وها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [فاطر:19-27].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا بنا نقضي هذه الدقائق مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، فأي فوز أعظم من هذا الفوز أن نظفر بفضل الله فنتكلم في ساعة مع الله ورسوله، وهل يظفر بهذا غير المؤمنين في بيوت الله؟
يقول تعالى وقوله الحق: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [فاطر:19] إي والله! ما يستويان، فالأعمى الذي لا يبصر لا يساوي الذي يبصر بعينيه، فكذلك المؤمن يبصر والكافر أعمى فلا يستويان، والموحد مبصر عرف الله وعبده وحده، والمشرك أعمى ما عرف الله وعبد غيره، هل يستويان؟
والمراد من هذا: كيف يستوي ظلمة الكفر والشرك والفسق والفجور مع نور الإيمان والتوحيد؟! هكذا يقول الله لرسوله؛ ليسليه ويحمله على الثبات والصبر وهو في أشد الظروف وأقساها في مكة.
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ [فاطر:22] أيها الرسول صلى الله عليه وسلم بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] فلا تكرب ولا تحزن ولا تتألم، قومك كأنهم أموات في قبورهم، فهل تلام إذا لم يسمعوك؟ لا سمع لهم ولا بصر بل أموات، فلا تكرب ولا تحزن، أما الله يُسمع من يشاء هدايته وولايته، وسعادته وكماله من أهل الإيمان والتوحيد، فما إن تقول: يا رسول الله كلمة حتى يسمعوها وتستقر في نفوسهم ويعملون بها؛ لأنهم أحياء أما الكافرون المشركون أموات.
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ [فاطر:24] أي: حال كونك بشيراً للمؤمنين بما أعد الله لهم وهيأ لهم في الجنة، وفي الدنيا من النصر والطهارة والصفاء والسعادة أيضاً، ونذيراً للكافرين والمكذبين والمشركين بما سينالهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وبهذا قرر الله سبحانه وتعالى نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وبين مهمته.
ثم قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] أي: ما من أمة وجدت على سطح الأرض إلا ولم يخلو منها نذير، فلا بد من رسول ومن نبي يأمرها بأوامر الله وينهاها عن نواهي الله؛ لتكمل وتسعد في الدنيا وفي الآخرة، فإن أجابت واستقامت نجت ونجحت، وإن أعرضت وتكبرت واعتادت على الجهل فهي في جهنم.
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ [فاطر:24] من الأمم صغيرة أو كبيرة.
إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] فلا يعجبون من إرسالك أنت لِم يكذبونك، لِم هذه الأمة ما يبعث فيها رسول؟
أي: وما من أمة إلا وبعث الله فيها رسولاً، فما معنى إنكار الرسالة المحمدية؟
الآن أيضاً لم ينكرونها اليهود والنصارى والمشركون والشيوعيون.
فيقول له: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [فاطر:25] أي: من الأمم جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [فاطر:25] والحجج والبراهين، وَبِالزُّبُرِ [فاطر:25] الصحف وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [فاطر:25] كالتوراة والإنجيل والزبور، وبالفعل حصل هذا، فاصبر ولا تحزن ولا تكرب.
وفي هذا تهديد للمشركين العرب في مكة، فقد يأخذهم الله كما أخذ الأمم السابقة.
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [فاطر:26] أي: كيف كان إنكاري لهم وتعذيبي لهم، فقد كان على أسوأ ما يكون، يدمرون نساءً وأطفالاً في ساعة واحدة، وآية الخسف في الترك الآن تدل العقلاء على هذا، والله! لو شاء الله لخسفت بنا الأرض ونحن جالسون.
كان نكيري لهم وعليهم أشد ما يكون من التعذيب والإنكار والعياذ بالله تعالى.
وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ [فاطر:27] أيضاً طرق بيض وأخرى حمر مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [فاطر:27] والسود كالغرابيب، وهذه الطرق في الجبال، فلن يفعل هذا إلا الله سبحانه وتعالى، لا اللات أو العزى، ولا موسى أو عيسى، فكيف يكفرون بالله، فهل هناك من شريك مع الله في خلق تمرة فقط أو حبة عنب، أو في إنزال قطرة من السماء فقط؟
ثم هذه الخليقة البشرية نفسها، هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أصفر، وهذا أسود وهذا أحمر، هذا وهذا.. وهذا.. من فرق بين ألوانها؟
ومن العلامات الدالة على وجوده سبحانه وتعالى وعلى علمه وقدرته وحكمته ورحمته، قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22]، دائماً نقول: لو تقف وتنظر إلى ثلاثمائة نسمة، فلن تجد اثنين لا يفرق بينهما، بل نقول: لو تقف البشرية كلها على أرض واحدة لن تجد اثنين إلا ويفرق بينهما، فأية حكمة أعظم من هذه الحكمة؟! لو كان جيل فقط في مائة سنة يخرج كله نوع واحد، كيف ستكون الحياة؟
ولكن أي علم أعظم من هذا العلم، وهذا الإيجاد وهذا التقدير وهذه الحكم، ومع هذا يُعبد معه الأصنام والشهوات والفروج والأهواء، ومع هذا ينكر وجوده ويكفر به.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا [فاطر:27] يقول رب العزة: أخرجنا نحن لا غيرنا بِهِ ثَمَرَاتٍ [فاطر:27] وما أكثرها مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا [فاطر:27] حمراء وبيضاء وصفراء وسوداء، وَمِنَ الْجِبَالِ [فاطر:27] الثابتة أيضاً طرق فيها حمراء وسوداء وغرابيب سود، وأصل سود غرابيب: أسود غربيب عند العرب إذا كان أسود يشبهونه بالغراب، فيقال: فلان أسود غربيب، يعني كأنه غراب، وهنا قدم السواد على الغراب.
استحسان ضرب الأمثال من أجل البيان، يستحسن أن للعالم أو الهادي أو الداعي أن يضرب الأمثال؛ لأن الأمثال تدخل في القلوب وينتفع بها السامعون، وها هو تعالى ضربها، فهذه كلها أمثال ضربها الله تعالى.
[ثانياً: الكفار عمي لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم].
من هداية الآيات أن الكفار أموات غير أحياء، وأنهم عمي وصم لا يسمعون ولا يبصرون، فلو كانوا أحياء يسمعون ويبصرون لِم ما يدخلون في الإسلام فيسعدون ويكملون؟ لكن لعماهم وفساد قلوبهم كذا كالأموات ما استجابوا ولا سمعوا.
[ثالثاً: تقرير نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتأكيد رسالته].
تقرير النبوة المحمدية، وقد عرف السامعون والسامعات أن السور المكية دائماً تقرر التوحيد والنبوة والبعث الآخر، وأعظم فيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والدار الآخرة حق وما يجري فيها من جزاء بعد الحساب حق، إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، هذا شأن السور المكية.
[رابعاً: تسلية الدعاة ليتذرعوا بالصبر ويلتزموا الثبات].
تسلية الدعاة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آخر داع سلاهم الله بهذه الآيات؛ ليثبتوا ولا يحزنوا ولا يتركوا الدعوة.
[خامساً: بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم].
بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي: إهلاكهم عند حلول أجلهم والعياذ بالله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر