-
تفسير قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقعطوا أرحامكم ...)
قال الله تعالى:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22].
قوله تعالى: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )) أي: إن أعرضتم عن تنزيل الله تعالى، وفارقتم أحكام كتابه، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوليتم عن الجهاد، ونكلتم عنه.
قوله: (( أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ )) أي: أن تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء، فتسفكوا الدماء، وتقطعوا الأرحام؛ ولهذا قال:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ .
إذاً: فهذا نهي عن الفساد في الأرض عموماً، وعن قطع الأرحام خصوصاً، بل إن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، وهو: الإحسان إلى الأقارب في المقال، والفعال، وبذل الأموال.
قوله: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ ))، يقال: عسيت أن أفعل كذا، وعسيت أن أفعل كذا.. بالكسر، والكسر لغتان ذكره
الجوهري وهما سبعيتان، أي: قراءتان من القراءات السبع في القرآن.
قوله تعالى: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ لتأكيد التوبيخ، وتشديد التقريع، والمعنى: هل يتوقع منكم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم؟!
قوله: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )) قيل: هو من الولاية، أي: ولاية الأمور أو الحكم بين الناس.
قال
أبو العالية : المعنى: فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكاماً أن نفسدوا في الأرض بأخذ الرّشا؟!
وقال
الكلبي : فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم؟!
وقال
ابن جريج: فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام؟!
وقال
كعب: فهل عسيتم إن توليتم الأمر أن يقتل بعضكم بعضاً؟!
وقيل: (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)، هي من التولي والإعراض عن الشيء.
قال
قتادة: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )) عن كتاب الله، (( أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ )) بسفك الدماء الحرام، (( وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )).
وقيل: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ )) أي: فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن، وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الأرض، وتعودوا إلى جاهليتكم.
وقال
بكر المزني : إنها نزلت في الحرورية الخوارج وفيه بُعد؛ لأن الخوارج لم يكونوا قد ظهروا بعدُ، والأظهر أنه إنما عني بها المنافقون كما سيأتي بيان هذه الجملة من الآيات.
وقال
ابن حيان : المقصود بها: قريش.
وقال
المسيب بن شريك و
الفراء : نزلت في بني أمية وبني هاشم، وبنو أمية وبنو هاشم هما من قريش، أي: كأن فيها إشارة إلى ما وقع من القتل، وتقطيع الأرحام، والفساد في صراع بين العباسيين والأمويين، ودليل هذا التأويل ما روى
عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (
(( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ))، ثم قال: هذا الحي من قريش، أخذ الله عليهم إن ولّوا الناس ألا يفسدوا في الأرض، ولا يقطعوا أرحامهم).
هناك قراءة أخرى: (فهل عسيتم إن تُولِّيتم)، فيكون المعنى على هذه القراءة: إن وَليتْكم ولاةٌ جائرة خرجتم معهم في الفتنة وحاربتموهم!!
أي: إن حكمكم حكام جائرون ظالمون، خرجتم معهم في الفتنة وحاربتموهم.
-
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله...)
قال الله تعالى:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ .
قوله: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ )) أي: طردهم وأبعدهم من رحمته، (( فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )) أي: فأصمهم عن استماع الحق، (( وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ))، أي: قلوبهم عن الخير، أو أعمى أبصارهم عن مشاهدة ما يستدلون به على التوحيد، والبعث، وحقيقة سائر ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتبع الإخبار بأن من فعل ذلك حقت عليه اللعنة، وسُلب الانتفاع بسمعه وبصره حتى لا ينقاد للحق وإن سمعه، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل.
قيل: إن الله سبحانه وتعالى بعد ما قال:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، قال: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ )) يعني: من فعلوا ذلك، (فَأَصَمَّهُمَْ) أي: عاقبهم، (( وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )).
وقال: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ ))، ثم قال: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ))، فرجع من الخطاب إلى الغيبة، فهذا أيضاً التفات على عادة العرب في ذلك، وهذا فيه التفات للإيذان؛ لأن ذكر جناياتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب، وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم. أي: أنه كان في الأول: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ)) بتوجيه الخطاب إليهم، (( إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ))، ثم أعرض في الخطاب عنهم؛ لأنهم إذا فعلوا هذين الفعلين فلا يستحقون أن يخاطبهم الله مباشرة، فمن ثم انتقل إلى الغيبة فقال:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ، فرجع من الخطاب إلى الغيبة على عادة العرب في ذلك للإيذان بأن ذكر جناياتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب، وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم.
قال عز وجل في آخر الآية:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ، فلم يقل الله سبحانه وتعالى: فأصم آذانهم وأعماهم، وإنما قال: ((فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ))، والحكمة في ذلك أنه لا يلزم من ذهاب الأذن ذهاب الاستماع، ويلزم من ذهاب الأعين ذهاب الإبصار، فلو أن إنساناً قطعت أذنه فإنه لا يفقد حاسة السمع تماماً، لكن لا شك أنه سيتأثر؛ لأن الأذن لها فائدة عظيمة، لكن يبقى له السمع؛ فلذلك قال: (( فَأَصَمَّهُمْ ))، فلو قال: فقطع آذانهم، أو ذهب بآذانهم لما دل ذلك على انتفاء السمع؛ لأنه لا يلزم من ذهاب الأذن ذهاب السمع، ثم قال: (( وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ))، ولم يقل: (وأعماهم) لأن الأعين يلزم من ذهابها ذهاب الإبصار.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى العينين مقدمتين، وجعل الأذنين في الجانبين، والحكمة في ذلك: أن العينين بمنزلة الكاشف والرائد الذي يتقدم القوم ليكشف لهم، وبمنزلة السراج الذي يضيء للسالك ما أمامه، أما الأذنان فيدركان المعاني الغائبة التي ترد على العقل من أمامه ومن خلفه وعن جانبيه، فكان جعلهما في الجانبين أعدل الأمور، فسبحان من بهرت حكمته العقول!
وكذلك جعل للعينين غطاء؛ لأن الأذن تجلب الأصوات، والأصوات عبارة عن طاقة لا بقاء لها، فلو جعل على الأذنين غطاء لذهب الصوت قبل ارتفاع الغطاء.
فتزول المنفعة المقصودة، وأما نظرة العين فأمر فائت، فالعين محتاجة إلى غطاء يقيها، وحصول الغطاء لا يؤثر في الرؤية قال بعض أهل العلم: عينا الإنسان هاديان، وأذناه رسولان إلى قلبه، ولسانه ترجمانه، ويداه جناحان، ورجلاه بريدان، والقلب ملك، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث خبثت جنوده.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى بين السمع والبصر والفؤاد علاقة وارتباطاً ونفوذاً يقوم به بعضها مقام بعض؛ ولهذا يقرن بينهما سبحانه كثيراً في كتابه، فقال عز وجل:
ِإنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، وقال تعالى:
وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً [الأحقاف:26]، وقال تعالى:
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179]، وقال أيضاً:
َفإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، إذاً: فالعبرة ببصيرة القلب لا بالعين الباصرة؛ ولذلك جاء في حديث
جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (
انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده)، وكان رجلاً أعمى، ونجد العلماء يقولون عند وصف العالم الضرير: الشيخ فلان بن فلان البصير بقلبه، وهذه إشارة إلى أنه لا يرى بعينه، لكنه بصير بقلبه، كيف لا وقد آتاه الله كتابه! فهذا تأدُّبٌ بأدب النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (
انطقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده)، وكان رجلاً أعمى.
قال
القرطبي في تفسير هذه الآية:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ظاهر الآية أنها خطاب لجميع الكفار، وقال
قتادة وغيره: معنى الآية: يخاف عليكم إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض لسفك الدماء.
وقال
قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى؟! ألم يسفكوا الدماء الحرام، ويقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن؟ فالرحم على هذا رحم دين الإسلام والإيمان التي قد سماها الله أخوة.
فإذاً: إذا كان المقصود بقوله:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]: أن تقطعوا رحم الإسلام والإيمان بالقتل الذي يكون بين المسلمين، فالرحم على هذا هو عام وليس الرحم الخاص، فالمقصود به رحم الأخوة الإيمانية التي سماها الله أخوة بقوله:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
وعلى قول
الفراء : أن الآية نزلت في بني هاشم وبني أمية فالمراد: من أضمر منهم نفاقاً، فأشار بقطع الرحم إلى ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من القرابة؛ لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم.. إلى آخره.
-
تفسير قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)
-
تفسير قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى...)
-
تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر...)
-
تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)
قال الله تعالى:
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ هذه الفاء لترتيب مع بعدها على ما قبلها، و(كيف) في محل رفع خبر مقدم، والتقدير: فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة؟!
أو هي في محل نصب لفعل محذوف، والتقدير: فكيف يصنعون إذا توفتهم الملائكة؟!
أو أن (كيف) خبر لكان مقدرة، أي: فكيف يكونون إذا توفتهم الملائكة؟! والظرف معلوم للمقدر إذا.
وأما جملة (يضربون) فهي في محل نصب حال.
وأما القراءات في هذه الآية: فقرأ الجمهور: (( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ ))، وقرأ
الأعمش : (فكيف إذا توفاهم الملائكة).
قوله: (( يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ )) أي: يضربون وجوههم التي ولوها عن الله إلى أعداء الله؛ لأنهم كانوا يوالون أعداء الله، وكانوا يقولون: (( لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ )).
ولوا وجوههم إلى أعداء الله وصرفوها عن الله، فلذلك تأتي الملائكة عند خروج أرواحهم يضربون وجوههم وأدبارهم التي ولوها عن الأعداء إلى الله، وفي الكلام تخويف وتهديد، والمعنى: أنه إذا تأخر عنهم العذاب فسيكون حالهم هذا، وهو تصوير لتوفيهم على أقبح حال وأشنعه.
وقيل: لا يتوفى أحد على معصية إلا وتضرب الملائكة في وجهه ودبره، وقيل: ذلك عند القتال؛ نصرة من الملائكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضربون وجوههم عند الطلب، وأدبارهم عند الهرب، فإذا كانت الملائكة تطاردهم وجهاً لوجه فيضربون وجوههم، أما إذا أدركتهم الملائكة وهم يفرون فإنهم يضربون أدبارهم عند الهرب.
وقيل: ذلك يوم القيامة عند سوقهم إلى النار، والأول أولى، أي: أنه إذا تأخر عنهم العذاب فعما قريب سيأتيهم الأجل شاءوا أم أبوا، ويشهد لهذا -يعني: يشهد لهذا القول أنه عند الاحتضار- قوله تعالى:
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50]، وقال تعالى:
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ [الأنعام:93] ((بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ)) أي: بالضرب،
أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ )) أي: ذلك التوفي المذكور على الصفة المذكورة، (( بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ )) من الكفر والمعاصي، وقيل: كتمانهم ما في التوراة من نعت نبينا صلى الله عليه وسلم، والأول أولى؛ لما في الصيغة من العموم، (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ ))، وهذه صيغة عموم تعم كل ما يسخط الله، ولا تقتصر على التكذيب بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: (( بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ )) أي: كرهوا ما يرضاه من الإيمان والتوحيد والطاعة، والإسخاط: هو استجلاب السخط، وهو الغضب هنا، (( وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ))؛ لأن من أطاع من كره ما أنزل الله فقد كره رضوان الله؛ لأن رضوان الله تعالى ليس إلا في العمل بما نزل، فاستلزم كراهة ما نزل كراهة رضوانه؛ لأن رضوانه فيما نزل، ومن أطاع كارهه فهو ككارهه، (( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )) أي: أبطلها، والمراد أعمالهم التي صورتها صورة الطاعة، وإلا فلا عمل للكافر، أو أحبط ما عملوه قبل الردة من أعمال الخير.