وبعد:
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ [المجادلة:7]، وفي ختام الآية: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: بدأت الآية بالعلم، وختمت بالعلم: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [المجادلة:7] فحمل فريق من المفسرين قوله تعالى: وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] على أن المعية في الآية الكريمة معية علم، أي: يعلم أحوالهم، فيكون التأويل: ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم يعلم أحوالهم، وليس المراد: (معهم) أو (رابعهم) بذاته سبحانه وتعالى، فقد قال الله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال سبحانه: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16]، ولما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية قائلاً لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة).
فبعض أهل البدع من شبههم التي يثبتون بها أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان هذه الآية: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، مع قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الزخرف:84].
فقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] أي: وهو الذي في السماء معبود وفي الأرض معبود، أي: معبود في السماء، ومعبود في الأرض، أي: يعبده أهل الأرض، ويعبده أهل السماء، وهذا من قولهم: ألهت إلى فلان، فعلى ذلك فهذه الآية التي بين أيدينا لا دليل فيها لمن ذهب إلى أن الله في كل مكان، كما هو مذهب طائفة من المعتزلة والمبتدعة.
ثم إن قوله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7] أي: يعلم مناجاتهم التي يتناجون بها.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [المجادلة:7]، تقدم أن الرؤية أحياناً تأتي بمعنى العلم، نحو: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243]، ليس المراد: رؤيا البصر، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما رأى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى، فالمراد بالرؤيا هنا: العلم، أي: ألم يأتك خبر هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟ وثم أقوال أخر.
والمعية معيتان: معية نصر وتأييد، ومعية علم وإحاطة.
فمعية العلم والإحاطة عامة، فبهذا المفهوم الله سبحانه وتعالى مع كل من يتناجى أو لا يتناجى، يعلم سره ويعلم حاله، لكن قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] المعية هنا معية نصر وتأييد، وكذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر رضي الله عنه في الغار: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، فـ (لا تحزن إن الله معنا) معية نصر وتأييد وعلم وإحاطة أيضاً، لكن في شأن الكفار تنتفي معية النصر والتأييد، فلا يقال: إن الله مع الكافرين، ولا إن الله مع الظالمين، وبهذا تتضح معاني المعية، فهي معيتان: معية نصر وتأييد وهي لأهل الإيمان، ومعية علم وإحاطة وهي عامة لأهل الإيمان وأهل الكفر، والله سبحانه أعلم.
فالتناجي هو الحديث في السر، وأغلب ما يتناجى به الناس فيه إثم وعدوان، قال الله سبحانه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114]، أكثر الأحاديث التي يتناجى بها الناس لا خير فيها، لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] أي: معية علم وإحاطة أيضاً.
ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [المجادلة:7] أي: ثم يخبرهم بما صنعوا وما تحدثوا يوم القيامة، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].
لأهل العلم في ذلك أقوال:
من هذه الأقوال: أن هناك عمومَ نهي عن النجوى، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر؛ فإن ذلك يحزنه)، ويلتحق بذلك إذا كنتم أربعة فلا يتناجى ثلاثة دون الرابع، وكذلك إذا كنتم عشرة فلا يتناجى تسعة دون العاشر؛ لأن الحزن وارد بصورة أكبر في التسعة إذا تركوا الواحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر فإن ذلك يحزنه)، ونحن مأمورون بدفع كل ما يحزن المسلم، كل شيء فيه جلب الحزن للمسلمين أمرنا بالابتعاد عنه، وكل شيء فيه إدخال السرور على المسلمين أمرنا بفعله، وجاء الترغيب فيه والحث عليه، ومن ثم شرعت المواساة بعيادة المرضى وبالتعزية للجنائز، وبالزيارات ابتغاء وجه الله، وبالهدايا التي تدخل السرور، وبإفشاء السلام الذي يجلب المودة ويدفع الهموم ونحو ذلك.
لقد كان أهل النفاق يجلسون مع بعضهم البعض يتحدثون جهراً، فإذا مر بهم مسلم من المسلمين تناجوا فيما بينهم وتركوا المسلم، فيغتم لذلك المسلم، ويظن أنهم يريدون به السوء، ويظن أنهم يتحدثون في أمر من الأمور التي ستجتاح المسلمين، فيصاب بالحزن وبالهمّ لهذه المناجاة، وكان اليهود أكثر من يستعمل ذلك على عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يجلسون مع بعضهم البعض وإذا مر بهم المسلم بدءوا في التناجي، ولا حاجة لهم إلى التناجي؛ ولكن يتناجون كي يغتم المسلم، ويجلبوا له الهم والنكد، فيفكر المسلم ويقول: ماذا يريدون بي؟! لعلهم يتآمرون لقتلي لما علموا بسفري! فيغير خط سيره في السفر، لعلهم يتحدثون عن مؤامرة ضد المسلمين فيغير أعماله، فكان قصدهم من التناجي هو إيذاء المسلمين بصورة من الصور.
فعلى ذلك قد يتجه بعض إخواننا إلى هذا التناجي المذموم، وخاصة في أوساط النساء اللواتي يتحدثن سراً، وتريد امرأة أن تكيد أخرى فتجلس وتناجي ثالثة، فكل هذا سلفه اليهود، هم الذين بثوا هذا الأذى في المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنه قول الله سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ولكن كما سمعتم آنفاً: أن اصطلاح الإثم قد يتسع ويحمل المعنيين: فيحمل معنى الذنوب التي يقترفها الشخص في حق نفسه، ويحمل معنى التعدي على الآخرين، ومنه قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، فكبائر الإثم تدخل فيها الجرائم التي فيها تعدٍ إلى الآخرين، من سطو ونصب وغش ونحو ذلك.
وقوله: وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:8]، أي: يتواصون فيما بينهم بمعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتواصون فيما بينهم بالتشويش على القرآن كما قال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، أي: شوشوا عليه حتى لا يستمع إليه.
وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة:8] فيؤخذ من الآية: أنه ينبغي بل يتعين على المسلمين أن يحيي بعضهم بعضاً بما حياهم الله به، تحيتهم وتحية أبيهم آدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهي أتم صيغة، وعليها ثلاثون حسنة، ودونها: السلام عليكم ورحمة الله، ودونها: السلام عليكم، هذه تحية المسلمين.
هذه الآية فيها تسلية للمؤمنين، وتصبير لكل مبتلى، وما هو وجه ذلك؟
وجهه أن الله سبحانه وتعالى ذكر مقالة اليهود إذ قالوا في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول، أي: أن اليهود يقولون في أنفسهم: نحن نسب محمداً وندعو عليه باللعنة، وندعو عليه بالهلاك، فإذا كان محمد نبياً فلماذا لم يعذبنا الله بسبنا لمحمد، وبشتمنا لمحمد، وبدعائنا على محمد باللعنة والهلاك؟! فهذا حاصل قولهم لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8]، فأجابهم الله بقوله: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8]، أي: تكفيهم جهنم.
فالإجابة: أنه ليس كل ذنب تعجل عقوبته في الدنيا، بل هناك من الذنوب ذنوب تؤخر وتدخر لأصحابها العقوبات إلى الآخرة، ونحو ذلك ورد في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] قال كثير من المفسرين: إن الذين خدوا الأخاديد للمؤمنين، وأضرموا فيها النيران وقذفوهم فيها، لم يذكر أنهم عذبوا بعذاب صريح في الدنيا، فعلى ذلك فعذابهم مدخر في الآخرة.
وقد قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] قولاً مرجوحاً مطروحاً وهو: أنهم بعد أن قذفوا المؤمنين في النار تطاير عليهم من شررها فأحرقهم وهم قعود ينظرون إلى أهل الإيمان، ولكنه قول مطرح، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فالشاهد: أنه ليس كل مجرم يعذب في الدنيا، بل قد يدخر العذاب للمجرمين في الآخرة؛ ولذلك لما قالوا في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول، أجابهم الله بقوله:حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8].
فليس للمسلم من أمره شيء، فقد يدخر الله العذاب لظالمه وقد يعجله، ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من ظلموه باللعنة فقال (اللهم! العن فلاناً وفلاناً، نزل قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128])، وكما في الآية الأخرى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46]، وقال تعالى في الآية الثالثة: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [غافر:77]، أي: قبل أن نرينك الذي وعدناهم من العذاب، فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر:77]، فقوله سبحانه: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [غافر:77]، أي: يا محمد! قد نشفي لك صدرك في الدنيا بأن نريك في عدوك ما يريحك ويذهب غيظ قلبك، ونريك فيه العذاب قبل مماتك، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [غافر:77] قبل أن ننزل العذاب عليهم، وقد كان هذا وذاك، فشفى الله صدر نبيه محمد من أقوام قد ظلموه وآذوه ولعنوه وسبوه، فهاهو يقف يوم بدر على بئر قد ألقيت فيه جيفُ المشركين: أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة، فيناديهم: (يا
وثم أقوام آخرون كـمسيلمة الكذاب اغتم الرسول صلى الله عليه وسلم بشأنه شيئاً ما، واطمأن لما رأى في يديه سوارين فنفخهما فطارا، فأولهما كذابين يخرجان من بعده، فكان صاحب صنعاء الأسود العنسي ، ومسيلمة الكذاب ، ولكن مسيلمة ما قتل إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى ذلك قوله تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر:77]، مع قوله سبحانه: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8]، فيهما ما يعزى به المسلم الذي أصيب من ظالم، أو الذي انتهك عرضه ظالم، فلتقر عين كل مظلوم فإن الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر.
قال تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8]، أي: بئس المصير الذي يصيرون إليه.
إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا [المجادلة:9] كما يتناجى اليهود وأهل النفاق.
بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُول [المجادلة:9]، لا تتشبهوا بهم في هذه المناجاة السيئة، ولكن: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المجادلة:9]، وهنا تذكير بالحشر، وما يتبع ذلك من أمور مهولة وعظيمة.
من العلماء من جعل من الحروز التي يحترز بها العبد من الحسد ومن عموم الأعداء، ألا يكثر الانشغال بهم والالتفات إليهم، فيقولون: من علاج الحسد ألا تنشغل كثيراً بالحاسد، فهو يريد شغلك والاستحواذ على فكرك حتى تفكر فيه، فأهمله واعتصم بالله وتوكل عليه، فهذا نوع من أنواع العلاج، لا تشغل نفسك كثيراً بعدوك، بل خذ ما شرع لك من الأخذ بالأسباب، وتوكل على الله وليطمئن خاطرك، قال تعالى: وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10]، فإذا رأيت اثنين يتناجيان فلا تلتفت إلى المناجاة، وانصرف وأقبل على الله سبحانه وتعالى فهو خير حافظ يحفظك، لا تنشغل كثيراً ولا تهتم كثيراً بمناجاة من يتناجى، ولكن أقبل على الله، واعتصم بالله، واعلم أن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن الله سبحانه وتعالى يحفظهم، وأنه سبحانه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، فأقبل إليه وتوكل عليه، ولا تكثر من الانشغال بهذا الذي يتناجى كي يؤذيك وكي يغمك ويجلب لك النكد، وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10].
ومن ثم كان أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه -كما في سنن النسائي بسند صحيح-: (يأتي إلى الصلاة وقد أخذ الناس مصافهم في الصفوف فيأتي ويسحب شخصاً من الصف شاباً ويقف مكانه -وقد فعل ذلك أثناء الصلاة- فلما انقضت الصلاة التفت إليه الشاب مغضباً، و
فإذا جاء وطلب منك يا صغير أو يا متأخر الإسلام أو يا حديث عهد بالإسلام أن تفسح له، فلا يليق بك أن ترده خائباً، وأن تكسر خاطره، فكما سمعتم أن مراعاة المشاعر والأحاسيس عليها أكثر من مائة دليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أدلة متوافرة في مراعاة المشاعر وإنزال الناس منازلهم، وقد سمعتم طرفاً من ذلك فيما قبل.
وعلى ذلك جملة أدلة من كتاب الله ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمن كتاب الله قال الله سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، وقوله: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
فقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11] ما المراد به؟
من العلماء من فسره بتفسير عام، ومنهم من فسره بتفسير خاص.
فالذين فسروه بتفسير خاص قالوا:
قوله تعالى: إِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11]، أي: قوموا وانهضوا إلى الجهاد وإلى القتال مع نبيكم صلى الله عليه وسلم فقوموا ولا تترددوا.
القول الثاني: إِذَا قِيلَ انشُزُوا [المجادلة:11]، أي: قوموا وانهضوا إلى الصلاة.
القول الثالث: إِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11]، أي: قوموا وتفسحوا لإخوانكم.
القول الرابع: إِذَا قِيلَ انشُزُوا [المجادلة:11]، أي: قوموا إلى فعل خير دعيتم إليه ولا تترددوا.
والذين فسروه بتفسير عام قالوا: إن هذه المفردات كلها تدخل في قوله تعالى إِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11]، أي: إذا دعيتم إلى أي عمل فيه بر أو فيه خير فقوموا إليه، وانهضوا إليه، وسارعوا إليه، واستبقوا إليه، وهذا المعنى العام أولى وأليق والله سبحانه وتعالى أعلم.
أولاً: الآية فيها منقبة كبرى لأهل العلم، ومثلها قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، أي: في الآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن
فمن العلماء من قال: إن قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] خبر، ومع كونه خبراً يحمل معنى الأمر، وما هو وجه ذلك؟
إن الله سبحانه وتعالى قال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] أي: عليكم أن تفسحوا لهم في المجالس، وأن تجلسوهم في المجالس، هذا قول.
القول الثاني: أن الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم هم الذين فهموا قوله تعالى: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11] أي: أنهم الذين عقلوا عن الله أمره، وامتثلوه؛ فتفسحوا في المجالس، ونشزوا حينما طلب منهم النشوز، هؤلاء أهل فقه، وأهل علم، وأهل امتثال لأمر الله، هؤلاء يرفعهم الله سبحانه وتعالى درجات.
فهذان وجهان، وكل وجه منهما له قوته وله وجاهته، والله أعلم.
فمن العلماء من قدم هذا، ومنهم من قدم ذاك، فالذين قالوا يقدم كبير السن حجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا)، ومن حججهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أراني الليلة أتسوك، فأتاني رجلان، فدفعت السواك إلى الأصغر منهما، فقيل لي: كبر كبر)، ومن أدلتهم: مجيء حويصة ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أصغرهما يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر، كبر)، أي: أكبرهما سناً هو الذي يتكلم، فهذه حجة من قال يقدم الكبير.
ومن حجج الذين قالوا يقدم العالم: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد -عندما كان يجعل الثلاثة والأربعة في القبر الواحد-: (قدموا أكثرهم قرآناً)، ومن حججهم أيضاً هذه الآية: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، ومن حججهم أيضاً: أن عمر رضي الله عنه كان يقدم ابن عباس في مجلس الشورى على من هم أكبر منه سناً، والمسألة محتملة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: عبد العال، العال أو العالي ليس من أسماء الله الحسنى، لكن إذا كنت قد سميت بهذا الاسم واشتهرت به فلا إثم عليك، وما دام الناس قد عرفوك به فلا إثم عليك، فقد عُرِفَ الرسول بأنه ابن عبد المطلب عليه الصلاة والسلام، وكان من أصحابه رجل يقال له: عبد العزى بن قثم ، والعزى صنم أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19]، وثم أسماء أخر، فإن كان باستطاعتك أن تغيره فلتغيره، فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تغيير الأسماء إلى ما هو أحسن، فقد غير جملة أسماء: مثل حزن أمره أن يغير اسمه إلى سهل عليه الصلاة والسلام، وبرة غيرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب، وثم جملة أسماء غيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: هي قول لبعض المفسرين، لا أعلمها عن صحابي، ولا عن تابعي، ولا أنفيها أيضاً، لكنها قول لكثير من أهل التفسير.
الجواب: عليك أن تنصح المغتصب بالحسنى، وإن لم تستطع فبلغ صاحب الأرض أيضاً بالحسنى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: كيف ننصره ظالماً يا رسول الله؟! قال: تمنعه من الظلم).
الجواب: بالنسبة لتأخير الصلاة عن وقتها في المسألة تفصيل، فإذا كنت تؤخر الظهر إلى آخر وقتها الذي هو قبيل وقت العصر فلا بأس بذلك عند الضرورة؛ لحديث عبد الله بن عباس في الصحيح: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء سبعاً وثمانياً، من غير عذر من خوف، ولا مرض، ولا مطر، ولا سفر) فقال له قائل: يا ابن عباس! لعله أراد ألا يحرج أحداً من أمته؟ قال: وأنا أظن ذلك، فيجوز لك أن تعمل بهذا الحديث في بعض الأحيان، سواء على رأي من قال: إنه جمع صوري، أو سواء على رأي من قالوا: إنه مطلق الجمع، فيجوز لك أن تستعمل هذا الحديث في وقت الضرورات، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد كان ابن عباس في درس، فجاءه رجل وقال: (الصلاة يا
الجواب: أمثل ما في ذلك قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: إن شاء وضع اليمنى على اليسرى، وإن شاء أرسلهما.
وفي الحقيقة أن هذا قول وجيه، وهو الذي تنتظم معه جملة الأدلة، فإن شاء وضع اليمنى على اليسرى وله من الأدلة ما يشهد له، وهو حديث وائل العام: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة)، وحديث سهل بن سعد الساعدي العام كذلك: (أمرنا بوضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة).
وقوله: وإن شاء أرسلهما له ما يشهد له: (كان إذا قام من الركوع رجع كل مفصل إلى موضعه)، فهذه وجاهة قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
الجواب: ليس ببدعة بل هو سنة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين، ولصومه الإثنين علتان: العلة الأولى: أنه ولد فيه، والعلة الثانية: أن الأعمال الصالحة ترفع فيه، فيحب أن يرفع عمله وهو صائم صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم يجوز لبس الحرير الصناعي؛ إذ هو ليس بحرير حقيقة، ولكن من حام حول الحمى يوشك أن يواقعه، فاجعل بينك وبين الحرام حجباً، والله أعلم.
الجواب: لم يرد هذا على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
الجواب: نعم، يكون قد دخل.
الجواب: من الهدي في اليوم السابع للمولود: أن يماط عنه الأذى، وأن تذبح له عقيقة، وإن شئت أن تسميه في اليوم السابع سميته، وإن شئت أن تسميه قبل ذلك سميته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم)، فهذا دليل على أنه سماه فور الولادة، وأما التسمية في اليوم السابع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يعق عنه يوم سابعه ويسمى).
الجواب: جمهور العلماء على أن عورة الرجل بالنسبة للرجل من السرة إلى الركبة؛ لحديث أبي داود : (إذا زوج أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن من سرته إلى ركبته من عورته)، احتج الجمهور بهذا على أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وأجرى البعض القياس على المرأة فقال: والمرأة كذلك بالنسبة للمرأة، وثم أقوال أخر: فمن العلماء من استثنى من الرجل الفخذ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس ، وكما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة دخول عثمان رضي الله تعالى عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وجمع بين هذه الأدلة بعض أهل العلم، فهناك حديث: (الفخذ عورة)، وهناك حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً حاسراً عن فخذه فدخل الصحابة، فلما دخل
الجواب: والله أعلم، إذا كانت تقوم بالمأمورية على أكمل وجه، وعلى وجه يرضي الله، فيجوز لها أن تنجزها في خمسة أيام، وتستريح الخمسة الأيام الأخرى، فمثال ذلك: شخص كلف أن يقرأ في كل يوم مثلاً عشرة عدادات فقرأ مائة عداد واجتهد كي يستريح اليوم الآخر، فالظاهر -والله أعلم- أن العمل مادام يؤدى على أكمل وجه فلا بأس بذلك، والله أعلم.
الجواب: أسلفنا بأن الأئمة الأربعة رحمهم الله: مالكاً وأبا حنيفة والشافعي وأحمد يرون - كما نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى -: أنك تصلي معهم صلاتهم التي يصلون ثم تقضي ما فاتك، ولا يجب عليك الترتيب في مثل هذه الحالة؛ لأنك مأموم، فصلِّ معهم ثم ما فاتك فأتمه، هذا رأي الأئمة الأربعة في مثل هذا الموطن، والله أعلم.
أما الترتيب فمحل تعينه إذا كنت تصلي منفرداً، أو كنت تصلي إماماً، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: ليست من السنة، بل هي من البدعة، ليس هناك دليل على أنك تذبح ذبيحة عند شراء الشقة الجديدة.
الجواب: سل الله ذلك.
الجواب: سبقت الإجابة عليه. إلى هنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر