فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها إنه قريب مجيب سميع الدعاء. قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:47-48].
ما أكرم الله .. ما أرحم الله .. ما أعظم حلم الله، هؤلاء هم اليهود الذين تآمروا على قتل نبيهم في هذا المكان، إذ بنو النضير خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه رجاله من أصحابه يطالب بمقتضى الاتفاقية بينهم بمساعدة مالية؛ لسداد دية، فتآمروا وأرادوا أن يسقطوا رحى من السطح على رأسه صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء اليهود هم الذين كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد، وفي آخر النهار أسواقهم عامرة بالبيع والشراء والتجارة، كأن شيئاً ما كان.
فانظر إلى رحمة الله كيف يوجه إليهم هذه النداءات.
نحن كنا أميين، جهلة، مشركين، ضالين، لا قيمة لنا، وما هي إلا سنيات وإذا بنا أكمل أمة، وأعزها، وأطهرها وأقواها، وأقدرها. واذكروا قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
إذاً: فلنذكر هذه النعم، وما منا إلا وهو يسبح في بحر النعم، واذكروا قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. فانظر فقط في خاصة نفسك: من وهبك سمعك؟ من وهبك بصرك؟ من حفظ عليك نطقك ولسانك؟ من حفظ عليك عقلك وجوارحك؟ من .. من؟ نِعَم.
ولا أطيل في هذا الباب، فقط لنعلم أننا مطالبون بالشكر، اشكروه.
واللطيفة التي علمتموها ما قال: يا بني إسرائيل اشكروا، قال: اذكروا، لأن من ذكر شكر، ومن نسي وترك لم يشكر، فمن ذكر نعمة الله عليه شكرها، ومن تجاهلها، وتغافلها، وتناساها، ولم يذكر ساعة ما أنعم الله به عليه من نعمة الإيجاد والإمداد، فهذا كيف يشكر؟!
وقد جلنا في هذا المجال وعرفنا الكثير، وحسبنا أن نشير إلى بعض ذلك.
نعمة المال يا أبنائي! من أجل النعم، فإياك أن تصرفها فيما يسخط المنعم جل جلاله، وعظم سلطانه.
نعمة العقل من أجل النعم، فلا تستخدمها ضد الله تعالى في التفكير الباطل، والتفكير الهدام، والتفكير الضار بالإسلام والمسلمين.
نعمة اللسان كذلك، فلا تنطق بكلمة من شأنها أن تسخط الله وتغضبه، وأنت تنطق بما وهبك من لسان.
نذكر هذه النعم ونشكرها أولاً بالاعتراف بها في نفوسنا، ثم الإقرار بها في منطقنا، ثم حمد الله عز وجل، فلا يفارقنا كلمة الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله. ثم نصرف كل نعمة في ما يحب الله تعالى أن تصرف، فنصرف هذه النعمة في مرضاته لا في سخطه.
يوجه تعالى بني إسرائيل إلى هذه الكمالات ونحن ننسى أنفسنا؟ وما من أحد منا شهد شهادة الحق وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله إلا أعطى الله عهداً وميثاقاً أن يعبده أولاً، وألا يعبد معه سواه ثانياً، وألا يعترف بعبادة غير الله بحكم شهادته القائمة على العلم: أشهد أن لا إله إلا الله، إذاً فاعبده، وإلا ما معنى شهادتك؟! لا تشرك به سواه، وإلا ما معنى قولك: لا إله إلا الله؟! ولا ترض بعبادة غيره، وإلا لا معنى لقولك: لا إله إلا الله.
ومن شهد أن محمداً رسول الله يجب أن يتسلم الرسالة التي جاء بها، وأن يقرأها، وأن يعرف ما فيها، وأن يعمل بما في تلك الرسالة، وإلا ما معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟ مع حبه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه والمشي وراءه.
ينبغي أن نرهب ربنا وأن نتقيه ونخافه؛ لأننا ضعفة، عجزة، مفتقرون إليه، وهو الجبار العزيز القهار، وإذا لم يرهب من يرهب؟ وإذا لم يُتقَّ الذي بيده الخير، والشر، والإعجاز، والإذلال، والعطاء، والمنع، والإماتة، والإحياء فمن يتقى؟!
ولا قيمة لغير الله في التقوى، فهو يتقى لأن بيده سعادتنا وشقاؤنا، إحياءنا وإماتتنا.
إذاً إن عرفت الحق اصدع به وبينه وقله، وإن ما عرفته فلا تقل كلمة فيها ريبة أو شبهة وتضلل للناس.
ثم كتمان الحق معرة .. خزي .. هبوط. أتعرف الحق وتكتمه لمصلحة دنيوية؟!
وإذا كان اليهود والنصارى يكتمون فنحن لا نكتم الحق، بل نظهره ولا نخفيه؛ لأن الحق به سعادة الحياة وكمالها، فإذا كتمناه حل محله الباطل، وأصبح الناس يعيشون في الباطل سواء اعتقاداً كان أو قولاً أو عملاً.
هل نحن نقيم الصلاة؟!
أعيد هذه الكلمة: وآسفاه، واحسرتاه! استقل لنا نيف وأربعون إقليماً، وأصبحت الأقاليم الإسلامية يديرها مسلمون ويحكمها مؤمنون، ولم يؤمر بإقامة الصلاة في إقليم منها، كأنهم لا يقرءون القرآن، ولا يعرفون الإسلام، ومن رأى شيئاً فليخبرني، من إندونيسيا إلى موريتانيا.
أما هذا البلد، دولة عبد العزيز فهي ربانية، لكن نقول: استقلالنا عن الغرب والشرق، وإقامة دويلات تعتز وتصول وتجول ما أمرت أمة الإسلام فيها بإقام الصلاة، لماذا؟ ما السر؟! مع أن إقام الصلاة فائدته أن يقلل من الجريمة الخُلقية والبدنية و.. كل الجرائم إقام الصلاة تقضي عليها.
والله! لو أقيمت الصلاة بمعنى إقامتها في إقليم لنقصت ميزانية الأمن إلى النصف؛ لأن إضاعة الصلاة معناه فتح باب الجريمة: الخيانة، والفجور، والكذب، والشر بالمظاهر كلها، فإذا أقيمت حسبك أن تقرأ قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، ونقول لهم: بلغوا، هيا نمشي إلى مدير الشرطة ونقول له: يا سيادة الرئيس! أعطنا قائمة بأسماء المجرمين في هذا الأسبوع أو هذا الشهر. فيعطينا قائمة فيها مائة، وفيها: هذا سب فلاناً، وهذا ضرب فلاناً، وهذا سرق فلاناً، وهذا وهذا، من جرائم الجهال، فنقول: إن وجدنا من المائة مجرم في مدينتنا أو قريتنا نسبة أكثر من خمسة بالمائة من المقيمين للصلاة اذبحوني، وخمسة وتسعون بالمائة من تاركي الصلاة، أما المقيمون للصلاة فيتعذر أن تجد نسبة خمسة بالمائة.
من يتحدى الإسلام والقرآن ويذهب يسأل؟!
خمسة وسبعين بالمائة زناة . لائطون .. سرق .. كذبة .. خونة .. رشاة .. مرشيون .. كذا، من تاركي الصلاة ومن المصلين الذين لم تزك الصلاة نفوسهم، ولم توجد لهم الطاقة النورانية؛ لأنها غير صحيحة، فما تولد نور ولا حسنات.
وأمرهم الله بإيتاء الزكاة، نبكي أيضاً ونصرخ: لم ما تجبى الزكاة، ويذكر المؤمنون والمؤمنات بواجبهم في إسلامهم بل بقاعدة إسلامهم؟
تضرب الضرائب الفادحة في أقاليم وبلاد في العالم الإسلامي والزكاة لا يطالب بها أحد، لماذا؟ حتى لا يذكروا بأنهم مسلمون، أعوذ بالله! من يفهم هذا الفهم؟!
هذا هو الواقع، أضمروا في نفوسهم أو لم يضمروا، عرفوا أو لم يعرفوا، يحكمون شعباً مسلماً حتى ولو كانوا هم كفاراً.
جباية الزكاة قاعدة من قواعد دينكم، فلا بد وأن تجبوا الزكاة وتجمعوها؛ لإعاشة الفقراء والمساكين، أو لمصالح الأمة في داخلها وخارجها، أبداً.
أمور تؤسف، اليهود يؤمرون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والمسلمون لا يقرءون هذا، ولا يفهمونه.
قال تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] لا صلاة للمنفرد إلا في جماعة المسلمين، وهذا نظام حياتنا، وهذا مصدر كمالنا، فلا يتخلف عن الصلاة ويصليها وحده إلا ذو عذر حقيقي من مرض أو خوف، وعلى هذا أمة الإسلام. ويؤذن المؤذن في العالم الإسلامي والشوارع هائجة مائجة بالبشر، وأحياناً ترى واحداً دخل المسجد كأنه خائن.
ومن إندونيسيا إلى موريتانيا ما لنا لا نقرأ القرآن؟! الله يقول لليهود: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، لا تصلوا وحدكم في بيوتكم، صلوا مع الناس، ونحن نقول: لا، ماذا في ذلك؟ نحن مسلمون.
لكن هل انتفع المسلمون بهذه الآية؟ كأنما هي في التوراة وليست في القرآن.
يا شيخ! إنهم لا يقرءون القرآن ولا يجتمعون عليه إلا ليالي الحفلات والأموات.
أزيدكم وضوحاً:
لما ترانا في كل مدننا وقرانا في عالمنا الإسلامي إذا أذن المغرب فلم تر في الشارع، ولا في الدكان، ولا في مقهى ولا مطعم رجلاً أبداً، أين الرجال؟ أين الفحول؟ في بيت الرب، ومعهم نساؤهم وأطفالهم أيضاً، يجتمعون في مسجدهم في الحي أو في القرية، نساؤنا وراء الستار، والمسمعات ومكبرات الصوت بينهن، وأطفالنا أمامهن، والفحول أمام المربي، كل ليلة وطول العام، وهنا تشيع أنوار الإيمان، وتغمر أهل الحي، وتختفي الجريمة نهائياً، وتتعطل آلات الفساد والشر، وتقف وقوفاً كاملاً.
ونركع مع الراكعين، هل وقع هذا في عالمنا؟
نعم وقع في القرون الذهبية الثلاثة.
نعم. في بداية هذه الدولة الكريمة -بإذن الله- لم تر رجلاً يمشي في الشارع وقد أذن المؤذن، والإمام يقرأ في الصبح قائمة بأسماء أهل الحي، ويجتمعون على قراءة آية أو حديث يومياً.
فهل من عودة؟ لا نستطيع .. لا نقدر، كيف نغلق الدكاكين ونغلق ونغلق، ونأتي كلنا إلى المسجد؟! قالوا: هذا لا يمكن، وكيف يمكنكم أن تنزلوا الفراديس العلى؟ بينوا لنا، إذا كنتم تعجزون عن أن تجتمعوا في بيت ربكم لتتعلموا الكتاب والحكمة، ولتصبحوا أولياء، وعلماء ربانيين، ونساؤكم وأطفالكم أمثالكم، أمة نورانية من أجل التضحية بساعة ونصف في بيت الرب، كيف ترقون إلى الملكوت الأعلى؟ أو لا تؤمنون بالفراديس العلى؟!
إن قالوا: ما نؤمن، إذاً لا ندعوكم إلى المسجد ولا إلى الكنيسة، لكنكم تدَّعون الإيمان بدار السلام .. بالفراديس العلى .. بدار دخلها نبيكم، ووقف على نعيمها، وشاهد أنوارها وكل ما فيها، وعاد ليخبركم وهو أصدق الصادقين، ولم تعرف الدنيا أصدق من محمد صلى الله عليه وسلم.
لا ندخل في تفصيلات، وإنما هذا بكاء ما دامت الفرصة متاحة للبكاء.
هذا المجلس اطلبوه، هل تجد مثلنا هنا حتى في المدينة؟ طالع وانظر في المساجد تجدها خالية، الحمام يزغرد فيها.
أين أهل المدينة؟ في التجارة .. في الأسواق .. في العمل.
أين النساء؟ أمام التلفاز.
أين الأطفال؟ يلعبون.
أهذه أمة ترقى إلى الملكوت الأعلى؟! لا تضحي ولا بشيء؟
وسوف نذكر هذا، وليس بأيام بعيدة، يوم تحشرج الروح في الصدر، ويقول الأطباء: مات أخوكم، ثمَّ تنكشف الحقيقة، وتعرف من أنت وما أنت.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] بماذا؟ بالبشائر: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، فيلفظ روحه، وهو ينظر إليها ويبتسم. واقرءوا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:38-42].
استعن على رقيك للملكوت الأعلى بصبرك، وبحبس نفسك على محاب الله فلا تفارقها، بحبس نفسك المتمردة المتبرمة، اقهرها .. أذلها .. أخضعها لأن تقف بعيدة عن مساخط الله؛ فلا تقربها أبداً.
احبسها على أيام الامتحان؛ بالمرض، والجوع، والبلاء، والموت.
احبسها حتى لا تصرخ، ولا تجزع، ولا تقول إلا ما يرضي الله. هذا هو جهاد النفس: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
يتركك ترتع كالبهيمة في كل مواطن الشر والفساد. هذا جاهد نفسه!
وبالصلاة، كيف نستعين بالصلاة؟
نعم، هذا نبي الهدى، هذا القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم ( كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ).
انظر! عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قادم من مكة وفي الطريق، في بدر أو وراءها قالوا: ( يا
استعن على مقاومة النفس، والهوى، والشيطان، والدنيا بالصبر والصلاة، وإذا خطر بنفسك خاطر سوء قم: الله أكبر. واطرح بين يدي الله، وابك الساعة والساعات، يرحل الشيطان وكل مظاهره التي أراد أن يفسدك بها.
الذين يجلسون أمام التلفاز والدش والعاهرة ترقص أمامهم، وهم يضحكون، مؤمنون هؤلاء؟! أسألكم.
بيت مسلم فيه الكفرة الفجرة، يغنون، ويرقصون، ويتكلمون، ويرفعون أذرعتهم وأيديهم، والمسلمون في زعمهم ينتصرون، والفتاة المراهقة والفتى ما إن يرى الفتاة حتى يتمزق قلبه وأحشاؤه، أعوذ بالله أن تكون بيت المسلم هكذا.
قالوا: ما بلغهم هذا يا شيخ!
والله بلغهم، على رمية حجر، آلة الدش مفتوحة كأنها قبة، وكتبنا له كتاباً لو قرأه يهودي يمرض .. نصراني يصعق، وقدمنا له الكتاب، والدش مثلما هو، ميت لا ضمير له.
قلنا له: أتتحدى رسول الله؟ لو كان موجوداً تفعل هذا وتستطيع؟
قالوا: يا شيخ! أنت جامد .. أنت متأخر .. أنت رجعي.
هذا الكلام ماذا؟ أوساخ العقول، نحن نتكلم على علم وبصيرة، ائتونا بالساسة، والعالمين، والعارفين، وعلماء النفس والاجتماع والكون يقفون أمامنا،و يذوبون أمام أنوار الحق، أي ساسة هؤلاء.
يا صاحب الدش والتلفاز! إن كان جلوسك أنت وامرأتك وأبويك وأولادك أمام عاهرة تغني أو ترقص أو كذا، إذا كنت ستحصل على ريال واحد وقلت: أنا فقير، وما عندي شيء وعائلتي، نكتسب ريالاً أو ريالين في الليلة أحسن، نقول: معذور، أعطوه ريالاً أو اسكتوا.
يجني صاحب الدش ريالاً .. عشرة .. مائة؟ قولوا، يعطى شيئاً؟
آه! لا يعطى ريالاً، أتنمو قوة بدنه، وأولاده يكبرون ويبعدون من الأمراض، ويبعدون من إعاقة التأخر والتخلف العقلي؟ والله ما كان.
يا شيخ! يكسبون حسنات عند الله، ما عندهم وقت أبداً للعبادة إلا هذا الوقت يكتسبون بالمشاهدة ذكر الله عز وجل، وذكر الدار الآخرة، ممكن؟ لا يا شيخ!
أو أن العدو يرهبهم يقول: هذه البلاد يعيشون على التلفاز، وعلى الدش، فهؤلاء لا نستطيع قتالهم، ولا الهجوم عليهم؟! لا.
إذاً ما هو إلا أن نسخط الله فقط، فأين العقول، وأين البصائر، وأين الفهوم، وأين المدارك وأين وأين؟ لا شيء.
اسمع! دخل رسول الله على أم المؤمنين عائشة في حجرته التي هو الآن فيها مع أبي بكر وعمر ، فدخل بعدما صلى المغرب أو العصر فوجد عائشة وضعت كوة في الجدار، تضع فيها بعض أدواتها؛ فما عندها خزانة، ومستورة بخرقة قماش فيها صورة منسوجة بالخيوط كما كان النساء من قبل ينسجن، وما إن شاهدها حتى تمعر وجهه وغضب، فعرفت الغضب في وجهه وقالت: أتوب إلى الله ورسوله. ماذا صنعت يا رسول الله؟ قال: ( أزيلي عني قرامكِ يا
هذا الحديث في الموطأ والبخاري ومسلم، وهو كالقرآن في تواتره.
ما بلغنا هذا؟ أو نتحدى رسول الله؟ ماذا هناك؟ إذا خففنا عن أنفسنا وروحنا عليها، شاهدنا راقصة ترقص أو أغاني لطيفة تحرك ضمائرنا وقلوبنا! ماذا هناك؟ يقول هذا مؤمن؟!
وإن أردتم النقمة الإلهية فهي على الأبواب، والله إن لم يتدارك الله المسلمين بتوبة صادقة لحل بهم ما حل بأجدادهم أيام الاستعمار البريطاني، والأسباني، والإيطالي، والفرنسي، والله لأعظم؛ لأن أجدادنا كانوا أميين جاهلين، ما عندهم علم ولا كتاب.
ذهب عمي يطلب لي كتاباً بريالين، بحثنا في الشرق والغرب ما وجدنا، مصحف في الكتَّاب كل الأولاد يطالعونه، ما عندنا مصحف، كيف تلومونا؟ هذا وضعنا، فكيف بنا نتحدى الله مع ما وهبنا وأعطانا من وسائل العلم والمعرفة والبصيرة، فكلنا عرف الطريق إلى الله، واستنكف كثيرون.
إذاً: فلينتظروا.
اللهم أمتنا قبل الفتنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ) وإنها لعلى الأبواب، دلونا على قرية .. على حي نوراني نزوره، ونشاهد أنوار الإيمان والتقوى فيه. أمة أصبحت مادية هابطة إلا ما شاء الله.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:47] يذكرهم بتلك الزمرة النورانية التي كانت في يوم من الأيام تعيش على ذكر الله وطاعته، وهم الأنبياء والرسل، إسرائيل هو يعقوب عليه السلام ابن إسحاق ابن إبراهيم، وأحفاده وأولاده من الأسباط، منبت الشرف.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:47] يذكرهم بأصلهم، علهم يفيقون ويرجعون.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] يأمرهم بذكر النعمة لأي شيء؟ ليغنوا عليها بالدفوف! أم يذكروها من أجل أن يشكروها؟ من ذكر النعمة والله شكرها، وعلى الأقل يقول: الحمد لله، ومن لم يذكر يشكر؟ الذي يعيش كالبغل في صحته وقدرته ولا يذكر هذه النعمة، أيقول: الحمد لله أني بخير؟ لا يقول. لكن إذا ذكر صحته وعافيته يقول في قلبه ولسانه: الحمد لله .. الحمد لله.
وأغلب إخوانكم المسلمين لا يذكرون نعم الله، إلا من ندر، وفي مناسبات قليلة، إلا إذا قلت: كيف حالك؟ يقول: الحمد لله، أما أن يغمض عينيه لحظة ويذكر ما هو فيه من النعم من هذه الحياة ويقول: الحمد لله .. الحمد لله، فهذا نادر، وصاحبه قلبه حي، ما عليه سحب ولا أمراض.
تعشينا أو تغدينا مرة في بريدة، وما إن وضعت السفرة وأخذنا في الأكل، والذي دعانا أستاذي، وله والد كبير في السن؛ شيخ، من ساعة ما وضعت السفرة وذاك الشيخ: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله .. ممكن ساعة ونصف حتى فرغ الأكلة من الأكل، فحفظنا تلك الصورة، فهي نادرة كالكوكب في سماء الدنيا.
والله لو نذكر نعم الله علينا ونحن في الشوارع: الحمد لله .. الحمد لله ما بقي وقت للأغاني، ولا المزامير، ولا الطبول، ولا اللهو، مشغولون بذكر الله.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:47] وهي نِعَم.
وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] أي: على عالم زمانهم، أيام كان بنو إسرائيل أنبياء، ورسلاً، وصلحاء، وأطهاراً، ما كان شعب في الصين ولا الشرق ولا الغرب أفضل من تلك الأمة، فضلهم بالأنبياء .. بالوحي الإلهي .. بالمعجزات والكرامات. فاذكروا تلك النعم.
هذا اليوم هو يوم القيامة .. يوم يقوم الناس لرب العالمين .. يوم تبرز الجحيم للناظرين: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] .. يوم تزلف الجنة: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90]، والخليقة واقفة، والرب تعالى يأتي، والأنوار تغمر الكون الموجود، وينصب الميزان، ويكون الحساب والجزاء، اذكروا هذا، واتقوا هذا اليوم.
وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا [البقرة:48] أبداً، لا يوجد إنسان مهما كان في شرفه أو هبوطه يجعل نفسه فداء شخص آخر، والله لا يوجد في الآدمية كلها .. في البشرية كلها من يقول: يا رب! أبي استوجب النار وأنا فداه .. أدخله الجنة مع الداخلين وأنا أدخل النار، والله لا يمكن أبداً.
والله لو أن قبيلة كاملة -وثمَّ لا قبيلة، كل واحد يصرخ بنفسه- تقول: يا رب! هذا عبد من عبادك، لا نرضى أن يدخل النار، ويشقى في عالم الشقاء، نحن بدله .. نحن فداه أدخله.. والله ما كان.
أزيدكم: والله لا نبي، ولا رسول، ولا ولي، ولا عبد صالح يستطيع أن يفدي آخر أبداً: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ [البقرة:48].
لعلكم ما اطمأننتم، هل بلغكم أن نوحاً قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45]، ماذا قال الله؟ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46].
آزر والد إبراهيم، تعرفون إبراهيم؟ أبو الأنبياء .. أبو الضيفان .. إمام الموحدين.
إبراهيم على جلالته وعلو مقامه في عرصات القيامة في تلك الساحة والخليقة واقفة، منهم من مضى عليه أربعون ألف سنة فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] يقول: يا رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أخزى من هذا يا رب؟
آزر ، لو تجمع كفار اليوم كلهم ما يساوونه، وعندنا بيانات على هذا، فماذا يتم لإبراهيم وهو يصرخ؟
قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( فيلقى
وها هو رسول الله يقول: ( يا
إذاً: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ [البقرة:48].
وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ [البقرة:48] العدل ما يعادل.
وإليكم يا أهل المدينة هذا البيان المحمدي، بلغوا: ( المدينة حرام من عائر إلى ثور )، جبلان أحدهما يكتنفها من الجنوب والغرب، والآخر يكتنفها من الشمال والشرق وهي بينهما، هذه المدينة، ( المدينة حرام )، ومرة قال: ( حرام من عائر إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) بلغوهم.
لو نقلتم هذا الخبر الليلة إلى أصحاب الدش والأغاني والرقص في البيوت وترك الصلاة ماذا تسمعون؟
يقولون: هذا الشيخ جامد، هذا متحجر، لا يفقه، ولا يفهم.
ونحن نقول: هاتوا علماءكم من الإنس والجن، وليشهد مجلسنا علماء الكون، فإن وجدوا خطأً فليذبحونا.
ما هو كلام هراء، إن كنت لا تستطيع أن تطيب وتطهر في بلاد الطهر ارحل، وهذا الكلام قلناه من أربعين سنة: إذا كنت لا تستطيع أن تستقيم في حرم رسول الله وحرم الله فارحل، العالم واسع، ولا تفسد في بلاد الطهر والصفاء.
هؤلاء أولاد الأنبياء يقول لهم مولانا ومولاهم ومولى العالمين: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:48] هذا قيل لبني إسرائيل، فهل اتقوا ذلك اليوم بترك الربا .. بترك العهر والزنا .. بترك الغش والخداع والخيانة؟ الجواب: لا؛ لأن قلم القضاء مضى بأنهم أهل النار وعالم الشقاء.
وبعد بقينا نحن: يا ربنا ما أخذنا حقنا، هذا سب ولدي وذبحه، هذا كذا، ما بقيت له حسنات. هاتوا سيئاتكم، فكل من عنده سيئة يضعها عليه، فترسب في الأرض كفة ميزانه فيقاد إلى جهنم. هذا هو المفلس، وليس الذي فقد الدينار والدرهم في تجارة كسدت، أو في عملية ما صلحت.
وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ [البقرة:48] لا تفكر أبداً في أن هناك من يقول: أي رب! أنا الضحية، فيدخل الجنة.
كل ما في الأمر أن الشفاعة وهي كما عرفتم أولاً: أن يرضى الله تعالى بالشافع ليشفع، وبأن يؤهله لذلك، والمشفوع رضي الله أن يجاوره في الملكوت الأعلى، أما أن لا يرضى الله لفلان، ولا يأذن له بالشفاعة ويشفع فلا، والله ما يشفع أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح إلا بإذن الله تعالى.
ثم هذا الذي تشفع فيه يا ولي الله، هل رضي الله أن يجاوره ويقبله أو لا؟ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فقط.
وهذا الموضوع نرجؤه، ولكن نطرح هذا السؤال على الطالبين والطالبات للهدى في هذه الحلقة: لم لا تنفع الشفاعة ولا الفداء ولا ولا، لم؟ هذا حكم شديد.
كيف يا شيخ؟ كيف نصنع؟
اسألوا بايع الأدوية والعقاقير في الصيدليات عن الأدوية التي تلائمكم تجدونها، للحمى .. للضرس .. لكذا أو لا؟ أدوات التغسيل، والتنظيف، والتطهير للأواني .. للثياب، موجودة.
والأرواح؟! أين الصيدلية التي فيها أدوات التزكية للروح البشرية؟
إنها القرآن والسنة.
هل وراء ذلك شيء؟ والله لا شيء، القرآن صيدلية الله، والسنة صيدلية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تريد أن تزكي نفسك اذهب واشتر، ولكن لا بد لك من معلم يعلمك كيف تستعمل العقاقير.
والصلاة أكبر مزكٍ للنفس، لا بد من عالم يعلمك كيف تركع وتسجد وتجلس، وماذا تقول، حتى تنتج لك الحسنات، وتولد هذه المادة، وإلا ما تنفع.
ومن هنا بدأنا وعدنا: لا بد من العلم .. لا بد من العلم .. لا بد من العلم؛ علم الكتاب والسنة، ويطلبان في بيوت الرب مع الصدق والرغبة الدافعة في تطهير النفس وتزكيتها، وليس وراء ذلك شيء.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر