يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فمرحباً بكم -أحبتي في الله- وأسأل الله جل وعلا بدايةً أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يجعل شهر رمضان شاهداً لنا لا علينا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار بمنه وكرمه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأحبة: لقد توقفنا في شهر رمضان مع فضائل هذا الشهر العظيم، فتعالوا بنا لنواصل حديثنا مرة أخرى ألا وهو: دروسٌ من سورة النور، فنحن اليوم على موعدٍ مع الدرس السادس من دروس سورة الستر والعفاف سورة النور، وما زال حديثنا بفضل الله جل وعلا عن الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام سياجاً حامياً وواقياً لأفراده من الوقوع في الفاحشة الكبرى -والعياذ بالله- ولقد جمعنا هذه الضمانات الوقائية في عدة ضمانات:
أولاً: تحريم النظر إلى المحرمات.
ثانياً: تحريم التبرج وفرض الحجاب على المرأة المسلمة.
ثالثاً: تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر.
رابعاً: تحريم الغناء الخليع الماجن.
خامساً: الحض على الزواج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، والحض على الصوم لمن لا يستطيع، والحض على عدم المغالاة في المهور.
ونحن اليوم بفضل الله جل وعلا على موعدٍ مع الضمان الثالث من هذه الضمانات ألا وهو: تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر، فأعيروني القلوب والأسماع -أحبتي في الله- ونسأل الله بدايةً أن يرزقنا التوفيق والصواب، إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة: إن الإسلام منهج حياةٍ متكامل لا يقوم على العقوبة ابتداءً، وإنما يقوم على توفير الأسباب للحياة النظيفة الطاهرة، ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الأسباب الميسرة، وذهب ليتمرغ في الوحل والطين والتراب طائعاً مختاراً غير مضطر.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع طاهرٍ نظيف لا تستثار فيه الدوافع والشهوات الكامنة؛ لذا فقد وضع مثل هذه الضمانات والضوابط والقيود.
إن الإسلام العظيم إنما هو تشريع الذي يعلم من خلق: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه [البقرة:140] ... أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إنه دين الله جل وعلا، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
لأن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق في التكوين النفسي والحيوي؛ لأن الله قد أناط به امتداد الحياة على ظهر هذه الأرض، لذا فهو ميلٌ دائمٌ لا ينقطع ولا ينتهي، والمرأة بطبيعتها فطرت على الأنوثة والجمال وحب الزينة؛ ليتم الانسجام بينها وبين شريك حياتها كما أراد الله، والإسلام لم يتنكر لتلك الفطرة التي فطرت عليها المرأة، ولم يعاكسها الإسلام في أنوثتها، وحبها للزينة والجمال، ولكن الإسلام أحاطها بسياجٍ من الوقاية لا كما يقول زعماء وعبيد المدنية السوداء: بأنكم تخافون على نسائكم أكثر من خوف الغرب الملحد والكافر على نسائه، نقول: ليس كذلك يا دعاة الغربية والمدنية! تحت ستار التحرر والتطور الأسود، وإنما لأن امرأتنا في الإسلام درةٌ مصونة، ولؤلؤة مكنونة، لا يريد الإسلام لها أن تعبث بها الأيدي الآثمة، ولا أن تمتد إليها النظرات السانية، إنما هي أمنا وأختنا وبنتنا وزوجتنا، فهي في غاية من الصون والحفظ والعفاف.
الإسلام ما أحاط المسلمة بهذه الضمانات إلا حماية لها، وحرصاً عليها، وحفظاً لها ابتداءً، ولأفراد مجتمعها المسلم الذي تعيش فيه انتهاءً.
فالخلوة محرمة بين الرجال والنساء، والاختلاط محرم في دين الله جل وعلا، ونظراً لأن هذا الموضوع طويل -أيها الأحبة- فسوف أركز فيه الحديث في عدة عناصر:
أولاً: خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية والأدلة على تحريمها.
ثانياً: صورٌ من الخلوة المحرمة شرعاً.
ثالثاً: مأساة من الواقع، وعظة من القرآن.
رابعاً: خطورة الاختلاط والأدلة على تحريمه.
خامساً: صورٌ من الاختلاط المحرم شرعاً.
سادساً: مأساة من الواقع، وصورة مشرقة من القرآن.
سابعاً: فهل من مدكر؟
فأعيروني القلوب والأسماع أحبتي في الله!
والأدلة على تحريمها من شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، من هذه الأدلة -أيها الأحبة- حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) وفي رواية أخرى في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون أحدكم بامرأة ليس معها ذو محرم، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجّة -خرجت تحج بيت الله الحرام- وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا) أتدرون ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ارجع فحج مع امرأتك) هل تفلسف هذا الرجل وقال: لا يا رسول الله! كيف أدع الجهاد في سبيل الله وأذهب لمرافقة زوجتي؟ أنا أثق في أخلاقها يا رسول الله! أنا لا أشك في تربيتها يا رسول الله! كيف تأمرني بهذا وهي بنت بيت التقى والورع والدين والالتزام، لا، إن المرأة هي المرأة وإن الرجل هو الرجل، والمرأة تضعف أمام شهوتها وغريزتها ولو كانت ذات شرفٍ ومنصبٍ وجمال إلا لمن عصم الكبير المتعال جل وعلا.
فرجع الرجل فحج مع امرأته بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي مكانتك عندنا أيتها الأخت الكريمة الفاضلة، هذه هي مكانتك أيتها المسلمة الكريمة، أنت درتنا المصونة، أنت لؤلؤتنا المكنونة التي حرص الإسلام على ألا تمتد إليك الأيدي العابثة، ولا أن تلوثك النظرات الآثمة، لا والله، بل أنت مكرمةٌ في دين الله وعزيزة في شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث -أيها الأحباب- الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، والإمام الترمذي في سننه وقال: حديث حسنٌ صحيح، ورواه الإمام الحاكم في المستدرك ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) هذا كلام الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى.
أسمعت أيها الحبيب الكريم؟ أسمعتِ أيتها الأخت الكريمة الفاضلة؟: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) لا تقل: أنا أثق في أخلاق المرأة، ولا تقل: أنا أثق في تربيتها، ولا تقل: أنا أثق في أخلاق الرجل، وأثق في ورعه وزهده وتقواه، المرأة امرأة، والرجل هو الرجل: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) بشهادة من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان) هذا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، إن الشيطان ثالثهما وشريكٌ في هذا اللقاء، فيزين المرأة للرجل ولو كانت دميمة، وسيزين الرجل للمرأة ولو كان قبيحاً، وكثيراً ما نرى من الجرائم والحوادث التي ينخلع لها القلب.
إننا نرى رجلاً قد ارتكب معصية الزنا مع امرأةٍ وهو متزوج، ولو نظرت إلى زوجته لرأيت أن الله قد أعطاه امرأةً حسناء جميلة، على خلقٍ ودين، وذهب إلى امرأةٍ قبيحة دميمة ليفعل بها الفاحشة، ما هذا؟! إن الشيطان قد زينها له، وزينه لها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان) ما معنى استشرفها؟ علاها، أي: علا الشيطان المرأة، إنها جنديٌ من جنود إبليس إذا خرجت على غير شرع الله وعلى غير الضوابط التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا خرجت استشرفها الشيطان، فيزينها في قلوب الرجال، ويزين الرجال في قلبها، وربما تكون المرأة تقية نقية طاهرة وخرجت لحاجة من حوائجها الضرورية دينية كانت أو دنيوية، إلا أن الشيطان لا يدعها وإنما يزينها للرجال -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- فما ظنك بعد ذلك بامرأة متبرجة متعطرة متزينة متكسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
ولذا أيها الأحباب: حذر النبي صلى الله عليه وسلم، تحذيراً صريحاً واضحاً كما في حديث البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء -تحذير شديد اللهجة- فقام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت) وزاد مسلم قال الليث : الحمو: أخو الزوج وأقارب الزوجة من غير المحارم، إذا دخل أخوك على زوجتك وخلا بها فهي خلوةٌ محرمة في دين الله.
سترى كثيراً من الناس يعجبون لهذا الكلام، ويقول: ما هذا التنطع والتطرف يا شيخ؟! إنه أخي يدخل على أولادي ماذا في هذا؟! ما هذا التطرف الذي أنتم فيه؟! ما هذا الدين الجديد الذي جئتمونا به؟! هل أخي لا يدخل على زوجتي في غيبتي؟! نقول: نعم، لا يدخل عليها، إنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، دين الله -يا عبد الله- هل أنت أعلم بالناس من الله؟ هل أنت أعلم بطبائع البشر ممن لا ينطق عن الهوى، من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الحمو هو: أخوك وأقاربك، وأقارب الزوجة من غير المحارم لا يدخلون على الزوجة في غيبتك، وإلا فالموت والهلاك والدمار بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) الهلاك في ذلك، وربما لا تقع المعصية من أول مرة، والشيطان له خطوات: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208] وله مداخل -يا عباد الله- لا تقل: أنا أثق فيها، إنها امرأة يا عبد الله! وإنه رجلٌ يا عبد الله! هل يقرب (البارود) من النار ونقول: إننا قد وضعنا تحذيراً شديداً للنار ألا تشتعل في (البارود)؟! إنه خداعٌ في خداع، لا يدخل أخوك على زوجتك في غيبتك.
والمؤلم في هذه المأساة -يا عباد الله- أن المرأة تقول: إن الأمر أصبح عادياً، بعد ذلك كثرت هذه الكبيرة وهذه المعصية، والذي يزعجها على حد قولها: أنها أرسلت رسالة إلى أهل الفتوى من العلماء والدعاة تقول: إن ما يزعجني في هذه الأيام أنني حاملٌ من أخي الزوج، فماذا أصنع؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! هذه ثمرة حنظلٍ مرّة من ثمرات البعد عن كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن عاند الناس شرع ربهم ونبيهم، هذه هي الثمار -يا عباد الله- هذه هي الثمرات المرة التي نجنيها من وراء عنادنا لشرع الله وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرك تحذيراً صريحاً، وقال: (الحمو الموت) فأبيت إلا أن تعاند أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: أنا أثق في أخلاق زوجتي ولا أشك في تربيتها، وأثق في أخلاق أخي ولا أشك في تربيته، هذا -يا عبد الله- لا ننكره، ولكن المرأة تضعف أمام شهوتها، وكذلك الرجل، إلا من عصم الله جل وعلا، وإلا من رحم الله جل وعلا.
ثانياً: من صور الخلوة المحرمة: أن يخلو السائق بالمرأة في السيارة في غيبة عن أعين الناس، وهذا مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وربما كان السائق شاباً وسيماً جميلاً يخلو بالمرأة في سيارةٍ واحدة في غيبة في بعض الطريق عن أعين الناس، ولا يعلم طبيعة الحوار الذي يدور في السيارة إلا الذي يسمع ويرى، خلوة محرمة في دين الله.
ثالثاً: من صور الخلوة المحرمة: أن يخلو الخطيب بمخطوبته بحجة أن يتعرف كل منهما على أخلاق الآخر، وخاب الجميع وخسروا، وبعد ذلك نندم يوم لا ينفع الندم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
رابعاً: من مظاهر وصور الخلوة المحرمة: أن تذهب المرأة وحدها بغير محرم إلى الطبيب، فيخلو الطبيب بها بحكم عمله، ويكشف عن مواطن حساسة في جسدها بحكم وظيفته، وهي خلوة محرمة في دين الله، أسمعت يا عبد الله؟! أسمعت يا أمة الله؟! خلوة محرمة في دين الله جل وعلا، إن اضطرت المرأة إلى الطبيب حينما عجزت عن عدم وجود الطبيبة المسلمة فيجوز لها أن تذهب إلى الطبيب مع محرمٍ من محارمها، لا تذهب وحدها ويخلو بها الطبيب وتخلو بالطبيب، وهذه خلوة محظورة شرعاً في دين الله جل وعلا.
خامساً: من أخطر مظاهر وصور الخلوة المحرمة في دين الله عز وجل: أن يخلو الخادم في البيت بالمرأة وحدها، وأن يخلو الرجل في البيت بالخادمة وحدها، وكم وقع من المآسي والمصائب بسبب ذلك، أن يخلو الخادم بالمرأة، يخرج الرجل إلى عمله أو إلى شأنٍ من شئونه، ويترك الخادم في البيت طوال الساعات، وربما يكون الخادم شاباً وسيماً جميلاً، وربما يكون الزوج مسناً أو كبيراً أو دميماً أو مخاصماً لزوجته أو هاجراً لفراش زوجته، فتقع المصيبة -يا عبد الله- لأن الكلفة ترفع على مدى الأيام والزمان، هي تناديه وتأمره وتنهاه وهو يجيب بحكم طبيعة عمله، ولكن المرأة امرأة، والرجل هو الرجل، والرسول أخبر بأنه: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) وقد تقع المصيبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
الذي يسمع ويرى ويعلم القلوب التقية النقية من القلوب الكاذبة المنافقة إنه هو السميع العليم سبحانه وتعالى.
هذا نموذجٌ وعظة من كتاب الله الذي نقرءوه في الليل والنهار، ولكن أصبح القرآن كتاب ثقافة للتسلية وللمتعة، يجلس الرجل ليقرأ القرآن ولا هم للناس إلا أن يقولوا: هذا صوته جميل، وذاك صوته حسن، وهذا صوته غير طيب، ويؤمر وينهى ولا سمع ولا طاعة للأمر، ولا اجتناب للنهي؛ لأن القرآن حول إلى علب القطيفة وإلى البراويز الذهبية والفضية، وحول إلى حلي تحلي به النساء صدورهن، يقرأ على الأموات في القبور، والله جل وعلا يقول: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70] وصدق الله جل وعلا إذ يقول: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا أيها الأحبة: العنصر الرابع هو: خطورة الاختلاط، والأدلة على تحريمه.
والاختلاط أيها الأحباب: هو اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم بلا شك في مكانٍ واحدٍ بدون حجبٍ ولا حواجز، ووالله إن الاختلاط حتى في أماكن العبادة حتى في بيت الله الحرام خطر جسيم وشرٌ عظيم، ولقد قال الله سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] .. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ الأحزاب:53] ولكننا نرى النساء يدافعن ويزاحمن الرجال حتى حول بيت الله الحرام بصورة يندى لها الجبين ويقشعر لها البدن أسفاً وحزناً، ترى النساء بصورة متبجحة -إلا من رحم الله جل وعلا- وهن كثرة ولله الحمد والمنة، إن الخير لا ينقطع في هذه الأمة أبداً إلى قيام الساعة، فإننا نرى نساءً على قمة الحياء والالتزام والورع والدين -نسأل الله أن يكثر من أمثالهن، وأن يزيدهن حياءً وشرفاً وعفة.
الاختلاط .. أما تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصص باباً في مسجده للنساء حتى لا يختلط النساء بالرجال، قال نافع : [لما خصص النبي صلى الله عليه وسلم باب النساء قال
يا عباد الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) إن الحياء خصلة عظيمة من صفات المرأة المسلمة النقية المؤمنة التقية، فنسأل الله أن يرزق نساءنا الحياء، وأن يرزقنا الحياء والتقى إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة: لقد قالت كاتبة إنجليزية هي إلذي كوك هذه المرأة تقول: "إن الاختلاط بين الرجال والنساء شيءٌ يألفه الرجال، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا". امرأة أجنبية كافرة تقول هذا الكلام؟!
والحمد لله أثبتت الدراسات والإحصائيات كذب وافتراء ما كان يدعيه عبيد المدنية الغربية وعبيد التطور والتحرر تحت ستار المدنية الأسود، أثبتت الدارسات والإحصائيات عكس ما يقولون، كانوا يقولون: إن الاختلاط يهذب غريزة الرجل، إن الاختلاط يخفف من الكف الجنسي بين الرجل والمرأة، فعلامَ هذا الغلو والتطرف؟
أثبتت الإحصائيات والدراسات عكس ذلك، وتعد هذه الدراسات بمثابة الصفعة على وجوه هؤلاء؛ لأن الرجل مع المرأة بارودٌ إلى جوار النار، لا بد وأن يشتعل حتماً وإن تأخر، وقد أثبتت الدراسات بأن الجرائم تنتشر بكثرة، ولا أريد أن أعكر الصفو بأكثر من هذا، فوالله كنت قد أعددت قصتين تخلعان القلوب من الصدور، ولكن يكفي هذا، والأمر واضحٌ لكل المسلمين والمسلمات.
الإحصائيات بمثابة الصفعة على وجوه أدعياء الاختلاط .. مهلاً مهلاً يا دعاة المدنية والسفور!! مهلاً مهلاً يا دعاة الاختلاط!! ارجعوا واقرءوا الدراسات والإحصائيات لتعلموا أن كثرة الاختلاط كثرةٌ للجرائم والفواحش والزنا -والعياذ بالله- فإلى عبيد المدنية الغربية والمدنية الذين أطلقوا العنان لبناتهم ونسائهم فخالطن الرجال وخلون بالرجال.
اتقوا الله يا عباد الله! واعلموا بأنكم موقوفون بين يدي الله جل وعلا: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) وستسأل بين يدي الله جل وعلا عن هذه البنت وعن هذه الزوجة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أيضاً من صور الاختلاط: الاختلاط في دور التعليم، وأصبح الأمر واضحاً لكل مسلم بأن الجامعات أو معظم دور الدراسة والتعليم قد تحولت إلى سباقٍ علني واضح لأرقى الموديلات وأحدث الأزياء وأرقى العطور والبرفانات.
ومن صور الاختلاط المحرم: الاختلاط في أماكن العمل، وهذا ما يغفل عنه كثيرٌ من الطيبين والطيبات، الإسلام لا يحرم عمل المرأة إذا اضطرت إلى ذلك وألجأتها الضرورة إليه، لكن بضوابط وشروط وقيود، ونحن في حاجة إلى أن تعمل المرأة في موطن الطب لتعالج النساء لا الرجال، وفي حاجة إلى معلمة مسلمة لتعلم البنات لا الأولاد والشبان، وهكذا -أيها الأحبة-.
أكتفي بذلك القدر، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل منا وأن يرزقنا وإياكم الزهد والحياء والإخلاص والتقى والعفاف، اللهم احفظ بناتنا، اللهم احفظ نساءنا، اللهم جملهن بالحياء يا رب العالمين!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر