إسلام ويب

إلى الشبابللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للشباب مكانة عظيمة ومنزلة عالية، فهم فجر الإسلام وعمدة النصر، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاحتفاء بالشباب لصبرهم وجلدهم في الثبات على الدين، ولابد للشباب من وصايا، ومنها: لزوم القرب والارتباط بالعلماء، وتوسيع الفهم عن الله ورسوله، وفقه الواقع، وكيفية تغيير المنكر وضوابطه، ومحاسبة النفس أشد من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه.

    1.   

    مكانة الشباب

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وأيتها الأخوات الفاضلات! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته، ودار مقامته؛ إنه هو ولي ذلك ومولاه. أحبتي في الله! رسالة إلى الشباب. هذا هو عنوان محاضرتنا مع حضراتكم في هذه الليلة المباركة، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الجليل الكبير في العناصر التالية: أولاً: مكانة الشباب. ثانياً: الفهم عن الله ورسوله. ثالثاً: فقه التغيير. رابعاً: حرمة الدماء. وأخيراً: نصيحة محب.

    حفاوة النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب

    أولاً: مكانة الشباب: أحبتي في الله! إن كان شيوخنا وآباؤنا عقول الأمة التي تخطط وتفكر، فإن شبابنا سواعد الأمة التي تبني وتعمر، ولا يكون أبداً لعقل أن يأتي مجرداً دون أن يمشي على قدمين، ودون أن يقوى بساعدين، فالأمة لا تستغني أبداً عن شبابها، وأمة تستغني عن شبابها أمة خاذلة، وأمة خاسرة مخذولة. فلا غنى أبداً للشباب عن الشيوخ والآباء، ولا غنى أبداً للشيوخ والآباء عن الشباب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحفاوة بالشباب، فلقد أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين وهو سن اكتمال الشباب، وكان أبو بكر رضي الله عنه في الثامنة والثلاثين من عمره في ريعان الشباب. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان في السابعة والعشرين من عمره في ريعان الشباب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في العاشرة من عمره، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والأرقم بن أبي الأرقم وخباب بن الأرت وعبد الله بن الزبير ومصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وأسيد بن حضير هؤلاء وغير هؤلاء كانوا شباباً في ريعان الشباب، نصروا الدعوة من لحظاتها الأولى، وبذلوا عرقهم، بل وأرواحهم ودماءهم لنصرة هذا الدين. فأول سفير يتحدث باسم الإسلام خارج أرض الإسلام كان شاباً في ريعان الشباب في العشرينات من عمره، استطاع هذا الشاب بلغة لم ولن تعرف الدبلوماسية المعاصرة لها مثيلاً على الإطلاق استطاع هذا الشاب المبارك بعرضه لقضية الإسلام أن يضيء للإسلام شمعة في أرض مظلمة، واستطاع أن يشق للإسلام نهراً للحياة وسط صخور صلدة قاسية عاتية، إنه جعفر بن أبي طالب حين تحدث بين يدي النجاشي في بلاد الحبشة. وأول فدائي في الإسلام كان شاباً في الثالثة والعشرين من عمره حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وقد قدم روحه رخيصة لنصرة هذا الدين وللذود والذب عن سيد النبيين وإمام المرسلين، إنه الشاب الذي اضطر يوماً لأن يفخر فقال: محمدٌ النبي أخي وصهـري وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يمسي ويضحي يطير مع الملائكـة ابن أمي وبنت محمد سكني وزوجـي منوط لحمها بدمي ولحمي وسبطـا أحمد ولداي منهـا فأيكم له سهـم كسهمي إنه أسد الله الغالب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأول داعية يتحرك للدعوة خارج أرض الإسلام، بل ويضع النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه مصير الدعوة بأكمله كان شاباً في ريعان الشباب، إنه زهرة فتيان قريش، إنه لؤلؤة ندواتها، إنه غرة فتيانها، إنه قطب الرحى بين رجالها، إنه أعطر شبابها، إنه مصعب الخير مصعب بن عمير . وهذا شاب آخر يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسير لمناطحة الصخور الصماء في بلاد الروم لتأديب القبائل التي اعتدت على حدود الدولة الإسلامية، يوليه النبي قيادة الجيش المسلم، وتحت قيادته أكابر الصحابة كـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، إنه الحب بن الحب أسامة بن زيد رضي الله عنه. كانوا شباباً في ريعان الشباب، عرفوا الغاية التي من أجلها خلقوا، وعرفوا الوظيفة التي من أجلها ابتعثوا، وبذلوا أرواحهم رخيصة لنصرة هذا الدين. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحفاوة بالشباب، وشديد الحب للشباب، وشديد العناية بالشباب، فالشباب بلا نزاع هم مستقبل الأمة بإذن الله، الشباب هم أمل الأمة بعد الله تبارك وتعالى، فالشمس لا تملأ النهار في آخره كما تملأ النهار في وسطه وأوله، تلك هي مرحلة الشباب، ومرحلة الطاقة، ومرحلة الفتوة، ومرحلة العمل، ومرحلة الإرادة، ويجب على هذه الأمة أن تستغل شبابها، وأن توظف شبابها في وقت ذلت فيه الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير.

    أهمية الارتباط بين العلماء والشباب

    إنني أدين الله جل وعلا بأن أكبر جرم يرتكب في حق الشباب أن يحال بين الشيوخ والعلماء وبين الشباب، وشبابنا بطبعه يحب التدين، شباب الأمة بطبعه يحب التدين، بل لو انحرف يمنة أو يسرة إذا ذكر بالله بحكمة ورحمة وأدب وتواضع سرعان ما يعود باكياً إلى الله يردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]. أقول: إن لم يتعلم شبابنا في المساجد بتلك الطريقة بين الأنوار في وضح النهار وفي الضوء الساطع والواضح، إن لم يتعلم شبابنا في المساجد وهذا النور سيتعلم شبابنا في الظلام، وإن لم يتعلم شبابنا على سطح الأرض في بيوت الله سيتعلم شبابنا تحت الأرض في السراديب، وسيأتي علمهم مظلماً بظلام البيئة التي سيحرصون على التعلم فيها؛ لأنه حيل بينهم وبين الجلوس بين أيدي العلماء، وسيأتي علمهم منحرفاً انحراف السراديب التي سيتلقون فيها العلم بعيداً عن هذا الحق وهذا الوضوح، لا ينبغي أبداً أن نخشى من المساجد، ولا يجوز ألبتة أن نخاف من العلماء، فالعلماء صمام الأمان لهذه الأمة. ويجب على شبابنا أن يجلس بين العلماء الربانيين ليسمع منهم عن الله وعن رسول الله، وحذار ثم حذار أن يسمع شاب من شبابنا فتوى لعالم من علمائنا الربانيين فلا تصادف الفتوى هوى في قلب هذا الشباب من منطلق حماسه وإخلاصه لدين الله، فينطلق ليحكم على هذا العالم الرباني بأنه صار من علماء السلطان أو صار يبحث عن منصب وزاري أو منصب دنيوي، كلا كلا، فالأمر دين. فيجب على شبابنا الآن أن يراجع الربانيين من العلماء، ويجب على المشايخ والعلماء ألا يحتقروا الشباب، وألا يزدروا الشباب، وألا يظهر هنا أو هناك على فضائية أو أخرى من ينسب إلى العلم ليتكلم عن شباب الأمة الذي يود أن لو ضحى بدمه لنصرة دين الله تبارك وتعالى ليعلم سفلة الأرض أن محمداً ما مات وما خلف بناتاً، بل خلف أطهاراً يودون أن لو ضحوا بأنفسهم لنصرة دين الله. لا ينبغي أن يظهر رجل من أهل العلم على فضائية هنا أو فضائية هناك ليقول: (هؤلاء العيال!) إلى آخر هذه الألفاظ التي لا تليق بشباب يود -ورب الكعبة- أن لو بذل نفسه لدين الله تبارك وتعالى. الأمة لا غنى لها أبداً عن شيوخها وعلمائها ورجالها وشبابها، وآن الأوان في وقت تذل فيه الأمة وتهان، آن الأوان أن تلتحم الأمة وأن يلتحم الشباب مع العلماء، وأن يلتحم العلماء مع الشباب ليعلم العلماء الشباب من قرآن ربهم وسنة نبيهم بفهم سلف الأمة الصالح رضوان الله عليهم. هذا ورب الكعبة هو طريق النجاة، وهو المخرج مما يسمونه بالتطرف والإرهاب، لا مخرج إلا أن يجلس العلماء مع الشباب، وإلا أن يحترم العلماء والشيوخ الشباب، وأن يحترم في الوقت ذاته الشباب العلماء، وأن يجلس الشباب بين أيدي العلماء ليتعلموا منهم قول الله.. وقول رسول الله بفهم سلف الأمة عليهم جميعاً رضوان الله.

    نتيجة انحراف الشاب عن الدين والعلماء

    هذه النعمة -أقصد الشباب- إن ابتعدت عن العلماء وابتعدت عن الدين غرقت في بحور الشهوات، وإن انحرف الشباب عن الفهم الصحيح للدين على مراد الله ومراد رسول الله بفهم الصحابة سقط في شباك الشبهات. أقول: إن ابتعد شبابنا عن الدين غرق الشباب في بحور الشهوات، وإن انحرف الشباب عن الفهم الصحيح للدين على مراد الله ورسوله بفهم السلف سقط شبابنا في شباك الشبهات، ولا يخفى على أحد أن كثيراً من شباب الأمة الآن غرق في بحور الشهوات، وسقط في شباك الشبهات، لماذا؟ لأن شبابنا ينشأ الآن ويربى في ظل جملة هائلة من المتناقضات والأزمات والمشكلات، ولأنه قد انصرف عن العلماء أو حيل بينه وبين العلماء، فصار يعيش في بحر لجي من الفتن، فتن الشهوات والشبهات. ظلمات من الفتن بعضها فوق بعض، بل إذا أخرج الشاب يده لم يكد يراها، بل إذا امتدت إليه يد متوضئة طاهرة فاهمة واعية -تفهم الواقع والدين بفهم دقيق ووعي عميق- لتنقذه من هذا الغرق المحقق في بحور الشهوات أو في شباك الشبهات جذبته أيادٍ أخرى كثيرة لكثرة الأعداء المتربصين بشبابنا ممن لا يريدون لهذا الشباب أن يتربى على القرآن والسنة. مؤامرة تدور على الشبـاب لتجعله ركـاماً من تـراب مؤامرة تقول لهم تعـالوا إلى الشهوات في ظل الشراب شيوعيون جذر من يهود صليبيون في لؤم الذئاب تفـرق شملهـم إلا علينـا فصـرنا كـالفريسة للكلاب

    1.   

    الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

    أهمية العلم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم

    أقول: إن انحرف الشباب عن الدين غرق في بحور الشهوات، وإن انحرف عن الفهم الصحيح للدين سقط في شباك الشبهات، وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز، الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أيها الشباب! من سلك طريقاً بغير دليل ضل، ومن تمسك بغير الأصول زل، والدليل المنير لنا في كل هذه الظلماء، والأصل العاصم لنا بإذن الله من كل هذه الفتن والأهواء هو العلم بفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ترجم الإمام البخاري في كتاب العلم باباً بعنوان: (باب العلم قبل القول والعمل). يجب عليك ألا تتكلم في دين الله تبارك وتعالى إلا بعد أن تتعلم، فضلاً عن أنه يجب عليك ألا تتحرك خطوة واحدة على الطريق لدين الله جل وعلا إلا بعد أن تتعلم. أخاطبك -ورب الكعبة- بكياني كله: حماسك وحده لا يكفي، وإخلاصك للدين وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون حماسنا وإخلاصنا منضبطين بضوابط القرآن والسنة بفهم سلف الأمة؛ حتى لا نضر ونحن نريد النفع، وحتى لا نفسد ونحن نريد الإصلاح، فالأمر دين ندين به ربنا تبارك وتعالى. فالفهم عن الله ورسوله، لا تتكلم إلا بعد أن تتعلم، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بأمرين، فبدأ بالعلم وثنى بالعمل. قال: وقدم الله العلم على العمل لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قول وعمل. ثم يترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب العلم باباً آخر من أفقه أبواب هذا الكتاب، بل ورحم الله من قال: (فقه البخاري في تراجمه)، فترجمة الإمام تحمل فقهاً غزيراً قبل أن تقرأ ما دونه. يترجم باباً آخر في كتاب العلم بعنوان: (باب الفهم في العلم)، فلا تعجل حتى تفهم الدليل، فالدليل ليس منتهى العلم! الدليل ليس منتهى العلم! تقول: الدليل في البخاري ومسلم -على رأيك-. وهذا كلام في عيني وفي قلبي، لكن لا تعجل حتى تفهم الأدلة ومراتب الأدلة ومناطات الأدلة؛ حتى تكون على بصيرة بالمجمل والمبين، بالعام والخاص، بالناسخ والمنسوخ، حتى تكون على بصيرة بالمصالح والمفاسد، حتى تكون على بصيرة بواقعك الذي أنت تعيش فيه، ثم بالأدلة الشرعية التي ستنسحب على واقع هذه المسألة التي تود أن تبحثها أو تدرسها. (باب الفهم في العلم)، ويروي الإمام في هذا الباب حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، قال الحافظ ابن حجر: أي يفهمه.

    عاقبة سوء الفهم عن الله ورسوله

    وأنا أقول: والله العظيم ما ضل من ضل ولن يضل من يضل إلا بسبب سوء الفهم لمراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله: سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديماً وحديثاً، وأصل كل خلاف في الأصول والفروع. ثم قال ابن القيم : وهل أوقع القدرية -النفاة منهم والجبرية- والمرجئة والخوارج والمعتزلة والروافض وسائر طوائف أهل البدع فيما وقعوا فيه إلا سوء الفهم عن الله ورسوله؟! فالخوارج قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في حقهم: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم)، وأرجو أن تتصور أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً عليهم رضوان الله يحقر أحدهم صلاته إلى صلاة رجل من الخوارج، كانت جباههم كركب المعز من طول السجود بين يدي الله جل وعلا، ومع ذلك قال النبي في حقهم: (هم كلاب أهل النار) لماذا؟ إنها قضية الفهم. مر عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت -رضوان الله عليه وعلى أبيه- مع امرأته، فسأل الخوارج عبد الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان الخوارج قد كفروا علياً بدعوى أنه حكم الرجال في كتاب الله، والله جل وعلا يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57]. فانظر كيف يستشهد هؤلاء بالآيات، فلما سألوا عبد الله بن خباب عن علي أثنى عليه بما هو أهله، وأنا أود أن أقول: إننا ندين الله ونتقرب إلى الله مع كل نفس من أنفاس حياتنا بحب علي وحب آل بيت الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، نعم نحب علياً ونحب آل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة جميعاً يدينون الله بذلك، والقضية لا تحتاج إلى مزايدات على الإطلاق. فلما أثنى عبد الله على علي قتله الخوارج وذبحوه كما تذبح النعجة، ثم سألوا امرأته عن علي فأثنت عليه بما هو أهله فذبحوها كما تذبح النعجة وبقروا بطنها واستخرجوا جنينها من بين أحشائها ، ومر هؤلاء المجرمون وأيديهم ملطخة بدماء عبد الله وامرأته على حائط للنخيل سقطت بعض تمراته خارج أسواره، فانحنى أحدهم ليلتقط تمرة ليأكلها، فقالوا: مه مه. ماذا تصنع يا رجل؟! كيف تستحل لنفسك تمرة لم يأذن لك صاحبها؟! وأيديهم ملطخة بدماء عبد الله بن خباب وامرأته. فسوء الفهم عن الله ورسوله قضية من أخطر القضايا. وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة بسند صححه شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع من حديث جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم وعن جميع أصحاب سيدنا رسول الله قال: (كنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: لا ما دمت تقدر على الماء)، وأنا أقول: استدلوا بدليل صحيح؛ لأن القاعدة المتفق عليها تقول: (إذا وجد الماء بطل التيمم)، فـ(بطل) -بفتح الباء- معناه: لا يصح لك أن تتيمم وأنت تقدر على الماء، (فاغتسل الرجل فمات)، فهم أخذوا دليلاً عاماً لمناط خاص فقتلوا الرجل، هذه هي المصيبة، أن يفتي من يفتي دون فهم مناطات الدليل التي لابد منها للربط ربطاً صحيحاً بين دلالات النصوص وحركة الواقع، (فاغتسل فمات، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال). كم قتل الجهل أناساً بدون حق؟ وكم يقتل؟ وكم سيقتل الجهل أناساً بدون حق؟ (ألا سألوا إذ لم يعلموا). يا أخي! القضية ليست هوى، بل هي قضية دين، والقضية ليست عواطف بل هي قضية دين، يجب أن تسأل نفسك: هل ربي يأمرني بذلك أم لا؟ هل نبيي يكلفني بذلك أم لا؟ هل ديني يأمرني بذلك أم لا؟ هذا هو المنطلق الذي يجب أن ننطلق منه، لا ينبغي أن تؤثر فينا خيانة أعدائنا ونقض أعدائنا لعهودهم لنخون نحن أو لننقض العهود، أبداً، فالأمر دين. جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، يقول حذيفة أمين السر النبوي: (ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي حسيل إلا أننا خرجنا -يعني: للقتال مع النبي صلى الله عليه وسلم- فأخذنا المشركون -قبض المشركون عليهما- فقالوا: أتريدون محمداً؟ قال حذيفة: فقلت: لا) فالحرب خدعة، والكذب في الحرب جائز بنص حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الصحيحين، فقال: (لا، ما خرجنا للقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة : فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وألا نقاتل مع رسول الله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال: انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم). هذا محمد صلى الله عليه وسلم يا شباب! هذا إسلامنا يا شباب! نعلنها ورؤوسنا تعانق كواكب الجوزاء، نقول: هذا إسلامنا ولا نخجل أبداً، بل نقول بملء الفم: نحن مسلمون ولا نخجل، ومع كل قولة في ديننا ومع كل أمر ونهي نردده ونقول: مسلمون لا نخجل. ونعلن للدنيا كلها قول ربنا: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، فليهلك من هلك، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا.. [الكهف:29] الآيات، ونعتز بهذا الدين. فالفهم الفهم، لقد قال صلى الله عليه وسلم في تلك القضية: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العي -والعي هو الجاهل- السؤال)، فلا تخجل أخي أن تسأل، بل يجب عليك أن تراجع العلماء، ولا ينبغي للعالم أن يتجرأ على الفتوى في المسائل التي لو عرضت -والله- على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر. أقول -وقد صرحت بذلك في أكثر من لقاء-: هنالك مسائل يتصدر للفتوى فيها الآن عالم أوحد أرى ألا تخرج هذه الفتوى إلا من المجامع الفقهية، لاسيما إذا كانت الفتوى متعلقة بمسألة من المسائل النوازل الكبار.

    1.   

    فقه التغيير

    قضية الفهم عن الله ورسوله من أخطر وأهم القضايا، إن غاب الفهم لمراد الله وإن غاب الفهم لمراد رسول الله قد نضر ديننا غاية الضرر، وقد نفسد ونحن نريد الإصلاح، وقد نضر ونحن نريد النفع، إن غاب الفهم ربما نخطئ في قضية كبيرة من أخطر وأهم القضايا ألا وهي قضية تغيير المنكر، وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز: فقه التغيير. أخي الحبيب! الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في هذا الدين، وهو من أشرف المهام التي ابتعث الله لها النبيين والمرسلين، بل ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وفشت الضلالة، وعمت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولن يشعروا بذلك إلا يوم التناد، وقد أمر الله به في كثير من آيات القرآن، وفرضه على أمة النبي عليه الصلاة والسلام، بل وأجمعت الأمة على وجوبه باتفاق، وجعله الله شرطاً من شروط خيرية أمة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقال جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، وما أكثر الآيات! فنحن جميعاً الحكام والعلماء وعامة الناس الصالحين وغيرهم، نحن جميعاً نركب سفينة واحدة إن نجت نجا الجميع، وإن غرقت غرق الجميع، غرق الصالحون مع غيرهم، قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، وفي صحيح البخاري من حديث النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا -قال صلى الله عليه وسلم-: فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً). وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: (أن النبي استيقظ من نومه عندها فزعاً)، وفي لفظ: (دخل عليها يوماً فزعاً وهو يقول: لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلق النبي بإصبعيه السبابة والإبهام- فقالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، وأنا أقسم بالله لقد كثر الخبث، قال: (نعم إذا كثر الخبث). روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بسند صحيح من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: من الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه -وفي لفظ: الرجل السفيه- يتكلم في أمر العامة)، صدق المصطفى والله. وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعـاة لها الذئاب (وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) واقع مرير. إذاً فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى المنكرات أمام عينيه وبين يديه ثم يهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، ما دام يأكل ملء بطنه وينام ملء عينه ويضحك ملء فمه، لا، قال صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد-: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    لزوم الموازنة بين المصالح والمفاسد في إنكار المنكر

    لكن انتبه -يا أخي الحبيب- فالتغيير باليد له فقه وضوابط، وقلت: الأمر لا تحكمه العواطف، ولا تحكمه الغيرة على الدين بقدر ما تحكمه الضوابط الشرعية، التغيير باليد إن ترتب عليه منكر هو أكبر من المنكر الأصلي الذي تريد تغييره، فلا يجوز لك أبداً أن تقدم عليه لتغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يجب على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه. قال ابن القيم رحمه الله -وعض على هذا الكلام بالنواجذ- في كتابه الماتع (إعلام الموقعين): إن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر من المنكر فهو أمر بمنكر وسعي في معصية الله ورسوله، ولقد كان النبي يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها. وقد يرد على هذا الاستدلال أن تلك كانت مرحلة استضعاف، والجواب ما قاله ابن القيم، حيث قال: بل لما فتح الله عليه مكة وصارت مكة دار إسلام، وعزم النبي على هدم البيت الحرام ورده على قواعد إبراهيم لم يفعل النبي ذلك مع قدرته على فعله؛ لأن قريشاً كانت حديثة عهد بكفر وقريبة عهد بإسلام. هذا هو كلام العلماء، فلابد أن نراجع العلماء. ولابد من الموازنة بين المصالح والمفاسد، لا تزعم لنفسك -يا أخي- أنك أغير على الدين من غيرك، ولا يجوز لي أن أدعي لنفسي أنني أغير على الدين منك أو من غيرك، من أعطاني هذا الحق؟ ومن أعطاك هذا الحق؟ لابد من الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، وهذا لا يحسنه متهور ولا جبان، المتهور سيضرك بتهوره، والجبان سيضر بخذلانه وسلبيته، لكن ضرر المتهور أخطر، والقضية تحتاج إلى موازنات دقيقة بين المفاسد والمصالح، وخذ مني هذه العبارة، وأرجو الله ألا تنسوها: ليس من الفقه أن نسقط أحكام العز والاستعلاء التي مرت بها الأمة على أوقات الذل والضعف والهوان التي تمر بها الأمة. فإن قيل: أين الدليل على هذا التأصيل الذي أصلت قلت: الأدلة كثيرة، فكلنا يعلم الشروط الجائرة الظالمة التي قبلها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، والأيام دول يا شباب، قال تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، ليس معنى ذلك أن نخضع وأن نخنع، بل يجب أن نعد العدة، كما قال ربنا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]. لكن ليس من الحكمة أبداً أن أقوم العمود الصخري وأنا مصر على أن أحطمه برأسي، سيتحطم رأسي ويبقى العمود صامداً شامخاً كما هو، فلا ينبغي أن نسقط أحكام العز والاستعلاء على الأمة في وقت الضعف والذل والهوان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي بن أبي طالب في الحديبية -والحديث في الصحيحين-: اكتب -يا علي- بسم الله الرحمن الرحيم. فيعترض رسول قريش على البسملة، ووالله لو فعل هذا الآن لطاشت عقولنا، ورسول الله بين أظهر الصحابة، يقول سهيل بن عمرو : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فيقول الصحابة: والله لا نكتبها إلا (بسم الله الرحمن الرحيم)، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اكتب -يا علي- باسمك اللهم). فهذا هو النبي عليه الصلاة والسلام، واعلم -يا أخي- أن السيرة ليست قصة فقط؛ لأن كثيراً من الناس يسمع الآن السيرة ويخرج وكأنه قد استمع إلى قصة أبي زيد الهلالي، أو إلى قصة عنترة وينسى أن هذا منهج تربوي كامل. (اكتب -يا علي- باسمك اللهم)، فيكتب (باسمك الله). ثم قال: (اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فيقول النبي لـعلي : يا علي ! امح (رسول الله)) أي: امسح كلمة (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله). فيقوم سيدنا علي ويقول له: لا والله، والله لا أمحوك أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرني يا علي !)، لأن النبي كان لا يقرأ عليه الصلاة والسلام، فيطلب النبي صلى الله عليه وسلم من علي أن يشير له إلى موضع الكلمتين الكريمتين، فيمحو النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه (رسول الله). ثم قال: (اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله قريشاً: أن تخلي بيننا وبين البيت لنطوف به. قال: لا والله لا تدخلونه هذا العام؛ حتى لا تتحدث العرب أنا قد أخذنا ضغثة -يعني: دخلتم رغم أنوفنا-، ولكن اكتب ذلك من العام المقبل. فقال النبي: اكتب يا علي: وذلك من العام المقبل)، وبدأ سهيل بن عمرو يقول: اكتب يا علي ! ثم يقول سهيل بن عمرو : (ونصالحك على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. وكل بند لا يطاق، لكن كان هذا خطيراً جداً، فالمسلمون قالوا: سبحان الله! يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً! إلى آخر القصة المعروفة. فأنا أرجو من شبابنا أن يكون فاهماً، وأن يكون على بصيرة، وأن يعلم أن الأيام دول، إن مرت الآن الأمة بمرحلة استضعاف فقد مرت الأمة بمرحلة طويلة جداً من التمكين والعز، فلا ينبغي أن نيأس أبداً أو أن نقنط أو أن نستسلم أو أن نصاب بالهزيمة النفسية. فلئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنـوز الغيب تخفي طلائع حرة رغم المكـائد تخرج

    ضوابط تغيير المنكر باليد والقلب

    التغيير باليد له ضوابط حتى لا نضر، ألا تستطيع أن تغير بيدك بكلمة رقيقة جميلة حلوة؟ تستطيع -والله- أن تغير بها، فما عليك إلا أن تبذر بذراً صحيحاً، أعني: بالقرآن والسنة بفهم السلف، ودع النتائج بعد ذلك إلى الله؛ فإن هداية التوفيق ليست بيد ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إنما هي بيد الله تبارك وتعالى وحده، فما عليك إلا أن تتحرك بين الناس بأدب وحكمة ورحمة وتواضع لتبلغ عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودع النتائج بعد ذلك إليه تبارك وتعالى، غير بلسانك، ولا عذر لك أمام الله جل وعلا إن لم تغير المنكر بقلبك، قد لا تستطيع أن تغير بيدك، وقد لا تستطيع أن تغير بلسانك، لكن لا عذر لك أمام الله إن لم تغير بقلبك، فإن قلت: كيف أغير بقلبي؟ قلت: لابد لذلك من شرطين: الأول: أن يرى الله من قلبك بغضك لهذا المنكر. الثاني: أن تزول أنت بنفسك عن المكان الذي ترى فيه المنكر الذي عجزت عن إزالته إن استطعت ذلك. أما أن تأتي وتجلس -مثلاً- أمام فلم من الأفلام، ويعرض الفلم لقطة من لقطات الرقص الشرقي -مثلاً- وأنت جالس وتتصور أنك منكر لهذا المنكر فلا، فتراه جالساً وهو ينظر، ثم هو يريد أن يقنع نفسه بأنه منكر، فيقول: أستغفر الله، أستغفر الله، استغفار الكاذبين، اللهم! اجعلنا من الصادقين. فلابد أن يرى الله من قلبك بغضك للمنكر، هذا أمر، وأن تزول أنت عن مكان المنكر الذي عجزت عن إزالته إن استطعت أن تترك هذا المكان، وإلا فقد لا يستطيع أحد إخواننا، فيرى الله من قلبك بغضك لهذا المنكر؛ لأنك قد تكون في (أتوبيس) عام مثلاً، ويعرض فيلماً أنت لا ترضاه، فذهبت إلى السائق بأدب جم وأنت تحمل شريطاً آخر لعالم من العلماء وقلت: يا أخي! نريد أن نرى هذا الشريط فقال: لا، اجلس أيها الإرهابي. وأنت لا تستطيع النزول، فاجلس وافتح كتاب الله عز وجل وانشغل به، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياك من الصادقين.

    1.   

    حرمة الدماء

    أيها الأحبة! فقه التغيير له ضوابط وشروط، إن غاب هذا الفقه ربما نقع في الكبيرة التي تلي الشرك بالله، ألا وهي قتل النفس التي حرم الله عز وجل، وهذا هو عنصرنا الرابع بإيجاز: حرمة الدماء. فالدماء لها حرمة، وفي مثل هذه المسائل الكبيرة والنوازل الخطيرة راجع الربانيين من العلماء، راجع الربانيين من العلماء قبل أن تخطو على الطريق خطوة خطيرة، فالدماء لها حرمة، والله خلق الإنسان وكرمه غاية التكريم، نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأنزل وبعث له النبيين والمرسلين ليدلوه على الحق، وأنزل مع الأنبياء والمرسلين الكتب، ووضع الله له شريعة محكمة تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة، تلك الشريعة التي تضمن حقوق الإنسان، وفي مقدمة هذه الحقوق حق الحياة، ولا يجوز ألبتة لأي أحد أن يسلب هذا الحق أو يستبيح حماه؛ لأن الله وحده هو واهب الحياة، وليس من حق أي أحد أن يسلب هذه الحياة إلا خالقها جل وعلا، أو في حدود الشريعة التي شرعها ليسعد بها الخلق في الدنيا والآخرة: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. فالقتل كبيرة تأتي بعد الشرك بالله، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70]. وتدبر معي هذا الوعيد، وأنا أقسم بالله على أنك لو فتشت في القرآن الكريم كله لن تجد وعيداً كهذا الوعيد في سورة النساء في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] أي وعيد هذا؟ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم بسند صححه شيخنا الألباني من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمداً)، وفي سنن النسائي بسند صحيح من حديث بريدة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا). ومن أعجب ما قرأت في هذا الباب ما رواه البخاري في التاريخ الكبير، والنسائي في السنن من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه -وصححه الشيخ الألباني في المجلد الثاني من صحيح الجامع- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمن -أي: أعطى الأمان- رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً)، هذا كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم! الأمر دين، والدماء لها حرمة؛ لذا كانت أول ما يقضى فيه يوم القيامة، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى فيه يوم القيامة في الدماء)، ولا تعارض بين هذا وبين حديث أصحاب السنن من حديث أبي هريرة : (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة)، فالصلاة حق الله، والدماء حق العباد، لا تعارض بين الحديثين، فأول ما يقضى فيه يوم القيامة بين العباد في الدماء، بل في سنن النسائي بسند حسن من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء المقتول يوم القيامة تشخب أوداجه دماً -أي: تشخب عروق رقبته دماً- يدفع القاتل ليوقفه بين يدي الله وهو يقول: أي رب! سل هذا -أي: سل هذا القاتل- فيم قتلني؟!). فالدماء لها حرمة عظيمة، ومن ثم فأنا أبذل هذه النصيحة من قلبي لأحبابي وإخواني.

    1.   

    نصيحة محب

    لزوم التوبة واتهام النفس

    النصيحة الأولى: التوبة واتهام النفس، فلنتب إلى الله جميعاً، وليتهم كل واحد منا نفسه، وليتهم كل واحد منا نفسه، فعلام العجب؟ وعلام الكبر؟ وعلام الغرور؟ ولم يريد كل واحد منا أن ينفرد برأيه وأن يستقل دون أن نجلس لنعرض هذه الأقوال ولنعرض هذه الأفعال على كتاب الله وعلى سنة رسول الله بفهم السلف حتى لا نختلف؟! ولا ينبغي أن نقول: هم رجال ونحن رجال. فإن كنت تريد بهذه المقولة أنهم رجال بذلوا أرواحهم لدين الله ونحن رجال لا نقل عنهم، فيجب علينا أن نبذل أرواحنا كذلك لدين الله فكلامك على العين والرأس، أما إن كنت تقصد أنهم رجال ونحن رجال تريد أن تضع رأسك برأس أبي بكر فهذا مرفوض -يا أخي- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بنص القرآن والسنة. فهؤلاء عدلهم الله وزكاهم، وشهد لهم بالخيرية، بل ورضي الله عنهم ورضوا عنه سبحانه وتعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فهم خير الناس بشهادة سيد الناس، والأدلة على ذلك كثيرة، فليتهم كل واحد منا نفسه، ولنجدد التوبة والأوبة إلى الله من فتن الشهوات، ثم لنرجع إلى العلم لينقذنا ربنا من فتن الشبهات، فلا مخرج لنا من الشهوات إلا بالتوبة، ولا مخرج لنا من الشبهات إلا بالعلم. الجهـل قبل المـوت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم قبل النشور نشور قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، وقال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]. قال ابن القيم : إن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل العلم. وهذه هي العدالة في أعلى درجاتها، فإن الله جل وعلا لا يستشهد بمجروح، فلنرجع إلى العلم، ولنراجع الربانيين من العلماء، وإياك أن تتهم عالماً أو تنتقص من قدره، إن خالفت فتوى العالم ما تحبه أنت وما تهواه فلا تتعجل باتهام هذا العالم أبداً؛ فالأمر دين. واعلم يا أخي -وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني الله وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- اعلم بأن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، فلتراجع العلماء الربانيين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأمة لا تخلو أبداً من العلماء الربانيين القائمين لله بحجة، والحديث في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). فلا ينبغي أبداً أن تقول: أين الربانيون من العلماء؟ فوق أي أرض؟ وتحت أي سماء؟ لابد أن ترى من يقوم لله تبارك وتعالى بحجة، من يبلغ عن الله وعن رسول الله بفهم الصحابة عليهم جميعاً رضوان الله.

    مراعاة أدب الخلاف

    ثانياً: مراعاة أدب الخلاف. الخلاف له أدب وفقه، فلا ينبغي أن يسفه بعضنا بعضاً، وأن يذبح بعضنا بعضاً على شبكات الإنترنت عبر هذه المواقع الكثيرة الخطيرة، وإنما إن اختلفنا فليطرح الخلاف في بوتقة فقه الخلاف. يا أخي! اطرح أدلتك وأنا أطرح أدلتي، وليظلل أدلتي وأدلتك أدب الخلاف وفقه الخلاف. قال ابن تيمية رحمه الله: الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة. فخالفني وأنا أخالفك في عشرات المسائل وفي مئات المسائل ولا حرج ما دمت تطرح أدلة وأنا أطرح أدلة، لكن الخلاف الواقع بيني وبينك بسبب خلافنا في فهم الدليل، وقد وقع ذلك بين أصحاب النبي الجليل صلى الله عليه وسلم، اختلف الصحابة لاختلافهم في فهم الدليل أو بسبب عدم بلوغ الدليل، وهذا الاختلاف أمر وارد واقع، ولو فتشت في كتب الفقه في مجلداتها الضخمة لوجدت جل مسائلها -من مسائل الخلاف- من مسائل الأحكام، فلنراع فقه الخلاف وأدب الخلاف.

    الصبر وعدم العجلة

    ثالثاً: الصبر وعدم العجلة. إياك أن تظن أنك أغير على الفلسطينيين الذين تسفك دماؤهم من الله، احذر أن تظن هذا أبداً، إياك أن تظن أنك أرحم من بالعراقيين الذين تسفك دماؤهم من الله، وإياك أن تظن أن الله لا يراهم ولا يسمعهم، فالله يسمع ويرى، لا تسقط ورقة من نخل أو شجرة في هذه الأرض أو في غيرها من البقاع على وجه الأرض إلا بعلمه، فإياك أن تظن أن صاروخاً أو طائرة أو قاذفة أو قنبلة تسقط في أي بقعة من الأرض دون علمه، وتحت سمعه وبصره جل جلاله، وليس أحد أغير على الدين من الله، وليس أحد أغير وأرحم بالمستضعفين في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان من الله، فلا تتعجل، كن رجلاً ومت رجلاً، لن يسألك الله: لماذا لم تمكن الأمة في عصرك؟! أبداً. لكن ستسأل عما قدمت أنت وبذلت لدين الله، أما النتائج فليست إليك، ليس هذا من شأن كل العبيد، إنما هو من شأن العزيز الحميد. وتعجبني عبارة شيخنا الألباني رحمه الله: (من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه)، أنت تحب ثمرة المانجو، فلو قطفت ثمرة مانجو قبل أن تنضج فهل تستطيع أن تأكلها؟ أبداً. فالصبر ولا تعجل: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8]. ولا تظن أن دولة من الدول هي التي تحكم الكون وهي التي تدبر أمر الكون، بل إن الذي يدبر أمر الكون هو الله، فاملأ قلبك ثقة بالله الملك الحق، فلا تظن أن دولة تحكم الكون وتدبر شئونه، بل إن الذي يدبر شئون الكون هو الله الملك الحق: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154]، فاصبر ولا تعجل، وليبذل كل واحد ما يقدر عليه لدين الله بحكمة وبرحمة وبأدب وبتواضع، وبفهم دقيق وبوعي عميق، قال ابن القيم : لا يجوز للعالم أو المفتي أو الحاكم أن يفتي في أي مسألة إلا بعلمين: الأول: فهم الواقع. الثاني: فهم الواجب في الواقع. فلابد أن تكون على فهم وبصيرة بواقع الأمة في هذه المرحلة الحرجة من مراحل الضعف والذل والهوان، حتى تكون على بصيرة بربط الأدلة الشرعية بمناطاتها العامة والخاصة، التي تتفق مع هذا الواقع الذي تحياه الأمة الآن. وأخيراً أقول: المسئولية في تربية الشباب تقع على عاتق الجميع، تقع على عاتق وسائل الإعلام التي لا ترقب في شبابنا إلاً ولا ذمة، وتقع على عاتق المؤسسات الدينية، وتقع على عاتق المؤسسات الرياضية التي ابتعدت كثيراً عن منهج الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع كل ذلك أقول: إن أخطر بيئة تؤثر على الشباب هي الأسرة، الأسرة التي ضيعت كثيراً من دورها الذي يجب أن تقوم به، أنا أقول: إن استقالة تربوية تدمي القلوب قد وقعت الآن في كثير من البيوت، حين استقال كثير من الآباء والأمهات تربوياً، وخرج الشباب ليبحث عن قوته التربوي في وسائل الإعلام، أو في النوادي، أو عبر الصحبة السيئة، أو في الشوارع، فشعر كثير من شبابنا فعلاً باليتم التربوي الحقيقي. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي ترى له أماً تخلت أو أبـاً مشغولاً فليرجع الوالد إلى أولاده، ولتتق الأم ربها تبارك وتعالى في أولادها وأبنائها، فالأسرة هي المحضن التربوي الطاهر الذي يخط أولى الخطوط على قلب وعقل الأولاد داخل البيوت، ولا تيأسوا ولا تقنطوا؛ فإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يأتي بعدها مباشرة ضوء الفجر. وفجر الإسلام قادم بموعود الله وبموعود الصادق رسول الله، قال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:172-173]. وقال سبحانه: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110]، وقال سبحانه: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9]. وخذ هذه البشرى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، هل تصدقون الله؟ ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]. صبـح تنفس بالضيـاء وأشرقا والصحـوة الـكبرى تهز البيرقا وشبيبـة الإسـلام هذا فيلـق في ساحة الأمجـاد يتبع فيلقـا وقوافل الإيمان تتخذ المدى درباً وتصنع للمحيط الزورقـا وما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طاب الثرى فنما لهـا جذع قوي في التراب وأعذقا هي في رياض قلـوبنا زيتونـة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا يا نهر صحوتنا رأيتك صافيـا وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى قالـوا تطرف جيلنـا لما سمى قدراً وأعطى للطهارة موثقـا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوَ كان إرهاب جهاد نبينا أم كان حقاً بالكتاب مصدقا أتطرف إيمــاننا باللـه في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمـداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانَعَ الكفر اللئيم وأطرقا يا جيل صحوتنا إني أعيذك أن أرى في الصف من بعد الإخاء تمزقا لك في كتاب الله فجر صادق فاتبع هداه ودعك ممن فرقا لك في رسولك أسوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا يا جيل صحوتنا ستبقى شامخا ولسوف تبقى باتباعك أسمقا أسأل الله جل وعلا ألا يخرجنا من الحياة إلا بذنب مغفور، اللهم لا تخرجنا من الحياة إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين بنصرة التوحيد والموحدين. اللهم أنج المسلمين المستضعفين في فلسطين، وأنج المسلمين المستضعفين في العراق، وأنج المسلمين المستضعفين في الشيشان، وأنج المسلمين المستضعفين في أفغانستان. اللهم اجعل بلاد الإسلام أمناً أماناً سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين، اللهم لا تحرم هذا البلد الكريم من نعمة الأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم لا تحرم هذا البلد من نعمة الأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين. اللهم أصلح شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم اهدنا واهد شبابنا، اللهم اهدنا واهد شبابنا، اللهم استرنا واستر شبابنا، اللهم احفظنا واحفظ شبابنا، اللهم استر نساءنا وبناتنا، اللهم رب لنا أولادنا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم اجعلنا للمتقين إماماً. اللهم لا تفضحنا بخفي ما اطلعت عليه من أسرارنا، ولا بقبيح ما تجرأنا به عليك في خلواتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756460513