إسلام ويب

فن أصول التفسير [2]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعد علم التفسير من العلوم الشرعية التي اهتمت بالقرآن بياناً وإيضاحاً، ولتفسير القرآن مصادر خاصة، أولها تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة ومن بعدهم ثم باللغة العربية.

    1.   

    المصادر النقلية البحتة للتفسير

    بسم الله لرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فنكمل ما يتعلق بأصول التفسير.

    سنأخذ ما يتعلق بمصادر التفسير، أو مصادر المفسر، وليس مرادنا بالمصادر مصادر التفسير لكتب التفسير، وإنما المراد بالمصادر: هي الطرق التي يرجع إليها المفسر، إذا أراد أن يفسر القرآن، وهي التي عبر عنها شيخ الإسلام بطرق التفسير، وعبر عنها الزركشي بمآخذ التفسير.

    في قضية مصادر التفسير ممكن نقسمها إلى: المصادر النقلية البحتة، والمصادر النقلية النسبية، ومصادر الاجتهاد.

    الآن من هو المفسر الأول للقرآن؟ أو قل: ما هو المصدر الأول لتفسير القرآن؟ القرآن نفسه، ثم المصدر الثاني السنة، ثم المصدر الثالث: الصحابة.

    لما نأتي الآن إلى المصادر النقلية البحتة، سنجد أننا نقول: التفسير القرآني للقرآن، يعني: تفسير القرآن بالقرآن، ثم التفسير النبوي المباشر، ثم أسباب النزول، ثم ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، لكن لاحظوا أن الصحابة رضي الله عنهم لما كانوا يفسرون القرآن، هل لهم اجتهاد ورأي، أو ليس لهم اجتهاد ورأي؟ كان لهم اجتهاد ورأي، هذا الاجتهاد والرأي هل هو مأثور أو رأي؟ يعني ابن عباس لما يفسر: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1]، بالخيل، ويعترض عليه علي، ويستدرك عليه ويفسرها بالإبل، ويرجع ابن عباس إلى قول علي، تفسيرهم هم مأثور، وإلا رأي؟ رأي، لكن بالنسبة لنا نحن مأثور. إذاً من المهم جداً أن نتنبه إلى أن الصحابي قد يجتهد في التفسير.

    ما هي الأشياء التي لا يمكن لأي مفسر كان، بدءاً من الصحابي، وختماً بآخر مفسر يأتي، لا يمكن له أن يجتهد فيها؟

    التفسير القرآني المباشر

    النوع الأول: التفسير القرآني المباشر، بمعنى أن آية تفسرها آية أخرى تفسيراً واضحاً، مثلاً: في أول سورة البقرة، لما قال الله سبحانه وتعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، لو قلت لك: من هم المتقون الذين تحدث الله عنهم في هذه الآيات؟ تقول: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3]، والذين إلى آخر الآيات تتحدث عن المؤمنين، الآن تفسير المتقين بأنهم الذين والذين.. هذا لا يدخله الاجتهاد؛ لأن مثل هذا النوع لا يمكنه أن يدخله الاجتهاد. كذلك: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، لو قلت لك: من هم المتقون؟ ممكن تقول: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [البقرة:3]، أو ممكن تقول: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، لأنه قال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[آل عمران:133]، أعدت لمن: لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].

    إذاً قصدي من ذلك أن نتنبه إلى أنه هذا النوع من تفسير القرآن بالقرآن، هذا يدخل في باب الإجماع؛ لأنه لا يتصور الخلاف فيه، لو قلت لك: ما الطارق؟ تقول: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ [الطارق:1-3]، إذاً الطارق: هو النجم الثاقب، لا يمكن أن يتصور الخلاف فيه.

    ما يوم الدين؟ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا [الانفطار:17-19]، إذاً هذا تفسير مباشر! هذا النوع من تفسير القرآن بالقرآن.

    ندخل في النقل البحت الذي لا يكون لأي مفسر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له تدخل، أو رأي فيه.

    التفسير النبوي المباشر

    النوع الثاني: التفسير النبوي المباشر، وهو الذي يقصد فيه النبي صلى الله عليه وسلم التفسير، فإذا قصد النبي صلى الله عليه وسلم التفسير، فإن هذا يدخل في باب التفسير النبوي المباشر.

    مثلاً تفسيره لقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، إذاً بناءً على تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للظلم بأنه الشرك، هذا النوع من التفسير لا يمكن لأحد كائن من كان أن يخالفه أو يرده، فإذاً هذا نقلي بحت، كما نقله عبد الله بن مسعود نذكره نحن، ما تغير فيه أي شيء.

    كذلك تفسير القوة في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إلا إن القوة الرمي )، فإذاً لاحظ أنه قصد التفسير مباشرةً، وهذا النوع لا يتدخل فيه المفسر إطلاقاً، يعني ما يكون فيه مجال للاجتهاد أصلاً.

    أسباب النزول الصريحة المباشرة

    النوع الثالث: أسباب النزول الصريحة المباشرة كذلك تدخل في المنقول البحت؛ لأنه لا يجوز اختراع سبب نزول، لا من الصحابي ولا ممن بعده، ونقصد بأسباب النزول هنا الصريحة المباشرة.

    مثال ذلك: الآيات التي نزلت في الإفك، سبب النزول فيها واضح جداً وصريح؛ بأنه نزول في عائشة رضي الله عنها، ورميها بتلك التهمة. كذلك قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، سبب النزول في خولة بنت ثعلبة ، وهذا سبب صحيح وصريح فيها.

    إذاً هذا المقصود من أسباب النزول، أما عبارة نزلت في كذا، ويريد بها أن يكون الحكم داخلاً، في معنى الآية، فلا نريده.

    إذاً هذا النوع من أسباب النزول بحت، ولا يمكن لأحد أن يخترع سبب نزول، فإذا وردنا سبب نزول فيشترك جميع المفسرين في هذه المنقولات البحتة.

    ما لا يحتمل إلا معنى واحداً

    النوع الرابع: هو ما لا يحتمل إلا معنى واحداً؛ لعدم تصور الاختلاف فيه، مثل قول الله تعالى: أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:82]، الآية تدل على خلود أصحاب الجنة في الجنة، وليس لها معنى آخر، ولا يتصور الخلاف فيه.

    إذاً الأنواع التي تدخل في المنقولات البحتة أربعة: التفسير القرآني المباشر، التفسير النبوي المباشر، وأسباب النزول المباشرة الصريحة، وما لا يحتمل إلا معنى واحداً.

    لو تأملتم تفسير كل المفسرين في هذه الأنواع الأربعة، سيتفقون بدءاً من الصحابي إلى ما شاء الله ممن سيفسر القرآن، والفرق بين الصحابي وغيره فيما يتعلق بأسباب النزول، أو التفسير النبوي، أنه يكون هو الراوي، وممن شاهد الحدث، أو روى مباشرة عمن شاهد الحدث فقط، أما من جهة معرفة المعلومة أو وصول المعلومة فهي كلها متفقة عند المتقدمين والمتأخرين سواء، هذا النوع الأول.

    ما فائدة معرفة هذا النوع؟ وأنا أفسر القرآن، وأنا أقرأ القرآن، فبمعرفة هذا النوع تعرف ما هو الشيء الذي يمكن أن تقف عنده ولا تتعداه، بمعنى أنه إذا ورد سبب نزول صحيح صريح مباشر، فإنه يعتمد في فهم الآية، وإذا ورد تفسير قرآني مباشر معتمد في فهم الآية، ورد تفسير نبوي ومباشر ومعتمد في فهم الآية، فإن هذه الآية ليس لها إلا معنى واحد، ما فيها إشكال، وتلحق بهذا النوع، وإن لم تكن هي من قضية المنقولات البحتة.

    1.   

    المصادر النقلية النسبية للقرآن

    النوع الثاني: المصادر النقلية النسبية، وهذه أيضاً ممكن نقسمها إلى أربعة أقسام: المصدر الأول: رأي الصحابي، والمصدر الثاني: رأي التابعي، والثالث: رأي تابعي التابعي، والرابع: رأي من جاء بعدهم.

    عندنا الطبقة الأولى: طبقة الصحابة، يعني: رأي الصحابي في التفسير.

    الطبقة الثانية: رأي التابعي في التفسير.

    الطبقة الثالثة: رأي تابع التابعي في التفسير، وسبب إفراد هؤلاء؛ أن العلماء الذين نقلوا المروي من التفسير عن السلف، نقلوا أقوال هذه الطبقات الثلاث، فإذاً هذه الطبقات الثلاث تتميز بكونها خير القرون التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ) الحديث.

    فاعتماداً على هذا الحديث، واعتماداً على ما نقله العلماء الذين اعتنوا بالمأثور عن السلف، نقول: إن هذه الطبقات الثلاث هي الطبقات المعتمدة التي اعتمدها أهل السنة في فهم القرآن. من جاء بعدهم، يعني بعد هذا الجيل، الذي هو جيل أتباع التابعين، إلى اليوم، أي: واحد تنقل عنه رأيه، فيعتبر بالنسبة لك مأثوراً؛ لأنه ليس رأياً لك.

    على سبيل المثال: لو نقلت رأياً للشيخ السعدي رحمه الله تعالى، هل نقلك لرأيه بالنسبة لك رأي أو مأثور؟ مأثور بمعنى أنك أثرته عمن سبق.

    وهنا ممكن نجعل السلف قسماً، ومن جاء بعدهم قسماً آخر، وسبب التقسيم هذا، أنه حينما يتعارض ما ورد من تفسير السلف مع ما ورد من تفسير المتأخرين، فإن المقدم هو قول السلف، يعني من حيث الجملة، طبعاً هناك تفصيلات ليس هذا محلها، لكن نتكلم الآن من حيث القاعدة الجملية، أن قول السلف مقدم على قول من جاء بعدهم، في حال التعارض والتناقض، وفي حال التضارب أو التضاد.

    أيضاً من القضايا المهمة في هذا الباب، أنه لا يوجد آية لم يفهمها السلف، بمعنى أنهم فسروا جميع آيات القرآن، فلا يمكن أن نجد شيئاً فيه غموض من جهة المعنى، قد ترد آية أو جملة من آية لا نجد فيها قولاً لـمجاهد لـقتادة لـابن زيد لـابن جريج ، يعني لا نجد لأي واحد من السلف، لكن حينما ننظر في الآية نرى أنها واضحة ما تحتاج إلى من يبين فيها المعنى.

    ومع الأسف أنه في بعض الدراسات لا تجد عناية بالمنقول عن السلف؛ لأنك أحياناً تجد أن تفسير السلف يوصف بأوصاف يمكن أن تقول عنها بأنها مزعجة، مثل ما يقال عنها: أن فيها من الدخيل الشيء الكثير، أو أن فيه ضعفاً في التفسير بالمأثور عن السلف، أو تفسير السلف فيه إسرائيليات، أو دخله الوضع، عبارات كبيرة لكنها في الحقيقة فيها كثير من الوهم، بسبب عدم البحث العملي الصحيح الدقيق في هذا الموضوع، يعني: البحوث التي قامت في هذا النوع ليس فيها دقة في التعامل مع المروي عن السلف، ولهذا بعضهم يقول: أسباب ضعف التفسير المأثور، ثم يذكر هذه الأسباب، وهي ليست في حقيقتها موجودة؛ لأنها لا تخلو منها تفاسير المتأخرين، فضلاً عن تفاسير المتقدمين، يعني: لا تكاد تجد في تفسير الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، الطبقات الثلاث هذه العيوب التي يذكرها هؤلاء، وإن وجد شيء منها، فهو قليل لا يكاد أن يذكر، ولهذا نحن ركزنا على جعلنا هذه الطبقات منفردة: رأي الصحابي، رأي التابعي، رأي تابع التابعين.

    هذه الآن كما قلنا مصادر نقلية نسبية.

    حينما يفسر ابن عباس قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، يقول ابن عباس : هو الشرك، هذا نعتبره بالنسبة لـابن عباس نقلي أو رأي؟ نقلي؛ لأنه نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم. وابن مسعود لما يقول في هذه الآية: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، الشرك، نعلم إنه نقلي؛ لأنه هو الذي روى الحديث.

    ابن عباس فسر: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1]، بأنها الخيل، والرواية في البخاري فاستدرك عليه ابن عمه علي بن أبي طالب، وقال: إنها الإبل، يقول ابن عباس : فرجعت عن قولي إلى قول علي. الآن عمل علي و ابن عباس رأي وإلا نقل؟ رأي، يعني ابن عباس قوله رأي، و علي أيضاً رضي الله عنهما قوله رأي، يعني: كل واحد منهم قال برأيه، والذي يدل على أنه قول برأيهم، أن علي لما احتج على ابن عباس ، لم يقل له: فسر لنا الرسول صلى الله عيله وسلم هذا الآية كذا، وإنما اعترض عليه قال: لم يكن في الإسلام إلا فرسي وفرس المقداد ، فكيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالعاديات ضبحاً، وما كان هناك أفراس في الإسلام يقسم بها الله، وإنما أقسم بإبل الحجيج، وهي التي كانت قائمة قبل الإسلام وبعد الإسلام، فإذاً نظر علي رضي الله عنه كان نظر إلى مسألة التأريخ، وبين أنه ما كان هناك أفراس عند المسلمين، إلا فرسه وفرس المقداد في الجهاد. هذا الآن رأي واضح، فليس عنده نص من النبي صلى الله عليه وسلم، بأن المراد بالعاديات هذا أو هذا، فاجتهد رأيه، و ابن عباس اجتهد رأيه.

    وهذا الرأي الذي اجتهد ابن عباس أو علي ، أو كذلك إذا اجتهد التابعي، أو اجتهد تابع التابعي، كل واحد منهم رأيه بالنسبة له رأي، يعني اجتهاد منه، وبالنسبة لغيره ممن ينقل عنه يكون مأثوراً، إذاً المأثور بالنسبة لنا هو ما نرويه عن السلف، من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وما نرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، يعني: كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن هذه الطبقات الثلاث تسمى التفسير بالمأثور، لكن حينما نتعامل معه، نقسمه إلى قسمين: تفسير بالمأثور نقلي بحت.

    وتفسير بالمأثور: نقلي من جهتنا، وعقلي من جهة القائل به.

    1.   

    المصادر الكلية في تفسير القرآن

    عندنا في مصادر الاجتهاد، نأخذ طبقة الصحابة الآن، أراد مفسر أن يجتهد، ما هي المصادر الكلية التي يرجع إليها المفسر؟

    المصدر الأول: القرآن.

    والمصدر الثاني: السنة، ولم نقل: التفسير النبوي، أو التفسير القرآني، نحن نتكلم الآن عن مصادر عامة.

    المصدر الثالث: اللغة.

    والمصدر الرابع: التاريخ، يعني: تاريخ الأقوام وأحوالهم ممن ذكروا في القرآن، أو كانوا وقت نزول القرآن. ويدخل في التاريخ أسباب النزول، أو ممكن تدخلها في السنة بناءً على أنها في حكم المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم.

    تفسير القرآن بالقرآن

    إذاً لما نتعامل مع تفسير القرآن بالقرآن، سنجد أن عندنا نوعاً من تفسير القرآن بالقرآن ليس للمفسر فيه أي تدخل، مثل: الآيات التي ذكرناها قبل قليل.

    وهناك نوع كبير ومساحة كبيرة جداً جداً، سيكون للمفسر فيها تدخل في تفسير القرآن بالقرآن، الذي مصدره أو مرجعه هو الرأي والاجتهاد، مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]، لو رجعنا إلى التفسير، سنجد أن بعض المفسرين من السلف قال: كانت السماء والأرض ملتزقتين أو ملتصقتين، ففتق هذا عن هذه، وقول آخر: كانت السماء رتقاً لا تمطر، ففتقها الله بالمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت ففتقها الله بالنبات، وهذا يعني الرتق والفتق في السماء، غير الرتق والفتق في الأرض.

    ثم يقول المفسر: وهو كقوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ [الطارق:11]، الذي ترجع بالمطر مرة بعد مرة، وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ [الطارق:12]، التي تتصدع بالنبات.

    إذاً المفسر قال: إن آية: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ [الطارق:11-12]، تفسر: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]، وهذا العمل هل هو من جنس النوع الأول تفسير قرآني نقلي بحت، أو باجتهاد مفسر؟ هذا من اجتهاد المفسر.

    نسأل الآن: هل هو ملزم كالنوع الأول؟ ليس ملزماً كالنوع الأول؛ لأنه راجع إلى الاجتهاد، والدليل على ذلك أن الآية السابقة وقع فيها خلاف بين السلف، هل المراد كانت السماء والأرض ملتصقتين؟ ففتق هذه عن هذه، أو أن المراد بها حركة المطر، والنبات على القول الثاني.

    مثال آخر: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37]، فسرت بقوله: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا [الأعراف:23]، وهناك أقوال أخرى، لكن أغلبها مندرجة في هذا القول، الكلمات التي تلقاها آدم ، هل هي نفس ما قال في الآية الأخرى: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا[الأعراف:23]، أو غير هذه الآيات؟ طبعاً هناك خلاف فيما تلقاه آدم عليه السلام.

    فإذاً هذا أيضاً يدخله الاجتهاد.

    وهنا مثال آخر وهو قول سبحانه وتعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7]، عمر بن الخطاب يقول: قرن الرجل الصالح بالصالح، والرجل الطالح بالطالح، والفاسد بالفاسد، والكافر مع الكافر، يعني: كل واحد يقرن بمثيله في العمل، وقال: اقرءوا: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُون [الصافات:22]، الأزواج: أزواجهم الأصناف، أو القرناء في العمل، وليس المراد أزواجهم زوجاتهم؛ لأن ليس كل ظالم تكون زوجته معه، هذا القول الأول، وتابع جماهير العلماء هذا القول، وفسروا الآية أيضاً بقوله: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ [الواقعة:7-8] وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ [الواقعة:9] وَالسَّابِقُونَ [الواقعة:10]، يعني ثلاثة أصناف.

    والقول الآخر: إن المراد بالنفوس أنها تزوج بالأرواح، فتكون النفوس المراد بها الأجساد تزوج بالأرواح، والقول الأول: لا، تكون النفوس الأشخاص، يزوج بعضهم البعض، أي: يقرن بعضهم ببعض على حسب العمل.

    فإذاً عندنا هذا قول، وهذا قول، الآن لو نظرنا في خلاف بين العلماء في هذا، فهل القول الأول ملزم؛ لأنه من باب تفسير القرآن بالقرآن فقط؟ أو لأنه قول الجمهور؟ لأنه قول الجمهور، وكونه من باب تفسير القرآن بالقرآن أيضاً قرينة في ذلك، لكن ليس ملزماً، هذا الذي نريد أن نتنبه له.

    كذلك: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس:20]، بعض العلماء قال: يسر له طريق الخير والشر، وجعلها نظير لقوله: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، وبعض العلماء وهو المتناسق مع السياق قال: يسر له طريق خروجه من بطن أمه؛ لأنه قال قبل ذلك: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:19-21]، وهو يتكلم عن خلق الإنسان، وكونه خروجه من بطن أمه، هذا أكثر تلائماً مع خلق الإنسان من أن يكون تقدير الخير والشر، وهذا أيضاً استدلال أيضاً بالقرآن.

    المقصد من كل هذه الأمثلة، أنها من عمل المفسر واجتهاده.

    فإذاً إذا كان تفسير القرآن بالقرآن من النوع الأول الذي يكون تفسيره قرآنياً مباشراً، فهذا حجة بلا ريب، وإذا كان من النوع الثاني، فهو يدخل في باب الرأي، وقبوله ليس لأنه من باب تفسير القرآن بالقرآن فقط، بل لا بد من علة أخرى، وهناك من قواعد الترجيح، أن يوجد له نظير في القرآن، أو يكون من باب تفسير القرآن بالقرآن، وحينئذٍ نقول: هذه قرينة في الترجيح، لكن ليست دائماً أصلاً في ذلك، وإلا لو كانت أصلاً لازماً؛ لكان اخترنا في مثل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس:20]، الذي هو طريق الخير والشر؛ لأن الله قال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، وقس على ذلك غيرها من الخلافات الواردة.

    تفسير القرآن بالسنة

    النوع الثاني: السنة، كذلك السنة عندنا نفس القرآن.

    إذاً الآن السنة النبوية أحياناً يأتي شيء من السنة يكون تفسيراً مباشراً للقرآن، يعني المقصود به تفسير آية، وسبق ضرب أمثلة له.

    وعندنا قسم آخر فيه يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً من كلامه، فيتوافق مع مدلول آية من الآيات، والذي يبين توافق مدلول الآية مع مدلول الحديث هو المفسر، إذاً في هذا النوع المفسر يدخل برأيه. وهذا المجال الذي هو مجال ربط السنة النبوية بالقرآن، مجال فسيح وواسع جداً.

    أما النوع الأول الذي هو تفسير النبوي المباشر فهو قليل جداً، والنوع الثاني كثير جداً، وهو الذي قال عنه الشافعي رحمه الله تعالى: إن السنة شارحة للقرآن، أي: بالمنظور الثاني.

    لو أخذنا أمثلة من هذا النوع، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك. فقلت: يا رسول الله! قد قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:7-8] )، الآن صار هناك حساب، والرسول يقول: ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، والآية فيها قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا [الانشقاق:7-8]، لكن قيده بماذا؟ يَسِيرًا [الانشقاق:8]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما ذلك العرض )، إذاً الحساب اليسير هو العرض، وليس أحد يناقش، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم كلامه الأول.

    هذا المثال: من أي أنواع التفسير النبوي، هل هو من باب التفسير النبوي المباشر أو من غير المباشر؟ هذا مباشر؛ لأنه قصد تفسير الآية، يعني: عائشة رضي الله عنها استشكلت الآية ففسر لها النبي صلى الله عليه وسلم المقصد.

    كذلك حديث البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( يجاء بالكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقال: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك؟ )، الذي هو شهادة أن لا إله إلا الله، هذا الحديث أورده البخاري تحت آية اجتهاداً منه، فهل النبي صلى الله عليه وسلم لما قال هذا الكلام، هل ذكر آية يفسرها، أو كان كلاماً مطلقاً؟ كان كلام صلى الله عليه وسلم مطلقاً، ما كان مربوطاً بآية، لكن لما نتأمله، أليس فيه شبه بآية من الآيات.

    فإذاً لو تأملنا السنة النبوية سنجد أن في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يكون تفسيراً للآية، لكن الذي جعله تفسير الآية هو المفسر، وقضية قرب النص النبوي من الآية القرآنية، أو بعدها هذه قضية يمكن أن تعالج، لكن في النهاية، أي عمل من هذا الأعمال هو في الحقيقة اجتهاد المفسر. وأبرع من كتب بهذه الطريقة من علماء الإسلام، هو ابن كثير ، يعني ابن كثير اعتمد هذا المنهج اعتماداً واضحاً وقوياً، فهو أكثر المفسرين في هذا الباب.

    وقضية القرب والبعد كان ابن عباس رضي الله عنه يستخدم هذا المنهج، ومن ذلك أنه لما أراد أن يفسر اللمم، قال: (ما رأيت أشبه باللمم مما حدثني أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العينان تزنيان، وزناهما النظر .. )، الحديث، الآن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: ( العينان تزنيان ..)، هل كان يفسر آية من الآيات أو كان كلاماً مطلقاً؟ كان كلاماً مطلقاً.

    ولو جلسنا نتأمل هذا الحديث، يمكن نحار أن نربطه بآية من الآيات، لكن ابن عباس رضي الله عنه من فقهه أن جعل هذا الحديث يفسر قوله سبحانه وتعالى: إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، فهذا من فعل من فعل المفسر، وليس من التفسير النبوي المباشر.

    إذاً كيف نفرق بين التفسير النبوي المباشر، والذي يكون من فعل المفسر؟

    إذا ذكر آية بعينها وبين المعنى فيها، أو سئل عن آية بعينها وبين المعنى، فهذا يكون تفسيراً نبوياً مباشراً، وما عدا ذلك فهو من استفادة المفسر من السنة.

    بناء على ما سبق يكون تفسير ابن عباس للآية منقول نسبي؛ لأنه بالنسبة لـابن عباس اجتهادـ، ما هو مصدره السنة، وبالنسبة لنا منقول نسبي. هذا إذاً المصدر الثاني.

    تفسير القرآن باللغة

    وهنا سؤال: هل يمكن أن يكون لكل آية من القرآن آية تفسرها أو تبين معناها، هل يلزم ذلك؟ ما يلزم.

    هل يلزم كل آية في القرآن يقابلها حديث يفسرها؟ لا يلزم.

    هل يمكن أن توجد آية لا يوجد فيها بحث لغوي عن دلالة لفظ مثلاً؟ لا يمكن.

    إذاً أكثر هذه المصادر استعمالاً عند المفسر هي اللغة، لكن هذا لا يعني أن الأولى ليست بذات أهمية، لكن نحن نتكلم عن الكثرة.

    وهناك قاعدة: مع أن اللغة هذه منزلتها من التفسير، إلا أن اللغة لا تستقل بتفسير القرآن؛ لأن عندنا مصادر نقلية بحتة.

    دعونا نأخذ مثالاً؛ ليتبين به هذا الموضوع، أنه لا يمكن أن تستقل اللغة بالقرآن، مثلاً قول سبحانه وتعالى: وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، في آية نزول الماء في غزوة بدر، أبو عبيدة معمر بن المثنى ، ذهب إلى أن المراد بتثبيت الأقدام، قال: يفرغ عليهم الصبر.

    السؤال الذي يرد الآن: هل يصح لغة أن يقال: ثبت الله قدمك بمعنى أفرغ عليك الصبر؟ يصح لغة، إذاً من جهة اللغة يصح، لكن هل المراد هذا المعنى في هذه الآية؟ نقول: لا، لماذا؟ لأن قصة الآية التي هي شبيهة بسبب النزول تبين أن المعنى اللغوي الثاني هو المراد، ما هو المعنى الثاني؟ المعنى الثاني هو تثبيت القدم الحقيقية على الأرض؛ لكي لا تسوخ في الرمل. وهنا عندنا احتمال أن يكون هذا المعنى هو المراد، وهذا لغوي، واحتمال لأن هذا المعنى المراد، وهذا لغوي، واحتمال لأن هذا المعنى المراد وهو لغوي، فسبب النزول أو قصة الآية حدد لنا أحد المعنيين، فإذاً اللغة لا تستقل بفهم القرآن، وهذه قاعدة تنتبهون لها.

    أيضاً مما يدل على أن اللغة لا تستقل بفهم القرآن، قضية الحقيقة الشرعية الواردة في القرآن.

    هل نفسر الحقائق الشرعية بالمعنى اللغوي فقط؟ نقول: هذا هو المراد دون غيره؟ نقول: لا، ومن هنا أخطأ المرجئة، لما فسروا الإيمان بمجرد التصديق فقط، ولم ينظروا إلى الحقيقة الشرعية في معنى الإيمان، فإذاً تنتبهون لهذا، وأقصد من ذلك أن نتنبه لأهمية اللغة، وأغلب ما نحتاج في اللغة هي قضية دلالة المفردة أو المعنى، يعني: ما معنى كذا؟ هذا الذي يتكرر في كل لفظة، أما المباحث التي ترتبط بفقه اللغة، فلا يلزم.

    على سبيل المثال، هل يلزم أن يكون هناك بحث في الأضداد في كل آية؟ نقول: لا، هل يلزم أن يكون هناك بحث في الترادف في كل آية؟ نقول: لا، لكن بحث في دلالة المعنى يعني: ما معنى كذا، هذا لا بد أن يكون في كل آية، ما تخلو آية إلا وفيها بيان معنى، أما المباحث الأخرى في اللغة، فلا يلزم أن تكون دائماً موجودة في كل لفظة.

    نرجع الآن إلى هذا المصدر، هذا المصدر إذا كانت اللفظة لا تحتمل إلا معنى واحداً، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10]، طبعاً لا يمكن أحد يفهم أن المراد بالنخل: الرمان، فلا يسأل عن معنى النخل، لكن (باسقات) ما معناها: طويلات، أو مرتفعات، هذا معنى واحد ليس لها معنى آخر، وإن ترادف التعبير عنه، الذي هو الدلالة على الارتفاع، الآن: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10]، ولو رجعنا إلى اللغة لا نجد هذا المعنى الواحد، فنضع هذا النوع مما يرجع إلى اللغة في البحت؛ لأنه ليس نقلياً، لكنه أشبه النقلي من هذه الجهة، فإذاً إذا لم يكن للفظ إلا معنى واحد في لغة العرب، فإنه لا مجال للاجتهادـ، وما دام ما في مجال للاجتهاد، إذا خرج عن أن يكون داخلاً في هذه المصادر، متى تكون اللغة مصدراً للمجتهد؟ إذا تعددت الاحتمالات، مثلما قلنا في قوله: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، وإذا تعددت الاحتمالات مثل قوله سبحانه وتعالى: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:51]، هل المراد بقسورة الرامي، أو المراد بقسورة الأسد؟ هذا فيه اختلاف، الذي اختار الأسد، غير الذي اختار الرامي، وكون المفسر اختار هذا المعنى وترك هذا المعنى، فهذا دلالة على أن هناك اجتهاداً، فإذاً إذا تعددت المحتملات اللغوية، فإن الاجتهاد مباشرة يأتي.

    فإذاً اللغة من أكبر المصادر التي يعتمدها الذي يفسر برأيه.

    وهنا ملحظ في اللغة! هل اللغة من حيث هي نقلية أو عقلية؟

    الأصل في اللغة النقل، بمعنى: أني لا أستطيع أن أخترع معنى لفظة من اللفظات، ولهذا استدرك أهل السنة على المعتزلة تفسيرهم الاستواء في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، بأنه: استولى؛ لأنه لا يوجد في لغة العرب استوى بمعنى استولى، ولهذا لما سئل ابن الأعرابي: هل تجد في لغة العرب استوى بمعنى استولى؟ قال له: لا، لا يوجد، و ابن الأعرابي من كبار علماء اللغة الكوفيين، وبالفعل لما ترجع إلى كلام العرب، لا تجد فيه استوى بمعنى استولى، لكن هذا معنى اخترع، واخترع له شاهداً، ومن قدر الله أن هذا المعنى قال به طوائف من علماء المسلمين، لكن الصحيح أن هذا مخترع وليس بصحيح.

    إذاً تفسير القرآن بأي مصطلح خارج عن إطار اللغة أو الشرع، تفسير خاطئ، فمباشرةً حينما تأتي إلى ألفاظ القرآن تفسر بمصطلح، فاعرف أن هذا التفسير خطأ.

    كذلك لو جئنا إلى ذكر أقطار السموات والأرض، فاستدل مستدل بأن السموات والأرض كروية ومستديرة بناءً على التعبير بالإقطار، وأن القطر هو الذي يقسم الدائرة إلى نصفين، وهذا المعنى كون القطر يقسم الدائرة نصفين صحيح، لكنه ليس من جهة اللغة، بل من جهة العلوم البحتة، وهذا المعنى ما كانت العرب لا تعرفه ولا نطقت به، ولا هو موجود في الشرع، فلما يأتي مفسر يفسر الآيات بهذا، لإثبات كروية الأرض، أو إثبات أن السموات والأفلاك كلها كروية، وإن كان المعنى الذي قصده صحيحاً، لكن الاستدلال خطأ، فإذاً يجب أن نتنبه إلى هذا، وفي عصرنا يوجد بعض المسلمين، أما أن يكون عندهم حماس وحرص على إثبات أو إبراز دين الله وصحة هذا القرآن؛ لأنه قد يفسر وهو لا ينتبه بعض الألفاظ العربية بمثل هذه المصطلحات من حيث لا يشعر، فلننتبه إلى هذه القضية؛ لأنها مهمة جداً، واللغة قيد مهم جداً في معرفة مثل هذه التفسيرات الخاطئة.

    إذاً اللغة من حيث هي مصدر نقلي، لكن استخدامها عقلي، يعني بالاجتهاد، ولهذا هي من أكبر مصادر من يفسر القرآن برأيه.

    تفسير القرآن بالتاريخ

    التاريخ الذي تكلمنا عنه سواء سبب النزول أو أحوال الأقوام الذين نزل القرآن في وقتهم، أو قصص القرآن التي وردت والتفسير بها، هذا كله من مصادر المفسر برأيه.

    إذا أخذنا مثالاً فيه نوع من الإسرائيليات، لقوله: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ [ص:34]، هذه الآية تحكي حدثاً لسليمان ولما نتأمل ظاهرها، هل هناك شيء خفي علينا يحتاج إلى بيان من جهة المعاني؟ من جهة المعاني ليس فيها شيء، لكن الإشكالية في تحديد المراد بالجسد، ما هو الجسد؟ وإلا المعنى العام واضح، بعضهم قال: الجسد هو الشيطان سلط على ملك سليمان عليه السلام، وذكروا القصة الإسرائيلية المعروفة، وبعضهم قال: الجسد هو ما رواه البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن سليمان عليه السلام قال: ( لأطوفن الليلة على مائة امرأة، تلد كل واحدة منهن غلاماً يجاهد في سبيل الله، فقال له الملك: استثن، يعني قل: إن شاء الله، ولم يستثن)، يعني: نسى الاستثناء، فابتلاه الله سبحانه وتعالى بشق غلام يعني غلام بالنصف، فقالوا: إن هذا الحديث هو تفسير: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا [ص:34]، هذا هو الجسد. فمن فسر هذه الآيات بالقصة الإسرائيلية تفسيره الآن نقلي بحت، وإلا عقلي، يعني اجتهادي، كذلك من فسر الجسد بالذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو نصف غلام، نقلي بحت وإلا اجتهاد ورأي، إذاً هذا اجتهد وهذا اجتهد، اختلف المصدر، الأول مصدره السنة النبوية، والثاني مصدره الرواية الإسرائيلية.

    بمعنى: أن التاريخ الذي حدث لسليمان وقع في هذا الذي الأول قطعاً؛ لأنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، واحتمال أن يكون وقع فيه الثاني؛ لأنه مروي عن بني إسرائيل، فالمفسر اجتهد، فمنهم من ذهب إلى هذا، ومنهم من ذهب إلى هذا. لكن هل المصدر هذا نقلي وإلا عقلي، أي: المصدر من حيث هو للتاريخ، يعني: هل يمكن لأحد أن يخترع سبباً، يخترع قصةً؟ بمعنى أني أنا ما أتوصل إلى هذه القصص إلا بطريق الرواية، لكن إعمال هذه القصص في الآيات يكون بطريق الاجتهاد.

    1.   

    كيفية اختيار مصدر التفسير

    إذاً إن تأملنا هذه الأنواع الأربعة التي ذكرناها في مصادر الاجتهاد، نجد أننا لا يمكن أن نصل إلى واحد منها، إلا بالنقل، لكن إعمال هذه المصادر يكون بالرأي والاجتهاد.

    كذلك على سبيل المثال لما ترجع إلى قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ستجد أن بعض السلف قال: القوة ذكور الخيل، وذكرنا سابقاً أن القوة هي الرمي، وهذا نص النبي صلى الله عليه وسلم، فلو تخيلنا من باب الافتراض أن ذكور الخيل لا يمكن أن تتواءم مع أن القوة الرمي، أي: يكون بينهما نوع من التضاد، فحينئذٍ يقدم قطعاً تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.

    فالمقصد من ذلك أننا حينما نفسر في مثل هذا الموطن، نقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب، كذلك إذا كنت تفسر القرآن بالقرآن، فأيضاً تذكره، وإذا كان من أسباب النزول فإن أغلب أسباب النزول تبين المعاني وحينئذٍ أنت مضطر إلى ذكر سبب النزول.

    وما لا يحتمل إلا معنى واحد لا يتصور فيه خلاف، فهذا كما قلنا يلحق.

    وأفضل مفسر يبين لنا كيفية الاختيار من أقوال المفسرين ومن أقوال السلف، هو ابن جرير الطبري ، بمعنى: من أراد أن يتدرب على تفسير السنة بالقرآن فعنده تفسير ابن كثير ، فينظر كيف ربط ابن كثير بين هذه الآية وبين هذا الحديث. وإذا كان ليس من التفسير النبوي المباشر، فابن جرير يفيدك في كيف تختار من أقوال المفسرين، لكن ما هي عمدته في الاختيار؟

    يعني: المثال السابق الذي ذكرناه عن علي بن أبي طالب وابن عباس في معنى العاديات، ما هو سبب اختيار علي رضي الله عنه أن العاديات المراد بها الإبل؟ السبب هو تاريخ المسلمين، جعله يختار بهذا، لأنه لم يكن هناك خيول.

    فإذاً الآن هذه تفيدك في ما هي المصادر التي ممكن تختار من خلالها. وأما كيف تختار، فهذا يعود إلى قواعد الترجيح، فإذا جاء مفسر مجتهد يمكن أن يختار من هذه الأقوال.

    ولو رجعنا إلى ابن جرير في أي مثال من الأمثلة، سنجده يذكر أقوال السلف، ثم يختار منها بناءً على قاعدة علمية في الغالب تكون راجعة إلى أحد هذه المصادر التي ذكرناها، أو قد يعترض على اختياره لبعض المفسرين من السلف بناءً أيضاً على هذه المصادر التي ذكرناها.

    إذاً هذه فائدة معرفة المصادر النقلية النسبية، ومصادر الاجتهاد، وكما قلت ليس الآن ترتيب أدلة، وأن نقول: تختار لا، المقصد أنه لو وقع اختيار، كيف يقع هذا الاختيار من خلال هذه الأقوال باعتماد هذه المصادر.

    1.   

    شروط المفسر والعلوم التي يحتاجها

    وهنا مسألة أخيرة غير هذه المصادر قد تجدونها مثلاً بما يسمى بشروط المفسر، أو العلوم التي يحتاجها المفسر، وهذه العلوم التي يحتاجها المفسر إذا رجعنا إليها وتأملناها، يعني: من أوائل من ذكرها كاملة، وهي خمسة عشر علماً، الذي هو الراغب الأصفهاني ، ثم من بعده نقل عنه وأضاف، أما قبلهم من علماء السلف، فبعضهم يذكر بعض العلوم، لكن ليس على سبيل الاستقصاء، يعني يحيى بن سلام في مقدمة تفسيره ذكر بعض العلوم التي يحتاجها المفسر.

    ومن خلال هذا الكلام الذي ذكرناه، يمكن أن نعرف ما هي العلوم التي يحتاجها المفسر؛ لأن المفسر هو مبين لكلام الله، وما دام المفسر أنه مبين لكلام الله ننظر أن سبب النزول يحتاجه، وأن مدلولات الألفاظ يحتاجها، وأن القرآن يحتاجه، وأن السنة يحتاجه، وهكذا، تقيس على ما الذي يحتاجه في حال بيان المعاني، وستظهر لك واضحة ليس فيها لبس، أما التكثر بشروط المفسر، أو العلوم التي يحتاجها المفسر، فهذا فيه تكثر وليس كلها مما يحتاجه المفسر، وهي أشبه بأن تكون للمجتهد المطلق منها للمفسر، لكن إذا كان المفسر سيخرج إلى الاستنباط، فلا شك أنه يحتاج هذه العلوم.

    لكن ما هو العلم الذي يحتاجه من أراد أن يستنبط من القرآن؟

    إنه علم أصول الفقه، وأصول الفقه: هي كالأساسات التي تجعل الإنسان قادراً على الاستنباط، فإذا كان سيستنبط من الآيات ليس أنه سيفهم فقط، فإنه لا شك يحتاج إلى علم أصول الفقه.

    وإذا أراد أيضاً المفسر أن يبين إعجاز القرآن، فما هو العلم الذي سيحتاجه لبيان إعجاز القرآن غير اللغة؟ إنه علم البلاغة، وهنا نلاحظ أن هذه العلوم ليست في صلب التفسير، وإنما تدخل في علوم القرآن، إذا كان باب استنباط، أو باب بيان إعجاز القرآن، فنحتاج إلى هذه العلوم.

    وهنا ملحوظة إلى أنا لا نحصر المفسر ببيان المعاني، لكن نقول: هذه ماهية التفسير، لكن من أراد أن يفسر ويزيد لا بد أن يعرف أيضاً المراجع أو المصادر الأخرى التي يرجع إليها حال بيان هذه القضايا الأخرى.

    هذا تقريباً ما يتعلق بقضية المصادر.

    1.   

    تطبيق عملي لتفسير القرآن بالسنة كما في صحيح البخاري

    دعونا نأخذ مثالاً عند البخاري له علاقة بالمصادر، قال البخاري في كتاب الرقاق الباب العاشر قال: باب ما يتقى من فتنة المال، وقول الله تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15].

    الآن البخاري رحمه الله تعالى ذكر الباب جملة من كلام: باب ما يتقى من فتنة المال، ثم عطف عليه قول الله تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، ماذا سنتصور في الأحاديث التي سيذكرها، تكون مرتبطة بالآية وإلا ما مرتبطة؟ مرتبطة، ولهذا من باب الفائدة لمن أراد أن يستفيد من قضية التفسير بالسنة، البخاري بالذات، وكذلك الترمذي يلحقه في هذا، لكن البخاري بالذات عناوين أبواب صحيحة أحياناً تكون آيات، ثم يذكر من خلال الآيات قصة أو حديثاً، ففقه البخاري في الربط هذا، أي: نحتاج أن نعرف لماذا ربط البخاري بين هذا الحديث وهذه الآية؟

    وأول حديث أورده في هذا الباب بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعطَ لم يرضَ )، هذا الحديث الذي أورده ما علاقته بالآية: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]؟ أي أن من كان بهذه المثابة مفتون أو ليس مفتوناً؟ مفتون.

    أيضاً أورد حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب )، وهنا نلاحظ بوضوح ارتباط الحديث بالآية التي صدر بها.

    ثم ذكر البخاري أثراً عن ثابت عن أنس عن أبي قال: (كنا نرى هذا من القرآن: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب، أحب أن يكون له واديان، ولم يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب حتى نزلت: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] )، وهذا فيه فائدة غير فائدة الربط بين الحديث والآية الأولى، في قوله: حتى نزلت: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]، فإذا كنا نريد أن نقرأ قضية التاريخ، لو قلت لكم: هذه السورة: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]، هل هي مدنية أو مكية؟ مدنية.

    لكن ما الدليل على أنها مدنية؟

    الدليل قوله: (حتى نزلت) وأبي ما يمكن يقول عن حدث مكي: كنا نعدها، إذاً الحدث كله في المدينة؛ لأن أبياً ما دام مدنياً، سيقول: (حتى نزلت) وهو لا علاقة له بالحدث المكي.

    فإذاً كل السورة مدني، يعني الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو أن لابن آدم واديان )، كان في المدينة، ونزلت سورة: أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ )) بعد ذلك، أي: في المدينة، بدلالة أن الراوي أبي وسياق العبارة، يفهم منها أن الحدث كله مدني.

    مثال آخر: قال البخاري : باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، ثم أورد عن ابن عمر قال: (بينا الناس في الصبح بقباء، في صلاة الصبح، إذا جاءهم آتٍ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، ألا فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة).

    هذا الأثر الذي رواه ابن عمر مرتبط بتحويل القبلة، والآية في قوله: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، فما علاقة الآية بقضية تحويل القبلة؟

    لو نرجع إلى تفسير عبد الله بن سلام ، لما تكلم عن هذه الآية وفسرها، بين قال: أي يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم معرفة جلية لا تلتبس على أحدهم، كما لا يلتبس عليه أبناؤه من أبناء غيره، هذا معنى، وهناك معنى آخر أن الذي أشار إليه عبد الله بن سلام أن يقول: أنا لا أدري ما تفعل امرأتي بعدي. المقصد الآن ما علاقة الآية بتحويل القبلة؟

    لو ترجعون إلى الشراح، ستجدون أنهم استشكلوا هذا من البخاري ، أنه ما علاقة تحويل القبلة بقوله: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].

    الجواب: أن قوله: لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ [البقرة:146]، نجد أن مما كتموه من الحق شأن القبلة، وعندهم أيضاً من صفة هذا النبي الذي يأتي أنه يتوجه إلى الكعبة، وهذا موجود في كتبهم، أنه تتحول القبلة من الشام إلى مكة.

    إذاً عندنا مجال رحب جداً في تحريك الذهن والعقل، فيما يتعلق بتفسير القرآن بالسنة النبوية من خلال صحيح البخاري ، والربط بين تفسيرات البخاري ، والأحاديث التي يوردها البخاري، يعني: كيف فعل البخاري ، وكيف فهم البخاري هذه الآية، وهذا مجال رحب جداً جداً في قضية التطبيق؛ فمن أراد أن يستفيد يمكن أن يقرأ البخاري بهذه الصورة، الآية التي صدر بها البخاري والأحاديث التي أوردها تحت هذه الآية، ما العلاقة بينهما؟

    1.   

    الأسئلة

    موضع أسباب النزول من مصادر التفسير

    السؤال: ذكرت أن أسباب النزول تدخل ضمن مصادر الاجتهاد، فهل تعتبر أيضاً مصادر نقلية؟

    الجواب: إذا كنت ذكرتها من جهة النقل تدخل في السنة؛ لأنها مما له حكم الرفع، لكنها في حقيقتها لا، تدخل في النوع الأول الذي تكلمنا عنه، قصدي بذلك أن من جهة النقل هي واحدة، يعني لها حكم الرفع، أسباب النزول مباشرة تعتبر من المنقول البحت، لا تدخل في مصادر الاجتهاد.

    الاجتهاد في تفسير الآية مع معرفة سبب النزول

    السؤال: كيف يعمل المفسر اجتهاده في سبب النزول؟

    الجواب: طبعاً سبب النزول إذا ورد، خلاص المفسر ملزم بما في سبب النزول؛ أن هذه الآية بسبب كذا، لكن أحياناً يعبر بعض السلف عن شيء بأنه نزل كذا في كذا، وليس قصده أنه سبب النزول، وإنما قصده أن ما يحكيه من النزول يدخل في معنى الآية، وهذا كثير عندهم.

    تقييم تفسير الجلالين

    السؤال: ما رأيكم في كتاب تفسير الجلالين؟

    الجواب: هذا التفسير لقي قبول كبيراً من العلماء، فما يحتاج أن تقول: ما رأي فلان أو كذا.

    القول بأن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ

    السؤال: هل يجوز قول: إن القرآن وصلنا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عن طريق جبريل عليه السلام الذي أخذه من اللوح المحفوظ، وكيف يرد على من قال ذلك؟

    الجواب: هذا لا شك أنه باطل، يعني: هذا القول أنه أخذه جبريل من اللوح المحفوظ، هذا باطل بلا ريب، والشبهة جاءت من حديث ابن عباس الصحيح، وهو إليه ثابت، أن نزول القرآن كانت جملة إلى السماء الدنيا، فهذه شبهة من قال بهذا القول، ولكن الصحيح أن جبريل عليه السلام يسمعه من الله سماعاً، ثم ينزل به على الرسول صلى الله على عليه وسلم، وفي الآية التي وردت في الوحي: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ [سبأ:23]، أيضاً: تدل على الوحي المباشر.

    تفسير العاديات بالخيل بدلالة قوله: (فالموريات قدحاً)

    السؤال: قوله تعالى: فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:2]، أليست تفسيراً للعاديات أنها: الخيل؛ لقدح حوافر الخيل من شرر؟

    الجواب: طبعاً هذا الترجيح أن التي توري قدحاً هي الخيل، وأنا لا أتكلم عن الترجيح، أتكلم عن الذي وقع بينهما من باب الرأي فقط، ما كنا نفسر ونناقش، وما ذكره الأخ صحيح فيما يتعلق بأن الرأي الصحيح هو رأي ابن عباس الأول، والدليل عليه هو السياق الذي ذكره.

    تقييم كتاب في ظلال القرآن

    السؤال: ما رأيك في تفسير (في ظلال القرآن) للسيد قطب ؟

    الجواب: أولاً أنا أقول دائماً: هذا ليس من التفسير، والمؤلف نفسه بين أنه ليس من باب التفسير، التفسير الذي هو معتمد فيه يكون على ابن كثير ، ما بعد التفسير هو الذي يتكلم فيه سيد قطب ، وهنا قاعدة ذكرتها مراراً: ما يتكلم فيه السيد قطب أو غيره مثل أصحاب التفسير الإشاري أنهم يذكرون فوائد يربطونها بكتاب الله سبحانه وتعالى، وهذه الفوائد مستنبطة من كلام الله سبحانه وتعالى، لكنها لا تخلو من حالين: إما أن تكون الفائدة صحيحة في ذاتها، وإما أن تكون باطلة في ذاتها. فإن كانت باطلة في ذاتها فهي مردودة، سواء قالها سيد أو قالها غيره، على سبيل المثال: من يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، أن العرش: هو مثلاً قدرة الله، أو أن الاستواء هو الاستيلاء، هذا مردود عليه، لا يقبل، كائناً من كان القائل به. أما إذا كانت الفائدة صحيحة، فهناك احتمالان:

    إما أن تكون الآية دلت عليها بأي وجه من الدلالات، سواء دلالة منطوق، أو مفهوم، المهم أن هناك وجه دلالة بينه وبين الآية. وإما أن لا تكون الآية دلت عليها، فإن كانت دلت عليها فهو المعتبر عند العلماء وهو صحيح، سواءً سميناه تفسيراً إشارياً، سميناه ظلال قرآن، سميناه في ظلال آية، سميناه إرشادات آيات، أي اسم سميناه، فالاسم ليس له أثر، والمقصد النظر في الفائدة، هل الآية تدل عليها أو لا.

    أما إذا ما دلت عليه الآية، وهو كلام صحيح، لكن الآية ما دلت عليها، فنقبله من حيث هو كلام، ولكن نرفضه من جهة ربطه بكلام الله سبحانه وتعالى، أن نقول: الآية لا تدل عليه، لكن هو من حيث هو كلام صحيح، وهذا يرد كثيراً فيما يسمى بالتفسير الإشاري، مثلما ذكره القرطبي وغيره، عن أحدهم أنه يفسر: إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ [البقرة:249]، قال: النهر هذا الدنيا، وذكر أصناف الناس، فمن مغترف بيده، ومن شارب منه متهور، ومن لم يشرب، فالذي لم يشرب هؤلاء هم أصحاب المنزلة الأولى، يعني المتقون، والذي شرب المخلط، يعني الذي غرف غرفة بيده، والذي تهوك وشرب كثيراً هذا الذي هلك في المعاصي، فكلامه أن الدنيا نهر، وأن الناس فيها ثلاثة أقسام، نقبل كلامه وإلا ما نقبله؟ نقبله، لكن كونه يقول: إن الآية آية طالوت هي المراد بهذا، نقول: هذا خطأ.

    فإذاً كلام سيد قطب أو غيره، يعني ممن تكلم بهذه الطريقة، لا يخلو من أحد هذه الأوجه الثلاثة، فأنت رتب كلامه على هذا، فما كان باطلاً فهو مردود، وما كان صحيحاً يدل عليه الآية فهو صحيح، سواء قال هو أو غيره، وما كان صحيحاً لذاته، لكن لا تدل عليه، نقبله من حيث هو كلام، ونرفض ربطه بالآيات.

    كذلك ما يدخل في الإعجاز العلمي أحياناً يدخل في هذا الباب، وأحياناً يدخل في باب التفسير، فيدخل فيه هل اللغة دلت عليه، أو لا؟ واللغة هي أول معبر يجب أن ينتبه إليه في دخول القضايا التي تكلم عنها في الإعجاز العلمي، لأنه إذا رديناه من جهة اللغة ارتحنا من الجهات الأخرى، فأول معبر اللغة، وإذا تجاوز اللغة نبدأ نناقش القضايا الأخرى، والضوابط الأخرى بعده، وهنا فائدة وهي مهمة جداً، أن من تكلم في الإعجاز العلمي، أحياناً يكون بيان معاني، وأحياناً يكون من باب إرشادات الآيات واستنباطات فيها، وليست من باب بيان المعاني، فينتبه إلى هذا ما يتكلم فيه، فالذي تكلم في الإعجاز العلمي ليس وجهاً واحداً، وإنما متنوع فيما يتعلق ببيان المعاني أحياناً، وأحياناً في ما يسمى بإرشادات، أو ما يفهم من القرآن.

    شواذ القراءات

    السؤال: سمعت عن شواذ القراءات فما هي؟ أرجو تسميتها لنا؟

    الجواب: الشاذ من القراءات: هو ما خرج عن العشرة عند العلماء، عن القراءات العشر.

    قراءة الآية الواحدة بأكثر من قراءة

    السؤال: ما حكم قراءة الآية الواحدة بأكثر من قراءة؟ وهل تعين على التدبر؟

    الجواب: طبعاً إذا كان عالماً بالقراءات فمعرفته بالقراءات، لا شك أنه يعين على زيادة المعاني، وزيادة الاستنباطات، لكن قراءتها بأكثر من قراءة تعين على التدبر في ذاته، نقول: لا؛ لأنه كما نتدبر من خلال قراءة حفص ، قد نتدبر من خلال قراءة أخرى من القراءات، إذاً هي تزيد في المعاني والاستنباطات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757003463