إسلام ويب

جروح نازفةللشيخ : علي بن محمد آل ياسين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مضت أيام وسنون كان يقتل فيها كثرة من البشر، وقدمت أيام وسنون قتل فيها جموع من البشر، ولكن الفرق أن القتلى فيما مضى هم أهل الشرك وعبدة الأوثان، وأما الآن فالعكس تماماً! فكم من جرح للمسلمين نازف لم يجد من يضمده، وكم من ثلم في الأمة لم يجد من يسده.

    1.   

    حال الأمة الإسلامية في العصر الحاضر

    الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، والصلاة والسلام على خير البرية، وهادي البشرية، من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    أما بعد:

    إن المتأمل لحال الأمة الإسلامية ليتقطع قلبه ألماً، وتتفتت كبده كمداً؛ لما يرى من آلام ألمت بهذا الجسد العظيم! فأينما نظرت وجدت مأساة يتجرع غصصها المؤمنون، وإذا سمعت بمجازر ومذابح فاعلم أن الضحية هم الموحدون، وإذا قرأت عن اغتصابات وإبادات فكن على يقين أنه واقع بالمسلمين.. قتل وتشريد، حرق وتعذيب، مقدسات تستباح، أعراض تنتهك، مساكن تهدم، أموال تسلب، وفظائع وجرائم تبكي العيون وتدمي الأفئدة وتحرق القلوب إن كان في القلب إسلام وإيمان.. جرائم وفظائع حيرت الحليم، وأخرست الحكيم، وأذهلت اللبيب، ولينت القاسي.

    واقع مرير لو كان في غير المسلمين لتحركت جحافل، ولأقلعت طائرات، ولضربت مدافع، ولقامت قيامة العدل المزعوم، ولانبعثت أحاسيس الرحمة العنصرية، والنجدة القاصرة على الولاية العقدية، ولكن ما دام أن الضحية هم المسلمون فيا نار زيدي اشتعالاً! ويا حرب زيدي دماراً! ويا سماء أمطري حجارةً وناراً! وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

    1.   

    جرائم اليهود في فلسطين

    فهاهي فلسطين ! وما أدراكم ما فلسطين ؟! همنا القديم، وجرحنا العظيم، الذي لا يزيد مع الأيام إلا توسعاً، ولا يزيد مع التوسع إلا ألماً وحسرةً وتوجعاً، فلسطين يا أرض الإسراء! فلسطين يا قبلة الأنبياء! فلسطين يا أرض الشهداء! يا أرض العزة والكرامة والإباء! يا مسرى محمد! يا فتح عمر ! يا غضبة صلاح الدين ! دمرك الحاقدون، ودنس أقصاك الأنجاس الحاسدون، واغتصبك المجرمون، وعاث فيك اليهود الكافرون، أبناء القردة والخنازير، لعنهم الله وأخزاهم، وجعل الذلة والصغار عليهم.

    إخوة العقيدة! إن ما يفعله اليهود هذه الأيام في الأرض المباركة من قتل وتشريد، وسفك للدماء، وانتهاك للأعراض، وتدنيس للمقدسات، وضرب بالطائرات، وقذف بالدبابات، وهدم للمساكن والبنايات على رءوس الشيب والشباب والشابات، حتى الأطفال الرضع هشمت رءوسهم، ومزقت أجسامهم، قرىً كاملة دمرت بمن فيها، فإلى الله المشتكى، وإليه ترفع الشكوى.

    إخوة الإسلام! إن ما يفعله اليهود بإخواننا ومقدساتنا هو نابع عن عقيدتهم المحرفة، ونتاج حقدهم وحسدهم وكفرهم، واستمراراً لفسادهم وإفسادهم، ففي تلمودهم المقدس بزعمهم: أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم جنس طاهر؛ لأنهم جزء من الله -تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً- وأن بقية البشر إنما هم أنجاس وبهائم وشياطين، وأن الله خلقهم على الصورة البشرية؛ حتى يستأنس أسيادهم اليهود باستعبادهم واستخدامهم.

    وفي تلمودهم: أن اليهودي حلال له قتل غير اليهودي، وسلب ماله، وهتك عرضه.. إلى آخر خزعبلاتهم التي جمعوها، وكفرياتهم التي قدسوها.

    جزء من تاريخ يهود البشع

    لا تعجب أخي المسلم مما يفعلون! وما سيفعلون! فهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فهم أشد الناس عداوة للمسلمين، يقول الله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82].

    فماذا ننتظر ممن دينهم وعقيدتهم سب الله جل جلاله؟! لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] .. وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64] .. وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30]؟!!

    ماذا ننتظر من قتلة الأنبياء، وسفاكي دماء الأولياء! من قطع رأس يحيى.. ونشر بالمنشار زكريا.. سفكوا دماءهم، وأزهقوا أرواحهم، بل زادوا في كفرهم، وتمادوا في غيهم، ففي نهارٍ واحد قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً.

    بل نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم من دسَّ له السم في الشاة وكان سبب موته بعد ثلاث سنين شهيداً عليه الصلاة والسلام؟!

    إنهم اليهود الأنجاس القرود ! أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة:87] هؤلاء هم اليهود، أهل الغدر والخيانة، نقض العهود لديهم ديانة، أكَّالون للسحت، مستحلي الربا، مستبيحي الأعراض، شرذمة نجسة في كل زمان ومكان، لا يطئون وادياً إلا بفسادهم تحل اللعنات، ولا يسكنون قرية إلا بأفعالهم يسخط عليهم أهل الأرض والسموات، فطبعهم وخلقهم النقائص، وهمهم وشغلهم الدسائس.

    فمن الذي حزَّب الأحزاب على الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة ؟!

    ومن الذي تسبب في مقتل خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟!

    ومن الذي أثار الفتن وتسبب في مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه؟!

    ومن الذي أدخل الفكر الحلولي ولبَّس عقائد المسلمين، وألَّه علياً رضي الله عنه؟!

    ومن الذي نشر العقيدة الباطنية، وكان سبباً في ظهور القرامطة الذين عاثوا في الأرض فساداً، وسفكوا دماء الأبرياء، حتى الحُجاج لم يسلموا من بطشهم، والكعبة المشرفة استباحوها وسلبوها وقلعوا الحجر الأسود منها؟!

    من وراء ذلك كله؟!

    إنهم اليهود.

    ومن كان وراء سقوط الخلافة العثمانية؟!

    من أسس النظرية الماركسية، وكان وراء الموجة الإلحادية، التي أصبحت توجه دولاً، ونظام أمم، ودساتير حكومات؟!

    من كان وراء النزعة الحيوانية، والنظرة الجنسية التي لوثت عقول البشرية صغاراً وكباراً، وخاصة بعض المسلمين؟!

    من كان وراء نزعة أدب الانحلال، وموجة التفسخ والاضمحلال في علاقات الأفراد والجماعات؟!

    من الذي قاد طلائع حركة الاستشراق؛ حتى استشرى فسادها وعمَّ ظلامها وظلمها؟!

    من كان وراء حركة التنصير، وكان أبرز قواد التكفير في ديار المسلمين؟!

    إنهم اليهود أحفاد القردة والخنازير، علامة مسجلة لكل فاحشةٍ وجريمةٍ.

    حقد اليهود على المسلمين في فلسطين

    في هذه الأيام تشاهد البشرية جميعاً جحافل الجيش اليهودي بكامل عدته وعتاده، بطائراته، وقاذفاته، بأسلحته ومجنزراته، كيف يدكون المدن والقرى الفلسطينية دكاً، واحدةً تلو الأخرى، دمروا المستشفيات، دنسوا المساجد، حطموا المؤسسات، جرفوا المزروعات، هدموا المساكن والبنايات على رءوس أهلها، فتركوها قاعاً صفصفاً، لم يرحموا شيبةً لكبره، ولا عجوزاً لضعفها، ولا رضيعاً لصغره، ترى القتلى وقد اختلطت أجسادهم بالحديد والحجارة، رءوس مهشمة، وأبدان مقطعة، ومع ذلك تواصل قوات الخنازير بطشها وحقدها وقتلها في وحشية لم يسبق لها مثيل.

    كلكم رأى تلك المآسي التي نقلتها وسائل الإعلام، رأينا كيف يداهمون المنازل ملقين بالقنابل أولاً، ومن بقي أجهزوا عليه بدمٍ بارد، يقتلون الأب أمام أبنائه، والزوجة أمام زوجها، والأم أمام أبنائها في قسوة ووحشية فاقوا بها الوحوش الكواسر، والسباع الضواري.

    وفي جريمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً فاقت مأساة إيمان وفضيحة الدرة ، كيف قتلوا عائلة كاملة بطريقة بشعة مزقت قلوب الأعداء، وأحرقت أكباد الأشداء، قطعوا الأطفال وأباهم قطعة قطعة أمام ناظري الأم، ثم قطعوها قطعة قطعة فلم يبق منها إلا رأسها، لا إله إلا الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    ماذا أقول؟! بحثت في المكتبات والمكاتبات والذكريات عن عبارة تصف هذا المشهد وتعلق على هذا الموقف فلم أجد، تهاوت جميع عبارات الوحشية والقسوة والإجرام على جدار الواقع المر، خرس لساني، وتعطل جناني، فلم أجد إلا حسبنا الله ونعم الوكيل! حسبنا الله ونعم الوكيل! حسبنا الله ونعم الوكيل!

    1.   

    جرائم الهندوس بالمسلمين في الهند

    ومن فلسطين الأبية إلى مآسي المسلمين في كجرات الهندية، والذين حلَّ بهم من القتل والإبادة ما كاد ينسينا فلسطين.. مجازر ومذابح يصعب على العقل السليم تصورها، وعلى النفس الصحيحة تقبلها على أيدي الهندوس الحاقدين عبَّاد البقر المشركين، إخوان اليهود الكافرين: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] إنهم المنافس التقليدي لليهود في عداوة الإسلام والمسلمين.

    إن ما قام به عبَّاد البقر بإخواننا في كجرات جريمةً بشعة بكل المقاييس، بل هو إجرام بلا مقاييس، آلاف مؤلفة من المسلمين قتلوا بأبشع الطرق، قتلوا بالحرق يا عباد الله! يجمعونهم ثم يشعلون النار فيهم وهم أحياء، قرىً كاملةً دمروها، ومناطق سكنية أحرقوها بمن فيها من الرجال والنساء والأطفال، مشاهد أخرست الألسن، وأذهلت العقول، فلا لسان يقوى على مقال، ولا قلب يقف لوصف الحال، لا أدري بماذا أحدثكم؟ أو كيف أصور لكم؟

    هل أحدثكم عن المساجد وكيف دنسوها؟ والمصاحف كيف مزقوها، وبالنجاسة لطخوها؟!

    أم أحدثكم عن أعراضٍ انتهكوها، وكم فاحشةً بأخواتنا فعلوها؟!

    اسمعوا يا مسلمون! فتاة عمرها اثنتي عشرة عاماً، تعاقبوا عليها اغتصاباً، ثم قطعوها بسيوفهم وسكاكينهم، هذه واحدة، وغيرها أدهى وأمر.

    لم يرحموا الشيخ الكبير، ولم يتورعوا عن قتل الصغير، حتى الأطفال الرضع مزقوهم وشوهوا وجوههم بسكاكينهم ثم أحرقوهم.

    ولو وقفت أخي الحبيب! على جثث من لم يتفحموا لرأيت كيف بتروا الأرجل، ومزقوا الأيدي، وقطعوا الرءوس، يشقون الصدور ويخرجون ما فيها من أعضاء في صورة وحشية تأبى العين أن تنظر إليها، واللسان أن يصفها، والله لولا أني رأيت ذلك بعيني لما ظننت أن يفعل ذلك بشر، ولكنه الحقد الدفين، والكفر الأكبر المستبين، والكيد والبغض والحرب على الإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    فلكِ الله يا كجرات ! لك الله يا فلسطين ! لك الله يا كشمير ! لك الله يا شيشان ! لك الله يا أفغانستان ! لك الله يا جميع بقاع المسلمين!

    جروحٌ نازفة في كل مكان، وآلام تعصف بالجنان، تشكو إلى الواحد الديان، وتجأر إلى خالق الأكوان، تشكي صنوف الذل والهوان.

    يا أمة شحذ العدو لها المُـدى     حتى متى تبقين فاقدة الهدى

    درب الجهاد هو الموصل للمنى     فلم المضي مع الخضوع إلى الردى

    فيم انتظاركم وهذا جيشهـم     ملأ الدروب وعاث فيها مفسدا

    فيم السكوت وذي الدماء تدفقت     تسقي التراب ولا يكف من اعتدى

    جبناء دنيانا علينا استأسـدوا     أفلا نثور على الجبان إذا عدا

    والله لو قمنا نقاتلهم لما     وقفوا أمام البحر يرغي مزبدا

    والله لو رأوا اتحاداً ما أتوا     هذي الجرائم فابسطوا لهم اليدا

    يا أيها الزعماء! أنتم ظلنا     لا تتركونا للهواجر والردى

    قولوا لمن وقف وراء عـدونا     إما الحياد أو القطيعة للمدى

    وتخيروا يـا مسلمون! لأمركم     فالحر مختار وليس معبَّدا

    إما سكوت بالهوان مغلف     يصمي الكرامة وانحناء للعدى

    أو غضبةٌ لله تعبر نارها     كل الحدود لكي تزيل من اعتدى

    المسجد الأقصى ينادي صارخاً     والصخرة العلياء تجهر بالندى

    يا من تغيثون الصريخ إذا شكا     مهما يكن عنكم غريباً أبعدا

    هذا أخوكم صارخاً مستنجداً     هلاَّ أغثتم صارخاً مستنجدا

    أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أسباب ضعف الأمة ووهنها

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على نبيه الداعي إلى رضوانه.

    وبعد:

    نعم أيها الأحباب! هذا هو واقع المسلمين، ذلٌ وهوان، ضعف وخذلان، بالأمس كنا قادة الأمم، وسادة القوم، واليوم أصبحنا في مؤخرة الركب، وذيل القافلة، وأسفل القائمة، يحدو بنا حاديهم، ويلزمون الحقير واديهم، ونحن أهل القرآن، نحن ديننا الإسلام، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كتابنا المهيمن على الكتب، وديننا أكمل الأديان وناسخها، ونبينا خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم عند رب العالمين.

    سبحان الله يا عباد الله! أنذل ومعنا العزة؟! أنهان وبين أيدينا الكرامة؟! أنضعف ولدينا القوة؟!

    نعم يا عباد الله! هذا ما أصابنا، لأننا حدنا عن الجادة، وسلكنا غير الطريق، وأعرضنا عن درب النجاح والفلاح، ونمنا حتى أدركنا الصباح سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62] قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه أبو داود : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قال قائل: أومن قلةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

    وروى أحمد في مسنده أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) هذا هو السبب يا عباد الله! سبب ما نحن فيه، وهو العلاج لما نعانيه، إنه البعد عن منهج الله، والإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله.

    ودعوني أيها الأحباب! أنقلكم نقلة سريعة إلى معركة من معارك المسلمين الأولى، وجيش قائده أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، وأفراده أفضل البشرية بعد الأنبياء والرسل، وفي ملحمة من ملاحم المسلمين الكبرى.. إنها غزوة أحد التي هزم فيها المسلمون، وقتل فيها عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أتدرون ما سبب الهزيمة؟

    إنها معصية واحدة فقط خالف فيها الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان ما كان، وأنزل الله جل جلاله: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] أنزلها الله فيهم وهي لنا ولهم.

    فتأملوا إخواني معصية واحدة، منعت النصر من السماء لجيش خاتم الأنبياء وصحبه الأولياء، قارنوا بين ذلك وبين حال أكثر بلاد المسلمين؛ شرك بواح وكفر صراح، طواف حول القبور، واستغاثة بالولي المقبور، سحر وكهانة، تنجيم وعرافة، استحلوا المحرمات، وخادعوا رب البريات، فالربا فوائد بنكية ومعاملات تجارية، والخمر مشروبات روحية، والزنا واللواط والسحاق حريات شخصية، والاختلاط والسفور خروج عن الرجعية، وبعد ذلك نريد النصر على الأعداء، نريد العزة والارتقاء؟! لا وألف لا، حتى يعود اللبن في الضرع، ويعود أخضر هشيمُ الزرع، لن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولن تنتصر حتى يكون القرآن حاديها، وفي الظلمات والمسجد والسوق هاديها، وأيضاً وسط ناديها، لن تنتصر حتى يكون الشعار: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قولاً، واعتقاداً، وعملاً، فلا قومية ، ولا عربية، ولا بعثية ، ولا حزبية، ولا اشتراكية ، بل إسلامية، إسلامية، إسلامية على هدي خير البشرية.

    وقد يرجف المرجفون، ويثبط المتخاذلون: بأن السبب ما نحن فيه من ذل وضعف هو بسبب قوة الأعداء العسكرية، وتفوقهم العلمي، وتقدمهم التقني، وغير ذلك من أسباب مادية حجبت النظر والفكر عن الأسباب الإلهية.

    فأقول: إن تاريخ المعارك الإسلامية التي شعارها التوحيد ترد على كل خوَّارٍ متخاذل، فكم من معركة خاضها المسلمون -إن لم تكن أكثر المعارك- كانوا أفراداً أو مئات مقابل آلاف الجحافل، فكان النصر لهم: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] .. وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] .. إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].

    نصر الله يا مؤمنون! نصر الله يا مسلمون! لا يأتي إلا على الأيدي الطاهرة والقلوب النقية، على أيدي رجال يصدقون ما يعاهدون الله عليه:

    كن كالصحابة في زهدٍ وفي ورعٍ     هم القوم ما لهم في الناس أشباه

    عبَّاد ليلٍ إذا جنَّ الظلام بهم     كم عابدٍ دمعه في الخد أجراه

    وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم     هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

    يا رب! فابعث لنا من مثلهم نفراً     يشيدون لنا مجداً أضعناه

    قالها عمر رضي الله عنه مزمجراً بها يوم تسلَّم مفاتيح بيت المقدس : [نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]، وقالها سعد بن أبي وقاص لـربعي بن عامر عندما أرسله إلى رستم قائد الفرس [نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله] وقالها ربعي رضي الله عنه، فقال له رستم : مالكم أيها العرب، ما علمنا قوماً أذلَّ ولا أقلَّ منكم، للرومان ولفارس ولليونان وللهنود حضارة، أما أنتم فأهل جعلان تطاردون الأغنام والإبل في الصحراء، فماذا أتى بكم؟

    قال ربعي : [نعم كنا كما قلت وزيادة، كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام، يقتل القريب قريبه على مورد الشاة، ولكن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام].

    إذاً أيها الأحباب! إذاً أيها المسلمون! كما قالها عمر وسعد وربعي فلتلهج بها ألسنتنا، ولتعتقدها قلوبنا، ولتعمل بها جوارحنا، ولنغرسها في أزواجنا وأبنائنا ومجتمعنا، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام إن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، لا عزة لنا إلا بالإسلام، هو قوتنا وسلاحنا، وبه نصرنا، وفيه سعادتنا في الدنيا والآخرة.

    وصلوا رحمكم الله على البشير النذير كما أمركم الحكيم الخبير: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ على محمد ما تعاقب ليل ونهار، وما هلَّت الأمطار.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد، الحاضر منهم والباد.

    اللهم كن لإخواننا في فلسطين عوناً ونصيراً، اللهم وفرج همهم في فلسطين ، اللهم فرج همهم في كجرات وفي جميع بقاع المسلمين، اللهم فرج همهم، ونفسَّ كربهم، اللهم أطعم جائعهم، واستر عاريهم، واجبر كسرهم، ولمَّ شعثهم يا سميع الدعاء!

    اللهم عليك بعدوك وعدوهم، اللهم عليك باليهود والنصارى، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، واجعل سلاحهم ورصاصهم ودباباتهم عليهم يا سميع الدعاء! واجعلهم وأموالهم وذراريهم غنيمة للإسلام والمسلمين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا سميع الدعاء!

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756304864