ومن آيات الله تعالى إحياء الموتى، وقد ورد في القرآن الآيات الكثيرة التي ذكر فيها إحياء الله للموتى في هذه الدنيا، والمتدبر لآيات الله يعلم حقيقة ذلك.
أما بعد:
أيها المؤمنون بالله حقاً! اتقوا الله تعالى وتفكروا في آياته الدالة على كمال قدرته؛ لتزدادوا بذلك تعظيماً لله تعالى وعبادة، فلقد خلق الله تعالى السماوات والأرض وما بينهما بما في ذلك: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والأنهار، خلق تلك المخلوقات في ستة أيام على أكمل وجه وأتمَّ نظام، ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة، كما قال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] وقال تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50].
ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام؛ لحكمة اقتضت ذلك: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] ولقد خلق الله الإنسان من سلالة من طين، خلق منها: أبونا آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، من منيٍّ يمنى، قال تعالى: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:6-7] ثم تستقر تلك النطفة في قرار مكين لا يعتريه شمس ولا حر ولا هواء ولا برد، يطوره الله تعالى في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء، أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام وهي أربعة أشهر -وفي بعض الروايات: وعشراً- أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة؛ فنفخ فيه الروح، فأصبح إنساناً بعد أن كان جماداً: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].
ولقد أخبر الله عن عيسى أنه يخلق من الطين كهيئة الطير -بإذن الله تعالى- فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله تعالى، وأخبر أنه يبرئ الأكمه -وهو الذي يولد مطموس العين- ويبرئ الأبرص بإذن الله تعالى، وأخبر أنه يحي الموتى، يقف على القبر ويقول: قم بإذن الله، فيخرج من قبره بإذن الله تعالى.
رجعوا إلى موسى -عليه السلام- فأمرهم موسى بوحي من الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بجزء منها، أخذوا لحمة من البقرة بعد التعنت والمراجعات وما كادوا يفعلون، أخذوا ذلك الجزء وضربوا الميت بهذا الجزء من البقرة؛ فأحياه الله تعالى القادر على كل شيء، فلما أحياه الله أخبر أن قاتله هو ابن عمه، فتلكم من آيات الله العظام لمن تدبر القرآن وعرف معانيه.
تلك من أنباء الغيب، تلك من أنباء رب العالمين، قصها في هذا القرآن العظيم على سيد البشر محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لتزداد الأمة المحمدية إيماناً بالله العظيم، الذي له القدرة التامة على كل شيء.
وفي هذا يقول رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260].
أمة الإسلام: هذه نماذج من إحياء الله تعالى للموتى في الدنيا، وهي تدل على البعث والنشور يوم القيامة، وما أهون ذلك على الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27].. مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28].. إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:53] فسبحانه من إله عليم قادر! زجرة واحدة يخرج بها الناس أحياءً من قبورهم ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً لا يتخلف منهم أحدٌ في مثل لمح البصر أو أقرب وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً [فاطر:44].
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك، اللهم ارزقنا الرجوع إلى القرآن العظيم لِنَحكُم به، ونُحكِّمه، ولنرى ما فيه من العجائب مخلوقاتك، اللهم ارزقنا التفكر في آياتك وارزقنا الاتعاظ بذلك، وارزقنا الانتفاع بما أنزلت من وحيك وما قدَّرته من قضائك، اللهم اغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
يا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتدبروا آيات القرآن العظيم، التي فيها من الأخبار ما يملأ القلوب من الإيمان والتصديق وزيادة المعرفة بالله العظيم، ولا تشغلوا أنفسكم بما يضركم في الآخرة والأولى، فإن الإكباب على المجلات والجرائد والقصص المختلقة، إنما هي دسائس من أعداء الإسلام وأعوان الشيطان؛ ليصدوكم بها عن تلاوة كتاب الله وذكره والتفكر في مخلوقاته، وعن التفكر في آيات الله الدالة على وحدانيته وصمدانيته وإلهيته وربوبيته.
فالرجوع الرجوع -يا عباد الله- إلى الدستور العظيم، الرجوع إلى المنهج القويم، الرجوع إلى الينبوع الصافي وإلى حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وكتاب الله العظيم الذي من حكم به عدل، ومن تمسك به نجا، ومن دعا به فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، ومن تركه تكبراً وتجبراً قصمه الله العزيز الحكيم.
في تلاوة القرآن الأجر العظيم، من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بها عشر حسنات، فيا له من خير فضيل! لو كانت القلوب تعقل فهو أصدق الكلام وأفصح البيان، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، عليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصلوا على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، اللهم صلِّ وسلم على قدوتنا ونبينا محمد، اللهم صلِّ وسلم على خير عبادك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم ارزقنا التمسك بكتابك والرجوع إليه وتحكيمه في القليل والكثير يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم رد المسلمين إلى مجدهم القويم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم اكفنا شر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم اكفنا شرهم بما تشاء إنك على ذلك قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر