وفي هذا الدرس خمسة أمثلة لهذه الصفوة وهم: نوح، هود، صالح، شعيب، لوط.
أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي اختاركم من بين الأمم، واحمدوه على أن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، واشكروه على نعمة الإسلام والإيمان.
أمة الإسلام! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء سهلة، فيها الخير والصلاح، والسعادة والفلاح لمن تمسك بهذه الشريعة, وقام بها حق قيام.
عباد الله! لقد أخبرنا ربنا جل وعلا في محكم البيان ما حصل للأمم مع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا إليهم، ففي سورة هود أخبر الله سبحانه وتعالى عن نوح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن هود مع قومه عليه السلام، وأخبر عن صالح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن لوط مع قومه عليه السلام، وأخبر عن شعيب مع قومه عليه السلام.
فنوح عليه السلام هو أول رسول بعثه الله سبحانه وتعالى إلى أهل الأرض، وقد أمره ربه جل وعلا أن ينذر قومه ويحذرهم عذاب الله، فعاش فيهم طويلاً، وكان أطول الأنبياء عمراً، وأكثرهم جهاداً، فقد تحمل من الأذى ما لم يتحمل أحدٌ من الرسل، فدعى قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وقام فيهم تسعمائة وخمسين عاماً يذكرهم ويعظهم، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكنه لم يلقَ من قومه إلا كل تكذيب واضطهاد وصدود وإعراض.
فقد كانت قلوبهم أشد من الحجارة، وعقولهم أصلب من الحديد، ومع طول المدة التي أقامها بينهم لم يؤمن برسالته إلا القليل، كما أخبر الله جل وعلا: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40].
بعث الله نوحاً عليه السلام إلى قوم قد أشركوا بالله، وعبدوا الأوثان والأصنام واتخذوا آلهة من دون الله, اعتقدوا أنها تضر وتنفع من دون الله عز وجل، فأرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام ليحذرهم فقال: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:1-3].
أيها المسلمون! احذروا من اقتناء الصور فإنها تطرد الملائكة عن البيوت، وتوجب لعنة الله عز وجل، واسمعوا إلى ما حصل لقوم نوح من اقتناء الصور: فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين؛ وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، فلما تفاقم الأمر وفشا الشرك فيهم, بعث الله نوحاً عليه السلام، يأمرهم ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
ماذا ردوا عليه؟ أبوا أن يطيعوه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً [نوح:5-6] أخيراً دعا عليهم نوح عليه السلام، فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
عند ذلك أمر الله نوحاً عليه السلام أن يصنع السفينة قال: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [هود:37] ولما انتهى نوح من صنع السفينة؛ أمره الله أن يحمل فيها الذين آمنوا معه، ومن الحيوانات من كلٍّ زوجين اثنين، وجعل الله له علامة إذا ظهرت فذلك وقت ركوب السفينة، قال الله تعالى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود:41].
تصوروا -يا عباد الله- تلك السفينة والأمواج قد ظهرت على رءوس الجبال وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ [هود:42].
ماذا قال الابن العاق؟ قال: سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:43-44] تلكم تذكرة لكم يا أمة محمد.
لما طغت عادٌ وتمردت على نبي الله هود عليه السلام، ولم ينفعها التذكير ولا الإنذار وتمادت في طريق العصيان؛ حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى اشتد عليهم الجهد والبلاء، فاستغاثوا، فأرسل الله عليهم سحاباً كثيباً من السماء، فلما رأوا السحاب فرحوا واستبشروا وظنوا أنه مطر غزير، وأن الله استجاب دعاءهم حين استغاثوا, فلما أظلتهم السحابة رأوها سوداء قاتمة، ففزعوا ثم هبت عليهم الريح وكانت ريحاً عقيماً سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فأهلكهم الله وأبادهم، وصارت أجسامهم كأنها أعجاز نخل خاوية، ونجى الله عز وجل هوداً عليه السلام والذين معه، وكان الذين هلكوا من قوم عاد قد هلكوا عن آخرهم، فلم يبق من أنفسهم ولا من ديارهم شبح ولا رسم؛ لأن الريح قد دمرت كل شيء فلم تبقِ عليهم ولم تذر، قال الله تعالى: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذاريات:41].
تذكر يا عبد الله وهي تحمل الرجل ثم تضعه على أم رأسه، تصور هذا العذاب من الله عز وجل، ولكن هل نفكر؟ إنما نقول أعاصير ورياح وبراكين وزلازل ولا نفكر أنها غضب من الله وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:41-42] هذا لكم تذكار يا أمة محمد.
أيها المسلمون! كانت قبيلة ثمود تدين بعبادة الأوثان، وتكفر بالله الواحد الديان، فبعث الله إليهم صالحاً عليه السلام، يذكرهم بنعم الله ويهديهم طريق الفوز والسعادة، وأنهم خلفاء في الأرض من بعد قوم عاد، وأمرهم بالتقوى، ونهاهم عن عبادة الأصنام، فظلوا متمادين في غيهم، عاكفين على عبادتهم الباطلة، وكانوا أهل خصب ونعيم، لما لهم من الخيرات الوافرة, والجنات الزاهرة, والعيون الجارية، وقد ذكرهم الله بهذه النعم فآمن منهم نفر قليل، وأكثرهم كذبوا وكفروا برسالة الله التي جاء بها صالح عليه السلام، وعتوا في طغيانهم عتواً كبيراً، وطلبوا من صالح معجزة تشهد بصدقه، فجاءهم بمعجزة الناقة، وقد كانت آية عظيمة دالة على صدق صالح عليه السلام، وقد حذرهم صالح من التعرض للناقة بسوء، وأنذرهم عذاب الله إن هم أقدموا على قتلها، ولكن النفوس العاتية التي لا تسمع موعظة ولا تقبل نصيحة، والتي قد أعماها حب التمرد والطغيان، وأصم آذانها عن قبول دعوة الله، قد أبت إلا الإجرام.
فأقدموا على عقر الناقة بغياً وعتواً، وكان أول من سطا على الناقة الشقي اللعين قدار بن سالف ، فعقرها فسقطت على الأرض فابتدرها الرجال بأسيافهم يقطعونها، وكانوا تسعة كما أخبر الله عز وجل: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل:48] وقد هموا بقتل نبي الله صالح صلى الله عليه وسلم بعد قتل الناقة، لا سيما بعد أن أنذرهم بعذاب الله، وتوعدهم به بعد ثلاثة أيام من عقر الناقة، قال الله تعالى: فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65] فأرسل الله على ذلك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة من السماء رضختهم ودمرتهم قبل قومهم.
قال ابن كثير رحمه الله: "وأصبحت ثمود في اليوم الأول من موعد حلول العذاب، وقد اصفرت وجوههم، ثم أصبحوا في اليوم الثاني وقد احمرت وجوههم، ثم أصبحوا في اليوم الثالث وقد اسودت وجوههم كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما انتهت الأيام الثلاثة ومع شروق الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الجوارح والحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً هامدة لا أرواح فيها ولا حراك فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15] وأما صالح عليه السلام والذين آمنوا معه، فقد نجوا مما لحق بقومهم من العذاب.
وهذا شعيب عليه السلام أرسله الله إلى أهل مدين ، وكانوا أهل تجارة وزراعة، وكانوا أصحاب رفاهية ونعيم، وقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، ولكنه لم يطل بهم العهد حتى غيروا وبدلوا وكفروا بالله, وانحرفوا عن الصراط المستقيم، قد فشت فيهم منكرات عديدة، منها التطفيف في المكاييل والموازين، فكانوا يبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد بعث الله إليهم شعيباً عليه السلام، فدعاهم إلى توحيد الله وذكرهم بعذاب الله، ونهاهم عن تطفيف المكيال والميزان، وأمرهم بالإصلاح وعدم الإفساد فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون.
وقد كان هؤلاء المكذبون على غاية من الضلال والجحود، يقعدون على الطريق يصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب عن الدين، ويمنعونهم من الإيمان به، ويتوعدونهم بأنواع التهديدات والوعيد، ولما ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة جاهروه بالعداء، وادعوا أنهم لا يفقهون كلامه، ولا يعرفون غرضه، وتوعدوه بأنه لولا أن له أنصاراً لقتلوه، ثم هددوه وتوعدوه بالإخراج والطرد من القرية هو والذين آمنوا معه، إلا أن يعودوا في ملتهم ويدخلوا في دين قومهم، قال الله تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف:88] وقال الله أيضا عن قوم شعيب: وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ [الأعراف:90].
إنهم أمة عتاة حمقى، ولقد كان من شدة حماقتهم أن يطلبوا من شعيب أن يسقط عليهم كسفاً من السماء إن كان من الصادقين في دعوته، فأخذهم عذاب يوم الظلة، بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام، حتى غلت مياههم من شد الحر، ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا تحتها للاستظلال فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عددهم في ظلها تزلزلت بهم الأرض وجاءتهم الصيحة وأمطرت عليهم السماء ناراً تلظى فاحترقوا.
تلك سنة الله في خلقه، فاتقوا الله وأطيعوه، واحذروا من غضب الله وعقابه, ومن شدة نقمته, بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، في هذه الخطبة الثانية نتحدث عن قوم أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ولم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه، ولا يألفونه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله، فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام، قال الله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف:81].
كانوا يرتكبون ذنب اللواط، الذنب الذي كان يغضب رب العباد، إنها الفاحشة التي يضيق بها الفضاء وتأج لها السماء، ويحل بها البلاء، فكشف حال، وسوء مآل، وداء عضال، وقبح فعال، وعيب دونه سائر العيوب، جريمة اللواط عيبٌ تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة، اللواط عملٌ مسبوب، ووضع مقلوب، اللواط فاعله ملعون، اللواط خلق فاسد، وشرف مسلوب، وعرض ممزق، وكرامة معدومة، وعاقبته زهري وجرب وألوان، إنها الجريمة الشنعاء البشعة القبيحة، إنه ركوب الذكران بعضهم على البعض.
اللهم وإن في هذه الفاحشة الشنعاء من الخزي والعار ما لا تطيقه الطباع السليمة، فعال أمة قديم عصرها، باق ذكرها، كثير شرها، وهي مشهورة ببلاد الغور بناحية حيال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك ، إنها أمة ترتكب هذه الفاحشة الشنيعة، والجريمة الفضيعة، علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله من أزواج، ولا يبالون بمن يعتب ويشنع عليهم، وقد بالغ لوط عليه السلام بدعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وحذرهم من فعل الفاحشة وهي إتيان الرجال من دون النساء، وبالغ في إنذارهم وتحذيرهم، وكان الجواب من أولئك العصاة الكفرة على تلك النصيحة، أن قالوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56].
يقولون هذا ومقصودهم السخرية، والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيها وتماروا به.
ولقد جاءت الملائكة لوطاً عليه السلام، تأمره بالخروج من بين أظهر أولئك؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، قال الله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ [الحجر:65] صدر الأمر العظيم من إله الأولين والآخرين: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [الحجر:66].
تذكر الله يا عبد الله! تصور ذلك العذاب! تصور تلك القرى وجبريل عليه السلام يرفعها بجناحه ثم يقلبها عليهم: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:74-77].
نعم يخبر الله جل وعلا أنهم أخذتهم الصيحة، وهي ما جاءهم به من الصوت القاصف عند شروق الشمس، وهو طلوعها وذلك مع رفع بلادهم إلى عنان السماء ثم قلبها وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليهم، أمر الله جبريل -وهو ملك من ملائكة الرحمن له ستمائة جناح- أمر الله جبريل عليه السلام فاقتلع ديارهم بجناح واحد من أصولها, ورفعها إلى السماء الدنيا، حتى سمع الملائكة نباح الكلاب وصياح الديكة، فقلبها عليهم ثم اتبعهم الله بحجارة من سجيل منضود، فتلكم قرية سدوم الذي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتة خبيثة، في طريق مهيع مسلكه مستمر إلى اليوم، وهو المعروف بـالبحر الميت ، الذي لا يعيش فيه شيء.
عباد الله! أيها المسلمون! أتدرون لماذا ذكر الله أخبارهم في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنه والله لنعتبر بما أصابهم ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال وقبح الفعال، والله يقول وهو أصدق القائلين: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] فسبحان الله يا عباد الله!
كيف يقع ذكر على ذكر وهو يعلم أن الله حرم ذلك؟! وهو يعلم أن الله يراه ولم يغب عن بصره طرفة عين! ويعلم ما في ذلك من مخالفة العقل والدين! وما فيه من خطر ومرض وشر مستطير، وخزي وعار!! هذا في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحمير والقردة والخنازير، وما ظهر اللواط في أمة إلا ذلت، وأخزيت وسلب عزها.
وإذا أراد الله جل وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون, فاستحقت الخراب والدمار، فانتبهوا أيها المسلمون! وتناصحوا، واحفظوا أولادكم، واعلموا أنكم مسئولون عن أولادكم أمام الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
أيها المسلمون! صلوا على الناصح الأمين رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضِ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إلى القرآن والسنة يا رب العالمين، اللهم ردنا لنأخذ بسيرة سلفنا الصالح يا رب العالمين، اللهم وفقنا للاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أيقظنا من رقداتنا، الله اشفِ مرض قلوبنا، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا، وأصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ونعوذ بك اللهم من جميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام راقدين، اللهم لا تشمت بنا ولا تطمع بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم اجمعنا جميعاً في جنات النعيم، واغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر