وكما أشرنا من قبل نحن نفرق في قضية التكفير بين النوع وبين العين. أما كفر النوع: فهو الحكم على الفعل في ذاته، وما ينبغي أن يعتقده كل مسلم في هذا الموضوع الذي نتناوله. أما الحكم على الشخص الذي قام بهذا الفعل، هل هو كافر أم غير كافر؟ فهذه إلى حد بعيد قضية تتعلق بإجراءات من المفروض أن يتخذها القضاء الشرعي إن وجد، أما إن لم يوجد قضاء الشرعي فيكل الإنسان الأمر إلى أهل العلم ليقولوا فيه قولتهم، ولا يجترئ على الكلام من عند نفسه حتى لا يقع تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، فإذا دفع الرجل الحكم في الكفر عمن يعتقد هو في نفسه أنه مسلم، وأنه مبرأ من الكفر، ولو أخطأ في هذا الأمر الذي فعله ذاباً عن عرض أخيه المسلم، فإنه يثاب في ذلك حتى ولو لم يصادف الحق، ولم يوافق الصدق في هذه الجزئية، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -وكما سننقله عنه إن شاء الله فيما بعد بالتفصيل- فمن اجتهد في دفع الحكم بالكفر على من يحسن به الظن من المسلمين؛ فإنه يثاب على ذلك ولا يؤثم فضلاً عن أن يكفر، تطبيقاً للقاعدة التي يساء فهمها، وبالتالي يساء تطبيقها: من لم يكفر الكافر فهو الكافر. من لم يكفر الكافر: إذا كان رضاً بكفره، أو من لم يكفر الكافر الذي قام دليل قطعي على كفره مثل فرعون أو أبا لهب، أو اليهود والنصارى وهكذا.
أما من اختلف العلماء في كفره مثلاً كتارك الصلاة، هل العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة يعتبرون في نظر العلماء الذين يكفرون تارك الصلاة كسلاً.. هل يقولون لهم: من لم يكفر تارك الصلاة فهو كافر؟ هل الإمام أحمد يكفر الشافعي وأبا حنيفة ومالك وغيرهم من الأئمة الذين لا يكفرون تارك الصلاة كسلاً؟ إن هذا فتح لباب عظيم من الفوضى، والاعتداء على حرمات الله تبارك وتعالى، ففي موارد الاجتهاد، أو في المواضيع الإجرائية هذه الخلاف فيها أمر له شأن آخر سنتكلم عليه بالتفصيل في قضية العذر بالجهل إن شاء الله.
قال الله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة:37]، ورأس الطاغوت هو الشيطان؛ لأن كل معصية تقع في الوجود إنما تكون بتحريض هذا الشيطان وباتباع أوامره وأوليائه، فهو شرط في صحة الإيمان، كما يقول عز وجل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]، العروة الوثقى هي: لا إله إلا الله، والطاغوت مشتقة من مادة طغى من الطغيان، وهو: مجاوزة الحد إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11]، فالطغيان فيه مجاوزة الحد، لأن من أطاعه في هذا الشرك وهذا الكفر قد طغى، وجاوز به حده بصفته مخلوقاً مربوباً لله إلى أن اتخذه إلهاً من دون الله، فهذا هو معنى الطاغوت.
فيفهم من هذه الآية: كفر من لم يكفر بالطاغوت، فينبغي أن يعتقد كل مسلم بقلبه بطلان هذه القوانين، وفي أن هذا كفر ومعاندة ومضادة لتشريع الله تبارك وتعالى.
ويقول عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60]، يقول أيضاً عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
أيضاً أوضح الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة حال الذين يكرهون ما أنزل الله عز وجل، فقال تبارك وتعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ [الشورى:13]، وهذا واضح من حال العلمانيين أعداء الشريعة في كل بلاد الدنيا، فهم يكبر عليهم ويشق عليهم ما تدعوهم إليه من تحكيم شريعة الله عز وجل.
ويقول تبارك وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ [يونس:71]، وقال أيضاً: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [نوح:7]، فانظر إلى شدة بغض الكفار لما كان يدعوهم إليه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ))، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25]، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]، فنوح عليه السلام يدعوهم ليغفر لهم وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [نوح:7].
أيضاً يقول تبارك وتعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [الحج:72]، وقال عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، شوشوا عليه والغوا فيه، لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:78]، وقال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]، وقال تبارك وتعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6])) * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية:7] * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية:8]، وقال تبارك وتعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ [فصلت:5]، وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [محمد:25] * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:26]، فعلى كل مسلم أن يتدبر هذه الآيات، وأن يحذر حذراً كاملاً مما تضمنته من الوعيد الشديد؛ لأن كثيراً من الناس في هذا الزمان بلا شك وأولهم العلمانيون أعداء دين الله وأعداء رسل الله، وأعداء شريعة الله في كل البلاد داخلون في هذا الوعيد؛ لأنهم يكرهون ما أنزل الله، وهذا حالهم مع شريعة الله تبارك وتعالى، فكل من قال لمن يشرعون تشريعاً مخالفاً لدين الله: سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في هذه الآيات، فأولى ثم أولى من يقول: سنطيعكم في كل الأمر، كالذين يتعبون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل الله، فهؤلاء يبشرون -والعياذ بالله- بسوء الخاتمة، وأنهم إذا أتتهم الملائكة عند خروج أرواحهم يضربون، فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [محمد:27]؛ لأنهم اتبعوا ما أسخط الله، وكرهوا رضوانه، فأحبط الله تبارك وتعالى أعمالهم.
ينبغي أن نفرق هنا بين أمرين: فالنظام والتشريع قسمان: قسم إداري وآخر شرعي، أما النظام الإداري فهو الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، مثل نظم العمل ونظم المرور، والقوانين التي أولاً: لا تصطدم مع الشرع في شيء. ثانياً: تحقق مناط الشريعة الإسلامية، وتتلائم مع المصالح التي شرعتها وثالثاً: تعين على ضبط الأمور وإتقانها، فهذا لا يعد من التشريع أو الحكم بغير ما أنزل الله، كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه فقد استحدث نظماً إدارية كثيرة في خلافته لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا تأملنا ما حصل في غزوة تبوك لما تخلف كعب بن مالك وصاحبيه، فلم يكن عندهم قوائم تضبط أسماء الجنود حتى يعلم من حضر ومن غاب، فما علم بتخلف كعب بن مالك إلا بعد أن وصل تبوك، لكن في عهد عمر وجد ديوان الجند، وفيه ضبط وإثبات للجنود.. إلى آخره.
أيضاً اشترى عمر رضي الله عنه دار صفوان بن أمية وجعلها سجناً في مكة المكرمة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجناً ولا أبو بكر رضي الله عنه.
أي أن الأمور الإدارية التي تفعل من أجل أن تتقن الأمور ولا تخالف الشريعة، فلا بأس بتنظيم شئون الموظفين، وإدارة الأعمال على وجوه لا تخالف الشريعة، وتقع تحت قواعد الشريعة التي تراعي المصالح العامة للمسلمين، أما النظام الشرعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بالله عز وجل فهو النظام المخالف لتشريع خالق السموات والأرض، فهذا تحكيمه كفر بخالق السموات والأرض؛ كدعوى: أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف. هذا كفر بواح يخرج من الملة تماماً، فمن يصف حكم الله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] بأنه غير عدل، وأنه لا يناسب العصر، أو أن هذا فيه هضم لحقوق المرأة، أو إلى آخر هذه الدعاوى الشيطانية، فهذا لا شك في كفر القائل به.
أيضاً دعوى أن تعدد الزوجات ظلم، أو انتقاد حكم الله تبارك وتعالى في إباحة تعدد الزوجات، فهذا أيضاً كفر بالله العظيم. دعوى أن الطلاق ظلم للمرأة، أو أن الرجم -للزاني المحصن- وقطع يد السارق، هذه أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، فمن هذه هي نظرته إلى شريعة الله في نفوس الناس وأموالهم، وأعراضهم وأنسابهم وعصورهم وأديانهم، هذا كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بما يصلحها سبحانه وتعالى أن يكون من دونه مشرع آخر، فهذه بعض المقدمات فيما يتعلق بقضية الحكم بما أنزل الله تبارك وتعالى.
قصة القوانين قصة طويلة، وتاريخ إدخالها في بلاد المسلمين لا نطيل بذكره؛ لأنه يستهلك وقتاً طويلاً.
من أجمع ما كتب في هذه القضية كتاب: الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية للدكتور: عمر سليمان الأشقر ، لكن نجتزئ منه بعض المواضع، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتاب الأصلي، فقد ذكر تحت عنوان: نظرتنا إلى القوانين الوضعية أولاً: أن القوانين الوضعية عاجزة عن تحقيق الأهداف المرجوة منها، فالقوانين الوضعية عبارة عن ترجمة وانعكاس لآراء المقننين، فهي في الحقيقة لا تحقق الأهداف التي ترجوها للارتقاء بالمجتمعات وعلاج أمراضها وعللها، لكن الواقع أن القوانين الوضعية لا تمثل هذه المعاني الرفيعة التي يجب أن يحققها القانون، وإنما تمثل تلك القوانين آراء الحكام والمقننين، وتترجم عن أنانيتهم وشرعهم، وتسجل عليهم سوء النية، وسوء التفكير، والتضحية بالمعاني الرفيعة إرضاءً للأطماع، وإشباعاً للغرور، فمن الذي وضع القوانين الوضعية؟ وضعها البشر، وما صفات هؤلاء البشر؟ القصور، الظلم، الانحراف، هذه صفة الإنسان الظلوم الجهول.
إن القوانين الوضعية حينما تعالج مشكلة من المشاكل ونظراً للقصور الذي في طبيعة البشر من عدم الإحاطة بأمور كثيرة تغيب عن العلم البشري؛ فإنهم يتصرفون في خلال ما عَنَّ لهم فقط من أمور، لكن تغيب عنهم أشياء بعد ذلك حينما يطبق القوانين، فتظهر هذه الأشياء فيعدلون القوانين حسب ما يتجدد من علمهم، فيغيب عن هذه الحقائق كثير من الأشياء، أما شريعة الإسلام.. شريعة الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فالذي خلق الإنسان أنزل هذا الشرع من أجل إصلاح حاله، فهو أعلم بما يصلح الناس، فلا يمكن أبداً أن تند أو تغيب أو تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.
أيضاً القوانين الوضعية تهدر تماماً حق الله، وهذا من أخبث الأشياء في القوانين الوضعية، فهي لا تعرف شيئاً اسمه: حق الله تبارك وتعالى، بل هناك حق المجتمع.. حق الأطراف البشرية، لكن حق الله غير مراعى عندهم؛ ولذلك يسقطون في المجتمعات العلمانية قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! كل إنسان حر ما لم يضر، أنت حر تفعل ما شئت ما دام أن المعاصي تتم بالتراضي، وعقود الربا تتم بالتراضي، إلى غير ذلك مما يخالف شريعة الله، فهم لا يضعون في اعتبارهم حق الله، وأن هذا حرام لحق الله، أنك تغار على حرمات الله حينما ترى المعصية، وبالتالي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ لأن هذا حق الله، أما القوانين الوضعية فتهدر تماماً حق الله تبارك وتعالى وتلغيه، انظر إلى الأخلاق وإلى العقيدة ولا تنظر للإنسان نظرة شاملة.
والإنسان إذا نظر إلى أرقى المجتمعات التي يسمونها متحضرة، وبالذات العالم الغربي تجد أن نسبة الإجرام فيها متزايدة ومرتفعة، مع أنهم وضعوا هذه القوانين التي يتشدقون بها من أجل الأمان والرفاهية والرخاء والتقدم، إلى آخر هذه الدعاوى، ثم إذا نظرت إلى واقع هذه المجتمعات تجدها عبارة عن غابات يعيش فيها مجموعة من الوحوش، لا يصح نسبتهم إلى البشر، يعيشون في حالة من الهمجية والتردي والضياع لا يستطيع أن يتخيلها إنسان، ولو قدر أن يكشف النقاب عن التزوير الذي يحصل في نقل صورة المجتمع الغربي لفوجئ الناس بالذات هنا في البلاد الإسلامية أننا في حالة رقي أخلاقي واجتماعي وعقائدي، وبيننا وبينهم مفاوز وفلوات تنقطع دونها أكباد الإبل، لا تحلم أمريكا ولا الغرب بعشر معشار ما عليه المجتمعات الإسلامية الآن ببركة بقايا الإسلام الموجودة، فما ظنك إذا كان كل الإسلام مطبقاً في مجتمعاتنا؟ هم لا يحلمون بما نعيش فيه، نحن الآن هنا في هذه البلاد لا نشعر بالنعم؛ لأننا لم نفقدها، لكن اسألوا من يذهب إلى هذه البلاد، ويرى الضياع الذي إذا تكلم الإنسان فيه يستغرق ساعات وساعات، فأعلى نسب الإجرام موجودة في هذه المجتمعات التي وضعت هذه القوانين، والتي تزين لنا هذه القوانين!
إذا ذهبت إلى المدينة المنورة أو إلى مكة المكرمة منظر نتحدى به العالم أجمع، هذا المنظر هو منظر الرجل الصراف الذي يجلس في السوق أمام الحرم المكي أو المدني.. رجل بسيط يجلس على الرصيف وأمامه أكوام من الأموال والدولارات، والريالات والجنيهات، عملة جميع بلاد العالم موجودة أمامه في هذه الأكوام، والناس يغدون ويروحون بالآلاف من أمامه، والرجل في حال من الأمان بثمرة وبركة الإسلام وتربية الإسلام لهذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، اسألوا أي إنسان يعيش في مدينة نيويورك، وتخيلوا لو أن مثل هذا الرجل في أفخم حي في العالم وهو منهاتن في نيويورك صاحبة ناطحات السحاب، فإن الأمر لا يحتاج سوى وقت يسير حتى يقتل هذا الرجل وينهب هذا المال نهباً، فهذا مما نفاخر به الدنيا، هذا منظر يسير جداً يعكس مدى الأمن رغم انحراف المسلمين عن حقيقة الإسلام إلى حد بعيد، فلا يأمن إنسان يستطيع أن يمشي بحقيبة فيها نقود، لابد أن تضع يدك في جيبك حينما ترى رجلاً مقبلاً في الطريق حتى توهم من يأتي عليك أن معك مسدساً، حتى لا يحاول أن يقتلك أو يأخذ منك شيئاً على ما نحن عليه من البعد عن الإسلام، ومع بقايا الإسلام التي بقيت في مجتمعاتنا، فكيف بنا إذا طبق الإسلام بكامله في هذه المجتمعات؟ فأكثر بلاد الدنيا أمناً هي أقربها إلى بقايا الشريعة الإسلامية، وأكثر البلاد إجراماً هي هذه البلاد التي تدعي الحضارة والتقدم، وتزين قوانينها الكفرية، وتحارب شريعة الله تبارك وتعالى، ويقولون: حقوق الإنسان.
لو تكلمنا أيضاً في ما يسمى بحقوق الإنسان، وموقف الإسلام من وثيقة حقوق الإنسان لطال الكلام جداً، فهم يرتكبون في حق البشرية أعظم جريمة حينما يصدون عن دين الله، لماذا؟ لأنه أعظم حق من حقوق الإنسان الذي لا يختلف عليه اثنان: ألا يحال بينه وبين سعادة الدنيا والآخرة، ألا يحال بينه وبين الإسلام، ألا يشوه الإسلام في نظر الناس، فيصدونهم عن دين الله تبارك وتعالى، من الذي أمر بهذه الشريعة؟ هو الله عز وجل، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نقارن بين شريعة الله وشريعة هؤلاء المتوحشين.
القوانين الوضعية إنما اتخذت وسيلة لتمكين أعداء الله تبارك وتعالى في ديار المسلمين، فأتي بهذه القوانين حتى تحطم عناصر القوة في هذه الأمة، ولا يغيب عنا ما وقع من الانجليز في مصر من إفساد في المجتمع المصري؛ من أجل التمكين لمصالح أعداء الله الانجليز، فقد بين ذلك الشيخ عبد القادر عودة في كتابه: الإسلام وأوضاعنا الكونية، وأطال في الكلام، وذكر أمثلة كثيرة جداً من الاستغلال الذي كانت انجلترا تستغل فيه مصر، وتخرب مصر باسم القوانين الوضعية، وأيضاً يذكر شيئاً منها عبد القادر عودة رحمه الله فيقول: إن القوانين المصرية قامت على أساس خدمة الاستعمار، ومحاباة الأجانب، وتمكين الجميع من امتصاص دماء الشعب المصري، وصرف المصريين عن طريق الخير، وإبقائهم إلى أطول وقت ممكن فريسة الجهل والضعف، فالقوانين الجمركية والمالية التي تحمل اسم مصر تؤخذ من جيوب المصريين الفقراء لتضخيم جيوب الانجليز الأثرياء، ولا يخطئ الإنسان كثيراً إذا قال: إن الهدف الأول من هذه القوانين، هو: حماية التجارة الانجليزية، وقد أتى علينا زمن كانت السلع الرخيصة تمنع فيه من دخول البلاد المصرية إذا كانت تزاحم برخصها سلعة انجليزية.
أيضاً القوانين تلزمنا أن ننشئ طرقاً ونعدها للانجليز، وأن ننشئ السكك الحديدية وننفق عليها لصالح الانجليز، وننشئ الموانئ ونوسعها لتأوي إليها مراكب الانجليز، وأن نمد خطوطاً تلفونية وتلغرافية لخدمة الانجليز، وبالرغم من ذلك تدخل إلى مصر حاجات الجيوش الانجليزية، إلى آخره.
القوانين المصرية تسمح للأجانب المثقفين الأغنياء أن يعاملوا بالربا المصريين الجهلاء الفقراء، وغير ذلك أمثلة كثيرة، إباحة الزنا، إباحة بيع الخمر، إلى غير ذلك من الأشياء، أيضاً من النماذج التي وقع فيها الضرر الكبير على يد هؤلاء محكمة دنشواي وما وقع فيها من الظلم الفاحش، والظلم البين الذي وقع بالمسلمين في هذه البلدة، ولعلكم إذا رجعتم أيضاً إلى الوراء، وتذكرتم قصة سليمان الحلبي الذي قتل كليبر الفرنسي ، وما فرنسا؟ حاملة لواء الحرية، وصاحبة قانون نابليون الذي يفتخرون به، ماذا حصل مع سليمان الحلبي وصاحبة قانون نابليون الذي يفتخرون به؟ قالوا: حاول الفرنسيون معه بالطريقة الأوروبية الراقية في التحقيق، فلم يفد معه ذلك شيئاً، يقول: فسلكنا معه سلوك أبناء البلد، يعنون بذلك التعذيب، فعذبوه عذاباً شديداً، وانتزعت منه الاعترافات، وحصل أن قطعوا يديه وشووها أمامه، ثم بعد ذلك قتلوه أشنع قتلة، هذا من النماذج، والنماذج يطول الكلام فيها.
بعض الناس يظنون أنه يمكن أن يحصل لقاء بين التشريع الإسلامي وبين القانون الوضعي، ولا يمكن أن تصدر هذه الدعوى من شخص يؤمن بالله، ويؤمن بهذه الشريعة، ويعلم خصائصها، فالشريعة غنية عن أن تحتاج إلى القوانين الوضعية كما يزين شياطين القانون الوضعي، ويقولوا: ممكن أن يحصل لقاء بين الشريعة الإسلامية وبين هذه القوانين الوضعية، ويقولون بعبارة أخرى رددها إخوانهم المنافقون من قبل: إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62]، توفيق بين الشريعة الإسلامية والشرائع الطاغوتية : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62] * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63]، ولعل من يتابع التحول الجذري الذي يحصل الآن في اليمن بعد اتحاد اليمن الشيوعية مع اليمن الشمالية، وما يحصل من تزوير وتزييف وضغط على العلماء والمسلمين في اليمن من أجل هذا الدستور العلماني الجديد، تجد حيل وأساليب المنافقين تعود من جديد من أجل فرض هذه القوانين الكفرية على بلاد المسلمين.
أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وما روي عن ابن عباس ، واختاره ابن جرير : أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم: أن من جحد أصلاً من أصول الدين، أو فرعاً مجمعاً عليه، أو أنكر حرفاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعياً، فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة، وهذا كفر الجحود.
ألا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله، فهو يعتقد ويؤمن بأن هذا الحكم من عند الله، لكن يعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع إما مطلقاً وإما بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث، إما أن يرى هذا مطلقاً وإما أن يقول: بالنسبة للحوادث التي تجددت فحكم غير الشرع أفضل من حكم الشرع وأحسن؛ نتيجة تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضاً لا ريب في كفره؛ لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من تغير الفتوى بتغير الأحوال ما ظنه من قل نصيبهم، أو عدم من معرفة مدارك الأحكام وعللها، يعني: تغير الأحكام بتغير الأزمان هذه القاعدة ليست على إطلاقها، هذه الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام التي تكون أسست على العرف، والعرف متغير ومتبدل، فما كان من الأحكام راجع إلى العرف فإنه يتغير بتغير الأزمان والبيئات، أما الأحكام الشرعية المؤسسة على الأدلة، فهذه لا يمكن تغييرها بحال من الأحوال.
ألا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين الذي قبله في كونه كافراً الكفر الناقل عن الملة؛ لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].
هذه الحالات الثالث:
الحكم الأول: الجاحد: هذا ينكر حكم الله، ويكذب بآيات الله، فهذا لا نقاش بشأنه.
النوع الثاني: أن يعتقد أنه حكم الله، ويقر بأنه من عند الله، لكنه يرى أن حكم غير الله، أو حكم غير شرع الله أفضل وأحسن من حكم الله.
الحالة الثالثة: يقر بأنه من عند الله، لكن يرى أنه مثله. فهؤلاء سواء في الكفر.
النوع الرابع: أنه لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أن يعتقد أنه أحسن منه، لكنه اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو غير جاحد والفرق بين هذا النوع والنوع الثاني: أن هذا يقول: أنا أقر بحكم الله، لكن حكم غير الله أحسن من حكم الله، ولا هو من النوع الثالث الذي يقول: أقر بحكم الله، ولا أقول: إن حكم غير الله أحسن من حكم الله، لكن أقول هو مثله.
أما النوع الرابع فليس من هذا ولا ذاك، لكنه يعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجيز الحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى، فهذا كالذي قبله يصدق عليه باعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ظن أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهذا كافر يجب قتله بعد استتابته، وهذا للأسف الشديد موجود عند بعض الصوفية، إذ حينما تناقشه بالأدلة وتبين له، يقول: أنت لكم طريقة، ونحن لنا طريقة، أنتم تأخذون من العلم والأدلة، ونحن نأخذ مباشرة عن الحي الذي لا يموت، وربما ادعى بعضهم أنه يطلع على اللوح المحفوظ، وفي الحقيقة ليست: لكم طريقة غير طريقة، وإنما هي: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]؛ لأن من جوز أن هناك طريقاً إلى الله بعد بعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطريقاً إلى حكم الله غير رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا حظَّ له في دين الإسلام، فمن جوز أن يأتي تشريع بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مخالف لشريعته يجوز التعبد به، فهذا لا حظَّ له في دين الإسلام، ومن جوز ذلك مدعياً أنه في حاله هذه مثل الخضر مع موسى، فهذا أيضاً لا يقبل منه؛ لأن شريعة موسى لم تكن شريعة عامة، ولم تكن للناس كافة، والخضر بعث في نفس الوقت في طائفة آخرين -على القول الأرجح أنه كان نبياً- (كان النبي يبعث في قومه خاصة، وبعثت للناس كافة)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ففي هذه الحالة كان يسع الخضر الخروج على شريعة موسى، لأن هذا له شريعة، وهذا له شريعة، والدين واحد: لا إله إلا الله، أما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكل الطرق إلى الجنة مسدودة إلا طريقاً على رأسه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يجوز لمسلم أن يرتاب في هذه الحقيقة قيد شعرة، ولا يجوز أن تتزلزل أو تتزحزح هذه العقيدة، أو تهتز بأدنى شيء من الشك أو الريب، فكما أنك تقول: لا إله إلا الله، وتعتقد بطلان أي شرع غير شرع الله تبارك وتعالى، فموسى لم تكن دعوته عامة، ولم يكن يجب على الخضر اتباع موسى، بل قال الخضر لموسى: (إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من عند الله علمكه الله لا أعلمه)، فمصدر العلم هو الله، والشرائع كانت تتعدد في ذلك الزمان.
يقول صاحب الطحاوية: إن اعتقد الحاكم أن الحكم بغير ما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر.
ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعادتهم التي يسمونها سلومهم؛ يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به، ويحرصون على التحاكم إليه عند التنازع إبقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبةً عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فهنا صنفان من الناس كفروا في هذه القضية بلا شك: الصنف الأول: الذين شرعوا غير ما أنزل الله، ووضعوا القوانين المخالفة لشرع الله، حيث يلزمون به العباد، والإجماع على كفرهم لا شك فيه، وهؤلاء هم الشركاء الذين عناهم رب العزة بقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فمن شرع وأحل أو حرم خلاف شرع الله؛ فهو كافر بإجماع المسلمين، وهذا هو الدليل، وكذلك قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].
عظم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جريمة هؤلاء، وهول أمرها، فبعد أن بين حكم الحاكم الذي يحكم بغير علم، والحاكم الذي يحكم بغير الحق وهو يعلم، وأنه من أهل النار، تحدث عن الفريق الذي يشرع غير ما أنزل الله، ويبدل دين الله، فقال: وأما إذا حكم حكماً عاماً في دين المسلمين فجعل الباطل حقاً، والحق باطلاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، ونهى عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نهى عنه الله ورسوله، فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين وآله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].
ويقول شيخ الإسلام : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].
السؤال: هناك بعض الناس لهم عندي نقود من أيام الجيش كسلف، ولم أعرف منازلهم: فهل أخرج حقهم كصدقة أم ماذا؟
الجواب: عليه أن يتحرى ويجتهد، ويبذل أقصى وسعه في سبيل الوصول إلى أصحاب هذا المال، فإن عجز عن الوصول إليهم فيمكن أن يخرجه صدقة بنية أن يكون ثواب هذه الصدقة إلى هؤلاء، فإذا ما وقع على أحدهم في يوم من الأيام، ولم يجز ما فعله بالمال فعليه أن يضمنه له. والله أعلم.
السؤال: رجل يرتكب أكبر الكبائر، فبم تنصحه؟
الجواب: ينصح بالتوبة من هذه المعاصي، والمبادرة إلى التوبة قبل أن يأتيه الأجل، ثم إن الله تبارك وتعالى له بالمرصاد، فكل من انتهك حرمات الله تبارك وتعالى، وتعدى على أعراض الآخرين، فيحذر أن ينتقم الله منه بأن يقع ذلك في عرضه هو أيضاً.
وننصح مثل هذا أن يقرأ كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، فإنه قد وجه سؤال لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى عن رجل وقع في معصية، وأبهم السائل المعصية، واستحكمت عنده بحيث أنه لا يكاد يستطيع أن يفارقها، فكتب هذا الكتاب وسرد فيه عامة أنواع المعاصي المنتشرة، وأجاد وأبدع في التحذير من المعاصي، وبيان آثارها وعقوباتها في الدنيا والآخرة، فننصح جميع الإخوة معاودة قراءة الكتاب بين وقت وآخر؛ لأنه مفيد وعظيم البركة.
السؤال: هل يجوز حلق اللحية من أجل تكبيرها؟
الجواب: يقصد أن الحلق يهيج اللحية ويسرع بنموها. لا يجوز، ونص العلماء على أن ذلك لا يجوز، فالغاية لا تسوغ الوسيلة.
السؤال: ما حكم الإسلام في الأهرامات، والآثار المصرية القديمة؟
الجواب: أما ما كان على هيئة التمثال لكائن حي، فقطعاً يجب قطع رأسه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فلا صورة)، أما الأهرامات وآثار الفراعنة فالذي أعتقده في قلبي، وأدين الله تبارك وتعالى به: أن هذه الأشياء أكرم للشعب المصري أن يزيلها من الوجود تماماً وينسفها نسفاً، ويدمرها تدميراً؛ لأن هذه رمز الهوان والذل الذي يوصم به المصريون الذي كانوا يعبدون ملوكهم، فهي في الحقيقة رمز الذل والهوان، وليست مجلبة للفخر والاعتزاز، هذه حجارة أناس وثنين، وكل ما تركوه لنا هو هذه الأحجار، ما هي حضارة القدماء المصريين؟ قليل من الحجارة ووثنية وشرك، وعبادة الشمس، وعبادة الملوك.. فهذا أمر نبرأ إلى الله عز وجل منه فضلاً عن أن يفتخر به الناس، ويربى المسلمون على الاعتزاز بهذا التراث الحجاري لا الحضاري، والوثنية والشرك، فلا يصح إسلام مسلم حتى يتبرأ من هؤلاء الوثنيين المشركين.
السؤال: توجد جمعيات في كثير من الأماكن تدعوا أعضاءها لكتابة تنازل عن أعضائه عند وفاته: فما حكم في التبرع بالأعضاء مقابل المال؟
الجواب: لقد أعطاك الله هذا الجسد وليست هذه عطية تمليك، فأنت لا تملك بدنك، هذه عارية، فالله عز وجل أعطاك النعمة والصحة والعافية والأعضاء للمنفعة، ولست أنت تملكها، والدليل: أنه لا يجوز لك أن تنتحر مثلاً، ولا يحوز للإنسان أن يعتدي على هذا البناء الذي بناه الله عز وجل، وهو هذا البدن والصحة والعافية ليست ملكاً لك، هذه عارية ملك لله، أما دورك أنت فلك الانتفاع بها فقط، أما أن تبيع كلية، وتبيع العين، وتبيع أعضاء الإنسان، فليس هو عبارة عن قطع غيار بشرية حتى يمتهن بهذه الصورة، وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة، لكن الذي أعلمه -والله أعلم-: أنه لا يجوز التصرف في الأعضاء؛ لأن الله عز وجل منحك إياها على سبيل الانتفاع بها، وأنت لست تملكها في الحقيقة حتى تبيعها أو تتبرع بها، الأحرى أنه لا يجوز التصرف في الأعضاء، وفي كتاب للدكتور عبد السلام السكري حفظه الله حكم نقل الأعضاء البشرية، وهو كتاب جيد في بابه انتهى فيه إلى عدم جواز بيع الأعضاء البشرية، وكذلك كتاب للشيخ الغماري على صوفيته رحمه الله، لكنه أجاد أيضاً في هذا الكتاب، وانتهى فيه إلى المنع، وهناك فتوى من المجمع الفقهي من السعودية يبيح الانتفاع بالأعضاء بشروط.
السؤال: نشر في بعض الجرائد أن ختان المرأة ليس عليه دليل شرعي ويجب منعه؛ لأنه إهانة للمرأة ومذلة لها، وفي كتاب فقه السنة يقول: إن أحاديث الختان للمرأة كلها ضعيفة؟
الجواب: سبق أن تكلمنا في دروس الفقه في هذه القضية، وبينا صحة بعض الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قد وجه أم عطية الأنصارية التي كانت حافظة بعض التوجيهات التي بها تتقى مضاعفات هذه المسألة، وقلنا: إن حكم ختان المرأة ليس في نفس قوة حكم ختان الرجل، إذ يجب ختان الرجل، بل من العلماء من شدد في ذلك حتى إنه لا تصح صلاة إلا به، ولا تؤكل ذبيحته… إلى آخره، الذي يبلغ وهو غير مختون، أما بالنسبة للمرأة فالأقرب والله أعلم أنها مكرمة، فهي مستحبة، لكن بشروط: إذا ولي هذه العملية من يتقن الطب والجراحة مثلاً، بحيث أنه لا يتجاوز الحدود التي بينها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله لـأم عطية : (اخفضي ولا تنهكي) أو (أشمي ولا تنهكي)، إذا تأملنا هذه الضوابط وهذه القيود، ونعلم وجود الضمانات الكافية حتى لا يقع ما يقع من الظلم أو العدوان من بعض الخافضات الجاهلات، فالمشكلة أن الناس يعهدون بهذا الأمر إلى الجاهلات من النساء أو غيرهم دون أهل الاختصاص، حتى كتب العلوم الطبية تفصح بأن هناك بعض الحالات ينصحون فيها بإجراء الختان لبعض النساء، وأيضاً هناك حالات لا تختن فيها المرأة، فعلى أي الأحوال القضية فيها كلام طويل، والدكتور عبد السلام السكري أيضاً له بحث قيم في هذه المسألة اسمه: ختان الذكور وخفاض الإناث، فيمكن أن يراجع، فكل ما يشوش به هؤلاء الذين يقومون بالحملات تلو الحملات من وقت إلى آخر حول قضية الختان، إنما هم يركزون على الأخطاء التي تقع من الجاهلين، والتي حرص الشرع على تجنبها، فبالتي تستوي عملية ختان الإناث مع أي عملية جراحية حتى مع ختان الذكور، والتي إن وكلت بمن هو جاهل بقوانين الجراحة أو التعقيم، فيمكن أن يحصل في أي عملية النزيف نتيجة هذا التقصير، أو يحصل تلوث، أو يحصل كذا أو كذا، فهذه مضاعفات تقع على يد أي إنسان غير خبير، لكن إذا وكل الأمر إلى أهل الخبرة والإتقان، فهم الذين يستطيعون تقدير هذه الأمور، والله تعالى علم.
السؤال: له زوجة، يتقي الله فيها حق تقاته، ويزكي هذه الأخت، لكنه كان من قبل خاطباً أختاً أخرى، فهو ما زال متعلقاً بها، فيسأل هل أطلق زوجتي وأعود إلى خطبة الأخت مرة أخرى؟
الجواب: سبحان الله! هل هذا هو العلاج الوحيد، ليس العلاج الوحيد البتر بهذه الصورة، مادامت الأخت نعمة من الله عز وجل عليك، فاصبر معها في الله، حتى يزيدك الله فتتزوج الاثنتين، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)، فأفضل علاج لتعلق القلب هو النكاح، ولا يخشى أي ضرر في ذلك، فإن الله تبارك وتعالى وعد الإنسان إذا كان فقيراً أنه سيغنيه، بل تكفل وضمن الله عز وجل كما جاء في الحديث: (ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف)، حق على الله أن يعينهم ويبارك لهم، منهم الناكح الذي يقصد بذلك العفاف عما حرم الله تبارك وتعالى، فيقول بعض السلف: التمسوا الغنى في النكاح، فعلاج الفقر أن يتزوج، ليس كما يصور بعض الناس أنه يخاف من الفقر، يقول تبارك وتعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ [النور:32].
السؤال: ذهبت لزيارة إخوة في الله في قرية مجاورة لي، وعندما كان وقت صلاة المغرب قلت لهم: هيا بنا نصلي في المسجد فامتنعوا، وعندما سألتهم عن السبب أجابوا بأن إمام المسجد مبتدع وصوفي، ولا تجوز الصلاة وراءه، وأقاموا الصلاة في منزل أحدهم، وذهبت وصليت في المسجد: ما حكم الدين في ذلك؟
الجواب: قضية الصلاة خلف الفاسق أو المبتدع بدعة لا تكفره، ولا تخرجه من الملة، فيها تفصيل وذكرناها مراراً، وقاعدتها: أنك إذا كنت قادراً على تغيير الإمام المبتدع أو المتلبس بالمعصية، إن كنت قادراً على تغيير هذا الإمام فواجب عليك أن تغيره وتزيله، وتعين العدل مكانه، وإن كنت عاجزاً عن ذلك فإما أن تصلي في مسجد آخر إمامه رجل عدل منتظم بالشرع، وإن لم يوجد مسجد آخر ولا تقدر على تغييره إلا بإحداث فتنة في أهل المسجد، ففي هذه الحالة تصلي وراءه، فإذا صليت في بيتك فأنت المبتدع، والإمام أحمد كان يخرج ويصلي خلف الجهمية الذين كانوا يقولون بخلق القرآن، ثم يعيد في بيته، وأنا ما أقول: تعيد، ولكن الآن ليس هناك قوة اجتماعية تقهره، فأصبح من يتخلف عن صلاة الجماعة للأسف يتخلف، لكن المقصود أن المساجد كثيرة، فتحرى أعدل الأئمة وتصلي خلفه، إن كان في مسجد لك سلطان عليه، ولا تستطيع تغيره إلا بإحداث فتنة، فتصلي خلفه ما لم تكن بدعته تقدح في إسلامه، أما كلمة مبتدع وصوفي كجرح مجمل هكذا، لا بد أن يفصل الجرح، وإلا فبعض الناس كثيراً ما يطبقون كلام العلماء بطريقة غير صحيحة، فالصوفي صحيح اصطلاح مذموم، لكن لا بد أن تتبين ما المقصود من كلمة صوفي؟ كثير من الناس يريدون بكلمة صوفية الجانب الروحي، أو الجانب العاطفي، الاتجاه الذي يهتم بالتربية لتزكية النفس، بذكر الله، بأداء حقوق الخلق، باحترام المشايخ بكذا بكذا، فهذه المعاني هي معاني إسلامية، وهي من الحق، لكن بعض الناس يتجاوزن ويطلقون عليها وصف الصوفية، وبعض الناس يفهمون الصوفية بمفاهيم أخرى فيها كثير جداً من البدعة والضلالات، قد تصل في أقصاها إلى الكفر كوحدة الوجود والحلول وعبادة القبور، هذا كله يدخل تحت كلمة صوفية أيضاً، فالصحيح أننا ينبغي أن نحتجز عن استعمال هذه العبارات الموهمة، أخذاً من قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا [البقرة:104]، أمرهم باستعمال ألفاظ التي لا اشتباه فيها، لكن مع ذلك إذا حصلت مثل هذه الأوصاف وشخص يوصف بأنه صوفي، فما ينبغي الحكم عليه مثلاً بحكم الصوفي الكافر الخارج من الملة؛ بسبب عقيدته الصوفية، لكن الصوفي لا بد أن نسأله: ماذا تقصد بالصوفي؟ ما الذي يميز كون هذا صوفي؟ هل لأنه يذكر الله كثيراً، إذاً نحن كلنا صوفيون، لا بد أن تبحث عن معنى كلمة الصوفية، وماذا يقصد بصوفيته؟ فالجرح المجمل لا ينفع، كذلك مبتدع، ممكن بدعة واحدة في الإمام تقدح في إسلامه إذا كانت بدعة مكفرة، وممكن عشرات البدع في الإمام أو المؤذن لكن لا تقدح في إسلامه، فينبغي أن يكون الجرح مفسراً حتى يأتي الجواب الصحيح، وما دام ذلك الرجل لم يخرج من دائرة الإسلام، وإذا لم يوجد مساجد غير هذا المسجد، فمن صلى في بيته بعد سماعه الأذان فهو المبتدع.
السؤال: هل يجوز لرجل ملتزم أن يشاهد عورة رجل مثله في التلفزيون؟ وهل المصارعة وكرة القدم حرام؟
الجواب: أما عورة الرجل فمعروف الخلاف فيها من أحاديث كثيرة، والخلاف فيها أيضاً يطول، لكن الأحوط القول بأن الفخذ عورة، وهذا ثبت من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن عورة الرجل ما بين ركبته وسرته)، هذه عورة الرجل، بعض العلماء أراد أن يجمع بين الأدلة المتقابلة في هذه المسألة فقالوا: إن من العورة ما يجوز كشفه ولا يجوز النظر إليه، فالعورة المغلظة لا يجوز كشفها ولا يجوز النظر إليها، أما خلاف ذلك من بين السرة والركبة فيجوز كشفه، لكن لا يجوز النظر إليه، فعلى القولين لا يجوز للإنسان أن ينظر لها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت)، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، فمثل هذه المناظر الفاضحة التي تكون في من يسمونهم المصارعون. هذه الأشياء مما لا يليق أبداً بأي إنسان عنده دين أن ينظر إلى هذه الأشياء؛ هذا إذا كان من الرجال، فما بالك إذا كان يجمع النساء والحريم فينظروا إلى هذه المناظر الفاضحة السيئة.
أما كرة القدم فلا يشترط أن في كرة القدم تكشف الفخذ، فإذا لم يقترن بها شيء من المحرمات كتضييع وقت الصلاة، كأن تكون على مال معاوضة مالية، أو يرتبط بها سب وقذف وشتائم وعصبيات وهذه الأشياء، فقد تبقى على حكم الإباحة، إلا إذا استدللنا بعموم الحديث: (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو أو باطل إلا ثلاثاً: ملاعبة الرجل لامرأته، ومشي الرجل بين الفرضين، وتأديب الرجل فرسه)، لكن -والله أعلم- قد يترجح أن اللهو المباح ليس منحصراً في هذه فقط، لكن ينبغي للإنسان أن يهتم بالرياضات التي تعود عليه بالنفع هو، فالنظر لا يعود عليه في الغالب بنفع كثير إلا تضييع الوقت، والوقوع في هذا الأذى من كشف العورات وغيره، لكن لأن المباريات من الرياضة التي تقوي على الجهاد، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقوي البدن كما كان يفعل الحبشة في لعبهم في الحراب فهذا مما لا بأس به، والله تعالى أعلم.
السؤال: هل يجوز مآكلة والد ودعوته إلى طعام وقد صرح بالكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وماذا يجب على زوجته المسلمة؟ وهل ابنته يجوز أن تتزوج بولايته؟
الجواب: أما إذا كان يصرح بأنه كافر، ولا يؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فما من شك أن هذا أخ لـأبي جهل وأبي لهب ، ولا حظَّ له في الإسلام.. شخص يصرح أنه بريء من الإسلام، وأنه لا يؤمن برسالة الرسول فهذا كافر مشرك، فتنقطع الولاية بينه وبين المسلمين، وإذا مات لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن مع إخوانه من اليهود أو النصارى أو المشركين، ومن مظاهر انقطاع الولاية أيضاً: أنه لا يرث قريبه المسلم ولا يورث أيضاً، والأمة تتبرأ منهم في كل صور البراءة، ومن مظاهر انقطاع هذه الولاية: أنه لا يجوز له أن يلي زواج ابنته، ولكن يليها أقرب الأقربين من العصبة في أمر الزواج، إذا كانت المرأة معها ابن مثلاً يمكن أن يزوجها، أو أخوها أو عمها.. وهكذا حسب ترتيب العصبة المذكورين في الميراث.
أما المعاملة: فإن كان يؤذيها بسب الله مثلاً أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام فيقاطع ويهجر، وإلا فإنه يجوز إن كان هذا الكافر كفراً أصلياً، فمعروف حديث أسماء رضي الله عنها حينما أتت أمها تصلها، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! إن أمي مشركة وإنها قد أتتني، فهل أصلها؟ فنزل قوله تبارك وتعالى: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ))[الممتحنة:]، أما من كان محارباً لله ورسوله عليه الصلاة والسلام فلا يوصل، أما إن كان مشركاً بهذه الكيفية، وبهذه الضوابط التي ذكرت في سورة الممتحنة فلا بأس بصلته بالهدية، والله أعلم.
السؤال: ما حكم صلة الأرحام، فهناك إخوة أشقاء ظهر أنهم من بعض جماعات التكفير، وإلى أي حد تكون الصلة بهم؟
الجواب: أول ما يجب أن ينصح هؤلاء به: أن تقام عليهم الحجة على يد من يستطيع أن يقيم الحجة، ويدفع عنهم الشبهة، حتى لا يبقى لحججهم مدفع، فإن أصروا على هذه البدعة فينبغي أن يجتنب الإنسان مجالستهم، والمناظرة والمناقشة معهم، فإن كانوا ذوي علم ونشطين إلى هذه البدعة، فالأولى أن يجتنبهم الإنسان حتى لا يؤثروا في قلبه وهو لا يشعر، والله أعلم.
السؤال: ما حكم العمل في المصالح الضريبية ومصالح الجمارك، وما حكم العمل في نوادي الضباط إذا كان العمل في الحسابات أو في الورش كتصليح العربات؟
الجواب: أما نوادي الضباط فليس فيها مشكلة والله أعلم، أما المصالح الضريبية ومصالح الجمارك فظلم ومكوس، والله أعلم لا يجوز وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
السؤال: هل كلمة: (قوانين)، موافقة للشريعة كلمة صحيحة؟ وهل يجوز تقنين الشريعة؟
الجواب: هذا يرجع إلى الكلام اللغوي في معنى كلمة القانون، وأصل كلمة القانون، ولا مشاحة في الاصطلاح، المهم المضمون، فالمضمون يجب أن يوافق حكم الله، وشريعة الله دون غيرها من القوانين الطاغوتية، أما تقنين الشريعة فتأكدنا أن هذه عبارة من ألاعيب وحيل يصدون به الناس عن دين الله، وهي عبارة عن مسوغات أو مبررات للتكاسل والإهمال في قضية تطبيق الشريعة، وتعودنا على هذا كحجة فقط.
تقنين الشريعة عبارة عن وضع الأحكام الشرعية في صورة قوانين مثل المتون، حتى يلجأ إليها القضاة، لكن الأقرب أن يوكل ذلك إلى القاضي الذي وصل إلى مرحلة الاجتهاد وسعة العلم، بحيث يرجع هو إلى الأدلة والتمحيص، لكن على الأقل إذا حكمونا بقوانين شرعية مقننة موضوعة في مواد، فهذا أهون من الحكم بالقوانين الطاغوتية الكافرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر