحد إلى أنه لا يستطيع أن يخرج من هذا الميدان، ولا بد أن يعمل في نفس المكان، فحينئذٍ عليه أن يقارن: إن كان الخطر الذي يهدده خطراً قائماً فعلاً بحيث إنه يحس أنه قريب من الجريمة، وقد يقع فيها، فأنصحه بأن يترك هذا الأمر حتى ولو استدعى الأمر أن ينتقل من وظيفته إلى وظيفة أخرى مشابهة، فإن كان يستطيع أن يجاهد نفسه، جاهد نفسه وصبر ودعا الله عز وجل حتى يجعل الله له مما هو فيه فرجاً ومخرجاً.
وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر