يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يرجونها للهو واللعبِ
هل يستوي مَن رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطا حمالة الحطب
أختاه لست بنبت لا جذور له ولست مقطوعة مجهولة النسب
أنت ابنة العُرْب والإسلام عشت به في حضن أطهر أم من أعزّ أبِ
فلا تبالي بما يلقون من شُبه وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه من أنا ما أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب
لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب
وما مكانيَ في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب
هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي
سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب
في ركبه شرف الدنيا وعزتها ويوم نبعث فيه خير منقلب
فإن أبيتِ سبيل الله فاتخذي سبيل إبليس رأس الشر والحرب
إن ضياع الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً كان بسبب المرأة، فهذه إيزابيلا زوجة فرديناند ملك إسبانيا، أسقطت حكم المسلمين في إسبانيا يوم أن كان آخر خلفاء المسلمين اسماً على مسمى: أبو عبد الله الصغير.
فأضاع ملك المسلمين نظير أن يكون ملكاً من قبل فرديناند ملك إسبانيا، ويكون الملك لبنيه ولأحفاده من بعده، هناك رواية التاريخ الأسباني تسمى: إيزابيلا صاحبة القميص العتيق، فالأسبان يمجدون هذه المرأة التي أقسمت ونذرت ألا تخلع قميصها الداخلي، وألا تهنأ بزوج حتى يسقط ملك المسلمين من إسبانيا، وكان لها ما أرادت.
ويوم أن أخرجت أبو عبد الله الصغير من ملكه في قصر الحمراء بكى أبو عبد الله كالصغار، فقالت له أمه عائشة: ابك كالنساء، ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
والمرأة التي أذاقت المسلمين في العصر الحديث الويلات، والتي ثأرت لدينها ولبني قومها باحتلال أرض العرب والمسلمين، هي غولدا مائير ، وقد قال عنها بن غريون في مذكراته: سيذكر التاريخ يوماً من الأيام أن امرأة طافت أوروبا وأمريكا وجمعت ملايين الدولارات؛ من أجل إقامة إسرائيل، وسيذكر التاريخ أن غولدا مائير هي الرجل الوحيد في إسرائيل.
فالإسلام هو الذي شرف المرأة، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والجار الصالح، والمركب الهنيء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، والطيب لا يحب إلا الطيب، يقول عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة)، فيابن آدم! خل بينك وبين سيدك وداً وصلة تدخل عليه أنى تشاء.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الطيبات المرأة، ثم ذكر الطيب، ثم ذكر الصلاة، فجمع المرأة إلى الطيبات، إلى الطيب وإلى الصلاة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتسبه الناس).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يوصيكم بالنساء خيراً).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لنسائهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خيركم لأهله).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وقال الأديب الرافعي: النساء منجم السعادة، فرجل واحد لا يكاد يمد يده حتى يضعها على الجوهرة المشرقة، ومائة رجل يغربلون حصى شارع؛ ليجدوا فيها جوهرة تلمع فما يجدونها.
ولذلك المرأة لزوجها رزق من الله تبارك وتعالى، يقولون: كم من امرأة جميلة تراها أصفى من السماء، مثل النسيم العليل، ثم تثور يوماً فلا تدل ثورتها على شيء إلا كما يدل المستنقع على أن الوحل في قاعه، الخبيثات للخبيثين كما إن الطيبات للطيبين.
قيل لأرض حصيبة -أرض ملؤها الحصى نكدة -: ما تشتهين أن يكون زوجك لو كنت امرأة؟ فقالت: الفأس، أي: حتى تقطعها من رأسها.
وقال مصطفى صادق الرافعي أديب الإسلام يرحمه الله: المرأة ريحانة بيتها، إذا ضاقت الدار فلم تتسع فلم لا تتسع النفس التي فيها؟
المرأة وحدها هي الجو الإنساني لدار زوجها، فواحدة تدخل الدار تجعله روضة نضرة متروحة ساكنة، وإن كانت الدار قحطة ليس فيها كبير شيء، وامرأة أخرى تدخل الدار فتجعله مثل الصحراء، برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنة السندسية، مثلما قال الحطيئة لأمه وزوجته:
أغربالاً إذا استودعت سراً وكانوناً على المتحدثينا
إنما تكون المرأة مع رجلها من أجله؛ لأنه زوجها، ومن أجل الأمة، فعليها حقان لا حق واحد، أصغرهما كبير، ولو إن المرأة عاشت بهذه الذات فإنها نصف الأمة، فإن أخبرها زوجها تقول: أعيش من أجل الجماعة الكبرى، فتكون المرأة مع رجلها من أجله ومن أجل الأمة معاً، فعليها حقان لا حق واحد أصغرهما كبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلح للبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده! لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه) والحديث صحيح.
فالإسلام العظيم كرم المرأة حين وضعتها الجاهلية الخبيثة القديمة، والجاهلية الحديثة في الحضيض.
وأيضاً في الثمانينات عملوا إحصائية، وجدوا فيها أن 46% من النساء يمارسن السحاق، وهذا في سنة ستة وثمانين.
ورصدوا إحصائية: أن كثيراً من النساء يرضعن أولادهن مع الحليب المخدرات، من أجل أن ينام الطفل؛ حتى أصيب الأطفال الرضع بالإدمان، وهذا من كلامهم.
كما أباحت الكنائس في أوروبا وفي أمريكا أن يتزوج الرجل بأمه وبأخته!!
يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله في كتابه مستقبل الإسلام: كنت أحتفظ في جيبي دائماً بصورة شاب في العشرين من عمره، وقد تزوج جدته وهي في السبعين من عمرها، في قرية بالقرب من لوس أنجلوس.
فهذه الحضارة الأوروبية النكدة، وهذا ما يريدون للمرأة، علاوة على نوادي العراة، وحفلات الشذوذ الجنسي الجماعي، وتبادل الزوجات.
ووجدوا أن من أخطر المجرمات في أمريكا عشر من النساء، ثلاث منهن من رائدات التحرر المثالي.
أي تكريم للمرأة فوق أن يسمي الله عز وجل سورة من كلامه في القرآن باسم النساء؟
وسورة أخرى باسم امرأة وهي مريم البتول رضي الله عنها؟!
وأي تكريم للمرأة أجل من أن القرآن كان ينزل في مخدع عائشة ؟!
أي تكريم أعلى من أن الله ينزل قرآناً في براءة امرأة كما قالت: وبرأني الله من فوق سبع سماوات، وهي الصديقة بنت الصديق ؟!
أي تكريم أجل من أن يتولى الله بنفسه تزويج امرأة، وهي زينب بنت جحش فكانت تفتخر على أمهات المؤمنين فتقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات؟!
فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
وأكمل النساء تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة؛ بنور الإيمان، تقر في كل شيء معناه السماوي، فهذه المرأة كالمعبد، وكالقوة المسعدة لزوجها، فالمرأة الحق هي تلك التي خلقت لتكون خلف الرجل، مادة الفضيلة والصبر والإيمان تكون له إلهاماً وعزاء وقوة، وزيادة في سروره ونقصاً من آلامه، ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد، وهي أن تجعل زوجها أعظم منها، فنحن لا نعرف اسم زوجة الشافعي، ولا زوجة البخاري، ولا من تكون أم سفيان الثوري، فهذه المرأة وأمثالها اختفت خلف زوجها وصنعت منه رجلاً عظيماً.
العلماء عندما يقارنوا بين السيدة خديجة وبين عائشة رضي الله عنهما يقولون: إن خديجة أفضل؛ لأن الله تبارك وتعالى سلم بنفسه عليها فقال: (أقرئ
فمن أمثلة علو الهمة عند النساء:
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر؛ فالمرأة أشد شعوراً بوطأة المجتمع وبتطوراته، وهذه المرأة كانت وحدها في وسط هذا المجتمع الكافر العريض، في وسط ضغط القصر وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، ففي وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي.
وهي نموذج عال في التجرد لله عز وجل من كل هذه المؤثرات، ومن كل هذه الأواصر والمعوقات، ومن ثم استحقت أن تذكر في كتاب الله الخالد، الذي تتردد كلماته في جنبات النفوس.
فهي امرأة عظيمة بحق، يذكرها الله عز وجل في كتابه العظيم. عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين بأربع:
والكرامة ثابتة عند أهل السنة والجماعة للصالحين من عباد الله تبارك وتعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا
قال ابن الأثير : خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين. ويقول سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أبشر
وهي التي واست النبي صلى الله عليه وسلم، وآزرته وقالت له: (أبشر فوالله! لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق)، فهي خاصية من جمل الخصائص التي تميزت بها السيدة خديجة على باقي أمهات المؤمنين!
وما عارضت النبي صلى الله عليه وسلم في أمر، وهناك من يقول: الأولى للداعية أن يتزوج داعية أو عالمة فإن لم تتحل بالورع فستجعل حياته نكداً، فعندما يقول لزوجته الفقيهة -مثلاً- قال الشافعي أو قال مالك، فستقول له: أنا على رأي الأحناف، فإن لم يرزقها الله عز وجل ورعاً ستشعل بيته حريقاً.
ولكن عندما تكون لا تعرف إلا أعمال البيت، وتصلي خمسها، وتصوم شهرها، وتحفظ فرجها، وتكون ذاكرة عادلة فهذا خير لها ولزوجها، فأنت لا تريد من المرأة إلا أن تحسن التبعل لك، فلا ترفع صوتها على صوتك، وأحلى وأعطر كلمة تقولها المرأة لزوجها: يا سيدي، تعطر بها فمها وتنال بها رضا ربها.
فقد كانت رابعة بنت إسماعيل الشامية إذا طبخت قدراً من الطبيخ تقول لزوجها: كله يا سيدي، فوالله! ما نضج إلا بالتسبيح.
وأم الدرداء كانت إذا ذكرت زوجها بعد موته، تقول: حدثني سيدي أبو الدرداء.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه)، فنحن نقول: لو أن المرأة تعلم حق زوجها فسيكون عندها شيئاً كبيراً عظيماً، هو سيدها فلو أقرت لزوجها بالأمر هذا سيكون البيت أجمل ما يكون، ولو نظرت إلى زوجها وكأنه أقل منها في شيء فسيكون البيت دماراً.
ونحن نعرف امرأة حاصلة على الدكتوراة في العلوم الشرعية، وهي متزوجة من مكنيكي لا يعرف إلا الصامولة ونحوها، ولكنه ملتزم، وبرغم هذا فهي من أسعد الزوجات وزوجها من أسعد الأزواج.
فلا يصح أن تنظر المرأة لزوجها بعين النقص فتجعل البيت شجاراً ودماراً.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يركز على هذه النقطة فبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
وهذا ليس بكلام عفوي، أي: يخرج تلقائياً، فلو لم يكن عندها يقين لما تركته يذهب، فهي تعلم - إن لم يكن عندها يقين بربها - أن في ذهابه موتها، فهو لمن سيتركها ورضيعها في الصحراء؟ ليس عندها إلا تمر، وجراب من ماء فقط، لكنها قالت له: اذهب؛ لأنه بقي عندها الزاد العظيم من التوكل، ولكنه بالله تبارك وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل)، أي: بطول الأمل.
ولما ظلت تلهث بحثاً لرضيعها عن الماء سمعت صوتاً، فقالت لنفسها: صه، وكأنها تسمع نفسها، ثم قالت: أغث إن كان عندك غوث، وهنا تبدا لها جبريل أمين وحي السماء، وقال لها: من أنت؟ قالت: أنا أم إسماعيل وزوج إبراهيم، قال: إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله، فقال لها: وكلكما إلى خير كاف، لا تخشي الضيعة، إن الله لا يضيع أهله.
لا تدبر لك أمراً فأولوا التدبير هلكى
سلم الأمر تجدنا نحو أولى بك منكا
وعن الشعبي رحمه الله أنه قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي : يا فاطمة ! هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ فقال: نعم -قال الذهبي: عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره- قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، وكان هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رضيت. والإسناد صحيح.
وكان مهرها درع علي الحطمية، ومن من النساء الآن تقبل هذا؟! فكيف نريد دولة إسلامية، أو خلافة على منهاج النبوة، ولا يوجد من النساء من تقبل هذا؟!
قال: كان مهرها درع علي الحطمية، أهديت إليه، ومعها خميلة، ومرفقة من أدم حشوها من الليف، وقربة، ومنخل، وقدح، ورحى، وجرابان، ولم يكن لها فراش غير جلد كبش، ينامان عليه بالليل وتعلف عليه الناضحة بالنهار، والناضح يعني: الإبل التي تحمل الماء.
وهي من هي، فهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنست وطحنت وأثرت الرحى في صدرها، واستعانت على خدمة البيت بالتسبيح، كما وصاها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي: تالله! ما ضرها ذلك.
أذهب الله عنها وعن سائر بيتها الرجس، وطهرها تطهيراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسر إليها، وكانت صابرة على شظف العيش مع زوجها علي رضي الله عنه، دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله.
عن أبي البحتري : قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجاً، وتكفيك هي العمل في البيت أي: من العجين والخبز. ونساءنا اليوم لا يعرفن الطحن أو الخبازة والعجين، بل لا يعرفن ما هو العجين، ولا ما هو الخبز، فليحمدن الله عز وجل على ذلك.
وتجد المرأة في الستين من عمرها وهي تقول لمن هن دونها في السن: احمدن الله عز وجل، فأنتن في كامل الراحة، فاجعلوا بيوتكن جنات لأزواجكن، يكفي شظف العيش الذي يلاقيه الرجال.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلم علي لم ينزل قبلها، فبشرني أن
وكان الإمام أحمد إذا سئل عن علي وأهل بيته، قال: أهل بيت رسول الله لا يقاس بهم أحد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الذهبي : لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها. نشهد أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وما نزل الوحي إلا والنبي صلى الله عليه وسلم في لحاف عائشة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها).
وكانت رضي الله عنها من أنفس الناس رأياً في أصول الدين، ودقائق الكتاب المبين، وكان لها الاستدراكات العظيمة على الصحابة، فإذا علموا ذلك منها رجعوا إلى قولها.
يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
وقال مسروق : رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس.
وقال الزهري : لو جمع علم الناس كلهم وعلم أمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علماً.
ويبلغ مسند عائشة رضي الله عنها (2210) أحاديث.
ولما ذكر الإمام ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام، على كثرة ما نقل قدم عائشة على سائر الصحابة في نقل الفتاوى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروت عائشة من جملة صحيح البخاري ومسلم مائتين ونيفاً وتسعين حديثاً، وحمل عنها ربع الشريعة بأكملها.
قال عروة بن الزبير : ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بخطب ولا بشعر من عائشة .
يقول أيضاً: لقد صحبت عائشة -وهي خالته- فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى للشعر، ولا بيوم من أيام العرب -أي: تاريخ العرب- ولا بنسب، ولا بقضاء منها.
فهذا فضل عائشة رضي الله عنها.
وعن عروة : أن عائشة كانت تسرد الصوم، يقول: كانت تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
وعن القاسم رحمه الله قال: كنت إذا غدوت -يعني: إذا صلى الغداة أو الصبح- أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27]، تدعو وتبكي وترددها، فظللت منتظراً حتى مللت القيام.
ثم ذهبت إلى السوق لحاجتي فرجعت فإذا هي قائمة تصلي وتبكي وتقول: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27].
وعن عروة رضي الله عنه قال: كانت عائشة رضي الله عنها لا تمسك شيئاً جاءها من رزق الله إلا تصدقت به.
وقال عروة : بعث معاوية مرة إلى عائشة بـ (100000) درهم، فقسمتها، لم تترك منها شيئاً، فقالت لها بريرة : أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحماً، فقالت: لو ذكرتيني لفعلت. أي: أنها تنسى نفسها عند الصدقة.
وعن عروة قال: إن عائشة تصدقت بـ (70000) درهم، وإنها لترقع جانب درعها.
ما منا أحد حتى ممن ضيق الله عز وجل عليه الرزق يرضى أن يكون له ثوباً مرقعاً، هذا بالنسبة للرجل فما ظنك بالنسوة! مالوا فملن، ولما يفسد الرجال تفسد النسوة.
وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة كانت تغشى عائشة رضي الله عنها، قالت: بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين كبيرتين بمائة وثمانين ألف درهم، فدعت في طبق وهي صائمة يومئذ، فجعلت تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم، فلما أمست قالت: يا جارية! هلمي فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة : أما استطعت مما قسمتي اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه، قالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتيني لفعلت.
فكانت قدوة من حيث الصدقة، ومن حيث صيام الدهر، ومن حيث العلم، ومن حيث العبادة.
ومن ذلك أنه يذهب ابن أختها إلى السوق وهي تصلي ثم يشتري حاجته، ثم يقف عندها حتى يمل من القيام، وهي ما خرجت بعد من سنة الضحى.
قالت عائشة رضي الله عنها: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد التزاماً بنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به إلى الله تبارك وتعالى.
أما في قيام الليل فحدث عنها ولا حرج، فقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: لـزينب ، إذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد).
وعن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء - أي: عطاء سيدنا عمر لأمهات المؤمنين - بعث عمر إلى زينب رضي الله عنها بالذي لها، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لـعمر ، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني. تظن أن هذا المال كله جاء لأمهات المؤمنين كلهن، فقالوا: هذا كله لك، فقالت: سبحان الله! ثم استترت دونه بثوب، ثم قالت: صبوه، ثم جعلت عليه ثوباً آخر، ثم قالت لجاريتها: ادخلي يدك فاقبضي قبضة اذهبي إلى آل فلان وإلى آل فلان من أيتامها ومن ذوي رحمها، فقسمته حتى بقيت منه بقية، فقالت لها برزة : غفر الله لك، والله! لقد كان لنا من هذا حظ، فقالت: لكم ما تحت الثوب، فرفعنا الثوب فوجدنا (85) درهماً، ثم رفعت يدها وقالت: اللهم! لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت قبل أن يأتي العطاء في العام المقبل.
وكان عطاء أم المؤمنين زينب بنت جحش في السنة (12000) درهم. حمل إليها فقسمته كله إلا (85) درهماً فقط.
قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها: لقد ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل.
وفي هذا عظة للإخوة والأخوات، فكل أخت ينبغي أن تسأل عن اليتامى والأرامل والمحتاجات من نساء المسلمين، وهذا دورهن في العمل الاجتماعي، أي: أن يبحثن عن النساء المسلمات المتعففات، اللاتي لا يجدن القوت، وأن تكون المرأة مسبحة ذاكرة صائمة متهذبة بكاءة خيراً لها، بعد أن تتعلم العلم المفروض عليها، ونحن قلنا: يجب أن يصحح الاعتقاد أولاً، أي: أن يكون مجمل الاعتقاد صحيح، وما فرض الله عليك من الصلاة والصيام والزكاة إن كنت غنية، ثم أقبلي على حفظ كتاب الله عز وجل، وكثرة الذكر.
وصح أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها طلقها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حسن ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة، وكذا الشيخ الألباني ، ثم راجعها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من جبريل؛ لأن النبي لما طلقها نثر عمر التراب على وجهه وسار في طرقات المدينة وقال: ما أصبح الله يبالي بـعمر ولا بابنة عمر ، فنزل جبريل وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة ؛ لأنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
وعن عبد الله بن زيد قال: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندها قسمته، وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئاً لغد.
ومن ضمن الرسائل التي وصلتني رسالة أخ يقول فيها: أخي الشيخ الفاضل حسين! إني أحبك في الله لم أنس يا شيخنا آخر مرة سمعت لك فيها، تحدثت فيها عن فضل العلم وطلبه، فجزاك الله خيراً، والحقيقة عندما أردت أن أحضر اليوم أنا وزوجتي لكي نسمع لفضيلتك، لم يكن معنا إلا أربعة جنيهات فقط، فهل كنا نبقيها للطعام أم نجعلها للمواصلة، فآثرنا غذاء الروح على غذاء البطن، وجئنا لكي نستفيد من علمك.
فنسأل الله عز وجل أن يبارك في هذا الأخ وفي زوجه، والله! لو قدم علي يكون ضيفي هو وأهله فسوف أضعه في عيوني.
فـأسماء رضي الله عنها ما كانت تمسك شيئاً لغد، وكانت إذا مرضت تعتق كل مملوك لها، وتتصدق بكل أكل عندها.
وعن ابن أبي ملكية قال: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر.
سمية لا تبالي حين تلقى عذاب النكر يوماً أو تلين
وتأبى أن تردد ما أرادوا فكانت في عداد الصابرين
فبينا أنا كذلك إذا بأثر شيء بارد وقع علي منه، ثم عاد فتناولته فإذا هو دلو ماء، قالت: فشربت منه قليلاً ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلاً ثم رفع، ثم عاد أيضاً، فصنع ذلك مراراً حتى ارتويت، ثم أخذت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على جسدي وعلى ثيابي، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت؟ أي: هل فككت الرباط، فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقلت: لا والله! ما فعلت ذلك، بل كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إلى الأسقية ووجدوها كما تركوها، فأسلموا من ساعتهم.
وأم كلثوم المغنية كانت دماء المسلمين التقية الندية تسيل على رمال سيناء وهي تصيح في المخدرين والسكارى والنائمين: هذه ليلتي وحلم حياتي!
ولو أن الخيال يبعث حياً هوت الكأس من يديه حطاما
كوكب الشرق ذل قومي لما جعلوك على الصدور وساما
وأم حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وعمته، أول امرأة قتلت رجلاً من المشركين، صفية بنت عبد المطلب، حدث عنها ولا حرج.
قالت أم عمارة : رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بقي إلا في نفر ما يتمون عشرة، وأنا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلاً مولياً معه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فأقبل رجل على فرس فضربني، فتترست له فلم يصنع سيفه شيئاً فولى، فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة أمك.. أمك؛ قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب. يعني: قالت: أعانني ابني على قتل هذا الكافر حتى قتله معي.
وقتل ابنها مسيلمة الكذاب ، وكانت تشجعه على هذا، جرحت يوم أحد اثني عشر جرحاً، وجرحت يوم اليمامة أحد عشر جرحاً، وقطعت يدها وقدمت المدينة وبها الجراحات.
فلقد رئي أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وهي عجوز مسنة قد قطعت يدها، ولكن مسليمة قتل ابنها فلله درها من امرأة!!
وقد تكون المرأة ناعمة في بيت أبيها، لئن جاز للعواتق الناعمات من بنات حواء حياة ناعمة وهاجعة في بيوت آبائهن، يجررن فيها الذيول، تستعرض الواحدة منهن أنواع الحلي والزينة، وتضحي المسك فوق رأسها نؤوم الضحى لم تنطق عن تفضل، فإنها في بيت الحركة تكون فدائية.
يقولون: المرأة وليدة مجتمعها، يعني أنها تتأثر بظروف مجتمعها، مثلاً: امرأة تقول لزوجها: اذهب يرزقك ربنا ثعباناً؛ لأنهم يصيدون الثعابين، فتريد أن تصيبه بخير.
فالمرأة ظروف المجتمع تفرض عليها أحوالاً معينة، ونحن نريد امرأة تعيش للإسلام فقط، داعية، متصدقة، عابدة، ذاكرة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزق الناس بمثلهن.
وكانت حياتها مليئة بالأعاجيب النيرة المشرقة، توحي بسموها وعلوها.
قالت أم سليم : آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو أنس وكان غائباً، فقال: أصبوت -أي: أكفرت-؟! فقالت: ما صبوت ولكني آمنت، وجعلت تلقن أنساً وهو يرضع: قل: لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، فيقول لها أبوه: لا تفسدي علي ابني، فتقول: إني لا أفسده، ولكني أعلمه دينه.
فخرج مالك فلقيه عدو فقتله، فقالت: لا جرم لا أفطم أنساً حتى يدع هو الثدي، ولا أتزوج حتى يأمرني أنس ، أي: حتى يكبر أنس ويأمرني بذلك.
وخطبها أبو طلحة وهو مشرك، فأبت وقالت له يوماً: أرأيت حجراً تعبده لا يضرك ولا ينفعك؟ أو خشبة تأتي بها النجار فيضع لك منها صنماً هل يضرك أو ينفعك؟ قال: ووقع في قلبي كلامها، فقلت: إن آمنت، قالت: إني أتزوجك، ولا آخذ صداقاً منك غير الإسلام.
فقال أنس : تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، وكان أفضل صداق في الإسلام.
أما صبرها الجليل، فهذه المرأة العظيمة لما مرض أخ لـأنس من أبي طلحة يدعى أبا عمير ، فبينا أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فتهيأت أم سليم وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه، فرجع من المسجد وقد تزينت وتصنعت، فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن مما كان، فقدمت عشاء فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه، ثم قامت إلى ما تقوم له المرأة فأصاب من أهله، فلما كان آخر الليل قالت: يا أبا طلحة ! ألم تر إلى أهل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت إليهم شق عليهم، قال: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك فلاناً كان عارية من الله، فقبضه الله إليه، فاسترجع وحمد الله وقال: والله! لا أدعك تغلبيني على الصبر حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: (بارك الله لكما في ليلتكما)، فاكتملت منذ الليلة على عبد الله بن أبي طلحة ولم يكن في الأنصار شاب أفضل منه، وخرج منه رجال كثيرون، ولم يمت عبد الله حتى رزق عشرة بنين، كلهم حفظ كتاب الله عز وجل.
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وقالت أيضاً:
يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمس
فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
بكت عليه، وقد مات مشركاً، وكان شجاعاً، لكن هذا لا ينفعه مع عدم الإسلام.
وفي الإسلام قدمت أفلاذ كبدها ونياط قلبها، أربعة من الأسود، خرجوا في يوم واحد؛ يوم القادسية، وكان مما أوصتهم به قولها: يا بني! إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو! إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، فاظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فلما كشرت الحرب عن أنيابها تدافعوا عليها وتواقعوا إليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتى قتلوا واحداً إثر واحد، فلما وافتها النعاة خبرهم لم تزد على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة.
و خولة بنت الأزور من ذوات الخدور، ولكن ليس كمثلها النسور.
وكانت من أفضل التابعين.
قال هشام بن حسان : اشترت حفصة جارية، فقيل لها: كيف رأيت مولاتك بالليل؟ فذكرت كلاماً بالفارسية معناه: إنها امرأة صالحة، إلا أنها أذنبت ذنباً عظيماً، فهي الليل كله تبكي وتصلي. وكانت إذا قامت إلى مصلاها من الليل لبست كفنها، ما تمسك التلفون ست ساعات، بل كانت إذا قامت صلاة الليل لبست كفنها، وكانت تقرأ نصف القرآن في الليلة، وتصوم الدهر، ولا تفطر إلا العيدين وأيام التشريق.
عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال لي: يا غلام! أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى، قال: عليك بـعمرة فإنها كانت في حجر عائشة ، فأتيتها فوجدتها بحراً لا ينزف.
و أم سفيان الثوري تعوله بمغزلها، قالت أم سفيان لـسفيان : اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي هذا، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث، فانظر هل تجد في نفسك زيادة من العمل فاتبعه. يعني: يا بني اكتب عشرة أحاديث، فإن عملت بها ووجدت في نفسك زيادة فاكتب عشرة أحاديث أخرى، وإلا فلا تتعنى، أي: إذا كنت لن تطبق العلم على نفسك فاقعد خيراً لك.
وجارية الإمام مالك ، حكى أشهب أنه كان في المدينة، وأنه اشترى خضرة من جارية، وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز، فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتنا نعطيك الثمن، فقالت: ذلك لا يجوز، قال لها: ولم؟ فقالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية، فقالوا: هي جارية مالك بن أنس . جارية في السوق وهي تعلم الناس فقه البيوع.
و فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح كانت تستحضر أكثر المغني.
اسمها زيب النساء ، يعني: زين النساء، بنت الملك أورنك زيب عالمكير سلطان الهند في عهده.
هذه المرأة العظيمة قامت ذات ليلة وهي غاضبة من نومها، فسألها زوجها عن سر غضبها؟ فقالت: فاتني وردي البارحة، فلم أصل من الليل شيئاً. وهي امرأة ملك، وكانت زوجة سلطان دمشق، بل سلطان الشام كله، وتقوم من الليل غاضبه؛ لأنها لم تصل بالليل.
وكانت ترسل إلى زوجها؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة، فتأخذ منه المال الكثير فيقول: والله! لا أدخل النار بسببك، وكان نور الدين محمود زنكي زوجها سلطان دمشق، كل أكله من عمل الأقفال، أي: يصنع الأقفال بيده، ثم يذهب بها فيبيعها، وكان هذا دخله الذي يعيش منه، وهو ملك الشام قاهر الصليبين.
وكان من قواده في مصر أسد الدين شيركوه وهو عم صلاح الدين ، فلما مات أسد الدين شيركوه عهد نور الدين محمود زنكي بالعمل من بعده لـصلاح الدين الأيوبي ، فقضى صلاح الدين الأيوبي على سلطان الدولة الفاطمية من مصر.
يحفظ التاريخ العديد من العابدات التقيات، الصوامات القائمات في الليل، وكانت المرأة منهن إذا دخل عليها الليل تقول: بخ بخ، يا نفس! قد جاء سرور المؤمن، فإذا اشتدت في عبادتها تقول:
لا تأنسن بمن توحشك نظرته فتمنعن من التذكار في الظلم
واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن يسقيك كأسه باب العز والكرم
فإذا مضى عنها الليل بكت وقالت: واحرماه واسلباه.
ذهب الظلام بأنسه وبإرثه ليت الظلام بأنسه يتجدد
وهذه عاتكة المخزومية تعاتب في كثرة بكائها، فقالت: ما ينبغي للمخوف بالنار أن تجف له دمعة، حتى يعرف موقع الأمان من ذلك.
وعفيرة العابدة، تعاتب في قلة نومها وكثرة قيامها، فقالت: ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر، وكيف ينام من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ولا نهاراً؟!
وفاطمة النيسابورية تقول: الصادق المقرب يدعو ربه دعاء الغريق يسأل ربه الخلاص والنجاة.
وعائشة بنت سعيد الحيري عابدة نيسابور، مجابة الدعوة، سمعت ابنتها تتكلم وهي فرحة ببعض ما لديها من العلم، وببعض ما لديها من حطام الدنيا، فقالت: لا تفرحي بفان، ولا تجزعي من ذاهب، وافرحي بالله عز وجل، واجزعي من سقوطك من عين الله عز وجل. وقالت لابنتها: الزمي الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً، ولا أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً.
ومليكة بنت المنكدر تقول: دعوني أبادر طي صحيفتي.
وزوجة صلة بن أشيم: معاذة العدوية تلميذة السيدة عائشة رضي الله عنها، لما أتاها نعي زوجها وولدها، وأتت النسوة يعزينها، قالت: إن كنتن قد جئتن لتهنئنني فأهلاً بكن وسهلاً، وإلا فارجعن من حيث أتيتن.
ولبابة العابدة تقول عن لذة عبادتها في محرابها: ما زلت مجتهدة في العبادة حتى صرت أستريح بالعبادة، فإذا تعبت من لقاء الخلق آنسني بذكره، وإذا أعياني الخلق روحني للتفرغ لعبادة الله عز وجل، والقيام إلى خدمته.
و مخة أخت الإمام بشر بن الحارث الإمام الورع وأخته ورعة كذلك، تأتي إلى الإمام أحمد وتقول له: أنين المريض شكوى؟ أي: المريض عندما يئن ويقول: آه، هل هذا كأنه يشكو الله عز وجل إلى خلقه؟ قال: والله! ما سئلت عن مثل هذا السؤال من قبل، فلما كان في مرض موته قيل للإمام أحمد: إن طاوس يقول: إن أنين المريض شكوى، فما أنَّ الإمام أحمد حتى مات.
المسألة التي غابت على إمام أهل السنة حفظتها امرأة.
وقالت: يا إمام! إنا نغزل غزلنا على ضوء مصباح الشارع، فإذا انطفأ مصباح الشارع ومرت مصابيح الظاهرية -وكانوا قوماً من الحكام ظالمين- غزلنا على ضوء مصابيحهم، أفنبينه للناس؟ قال: بيني ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله : اتبعها يا بني، وانظر إلى أي بيت تدخل، فدخلت بيت بشر بن الحارث ، فقال: من بيتهم خرج الورع. أي: مثل هذه لا تخرج إلا من بيت بشر.
وماجدة القرشية كانت تبكي وتقول: كفى المؤمنين والمؤمنات طول اهتمامهم بالمعاد شغلاً عن الناس.
و نفيسة بنت الحسن بن زيد التي تقول عنها زينب بنت يحيى : خدمت عمتي فما رأيتها نامت بليل إلا قليلاً، ولا أفطرت بنهار، فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ قالت: كيف أرفق بنفسي وقدامي عقبات لا يقطعها الفائزون!!
ورابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري يقول عنها زوجها: كنت يرق قلبي بالنظر إلى وجه زوجتي أكثر مما يرق بالحديث مع إخواني؛ لما رأى عليها من أثر الزهد والعبادة.
وبوب الإمام محمد بن نصر المروزي تلميذ الإمام البخاري باب: إن الرجل أو المرأة إذا اعتاد القيام نبه لذلك بالملائكة أو بعمار الدار من الجن.
وذكر قصة رابعة : إن زوجها يقول: ما رأيك تقومين من أول الليل، قالت: أوتحسبني أقوم بخاطري، إنما أقوم إذا نوديت.
وبوب الإمام محمد بن نصر المروزي تلميذ الإمام البخاري باب: إن الرجل أو المرأة إذا اعتاد القيام نبه لذلك بالملائكة أو بعمار الدار من الجن.
وذكر قصة رابعة : إن زوجها يقول: ما رأيك تقومين من أول الليل، قالت: أوتحسبني أقوم بخاطري، إنما أقوم إذا نوديت.
وهكذا الجواري والعبيد قال خالد الوراق : كانت جارية لي شديدة الاجتهاد في الطاعة والعبادة، فدخلت عليها يوماً فأخبرتها برزق الله وقبوله ليسير العمل، فبكت وقالت: يا خالد ! إني لأؤمل من الله تعالى آمالاً لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة، وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثاً لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السباق؟
قال: قلت: وما حسرة السباق؟ قالت: غداة الحشر إذا بعثر ما في القبور، وركب الأبرار نجائب الأعمال، فاستبقوا إلى الصراط، وعزة سيدي! لا يسبق مقصر مجتهداً أبداً ولو حبا المجد حبواً.
أم كيف لي بموت الحزن والكمد، إذا رأيت القوم يتراكضون وقد رفعت أعلام المحسنين، وجاز الصراط المشتاقون، ووصل إلى الله المحبون، وخلفت مع المسيئين المذنبين!!
ثم بكت وقالت: يا خالد ! انظر لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال، فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة، فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال، فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون!
هذه صفحات من علو همة النساء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر