أيها المسلمون... أيها المسلمات...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
في هذه الليلة نستقبل أولى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد خلفنا وراء ظهورنا عشرين يوماً وليلة من هذا الشهر الكريم، فذهب أكثره وبقي أقله، فالخسار كل الخسار، والبوار كل البوار أن تمضي هذه المناسبات والفرص، ونحن على ما نحن عليه من تفريط وإضاعة وإهمال، وكأننا كما وصف الله عز وجل:فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا [الأعراف:169].
إنني أود أن أتحدث عن هذه العشر وفضلها، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، لكنَّ هناك أمراً يقلق بالي ويؤرقني، ويجعلني مضطراً للحديث عنه، وترك الحديث عن هذه المناسبة العظيمة، ألا وهو ما نشاهده اليوم جميعاً في مجتمعات المسلمين من تحلل وفساد وانحلال.
إن المعصية إذا سترت لن تضر إلا صاحبها، لكنها إذا أعلنت وجوهر بها فإنها تضر الخاصة والعامة، ولذلك حرص الإسلام على حماية المجتمعات من مظاهر الرذيلة والانحلال، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً بالليل -أي معصية- ثم يصبح، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، وأصبح يكشف ستر الله تعالى عليه} المجاهر لا يعافى إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، وما أكثر ما نجد اليوم في مجتمعاتنا من المجاهرة بالمعاصي! تلك المجاهرة التي توشك أن تحول مجتمعات المسلمين إلى مجتمعات تشيع فيها المعاصي والمفاسد، ويصبح الإنسان إذا أراد أن يستقيم يصعب عليه ذلك؛ لأن المجتمع ضده، فهو يسبح ضد التيار.
أ/ السفور:
أيها المسلمون والمسلمات...
هذه الفاحشة الكبرى، مما يؤرق ويحزن قلوب المصلحين؛ إن كثيراً من الناس اليوم لا أقول وقعوا فيها، لكن صاروا قاب قوسين أو أدنى منها، لأن الفاحشة الكبرى لها خطوات، من خطوات الفاحشة الكبرى: السفور.
وكم هو محزن أن المسلمة التي تنطق بالشهادتين، وتصلي الصلوات الخمس، ويمكن أنها تأتي لتصلي التراويح والقيام، تخرج إلى الأسواق وقد لبست أجمل ثيابها، وتعطرت، ولبست هذه العباءة الخفيفة، وهذا الحجاب الخفيف الذي يلمعها، وبدأت تقف أمام أصحاب الدكاكين وأصحاب المعارض، تبايعهم وتشاريهم وتتبسط معهم في الحديث وتضاحكهم، وقد تقف أمام بائع الذهب، وقد يمس يدها، وقد يخرج من يدها الذهب أو يدخل في يدها الذهب، وقد يرى ذراعها كاملاً أين يوجد هذا؟! أهذا يقع في بلاد يظللها علم لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ أهذا يقع من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر -مع الأسف الشديد- أن هذه المرأة قد تكون متزوجة في داخل بيتها لا يرى زوجها منها إلا الأمر السيئ، قد تقابل زوجها بثياب المطبخ، وقد تستقبل زوجها بروائح منتنة وبوجه مكفهر، وبأخلاق رديئة، وبعبارات بذيئة، قد يقع منها هذا، لكن حينما تكون مع رجال أجانب فخذ من التلطف والخضوع بالقول، والتجميل في الملبس والطيب والذهب وإظهار المفاتن والمحاسن، وإغراء هؤلاء الرجال قال الله:إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].
ألا تخافين الله عز وجل أيتها المسلمة؟ أما تذكرين أن هذا الجسم النظير سوف يوسد يوماً من الأيام في قبر وسوف يلعب به الدود لعباً؟ أما تذكرين أنه لن يبق من هذا الجسم شيء؟ سوف يؤكل منه اللحم والعظم ويبلى كله، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب} أي العظم في مؤخرته -الخرزة الصغيرة- أما يتذكر الإنسان هذا؟! أيغتر الإنسان بشبابه؟ أيغتر بجماله؟ كم من إنسان -ذكراً أو أنثى- كان مغروراً بقوته وبشبابه وبجماله، فعاجله الله بعقوبة، بمرض يحول هذا الجسم إلى جسم ضعيف واهٍ؛ حتى يصبح كأنه فرخ ضعيف من أثر المرض، ثم الموت له بالمرصاد.
لا بد أن نتصور كثيراً من بيوتنا الآن -حتى نكون أكثر وضوحاً- كثيراً من بيوتكم، لأننا لا نتكلم عن أناس غائبين، نحن نتلكم عنكم أنتم يا معشر الحاضرين، أنتم يا معشر المستمعين، البيت فيه سائق أو أكثر، وفيه خادمة أو أكثر، وفيه جهاز تلفاز، وفيه فيديو، وفيه أشرطة أغاني، وفيه مجلات، وفيه أجهزة هاتف، أحياناً كل غرفة فيها جهاز خاص للهاتف، يتصرف فيه الولد أو تتصرف فيه البنت كما يريدون، وفي نفس الوقت يوجد في البيت مجموعة من الشباب والبنات في سن المراهقة، هؤلاء الشباب والبنات نستطيع أن نقول: إنهم في كثير من الأحيان لم يتلقوا أي قدر من التربية.
ما هو دورك أنت أيها الأب؟ قل لنا بالله عليك، ماذا علمت لهم؟! هل علمتهم الإسلام وربيتهم على الخوف من الله عز وجل وربطتهم بالله والدار الآخرة، وأحييت في قلوبهم ذكر الموت وذكر الجنة وذكر النار؟ لا، أبداً، إذا كان الأب جيد، فكل ما يفعله أن يوفر لهم هذه الأشياء مع الطعام والشراب، ثم يترك لهم الحرية يصنعون ما يشاءون. كيف ستكون النتيجة؟ النتيجة لا تحتاج أن أفصل فيها في هذا المكان الطاهر، النتيجة في رءوس الجميع، كل واحد منكم يعرف ما يجري في داخل كثير من البيوت، الشباب ينحرفون، والبنات يخرجن وينحرف بعضهن، والأجهزة من تلفاز وفيديو ومسجل تستخدم فيما لا يرضي الله عز وجل، في مشاهدة مسلسلات منحرفة، وأفلام خليعة، وأغاني ماجنة، ولذلك لا تستغربون حين تشاهدون الشهوات تتفجر.
أ/ نتيجة الإهمال من الآباء:
أحد الأدباء المعاصرين، يسمي هذا العصر الذي نحن نعيش فيه عصر الشهوة. وصدق هذا الرجل، هذا عصر الشهوة، أجهزة ووسائل كثيرة كل همها؛ أنها تحرض الرجال والنساء على الشهوات، الأغنية الماجنة الخليعة، الفيلم المنحط، المسلسل السيئ، المجلات التي ملأت البيوت اليوم، ثم إهمال الأبوين وتضييع التربية؛ أوجدت لنا جيلاً من الشباب والبنات لا يُعتمد عليه في دنيا ولا في دين، إن جئت للبنت لا تستطيع أن تشتغل في مطبخ المنـزل، ولا عمل المنـزل؛ لأنها قد كفيت هذا العمل ودللت، وأصبحت ترى أنها كالأميرة، ليس من شأنها أن تحرك ساكناً في البيت فهي مخدومة، وإن جئت إليها من جهة التدين والصلاح، فالله المستعان، ورحمة الله على أمهات المؤمنين وعلى المؤمنات الأول، هؤلاء النساء اللاتي ينتظر منهن أن تكون الواحدة وريثة لـعائشة وزينب وخديجة وأم سلمة، أصبحت الواحدة لا همَّ لها إلا الاشتغال بتجميل نفسها بالأصباغ والمكاييج والملابس والحذاء والحلي والموضات والتسريحات وغيرها، وأصبحت البنت إذا شاهدت على شاشة التلفاز ممثلة أو مغنية بشكل من الأشكال في شعر رأسها أو ثيابها أو حذائها، أو أي شيء آخر؛ رأت أنه حق عليها أن تقلدها، وتسير على خطواتها، وتحاكيها حذو القذة بالقذه.
ما أكثر انتشار هذه المجلات المنحرفة! مجلة النهضة الكويتية -مثلاً- يباع منها في الأسواق أكثر من ثمانين ألف نسخة في الأسبوع الواحد، أو سبعين ألف نسخة، من الذي يشتريها؟! وكذلك المجلة التي يسمونها: مجلة سيدتي، وقل مثل ذلك في محلات الفن، محلات السينما وغيرها، من الذي يشتريها؟ إنهن بناتكم ونساؤكم، وما يكاد يوجد بيت -إلا ما رحم الله- إلا ويوجد فيه شيء من ذلك. ما ذنب البنت إذا كانت لم تربَّ إلا على مشاهدة المجلات والأفلام، وسماع الغناء؟ وإذا خرجت إلى المدرسة وجدت قرينات سوء يحدثنها عن الصداقات وإقامة العلاقات، والمعاكسات في التلفون، وأشياء مثل هذا القبيل، وربما تبادل صور رجال أحياناً؟! وإذا جاءت للبيت ليس هناك تربية ولا توجيه ولا نصيحة، الأب مهمل مضيع، مشغول بالدنيا، من المزرعة إلى المؤسسة إلى الدكان إلى العمل، وكل ما يعرف عنه في البيت أن يأوي إلى البيت في وقت الغداء ويتغدى، وفي وقت العشاء ويتعشى، وفي وقت النوم يأوي إلى مضجعه. الإنسان لو زرع شجرة في مزرعة. أو في البر، إن تركها دون سقي ودون رعاية هلكت، لأنها تحتاج إلى الماء، وتحتاج إلى الرعاية، وتحتاج إلى الظل، وإذا أصابها شيء تحتاج لإزالته، فكيف ببناتك وأولادك تهملهم وتضيعهم؟
هناك عصابات متخصصة -مثلاً- لترويج المخدرات في بلاد المسلمين، وهم يضحون في سبيل إيصال المخدرات عن طريق التهريب والبيع وغير ذلك، هناك عصابات وجهات وشركات ومؤسسات متخصصة في إصدار الكتب والمجلات والنشرات، والأشرطة وغيرها، ومحاولة إيصالها إلى كل شاب وكل فتاة، في سبيل إغرائهم بالوقوع في المتعة الحرام، وفي سبيل تحويلهم من مسلمين إلى مرتدين.
لماذا نؤثر السلامة، ونظن أن الأمور على ما يرام؟ لماذا نبالغ في حسن الظن بأولادنا وبناتنا؟ مع أننا لم نفعل لهم شيئاً، الآن لو كان الأب بذل جهده في تربية أولاده وبناته، وعلمهم ورباهم وذكرهم بالله عز وجل، وشاهد عليهم آثار الصلاح والتردد على المساجد، وقراءة القرآن، وشاهد على البنات الحجاب وكراهية الخروج والتزين والصلاة وقيام الليل، كما يوجد والحمد الله في بعض البيوت، فلا بأس أن يقول: أنا واثق فيهم، لكن تشاهد الآن أن الجميع غافلون، أولاد وبنات يدخلون ويخرجون، لا ترى عليهم من آثار الاستقامة إلا الشيء اليسير، ومع ذلك تفرط وتبالغ في حسن الظن بهم، وتظن أن الفساد والانحلال يأتي من أولاد الناس، وأن القصص التي تسمعها أنت لا تتعلق بك، إنما هي قصص أولاد الجيران وأولاد المجتمع، ومن هو المجتمع؟ المجتمع هو أنا وأنت والثاني والثالث، فكل واحد منكم أيها الرجال وأيتها النساء -أيضاً- يجب أن يشعر بأنه هو المخاطب.
من أسباب حرمان الناس من إجابة الدعاء: أن تشيع المنكرات بينهم فلا يغيرونها، فهذه النقطة التي أريد أن أؤكد عليها اليوم؛ إنه مع انتشار الفواحش والجرائم والموبقات والمنكرات، وإعلان الناس بها، أصبح الواحد منا والعياذ بالله يشعر بأن كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كأنه ضده. في المجتمعات الأولى في عهد الرسول عليه السلام ومن بعده، كان هناك عصاة -بلا شك- فكانت توجد معاصي قليلة، لكن كان العاصي يبكي ندماً على معصيته، ويحزن، ويحب الصالحين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويواليهم ويشعر بالخطأ، أما اليوم فكما يقول المثل: حشفاً وسوء كيلة. مع أن الواحد يعصي، ويرتكب ما حرم الله عز وجل، ويجاهر بالمعاصي، ويساهم بأن يمد يده إلى الأعداء -بقصد أو بغير قصد- في تخريب مجتمعات المسلمين، مع ذلك كله إذا وجد هذا الإنسان من يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، سواء شخصاً محتسباً أو جهات رسمية كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرها، لا يمد يده إليهم بالمعاونة، كيف هذا يا إخواني؟ أين الولاء والبراء في الإسلام؟ الولاء للمؤمنين يوجب عليك أيها المسلم الذي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويوجب عليكِ أنتِ أيتها المسلمة الناطقة بالشهادتين، يوجب عليكم يا من تترددون إلى المساجد؛ أن تمدوا أيديكم إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أن تكونوا أنتم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أن نكون يداً واحدة في مقاومة هذا الانحراف وفي إصلاح المجتمع، وإلا فالواقع -الآن- أن كثيراً من الناس يخربون بيوتهم بأيديهم.
الإنسان الذي يأتي إلى البيت بجهاز فيديو، أو مجلة، أو شريط غناءٍ منحل، هذا في الواقع يخرب بيته بيده، وماذا فعل هذا الإنسان في سبيل مقاومة المنكرات؟! تجد أنه إذا سمع من ينصحه، قال: دعنا نحن نعرف كل شيء. المؤسف أنك تعرف كل شيء، أنت والله لا تعرف شيئاً، وإن كنت تعرف شيئاً فإن هذه المعرفة لا تنفعك بل تضرك، ثم إذا وجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الإصلاح، فإنه -لا أقول: لا يساعده ولا يمد يده إليه- بل ربما يقف حجر عثرة في سبيله، ربما يتكلم عليه بما لا يليق، ربما يرميه ويؤذيه بالألفاظ غير اللائقة، هل هذا هو حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علينا؟
المخاطبون بقوله (كنتم) أنتم! نحن المخاطبون، ألم نسمع قول الله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]؟
بالله عليكم يا إخواني وأنتن يا مسلمات! كل واحد منا يوجه لنفسه هذا السؤال: نحن في شهر رمضان، صائمون لوجه الله -إن شاء الله- ونتردد على المساجد، ونصلي التراويح والقيام، ويمكن أن الواحد منا يتصدق وينفق، بقي عليك سؤال: ما هو الدور الذي قمت به في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! ما هو الدور الذي قمت به في سبيل إصلاح المجتمع؟! هل تكلمت بكلمة طيبة؟! هل وجهت أحداً؟! هل نشرت كتاباً مفيداً؟! هل نشرت شريطاً مفيداً؟! هل حذرت من خطر؟! هل نبهت على خطأ؟! هل بلغت عن فساد وانحلال موجود في المجتمع؟!
كل واحد يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال، ما دوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! الدين عدد لا يقبل القسمة، ليس بصحيح أن تتهجد وتحيي الليل وتصوم النهار، ثم إذا جئناك في هذا المجال؛ وجدناك بارد القلب لا تثور لك غيرة، إن هذا ليس علامة على وجود الإيمان، الإنسان الذي يسمع بأخبار المنكرات ويتحقق من وجودها، وهو بارد الأعصاب بارد العزيمة بارد الدم، لا يتحرك في قلبه عاطفة ولا انفعال ولا تأثر ولا حزن؛ هذا ليس عنده إيمان حقيقي، هذا يدل على تردي مستوى الإيمان في قلبه، إن كان في قلبه إيمان،كأنك تسمع بلاداً أخرى، أو كأنك تسمع أخباراً تاريخية؛ أنه في العصر الفلاني حصل كذا وكذا، وفي العصر الفلاني حصل كذا وكذا، نسأل الله العافية والسلامة.
والآن كثير من ذريات المسلمين قد تأثروا بذلك، فأصبح الواحد منهم إذا جئته في المسجد، قلت: ما شاء الله، بكاء وخشوع وصلاة وذكر وتبكير، وإذا جئته أمام المنكرات، حتى في بيته، دعنا من السوق، دعنا من المنكرات العامة الاجتماعية، نريد أن ننظر في بيته نفسه، نجد في بيت هذا الإنسان منكرات طويلة عريضة، لا يبالي بها ولا يهتم لها ولا ينكرها، ولو قيل له في ذلك، قال: والله ما نستطيع وهؤلاء غلبونا. ما هذا التناقض بين شخصية هذا المتعبد في المسجد المبكر، وبين شخصية الراضي بالمنكرات؟! قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79].
وواجب علينا أن يكون الواحد منا شرطياً عند باب بيته، لا يسمح بدخول أي بضاعة إلا بعد أن يفتشها، لا يدخل شريط أو فيلم أو مجلة أو كتاب أو غيره وأنت غافل مسكين لا تدري، تكون مثل الشرطي عند باب البيت. وهذا لا يكفي، لابد من التوعية، ذكرهم بالله عز وجل، ذكرهم بأيام الله، خوفهم بالله، أحي قلوبهم بالإيمان.
وقبل ذلك كله واجب علينا جميعاً أن نأمر أنفسنا بالمعروف وننهى أنفسنا عن المنكر، فبهذا بعث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فواجب على كل إنسان أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر، ثم ينتقل إلى غيره، فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، هذا حق الإسلام علينا، هذا هو الولاء والبراء في الإسلام.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وأن يجعلنا منهم، وأن يوفقنا إلى الأخذ على أيدي الظالمين، وأطرهم على الحق أطراً، وقسرهم عليه قسراً.
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وبصفاته العليا؛ أن يحيي في قلوبنا الغيرة على الحرمات، والغيرة على الدين، والغيرة على الأعراض. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم إلى صالح الأقوال والأعمال. أسأل الله عز وجل أن يحمي نساء المسلمين من الكيد الذي يراد لهن، وأن يوفقهن إلى التزام الحجاب، وتجنب السفور والاختلاط بالرجال، والخلوة وغير ذلك مما حرم الله عز وجل. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والصلاة والسلام على رسوله القائل: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ} والقائل صلى الله عليه وسلم: {الدعاء هو العبادة} كما رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
هذه مواسم الطاعات والقربات، وهذا أوان الدعوات المستجابات. لقد مدح الله عز وجل رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام بكثرة دعائهم، فقال:إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
ومدح ملائكته عليهم الصلاة والسلام بذلك، فقال جل وعلا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7].
ومدح عباده الصالحين بذلك فقال:تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].
فمدح الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين بكثرة دعائهم واستغفارهم؛ خوفاً من الله عز وجل ورغبة فيما عنده، ولذلك وعد سبحانه بالإجابة: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقد تحقق هذا الوعد الإلهي الكريم منذ آدم عليه الصلاة والسلام إلى يوم الناس هذا، فما من عبد أو أمة يدعو الله عز وجل بصدق وإخلاص وإقبال، دعاءً سالماً من الموانع إلا أجابه الله عز وجل.
هذا موسى وهارون يدعوان الله عز وجل على فرعون وقومه:وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم)َ)[يونس:88]. قال الله عز وجل: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا
ب/ الإجابة ليونس عليه السلام:
وهذا يونس عليه الصلاة والسلام، يخرج من البلد الذي أرسل إليه غاضباً عليهم، إذ لم يجيبوا دعوته، فيركب في السفينة، فيأذن الله عز وجل فتتحرك الرياح والعواصف، فتهز السفينة يمنة ويسرة، فيساهمون ليلقوا في البحر بعض من في هذه السفينة، فتقع القرعة على يونس مرة ومرتين وثلاث، فيلقون به في البحر فيلتقمه الحوت، فيقول الله عز وجل: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] وقال أيضاً: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88].
ج/ الإجابة لمحمد صلى الله عليه وسلم:
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل، فيجيبه الله تبارك وتعالى، يدعو الله على أعدائه الذين آذوه، بينما كان ساجداً في أحد الأيام في الحرم المكي قرب الكعبة، وبقربه جماعة من كفار قريش، فيقول بعضهم لبعض: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان. فيلقيه على ظهر محمد؟ فيقوم عقبة بن أبي معيط، فيأخذ السلا فيلقيه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فيظل عليه الصلاة والسلام ساجداً لا ينهض، حتى تأتي ابنته فتأخذ السلا عن ظهره وهي تبكي، ثم تقبل على المشركين تسبهم، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم، فيقف قرب الكعبة ويرفع يديه ويقول: {اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بـ
ويدعو صلى الله عليه وسلم على غيرهم، فيجيبه الله تعالى فيهم، ويدعو لبعض الناس فيجيب الله تعالى دعوته لهم: {اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، بـ
ويدعو مرة أخرى لـابن عباس، حين قرب له وضوءه وطهوره، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من فعل هذا؟ قالوا:
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لـأنس بن مالك خادمه: بأن يطيل الله عز وجل عمره، ويكثر ماله وولده، فطال عمره حتى كان من آخر الصحابة موتاً، وكثر ماله حتى امتلأت به أودية المدينة وكانت له بساتين في العراق وغيرها تغل في السنة مرتين، وكثر أولاده وأولاد أولاده؛ حتى إنه رأى بعينة قبل أن يموت ما يزيد على مائة من ولده وولد ولده. ودعا صلى الله عليه وسلم لغيرهم فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم.
أ/ الإجابة لسعد بن أبي وقاص:
هذا سعد بن أبي وقاص، كان مستجاب الدعوة، فإذا دعا لأحد أو دعا على أحد أجابه الله عز وجل، قام رجل من الناس فأساء إلى سعد بن أبي وقاص، وظلمه وكذب عليه، فدعا عليه، فأجابه الله تعالى.
وتفصيل ذلك أن أهل الكوفة، كان سعد بن أبي وقاص أميراً عليهم، فاشتكوه إلى عمر، وقالوا: إن هذا الأمير فيه كذا وكذا، حتى إنهم قالوا: إنه لا يحسن أن يصلي. فدعاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأمير العادل المنصف وقال لـسعد: إن أهل الكوفة شكوك في كل شيء، حتى قالوا: إنك لا تحسن أن تصلي. قال سعد: أما إني أصلي بهم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، أطيل في الأوليين، وأخفف في الأخريين. فقال عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق.
ثم أرسل عمر رضي الله عنه لجنة لتقصي الحقائق، فذهبت هذه اللجنة إلى الكوفة، وبدأت تقف في أسواق الناس، وفي مساجدهم، وتسألهم: ما ذا تقولون في سعد؟ فيقولون: لا نعلم إلا خيراً. حتى دخلوا على مسجد لبني عبس، فقالوا لهم: ما تقولون في أميركم سعد بن أبي وقاص؟ قالوا: لا نعلم إلا خيراً. فقام رجل مراءٍ، وقال: أما إذ سألتنا فإن أميرنا سعداً لا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية. رجل فيه ظلم وحيف وإجحاف وجبن وخوف، ولا يساهم في المعارك. فقام سعد بن أبي وقاصوقال: [[اللهم إن كان عبدك هذا قام رياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن]] والقصة في صحيح البخاري ومسلم، فطال عمر هذا الرجل حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وطال فقره حتى إنه يمد يده يتكفف الناس، وتعرض للفتن حتى إنه كان على رغم فقره وشيخوخته وهرمه، يقف في الأسواق يتعرض للجواري يغمزهن، فإذا قيل له في ذلك قال: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.
ب/ الإجابة لسعيد بن زيد:
وكذلك ورث هذا الميراث النبوي الخالد سعيد بن زيد رضي الله عنه، فإن امرأة يقال لها: أروى بنت أوس، شكته إلى مروان بن الحكم أمير المدينة، وقالت: إنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد بن زيد: [[أنا أخذت شيئاً من أرضها، بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الأمير
يذكر بعض المؤرخين أن حاكماً من حكام الأندلس يقال له: أبو الوليد بن جهور، وكان أمير قرطبة، إحدى كبار المدن الأندلسية، حاول بعض جيرانه أن يعتدي عليه وهو يحيى بن ذي النون ويأخذ ملكه في قرطبة، فاستنجد أبو الوليد بن جهور بحاكم من ملوك الأندلس، يقال له: المعتمد بن عباد، وكان ملكاً قوياً شاعراً أديباً مشهوراً، فجاء المعتمد بن عباد فأنجده وقضى على عدوه، ولكن المعتمد بن عباد لما رأى قرطبة، وما فيها من المياه والخضرة والأموال والترف؛ طمع فيها، وبدأ يخطط للسيطرة عليها، وأدرك ذلك ملك قرطبة أو أمير قرطبة ابن جهور، فذكر المعتمد بن عباد بالعهود والمواثيق التي بينهم، وذكره بالله، ولكن المعتمد بن عباد كان مصراً على احتلال قرطبة، وفعلاً تم للمعتمد بن عباد بعد طول كيد وتدبير، ما أراد من حكم قرطبة، وأخذ أمراءها فطردهم منها، وصادر أموالهم، وقتل منهم من قتل، وسجن منهم من سجن، فخرج بنو جهور، أمراء قرطبة، بلا مال ولا جاه ولا سلطان، أذلاء خائفين، مرضى مذعورين.
وبعد أن خرجوا منها التفت الأمير إلى هذا البلدة التي طالما تمتع بحكمها، وعرف أنه لم يخرج منها إلا بسبب دعوات المظلومين، وبسبب الدماء التي سالت ظلماً وعدواناً، وبسبب الأموال التي أخذت بغير حق، وبسبب ظلمه للناس وحيفه في معاملتهم، عرف ابن جهور هذا فالتفت إلى قرطبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كما أجبت الدعاء علينا، فأخرجتنا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كنا فيها فاكهين، فأجب الدعاء لنا فإننا اليوم مسلمون مظلومون.
فدعا الله على المعتمد بن عباد وخرج بنو جهور، وظل المعتمد بن عباد ردحاً من الزمن يحكم قرطبة، ويتمتع بما فيها من الترف، حتى إنهم يقولون: إنه بلغ من ترف المعتمد بن عباد؛ أنه كان عنده جارية جميلة كان يحبها وكان اسمها اعتماد، وفي يوم من الأيام هذه الجارية أطلت من إحدى نوافذ القصر، فشاهدت بعض النساء البدويات يحملن على ظهورهن القرب، قرب السمن وغيره يبعنه في الأسواق، وقد هطل المطر من السماء، وأصبحت الأرض فيها من الوحل والطين، فكان هؤلاء النساء البدويات يطأن في الوحل والطين، وعلى ظهورهن القرب، فأعجب هذا المنظر هذه الجارية، وقالت للأمير: أريد أن أفعل مع بناتي ومع الجواري مثلما تفعل هؤلاء النساء، فقال الأمير: الأمر هين، وأمر بالكافور والمسك وماء الورد فخلط بعضه ببعض، حتى صار مثل الطين في أرض القصر، ولكن ليس من الطين والمطر والوحل، وإنما هو من المسك والكافور والورد، هكذا يكون الترف، ثم جاء بقرب وحزمها بالإبريسم أي بالحرير، ثم حملتها هذه الجارية ومن معها على ظهورهن، وبدأن يطأن في هذا الطين، أو بالأصح في هذا الورد والكافور والمسك، وتم لهن ما أردن، إلى هذا الحد بلغ ترف المعتمد بن عباد، ولكن تلك الدعوة التي أطلقها ابن جهور لا تزال محفوظة، دعوة المظلوم لا تزال محفوظة، والإنسان إذا دعا الله عز وجل وهو موقن، يجبه الله عز وجل إذا كان مظلوماً.
وإني لأدعو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع |
ولذلك فإن ملك النصارى هدد المعتمد بن عباد، وطلب منه مع دفع الجزية أن يتخلى عن بعض الحصون والقصور، فرفض ووجد نفسه مضطراً أن يستنجد بحاكم من الحكام المرابطين وهو يوسف بن تاشفين فأرسل إليه يستنجده، فجاء يوسف بن تاشفين ودخل قرطبة، وخاض معركة ضد النصارى تسمى موقعة الزلاقة، وانتصر على النصارى وطردهم، ولكنه بعد أن انتصر عليهم، تقلبت الأمور حتى وجد يوسف بن تاشفين نفسه مضطراً إلى السيطرة على قرطبة، وقبض على المعتمد بن عباد وأولاده، فقتل بعضهم على مرأى من أبيهم ومسمع، وأودع المعتمد بن عباد السجن، في مدينة في المغرب يقال لها مدينة أغمات، حتى جلس فيها عشر سنوات مسجوناً، ثم انتهت هذه السنوات العشر بموته.
وكان هذا الرجل في المغرب في أغمات مشرداً من كل شيء، القيود في يديه ورجليه، ويرى بناته اللاتي كن بالأمس يطأن بالمسك والكافور، يطأن في الطين والوحل اليوم، وهن يغزلن للناس -يشتغلن بالغزل- من أجل دراهم بسيطة لا يملكن شيئاً، وينظرن نظرة الحياء والاستحياء والخجل، فبكى بكاءً مراً ثم قال: يخاطب نفسه في إحدى المناسبات، وقد فرح الناس واستبشروا بالعيد، قال يخاطب نفسه:
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسورا |
ترى بناتك في الأطمار جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا |
برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيرا |
يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا |
من بات بعدك في ملك يسربه فإنما بات بالأحلام مغرورا |
أيها الإخوة، ولا تزال الدعوات تستجاب من رب الأرض والسماوات، ولذلك فإن عليكم أن تدعوا الله عز وجل وأنتم موقنون بالإجابة، كم نجد في عصرنا الذي نحن فيه من قوم ظلموا فدعو فاستجاب الله لهم، قوم وقعوا في ضر فدعو الله فاستجاب لهم.
ينبغي علينا أن نحرص على أن ندعو الله عز وجل في كل مناسبة، وإني أذكر لكم باختصار أهم الآداب التي يجب على المسلم، أو يستحب للمسلم مراعاتها، إذا أراد أن يدعو الله عز وجل:
وكذلك صح عن عبد الله بن مغفل، أنه سمع ابنه يقول:[[اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة، أو القصر الأخضر، فهو يصف قصراً في الجنة كأنه رآه، فقال له: أي بني إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء } اسأل الله الجنة واستعذ به من النار]] ولذلك فإن أشياء كثيرة يفعلها الناس اليوم، تُعَدُّ من الاعتداء في الدعاء:
أ/ دعاء الله بأسماء لم تثبت:
بعض الناس يدعون الله عز وجل بأسماء لم تثبت، مثل قول بعض الناس: يا سبحان، يا برهان، يا غفران، فهذه أشياء لم ترد في أسماء الله جل وعلا، إنما لا بأس أن تقول: يا رحمان! يا حنان! يا منان! يا ديان! وما أشبه ذلك من الأسماء التي ثبتت لله عز وجل.
ب/ التفصيل في الدعاء:
ومن الاعتداء في الدعاء: أن الناس يفصلون في الدعاء، فإذا دعوا فصَّلوا مثلما سبق، أسألك الجنة كذا وكذا وكذا، ويذكر تفاصيل ما في الجنة، حتى أن بعض الدعاة إذا دعا، يبدأ في وصف الجنة وكأنه في موعظة أو خطبة، ثم يبدأ في وصف النار وكأنه في خطبة تحذير وإنذار، وهذا لا يسوغ في الدعاء، بل هو من الاعتداء.
ج/ الدعاء على أحد بالتفصيل:
ومن الاعتداء: بعض الناس إذا دعا على أحد دعا دعاءً مفصلاً، فبدلاً من أن يقول: اللهم عليك بفلان، أو اللهم عليك بأعداء الإسلام، يبدأ بالتفاصيل، اللهم عليك بفلان، اللهم اجذع أنفه، واقطع أذنه، وافعل به كذا وكذا، وأصبه من الأمراض بكذا وكذا، وافعل بيده كذا، وبرجله كذا وبماله كذا، وبولده كذا، ويبدأ يطيل في الدعاء. ادع الله عز وجل كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، إن كان مستحقاً للدعاء، اللهم عليك بفلان، اللهم عليك بأعداء الإسلام، فإن كان المدعو عليه مسلم، فمن الأولى أن لا تدعو عليه، بل أن تدعو له بالهداية والصلاح والمغفرة.
د/ الدعاء بما لم يرد:
ومن الاعتداء في الدعاء: أن بعض الناس يطيلون بأدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون بعضهم جهال، فيدعون الله عز وجل بدعاء غير مأثور ولا مشروع، ولذلك نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه كان يقول:[[إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء، قالوا: كيف يحتاجون إلى العلماء؟ قال: إنه إذا قيل لأهل الجنة تمنوا، لم يعرفوا كيف يتمنون حتى يذهبوا إلى العلماء فيسألونهم ماذا نتمنى ]] فما كل أحد يستطيع أن يحسن الدعاء ولذلك بعض الناس يريد أن يدعو فيدعو دعاءً غير لائق، وغير مناسب ولا ينبغي، مثل ذلك الرجل الأعرابي -كما ذكره الخطابي وغيره- الذي قام يستسقي وقال: رب العباد ما لنا ومالك، قد كنت تسقينا فما بدالك. هذا لا يليق بالله عز وجل أن يخاطب بهذا: قد كنت تسقينا فما بدالك. الله عز وجل لا يجوز أن يقال له فما بدالك، الله يعلم ما مضى وما يأتي، ولا يغيب عنه شيء جل وعلا.
فالإنسان ينبغي أن يقتصر في دعائه على المشروع، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، وقد سأله الأثرم فقال له: ماذا أقول في آخر صلاتي؟ قال: تدعو بما ورد. قال: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثم ليتخير من المسألة ما شاء}؟ قال: يعني مما ورد.
والمقصود حين نقول مما ورد، لا يلزم بالنص، أي مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان بالنص أو بالمعنى، فالأعرابي الذي كان يقول: {يا رسول الله، إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، إنما أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن} فكون الإنسان يدندن بما ورد، أي من الألفاظ النبوية أو من المعاني النبوية، لكن لا يعتدي بدعاء غير مشروع.
ه/ الدعاء بأمر مستحيل:
وكذلك من الاعتداء في الدعاء: أن يدع الإنسان بأمر مستحيل، مثل كونه يدعو الله أن يبلغه منازل الأنبياء، فإن منازل الأنبياء لا يبلغها أحد غيرهم، ورتب الأنبياء لا يمكن أن يصل إليها أحد من الخلق. ومثل ذلك الدعاء بالخلود، بعض المنافقين إذا دعوا لحاكم أو لأمير، يقولون: خلد الله ملكك وأبَّد سلطانك. الله عز وجل هو الذي له البقاء الدائم في ملكه وسلطانه، أما ملك البشر فيزول، والكرسي يدور بهم، ولو بقي لهم ما انتقل من غيرهم، فهذا من الاعتداء في الدعاء الذي لا يجوز.
أريد أن أختم هذه الكلمة بذكر أسباب الإجابة باختصار شديد، وهي خمسة فاحفظوها:
فهذا من موانع إجابة الدعاء، وقد يدعو الإنسان ويحب الله تبارك وتعالى أن يسمع دعاءه وتضرعه فيؤخر إجابته، والله يجيب دعاء عبده متى ما كانت المصلحة للعبد دنيا وآخرة في إجابة الدعاء، وزالت الموانع.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم افضح أولئك الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم عليك بالظالمين، اللهم عليك بالظالمين، اللهم عليك بأعداء الدين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تنصر عبادك المجاهدين في كل مكان، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم إنك تعلم أن أعداء الإسلام قد تنادوا وتداعوا على هذا الدين من كل حدب وصوب، اللهم فاخذلهم يا عزيز يا كريم، اللهم اخذلهم، اللهم انصر عبادك الصالحين عليهم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر