أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثي إليكم في هذه الليلة: ليلة الثلاثاء 14 من شهر رمضان، هو: عن المستضعفين.
فلقد جاء الدين بحماية المستضعفين من سائر الأجناس والألوان والطبقات.. وهم أولئك الذين لا يجدون سلطة تحميهم، وليس لهم قوة تنفع أو تدفع إلا قوة الله تبارك وتعالى، ولهذا قال الله عز وجل في محكم تنـزيله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] فالقتال في سبيل الله عز وجل يهدف إلى حماية المستضعفين من بطش الجبارين والمستكبرين وإحقاق الحق لهم، وحماية حقوقهم المشروعة.
ويقول الله عز وجل في موضع آخر: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:97-99] فجعل الله عز وجل الضعف في الإنسان رجلاً أو امرأةً كبيراً أو صغيراً سبباً من أسباب الرخصة والتوسعة عليه.
ومنها على سبيل المثال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة العشاء يوماً من الأيام إلى نحو منتصف الليل، ثم جاء وصلى بالناس، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {لولا ضعف الضعيف لأخرتها إلى هذه الساعة} فبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العشاء في أول وقتها مراعاةً للضعفاء، من أجل أن يمكنوا الصلاة ويدركوها دون أن يشق عليهم ذلك، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود.
ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بالتخفيف في الصلاة إذا كان يصلي بالناس، علل ذلك بأن وراءه الكبير والضعيف، كما في رواية البخاري وغيره، فالضعيف سواء أكان شيخاً كبيراً أم مريضاً أم نحو ذلك ممن يشق عليه طول القيام وطول الصلاة، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف من أجلهم.
وكذلك أيضاً ما يتعلق بالدفع من مزدلفة، فإنه صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من النساء والصبيان ومن معهم -ومن في حكمهم- في الدفع مبكراً بعد مغيب القمر من مزدلفة وذلك مراعاة لضعفهم وحاجتهم إلى هذا التخفيف.
وهذا الباب واسع جداً في ذكر ما شرع الله تعالى من أنواع التخفيف والتوسعة على الناس مراعاةً لضعف الضعيف وحاجات المحتاج، ومراعاة للكبير وللضعيف والصغير والمرأة ونحو ذلك.
والضعف سبب لكثير من الأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة مراعاةً لحاجتها.
ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمر المغانم في الأمم السابقة بيَّن أنه كانت تنـزل نار من السماء فتحرقها -تحرق الغنائم- فلما رأى الله تعالى ضعف هذه الأمة، طيبها لها وأحلها، قال عليه الصلاة والسلام: {وذلك أن الله رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا} كما في الحديث المتفق عليه، ولهذا أحلت هذه المغانم لهذه الأمة، ولم تكن تحل لأحد من الأمم قبلها.
وكذلك قال في الحديث والآخر -حديث عياض بن حمار، وهو في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد- قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وأهل الجنة ثلاثة: -وذكر منهم- ضعيف متضعف لو أقسم على الله تعالى لأبره} أي: فيه ضعف ومسكنة وتواضع وبعد عن الأبهة والخيلاء والغطرسة والكبرياء التي هي شأن المستكبرين في هذه الدنيا، والذين هم وقود النار يوم القيامة: {يحشر المستكبرون يوم القيامة أمثال الذر، يطؤهم الناس، ثم يوضعون في سجين } والعياذ بالله تعالى.
وقد عاقب الله عز وجل بني إسرائيل -كما في الحديث الصحيح- بالهلاك؛ لأنهم كانوا يعاملون الضعيف معاملة، ويعاملون القوي معاملة أخرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وايم الله لو أن
ماذا نجد في مجتمع المسلمين؟
بل ماذا نجد في المجتمع القريب منا؟
نجد انتهاك حقوق الضعفاء على أشده، وهذا باب يطول، ولكنني سوف أعرض لكم بعض النماذج.
نجد أن الرجل يؤذي المرأة، ويغلظ لها في القول أحياناً، ويقسو عليها ويظلمها، بل قد يضربها، ويكثر من هجرها في الفراش، ويقبح لها في القول، ويمنعها من حقوقها الواجبة لها، ويحرمها من كثير مما تحتاج. وربما احتاجت المرأة إلى أن تذهب إلى المستشفى، فيمنعها من ذلك، ولو كان بها داء عضال، أو مرض مزمن، أو شيء لا تستطيع أن تصبر عليه إلا أنه يمنعها من ذلك، فإذا أصرت وألحت، وبخها برديء القول، وقبيح الكلام، وهددها بألوان التهديد، فلا يرى لها قدراً ولا قيمة، وكأنه يعاملها بما كانت تعاملها به الجاهلية الأولى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59] فهو إن أمسكها أمسكها على هون في بيته مذلاً لها، مقصراً بحقوقها، مؤذياً لها بالقول والفعل، معتدياً عليها، مانعاً عليها ما يجب، هذا فضلاً عن أن الأكثرية من الناس يمنعون المرأة مما يحتاج إليه الإنسان العادي.
فالإنسان العادي يحتاج إلى قدر من الفسحة، وإلى قدر من التوسعة، وإلى قدر من التلطف خاصة في المناسبات كالأعياد، وبعض الفرص وغيرها، فتجد أن كثيراً من النساء في البيوت يشتكين مر الشكوى، وقد قال سيدنا ونبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم: {لا تضربوا إماء الله} فنهى عن ضرب النساء، وهذا إيماء إلى النهي عن كل ألوان الإيذاء والاعتداء على حقوق المرأة، فإذا كنت تظن أن المرأة ليس لها من يدافع عنها، أو أنها لا تستطيع؛ لأنها إن اشتكت إلى أهلها، هددتها أنت بالويل والثبور وعظائم الأمور، فإما أن تسكت وتصبر على الذل والهوان، وإما أن تشتكي، ويكون هذا سبباً في طلاقها، فإذا كنت تظن أن المرأة في موطن الضعف، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فتذكر أن الله تعالى هو الذي يدافع عن حقها، وأن المظلوم الضعيف الذي لا يوجد من يدافع عنه في هذه الدنيا يدافع الله تعالى عنه.
وقد يبتليك الله تعالى بعقوبة في دنياك: ضيقاً في رزقك، أو مرضاً في بدنك، أو ضيقاً في صدرك ونفسك، أو رداً لعملك، أو عقوبة في الآخرة -وهي أشد وأنكل- بسبب هذه الضعيفة التي أمسكتها في بيتك على هون، وآذيتها وصادرت حقوقها، واعتديت على إنسانيتها وكرامتها ومكانتها.
فيا أخي المسلم: اتق الله في هذه المرأة التي ولاك الله أمرها، وقد أخذ الله عليك العهد إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، فإما أن تمسكها بالمعروف، وتحفظ لها حقها، وإما أن تسرحها بإحسان معززة مكرمة.
أما إمساك مع الذل والهوان، فهذا ما لم يأذن به الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تضربوا إماء الله فجاءه
فـعمر جاء يقول: {يا رسول الله! ذئرن النساء، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بأن يؤدب زوجته فيما لا يضر بها، فرجعت النساء تشتكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف ببيت آل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم}..
فالرجل الذي عصاه في يده، ولا يضع عصاه عن عاتقه، ضراب للنساء، هذا ليس محموداً، ولهذا لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في رجل خطبها، قال لها: {أما فلان فضَّراب للنساء} وفي رواية: {أما فلان فإنه لا يضع عصاه عن عاتقه} أي: من كثرة ضرب النساء، وقيل: لأنه ذو أسفار، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاحه والزواج منه، لأن فيه هذه الآفة، وفيه هذا العيب، فليس من الرجولة ولا من المروءة أن تظن -كما يقول بعضهم- أن الأنثى لابد من إذلالها، ولابد من كذا، ولابد من كذا، فتجده يعلق العصا في البيت ليضرب بها زوجه، وقد يضربها لسبب أو لغير سبب، وقد يعتدي عليها بكلام هو أشد من لسع السياط، فيؤذيها في نفسها، ويحقرها، ويسب شكلها، وقد يسب أباها وأمها.
بل تشتكي بعض النساء فتقول: إن زوجها إذا غضب عليها - والعياذ بالله - يشتم العاشر من أجدادها، ولا يترك كلمة بذاءة إلا ألحقها بها، وكثير منهم ربما يطلق عليها التهديد بالطلاق لأدنى سبب، وكلما حصل شيء هدد بالطلاق، أو حلف بالطلاق، أو قال: إن كذا فأنت طالق، وإن ذهبت فأنت طالق، وإن دخلت فأنت طالق، وإن خرجت فأنت طالق! حتى أصبح الطلاق - والعياذ بالله - ملعبة في ألسنة كثير من الناس، وقد يسمع الجيران صراخ الرجل على زوجته، وضجيجه ووعيده، ويراه الأطفال، وهو بهذه الصورة كأنه سبع ضار، وقد احمرت أوداجه، وخرجت عيونه، وارتفع نبضه، وارتفع صوته، وفقد صوابه، فيتعجبون أن أباهم يكون بهذه الصورة التي لم يألفوها ولم يعرفوها، فيتعود الأطفال حينئذٍ على إهانة أمهم؛ لأنهم رأوا الأب يهينها، فيشجعهم ذلك على إهانتها، ويحتقرونها، ولا يعرفون لها فضلاً، وينشئون على العقوق بها؛ فتكون الأم تصطلي بنيران عدة، من جهة نار الزوج الذي لا يعرف لها قدراً، ولا يقيم لها وزناً، ومن جهة أخرى: نار الأطفال الذين تعودوا على انتهاك حقوقها، والإيذاء لها، والاعتداء عليها، وربما لا تجد مصدراً تشتكي إليه، فلا تجد أباً يمكن أن يسمع كلامها، أو أخاً تشتكي إليه، ولو شكت إلى أهلها فربما طلقها الزوج، أو ما أشبه ذلك.
فليعلم المسلم خاصة أن الله تعالى بالمرصاد لكل الظالمين، ومن أظلم الظالمين رجل ملكه الله تعالى امرأة، فكانت عانيةً عنده، وأسيرةً في يده؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم} أي: كالأسيرات في بيوتكم وتحت ملككم، فكان يجب على الرجل أن يتقي الله تعالى في هذه المرأة، فلا يظلمها، بل يعرف لها حقها، فأنصح الإخوة أن يراجعوا هذا الباب، وألا يستجيبوا لنـزوات النفس، ودوافع الهوى، وأن يعرفوا أن للمرأة حقاً.
وأنا أعرف أن كثيراً من النساء يصبن بألوان من الآفات والأمراض الظاهرة والخفية، وما ذلك إلا بسبب كثرة اعتداء الرجل عليها، وإهانته لها، وبخسه لحقها، فهو لا يمكنها من السفر، ولا من الذهاب، ولا من الإياب، ولا يسافر بها، ولا تشارك المسلمين في أعمال، ولا في عبادات، ولا في صلوات، ولا تستطيع أن تخرج أحياناً إلى جيرانها، ولا يخرج بها إلى السوق لقضاء حقوقها الضرورية، ولا يذهب هو أيضاً لقضاء هذه الحقوق، ولا يوكل من يقوم بها، ولا يأتي بها، ولا يأذن لها أن تتصل بأحد، ولو بالهاتف إلا قليلاً، وقد يتجمع هذا الشر كله في بيت واحد عند بعض الناس، وأعرف نماذج من هذا النوع، وليس هذا مبالغة، وقد يكون هذا الشر مفرقاً في بيوت كثيرة، فعلى الإنسان أن يعرف أنه موقوف بين يدي الله: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] ومما سوف تسأل عنه: ماذا قدمت لأهلك؟
وماذا صنعت لهم؟
وإن من الظلم -أيها الإخوة- بل من أظلم الظلم للزوجة والأولاد أن يهمل الإنسان رعايتهم، ويهمل القيام على شئونهم الدينية، فلا ينصح لهم، ولا يذكرهم بالله، ولا يأمرهم بالمعروف، ولا ينهاهم عن المنكر، بل غايته أنه أحضر لهم أحياناً وسائل الإفساد من تلفزة، وربما فيديو أحياناً، وأشرطة الأغاني والمجلات الخليعة للزوجة وللأولاد وللبنات وغير ذلك، وترك لهم الحبل على الغارب في هذا البيت، وقد يكون في البيت خدم وسائق غير مسلمين وغير ذلك، والأب لا يدري، وآخر من يعلم، وقد منحهم ثقة مفرطة، وترك أمرهم، وهذا لاشك أنه من الظلم، لأنهم بحاجة إلى رعايتهم في أمور دينهم كما هم بحاجة إلى رعايتهم في أمور دنياهم.
والعمال يعانون في مجتمعنا الأمرين، وتصل إليَّ شكاوى مكتوبة وشكاوى هاتفية، يعجب الإنسان من أن رجلاً يؤمن بالله يبلغ به الجشع والطمع والحرص إلى هذا الحد، ومن الناس من يأتي بالعمال، ثم يسرحهم وهو لا يعرف عنهم شيئاً إلا أنه يطالبهم في رأس كل شهر أن يحضروا له خراجاً معلوماً يثقل به ظهورهم وكواهلهم، ربما يصل أحياناً إلى ألف ريال، أو ثمانمائة ريال، أو سبعمائة ريال، فيجهد العامل ويتعب، وقد لا يحصل العامل إلا على ألف ومائتي ريال مثلاً، أو ألف وثلاثمائة، فيأتي لرب العمل النائم المتكئ على أريكته، فيعطيه سبعمائة أو ثمانمائة، ويأخذ هو الذي جهد وعرق جبينه أربعمائة ريال أو ثلاثمائة ريال، فلا يدري أيستخدمها في سكن أم في لباس أم في طعام أم يرسلها لولده، أم ماذا يصنع بها؟
خاصة وأن كثيراً من هؤلاء العمال أصلاً لا يأتي إلا وقد أخذ منه المكتب أو الجهة التي أتت به من هناك، مبلغاً ضخماً بحجة أنه سوف يأتي إلى هذا البلد الرغيد، ويسدد هذا المبلغ سريعاً، فقد يأخذون منه هناك خمسين ألف ريال، أو مائة ألف ريال، ويقولون له: أنت تذهب إلى بلاد غنية، وهناك السكن موفر، وهناك إعاشة، وهناك نقل، وهناك تكييف، والعمل في اليوم ست أو سبع ساعات، والخميس والجمعة إجازة، وكذا وكذا، ويجعلون له الدنيا -كما يقال- ورقاً بلا شوك، ويسلتون عرق جبين هذا المسكين.
فإذا جاء هنا صدم بالواقع، فبعضهم لا يجد عملاً، فيضطر إلى أن يرجع، وقد يرجع على حسابه لأنه لم يكمل المدة، وقد أثقل ظهره الديون التي أضيفت على الفقر الذي كان يظن أنه سوف يزول بمجيئه إلى هذه البلاد، وبعضهم يجلس هنا، ولكنه يجلس يسام ألوان الهوان والخسف، وتسرق جهوده من قبل رب العمل الذي أخذ منه عن طريق النسبة شيئاً ضخماً كبيراً، وبعضهم يماطل ولا يعطيه الراتب، وقد يكون هناك شركات تمر سنة، أو سنتان لم يعطوا العامل مرتباً واحداً. بعضهم -والله- يبكون بكاء الأطفال بل بعضهم يبلغ به الوقاحة أنه يطلب من العامل أن يوقع على ورق أبيض، فيقول: وقع على هذه الأوراق فيوقع، من أجل ماذا؟
من أجل أن هذا العامل لو اشتكى إلى بعض الجهات كمكتب العمل أو غيره، فيكتب هذا الرجل في الورقة أي شيء يريده، ويقول: إن العامل قد وقع على هذا العقد، والحقيقة أن العامل قد وقع على ورقة بيضاء بسبب الضغط والإكراه، وهذه حالات -أيضاً- كثيرة تصلنا، وتصل شكاوى من هذا القبيل من عدد من العمال أنهم يوقعون على بياض، فلا عناية، ولا رعاية، ولا إعاشة، ولا سكن، ولا خدمة، ولا تكييف، ولا مرتب، وفوق هذا كله يفتقد حتى الخلق الحسن، فلا يخاطب العامل إلا بأبشع الألفاظ، وأحط الألقاب، ويعير ويسب ويغلظ له في القول، ويحتقر، ويزدرى.
فيا أخي: إن هذا العامل إنسان مثلك، خاصة إذا كان مسلماً فله مزيد من الحقوق.
وكنا نطمع أن هذا العامل إذا جاء إلى هذا البلد، تحفظ له حقوقه، وتصان على المستوى الرسمي والشعبي، ويحفظ له قدره، وتحفظ له إنسانيته، وثقوا ثقة كاملة بأنه بقدر ما تؤذون عمالكم يسلط الله عليكم من يؤذيكم، وهذا أمر مشاهد للعيان، فكل إنسان يظلم يبتلى.. كما قيل:
وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالمٌ إلا سبيلى بأظلم |
فهذا الظالم يبتلى بمن يظلمه، ويسومه الخسف، ويعتدي على حقوقه، ويصادر كرامته وحريته مثلما فعل هو بالآخرين، فالظلم من الذنوب التي يعجل الله بعقابها في الدنيا قبل الآخرة، وهو من حقوق العباد، والظالم ينتظر دعوة المظلوم التي يرفعها الله تعالى فوق الغمام، ويقول: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}.
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنمِ |
وكنا ننتظر أن هذا العامل إذا جاء، يجد البيئة الإسلامية، ويُعلَّم الدين، ويُعَلَّم العقيدة الصحيحة، ويُعّلَّم العبادة الصحيحة، ويُذَكَّر بالله تعالى، فلا يخرج من هذا البلد ما دام مسلماً إلا وقد تشبع بالفهم الصحيح للإسلام، وامتلأ قلبه حباً لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حباً للمؤمنين في هذا البلد، ورغبةً في الخير، وإذا رجع إلى بلده، كان مشعلاً للنور والإضاءة والهداية والدعوة، لكن الواقع الآن بالعكس.
فإن كان العامل كافراً، رجع كما كان أو أشد، سيئ الظن بأهل هذا البلد، فيرجع وقد أخذ صورة سيئة عنهم، وعن أخلاقهم، وعن معاملاتهم، وعن أمورهم، وعن وعن.. إلخ، وإن كان مسلماً رجع يشتم وينتقد، ولقد رأينا عمالاً في بلادهم وسمعنا أخباراً كثيرة، بل لا أبالغ حين أقول: إن صحفهم في بلادهم تنشر فضائح كثيرة عن مشاكل العمال ومشاكل المستقدمين والخادمات وغير ذلك في هذه البلاد، مما يحصل لهم من أمور حتى إنه في بعض البلاد الآسيوية كادوا أن يصدروا قراراً بمنع إرسال العمالة إلى هذه البلاد نظراً لما لوحظ من سوء المعاملة والقسوة والظلم ومصادرة الحقوق وعدم إيصال مرتباتهم إليهم، فأي أخلاق هذه؟!
وأي صورة قدمناها لهؤلاء الذين يعيشون بين أظهرنا؟!
والحقيقة أن هذا شيء مخزٍ وتأخر وضياع أن يجلس العامل الكافر في هذه البلاد أربع، أو خمس أو عشر سنوات ثم يرجع ولم يعرف الإسلام، أو يأتي العامل المسلم إلى هذه البلاد، ويرجع كما كان أو أسوأ، بل إن كثيراً من الناس يأتي بالعمال ويتركهم ولا يدري ماذا فعلوا، وقد يتورطون في قضايا مخدرات، وفي جرائم، وفي بيع الخمور، وفي أمور كثيرة؛ خاصة أن الكثير منهم لا يجدون مرتباً، فيضطرون إلى البحث عن الكسب الحرام.
فلنتق الله تعالى في هؤلاء الضعفاء، ولنعلم أنه إن لم تكن الجهات الرسمية -مكتب العمل أو غيره- تستطيع أن تكتشف الألاعيب التي يصنعها أرباب العمل، فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] وسوف ينتقم من كل من تعدى أو ظلم، أو أخذ مالاً بغير حق، أو سرق جهد أحد، أو اعتدى على أحد في نفس أو عرض أو مال، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع! قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصوم وحج، ولكن يأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار
فهذا الأوضاع مؤسفة جداً، حيث توجد هذه الآلاف المؤلفة، بل مئات الألوف، حتى إنك في بعض الأحياء وفي بعض الشوارع تستغرب الوجه العربي فيها، فأمرك كما قال المتنبي:
ملاعب جنةٍ لو سار فيها سليمان لسار بترجمان |
ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان |
ومع ذلك يرجع هؤلاء كما جاءوا بل أسوأ، فيرجعون بانطباع سيء عن هذه البلاد وأهلها، وهذا الانطباع هم يحسبونه على الإسلام، ويظنون أن هذه من تعاليم الدين، وأن هذه ثمرة الإسلام، لأنهم قد لا يقتنعون بالكلام النظري عن أن الإسلام دين حق، ويأمر والعدل، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالرفق بالضعيف، فهذا كله قد لا يفهمونه ولا يفقهونه؛ بل قد لا يسمعونه أصلاً، لكنهم أخذوا انطباعاً سيئاً عن التطبيق العملي الفاسد الذي يوجد لدى كثيرين ممن أتوا بهؤلاء العمال لحاجة ولغير حاجة.
ومع الأسف ليس هناك ضوابط حقيقية لاستقدام العمال والخدم والخادمات، وهناك أمور ومشاكل وفضائح روائحها تزكم الأنوف.
فإذا قرأت في الصحف فإنك تجد فيها إعلانات عن استعداد لإرسال الخادمات إلى كل البيوت، وهن خادمات يشتغلن باليوم، فهل هي خادمة أم هي شيء آخر للترويح والتسلية والترفيه؟ هذا الله أعلم به.
وبعض الخادمات يقع عليهن انتهاك الأعراض في البيوت، فالبيت فيه شاب في مقتبل السن، ممتلئ قوة وشباباً وحيوية، وفيه هذه الخادمة وقد تكون شابة غير متزوجة، وقد تكون مسلمة، وقد لا تكون مسلمة -الله أعلم بحالها- فيخرج أهل البيت ويتركونها في البيت، بل أعلم حالات أنهم يخرجون ويتركونها مع هذا الشاب، بل أعلم حالات أن هذه المرأة كان لها زوج في بلدها وتوفي، فأصبحت تتزين وتتجمل وتتطيب كأحسن ما تستعد المرأة لزوجها، ثم يلتقي بها شاب في هذا المنـزل على مرأى ومسمع من أبيه وأمه وأخيه وصاحبته وبنيه ولا أحد ينكر ولا يستنكر هذا والعياذ بالله.
فضلاً عن الاغتصاب الذي يقع في كثير من البيوت كالاعتداء على أعراض الخادمات بالقوة من قبل صاحب البيت، أو من قبل أحد الأولاد... إلى غير ذلك، فضلاً عن أن كثيراً من البيوت قد يوجد فيها مصانع للخمور يقوم بها الخدم، وكذلك كثير من المزارع، وقد تكون الخادمة أحياناً جعلت من هذا البيت وكراً للدعارة دون علم.
فإحدى الخادمات -مرة من المرات- كان يأتيها رجل ويدخل عندها، وهي تقول: هذا أخي، فمنع أهل البيت دخوله، فجاءت وبكت عند الأم العجوز، وقالت: منعوا أخي وكذا، فقالت العجوز: هذا مفتاح الدور الأرضي- ما يسمى بالبدروم- فإذا جاء افتحي له واجلسي معه، ولا يدري أحد بذلك، وهي تظنه أخاها، وتبين بعد زمن طويل أن هذا المكان تحول إلى وكر للفساد والرذيلة والدعارة، وأن هذه المرأة أصبح يأتيها أعداد وألوان وأصناف من هؤلاء الخدم والعمال ليس لها بهم علاقة إلا العلاقة الحرام والعياذ بالله.
والكلام الذي نقوله عن القسم الأول -عن المرأة- نقوله أيضاً عن العامل ذكراً كان أو أنثى.
أولاً: لماذا استقدمت هذا العامل؟
هل لحق أم لباطل؟
هل لحاجة أم لغير حاجة؟
هل الأمة تحتاج هذا أم أنه عبء على البلاد في اقتصادها وفي أخلاقها وفي أمنها وفي كل شيء؟
ثانياً: هل اخترت المسلم عندما استقدمته أو أنك اخترت الأرخص أو الذي تعتقد أنه أنفع لك بغض النظر عن ديانته؟
ثم لما أتيت به، هل قمت بحقوقه الدينية من تعليمه الإسلام، وتربيته على الأخلاق، وإعطائه الكتب بلغته، وإعطائه ما يمكن أن يساعده في تعلم الإسلام والصلاة وغير ذلك، أم قصرت في حقه؟
ثم هل راقبته في عمله أم لم تراقبه؟
هل تورط في أمور محرمة: أعمال غش، خيانة، فواحش، خمور، دعارة، معاكسات هاتفية... غير ذلك، أم أنك تراقبه وهو في مرأى منك؟
ثم هل قمت بحقوقه المالية وأعطيته حقه، أم أنك ظلمته وسرقت جهده؟ كل هذه أسئلة سوف تسأل عنها بين يدي الله عز وجل.
واعتبر أن أهم ميزة في التلفاز أنه يبعد الأطفال عنا، فهؤلاء الأطفال يشاهدون ما يسمى بأفلام الكرتون أو الصور المتحركة وعيونهم مسمرة فيه، ولا يدري الأب ماذا يواجهون، وماذا يشاهدون، وماذا يتلقون، والمهم عنده أنهم قد سكتوا، وأنهم لا يحدثون ضجيجاً في البيت، ولا صخباً، ولا إزعاجاً، ولا يخربون الأثاث والمتاع وغير ذلك، ولا يؤذون والدتهم إذا كانت في المطبخ أو غير ذلك، فهذا هو كل ما ينظر إليه الوالد من التلفاز، أما تأثير هذا على عقولهم، وأخلاقياتهم، ولغتهم، وشخصياتهم، فهذا هو آخر ما يخطر في باله.. وهذا من الظلم.
ومن الظلم أيضاً: أن يقصر الأب في نفقة أولاده: في طعامهم، في شرابهم، في ملابسهم، في أحذيتهم، وفيما يحتاجون، ومن الظلم أيضاً - كما ذكرت- ألا يجعل لهم وقتاً يجلس معهم فيه، ويبادلهم فيه المشاعر، ويقوم بحق الأبوة والتربية الواجبة في عنقه، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته} فأنت راعٍ في بيتك، ومسئول عن رعيتك.
وإذا كان الأمر على نقيض ذلك من المشقة على الأمة وإيذائها وإثقالها بالضرائب والرسوم، وكثرة الضغط عليها، ومصادرة حريتها وتخويفها وترويعها وإشغالها بما لا حاجة لها به، والتضييق عليها في دينها أيضاً، والتأثير على أخلاقها، وعلى أديانها، وعلى أعراضها، ونقل الفساد إليها، والتضييق عليها في اقتصادها وفي تجارتها، وفي أرزاقها.. إلى غير ذلك، فإن هذا من المشقة التي تسبب غضب الله تعالى ومقته لهؤلاء، وتجعل قلوب الناس تنكرهم وتبغضهم، فتكون الألسنة كلها ذماً لهم وتوبيخاً ونقداً ودعاءً عليهم، وهذا هو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: {أنتم شهود الله في أرضه، هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً، فوجبت له النار} والحديث متفق عليه، ويقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به} فدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مستجابة في حق كل من رفق بالأمة أن يرفق الله تعالى به ويحفظه، وفي حق كل من شق على الأمة وضايقها في دينها ودنياها وأمنها واقتصادها وإعلامها وغير ذلك، أن الله تعالى يشق عليه، ويسلط عليه.
الضعفاء كثيرون، بل الأمة كلها في حالة استضعاف.. وأقولها بالخط العريض: الأمة كلها في حالة استضعاف، ولكن الضعف درجات، فعلينا أن نتقي الله تعالى في الضعفاء الذين تحت أيدينا حتى يهيئ الله لنا من يتقي الله تعالى فينا، ونحن ندعو في دعاء القنوت: اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
أنت خف من الله تعالى في من هو تحت يدك، فارحمهم حتى لا يسلط الله عليك من لا يخافه فيك. أما إن اعتديت على الضعفاء الذين تحت يدك، فسوف يسلط الله سبحانه وتعالى عليك من لا يخافه ولا يرحمك.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم من كل سوء ومكروه.. إنه على كل شيء قدير.
اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك يا حي يا قيوم، اللهم اغفر لنا في ليلتنا هذه أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين، ووفقنا لما تحب وترضى أجمعين، اللهم وفقنا أن نرفق ونلطف بالضعفاء الذين تحت أيدينا، اللهم وفقنا أن نقوم بحقوق رعايانا، اللهم وفقنا أن نقوم بحقوق رعايانا سواء كانت حقوق دينية أو حقوق دنيوية.. إنك على كل شيء قدير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين.
وما هي كيفيتها؟
وهل ورد في ذلك حديث صحيح؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: من ترك الصلاة، فعليه أن يصليها إن كان نام عنها أو نسيها، فيصليها إذا ذكرها أو إذا استيقظ، وجمهور أهل العلم يرون أنه يصلي ما ترك من الصلوات لأي سبب تركها، فقضاء الصلاة هو بأن يصليها كما هي: إن كانت رباعية صلاها أربعاً، وإن كانت ثلاثية صلاها ثلاثاً، وإن كانت ثنائية صلاها اثنتين.
الجواب: نعم، نشجعهم على فعل الخير، وما من خصلة من الخصال إلا ولإبليس فيها غايتان: إما إلى إفراط، وإما إلى تفريط، فكما أننا لا نأذن للإنسان ولا نبيح له أن يعمل عمله رياءً وسمعةً، كذلك لا نجيز له أن يترك العمل الصالح خوف الرياء والسمعة.
وأيضاً كما أننا لا نبيح للإنسان أن يتسامح في هذه الأمور، ويطلق بصره، أو يتيح للناس فرصة وقوعهم في مثل هذا الأمر، كذلك ليس من الحق ولا من العدل أن يترك الإنسان عمل الخير خشية الوقوع في هذه الأمور، أو أن يجر الناس إلى مثل ذلك.. فلا إفراط ولا تفريط، وعلى الإنسان أن يفعل الأسباب، ويتقي الله تعالى ما استطاع.
الجواب: آخر خبر وصل إليّ اليوم، فقد وصل إليّ ورقتان فيهما وثيقتان تدلان على أن المحفل الماسوني في الشرق الأوسط قد رفع رئيس تلك الدولة، ورفع وزير الدفاع خالد نـزار من المرتبة الثامنة والعشرين في المحفل الماسوني إلى المرتبة الثانية والثلاثين، وقد وصل إليّ الشهادتان اللتان فيهما بيان ذلك، ويبدو أنهما نشرتا في بعض الصحف التركية، وفيهما بعض الترجمة العربية، فهذا آخر ما وصل إليّ من الأخبار، وهناك أخبار متداولة يسمعها الناس جميعاً.
ونسأل الله تعالى أن يعز الإسلام في ذلك البلد وفي كل بلد.
الجواب: إذا اجتنبت المرأة السواد، فلا عليها أن تصبغ شعرها، لكن لا ينبغي أن يكون صبغ شعرها ديدناً لها كل يوم تحدث له لوناً جديداً وتلونه بألوان شتى، وتحاكي في ذلك الصبغات الموجودة عند نساء الكفار.
وحكم الحديث الذي ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والذي فيه أن امرأة توفيت وليس في يديها حناء، عند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: انظروا إن كان في يدها حناء أم لا، ليرى إن كانت لم تضع الحناء لم يصل عليها.
الجواب: هذا ليس بصحيح، ووضع الحناء أمر جائز، وهو من جملة الزينة.
الجواب: لا شك أن الثبات على أمر الهداية لا يقل أهمية عن الهدى والهداية بذاتها، فإن الإنسان قد يعرف طريق الهداية، ثم ينحرف - والعياذ بالله- فيجعل الله صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، فلا يقل أهمية عن الحصول على الهداية ثبات الإنسان عليها، وقد قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27].
فعلى العبد أن يتقي الله تعالى، ويسأل الله تعالى الثبات بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويسعى إلى الحصول على وسائل الثبات، والتي من أهمها أن يعلم أن الأمر كله بيد الله، وأنه ليس بيده شيء، وأنه لم يحصل على الهداية بقوته وحوله، وإنما بحول الله تعالى وقوته، فعليه أن يكثر من سؤال الله تعالى، وعليه أن يكثر من الاستغفار، وعليه أن يعلم أنه ليس بيده شيء إلا أن يوفقه الله تعالى لذلك، كما أن عليه أن يكثر من الأعمال الصالحة، فهي مثل الأشجار التي يغرسها الإنسان في التربة حتى تضمن عدم انتقالها، أو ذهاب الريح بها إلى موضع آخر، فصحبة الأخيار من أهم وسائل الثبات.
وإذا كان مذموماً، فأرجو أن ترشدوني إلى الطريق الصحيح لتجنب هذا.
الجواب: أما العمل الصالح بذاته كالصوم والصلاة فهو محمود لا شك، وأما الإعجاب فلا شك أنه مذموم، فالعجب بهذا العمل مذموم، وكيف تعجب بهذا العمل والله تعالى هو الذي قد وفقك إليه، وحرك همتك له، ورزقك الإقبال عليه، وهو الذي خلق كل الجوارح التي استخدمتها في هذا العمل، وهو الذي خلق القلب الذي اتجه إلى هذا العمل، وهو الذي خلق اللسان الذي ذكر قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9] وهو الذي أبعدك عن الأعمال السيئة، ووفقك للأعمال الصالحة، فكل ذلك منه وكرمه، وينبغي للعبد ألاَّ يعجب بعمل عمله.
الجواب: لا يلزمك أن تقرأ الفاتحة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، بل قراءة الإمام تكفي من خلفه، فإن سكت قرءوا، وإن قرأ أنصتوا، قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا قرأ - أي: الإمام- فأنصتوا} قال الإمام مسلم: وهذا حديث صحيح.
الجواب: الحديث هو: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً} والحديث في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري.
الجواب: إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له ذلك، فإن صلى قائماً كتب له الأجر كاملاً، وإن صلى قاعداً، فله نصف أجر، كما جاء في الحديث: {صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم}.
وهل تسن ركعتا تحية المسجد في الحرم قبل أداء العمرة أم أنه يجب الشروع في العمرة دون حاجة إلى السنة؟
الجواب: لا تسن، لأن الطواف هو تحية للمسجد، وبعد الطواف سوف يصلي ركعتين، فلا حاجة أن يصلي ركعتين تحية للحرم ما دام أنه يريد أداء العمرة، أما من ذهب إلى جدة، فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات سواء كان في الطائرة أو في غيرها، وفي الطائرة يعلنون عن قرب الميقات، فيقولون: بقيت ربع ساعة أو عشر دقائق على الميقات، فعليه أن يحرم، أما إن وصل إلى جدة، فعليه أن يخرج إلى الميقات، وهو رابغ، أو ما يحاذيه.
الجواب: نعم، خروج النساء إلى السوق ينبغي أن يقيد بالحاجة، فلا تخرج المرأة إلا لحاجة، أما إن كان خروجها لمجرد التسوق، أو الفسحة، أو قضاء وقت الفراغ، فهذا مذموم.
ثانياً: إذا خرجت، فينبغي أن يخرج معها وليها، وأي عيب أن يخرج معها، فيحفظها، ويكون قريباً منها، ويكون في ذلك بعد عن أن تنهبها عيون الذئاب الجائعة، أو تمتد إليها ألسنتهم أو أيديهم بالسوء؟!
وإذا أمكن أن يقوم الرجل بقضاء حاجات أهله بنفسه، فإن ذلك أحوط وأولى، وإذا قُدِّر أن الرجل خرج بأهله إلى السوق، فينبغي أن تخرج المرأة بعيدةً عن الطيب، بعيدةً عن لبس الملابس الجميلة، أو المثيرة، أو الجذابة في شكلها وهيئتها، أو الملابس الضيقة، بل تلبس ملابس فضفاضة، وملابس غير ملفتة للنظر، وبعيدة عن الطيب.
وهل كل من يتسول في الحرم يعتبر من مساكينه، أقصد المساكين الذين تجب لهم الفدية؟
الجواب: هم من وجدوا في الحرم سواء من أهل الحرم، أو من الطارئين عليه من غيره ممن يظهر عليهم الفقر والمسكنة.
الجواب: الأولى أن تضع الحذاء وراءها، أو بين قدميها، أو أن تصلي وهي لابسة الحذاء أيضاً إن كان هذا لا يؤذي من حولها.
وكذلك وضع طفلها النائم، فتضعه في المكان الذي تطمئن إليه فيه، ويكون بعيداً عن إيذاء الآخرين، وإذا أمكن أن يكون طفلها لا يأتي معها أصلاً بأن أمكن أن يبقى في بيتها، ويوجد من يقوم عليه، كان هذا أولى، وإن بقيت هي مع أطفالها في البيت وصلت ما كتب لها، فهذا خير.
الجواب: لبس القفاز أثناء الصلاة جائز.
الجواب: ينبغي أن تنهض مع الإمام أو بعده بيسير.
الجواب: إذا كان السؤال عن الوتر فنعم، فالوتر مشروع في كل وقت.
الجواب: تقبيل الأيدي بعد الدعاء ليس له أصل قط.
الجواب: إذا غلبها البكاء، ولم تستطع كتمه، فلا شيء عليها، فإن استطاعت، فعليها أن تكتمه ما استطاعت.
الجواب: عليها أن تقوم الليل دائماً ما دامت قد أنها نذرت ذلك، ولو أن تقوم بثلاث ركعات من الوتر كما نذرت والتزمت بذلك.
الجواب: إن قلتم: ليس لنا بها حاجة ليبحثوا عمن هو أحق بها وأحوج فلا حرج، وإن أخذتموها وأعطيتموها من يحتاجها، فلا حرج أيضاً، وقد يكون هذا أولى من أجل جبر خواطرهم.
الجواب: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت، وإن العبد لينتهي من صلاته -كما في الحديث الذي في السنن وهو صحيح- ما كتب له إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها سدسها سبعها ثمنها تسعها عشرها، فعليه أن يستحضر قلبه في الصلاة ما استطاع، ويدافع وسواس الشيطان، ويقبل على صلاته، ويبكر إليها، ويحسن الطهور، ويصلي إن استطاع، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويبعد الشواغل عن قلبه، ويحرص على الإقبال على العبادة في كل وقت، وما دام يحب الدين والمتدينين، فهو إن شاء الله تعالى إلى خير.
وإذا كان كذلك، فلماذا أنتم لا تقومون بتكوين جماعات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأنتم القادة ونحن العاملون؟
الجواب: سبق أن دعوت الإخوة في مسجد المحيسني في درس بعنوان: خمسة مقترحات، إلى مثل هذا العمل، وليس في هذه الليلة فقط، بل في كل ليلة فيقوم الإخوة مثنى وثلاث ورباع أيضاً بجولات على إخوانهم في الشوارع والأرصفة.
فعلى الإخوة أن يرتادوا هذه الأماكن وغيرها؛ وعليهم أن يرودو هؤلاء الشباب، ولا يطيلوا البقاء عندهم، فيثقلون عليهم، ولتكن الجلسة خمس دقائق، فيها بسمة طيبة، وكلمة طيبة، ودعوة إلى الله، وكتاب، وشريط، ودعوة إلى مشاركتنا في الصلاة في المسجد، وتذكير لهم بإخوانهم، وما أشبه ذلك من الأمور التي تحرك قلوبهم، وأن تحسنوا الظن بهم، ففطرهم سليمة، وفيهم خير كثير.
وأنا أدعو الإخوة في هذه الليلة بالذات -ما دام أن الأخ طلب- أن يخرجوا في هذه الليلة إلى هذه الأماكن -أماكن تجمع الشباب- ويزوروهم ويتحدثوا معهم، ويبلغوهم سلامنا، وسلام إخوانهم في هذا المسجد، ودعاءنا لهم بأن الله تعالى يبارك لهم في أوقاتهم وشبابهم، ويحفظهم في أنفسهم، وفي دينهم، وفي عقولهم، وفي أموالهم، وفي أعراضهم، ويقيهم شر عدوهم، فيبلغوهم سلامنا ودعاءنا، ويتكلموا معهم بالكلام الطيب المفيد.
وهل في ذلك إثم مع أنني كنت قد أخذته؟
الجواب: إذا كان هذا المصحف وقفاً في المسجد، فلا ينبغي إخراجه، ومن أخرجه فعليه أن يعيده إلى المسجد.
والذي دعانا لذلك أننا فهمنا أننا لا نرفع أصواتنا مطلقاً، فإن كان كذلك، فاعلم أن في هذا مشقة على من تعود رفع الصوت، وكذلك بعدم رفع الصوت سوف يكون بعض الناس كسولاً؟
الجواب: لم أقل هذا الكلام الذي نقلته عني في الكتاب، وإنما خلاصة الكلام الذي ذكرته أنه إن كانت الأصوات متداخلة بحيث لا يشوش بعضها على بعض، ومستوى رفع الصوت واحد تقريباً، وكل إنسان يقرأ وهو مرتاح لا يشوش عليه من حوله، فهذا لا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {إني لأعرف منازل الأشعريين إذا نـزلوا بالليل، وإن لم أكن رأيت منازلهم في النهار من أصواتهم بالقرآن}.
وإنما الذي نهيت عنه هو أن بعض الناس يرفع صوته بالقرآن رفعاً بليغاً بحيث يكون مخالفاً للأصوات الأخرى المختلطة، فيشوش بذلك على من حوله، أو يكون منفرداً، فيرفع صوته رفعاً بليغاً أيضاً، فيشوش على الآخرين الذين يقرءون خفية، أو يقرءون بصوت غير مرتفع، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الذي رواه أصحاب السنن وسنده صحيح: {كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض} أي: لا يشوش بعضكم على بعض.
الجواب: أما دعاء الاستخارة، فقد رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر {كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، فيقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- خيراً لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم غير ذلك، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به}.
هذا هو الدعاء، وهو مشروع في الأمور التي يتردد فيها الإنسان، ولا يتبين له فيها وجه الخير، فيطلب من الله تعالى أن يوفقه لما هو الخير، وهذه الصلاة تصلى في أي وقت، اللهم إلا في أوقات الكراهة -لا تصلى في وقت الكراهة- إلا إذا احتاج إلى ذلك، كأن يكون كان هناك أمر يفوت، مثلاً يكون هذا الأمر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولو لم يحسمه قبل طلوع الشمس، فإنه يفوت، فمن الممكن في هذه الحالة أن يصلي بعد الفجر، أما إن كان في الأمر فسحة، فيؤجل الصلاة إلى وقت ليس من أوقات النهي التي ينهى عن الصلاة فيها، ثم يصلي هاتين الركعتين، ثم يدعو هذا الدعاء.
الجواب: أدعو هؤلاء الإخوة إلى الإدمان على حضور الدروس العلمية والمحاضرات، وكذلك سماع الأشرطة وقراءة بعض الكتيبات اليسيرة، لعلهم يجدون فيها ما يقوي إيمانهم، ويبعدهم عن مثل هذه الأشياء التي ما يزالون يقيمون عليها.
الجواب: نعم، من تاب تاب الله عليه، وعليك إن كنت ظلمت أحداً، أو تكلمت في عرضه، أن تكثر من الاستغفار له، وأن تكثر من الكلام الطيب الذي يكفر الله تعالى به عنك، مثل: ذكر الله، وخاصة كلمة لا إله إلا الله، فإنها أفضل الذكر، وأفضل الكلام، والإكثار من قراءة القرآن، والاستغفار، والله تعالى غفور رحيم: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ [المائدة:74].
الجواب: ما دام أنه دخل عن طريق الحلق ووصل إلى المعدة -أرى أنه لا يستخدم مثل هذا في نهار رمضان أبداً- فأرى لوالدك أن يقضي يوماً بدله، والله تعالى أعلم.
الجواب: هي قد تسبب تهاون بعض الناس، لكنها قد تسبب أيضاً إسراع بعض من الكسالى الذين ربما تفوتهم بعض الصلاة، فأرى أنه لا بأس أن يقيم الإنسان في الميكرفون حتى ينبه من حوله إلى الإسراع والمبادرة إلى الصلاة.
الجواب: نعم، إن شاء الله تعالى.
الجواب: إذا كان التوكيل في حالات قليلة لحاجة ومصلحة ظاهرة، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
الجواب: نعم، إذا تاب إلى الله تعالى توبة صادقة نصوحاً، وأظهر الإيمان، وبدأ يكتب عن الدين، وينتقد المفسدين، فمن تاب تاب الله عليه، والله تعالى يتوب على الكافر، ويتوب على الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، ويتوب على المشرك، فكل من تاب تاب الله عليه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر