وبعد.. فإن أهل السنة عندهم قاعدة يقولون: إن أسماء الله وصفاته ليست محصورة بعدد معين، وما ورد في الحديث: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً) لم يقصد منها الحصر، ويستدلون على ذلك بدليلين:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك ... وفيه: أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فدل على أن من أسماء الله ما استأثر الله بعلمه عنده ولا يُطَّلَعُ عليه.
الدليل الثاني: حديث الشفاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأسجد تحت العرش، فيفتح الله عليَّ بمحامد لم أكن أعرفها من قبل) وما يُحمد به إنما يكون في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، فدل على أن لله أسماء وصفاتاً تليق بجلاله وعظمته.
1- صفات ثبوتيه.
2- صفات سلبية.
فالصفات الثبوتية هي التي ورد ثبوتها في الكتاب والسنة كالسمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة.
والصفات السلبية: هي الصفات التي نفاها الله عن نفسه أو نفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كالعجز، والظلم، والولد والصاحبة.. وغيرها.
وصفات الله الثبوتية تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: صفات ذاتية.
القسم الثاني: صفات فعلية.
فالصفات الذاتية: هي التي لا تتعلق بالإرادة والمشيئة، مثل: الحياة، والسمع، والبصر، والعلم.
والصفات الفعلية: هي التي تتعلق بالإرادة والمشيئة، كالمحبة، والغضب، والرضا، والنزول.. وغيرها من صفات الله تعالى، كل هذه الصفات قاعدتنا فيها هي قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] فلا يتطرق إلى أذهاننا شيء من التشبيه أو التجسيم لله سبحانه وتعالى.
وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل |
لفظ: (القديم) عندنا، ولعل هذا اللفظ: (القديم) كان هو السبب في التوقف في نسبة هذه الرسالة أو هذه المنظومة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن يمكن أن يحمل على محملٍ صحيح، وعندها لا يوجد ثمة إشكال في الجملة.
الأصل أن إطلاق القرآن أنه (قديم) ليس هو قول أهل السنة والجماعة ، والسبب في ذلك: أن هذا القول -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- أول من أحدثه هو عبد الله بن سعيد بن كلاب ، وسار عليه طوائف، فـالأشاعرة يرون أن كلام الله قديم، وكذلك السالمية يعتقدون أن كلام الله قديم، ولهذا تُحمل أو تُخرج هذه اللفظة كما في نسخة: (وهو الكريم المنزل) فإذا جاءت: (وهو الكريم) انتهى الإشكال، وليس في العبارة شيء من الوهم، ولكن تحمل على معنىً يقصد به، وهو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة في كلام الله بأنه قديم النوع حادث الآحاد، متعلق بالإرادة والمشيئة بحرف وصوت يسمع، وكل لفظ وجزئية من هذه العبارة ترد على طائفة انحرفت.
وأهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى منضبطون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقولنا: قديم النوع، فيه رد على الكرامية التي تعتقد أن الكلام حدث لله بعد أن لم يكن متكلماً فكان، لم يكن متكلماً ثم حدثت له صفة الكلام، وهذا الكلام ليس صحيحاً بل باطل، والسبب أنه يؤدي إلى أن يكون الله ناقصاً ثم وجد له الكلام فأصبح كاملاً به، ولهذا قالوا: أصلها قديم، أي: أنه لا بداية لكلام الله تعالى، فنقول: أفي هذا الزمن بدأ يتكلم وقبله لم يكن متكلماً؟ بل الله سبحانه وتعالى موصوف بالكلام أزلاً ولا بداية لكلامه سبحانه وتعالى.
قولنا: حادث الآحاد، أي: أن آحاده متجددة، بمعنى: أن الله قبل أن يخلق آدم خاطب الملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] ثم بعد أن خلق الله آدم قال له: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35] هل كل هذا الكلام كان في وقت واحد؟ لا، الله تكلم قبل أن يخلق آدم، ثم تكلم بعد أن خلق آدم، كذلك قال لآدم: اخرج أنت وزوجك، أمرهم بالخروج من الجنة، فحدث كلام، ثم كلم موسى بعد ذلك، ثم كلم محمداً صلى الله عليه وسلم، ولم يزل ربنا يتكلم متى شاء كيف شاء.
وقولنا: متعلق بالإرادة والمشيئة: وهو أنه بمعنى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وإذا أراد الله أن يتكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، دل على أنه متعلق بإرادته ومشيئته، يتكلم متى شاء كيف شاء سبحانه وتعالى وبما شاء يتكلم.
وقولنا: (بحرف وصوت): لا يمكن أن يكون الكلام أبداً إلا بحروف؛ ولأننا نجد من طوائف المبتدعة من تقول: إن الكلام حدث كله في وقت واحد، وهذا قول للسالمية، فمثلاً: بسم الله الرحمن الرحيم، أو أي آية من القرآن قالوا: إنها خرجت جملة واحدة، فلم يتقدم الميم على الباء، في باسم الله، بل خرجت كلها خروجاً واحداً، وهذا كلام باطل لا يمكن أن نسلم به بوجه من الوجوه، بل إن مجرد التأمل -كما قال الإمام ابن القيم- يكفي في بطلان هذا الرأي، وبطلان هذا القول.
وقولنا: (بحرف وصوت يسمع) رداً على المبتدعة الذين يقولون: إن كلام الله لا يسمع، كذلك بالصوت، فقد قال البخاري رحمه الله تعالى وذكره الحافظ ابن حجر وغيره من كبار أئمة السلف: إن كلام الله بصوت، والدليل عليه: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ [مريم:52] والنداء لا يكون إلا بصوت، إذا قيل: نادِ فلاناً، لا يمكن أن تناديه بدون صوت، والله سبحانه وتعالى نادى موسى عليه الصلاة والسلام، ونادى محمداً، وحصل له مناداة ومناجاة، ويقال: إن النداء يكون بصوت مرتفع، والنجاء يكون بصوت منخفض، وكلها تدل على أن فيها صوتاً، وأنها تسمع، فسمع آدم كلام الله, وسمع موسى كلام الله، وسمع محمد صلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى.
نأتي إلى لفظ: (القديم) إطلاق القدم بالنسبة للرب سبحانه وتعالى نجد أن صاحب الطحاوية قال: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء) والأصل عندنا في الألفاظ التي نصف الله تعالى أو نسمي الله بها أنه لابد فيها من نص، فلفظ القديم لا نطلقه على الله تعالى على أنه من أسمائه وصفاته لأننا لم نجد له دليلاً من كتاب ولا سنة، وإنما الدليل ورد في الأول: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) أما إطلاق (القديم) فإنه لا يعتبر من أسماء الله الحسنى.
ومن غرائب المتكلمين أنهم يجعلون أخص وصف لله هو القدم!! وهذا قول للمعتزلة ، وذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن لفظ القدم ليس من الأسماء أو الصفات التي هي حسنى، والسبب: أن الله لما ذكر القمر قال: حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:39] والعرجون القديم دل على أنه كان من قبل فيه كمال ثم رجع عرجوناً، والعراجين هي في النخل يحصل فيها ميلان، ثم بعد ذلك كانت قبل ليست مائلة، ثم حدث فيها ميلان، ووصف القدم يدل على أنه كان سابقاً فيه شيء من الحسن، ثم بعد ذلك تقادم فأصبح الناس لا يرون فيه حسناً، ولهذا تجد أن العملات القديمة والآثار القديمة وغيرها ليست مجالاً لأن يعتز بها وتعتبر شيئاً حسناً في الجملة، ولهذا لما ذكر الله: أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [الشعراء:76] يعني: المتقدمون عليكم أنتم.
وذكر الله أن فرعون يقدم قومه يوم القيامة بمعنى: يتقدم قومه، وسميت القدم قدماً نظراً لأنها تتقدم على جسد الإنسان أو على بدنه في المشي، لكن إدخال (القديم) في أسماء الله الحسنى ليس بصحيح، بل هو مشهور عند أهل الكلام ، وقد أنكر السلف عليهم في هذا، ولكن نقول: الأولى الأخذ بضابط الشرع ونقول: (أنت الأول فليس قبلك شيء) وهو الصحيح الذي دل عليه الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه |
أي: كل كلام في هذا الوجود فهو كلام الله تعالى، وهذا قول باطل، وهو مبني على أصلهم الذي أصلوه، وهو أن عين هذا الوجود واحد، فيقولون:
العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف |
إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنَّى يكلف |
أي: لا فرق بينهما إطلاقاً، وهذا كلام لا شك في بطلانه، وقد دل الكتاب والسنة على نفي هذا، وأصل المذهب باطل، فإنهم يقولون: إن كل شيء في هذا الوجود هو رب ولا فرق فيه.
إذاً .. الكلام هو كلام الرب، وليس هناك فرق بينه وبين كلام غيره من المخلوقات.
1- قوة التأثير.
2- قوة التصور والتخيل.
3- قوة التعبير، فإذا وجدت هذه يمكن أن يكون الإنسان نبياً، وأن يخرج للناس قرآناً أياً كان هذا الشخص، بشرط أن توجد فيه هذه الشروط وهذا الكلام لا شك في بطلانه، بل هذا هو عين الكفر، إذ أنه كيف يمكن أن تكون النبوة مكتسبة، وبناءً عليه يقولون: إن قضية الأنبياء والرسل والملائكة وغيرهم هذه تخيلات يتخيلها النبي فقط، ولا يوجد ملك يكلمه، أو يوجد كلام صدر إليه، وإنما هو من عقله الفعال.
ومن الأمثلة على قضية التأثير العقلي الفعال: أنك قد تسير في الطريق بسيارتك، وتنظر إلى أمامك وإذا بشخص يحرك يديه ويتكلم، تمر ولا أحد عنده يتكلم معه، وعنده مشكلة معينة أو موقف معين، فيفرغ ما في نفسه بالكلام وبالصوت، ويحرك يديه تحريكاً عنيفاً، ويتحدث، وتشعر أنه تكلم، وهو الآن ليس عنده أحد، لكن أصبح عقله يتفاعل مع الحدث الذي حدث، فهم يقولون: محمد عنده هذا التصور وأخرج للناس قرآناً، ويمكن أن يكون لكل أحد، ولا شك أن هذا هو الكفر وهذا باطل.
كون كلام الله نفسي هذا باطل، وكون معناه واحد باطل، وكون التوراة والإنجيل والقرآن كلها واحدة هذا ليس بصحيح .. هل ما ورد في القرآن هو ما ورد في التوراة وهو ما ورد في الإنجيل؟ لا، والله قد قال: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] فجعل الله لمحمد شرعة، وجعل لموسى شرعة، ولعيسى ولغيره من أنبياء الله جعل لكل واحد شرعةً ومنهاجاً.
ونحن نقول: هل الكلام صفة مدح أم صفة ذم؟
الجواب: بالاتفاق أن الكلام صفة مدح، وبناءً عليه إذا قلنا: إن الله لم يكن متكلماً ثم تكلم كان يلزم منه أن يكون الله فيه نقص ثم بعد ذلك حدث له الكمال، وهذا كلام باطل، ونحن نعلم أنه لم يحدث لله صفة لم تكن من قبل.
ولهذا قال الطحاوي رحمه الله في متنه: (ليس بعد خلق الخلق استفيد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفيد اسم الباري) ولهذا قال: (له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق) دليل على أنه لم تطرأ عليه صفة لم تكن موجودة من قبل، بل هو سبحانه وتعالى قبل أن يخلق وبعد أن خلق صفاته واحدة لم يحدث له شيء من التجدد.
وكذلك من عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن: أنه كلام الله، منزل، ودل على تنزيله: تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] وكذلك تنزيل الكثير من القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185].. إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] كذلك نقول: إنه غير مخلوق والدليل على ذلك قول الله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] فدل على أن الخلق غير الأمر، والقرآن من الأمر وليس من الخلق، والله يقول: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] ففرق الله بين الخلق وبين الأمر، فلو كان القرآن مخلوقاً لدخل في الخلق، فدل على أن الخلق غير الأمر، والقرآن غير مخلوق.
وقولهم: (وإليه يعود) يحتمل معنيين:
المعنى الأول: إليه يعود، كما روي في بعض الآثار أنه إذا لم يعمل الناس بالقرآن، أي: أطبقت الأرض على عدم العمل به، ينزه الله كتابه فيرفعه من صدور الناس ومن مدادهم، وقد روي فيها بعض الآثار، قالوا: وذلك حين تهدم الكعبة، وقالوا: قياساً على الكعبة، فإنها إذا تعطلت فلا أحد يستفيد منها ولا يحجون إلى بيت الله، ولا يعتمرون ولا غيره أرسل الله ذو السويقتين رجل من الحبشة يأتي بقومه من جهة البحر، ثم ينقضون الكعبة حجراً حجراً، وترمى في البحر.
قالوا: ومثله القرآن يُسَرَّى به من القلوب ومن المداد، فلا يبقى منه شيء.
المعنى الثاني: أي أنه يعود إلى الله تعالى وصفاً، فهو الموصوف به سبحانه وتعالى لا يوصف به أحد سوى الرب سبحانه وتعالى.
1- كلمات دينية.
2- كلمات كونية.
فالكلمات الكونية: هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات)وهذه الكلمات الكونية ليست مخلوقة أبداً، ولو كانت مخلوقة ما جاز لنا أن نستعيذ بمخلوق، وإنما نستعيذ بالله تعالى، ونحن إذا أردنا أن نسأل الله نسأله بأسمائه وصفاته.
أما كلمات الله الدينية فهي التي تتعلق بشرعه، ومنها: القرآن، قالوا: فالقرآن يعتبر من كلمات الله الشرعية.
قضية التكليم لا شك أنها صفة وميزة خص الله بها بعض خلقه، فممن ميزه الله بصفة التكليم كما ذكر الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253] فممن كلم الله الملائكة، وكلم الله آدم عليه الصلاة والسلام، وكلم الله موسى عليه الصلاة والسلام، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما ورد في عبد الله بن حرام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحاً) دل على أن هذه ميزة، وهذا مما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية.
1- كوني قدري.
2- ديني شرعي.
فالكوني القدري هو الذي توجد به الأشياء كلها، من نزول الأمطار، وإحياء الأرض بعد موتها، وكذلك في خلق الناس وإيجادهم وغيره، قالوا: هذه تتعلق بالكوني القدري، ومنه قول الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
الكلام الثاني: الديني الشرعي، وهو المتعلق بقضية التحليل والتحريم، ويرتبط بالكتب المنزلة التي أنزلها الله على رسله عليهم الصلاة والسلام، وتكليم الله تعالى لخلقه يكون بأنواع:
1- تكليم بلا واسطة: كما كلم موسى وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم وكلم الأبوين.
2- تكليم بواسطة: وهي التي تكون عن طريق إرسال الرسل إليهم، وهذه حدثت لأنبياء الله وللرسل عليهم الصلاة والسلام.
يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن المضاف إلى الله نوعان:
الإضافة الأولى: إضافة أوصاف.
الإضافة الثانية: إضافة أشخاص أو ذوات.
فالأول: المضاف إلى الله تعالى مثل: سمع الله، بصر الله، كلام الله، وهذا لا يمكن أن يكون مخلوقاً أبداً، بل هذا يعتبر صفة من صفات الرب سبحانه وتعالى.
والثاني: المضاف إلى الله إضافة أعيان، كبيت الله، وناقة الله، فهذه تسمى أشياء مخلوقة، لماذا أضيفت إلى الرب؟
من باب تشريفها وعلو مكانتها.
فإذا قيل: هذا بيت الله تعالى، الكعبة بيت الله لها تعظيم، المسجد بيت الله، لكن بالنسبة لسمع الله وبصر الله، فهذا يعتبر من صفات الله تعالى، ولا يمكن أن نقول: إنه مخلوق كما قالت المعتزلة كما في قولهم: إن القرآن من المخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى.
وسيأتي إن شاء الله الكلام على قول المؤلف:
وإذا استدل يقول قال الأخطل |
وهذا هو مذهب الأشاعرة، وأنه معنى نفسي، واستدلوا ببيت باطل، وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من تسعين وجهاً أبطل به مذهب الأشاعرة، ومواقف شيخ الإسلام هي التي جعلت الأشاعرة يقفون منه مواقف عظيمة، وكانوا يدققون عليه في كل صغير وكبير، مما أدى ذلك إلى سجنه عدة مرات بسبب صدعه بالحق، وإبطاله لبعض المذاهب التي كانت موجودة في عصره، سواء كانت ماتريدية، أو أشاعرة، أو معتزلة، أو مبتدعة، فيما يتعلق بألوهية الله والتوسل .. وغير ذلك.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فلم يقل أحد من السلف بهذين القولين أبداً، ولم يقل أحد منهم: إن القرآن عبارة عن كلام الله ولا حكاية، ولا قال أحد منهم: إن لفظي بالقرآن قديم، بل كان السلف يقولون: ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات صفة الكلام لله تعالى على ما يليق بجلال الله وعظمته.
الأولى: نفي صفة العلو عن الله تعالى؛ لأن الله يقول: تَنْزِيلٌ [فصلت:2] والنزول لا يكون إلا من العلو.
فإذا قيل: إن الله سبحانه وتعالى لا يتكلم نفيت عنه سبحانه وتعالى صفة العلو.
الثانية: يلزم عليه كذلك نفي الرسالة، ويؤدي إلى نفي الكتب السماوية، كيف بلغت الرسالة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا عن طريق الكلام، وأن الله كلمهم سواء كان الكلام بواسطة أو بغير واسطة، فمن الواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام يبلغ ما أراد الله إلى رسوله، مثلما جاءت: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1].. يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1].. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1] هذا كلام الرب سبحانه وتعالى، فإذا نفيت الكلام نفيت النبوة والرسالة، ونفيت الكتب السماوية كلها، وأدى إلى نفي عدد من الصفات لله سبحانه وتعالى، وهذا يؤدي إلى تعطيل عظيم.
سبحان الله! نجد بعض الصفات متلازمة، إذا أثبتَّ صفة أثبتَّ الجميع، وإذا نفيتَ صفة لزم عليك أن تنفي عدداً من الصفات التي تثبت للرب سبحانه وتعالى.
الأصل عندنا أن مثل هذه الكلمة لم يقلها الصحابة رضي الله عنهم، ولم يتكلموا فيها، ولكن لما قويت فتنة المعتزلة ، وكان لهم من المسائل احتاج العلماء أن يبينوا: هل لفظه بالقرآن مخلوق أم لفظه بالقرآن غير مخلوق، وهذه من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى شيء من التفصيل.
فإن قصد به الملفوظ أي: القرآن مخلوق كان معتزلياً، والقرآن ليس بمخلوق، لكن إن قصد أن صوته وكلامه هو الذي تكلم، وليس الُمَتَكَلَمَ به أنه مخلوق فهذا لا مانع منه، كما نقول: المداد مخلوق وهو ما يكتب به القرآن، والصحف مخلوقة، وصوت الإنسان مخلوق، وأنا إذا تكلمت فهذا مخلوق، لكن ما أتلفظ به من القرآن فليس بمخلوق، بل هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي هو صفة من صفاته، ولهذا يجوز للمسلم أن يحلف بالمصحف فيقول: والمصحف أو والقرآن، نظراً لأنه هو القرآن، ولا يقصد به المداد والأوراق، وإنما يقصد به ما نسميه كلام الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى.
ذكر العلماء في مسألة النزول رداً على من قال إن النزول يدل على أنه مخلوق، وهذا كلام باطل، وذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الإنزال والنزول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: إنزال من السماء وهذا مخلوق، وهو قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:48].
القسم الثاني: إنزال مطلق، مثل قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] وهذا مخلوق.
الثالث: إنزال منه سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ [النحل:102] قالوا: فهذا هو كلام الله الذي نزل به جبريل، وليس هو مخلوق، وإنما ذكر العلماء هذا التفصيل من باب الرد على المعتزلة في قولهم: إن القرآن مخلوق، وليس القرآن مخلوق، بل القرآن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.
وكون الكلام صفة فعلية، بمعنى: أنها تتعلق بإرادة الله تعالى ومشيئته متى شاء، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فالله يتكلم متى شاء كيف شاء بما شاء سبحانه وتعالى، ويقولون: إن صفة الكلام قائمة بذاته، لئلا تكون شيئاً خارجاً عن ذاته كما يقول بعض المبتدعة، وهذا لا شك أنه كلام باطل.
وبناءً عليه نقول: إن أهل السنة والجماعة يقولون: إن هذا القرآن الذي نقرؤه بألسنتنا، ونحفظه في صدورنا، ونكتبه بألواحنا، وكذلك نعلم أنه كلام الله تعالى لفظه ومعناه، الواجب علينا ألا نبحث عن كيفيته، نعرف مدلول الكلام؛ لكن كيف يتكلم الرب وغيره الله أعلم بها، نقول كما قال الإمام مالك : (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وهذا مما يجب.
سبحان الله! جاءت صفة الكلام صفة كمال، وفي الضد في النقص انتقد العجل الذي اتخذه قوم موسى، ومما نقد به: أنه لا يتكلم ولا يرجع لهم قولاً، كما في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ [الأعراف:148] دل على أن من لم يتكلم فهو ناقص، والله هو المتكلم وله الكمال سبحانه وتعالى.
ومن قبح المعتزلة أن بعضهم قال لـأبي عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة: أريدك أن تقرأ: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] جاءت في القرآن (الله) فاعل قال: (وكلم اللهَ موسى) بنصب لفظ الجلالة، ليكون موسى هو المتكلم، أي: أن موسى هو الذي كلم الله!! فقال له أبو عمرو رحمه الله: هب أني قرأتها مثلما قلت، فماذا نعمل بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] أي: هب أني غيرت هذه فكيف أغير الأخرى؟!! فبهت المعتزلي ولم يستطع أن يتكلم بجواب، وهذا يعتبر من التحريف اللفظي الذي انطلق إليه المبتدعة.
كان يوجد في أستار الكعبة قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فكان بعض كبار المعتزلة يقول: إني لأتمنى أن أحك هذه من المصحف!! حتى لا يتعلم الإنسان صفة الاستواء على العرش، ويسمى هذا من التحريف اللفظي، لأن التحريف الأصل فيه التغيير.
وينقسم التحريف إلى قسمين:
1- تحريف لفظي.
2- تحريف معنوي.
وهذا التحريف تحريف لفظي.
وكذلك (إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض) إلى غير ذلك.. أحاديث كثيرة جداً تبين لنا أن الله سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء، كيف شاء، بكلام يليق بجلاله وعظمته.
وأقول قال الله جل جلاله والمصطفى الهادي ولا أتأول |
أقول: ذكرنا أن القول يطلق ويراد به الاعتقاد، أي: وأعتقد بما قاله الله تعالى.
و(الله) علم على الرب سبحانه وتعالى، وذكرنا أن هذا اللفظ لا يطلق إلا على الله تعالى أبداً، ولا يجوز أن يسمى به أحد غيره.
والصحيح أن الله مشتق، وبعضهم يقول: إنه غير مشتق، والذي يظهر أنه مشتق، ويستدل له بقول الله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:3] قوله (في السماوات) متعلق بلفظ الجلالة، أي: أن الله سبحانه وتعالى هو المألوه في السماوات وفي الأرض.
أما (جلاله) قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: الجلال هو العظمة، وفي لسان العرب ذكر جلّل، وقالوا في لفظة جلّل: الله جليل، وقالوا: الله الجليل سبحانه وتعالى، وهو ذو الجلال، وقد ورد في القرآن: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:77-78] قالوا: والجليل هو سبحانه وتعالى أي: المقصود به: الموصوف بنعوت الجلال، والجليل المطلق راجع إلى إطلاقه على الله، راجع إلى كمال صفاته سبحانه وتعالى، فهو المستحق للصفات الكاملة لا يُشرك معه فيها أحد.
والهداية تنقسم إلى قسمين:
1- هداية دلالة وإرشاد.
2- هداية توفيق وإلهام.
هذه تسمى هداية الدلالة والإرشاد، أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم يهدي الناس ويدلهم ويرشدهم إلى طريق الخير والصلاح لهم.
وفي ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم مصطفى وهادٍ تنويه بشأنه وعلو منزلته، فإن الرب اصطفاه، وأصبح هادياً للناس لكل خير.
الإطلاق الأول الذي عند السلف : بمعنى التفسير، وهذا إطلاق صحيح، ولذلك كان ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول: (تأويل هذه الآية) في تفسيره دائماً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وهذا المعنى صحيح.
الإطلاق الثاني الذي يطلق عند السلف : هو حقيقة الشيء وما يئول إليه، ومنه أن عائشة رضي الله عنها: لما نزلت إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في ركوعه وسجوده من أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، قالت: كان يتأول القرآن) أي: حقيقة الشيء وما يئول إليه، أخبر بهذا الشيء فطبقه النبي صلى الله عليه وسلم، وكما في قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53] دل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يحذرون الناس، ويخوفونهم من عقوبة الله تعالى، فإذا نزلت أخبر هؤلاء وقالوا: هذا تأويل الذي ذكره الأنبياء وأخبرونا به فأصبح.
قالوا: ومنه قصة يوسف عليه الصلاة والسلام لما قال: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً [يوسف:100] فإن يوسف لما كان صغيراً قال لأبيه: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4] ثم أخبره والده ألا يخبر أحداً، فلما بلغ وكبر أدخل أبويه إلى مصر وخروا له سجداً ورفع أبويه، فلما أخبر، قال: هذا تأويل، هذا حقيقة ما أخبرتك يا أبت، هذا الآن وقع، هو معنىً صحيح.
القول الثالث: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر لوجود قرينة، قالوا: وهذا القسم لا يرد على إطلاقه، ولا يقبل على إطلاقه، وإن كان هذا المفهوم انطلق به المبتدعة لنفي ما دلت عليه النصوص الشرعية من المعاني الصحيحة، وكان بهذا انحرافاً، ولذلك جاء التأويل: (يد الله) قالوا: هي القدرة (غضب الله) قالوا: هي إرادة الانتقام أو إرادة الإنعام في الرضا، ولا شك أن هذا معنىً باطل، وليس كل ما ورد في اللغة العربية على إطلاقه يؤخذ به فتفسر النصوص، فمثلاً نجد اليد في اللغة بمعنى القوة، ولهذا تجد الحكام والسلاطين وغيرهم يقولون: أي شخص يخالف هذا الشيء نضرب عليه بيد من حديد، هل معه يد من حديد يضرب بها الناس؟ لا، وإنما يقصد بها القوة، أي: أنه يتكلم بمنطق القوة.
وقالوا في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] أي: القوة، إذاً.. ليس معنى هؤلاء المبتدعة أن الله ليس له إلا قوتين فقط، أو النعمة، فمثلاً: حصل لك حادث وأعطاك شخص مالاً أو غير ذلك، فإنك تقول عن هذا الشخص: والله إن له يداً عندي لا أنساها أبداً، وقد أحسن، هل معناها: أعطاك يده؟ لا، وإنما أنعم عليك، وأحسن إليك بشيء فلا تنساه، فهل إذا قلنا: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]لم يكن لله إلا نعمتين فقط، هذا تأويل باطل، والله يقول: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ المائدة:64] وأخبر: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] إلى غير ذلك من النصوص الدالة على إثبات الصفات لله تعالى.
إذاً.. هذا هو مدلول التأويل، ولهذا نجد المبتدعة انطلقوا بقضية التأويل لتغيير ما دلت عليه النصوص، ولم يفهموا ما بُيِّنَ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا بيان لمنهج أهل السنة والجماعة ، وأن منهج أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد هو التوقيف، أي: الأخذ بما دلت عليه النصوص، فهو لا يأتي برأي من عنده، وإنما يأتي بما قاله الله جل جلاله وبما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتوقيف هو أن يأخذ الإنسان بالنصوص، وإذا قلنا: هذا شيء توقيفي قطعنا وبينا أمرين:
الأمر الأول: أنه ليس للعقل فيه مجال أبداً.
الأمر الثاني: أن هذه المسألة التوقيفية ليست محلاً لاجتهاد العلماء فيها أصلاً، فإذا قطعنا عن العقل وقطعنا عن اجتهاد العلماء أصبح التلقي فيها كاملاً بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويُفهم منه أنه يأخذ بظاهر ما دلت عليه النصوص، وقد ذكرنا قاعدة في باب الأسماء والصفات وهي (الأصل في نصوص الأسماء والصفات إبقاؤها على ظاهرها، وعدم التعرض لها بتأويل أو تحريف أو تشبيه أو تكييف أو تمثيل) أو غيره مما ينطلق إليه المبتدعة في مقالتهم.
والتعطيل في الاصطلاح: هو نفي ما دلت عليه النصوص من إثبات أسماء الله وصفاته أو غيره، ويدخل التعطيل على وجه العموم ما ذكرنا سابقاً في أنواع التعطيل الثلاثة التي ذكرها الإمام ابن القيم : تعطيل المعاملة، وتعطيل الصانع عن مصنوعه، وتعطيل الله عن كماله المقدس، وكل هذه الأنواع باطلة، وأهل السنة لا يعطلون أبداً إطلاقاً.
قالوا: إن الكيفية أن يذكر كيفية الصفة، مثل أن تقول مثلاً: كيف جاء زيد؟ فتقول: جاء ماشياً، هذه كيفيته، ولذلك إذا قال: كيف يتكلم الله؟ يحتاج إلى تفصيل، كيف تتكلم أنت؟ معروف أن كلام الإنسان يتكلم بحركة لسانه وبغيره وتأتي ارتباطات أخرى، ومن لم يكن له لسان في فهمنا نحن بالنسبة للبشر لا يستطيع أن يتكلم، لكن قد يتكلم الإنسان بدون لسان وبدون شفتين وأوتار صوتية: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] وقد تتكلم الطاولة، وقد تتكلم الحجر، وقد تتكلم البهيمة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذئب عدى على غنم، ثم لما جاء الراعي واستنقذها منه، قال: (من لها يوم لا راعي لها إلا أنا، فعجب الصحابة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا أؤمن بذلك و
قالوا ومن مثاله: يسألك كيف لون منزلك؟ أو كيف لون المسجد؟
تقول: لونه أبيض.
ولذلك قد يجتمع التكيف والتمثيل في جهة واحدة؛ لأن التكييف ذكر كيفية غيره مقرونة بمماثل، فإذا قرنت بمماثل صار التكييف والتمثيل شيئاً واحداً، فأقول: هذا القلم مثل هذا القلم، فكان فيه تكييف وتمثيل.
فمثلاً: لو جئت بلفظة، ثم قلت مثلاً في أول مرة يسمعها الناس، حروفها عربية، لكنهم لا يعرفون مدلولها، ستجد السؤال: ما هذا الكلام؟ لكن إذا قلت مثلاً: قام، جلس، يكون عنده تصور وفهم، فإذا قلت: ينزل ربنا، انتهى الإشكال، ليس فيه مجال لشخص بأن يأتي ويقول: أعوذ بالله! أنت تقول: إن ربنا مثل المخلوق، لأنه بمجرد الإضافة والتخصيص تلغى قضية التشبيه.
إذاً.. التعبير بلفظ التمثيل أولى من التشبيه لأمور:
الأول: لأن القرآن عبر بالتمثيل ولم يعبر بالتشبيه.
الثاني: أن التشبيه عند بعض المبتدعة يقصد به إثبات الصفات، فمثلاً: الأشاعرة والمعتزلة والجهمية يسموننا أهل السنة مشبهة، قلنا لهم: لماذا تقولون مشبهة؟ قالوا: أنتم تثبتون لله يداً، تثبتون لله قدماً، تثبتون لله إصبعاً، تثبتون أن الله يضحك، أنتم مشبهة، فلما كان لفظاً قد يرد فنقول: لو جيء بدلاً منه بالتمثيل كان أولى.
الأمر الثالث: أن نفي التشبيه ليس على إطلاقه، بخلاف التمثيل فعلى إطلاقه ننفيه عن الله، لا نقول: لا يوجد مشابهة بين الخالق والمخلوق أبداً، لأننا قلنا: يوجد اشتراك بينهما في الاسم وفي المعنى المطلق الكلي العام.
أولها: الكتب التي كتبت عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كـالإصابة، والاستيعاب، وأسد الغابة، وكذلك فضائل الصحابة للإمام أحمد، وكل من كتب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ منهم منهجهم.
ذكرت لكم ممن كتب عن الصحابة سابقاً الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في سير أعلامه، وأظن أني ذكرت مثالاً عن الجزء والصفحة، في (92- 93) ذكر الكلام الذي نقلته: بأنه ينبغي محو ما ورد من الكلام في الشجار بين الصحابة لئلا يكون في نفس الإنسان وغيره.
واللالكائي رحمه الله تعالى، والإمام ابن بطة العكبري في شرح الإبانة، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، وفي عقيدته الواسطية، وفي منهاج السنة النبوية، كتب كثيرة جداً، بل ولا نجد كتاباً فيه عقيدة أهل السنة والجماعة إلا ويتطرق لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بالنسبة لباب الأسماء والصفات، مما تميز به تميزاً عجيباً شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولعلنا نقول: من قبله الإمام أحمد رحمه الله تعالى فإنه كتب في رده على المعتزلة ، والإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى فقد رد على بشر المريسي ، والإمام ابن مندة رحمه الله في كتابه الإيمان بين بطلان ما كان عليه المبتدعة، ومنهج أهل السنة في باب الأسماء والصفات.
شيخ الإسلام ابن تيمية نثر الكلام على باب الأسماء والصفات من أعظم ما أفرد فيه العقيدة الواسطية وهي مختصرة، ومن أشملها تقعيداً وتأصيلاً الرسالة التدمرية، وإن كانت حقيقة عندما يدرسها الإنسان في البداية تسمى المدمرة؛ لأن الإنسان لن يستوعبها بسهولة، وتحتاج إلى حل عباراتها، وفيها نوع من الصعوبة، لكن إذا أصَّل الإنسان وقرأ كتباً قبلها، كـالواسطية ثم بعد ذلك العقيدة الطحاوية ، ثم الحموية ، إذا تدرج سهلت عليه الرسالة التدمرية لأنه ذكر فيها قواعد نفيسة رحمه الله تعالى.
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، وهو كتاب عظيم جداً، وإن لم يطبع إلا جزء منه، والمطبوع الآن كاملاً له مختصر، وذكر فيه ردوداً، وكذلك شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين ألف القواعد المثلى، وجمعها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وأفردها في رسالة لطيفة نفيسة، وإن كنت أقول حقيقة إنها تحتاج إلى أن تقرأ، ونقترح لو أتت دورات قادمة أن يُقرأ هذا الكتاب ويؤصل؛ نظراً لأنه مفرد إفراداً كاملاً في باب الأسماء والصفات حتى يكون الإنسان عنده وضوح في فهم أسماء الله وصفاته، ويوجد كتاب في صفات الله لـعلوي السقاف وكتاب آخر للدكتور إبراهيم البريكان كذلك هي في أسماء الله وصفاته مفردة.
وتوجد كتب كتبت في شرح الأسماء الحسنى ولسنا بصددها؛ لأن بعضهم ينحى إليه منحىً لغوياً، وكتب ألفت من كتب الأشاعرة والمبتدعة لا يلتفت إليها في أسماء الله وصفاته، وممن كتب من الأشاعرة الفخر الرازي وأبو الحسن الأشعري والقرطبي صاحب التفسير، ولا يحتج بقوله في أسماء الله وصفاته في تفسيره ولا في كتابه، وإن كان لم يطبع، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر