إسلام ويب

يوم الحشرللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تتفاوت أحوال الناس في أرض المحشر حسب أعمالهم؛ فيحشر المتقون إلى الرحمن وفوداً وجماعات على نجائب من نور، يعلوهم الفرح والسرور، ويساق المجرمون إلى النار سوقاً.. وبعد طول القيام في أرض المحشر، ومقاساة الشدة والعذاب يأذن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى، ثم تشفع الملائكة، ثم يشفع الأنبياء والمؤمنون والصديقون والشهداء من هذه الأمة.

    1.   

    أحوال الناس في أرض المحشر

    الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، لا إله إلا هو فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة؛ ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]. أحمدك يا رب! وأستعينك وأستغفرك وأستهديك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك جل ثناؤك، وعظم جاهك، ولا إله غيرك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ند له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، فلا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه وأمره. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك على رسول الله، صلاة وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء! ويا سيد المرسلين! وأشهد لك يا سيدي! ويشهد معي الموحدون أنك قد أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت ربك حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيله حتى أجبت مناديه، وعشت طوال أيامك ولياليك تمشي على شوك الأسى، وتخطو على جمر الكد والعنت، تلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علمت الجاهل وقومت المعوج، وأمنت الخائف، وطمأنت القلق، ونشرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله! وجزاك الله عنا خير ما يجزي الله به نبياً عن أمته، ورسولاً عن رسالته. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! تعالوا بنا لنواصل مسيرتنا المباركة في شرحنا لآيات من كتاب ربنا جل وعلا، ومع اللقاء السابع والثلاثين، ما زلنا بفضل الله وحوله وطوله ومدده نطوف مع حضراتكم في بستان سورة مريم، وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي من تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:83-84] أي: لا يضق صدرك يا رسول الله! بهؤلاء المشركين، وبهؤلاء الكافرين، إن كل شيء محسوب عليهم ومعدود، إنهم ممهلون إلى أجل معلوم، إنهم متروكون إلى وقت قريب: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:83-84] إن كل شيء من أعمالهم محسوب عليهم ومعدود، وويل لمن يعد الله عليه ذنوبه وأعماله وأخطاءه! الويل لمن عد الله عليه أعماله وأخطاءه وأنفاسه! إن الأنفاس معدودة، وإن الأعمال محسوبة، فإن من يحس بأن رئيسه في العمل -في هذه الأرض- يتتبع أعماله وأخطاءه يعيش في فزع وقلق وحسبان، فما بالكم بالواحد الديان الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

    حشر المتقين إلى الرحمن وفداً

    واعلموا عباد الله أن الطريق الذي يوصل الناس إلى جنة رب العالمين إنما هو طريق واحد، قال الله جل وعلا: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]. يقول الله عز وجل في وصف حال الناس في الحشر: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:85-86] هكذا يحشر المتقون، وهكذا يساق المجرمون، وحق لنا -نحن الموحدين- أن نفخر في هذه اللحظات، وأن ننادي على هؤلاء ونقول لهم: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73] ألم يسخر المشركون من الموحدين في الدنيا؟! ألم يهزأ المجرمون من الموحدين في الدنيا؟! ألم يعير المجرمون الضعفاء والفقراء من المؤمنين؟! ألم يقولوا لهم في جزيرة العرب أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73]؟! ها نحن الآن وقد ذهب المال وضاع السلطان، ورحلت الدنيا، ولم يبق إلا العمل الصالح في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89].. إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:87]. وحق لنا -نحن الموحدين- أن نفخر، وأن نسعد، وأن نشكر الله جل وعلا، وأن ننادي على هؤلاء المجرمين ونقول لهم: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73]. قال الله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85].. هكذا يحشر الله المتقين: وفداً، يركبون على نجائب من نور، وهي من مراكب الدار الآخرة، انظروا معي أيها الأحباب إلى هذا الوفد المهيب الجليل، إنه وفد الموحدين! إنه وفد المتقين! إنه وفد المؤمنين! إنه وفد عجيب! إنه وفد مهيب! إنه وفد جليل! إن وجوههم نور، وإنهم ليركبون على مراكب من نور، فإلى أين يتجه هذا الوفد المنير؟! إنه وفد قادم على العلي القدير، إنهم قادمون على الله العلي الأعلى جل وعلا، إنهم قادمون إلى خير موفود عليه، إلى دار كرامته ورضوانه، ولقد ورد في مسند الإمام أحمد وساق سنده إلى أن قال: حدثنا النعمان بن سعد قال: (كنا جلوساً عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقرأ علي هذه الآية: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85] فقال علي رضي الله عنه: لا والله ما على أرجلهم يحشرون؛ لأن الوفد لا يحشر إلا راكباً، يحشر الله المتقين، فيركبون على نوق من الجنة، لم ير الخلائق مثلها، عليها رحائل الذهب، فيركب المتقون عليها حتى يصلوا بها إلى أبواب الجنة) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85].

    سوق المجرمين إلى جنهم ورداً

    أما المجرمون فإنهم يساقون إلى جهنم ورداً، يساقون إلى جهنم عطاشى، وانظروا معي إلى دقة اللفظين: (يحشر) و(يساق) إنه التكريم للمتقين، والتوبيخ والاستهزاء والسخرية بالمجرمين والمشركين والظالمين، هكذا يحشر المتقون، ويساق المجرمون كما تساق البهائم والدواب. يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ [مريم:85-87]. فلا شفاعة لهم عند الله، ولا شفيع لهم عند الله جل وعلا؛ لأنه لا حق في الشفاعة إلا لأهل التوحيد، لا يملك الشفاعة إلا أهل التوحيد والإيمان، ولا يستحق الشفاعة إلا أهل التوحيد والإيمان: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:87] أي: لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً هم أهل الشفاعة، وهم الذين سينالون الشفاعة. لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:87] والعهد هو: لا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد والإخلاص التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض، ومن أجلها أنزل الله الكتب، ومن أجلها أرسل الله الرسل، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] كلمة التوحيد والإخلاص هذه هي العهد الباقي والمدخر لكل من قال: لا إله إلا الله، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون (إلا من أتى الله بقلب سليم).

    1.   

    الشفاعة يوم الحشر

    وأنتهز هذه الفرصة الطيبة، وهذا اللقاء المبارك؛ لنتحدث عن الشفاعة، فإنها من الموضوعات المحببة إلى قلب كل موحد لله جل وعلا. وإن بعض المسلمين قد يظن أن الشفاعة يوم القيامة لحبيبنا ورسولنا إنما هي شفاعة واحدة، وهذا غير صحيح. وانتبهوا معي أيها الأحباب! إلى موضوع الشفاعة، (لا يملكون الشفاعة) إذاً: من الذي يملكها؟ إذاً: من الذي يستحقها؟ اعلموا أنه لا يشفع مخلوق لمخلوق في أرض المحشر إلا بإذن الله. وإمام أهل المحشر وسيد الخلق على الإطلاق في الشفاعة هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إي والله! لقد كرم الله نبينا صلى الله عليه وسلم تكريماً ما كرم الله به مخلوقاً على ظهر هذه الأرض، من يوم أن خلقها الله إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها، كرم الله نبينا في الدنيا والآخرة، كرم الله نبينا في الدين والدنيا، كرم الله نبينا في الخَلق والخُلق، وزكاة تزكية كاملة في كل شيء: زكاه ربنا جل وعلا في عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]. وزكاه في فؤاده فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]. وزكاه في بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]. وزكاه في صدره فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]. وزكاه في معلمه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]. وزكاه في صدقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]. وزكاه كله تزكية كاملة فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. ونادى ربنا جميع الأنبياء بأسمائهم مجردة، فقال جل وعلا: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، وقال تعالى: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ [هود:48]، وقال تعالى: يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:104-105]، وقال تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ [مريم:7]، وقال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، وقال تعالى: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30]، وقال تعالى: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]، ونادى حبيبنا فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب:45]، وقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، وقال: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1-7].

    الشفاعة العظمى في فصل القضاء

    هكذا كرم الله نبينا صلى الله عليه وسلم تكريماً ما كرم الله به مخلوقاً على ظهر هذه الأرض من يوم أن خلقها الله جل وعلا إلى يوم أن يرثها ومن عليها، بل لقد قرن الله جل وعلا اسم النبي مع اسم العلي، فلا يذكر اسم الله إلا ويذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن حسان بن ثابت حيث قال: أغر عليه بالنبوة خاتم من الله من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد أيها الأحباب! هذا هو المقام المحمود الذي أعطاه الله نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] وهذا هو المقام المحمود عند جمهور العلم، والمقام المحمود: هو الشفاعة العظمى لنبينا صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن لرسولنا صلى الله عليه وسلم أكثر من شفاعة، وسوف أذكركم اليوم بهذه الشفاعات، ولن أخرج عن صحيحي البخاري ومسلم. الشفاعة الأولى: وهي الشفاعة العامة العظمى لنبينا صلى الله عليه وسلم، جاء في صحيح البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد، وسنن الإمام الترمذي وسنن الإمام النسائي، وسنن الإمام ابن ماجة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم وغيرهم، والحديث رواه جمع كبير من صحابة البشير النذير صلى الله عليه وسلم، إلى أن وصل الحديث إلى حد التواتر كما قال العلماء، والحديث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم، فرفعت إلى رسول الله ذراع الشاة وكانت تعجبه، فنهس النبي منها نهسة -والنهس بالسين أي: الأخذ بالأسنان، وهو غير النهش بالشين، وهو: الأخذ بالأضراس- ثم نظر إلى الصحابة وقال لهم: أنا سيد الأولين والآخرين يوم القيامة، ثم التفت إليهم وقال لهم: أتدرون لم ذاك؟ -أي: أتعلمون لماذا أنا سيد الأولين والآخرين يوم القيامة؟- فسكت الصحابة فقال لهم صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فينفذهم البصر، ويسمعهم الداع) أي: أن الأرض التي يحشر الناس عليها أرض ملساء لا شجر فيها ولا حجر فيها، حتى لا يظن مخلوق أنه سيختبئ على الله عز وجل، ولماذا ينفذهم البصر؟ لأن البصر يومئذ حديد قال تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22] غير وبدل كل شيء، وهنا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فيبلغ الناس من الهم والغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون) إي والله! يوم أن ينادى عليك؛ لتعرض على وكيل نيابة أو على قاض من قضاة الدنيا، يوم أن يحضر إليك المحضر، ويقدم لك الخطاب لا تنام الليل، ولا تذوق الطعام، ولا تذوق الشراب، فما بالكم بالعرض على محكمة ربنا جل وعلا؟! (يبلغ الناس من الهم والغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما قد بلغنا؟! ألا ترون ما نزل بنا؟! ألا ترون من يشفع لنا إلى ربنا؟! فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فتذهب الخلائق إلى آدم ويقولون له: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأمر الملائكة فسجدت لك، وأسكنك الجنة، ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا ترى ما وقع بنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟! فيقول آدم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولقد نهاني ربي عن الأكل من الشجرة فعصيته، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري -آدم يقول: اذهبوا إلى غيري!- فيذهب الناس إلى نوح عليه السلام، ويقولون: يا نوح! إنك أول رسل الله إلى الأرض، وأنت الذي سماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى ما وقع بنا؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟! فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة فتعجلت فدعوت بها على قومي في الدنيا، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري. فيذهب الناس إلى خليل الرحمن فيقولون: يا إبراهيم! أنت خليل الله في الأرض، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وقد كذبت في الإسلام ثلاث كذبات). وقد حدثتكم عن كذبات إبراهيم يوم أن نظر إلى النجوم: فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] ويوم حطم الأصنام فقال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] ويوم أن قال لزوجه سارة: قولي لهذا الطاغوت إذا ما دخلت عليه: أنا أخوك وأنت أختي (اذهبوا إلي غيري، نفسي نفسي! فيذهب الناس إلى موسى، ويقولون: يا موسى! لقد اصطفاك الله بكلامه ورسالاته، ألا ترى ما وقع بنا؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! اشفع لنا إلى ربك، فيقول موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فتذهب الخلائق إلى عيسى فيقولون: يا روح الله! إن الله قد اصطفاك، إنك كلمة الله وروحه، ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا ترى ما وقع بنا؟! اشفع لنا إلى ربك، فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر عيسى عليه الصلاة والسلام ذنباً من الذنوب، ويقول لهم: نفسي نفسي! اذهبوا إلى محمد بن عبد الله، إنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فتأتي الخلائق إلى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول الحبيب: فيقولون لي: يا رسول الله! إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنت خاتم الأنبياء والمرسلين، ألا ترى ما وقع بنا؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! ألا تشفع لنا إلى ربك؟! فيقوم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فينطلق إلى عرش الرحمن، وإذا ما رأى الحبيب ربه جل وعلا سجد له، فيسجد ما شاء الله أن يسجد، ثم ينادي عليه العلي الأعلى ويقول له: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، يقول صلى الله عليه وسلم: فيلهمني الله جل وعلا بمحامد وثناء لم يلهم الله بها أحداً من قبلي، فأحمد الله بمحامد علمنيها، ثم أشفع وأقول: يا رب! لقد وعدتني الشفاعة؛ فشفعني في الخلق لتقضي بينهم، فيرد عليه العلي الأعلى ويقول: نعم، آتيكم يا محمد؛ لأقضي بينكم). هذه هي الشفاعة العامة، وهذه هي الرحمة المطلقة: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فيرجع الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ ليقف مع الناس في أرض المحشر حتى يجيء الحق جل وعلا مجيئاً يليق بجلاله، فينادي على عباده ويقول: يا عبادي! لقد أنصت إليكم كثيراً في الدنيا، فأنصتوا اليوم إلي. هذه هي الشفاعة الأولى لنبينا صلى الله عليه وسلم.

    الشفاعة في استفتاح باب الجنة

    أما الشفاعة الثانية: فهي شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في استفتاح باب الجنة، والحديث في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول الناس شفاعة في الجنة يوم القيامة) أي: أنا أول من يشفع عند الله في أن يفتح الله باب الجنة يوم القيامة، ولقد ورد في صحيح البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته في الدنيا، إلا أنا فإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، وإنها نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً). وقد ورد في صحيح البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول المؤمنون: من يشفع لنا عند ربنا؛ ليفتح الله لنا باب الجنة؟ -هذا قول المؤمنين- فيذهب المؤمنون إلى آدم، ويقولون له: يا أبانا! اشفع لنا عند ربك، فاستفتح لنا باب الجنة، فيقول آدم: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟! لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى غيري، فيذهب الناس إلى نوح، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى إبراهيم، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم إلى عيسى، فيقول لست بصاحب ذلك، ثم إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيقوم الحبيب إلى باب الجنة فيستأذن فيقول له خازن الجنة: من؟ فيقول: محمد بن عبد الله) وهذا أكبر دليل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله، لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] (فيستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول خازن الجنة: من؟ فيقول: محمد بن عبد الله، ويرد خازن الجنة ويقول: أمرت ألا أفتح الجنة لأحد قبلك يا رسول الله). أول من يحرك حلق باب الجنة هو الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، ولقد ورد في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام الترمذي ، وعلق عليه صاحب (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في علم التوحيد) وقال: إن هذا الحديث معناه صحيح وثابت في الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة، والحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جلس بعض الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون في تفاضل الأنبياء، فقال أحدهم: هل هناك بأعجب من أن يتخذ الله من خلقه خليلاً؟! فقال آخر: لقد اصطفى الله آدم على البشرية، فقال آخر: لقد كلم الله موسى تكليماً، فقال آخر: عيسى روح الله وكلمته، فخرج عليهم رسول الله صلى عليه وسلم وقال لهم: لقد استمعت إلى كلامكم وعجبكم، ألا إن إبراهيم خليل الرحمن وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله على البشرية وهو كذلك، وموسى كليم الله وهو كذلك، وعيسى روح الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر -إنه التواضع- ، وأنا أول شافع ومشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق باب الجنة فيدخلنيها ربي ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر) هذه هي الشفاعة الثانية، شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يفتح الله جل وعلا للمؤمنين باب الجنة.

    الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار

    أما الشفاعة الثالثة فهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين الذين دخلوا النار، وهذه الشفاعة أنكرها الخوارج والمعتزلة وقالوا: لا شفاعة في الموحدين الذين دخلوا النار، بل إنهم مخلدون، ونسوا قول الله جل وعلا: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36] لا والله، لا يساوي الله بين المؤمن والمشرك على الإطلاق، وبين الكافر والموحد على الإطلاق. إذاً: الشفاعة الثالثة هي: شفاعة الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين الذين دخلوا النار، وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، صلوا كما صلينا، وزكوا كما زكينا، وحجوا كما حججنا، وتصدقوا كما تصدقنا، ولكنهم أصروا على كبيرة من الكبائر وعلى معصية من المعاصي، وهم يعلمون أن الله شدد فيها العقوبة، ولكنهم أصروا على هذه المعصية؛ فأدخلهم الله النار بمعصيتهم، ولكن لهم شفاعة عند نبيهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما وغيرهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أذهب إلى ربي فأنطلق فأسجد تحت العرش -هذا جزء من آخر الحديث- إذا ما نظرت إلى ربي جل وعلا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم ينادى علي ويقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأحمد الله بمحامد علمنيها، فأشفع فيشفعني ربي عز وجل، فأذهب إلى عصاة الموحدين في النار، فيحد الله لي حداً -أي: عدداً محدداً ومعيناً- فأذهب إلى النار فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود إلى ربي مرة ثانية، فأستأذن على ربي في دار كرامته، فيؤذن لي، فأسجد لربي إذا ما نظرت إليه، فيدعني ما يشاء الله أن يدعني، ثم يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فيحد الله لي حداً، فأذهب فأُخرج من النار من عصاة الموحدين ما شاء الله جل وعلا، ثم أعود مرة ثالثة فأستأذن على ربي في دار كرامته، فيؤذن لي، فإذا ما نظرت إلى ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فيحد الله لي حداً، فأذهب فأُخرج من النار من عصاة الموحدين ما شاء الله جل وعلا، ثم أعود في المرة الرابعة، فأستأذن على ربي فيحد لي ربي حداً، فأُخرج من النار من عصاة الموحدين ما شاء الله جل وعلا) . وهذه الشفاعة أنكرها الخوارج والمعتزلة، وآمن بها أهل السنة والجماعة، وهذه هي الشفاعة الثالثة لحبيبنا ومصطفانا صلى الله عليه وسلم. ويبقى بعد كل هذا الكرم، وبعد كل هذا الخير ثلاث شفاعات: الأولى: للملائكة، والثانية: لبقية الأنبياء، والثالثة: للمؤمنين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    شفاعة الأنبياء والملائكة والموحدين من هذه الأمة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أيها الأحباب! إن لرسولنا صلى الله عليه وسلم شفاعة عامة، ثم شفاعة في استفتاح باب الجنة، ثم شفاعة في عصاة الموحدين من النار، وتبقى شفاعة الملائكة وسائر النبيين والمؤمنين الصادقين المخلصين. جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في باب: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] وفي باب: بدء الخلق. وفي باب: الرقاق، ورواه جمع كبير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فتبقى شفاعة الملائكة وسائر النبيين والمؤمنين، فتذهب الملائكة فتخرج من النار من مات لا يشرك بالله شيئاً، ممن شاء الله جل وعلا لهم أن يخرجوا منها، وتبقى شفاعة النبيين، فيشفع النبيون لمن شاء الله عز وجل، وتبقى شفاعتكم أنتم أيها الموحدون! فإن من مات على التوحيد صادقاً مع الله خالصاً لله فإنه من أهل الشفاعة. وإن من أمة الحبيب من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهم سبعون ألفاً، والحديث في صحيح مسلم، اللهم اجعلنا منهم يا كريم يا تواب! فيشفع المؤمنون عند ربهم جل وعلا لإخوانهم من المؤمنين الصادقين، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فتشتد مناشدة المؤمنين لربهم يناشدون الله مناشدة شديدة: يا ربنا! إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا فشفعنا فيهم)، اللهم لا تجعلنا جسراً يعبر الناس عليه إلى الجنة، ويلقى به في النار. تشتد مناشدة المؤمنين الصادقين لربهم، فيشفعهم الله في إخوانهم من المؤمنين، ويقول الله لهم: (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه من النار، فيذهب المؤمنون إلى النار فيخرجون من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ويعودون إلى الله ويقولون: يا ربنا! شفعنا في إخواننا -المرة الثانية- فيقول الله جل وعلا لهم: اذهبوا فأخرجوا من النار من كان في قلبه نصف دينار من إيمان، فيذهبون فيخرجون من النار من عرفوهم بهذا، ويعودون إلى الله ويقولون: يا ربنا! شفعنا في إخواننا -للمرة الثالثة- فيقول الله جل وعلا لهم: اذهبوا فأخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فيذهبون، فيخرجون من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) هكذا شَفَّع اللهُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم، وشَفَّع اللهُ الملائكة، وشَفَّع اللهُ النبيين، وشّفَّع اللهُ المؤمنين.

    شفاعة الجبار سبحانه وتعالى

    فيقول الجبار جل وعلا -كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم- (شفع الأنبياء والملائكة وسائر النبيين، وبقيت شفاعتي -وهو الحليم الكريم- فيقبض الله جل وعلا قبضة من النار -ولا يعلم قدر عظم قبضة العزيز الجبار إلا هو سبحانه- فيقبض الحق تبارك وتعالى قبضة من النار -أي: من أهل النار- فيخرجون وهم كالفحم قد امتحشوا -أي: صاروا كالفحم- فيخرجون إلى نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم توضع في رقابهم الخواتيم، يخرجون من هذا النهر كحبات اللؤلؤ فيدخلون الجنة بغير عمل عملوه، فيقول أهل الجنة: هؤلاء هم عتقاء الرحمن من النار). هذا هو موضوع الشفاعة أيها الأحباب! بإيجاز شديد، وإن فإن الأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً وقد بلغت حد التواتر. يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:85-87] لا يملك الشفاعة إلا الله، ولا يأذن بها إلا لمن يشاء من عباده ويرضى، وأول من يشفع في الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستحق الشفاعة إلا أهل التوحيد والإيمان، فأحق الناس بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله، وجاهد شيطانه ونفسه وهواه.

    1.   

    أهمية إخلاص العمل لله وحده

    وقد بيّن الحق سبحانه حال المتقين وحال المشركين أثناء العرض على رب العالمين، فقال جل وعلا: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:85-87] فلا نجاة إلا بصدق التوحيد لله جل وعلا، ولا فوز إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أناساً سيذهبون إليه يوم القيامة، فيتساقط لحم وجوههم حياءً من رسول الله؛ لأنهم زعموا المحبة وهم أهل بدع وأهل هوى! زعموا المحبة وعطلوا السنن! زعموا المحبة وحاربوا الشرع! زعموا المحبة وابتعدوا عن رسول الله! فكيف ستذهب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لتطلب من رسول الله الشفاعة وأنت بعيد عن منهجه؟! فيا من حاربت الله! ويا من أعلنت الحرب على شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقلت: إن اللحية عفن، وإن النقاب رجعية وتخلف وعودة إلى الوراء! يا من استهزأتم بشرع الرسول صلى الله عليه وسلم! وقلتم: إن شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه إلا سفك الدماء وإقامة الحدود! اعلموا أن لحم وجوهكم سيتساقط يوم القيامة، من حيائكم وخجلكم إذا التقيتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوحدوا الله حق التوحيد، واصدقوا مع محرر العبيد صلى الله عليه وسلم في اتباع سنته والتزام منهجه وطريقته. هذان هما الطريقان الموصلان إلى الله جل وعلا، وهما سبب قبول الأعمال: إخلاص لله، ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصاً، إن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، فجردوا توحيدكم لله، وجردوا أعمالكم لله، وجردوا عباداتكم لله، ولا تراقبوا إلا الله، ولا تخافوا إلا من الله، واعلموا أن الضار هو الله، وأن النافع هو الله، واعلموا علم اليقين أن من أراد الله له العزة فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يذلوه. ومن أراد الله له الذلة فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يعزوه. ومن أراد الله له الغنى فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يفقروه. ومن أراد الله له الفقر فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يغنوه. ومن أراد الله له الحب في قلوب الناس فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يبعدوه. ومن أراد الله له البعد عن قلوب الناس فلن يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- أن يقربوه. إن الضار هو الله، وإن النافع هو الله: (وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). هذا هو تجريد التوحيد لله جل وعلا، وهذه هي النجاة، فقولوا: لا إله إلا الله بإخلاص، وقولوها بصدق ويقين، ونفذوا مقتضياتها، والتزموا بشروطها؛ لأن الإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، فلنقل: لا إله إلا الله بألسنتنا، ونصدق بقلوبنا، وننفذ بجوارحنا وأركاننا، فليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم! وقالوا: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. اللهم توفنا على التوحيد الصادق يا رب العالمين! اللهم اختم لنا بالتوحيد والإيمان، اللهم اختم لنا بالتوحيد والإيمان، اللهم اختم لنا بالتوحيد والإيمان، اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين! اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع الغلاء عن شعبنا، اللهم ارفع الغلاء عن شعبنا، وارفع الضيق والهم والغم عن بلادنا، واقبلنا وتقبل منا يا ربنا! ووفق ولاة أمورنا للعمل بكتابك والاقتداء بشرع نبيك صلى الله عليه وسلم. وسبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756962387