إسلام ويب

شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع)للشيخ : عمر سعود العيد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فضل العلم عظيم ونفعه عميم، ولطالبه مراتب ينبغي أن يتنقل فيها ولا يجافيها، بذلك بدأ الشيخ هذا الدرس، ثم أتبعه بأبيات متعلقة بعقيدة أهل السنة في صحابة الرسول وآل بيته واعتقادهم في القرآن، وبعض المسائل المفيدة المتعلقة بنوعي التوحيد (الألوهية والربوبية).

    1.   

    الأولوية في طلب العلم لحفظ القرآن

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قبل أن أتكلم عن أنواع التوسل البدعي لعلي أن أنبه إلى أدب لطيف من آداب الطلب، وقد يكون غريباً على عدد من الأحبة، ولكنه في كتب السلف لا يعتبر غريباً.

    نبهنا سابقاً إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يهتم بتعلم العلوم ويبدأ بالأهم فالأهم، ولو سُئل الجميع: ما أهم شيء يطلبه طالب العلم؟

    ستجدنا أول ما نقول: أن يهتم بالعقيدة، ثم بالحديث ثم.. ثم.. وهكذا، ولكننا نجد جمعاً من أئمة السلف رحمهم الله تعالى ذكروا أن أهم ما يبدأ به طالب العلم حفظ القرآن، فقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة) يقول الإمام الحافظ ابن حجر : قوله: (ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة) فيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السنن، والمراد بالسنن: ما يتلقونه عن النبي صلى الله عليه وسلم واجباً كان أو مندوباً.

    ولقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى حيث قال الميموني : سألت أبا عبد الله : أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أم بالحديث؟ فقال له: بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ -أي: أعلمه كل القرآن؟- قال: إلا أن يعسر عليه.

    إذا لم يستطع حفظ القرآن فلا مانع أن تجمع بين القرآن وبين سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    يقول ابن مفلح رحمه الله في آدابه الشرعية : وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زماننا هذا، من عهد الإمام أحمد إلى زمان ابن مفلح وهم يجعلون القرآن هو الأصل في قضية التعلم.

    يقول محمد بن الفضل : سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة لطلب العلم، فقال: اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك، أي: حتى آذن لك أن تطلب العلم، قال: فاستظهرت القرآن، أي: حفظته عن ظهر قلب، فقال لي: امكث حتى تصلي به الختمة، أي: حتى تختم به في صلاة التراويح، يقول: ففعلت، فلما عيدنا -انتهينا يوم العيد- أذن لي بالخروج إلى مرو لطلب الحديث، مما يدل على أن البداية هي بكتاب الله تعالى.

    وكذلك نقل عن أبي عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في جامع بيان العلم وفضله ، قال: طلب العلم درجات، ومنازل ورتب لا ينبغي تعديها، أي: كأنه برنامج معين ينطلق به طالب العلم من هنا ثم يترقى به، ثم قال: ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، أي: من لم يأخذ بالطرق التي بينها له سلف الأمة فإنه يأتي بمنهج لم يُعرف، وقال بعدها: من تعدى سبيلهم عمداً ضل، أي: من قال: أنا لا أحتج بكلامهم ولا أقبل منهم ضل ولم يعرف طريق الطلب أصلاً، ومن تعداها مجتهداً زل، بعض الناس يقول: أنا لا أرى هذا الرأي ولا غيره، قال: زل فلم يكن على الجادة التي كان عليها هؤلاء السلف ، ثم قال: فأول العلم حفظ كتاب الله تعالى وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب على طالب العلم أن يطلبه.

    ثم قال رحمه الله: ولا أقول: إن حفظه واجب فرض، بمعنى: أنه يأثم من ترك حفظ القرآن، ولكن أقول: إن ذلك واجب ولازم على من أحب أن يكون عالماً أن يحفظ كتاب الله تعالى، ولكنه ليس من الواجبات والفرائض التي يأثم الإنسان بتركها، ثم قال: فمن حفظه قبل بلوغه ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه باللسان العربي، كان ذلك عوناً له كبيراً على مراده من طلب العلم، وعوناً له على ضبط سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلى الآفاق قائلاً لهم أن يتعلموا السنة والفرائض واللحن -أي: النحو- كما يتعلم القرآن.

    قال الإمام النووي في مقدمة كتابه المجموع : وينبغي أن يبدأ من دروسه على المشايخ في الحفظ والتكرار والمطالعة بالأهم فالأهم، ثم قال: وأول ما يبدأ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظ قالوا: فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالاً يؤدي إلى نسيان شيء منه أو تعرض القرآن للنسيان، ثم ذكر بعد ذلك ما ينبغي لطالب العلم أن يحرص عليه.

    وذكر كذلك الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر مقدمة عن العلم وأهميته، ثم ذكر فيها، قال: فإذا علم العاقل أن العمر قصير، وأن العلم كثير، قال: فقبيح بالعاقل الطالب لكمال الفضائل أن يتشاغل مثلاً بسماع الحديث ونسخه ومتعلقاته وغيره ثم لا يحفظ القرآن.

    ونختم بكلام للخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، قال: وينبغي لطالب العلم أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل؛ إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم، أي: أنه أهم ما يبدأ به طالب العلم.

    ولست بصدد كيفية قراءة وحفظ القرآن وآدابه ومتعلقاته، فهذا له وقت آخر، لكني أحببت أن أنبه على الأدب الذي هو أنه ينبغي لكل شخص منا أن يكون حريصاً على حفظ القرآن، وأن يجعله هو الأصل والقاعدة التي ينطلق منها.

    وقد ذُكر أن بعض مشايخنا وليسوا من المعاصرين ولكنهم قد توفوا رحمهم الله، وأظن أن من أقربهم هو مفتي هذه الديار الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فإنه كان إذا جاء الطالب يريد أن يطلب العلم لديه سأله: أحفظت القرآن أم لا؟ فإن كان حافظاً أجلسه مع الطلاب، وإن لم يكن حافظاً قال: انطلق فاحفظ القرآن ثم تعال فاجلس مع إخوانك من طلاب العلم، وهذا أدب كان يحرص عليه السلف، وينبغي أن يكون نصب أعيننا، وأن نجاهد النفس في تحصيل حفظ كتاب الله تعالى.

    1.   

    أقسام التوسل الممنوع

    ذكر العلماء أن التوسل الممنوع محرم، وحرمته تتراوح بين درجات قد يصل بعضها إلى كفر الإنسان، وقد يكون بعضها من الأمور المبتدعة، فمن توسل بالأصنام لأجل أن تشفع له عند الله فلا شك في كفره وردته، لكن التوسل الذي وقع الخلاف فيه هو ثلاثة أنواع:

    الأول: التوسل بذوات الأشخاص، وهو أن يقول الإنسان: اللهم إني أتوسل إليك بفلان، ويقصد به ذاته، أي: ذات هذا الشخص، كصاحب عبادة أو صلاح أو استقامة، أو دعوة مستجابة، أو أعمال صالحة .. إلى غيره، فيأتي يقول: اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تغفر لي، أو أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي.. إلى غير ذلك، وهذا التوسل لا يجوز، بل هو من التوسل البدعي المحرم.

    التوسل الثاني: التوسل بجاه فلان أو حقه.

    والجاه: هي المنزلة، أو أن يكون لهذا الشخص حق عند الله تعالى، ولذلك يتوسل بحق هذا الشخص وبمنزلته، كأن يقول: بجاه محمد، تجد بعض الناس اعتادوا هذه الكلمة، فيريد أن يطلب منك، فكأنه يعظم هذا الأمر في نفسه وفي نفسك، ويقول: بجاه محمد لا تردني عن هذا الطلب.

    فنقول: هذا من التوسل البدعي المحرم الذي لا يجوز، والجاه: هي المنزلة والحق والمكانة، وهذا الأمر ليس جائزاً عندنا أبداً.

    القسم الثالث: الإقسام على الله بالمتوسل به، وهو أن يقول: اللهم إني أقسم عليك بفلان أن تقضي حاجتي، وهذا لا شك أنه لا يجوز؛ لوجود الأمر الأول وهو أنه حلف بغير الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) والأمر الثاني: أنه توسل بدعي لا يجوز شرعاً إطلاقاً.

    والأدلة على بيان أن هذا الأمر غير جائز، نحن نتساءل: حين ذكرنا سابقاً وقعدنا أن التوسل هو تقرب إلى الله، والأشياء التي نتقرب بها إلى الله هي نوع تعبد، والأصل في العبادات التوقيف ولابد من نص، فهذا الآن كأنه يتعبد إلى الله تعالى بشيء لم يوجد عليه دليل من كتابٍ ولا سنة، هل يوجد نص يدل على جواز التوسل بالذات أو بالمكانة أو الجاه أو بالشخص أو الإقسام؟

    لا، وبناءً عليه نقول: هذا التوسل بدعي.

    الأمر الثاني: أننا لا نجد أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعملون مثل هذا العمل، ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الفرقة الناجية قال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) ربطنا بالصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أعظم مثال لتطبيق هذا الدين، فإذا لم يأتِ نص من كتاب ولا سنة، ثم إنه كذلك لا يوجد له من فعل الصحابة شيء، دل على أنه محدث، كما أننا نقول في قضية: أسألك التوسل سواء بالذات أو بغيره كأن تقول: بهذا الشخص أعطني، فما الرابطة بين دعائك وبين ذات الشخص، أو بجاهه ومنزلته، كون الإنسان له منزلة عند الله تعالى كمحمد صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين فلهم منازل عند الله، ما وجه الرابطة بين سؤالك وبين منزلتهم؟

    لا رابطة بينهما أصلاً.

    لكن لو جاء إنسان وقال: اللهم إنك تغفر لأوليائك وتعفو عنهم وتعطيهم الجنات العليا، اللهم إني أسألك أن تعطيني أجراً وثواباً وتغفر لي، فهذا جائز؛ لأنك أخبرت بفعل لله تعالى، وكأنك قدمت شيئاً من أسماء الله وصفاته وهذا أمر مشروع، فدل على أن التوسل البدعي هي الأنواع الثلاثة.

    السؤال هنا الذي يأتي: عندما قال المؤلف رحمه الله:

    ومودة القربى بها أتوسل

    هذا التوسل من أي أنواع التوسل؟

    الجواب: من التوسل الجائز، توسل بالعمل الصالح مثلما تقول: اللهم إني أحب أولياءك وأحب دينك، وأحب ما جئت به من شرعك فاغفر لي، مثلما نقول: نحن نحب هؤلاء الصالحين، ونحب رسولك، ونحب قرابة نبيك صلى الله عليه وسلم، فنسألك أن ترزقنا بهذه أجراً وثواباً من عند الله تعالى.

    1.   

    حكم سب الصحابة

    قبل أن نختم مسألة الصحابة أومئ إيماءة سريعة في قضية: ما حكم من سب أحداً من الصحابة؟ هل يكفر؟ هل يقتل؟ هل يعتبر مبتدعاً؟ هل يعزر.. أو غيره؟

    حكم سب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

    بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فقضية عائشة رضي الله عنها جعلت مفاصلة، فمن تعرض لـعائشة رضي الله عنها واتهمها بما برأها الله منه فلا شك في ردته وخروجه من الإسلام، والسبب في ذلك: لأن الله أنزل في براءتها عشر آيات في سورة النور، وبين الله سبحانه وتعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] كأنه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب فلم تكن عنده زوجة إلا طيبة، ومن قدح فيها كأنه قدح في محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بالنقص، بل كذب الله ورسوله.

    وجاءت مسألة: من قدح في إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان تعرض لمسألة العرض فهذا لا شك أن كالقدح في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهذا قد أومأ إليه جمع من العلماء رحمهم الله تعالى كـابن حزم وكـالخرشي في شرحه على مختصر خليل ، وكذلك ابن قدامة في المغني ، وكذلك في شرح إعلاء السنن وغيره والقاضي عياض نقل عن الباقلاني وجمع، والخطيب البغدادي، ذكروا فيما يتعلق بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن لهن المنازل العليا.

    حكم تكفير جميع الصحابة

    مسألة: إذا سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً وحكم بارتدادهم وبكفرهم، قالوا: فإن هذا يعتبر ردة عن الإسلام، والسبب: أن الله أثنى عليهم في غير ما آية: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] وشهد لهم بجنات عدن في غير ما آية، وشهد لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فكأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ذكروا هذا في مسألة الردة.

    حكم وصف الصحابة عموماً بالصفات الذميمة

    مسألة: إذا اتهم الصحابة بالصفات الذميمة، وقال: إن أصحاب محمد جبناء، وبخلاء، ووصفهم بصفات النقص بالجملة، قالوا: هذه ردة، ولذلك لما ذكر الله تعالى عن حال المنافقين، لما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء، كأنهم يقولون: إذا جاءت الموائد هم أسرع الناس، وإذا جاءت المعارك هم أجبن الناس، فأنزل الله فيهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] ولعل السبب في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه أنه رضي عنهم، ووصفهم بصفات عظيمة جداً في عبادتهم وشجاعتهم وجهادهم وتضحيتهم وبذل أموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فمن لمزهم وسخر منهم أو انتقصهم على وجه العموم فكأنه بهذا يكون مكذباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

    هناك نصوص كثيرة في مسألة القدح في الصحابة، ذكر العلماء النقود التي نقد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نجعلها على أقسام:

    القسم الأول: التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدهم قالوا: وهذا لا يخلو من أمور متعددة:

    الأول: الشتم له، وهذا لا شك أنه يعتبر شتم واحد من الصحابة، كأن يقول: فلان بخيل، فلان ليس بكريم، أو عنده صفة الجبن .. صحابي، فهذه كبيرة من الكبائر.

    لكن إذا حكم بها على الصحابة جميعاً فهذا يعتبر كفراً، والسبب: لأنه تكذيب للنصوص الواردة.

    قالوا: وإن كان التعرض له بدينه، أي: تعرض للصحابة رضي الله عنهم بالدين سواء بالكفر أو النفاق أو الردة، فلا يخلو إما أن يكون هذا الصحابي ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، قالوا: هذه ردة عن الإسلام، لكن إذا كان رماه بالموبقات وبالمعاصي، ولم يكن ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فهذا يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب.

    القسم الثالث: إذا تعرض لجمهور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذه المسألة للعلماء فيها أقوال، فمن العلماء من يكفره، ومن العلماء من لا يكفره، لكن الأظهر أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق فإنه يكفر، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاجه : أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنهم ارتدوا ما عدا ثلاثة أو غيره، فإن هؤلاء يعتبرون كفاراً؛ لأنهم كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا ما يتعلق بما ينبغي علينا تجاه الصحابة رضي الله عنهم.

    1.   

    مناسبة ذكر القرآن بعد الكلام على الصحابة

    ذكر المؤلف رحمه الله تعالى مسألة القرآن فقال:

    وأقول في القرآن ما جاءت به     آياته فهو القديم المنزل

    وجميع آيات الصفات أمرُّها     حقاً كما نقل الطراز الأول

    وأرد عهدتها إلى نقّالها     وأصونها من كل ما يُتخيل

    بعد أن بين شيخ الإسلام رحمه الله تعالى منزلة الصحابة وأنهم يحبون جميعاً، وأن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم المنازل العليا، وبين أن أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم لهم منازل ورتب كما أن الرسل عليهم الصلاة والسلام فضل الله بعضهم على بعض: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم مراتب ومنازل، ثم بين أن أعلاهم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقلنا في منازل الصحابة أن أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ثم الخلفاء الثلاثة، ثم العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان، ثم أهل أحد ، ثم من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بجنات عدن ما عدا العشرة المبشرين بالجنة، ثم من لهم سابقة إلى الإنفاق ومن أسلم من بعد رضي الله عنهم وأرضاهم.

    ثم انتقل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى قضية التوحيد، فإنه قعد لنا قاعدة في الصحابة، وذكرنا السبب في ذلك؛ لأن الصحابة هم نقال هذا الدين؛ ولأن مسألة الصحابة هي من أوائل المسائل التي حدث الخلاف فيها، ولذلك كانت نواتها في عهد عثمان رضي الله عنه وفي عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره.

    ثم انتقل الآن إلى مسألة التوحيد وربطنا بمسألة القرآن، والقرآن هو كلام الله تعالى، قبل أن نتكلم على قضية القرآن أود أن أذكر: لماذا ذكر القرآن بعد قضية الصحابة؟

    نقول: القرآن هو كلام الله تعالى، وتعتبر مسألة الكلام من أعظم المسائل التي وقع الخلاف فيها، بل هي من أكبرها، ووقع النزاع فيها، ووقعت الفتنة بها في القول بخلق القرآن، حيث قامت المعتزلة بفتنة عمياء وأوذي عدد كبير من أئمة أهل السنة بسببها.

    ولذلك تميز الإمام أحمد بموقفه رضي الله عنه ورحمه من هذه الفتنة العظيمة، وكانت من المسائل التي تقتضي المفاصلة، كما أن من مسائل المفاصلة عندنا الصحابة رضي الله عنهم، فإذا أردت أن تعرف هل هذا سني أم مبتدع فانظر موقفه من الصحابة، فإن كان يقدح في آل بيت النبي عرفت أنه خارجي، وإن كان يقدح في أبي بكر وعمر عرفت أنه رافضي، وهكذا نفس مسألة الكلام، فإنك إذا علمت أنه قال: القرآن مخلوق، عرفت أنه معتزلي، أو قال: إن القرآن كلام نفسي عرفت أنه أشعري، وسيأتي ذكر شيء من الأقوال.

    وقبل أن ننطلق إلى مسألة الكلام أومئ إيماءة سريعة جداً إلى أقسام التوحيد:

    1.   

    مسائل متعلقة بتوحيد الربوبية

    ذكرنا سابقاً أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

    وسوف نذكر توحيد الربوبية ونأخذ فيه ثمانية عناصر:

    تعريف الربوبية في اللغة والاصطلاح

    العنصر الأول: في تعريف الرب:

    الرب في اللغة له معانٍ، يقتضي المالك، والمتصرف، والمدبر، والسيد، ولفظ الرب لا يطلق على الإله وحده، ولذلك قال جد النبي صلى الله عليه وسلم: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، ولذلك يقال للإنسان: هذا فلان رب أسرة.

    أما في الاصطلاح: فيأخذ معنى التنشئة والنمو، ولذلك يقال: هذا يربي أسرة أي: ينميها، ويقال: هذا يربي غنماً وهذا يربي دجاجاً وهذا كذا، أي: يحرص على تنشئتها وتنميتها، والإحسان إليها وإطعامها وغير ذلك.

    أما تعريفه في الاصطلاح: فهو إفراد الله بأفعاله، أي: بأفعال الرب سبحانه وتعالى، وقوله: أفعاله لتشمل جميع أفعال الله تعالى: الخلق .. الرزق .. الإحياء .. الإماتة .. التدبير....

    ومنهم من يعرفه فيقول: هو الإقرار والاعتراف بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المصرف لهذا الكون وحده لا شريك له، بمعنى: أنه لا يشركه في أفعاله أحد أبداً، الإحياء لا يشركه فيها أحد، الإماتة لا يشركه فيه أحد، الرزق لا يشركه فيه أحد، التصريف في هذا الكون لا يشركه فيه أحد أبداً، فمن أوجد شريكاً مع الله في ربوبيته لم يكن موحداً لله تعالى.

    أدلة توحيد الربوبية

    أدلة الربوبية كثيرة جداً في القرآن، بل إنها من الأمور التي يشعر بها الإنسان في ذاته، وقد دل عليها الكتاب والسنة والفطرة والعقل، والأعرابي في الجاهلية يقول: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل على اللطيف الخبير؟!

    نقول: بلى.

    وقال الشاعر:

    وفي كل شيء له آية     تدل على أنه واحد

    بل نجد أعظم من ذلك أن الله قد أعطانا لفتة فقال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] في نفسك أنت فقط تعرف أنك لا تستطيع شيئاً، ولهذا لو نظر الإنسان إلى مثال بسيط، من يزور مثلاً أصحاب مرض الكلى، تجده يدخل جهازاً ضخماً جداً ويجلس أربع ساعات من أجل أن يغسل، ومع ذلك في جوفه قطعة لحم صغيرة جداً تقوم بهذه المهمة كاملة: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

    ومن اللطائف في قضية العقل، أن العقل مليء بالخلايا، وهذه الخلايا مخزونة بأشياء عجيبة جداً فمثلاً: تجد أن الإنسان وهو جالس يستذكر حدثاً منذ عشرين سنة مباشرة، ويتصوره مباشرة، كأنها أشرطة، قالوا: فلو أريد أن يركب في عقل، أي: يؤتى عن طريق الكمبيوتر الآن مثلما يعمله عقل الإنسان، قالوا: وجدوا أن شرائح الاسطوانات يمكن أن تملأ الكرة الأرضية في حجمها، فتجد الإنسان وهو جالس يسمع كلمة مباشرة يبتسم، يسمع كلمة يبكي، يسمع كلمة يتغير .. يغضب، انفعالات سريعة جداً، لكن إذا طلبت -مثلاً- جهاز كمبيوتر يحتاج يقول: انتظر الآن الجهاز يرد، الإنسان سريع سبحان الله العظيم: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

    إذاً: هذا دليل على قضية الربوبية، وأدلته في القرآن: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [العنكبوت:61].. فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].. إلى غيرها، وما كانت كفار قريش تقول: إن آلهتها هي التي تحيي وتميت، ولا تقول: إن آلهتها هي التي تدبر هذا الكون.

    ذكروا من الأدلة العقلية دليلاً عقلياً على ربوبية الله تعالى، ومن الأدلة ما أومأ إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] هل أنت خلقت من غير شيء؟

    ستجد الإجابة معروفة: أنني خلقت من شيء.

    أم أنا الذي خلقت نفسي؟

    أعرف بأني لم أخلق نفسي.

    لم يأتِ الجواب، كأنه يريد أن تستنتج هذا أنت بعقلك، فتعرف بأن الخالق لك هو الله وحده لا شريك له.

    ذكروا قصة مشهورة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أنه جاءه بعض الملاحدة، وكانوا ينكرون الرب، فقال: دعونا من مسألة الرب، أي: كونه موجوداً أو غير موجود، أريد أن أسألكم سؤالاً، وكان في العراق رحمه الله، قال: هناك سفينة على نهر دجلة تأتي إلى طرف الشاطئ وتحمل البضائع بدون أن يكون لها ربان، أي: قائد لها، ثم تنزل البضائع في الشاطيء من الجهة الأخرى وترجع دون أن يكون معها أحد، قالوا: هذا أمر مستحيل ولا يمكن تصديقه، قال: سبحان الله! سفينة صغيرة، وفي شواطئ نهر فقط، ويستحيل هذا الأمر، كيف بالكون كله، فبهتوا وأقروا بأن الله هو المدبر لهذا الكون وحده لا شريك له.

    ويضربون أمثلة على توحيد الربوبية وتفاصيله وغيره، كقول بعض الشيوعيين والدهريين والطبائعيين وغيرهم إن الأمر حدث بالصدفة، ولا يمكن أن يكون له إلهٌ ولا ربٌ، وهذا كلام باطل، ولهذا ضربوا بمثالين لطيفين: قالوا: لو قلنا بقضية الصدفة، فلو جئنا مثلاً بقرد وأعطيناه آلة كاتبه، ثم قلنا للناس: ضرب هذا القرد على الآلة الكاتبة، فأخرج لنا رسالة عظيمة جداً ولطيفة في مسائل في علمٍ من العلوم، قالوا: لا يمكن أبداً، كيف يكتب الحروف ويصيغها؟ قلنا: صدفة، قالوا: لا نصدق، قلنا: سبحان الله!! الكون كله تقولون: صدفة بنظامه، وله مئات السنين بل آلاف السنين، والله قد جعل له سنناً كونية باقية فيه، تقولون: إنه صدفة، وهذا القرد لا يمكن أن يكتب صدفة، فدل على نقص عقولهم.

    ومن اللطائف الأخرى، قالوا: حدث أن مطبعة انفجرت، فطارت الحروف والأوراق ولصقت بالورقة وأخرجت لنا رسالة أو قصيدة جميلة جداً، وهذا حدث صدفة، قالوا: لا يمكن أبداً، فيقال: إذا لم يمكن هذا في ورقة وفي رسالة صغيرة، فكيف بهذا الكون العظيم البديع الذي دبره الله سبحانه وتعالى؟

    توحيد الربوبية بين الإقرار والجحود

    الربوبية لم ينكرها إلا طائفتان فقط، والأصل أنهم لم ينكروا الرب، ولهذا جاءت: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10] أفي الله شك؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38] وتأتي الآيات العظيمة جداً: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة:68-69].. أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [الواقعة:71-72].. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] أدلة كثيرة جداً لم يكن الكفار يقولون: نحن الذين خلقناها، أو يقولون: آلهتنا هي التي أوجدت هذا الشيء، مما يدل على أنهم كانوا مقرين ومعترفين بأن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف.

    ذكروا من الأمثلة على هذا المثال في قضية الذين كابروا هذا الأمر إما تعطيلاً وجحداً كحال فرعون، والله قد قال عنه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14] وفي قوله تعالى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102].

    كأنه الآن في قرارة نفسه مقر ولكنه مستكبر. ومن الذين جعلوا مع الله غيره في الربوبية كحال المجوس وكحال النصارى وكحال المعتزلة، فالمجوس قالوا: بإلهين، إله الظلمة وإله النور، والنصارى قالوا: إن عيسى عليه الصلاة والسلام له حق التصرف في هذا الكون، وأنه يحيي ويميت، والمعتزلة قالوا: إن الإنسان يخلق فعله، والله ليس خالقاً لأفعال العباد، وهذا الكلام باطل لا شك فيه.

    - ومن الذين أنكروا توحيد الربوبية: الدهريون الذين قالوا: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] ولذلك قال قائلهم: (أرحام تدفع، وأرض تبلع) ما عندنا شيء، نساء تحمل وتقذف ثم الأرض تبتلعها وينتهي الإشكال، وهذا الكلام باطل لا شك فيه.

    - ومنهم كذلك النمرود بن كنعان الذي قال لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] فقال إبراهيم بعد هذا: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة:258] وهذا ممن أنكر توحيد الربوبية.

    وفي عصرنا الحاضر يوجد الشيوعيون، ومن اللطائف أن الذين صعدوا القمر هم من روسيا وقالوا عندما نزلوا وقوبل معهم قالوا: علمنا أن هذا الكون له مدبر ولا يمكن أن يحدث صدفة، وبعده بأيام مباشرة قابلوا معهم فقالوا: صعدنا إلى الكون فما وجدنا إلهاً، خافوا أن يرجع الناس عن معتقد الشيوعية .

    ومن اللطائف أن الذين يعيشون في المراكب الفضائية قالوا: إنهم يرجعون بروحانيات وبتأمل وفكر عجيب في عقولهم، لما يشاهدون من عجيب صنع الله تعالى في الكون، وهذا لا شك أنه من العجائب.

    ولهذا ربطنا الله بلطائف: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] ذكر الليل والنهار واختلافهما، كلما كثرت هذه الأمور قوي عند الإنسان ترسيخ ربوبية الله تعالى، وإن كان سيأتي البيان أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم تبعث لتقرير الربوبية، وإنما بعثت لتقرير ألوهية الله تعالى.

    وعندما كان الشرك موجوداً وقد يقع في الأمم جاء في القرآن دليل على إبطاله، وهو قول الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91] الله يبين أنه لو كان للكون إلهان لكانت النتيجة: لانفصل كل إله بما خلق، كل إله يستقل: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حصلت خصومة في الكون، ونحن نتساءل: هل نجد نظام الكون منفصلاً أم أنه واحد؟

    الجواب: نجده واحداً.

    وهل نجد علو بعضهم على بعض؟

    الجواب: لا.

    إذاً.. الكون ليس له إلا رب واحد وإله واحد.

    نقول: الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالربوبية، وتفرده بالربوبية تفرد بالخلق، وهو سبحانه وتعالى يقول: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ [فاطر:3].. أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] وكما أنه متفرد بالملك والله يقول: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [المؤمنون:88] دل على أنه سبحانه وتعالى هو المالك لكل شيء، ولذلك قال مثنياً على نفسه: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] هل معناه: أنه يوجد هنا خالق غير الله؟ لا، وكذلك الذين يصورون يقال لهم يوم القيامة: (أحيوا ما خلقتم) هل خلقهم مثل خلق الله؟ لا يمكن أبداً، فلا شك أن هذه إطارها صغير، وأما بالنسبة لما يتعلق بالله فإنه هو المدبر لكل شيء.

    يجب أن نعلم قاعدة وهي مهمة جداً: توحيد الربوبية ليس مطالباً به أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، وليس الإقرار هو للعرب في الجاهلية وحدهم، بل إن الأمم السابقة كانت مقرة به، قوم نوح مقرون به، ولهذا جاء في سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] ما اعترض قوم نوح على نوح فقالوا: آلهتنا هي التي تعمل هذه، بل هم معترفون بأن الله هو الذي يعمل تلك، يرسل السماء مدراراً، ويمددهم بأموالٍ وبنين، ويجعل لهم جنات وأنهاراً، هو سبحانه وتعالى المدبر وحده، ولهذا فإن الأمم السابقة مقرة بربوبية الله تعالى، وإنك إذ تقرأ قصة أي نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام في القرآن تجد الإيماء لقضية الربوبية.

    نصل إلى نتيجة فنقول: إن توحيد الربوبية غلت فيه طوائف المبتدعة، فتجد أهل الكلام والنظر والصوفية يركزون على توحيد الربوبية تركيزاً عظيماً جداً، ويرون أنه هو التوحيد الذي خلقت من أجله الخليقة، وهو الذي بعثت به الرسل، والعجب أنهم يفسرون لا إله إلا الله تفسيراً بربوبية الله إذ يقولون: لا مخترع إلا الله، وهذا الكلام باطل لا شك فيه، ووجه بطلانه: أن مشركي العرب كانوا مقرين بربوبية الله تعالى، والدليل على ذلك: إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65] وكذلك من الأدلة بل أعظم دليل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] وجاءت الآيات التي: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ [الواقعة:68].. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [الواقعة:58].. أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الواقعة:71] خطاب لمن؟

    للعرب في الجاهلية وللمشركين، ومع ذلك لم يعترضوا أبداً على ربوبية الله تعالى، وهم إذا أصابتهم الشدائد لجئوا إلى الله في كشف أمراضهم، وما أصابهم منه، مما يدل على أنهم مقرون بربوبية الله، ومع ذلك لم يفدهم شيئاً، قاتلهم النبي، وسبى النساء، وأخذ الأموال وغنمها صلى الله عليه وسلم ولم ينظر إلى قضية الربوبية، ولهذا نقول: إن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم يرسلوا لتقرير ربوبية الله تعالى، كما أن الشرك في الربوبية لم يكن كثيراً، وإنما كان الشرك في إلهية الله تعالى.

    لعلي ذكرت لكم قصة نقلت عن أحد أئمة أهل الكلام عندما مر في الطريق وقال لامرأة: إنه يحفظ ألف دليل على وجود الله تعالى، قالت المرأة: لو لم يكن في قلبه ألف شك ما احتجنا إلى ألف دليل على وجود الله تعالى، فالله موجود، ولا يحتاج إلى كثرة أدلة على إثبات وجوده وربوبيته تعالى.

    يقول العلماء رحمهم الله: إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، والآيات التي ترد في ربوبية الله تعالى كلها إنما ترد ليس ليبين للناس أن الله هو الخالق الرازق المدبر لأنهم يعرفونه، وإنما لينقل من الربوبية إلى الألوهية، والدليل على ذلك، ما ذكره الله في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:21-22] كل هذه ربوبية، جاءت بعدها: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً [البقرة:22] جيئت المقدمة ليبين للناس أن الواجب أن يذكروه، وجاءت الآن في الآيات التي تقرر الربوبية (أَفَلا تَتَّقُونَ).. (أَفَلا تَعْقِلُونَ).. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) كله، لماذا لا تأخذون بألوهية الله تعالى؟

    أومأ ابن القيم إيماءً لطيفاً أظنه في الوابل الصيب ، وأربطه بمثال واقعي، لما طلب الله من عيسى عليه الصلاة والسلام أن يبلغ بني إسرائيل، وذكر من اللطائف هنا في مسألة النقل من الاستلزام كحال من استقدم رجلاً أو موظفاً عنده أو سائقاً، نحن إذا استقدمنا سائقاً يحتاج أن تؤمن له السكن، أن تؤمن له مكيفاً، أن تؤمن له فراشاً، أن تؤمن له موقعاً، تخرج له إقامة، تصرف له تذكرة.. إلى غيره حتى توصله، النتيجة أن هذا السائق بعد أن جاء ودخل الغرفة وسكن، من الصباح أخذ يضرب بيوت الجيران، ويقول: هل عندكم أحد أوصله ما عندي مانع، وترك صاحب الدار الذي استقدمه وتعب عليه، ستجد الناس يقولون: سبحان الله! غريب هذا، رجل يتعب من أجله وآخر الأمر يذهب إلى غيره، هذا غلط باتفاق العقلاء، فنقول: إذا كان هذا في أمر يسير، فكيف بالله الذي أعطاك النعم من صحة وحواس وأوجدك ودلك على الخير، ثم يصرف لغير الله تعالى من العبودية، لا شك أن هذا يعتبر جهل.

    ذكر العلماء أن ضد توحيد الربوبية أمران:

    الأول: إنكار الله بالكلية وإنكار الرب، كحال الشيوعيين والدهريين وغيرهم.

    الثاني: إيجاد شريك مع الله تعالى في ربوبيته فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا شك أن هذا يعتبر ضد توحيد الربوبية.

    1.   

    مسائل متعلقة بتوحيد الألوهية

    تعريف توحيد الألوهية

    أما توحيد الألوهية فقالوا: إن الإلهية نسبة إلى الإله بمعنى: المعبود، وقالوا: إن أصلها مأخوذ من أله يأله إلهة وألوهة، وهو بمعنى: عبد، ويؤخذ منها معنى التذلل والخضوع، نجد أن الإله اسم يطلق على المعبود بحق وبغير حق، بخلاف لفظ (الله) فإنه مختص بالمعبود بحق، ولا يجوز أن يطلق على أحد كائناً من كان، ولهذا قالوا: إنه علم على الذات الإلهية.

    توحيد الألوهية هو: إفراد الله بأفعال العباد، وقيل: هو إفراد الله بالعبادة، هذه عبادة الأفعال عامة، وجاءت أفعالي كما في قوله تعالى: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي [الأنعام:162] جاءت وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] حياتي كلها أعمال.

    إذاً.. كل ما عندي يجب أن يكون لله تعالى من الأعمال.

    الغاية من إرسال الرسل

    توحيد الألوهية لا شك أنه التوحيد الذي بعثت به الرسل، وأنزلت من أجله الكتب، ومن أجله خلقت الجنة والنار، ومن أجله خلقت الخليقة كلها، كما في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    وسبحان الله! هذا التوحيد هو الذي وقع النزاع فيه بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين أممهم، ونجد أنه ما من نبي إلا ويأتي إلى قومه فيقول لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85].. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73].. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

    يعتبر توحيد الألوهية أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول واجب على المكلف، وآخر ما يخرج به الإنسان من الدنيا.. إلى غيره.

    ذكرنا أن الأصل في البشرية هو توحيد الله، والله خلق آدم وذريته على التوحيد، ولذلك جاء في الحديث القدسي: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) وأول شرك وقع في البشرية هو في ألوهية الله تعالى، ولذلك قوم نوح عبدوا القبور والتماثيل التي كانت لرجال صالحين، ومع ذلك وقع الانحراف فأُرسل نوح عليه الصلاة والسلام لأجل هذا.

    وضد توحيد الألوهية صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله تعالى، سواء كانت ذبحاً أو نذراً .. أو غيره، أو صرف العبودية كلها لغير الله تعالى، وهذا لا شك أنه أخطر شيء.

    أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الألوهية

    ورد في القرآن أساليب الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن الأساليب ذكرنا في توحيد الربوبية شيئاً منها، قالوا: سوق آيات الربوبية في الخلق والتدبير والملك والحفظ لتقرير الألوهية، كما ذكرنا في الآية التي في سورة البقرة.

    ومن الأساليب في الدعوة إلى توحيد الألوهية التنديد بما يتخذه الكفار من آلهة من دون الله تعالى، وإظهار حالها من العجز: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الأعراف:191] كأنه يندد بآلهتهم أنها لا تستحق شيئاً: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف:192-193] كل هذا بيان أنها لا تستحق شيئاً ولا لها تصريف أبداً.

    ومن الأساليب كذلك: ذكر أسماء الله وصفاته، والله يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] فمن كان متصفاً بالصفات الحسنة وبالصفات العليا والأسماء الحسنى فهو المستحق لأن يعبد.

    ومنها كذلك: بيان حال العابدين يوم القيامة ممن عبد، وكذلك بيان حال الآلهة المعبودة من دون الله تعالى يوم القيامة، ولهذا بين الله سبحانه وتعالى حال العابدين: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنبياء:54].. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] إذاً.. لا يستفيدون من الآلهة شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة، إذاً.. آلهتكم لا تستحق أن تعبد أبداً بوجه من الوجوه.

    لما كان توحيد الألوهية هو أول دعوة الرسل كان جل الكتب التي تكتب في العقائد تركز على توحيد الألوهية، ولعل أعظم ما ألف إفراداً منفصلاً في توحيد الألوهية كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ويعتبر من أنفس الكتب التي ركزت على توحيد الألوهية، ولا يستغني عنه عصر ولا أمة، وإن كانت بعض الكتب التي ألفها بعض العلماء قد تكون ركزت على توحيد الأسماء والصفات؛ نظراً لانحراف معين، وكأن هذه تعالج جزئية، وبعضها ألفت في الرد على طوائف منحرفة، لكن كتاب التوحيد للشيخ محمد رحمه الله ركز تركيزاً عظيماً جداً على توحيد الألوهية، وينبغي لطالب العلم أن يحفظه، وأن يقرأه ويعلمه ويتعلم ما فيه من المسائل العظيمة، وأن يبلغها للناس.

    نجد أن الشارع احتاط لتوحيد الألوهية احتياطات عظيمة جداً، ونجد أنه نهى عن ألفاظ التعظيم كالحلف بغير الله، وكذلك نسبة الشيء لغير الله تعالى، ونُهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ونهي الإنسان عن شد الرحل، ونهي عن تجصيص القبور وإنارتها.. وغيره، كل هذا لسد الوسائل التي تؤدي إلى الوقوع في الشرك.

    ومنها كذلك: القيام للشخص القادم.. وغيره، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً) وإن كانت هذه المسألة فيها كلام لطيف جداً لشيخ الإسلام ابن تيمية.

    تعريف العبادة

    ما دمنا نقول: إفراد الله بالعبادة، فالعبادة في اللغة: هي الذل والخضوع، يقال: طريق معبد أي: مذلل وطئته الأقدام.

    وتعريفها في الشرع: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

    والأقوال الظاهرة مثل: قراءة القرآن، الذكر، التلبية.

    الأقوال الباطنة مثل: أول ما يرد على القلب من قضية التصديق يسمى قول القلب.

    والأعمال الظاهرة، مثل: الركوع والسجود والصيام والحج، والجهاد في سبيل الله.

    والأعمال الباطنة: مثلما يحدث للإنسان بعد قضية الورود من التمكن، ومن الأمثلة على ذلك: أنت إذ ترى شخصاً معيناً، تجد منذ أن تنظر إليه تشعر أن قلبك يميل إليه لخلقه وما عرف شيئاً من خلقه، لكنك وجدت رابطة بينك وبينه، قالوا: هذا أول وارد يرد على القلب، والنتيجة بعد أن تعرفت على هذا الشخص، ورأيت أخلاقه وأدبه وتضحيته وتفانيه وعبادته وصلاحه وطلبه للعلم، تجد أن قلبك يتفاعل.

    ولعل من الأمثلة البسيطة على قضية قول القلب وعمل القلب: نحن جلوس هنا، وسمعنا صوتاً مفزعاً، كأن يكون إطلاق نار مثلاً، ونحن جلوس ورد على القلب شيء، كل شخص ينظر إلى الباب، هل يدخل أحد أم لا يدخل؟ لكن بعد قليل دخل شخص مسرعاً، قال: انتبهوا ورائي الآن شخص يلاحقني، ماذا تكون النتيجة؟

    القلب يصبح على نفس الكلام الأول أم يزداد تفاعله؟

    يوجد تفاعل كبير جداً، يصبح القلب يخفق وكل واحد ينظر باب نافذة لكي يفك نفسه مخافة أن يصاب بسوء، قالوا: فهذا العمل وهذه الحركة تسمى عمل القلب.

    ويدخل في قضية العبادة حب الله ورسوله، ورجاء رحمة الله تعالى والخوف من عذابه، والتوكل عليه وغير ذلك، تدخل هذه كلها وتسمى من الأعمال الباطنة، والعبادة لا شك أنها هي الغاية المحبوبة والمحمودة والمرضية التي خلق الناس من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] لا شك أن العبادة من حيث هي أعم من كونها توحيداً عموماً مطلقاً، فكل موحدٍ يكون عابداً لله تعالى، وليس كل عابد لله تعالى يكون موحداً؛ لأن المشرك قد يعبد الله ويعبد غيره، يعبد الله فترة ويعبد غيره، لكن الموحد هو العابد لله حق العبادة.

    أصول العبادة

    ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن للعبادة أصولاً ثلاثة تنبني عليها:

    1- المحبة.

    2- الخوف.

    3- الرجاء، ومن لا توجد عنده هذه الأصول الثلاثة فإنه لم يعبد الله حق العبادة، ولذلك نقل عن بعض السلف رحمهم الله تعالى أن من عبد الله تعالى بالخوف وحده فهو خارجي حروري، ومن عبد الله تعالى بالحب وحده فهو صوفي زنديق، ومن عبد الله تعالى بالرجاء وحده فهو مرجئ، ولكن أهل الإيمان يعبدون الله تعالى بالمحبة والخوف والرجاء جميعاً، ويعتبر هذا هو السلفي السني، والله يقول في كتابه: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57] وفي قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

    أقسام العبادة

    تنقسم العبادة إلى أربعة أقسام:

    1- عبادة قلبية: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

    2- عبادة قولية: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23].

    3- عبادة بدنية: كالحج والصلاة وطلب العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلى غيره.

    4- عبادة مالية: مثل الزكاة، والصدقات، والذبائح، والنذور، وتجتمع العبادات الأربع في الحج وحده، فالحج فيه عبادة قلبية؛ لأنه قصد ونية، وفيه عبادة قولية وهي التلبية، وفيه عبادة عملية وهي الطواف، وفيه عبادة ماليه؛ لأن الإنسان يحتاج إلى نفقه في الحج.

    ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755972183