أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: (منهاج المسلم) وقد انتهى بنا الدرس إلى مكروهات الصلاة:
اعلموا والعلم ينفع: أن إقام الصلاة الذي أمر الله تعالى به في غير ما آية: هو أن تؤدى مستوفاة الشروط والأركان، والفرائض، والسنن، والآداب، بعيدة عن المكروهات والمبطلات؛ وذلك من أجل أن تزكي النفس البشرية، إذ علة الأكل والشرب لبقاء الحياة، واستخدام الماء والصابون للثياب والأجسام لنظافتها، والروح بم تزكى؟ بالأكل والشرب؟ بالماء والصابون؟ لا. تزكى بالعبادة. ما هي العبادة؟ ما تعبدنا الله به من الواجبات والفرائض والمستحبات، ومن أعظمها: الصلاة، وحسبنا أن نسمع قول ربنا: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
وبالمشاهدة وبالتجربة والواقع شاهد: أننا إذا دخلنا سجناً من السجون، وسألنا عن المسجونين: ما جرائمهم؟ ما ذنوبهم؟ قلت غير ما مرة: لن نجد من هؤلاء المسجونين أكثر من (5%) يؤدون الصلاة، والباقون (95%) إما تارك للصلاة وإما مصلون لا يقيمون الصلاة. كيف لا، والله يقول: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟
فالمقيم للصلاة والله ما يأتي فاحشة ولا يرتكب منكراً؛ وذلك لنور قلبه وإشراقة صدره، فالخبث لا يقترب منه؛ للنور الذي في قلبه، وأما تارك الصلاة فنفسه مظلمة منتنة، والمتهاون فيها الذي لا يؤديها على الوجه المطلوب لا تزكي نفسه، ولا تؤثر فيها كثير تأثير.
ومن هنا عرفنا أولاً: شروط الصلاة. ثانياً: فرائضها. ثالثاً: سننها المؤكدة. رابعاً: سننها المستحبة.
وها نحن الآن مع المكروهات التي لا تبطل الصلاة، ولكن تقلل من تأثيرها في تزكية النفس وتطهيرها.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ مكروهاتها: ] أي: مكروهات الصلاة.
والشيطان عدونا، بوده أن لا تتم صلاتنا على الوجه المطلوب؛ حتى تبقى النفس مظلمة منتنة يفعل بها ما يشاء، ويسخرها كيف يشاء.
أولاً: الالتفات بالرأس، أما الالتفات بالبدن فيبطل الصلاة، فلو استدار عن القبلة ببدنه فصلاته باطلة، لكن الالتفات بالرأس قد يلتفت الإنسان، وهذا الالتفات اختلاس يختلسه الشيطان وسرقة يسرقها من صلاتك؛ حتى لا تؤدي الواجب الذي تؤديه.
إذاً: فاكرهوه، ومن كرهه لا يفعله، لكن يفعله من لا يعرفه، والنظر بالبصر ينظر المصلي هكذا وهكذا ويطالع الأشياء حتى صورة السجادة أو غيرها وهذا لا ينبغي أبداً.
والتخصر: أن يضع يديه أو إحدى يديه عليها، ولهذا لا نتخصر حتى في غير الصلاة، ما دام يكره في الصلاة نكرهه أيضاً في غيرها، وهذا من صنع الكفار وعاداتهم [ وهو وضع اليد على الخاصرة؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصراً ) ] والمرأة كالرجل من باب أولى. هذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصراً ) والمرأة كالرجل في ذلك.
مظهر من مظاهر الخشوع بين يدي الله عز وجل، فإذا سجد وشعره في الأرض لا بأس به، ثوبه وكمه على الأرض لا بأس، عمامته لا بأس، يبقيه على الأرض، ويكره أن يدفعه ويرفعه وهو في الصلاة [لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوباً ولا شعراً)] ما هي السبعة أعظم؟ الجبهة مع الأنف، الكفان، القدمان، الركبتان، والوجه، وكلها عظام.
(أمرت) من أمره؟ الله جل جلاله، بواسطة الملك جبريل: (أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوباً ولا شعراً)، والرسول صلى الله عليه وسلم كان له شعر طويل.
أولاً: نهى عن مسح الحصى، قال: (إن الرحمة تواجهك) فلا تزلها عن وجهك، ثم قال: (إن كنت فاعلاً) لابد فمسحة واحدة.. مرة واحدة ولا تعدها؛ لأن الصلاة ما فيها سجدة واحدة فيها سجدات، يمسح في السجدة الأولى وبعد ذلك لا يمسح.
تريد أن تحفظ القرآن صلّ واقرأ القرآن تحفظه، أو اقرأ القرآن وأنت قائم، بعدما تقرأ الفاتحة اقرأ البقرة إن شئت، هذا إذا كنت وحدك تصلي، أو اقرأ السورة التي تكررها حتى لا تنسها، لكن في الركوع والسجود لا قراءة ( أما الركوع فعظموا فيه الرب ) أي: قولوا: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي العظيم وبحمده.. ثلاثاً، خمساً، تسعاً.. وهكذا، ( وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم، فقمن أن يستجاب لكم ) السجود: ادع الله واسأله ما شئت من أمور الدين والدنيا، حتى إن بعض الصحابة كان يسأل الله الثوم والبصل. قالت له زوجته: ما عندنا بصل اليوم، وهو ما عنده مال فيدعو الله في صلاته، ولا حرج في ذلك؛ أخذاً بهذا الحديث الصحيح: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم )، لكن ليس معنى هذا أننا ندعو بالشر، بل ندعو بالخير.
الأخبثان: البول والغائط، ومدافعتهما: يكاد أن يخرج وأنت تدفعه ويدفعك، وبذلك تفقد خشوعك في الصلاة، إلا أن الشيطان عنده فرصة نبه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه يأتي ينفخ في دبر الإنسان نفخة منه، فإذا لم تسمع صوتاً ولم تشم رائحة فلا تلتفت إليه، الشيطان ينفخ في مقعد أحدكم، فإذا لم يسمع صوت الضراط أو يشم رائحة فلا يخرج من صلاته، تلك نفخة إبليس؛ لأنه يسره أن تخرج من الصلاة، تقول: انتقض وضوئي وتخرج فيفرح بذلك فلا تستجب له.
إذا وضع إفطارك أو غداءك أو عشاءك وأنت تريد أن تصلي، فتغدى أو تعشى أولاً وبعد ذلك صلّ.
إذا كنت في البيت ووضعت السفرة، لا تقل: أنا لن أصلي العشاء حتى أتعشى؟ ليس هكذا، وإنما فقط إذا وضع الطعام بين يديك فلا تقم إلى الصلاة، استطعم وبعد ذلك صلِّ.
وهنا لطيفة فقهية، وهي: أن الرجل لما يسجد يباعد بين عضديه، والمرأة ينبغي أن تضم يديها؛ لأن الفحل إذا ضم يديه يتلذذ بذلك فلهذا ينبغي أن يباعد، والمرأة لو تباعد يديها تجد تلك اللذة الباطنية. إذاً: فالمرأة لا تباعد وتجافي بين يديها وجنبيها، وتضم بعضها إلى بعض، والرجل يباعد بين يديه، الفحل يسجد ويباعد بين يديه، لكن في الزحام لا يستطيع، فإذا لم يوجد زحام يباعد، والمرأة لا تفرج بين يديها؛ لأنها قد تحدث لها لذة في هذا الفعل فتضم يديها. هذه هي مكروهات الصلاة.
إذاً: ما معنى مكروهات الصلاة؟
معناه: الأمور التي يكره فعلها في الصلاة، وهي تنقص من ثمرة الصلاة، لا تبطلها ولكن تنقص من ثمارها وأجرها.
ما ثمرة الصلاة؟ إنها طهارة الروح، زكاة النفس، وهذه المكروهات تفقد ذلك، لا تأتي الثمار كاملة، بخلاف المبطلات فإنها تفسدها نهائياً.
والطمأنينة إذا ركع لابد وأن يسكن حتى يقول: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، وإذا رفع ينبغي أن يطمئن معتدلاً ويقول: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
إذاً: لابد من الطمأنينة في القيام والركوع والاعتدال، الاعتدال في القيام، والطمأنينة في الركوع، وفي كل الصلاة، فإذا لم يطمئن ولم يعتدل فصلاته باطلة، بهذا الحكم النبوي.. صلى إلى جنبه بدوي ما يحسن الصلاة، فلما سلم وجاء يسلم قال له: (ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ)، وبين له بعد ذلك: إذا قمت فاعتدل واطمئن، وقد فرط في هذا ثلاثة أرباع الناس، إذا صلى وحده اللهم سلم سلم، لكن مع الإمام مضطر لابد وأن يطمئن! لكن سواء فريضة أو نافلة لابد من الاعتدال في القيام ولابد من الطمأنينة في الركوع.
وإذا كان الإمام لا يطمئن، فصلاته باطلة وصلاة من وراءه باطلة، لا يوجد فرق بين الإمام والمأموم، فإذا كان الإمام لا يطمئن ولا يعتدل فكيف يطمئن المأمومون ويعتدلون؟ هذا لا يصلي بهم، ولا يصلون وراءه.
الإمام سلم من الصلاة وقال: صلينا ثلاث ركعات أم أربع؟ تمت صلاتنا أم لا؟ نجيبه. له أن يسأل ولهم أن يجيبوا، وهذا الكلام لا يفسد الصلاة بل يصلحها.
لو صلى أربعاً وقام لخامسة، فقل له: هذه خامسة ولا حرج، ليرجع؛ لأن هذا الكلام لإصلاحها [ أو يستفتح الإمام في قراءته فيفتح عليه المأموم؛ فذلك لا بأس به ] يبدأ الإمام يقرأ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1].. إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1].. فيتلكأ نسي الآية التي بعدها! فالمأموم يقول له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر:3] يقرأ في آية في سورة، فنسي وما عرف يكمل، فأخذ يرددها، كأنه يقول: علموني أو بينوا لي، فإذا سمعه المأموم قال له الآية كذا وكذا، بين له الآية هذا للاستفتاح، وإن كان تكلم بالآية لكن لا بأس به؛ لأنه لإصلاح الصلاة [ إذ تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته وتكلم ذو اليدين رضي الله عنه ولم تبطل صلاتهما، فقد قال ذو اليدين مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ ] صلى الظهر ركعتين وسلم، فقال ذو اليدين : أقصرت الصلاة؟ يعني: جاء تقصيرها من الله، أم نسيت؟ [ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لم أنس ولم تقصر ) ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر