أما بعد:
الحمد لله؛ أمر ألا تعبدوا إلا إياه، نعوذ من سخطه برضاه، ونستغفره ومن يغفر الذنوب إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء علماً، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أمينه على وحيه، والداعي إلى ربه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
لا أدري أيتها الفاضلة كيف أبدأ الحديث معكِ، ولا أدري كيف أعبر عن أشجاني، وأظن أن الكلمات لن تسعفني، والعبارات لن تنقذني، فإني كلما تذكرت أفضالك الرائعة ومواقفك الباهرة استصغرت نفسي، نعم. استصغرت نفسي أمام الخير الذي قدمتيه لأمتك، فبسبب عفافك أقبل الشباب على الزواج، وهجروا أساليب المراوغة والخداع، وبطهرك سلم المجتمع من الأمراض المزمنة المنتشرة في بلاد الغرب.
بل أعظم من ذلك: فأنت مفتاح لسلامة المجتمع من العقوبات الإلهية التي تدمر الأمم والشعوب، ولن أنسى أبداً أنك ثمرة لهذا الأمن الذي نعيشه في بلادنا؛ لأنك بقيت في بيتك عفيفة، وإن خرجت خرجت زهرة مصونة، هل تعلمين أيتها الكريمة أنك مصدر غيظ وكمد وخذلان لأعداء هذا الدين؟ لأنهم يقولون: ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرةً متبرجة، فأنت الآن قد خيبت آمالهم، وحطمت بصمودك أهدافهم!
يحكي (الدكتور) محمد قصته فيقول: قبل أربع سنوات ثارت عندنا في الجامعة زوبعة كبيرة، حيث التحقت بالدراسة طالبة أمريكية مسلمة، وكانت محجبة، وقد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام، ويتصدى لكل من لا يهاجم الإسلام، فكيف بمن يعتنقه ويظهر شعائره للعيان! كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام، ولما قابلت الموضوع بهدوء ازداد غيظه من هذا، فبدأ يحاربها عبر طريق آخر، حيث الترصد لها بالدرجات، وإلقاء المهام الصعبة عليها في الأبحاث، والتشديد عليها بالنتائج.
ولما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجاً، تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبةً فيها النظر إلى موضوعها، وكان قرار الإدارة أن يتم لقاء بين الطرفين لسماع وجهتي نظريهما والبت في الشكوى.
ولما جاء الموعد المحدد حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس، وكنا متحمسين جداً لحضور هذه الجولة التي تعد الأولى من نوعها عندنا في الجامعة، بدأت الجلسة والتي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها؛ ولأجل هذا يهضم حقوقها العلمية، ثم ذكرت أمثلةً عديدةً على هذا.
حاول الدكتور على إثر هذا أن يدافع عن نفسه، واستمر بالحديث حتى خاض بسب دينها؛ فقامت تدافع عن الإسلام، وكان لحديثها قدرة على جذبنا، وفي نهاية الجلسة قامت الطالبة بتوزيع ورقتين كُتب فيها تحت عنوان (ماذا يعني لي الإسلام؟) الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين، ثم بينت ما للحجاب من أهمية وأثر، وشرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب وغطاء الرأس الذي ترتديه؛ والذي تسبب بهذه الزوبعة. لقد كان موقفها عظيماً!
ولأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف فقد قالت: إنها تدافع عن حقها، وتناضل من أجله، ووعدت إن لم تظفر بنتيجة لصالحها، أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضية وتأخير الدراسة نوعاً ما!
لقد كان موقفها موقفاً قوياً، ولم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات، ومن أجل المحافظة على مبادئها، وكم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين والطلبة!
وبقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة، أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أجل تغيير الديانة، فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيراً، ورغبني في اعتناقه، وبعد عدة أشهر أعلنت إسلامي، وتبعني دكتور ثان وثالث في نفس العام، كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا.. وهكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعةً لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه، وهناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد، وعما قريب إن شاء الله عز وجل وينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة، والحمد لله وحده.
أرأيتِ عزيزتي أثرك الفاعل في أمتك؟ إنك بحق فتاة رائعة، وقد تقولين بتواضعك المعهود وأدبك المحمود: ماذا فعلت؟ ماذا فعلت حتى تصفني بأني امرأة رائعة؟! وأقول لك: إذا لم تكوني أنت امرأة رائعة فمن تكون؟ من تكون؟ هل هي الممثلة اللامعة؟ أم الراقصة الشهيرة؟ أم المغنية الكبيرة؟ أم عارضة الأزياء؟ أم هي فتاة الأغلفة -كما يسمونها- التي قد تهاوت في ذلك الواقع الأليم والحقيقة المرة في مكان سحيق؟
هل تدرين من هي وماذا كانت نهايتها؟ بل هل تدرين ماذا كانت رسالتها الأخيرة؟ إنها مارلين أشهر ممثلة في العالم، وذلك قبل أن تنتحر، والتي كتبت على غلاف رسالتها كلاماً تطلب فيه عدم فتح الرسالة قبل وفاتها، وحين فُتحت الرسالة بعد انتحارها وُجد أنها رسالة موجهة إلى فتاة تطلب نصيحة مارلين عن الطريق إلى التمثيل.
قالت مارلين في رسالتها إلى الفتاة وإلى كل من ترغب في العمل في (السينما) احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أماً، إني امرأة أفضل البيت والحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية. ثم تقول في النهاية: لقد ظلمني كل الناس.. كل الناس ظلمني إن العمل في (السينما) يجعل من المرأة سلعةً رخيصة تافهة مهما نالت من المجد أو الشهرة الزائفة، إني أنصح الفتيات بعدم العمل في (السينما) والتمثيل، إن نهايتهن إذا كن عاقلات كنهايتي.
ويحق لنا أن نتساءل: ما الذي دعاها إلى الانتحار وتحذيرها لبنات جنسها أن يسلكن مسلك الفن؟ أينقصها الجاه والمال أو الشهرة والجمال؟ كلا، كل هذه الأمور قد غرقت فيها، ولكن دعاها إلى ذلك؛ لأنها لم تحصل على أهم أمر في الحياة ألا وهو: الارتباط بالله عز وجل.
ولعلكِ قد قرأت قصص التائبات ممن مارسن تلك الأعمال ومُهدت لهن السبل بالورود والرياحين والوعود الماكرة والإغراءات الكبيرة في الاستمرار في تلك الصناعة الرخيصة الهابطة.
يقول عليه الصلاة والسلام: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه).
وهل يمكن أن ننسى تلك المرأة التي كانت مقطعة الأطراف ومع ذلك لم تتوان في خدمة دينها، والدعوة إلى الله عز وجل؟ لقد كان من أمرها أنها أحضرت خادمتين للقيام بعمل جميل وهو: تعبئة الظروف بالكتاب الإسلامي والشريط النافع، ثم إرساله إلى مختلف دول العالم الإسلامي من خلال البريد الذي يُنشر عبر الصحف والمجلات في زاوية التعارف، فيا لله! يا لله! أي وصف تستحقه هذه المرأة؟! أي ثناء يمكن أن يُقال لها؟! ولكن أجرها على الله عز وجل الذي يجازي بالقليل الكثير.
وهذا ما صرح به كثير من الشباب الذين مارسوا سلوك الرذيلة، ورغبوا أن يبنوا بيوتاً ويُنشئوا أُسراً، ويبدءوا صفحةً جديدةً في عالم الفضيلة والحياء.
ولعله من المناسب أن أذكر لكِ موقفاً حصل لأحد الشباب، وقد أُلقي القبض عليه مع فتاة قد خلا بها، فاقتُرِحَ على هذا الشاب أن يتزوج من هذه المرأة وقالوا له: أنت الآن قد خرجت بها، ورأيتها، وتحدثت معها، وقد كلمتها بأحاديث وردية، وعاهدتها بالزواج، فنحن الآن نُيسر لك خطبتها، وإحضار عاقد الأنكحة ليكتب العقد. فيا ترى ماذا كانت إجابته؟ قال لهم بهذا اللفظ: أنا أتزوجها؟! أعوذ بالله. ثم رفض العرض الذي قُدم له.
وهل يُنتظر من مثل هذا الشاب إلا هذا الرد وأمثاله؟ فهل تنتبهين أيتها الغالية؟
فالمرأة إذا حفظت نفسها عن المحرمات والمآثم؛ فإن الله تعالى وعدها بالمغفرة والأجر العظيم، ماذا يرجو العبد في هذه الحياة إلا أن يغفر الله عز وجل له ذنبه، ويُعظم له أجره، حتى يُقابل الله عز وجل وهو كالثوب الأبيض صفاءً ونقاءً، فنسأل الله تعالى أن يغفر ذنوبنا كلها دقها وجلها، سرها وعلانيتها إنه غفور رحيم.
وتصوري أيتها الغالية من حلت عليها لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل ستسعد في دنياها؟ هل ستهنأ في أخراها؟ وأنى لامرأة دعا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبعاد عن رحمة الله عز وجل أن تنال السعادة؟! إذاً احمدِ الله عز وجل أيتها الغالية أن جعلك عفيفة.
فنسأل الله تعالى أن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله.
فلا إله إلا الله، ما أعظم ذلك اليوم! عندما تسلمين من النار وترين النساء يتهافتن في النار ويتساقطن فيها وأنت قد نجوتِ منها! فيا لله ما أعظم ذلك الفوز! وما أعظم تلك النهاية! فأسأل الله عز وجل أن تفوزي بالنجاة من النار إنه سميع عزيز غفار.
كيف بك أيتها الفاضلة؟ كيف بك أيتها الغالية؟ إذا دخلت الجنة مع زوجك ونالك من الإشراقة والنور، والبهجة والسرور، وقد نلت السعادة والحبور، والرضوان بطاعتك لربك، ومناصحتك لزوجك، وتربيتك لولدك على الدين؟!
عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت).
فيا لله! ما أجمل تلك اللحظات التي يكون فيها الإنسان مصاحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وما أحلاها من ساعات! نسأل الله الكريم من فضله.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر