إسلام ويب

من السبع الموبقات - الشرك باللهللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أجل تحقيق التوحيد لله خلق الله الجن والإنس، ومن أجله أنزل الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، فالتوحيد هو الأساس الذي تبنى عليه الأعمال، وبدونه لا يقبل أي عمل، ولهذا لم يأمر الله تعالى بشيء كأمره بالتوحيد، ولم ينه عن شيء كنهيه عن الشرك، فهو أم الكبائر وأعظم الظلم، لا يقبل الله من المشرك صرفاً ولا عدلاً، ولا يستحق المغفرة ولا الرحمة، بل يستحق الخلود في النار وبئس القرار!

    1.   

    أعظم الموبقات وأكبر الكبائر الشرك بالله عز وجل

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين وسيد المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! قدر الله جل وعلا أن نختم حديثنا عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى بالحديث عن الأئمة الأربعة المعروفين، وسأكتفي بهذا القدر في الحديث عن هذه السلسلة الكريمة، سائلاً الحق تبارك وتعالى أن ينفع بها، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]. لنبدأ من اليوم -إن شاء الله جل وعلا- سلسلة منهجية جديدة أخرى بعنوان: اجتنبوا السبع الموبقات، وهذه السلسلة شرح لحديث صحيح رواه الإمام البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، هذه هي السبع الموبقات التي سنقف معها إن لم يكن في سبعة لقاءات، ففي تسعة أو في عشرة لقاءات إن قدر الله جل وعلا لنا البقاء واللقاء. (اجتنبوا السبع الموبقات) أي: المهلكات، وسميت بالمهلكات؛ لأنها سبب لإهلاك صاحبها ومرتكبها عياذاً بالله، قال الحافظ ابن حجر : والموبقة هنا هي الكبيرة. وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم الحديث عن أكبر الكبائر ألا وهو الشرك بالله، والحديث عن الشرك أيها الأحبة حديث طويل بطول رحلته على هذه الأرض من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، ولذا حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في عدة عناصر: أولاً: خطورة الشرك. ثانياً: رحلة الشرك إلى الأرض. ثالثاً: أقسام الشرك. رابعاً: فضل تحقيق التوحيد. فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأخيار، فإن لقاءنا اليوم من الأهمية بمكان. أولاً: خطورة الشرك: أحبتي في الله! إن الشرك أظلم الظلم، وأقبح الجهل، وأكبر الكبائر، ومن ثم لم تدع الرسل جميعاً إلى شيء قبل التوحيد، ولم تنه الرسل جميعاً عن شيء قبل التنديد، ولذا لم يتوعد الله جل وعلا على ذنب مثلما توعد على الشرك من الوعيد الشديد، فقال ربنا جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، وقال الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. أيها الحبيب! ستعجب إذا علمت أن الله جل وعلا قد خاطب صفوة خلقه وهم الرسل بقوله جل وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، بل وسيزداد عجبك إذا علمت أن الله جل وعلا قد خاطب إمام الموحدين وقدوة المحققين وسيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66]، هذا خطاب من الله لإمام الموحدين، وقدوة المحققين محمد صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] أي: من إخوانك من النبيين والمرسلين. ومن ثم حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك تحذيراً شديداً فقال كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود: (من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)، قال ابن مسعود وقلت أنا: (ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة). وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار). وفي الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنهما قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة وكان عنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه أبي طالب ، فقال: أي عم، قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، فالتفت اللعين أبو جهل إلى أبي طالب وقال: يا أبا طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال أبو طالب : لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزل قول الله جل وعلا: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]). هذا هو خطر الشرك، لا يقبل الله فيه استغفاراً، ولا يقبل الله فيه شفاعة ولو كانت من سيد الخلق وحبيب الحق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].

    1.   

    رحلة الشرك إلى الأرض من نوح عليه السلام إلى زماننا هذا

    أيها الأحبة في الله! الآيات والأحاديث في خطورة الشرك كثيرة، ولا يتسع الوقت للوقوف عليها كلها أو حتى على معظمها، والسؤال الذي يقفز الآن إلى أذهانكم جميعاً هو: كيف وصل هذا الشرك إلى الأرض؟ وكيف دنس الشرك فطرة التوحيد التي فطر الله الناس عليها؟ والجواب عند جمهور أهل العلم: أن بداية ظهور الشرك كانت في قوم نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، كما روى ذلك الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين بسنده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على شريعة من الحق والهدى، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. كان أولاد آدم من ذريته على ملة أبيهم، على التوحيد الخالص، وعلى العبادة الصحيحة لله جل وعلا، وإن كان وقع بعض المعاصي والذنوب كالقتل وغيرها كما تعلمون جميعاً، ولكن العبادة والتوحيد كان خالصاً لله جل وعلا إلى أن جاء قوم نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فجاء الشيطان -لعنه الله- وزين لقوم نوح عبادة الأصنام، أتدرون ما هي أول قصة لهذه الأصنام؟! هذه الأصنام والتماثيل التي عبدها قوم نوح كانت لقوم صالحين، كما قال ابن عباس ، والحديث في صحيح البخاري في كتاب التفسير في سورة نوح في: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، قال: (هذه أسماء قوم صالحين من قوم نوح فذهب الشيطان إليهم وقال: انصبوا لهؤلاء الصالحين تماثيل، وضعوا هذه التماثيل في مجالسكم؛ لتظلوا دائماً تذكرونهم بكل خير، ولتظل سيرتهم حية تنبض بالحياة بينكم، ففعل قوم نوح هذا، ولكنهم في أول الأمر ما عبدوا هذه التماثيل ولا هذه الأصنام، وإنما وضعت هذه التماثيل وكانوا يعظمون أهلها ويقدرون أصحابها؛ لأنهم كانوا قوماً صالحين، فلما نسي العلم وهلك هؤلاء جاء من بعدهم فظنوا أن هذه التماثيل هي آلهة آبائهم فعبدوها من دون ربهم جل وعلا). فلما أراد الله أن ينتشلهم من هذا الشرك، ومن هذه الأوحال والظلمات أرسل الله جل وعلا إليهم نوحاً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فدعاهم نوح إلى التوحيد، وأمرهم بعبادة الله وحده، وأمرهم أن يتركوا هذه الأصنام وهذه الآلهة المكذوبة، ودعاهم في الليل والنهار، في السر والعلن، ولكنهم عاندوا وأصروا واستكبروا استكباراً، وقالوا على قلب رجل واحد: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]. فلما يئس نوح عليه السلام دعا الله جل وعلا: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:26-27]، أي: يضلوا عبادك الموحدين المؤمنين. فاستجاب الله جل وعلا لدعوة نوح. وفي سورة أخرى قال: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:10-12]، أي: ماء السماء مع ماء الأرض، قدرناه ودبرناه وأحكمناه، عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ [القمر:12-14]، إنها قدرة الله جل وعلا، فأهلك الله قوم نوح بالطوفان. ثم انتقل الشرك من بعد قوم نوح إلى قوم عاد، فجاء قوم عاد فعبدوا آلهة أخرى مع الله جل وعلا، منها: هدى وصدى وصمود، فأرسل الله إليهم هوداً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فدعاهم إلى توحيد الله، وإلى عبادة الله جل وعلا وحده، فكذبوه وعارضوه وعاندوه، فاستجاب الله عز وجل لنبيه فأهلك الله قوم عاد بريح صرصر عاتية. ثم جاء من بعدهم قوم ثمود، فأرسل الله جل وعلا إليهم صالحاً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فدعاهم إلى توحيد الله وإلى عبادة الله جل وعلا وحده، فكذبوه وحاربوه، فأهلكهم الله جل وعلا بالصيحة. ثم انتقل الشرك بعد ذلك إلى قوم إبراهيم الذين عبدوا الأصنام، وعبدوا الشمس، وعبدوا القمر، وعبدوا الكواكب والنجوم، فأرسل الله إليهم خليله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وامتن الله على إبراهيم فجعل النبوة والكتاب في ذريته إلى يوم القيامة، فجميع الأنبياء من بعد إبراهيم من نسل إسحاق، ولم يبعث الله جل وعلا من نسل إسماعيل إلا نبينا وحبيبنا المصطفى، وجعله الله جل وعلا أفضل الأنبياء وسيد المرسلين. ثم انتقل الشرك بعد ذلك إلى بني إسرائيل، فعبد أولهم العجل الذي حرقه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وعبد آخرهم عزيراً والمسيح تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً. ثم انتقل الشرك بعد ذلك إلى أرض الجزيرة العربية على يد عمرو بن لحي الخزاعي قبحه الله، كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار)، و( قصبه ) بضم القاف وسكون الصاد هي: الأمعاء، (رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائيب)، وفي لفظ أحمد : (وغير دين إبراهيم). هذا الرجل هو أول من جاء بالأصنام إلى أرض الجزيرة العربية، وبدأت الأصنام من بعده تكثر وتنتشر حتى ملأت بيت الله الحرام، وكثرت الأصنام حول الكعبة ذاتها، وعبد الناس الحجارة من دون الله جل وعلا، حتى ثبت في الحلية لـأبي نعيم ، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي بسند صحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر في الجاهلية فإذا رأينا حجراً أحسن منه ألقينا الأول وأخذنا الثاني فعبدناه من دون الله جل وعلا، فإذا لم نجد حجراً أتينا بكومة من التراب وجئنا بالغنم فحلبناها عليه، وطفنا بهذه الكومة نعبدها من دون الله عز وجل. فلما أراد الله أن ينتشلهم من هذا الشرك إلى أنوار التوحيد والإيمان، بعث الله فيهم إمام الموحدين، وقدوة المحققين محمداً صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام لينقذهم من هذا الجحيم الذي أشعلوه بأيديهم، وعشقوا الاحتراق بناره، فجاء النبي يدعوهم إلى لا إله إلا الله، ويعلمهم بأن هذه الحجارة لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن نفسها شيئاً، فمنهم من عاند وأعرض وكفر، وقالت فئة منهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:5-7]. ووضعت هذه الفئة الكافرة السدود والحواجز والأشواك والصخور والحجارة أمام النبي صلى الله عليه وسلم والموحدين معه، ولكن هذا كله لم يزد الفئة المؤمنة الموحدة التي ذاقت حلاوة الإيمان وطعم التوحيد إلا إيماناً وإصراراً وثباتاً على الحق وإخلاصاً لهذا التوحيد الذي ذاقوا حلاوته، حتى جاء نصر الله جل وعلا، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وظلت الأمة ترفل في ثوب التوحيد التي كساها إياه إمام الموحدين محمد صلى الله عليه وسلم؛ حتى بدأت الفتن تطل برأسها الظلوم، وبوجهها الكالح الغشوم، وابتعدت الأمة رويداً رويداً عن حقيقة التوحيد، وبدأ الشرك يظهر في كثير من بلدان الأمة المؤمنة الموحدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهاهي صور الشرك ومظاهر الشرك قد أنتنت الأرض والبقاع ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولابد أن نعلم -أحبابي- أن الشرك لم يعد يتمثل في هذه الصورة الساذجة التي كانت تتمثل في صورة الصنم الذي يصنعه المشرك الأول بيديه، ويسجد له من دون الله جل وعلا، كلا! بل لقد تعقد الشرك وكثر، وتعددت صوره ومظاهره في مجال الاعتقاد، وفي مجال النسك، وفي مجال التشريع، ولا يتسع الوقت لهذا التفصيل، ومظانه كتب التوحيد لعلماء السلف. بل يكفي أن نعلم جميعاً أنه إلى يومنا هذا وإلى ساعتي هذه، يوجد في هذا العالم المتحرر المتحضر المتنور في الهند وحدها أكثر من مائتي مليون بقرة تعبد من دون الله. بل ولو مشت البقرة في شارع من الشوارع العامة؛ لتوقف وراءها سيل من السيارات، لا تجرؤ سيارة مهما كان قائدها أن تخطو خطوة واحدة إلا إذا تفضلت البقرة بالانصراف عن الطريق العام!! وناهيكم إذا ما دخلت البقرة محلاً من المحلات العامة وتبولت -أعزكم الله- لسعد صاحب المحل سعادة غامرة وقال: لقد حلت علي اليوم بركات الإله!! بل وستعجبون إذا علمتم أن في الهند ذاتها معابد ضخمة تقدم إليها النذور والقرابين، ولكن هل علمتم ما هي الآلهة التي تعبد في هذه المعابد الفخمة الضخمة؟! إنها الفئران!! يا للعار على هذا العقل البشري إذا انفك وتحدى نور الوحي الإلهي. بل وأقول بملء فمي: يا للعار ويا للشنار على أهل التوحيد وعلى أمة التوحيد، ما الذي قدمناه؟ وما الذي فعلناه؟ وما الذي بذلناه؟ بل أقول بمنتهى الحسرة والمرارة: ما الذي قدمناه للمسلمين الذين غاب عن ظنهم ووعيهم وعقلهم مفهوم التوحيد الشامل، وحقيقة التوحيد الخالص؟ ومن باب أولى: ما الذي قدمناه لغير المسلمين من الكفار والمشركين الذين ينتظرون منا أن نعلمهم وأن نسمعهم كلمة التوحيد، وأن نقيم عليهم الحجة الرسالية في الأرض التي قال الله عنها: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]؟ أيها الأحبة! إن هذا يلقي بأعظم المسئوليات على عواتقنا وعلى كواهلنا نحن الموحدين، ولتعلموا جميعاً يا شباب الصحوة بأن التوقف لإصدار الأحكام على الن

    1.   

    أقسام الشرك

    الشرك ينقسم إلى قسمين، ألا وهما: شرك أكبر. وشرك أصغر.

    الشرك الأكبر

    أما الشرك الأكبر فهو: اتخاذ الند لله أو مع الله، بأن يتخذ العبد نداً لله أو مع الله جل وعلا، يحبه كما يحب الله، ويخافه كما يخاف الله، وينقاد له كما ينقاد لله جل وعلا، في جانب الاعتقاد تارة، أو في جانب النسك -أي: العبادة- تارة أخرى، أو في جانب التشريع وهو الجانب المر الحنظل مرة ثالثة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فيا أيها الحبيب! الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بتوبة صادقة، بالإقرار بالوحدانية لله، وبخلع الشرك على عتبة التوحيد من أول لحظة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. وهذا الشرك قال الله عنه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]. وهذا الشرك هو شرك التسوية الذي قال الله عنه على لسان المشركين لآلهتهم في النار قالوا: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97-98]، إن هذه التسوية هي بالمحبة والتعظيم والعبادة، وفي التشريع، فلقد قبلوا آراءهم وتشريعاتهم وعظموها أكثر من تعظيمهم لتشريعات ربهم جل وعلا، والله تبارك وتعالى يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60]، وقال الله عن المؤمنين: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]، شعار أهل الإيمان السمع والطاعة، سمع بلا تردد، وطاعة بلا انحراف. هذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله جل وعلا، إما أن يتخذ العبد نداً مع الله، وإما أن يتخذ العبد نداً لله نداً يعبده من دون الله أو نداً يعبده مع الله، كشرك هؤلاء الذين يعبدون آلهة أخرى يظنون أنها تشفع لهم عند الله جل وعلا يوم القيامة. والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع وسد هذا الباب وقال كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة لما سأله: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ -أتدرون ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟- قال: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، والشاهد أن النبي قد جعل أعظم أسباب الشفاعة: إخلاص التوحيد وتجريد التوحيد لله جل وعلا، فلا يشفع مخلوق عند الله عز وجل، إلا إذا قبل الله الشفاعة ابتداءً، ورضي الله عن الشافع وعن المشفوع فيه أو المشفوع له، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]. ولا يقبل الله من الناس إلا التوحيد الخالص والعبادة الصحيحة لله جل وعلا، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك إلى ما بعد جلسة الاستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    الشرك الأصغر: الرياء

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا القسم في حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران بن حصين وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جازى خلقه أو عباده: اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم جزاءً). فيا من لا تؤدي العبادة لله جل وعلا وإنما لابتغاء المحمدة والثناء عند الخلق، عند المهازيل من البشر؛ اتق الله! واعلم بأنه لا يوجد مخلوق على ظهر هذه الأرض يستطيع أن ينفعك أو يضرك إلا بأمر الله جل وعلا، فوجه عبادتك وتوحيدك لله عز وجل؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، والخالص هو ما ابتغي به وجه الله، والصواب هو ما كان موافقاً لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. والرياء لغة: مشتق من الرؤية، وشرعاً: هو إرادة العباد بطاعة رب العباد، بأن تبتغي بعملك الثناء عند الناس والمحمدة والشكر ولا تبتغي بعملك وجه الله جل وعلا، اعلم حينئذٍ بأن عملك حابط ومردود على رأسك؛ لأن الله أغنى الأغنياء عن الشرك، لا يقبل ذرة شرك في عمل من الأعمال، بل يترك عملك وشركك إلى من وجهت العمل إليه عياذاً بالله. فيا أيها الحبيب الكريم! أخلص العمل لله وأخلص العبادة لله، أذكر نفسي وإياك، وأسأل الله أن يجعلني وإياك من المخلصين الصادقين إنه ولي ذلك ومولاه، ووالله لو لم نسمع في خطورة الرياء إلا حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال شهيد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فيؤتى به فيعرفه الله نعمه فيعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمت، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل آتاه الله من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيلاً من سبل الخير تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال جواد وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه في النار) هذه هي خطورة الرياء أيها الأحبة!

    1.   

    فضل التوحيد وتحقيقه

    وأختم الحديث عن الشرك بأحاديث خفيفة سريعة عن فضل التوحيد وعن فضل تحقيق التوحيد، ليسعد الموحدون وليسجد الموحدون شكراً لله رب العالمين، وليزداد كل واحد منا حرصاً على التوحيد لله وخوفاً من الوقوع في الشرك، وكيف لا أخاف الشرك ولا تخاف الشرك وقد خاف الشرك خليل الله إبراهيم ودعا ربه جل وعلا بقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]. ففي الصحيحين من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) ، وفي رواية عتبان بن مالك : (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله عز وجل) ، هذا فضل التوحيد أيها الموحدون. وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم ، وأقره الذهبي ، وأطال النفس كثيراً الإمام ابن القيم في الرد على من أعل هذا الحديث في تهذيب السنن، وصحح الحديث أيضاً شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، وينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ويقول الله عز وجل: أفلك عذر؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله عز وجل: بلى إن لك عندنا حسنة فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول الله عز وجل: احضر وزنك فإنك لا تظلم، فيقول العبد: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله جل وعلا: احضر وزنك فإنه لا ظلم عليك اليوم، يقول: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فإنه لا يثقل مع اسم الله شيء). ذلكم هو التوحيد لله الذي قال عنه الإمام ابن القيم : إن السر العجيب الذي ثقل بطاقة هذا الرجل وطاشت من أجله السجلات هو التوحيد الخالص، هو التوحيد الخالص الذي لو وضعت منه ذرة على جبال من الذنوب والخطايا لبددتها وأذابتها، فإن للتوحيد نوراً يبدد ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة هذا النور، إن السر هو التوحيد الخالص، هو التوحيد الصادق، هو إخلاص العبودية والعبادة لله جل وعلا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين [الأنعام:162]، وليس لأحد، ليس لأي إله من الآلهة المكذوبة المفتراة المدعاة قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. قل بحق وصدق: اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، وأبرأ من الأمل إلا فيك، وأبرأ من التسليم إلا لك، وأبرأ من التفويض إلا إليك، وأبرأ من التوكل إلا عليك، وأبرأ من الصبر إلا على بابك، وأبرأ من الذل إلا في طاعتك، وأبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين. أخلص توحيدك لله، أخلص عبادتك لله، ليكن ذبحك لله، ونذرك لله، وحلفك بالله، وطوافك ببيت الله فقط لا بغيره ولا بقبر أحد من الخلق على ظهر هذه الأرض، ولو كان بقبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، لا ببيت هذا ولا بقبر فلان، ولا تذبح إلا له، ولا تنذر إلا له، ولا تحلف إلا به، ولا تسأل إلا الله، ولا تستعن إلا بالله، ولا تطلب الغوث والمدد إلا من الله وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17]. يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله إذا بليت فثق بالله وأرض به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الصانع الله والله ما لك غير الله من أحد فحسبك الله في كل لك الله أيها الحبيب الكريم! وأختم بهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم والإمام الترمذي وهذا لفظ الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) . أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجنبني وإياكم الشرك، وأن يجعلني وإياكم من المحققين للتوحيد، من المخلصين للعبودية والعبادة لله رب العالمين. وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرد الأمة إليه رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم كن للمسلمين الحفاة وكن للمسلمين العراة وكن للمسلمين الجياع في وقت تخلى فيه الجميع عنهم في البوسنة والهرسك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم وفق حكام المسلمين لما تحبه وترضاه، الله احفظ حكامنا وثبت علماءنا وفرج كربنا وكربهم برحمتك يا رب العالمين، اللهم فرج كرب العلماء، اللهم فرج كرب الأتقياء، اللهم فرج كرب الأصفياء، اللهم فك سجن المسجونين وأسر المأسورين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. أحبتي في الله! صلوا وسلموا على نبينا وحبيبنا محمد كما أمرنا الله جل وعلا بذلك في محكم كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756236074