وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فنحن على مشارف الانتهاء من هذا الكتاب الجليل العظيم: كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وقد انتهينا من الكلام على فضائل الأئمة الأربعة خير هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , واليوم سنتكلم بإذن الله عن ترتيبهم في الفضل.
الخلفاء هم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، فهل هذا الترتيب في الخلافة هو نفس الترتيب في الفضل أم هناك خلاف بين أهل العلم؟
لم يحدث خلاف بين أهل السنة والجماعة في تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه على الأمة بأسرها سوى النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تفضيل عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد أبي بكر .
روى اللالكائي في هذا الكتاب العظيم أنه سئل الإمام مالك : أي الأمة أفضل؟ قال: أما أبو بكر وعمر فلا خلاف فيهما, وأما علي وعثمان فحدث فيهما الخلاف, وحقاً قد حدث بعض الخلاف بين أهل السنة والجماعة في تقديم علي على عثمان ، فقد كان أبو حنيفة والثوري وبعض علماء أهل الكوفة يرون تقديم علي رضي الله عنه وأرضاه على عثمان بن عفان ، ولم يخالفوا في تقديم أبي بكر وعمر ، فقد رضيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم للدين فرضوهم للدنيا. وإيمان أبي بكر لو وضع في كفة ووضع إيمان الأمة في كفة لرجحت كفة إيمان أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
وجاء بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما سبق أبو بكر الأمة بكثير صلاة ولا صيام، ولكن سبق الأمة بشيء قد وقر في قلبه, وعمر وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الملهم في هذه الأمة، ولو سلك عمر فجاً لسلك الشيطان فجاً غير الفج الذي سلكه عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وقد قام علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يخطب في الناس ويقول: خير هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ثم قال رضي الله عنه وأرضاه: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري، أي: ثمانين جلدة, وفي رواية أخرى أن علي بن أبي طالب قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم، وهذه الرواية تلمح بأن علي بن أبي طالب ما كان يرى تقدم عثمان عليه, لكن سنبين بالأدلة القاطعة أن عثمان يتقدم في القدر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه, وهذا الخلاف بين أهل السنة والجماعة قد قطع وحسم بالأثر والنظر.
أما بالأثر ففي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك ويقر به، فلو كان عثمان يتقدم على علي في القدر لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، ولقدمه على عثمان في القدر.
أيضاً ورد عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما رأيت الأنصار والمهاجرين يعدلون بـعثمان أحداً حتى النساء في خدورهن، يعني اتفقوا على تقديم عثمان على علي رضي الله عنه وأرضاه.
وأيضاً جاء بسند صحيح عن أيوب السختياني أنه قال: من فضل علي على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ أي: لأنهم ما اختاروا إلا الأفضل, وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.
وجاء إلى الحسن البصري رجل من أهل الشام فقال: من أفضل أبو بكر أم علي ؟ فقال: أما علي فله سوابق وقد شاركه فيها أبو بكر -وهي سبق الإسلام ومناصرة الدين- وكان لـعلي أحداث لم يشاركه فيها أبو بكر ، ويقصد بذلك الفتن التي حدثت في قتال الجمل وصفين، وما حدث بينه وبين الصحابة مثل طلحة والزبير ، وهذه ما كانت في عهد أبي بكر ، فيفضل بذلك أبو بكر على علي .
ثم قال: أ علي أفضل أم عمر ؟ فقال: كان لـعلي سوابق شاركه فيها عمر ، وكان لـعلي أحداث لم يشاركه فيها عمر ، فـعمر كان سيفاً قاطعاً في الحق، وما قصر في السير على نهج النبي وأبي بكر ، وكان هو الباب الذي إذا كسر فتحت الفتن، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لم يشارك علياً في الأحداث، فـعمر أفضل من علي .
ثم قال: من أفضل عثمان أم علي ؟ فقال له مثلما قال في أبي بكر وعمر .
ثم قال له في الرابعة: من أفضل علي أم معاوية ؟ فقال له: أما علي فله سوابق لم يشاركه فيها معاوية ، وكانت له أحداث شاركه فيها معاوية ، فـعلي أفضل.
إذاً: استقر عند أهل السنة والجماعة أن فضلهم مثل ترتيبهم في الخلافة: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنه وأرضاه, وهذا الآن اتفاق عند أهل السنة والجماعة.
وفي رواية أخرى: دخل رجل على المغيرة بن شعبة ودخل أيضاً سعيد بن زيد ، وهو أحد المبشرين بالجنة، فقام الرجل يتكلم عما حدث من الفتن بين الصحابة, فقال له: اسكت أيسب صحابة رسول الله وأنا جالس؟! سمعت أذني ورأت عيني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة: النبي في الجنة، و
وقال علي بن أبي طالب كما في الصحيح: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه, نثر له كنانته ثم قال له: (ارم
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أرق فقال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني، فسمع صوت السلاح في الخارج، فقال: من؟ فقال:
وسعيد بن زيد كان من عشيرة عمر بن الخطاب ، وهو ممن بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهم يمشون على الأرض.
ثم نعتقد اعتقاداً جازماً بأن أفضل الصحابة بعد أهل بدر هم أهل بيعة الرضوان، قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] فرضي الله عنهم بالتنصيص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فهؤلاء هم أهل الفضل الذين قدمهم رسول الله، وقد قدمهم قبله الله جل وعلا.
نصر الله به الدين، كان في غزوة بدر يضع ريشة نعام تفرق بينه وبين الذين يقاتلون، فقال أبو سفيان : من الذي كان يضعها، فقد فعل بنا ما لا يفعل غيره؟! وهو حمزة رضي الله عنه وأرضاه، وما كان أحد يجابه حمزة ، حتى وحشي ما قتل حمزة إلا غدراً، ولذلك ما أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى وجه وحشي ، فبعدما أسلم قال له رسول صلى الله عليه وسلم: (قص علي كيف قتلت
والضحك صفة يتصف الله بها، فنثبتها من غير تعطيل ولا تشبيه، فضحك الله غير ضحك البشر، قال الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].
وقد جاء في حديث آخر إثبات ضحك الله جل وعلا، وهو: (قيل: يا رسول الله! ما يضحك الرب عز وجل؟ فقال: أن تقتل مقبلاً غير مدبر، فقال رجل: أيضحك ربنا من هذا؟ قال: نعم، قال: إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك) انظروا إلى الفقه، يعني إذا كان الله يضحك فسيضحك لنا ويجعلنا من الشهداء، فالرجل صدق بصفة الضحك وقال: (أيضحك ربنا؟ قال: نعم، قال: إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك، فخلع درعه وأقبل على العدو فقاتل حتى قتل شهيداً).
فالله يضحك في الجهاد وأيضاً في جهاد النفس، ففي الحديث الذي معناه: (يضحك الله من الرجل الذي غلبته عينه يريد أن ينام ويقول: لا راحة لي في النوم إلا أن أقوم أناجي ربي).
الغرض المقصود أن لله صفة الضحك، وهذه صفة فعلية إن شاء ضحك وإن شاء لم يضحك، وهي صفة ثبوتية، ومثلها صفة العجب، قال الله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12] على القراءة الأخرى (عجبتُ) يعني: عجب الله.
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم عن العباس : (أما علمت يا
أما خديجة فقد جاء في فضلها كثير من الآثار كما في الصحيح: (أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بشر
الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله لو أن
وأيضاً في الحديث: (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أناس فقالوا: أنت خيرنا وابن خيرنا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان).
أما الشيعة الروافض الخبثاء فقد غالوا في آل البيت، حتى إنهم وصلوا بـعلي أنه الإله المعبود, ولما سمع ذلك حرقهم بالنار، فزادوا ضلالاً فقالوا: لا يحرق بالنار إلا الله, فعبدوه من دون الله.
والله الذي لا إله إلا هو إن الشيعة أضر على الدين من اليهود والنصارى، وأسوأ علينا من المنافقين الكاذبين الفاسقين، هؤلاء خبثاء ألهوا علياً رضي الله عنه وأرضاه، وغالوا في أهل البيت، وهم الذين خذلوا أهل البيت, فأهل الكوفة هم الذين خذلوا الحسين بعدما بعثوا له الرسائل ليقدم عليهم، فهم سبب مقتل الحسين ، وهم الذين سبوا الحسن ، فقالوا له: يا مسود وجوه المؤمنين، عندما تنازل عن الخلافة لـمعاوية تصديقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
أما معنى الولاية شرعاً فهي: مرتبة ومنزلة عظيمة لعبد عند رب العباد جل وعلا تستوجب النصرة والتأييد والتثبيت عند المحن، ويشترط في هذا العبد أن يكون قد قام بالدين ظاهراً وباطناً.
إذاً: للولاية شرعاً وجهان:
الوجه الأول: ما يخص الرب جل وعلا من العناية بالعبد والتسديد والتثبيت والنصرة والتأييد.
الوجه الثاني: ما يخص العبد أن يكون قد قام بالدين ظاهراً وباطناً.
قال الله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، ثم بين هذه الصفات: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] إذاً: ولي الله جل وعلا لابد أن تتوافر فيه صفتان:
الصفة الأولى: كمال الإيمان ظاهراً وباطناً, وهو قول باللسان، وعمل بالجوارح، وتصديق بالجنان.
الصفة الثانية: التقوى، وهي أن يعمل بطاعة الله على نور من الله -يعني على بصيرة وعلم لا على جهل- يرجو ثواب الله, وأن يجتنب محارم الله على نور من الله يخشى عقاب الله, فهو يعبد الله رغباً ورهباً, وهذا الذي امتدح الله به أنبياءه, لا كما ينسب إلى رابعة العدوية أنها قالت: ما أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكن حباً فيك، وهذا كلام ساقط، فهل هي أفضل من الأنبياء؟ قال الله تعالى عن الأنبياء: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90].
فالمؤمن والولي الحق هو الذي قام بدين الله ظاهراً وباطناً، ويدعو الله رغباً ورهباً، ويعمل بدين الله على نور من الله يعني: على علم لا على جهل, يرجو ثواب الله، ويجتنب محارم الله على نور من الله يخشى عقاب الله, هذا هو الولي الحق.
ثم الدرجة التي هي أعلى وأرقى أنه يتبع الفرائض بالنوافل.
وهذه درجة عظيمة جداً، من منّ الله عليه بهذه الدرجة لا يسقط منها أبداً، مع أن العبد قد يعصي الله، وقد يتجرأ على محارم الله، تأتيه شهوة فيسقط مرة، فهو ليس بملك، لكن إذا أوصله الله لدرجة الولاية المحبوبية فلا يسقط منها؛ لأن الله جل وعلا يتبع له هذه السيئة بحسنة، ويلهمه التوبة؛ فيرتقي عند الله جل وعلا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وقال الله تعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
إذاً: أولياء الله لا خوف عليهم في الدنيا من جهة دينهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ما ذا يريدون مني؟ إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة, وإن سجنوني فخلوة لربي، أنا جنتي في قلبي، فهذا لا خوف عليه؛ لأن قلبه ثابت، ولو قطع صدره ورأسه بالمناشير فقلبه ثابت بالإيمان لا يفتتن، فلا خوف عليه بحال من الأحوال؛ لأنه ولي، فأعظم فوائد الولاية التثبيت, فهو مثبت من قبل الله بقلبه، ولما فزع الصحابة من فتنة القبر وهي أعظم فتنة يراها المرء أنزل الله آية تسكن قلوبهم؛ لأنهم أولياء لا خوف عليهم، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]. أيضاً: لا خوف عليهم في الدنيا من أن تستأصل شأفة المسلمين، ولو اجتمع مشارق الأرض ومغاربها على أهل الإسلام، فستبقى أمة وطائفة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم.
أيضاً لا يحزنون في الدنيا حزناً يجعلهم يتقاعسون عن عبادة الله, فهذا هو الحزن المذموم, لكن قد يصابون بالهم والغم، لكن لا يصل بهم الحزن إلى أن يتقاعسوا عن عبادة الله أو يقنطوا من رحمة الله جل وعلا.
قال الله: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64], أما في الحياة الدنيا فالملائكة عند الموت تبشرهم برحمة الله ورضوان الله وجنات عند ربهم جل وعلا, وفي الآخرة يفرحون بما يرون عند الله جل وعلا.
أيضاً: من المكافآت ما جاء في الحديث القدسي: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها), ومعنى: (سمعه الذي يسمع به) أنه يكون عبداً موفقاً مسدداً من قبل الله؛ لأنه ولي لله, فأغلق عليه باب المعصية، أما سمعتم رجلاً يقول: أريد أن أدخل المسجد لأصلي لله، وما أعلم ما يمنعني، كلما أذهب أرجع؟! أما رأيتم عبداً يقول: أتقصد مكان تجمع النساء لأنظر إليهن، فما أرى أحداً منهن في الشارع؟! فهذا عبد موفق مسدد، الله جل وعلا اتخذه ولياً، فلا يرى إلا ما يحبه الله, ويعصم الله بصره من المعاصي، كما فعل الله جل وعلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الجاهلية قال له عمه العباس : اخلع إزارك واحمل الحجارة، ففعل فأغشي عليه، وفي بعض الروايات أنه مر بلهو فسمع الغناء فأغشي عليه وما سمع، وإن كان في الإسناد كلام، فهو محفوظ من قبل الله جلا وعلا.
أما العبد الذي خلع الله عنه الحفظ فهو يتوه ويتخبط في الأرض في معاصي الله, بينما العبد المسدد المثبت الموفق الذي اتخذه الله ولياً لا يرى إلا ما يحبه الله, (وبي يسمع) لا يسمع إلا القرآن، لا يسمع إلا مجالس العلم، لا يسمع إلا الذكر، وإن جاءته الشهوة فالله جل وعلا يذكره ما يجعله يخاف من الله فيرجع عن المعصية، وإن عصى فالله يوفقه للتوبة.
(وبي يبطش) كما قال الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] وهذه لا تكون إلا لأولياء الله، فالله يغربل الناس، والنصرة ستأتي على يد قوم قال فيهم رسول الله: (لن يهزم اثنا عشر ألفاً من قلة)، فهؤلاء هم الأولياء بحق، هم الأتقياء بحق، هم الذين حققوا الدين ظاهراً وباطناً.
وتمام مكافأة الولي قال: (ولئن سألني لأعطينه), فمن رأى في نفسه أنه يحقق الدين ظاهراً وباطناً فليرفع يده، فإن الله جل وعلا حيي كريم لن يرده خائباً. (ولئن استعاذني لأعيذنه) إن استعاذه من شيء فالله يسارع فيما يرضيه.
ثم قال: (وما ترددت في شيء أنا فاعله مثل ترددي في قبض روح المؤمن)، انظروا إلى مكانة الولي عند الله جل وعلا! الله اصطفاه واتخذه وليه ومع هذا يتردد في قبض روحه؛ لأنه يتردد في إساءته, انظروا كيف يسارع الله جل وعلا في مرضاة عبده الولي!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر